أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٥

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]

أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٥

المؤلف:

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]


المحقق: د. أحمد محمد المهدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 977-18-0328-x
الصفحات: ٣١٨

أى ظهر لى أنها لا تحبنى بعد أن لم يكن ظاهرا ، ويلزم منه أن يكون الرب ـ تعالى ـ جاهلا بعواقب الأمور ؛ وقد أبطلناه (١).

الفرقة السابعة عشرة : النّصيريّة والإسحاقيّة (٢) :

وقد ذكرنا مذهبهم فى مسألة استحالة حلول ذات الإله ـ تعالى ـ وصفته فى محل وأبطلناه (٣).

الفرقة الثامنة عشرة : الإسماعيلية (٤) ، ولهم ألقاب سبعة :

الباطنية ، والقرامطة ، والخرمية ، والسبعية ، والبابكية ، والمحمرة ، والإسماعيلية وتسميتهم باطنية : لأنهم يزعمون أن للقرآن ظاهرا وباطنا ، وأن المراد منه الباطن دون ما هو الظاهر ، والمعلوم منه لغة ، وزعموا أن منزلة الباطن من الظاهر ، كمنزلة القشر من

__________________

(١) انظر ما مر فى الجزء الأول ل ٧٢ / ب وما بعدها.

(٢) النصيرية والإسحاقية : النصيرية : أتباع أبى شعيب محمد بن نصير البصرى النميرى توفى سنة ٢٧٠ ه‍ وكان يدعى أنه نبى بعثه أبو الحسن العسكرى الإمام الحادى عشر. والنصيرية لهم وجود مؤثر فى سوريا اليوم ، وكذلك الإسحاقية.

والفرق بينهما : أن النصيرية أميل إلى تقرير الجزء الإلهي فى على ـ رضي الله عنه ـ والإسحاقية أميل إلى تقرير الشركة فى النبوة.

انظر عن هذه الفرقة بالإضافة إلى ما ورد هاهنا : ما مر ل ١٥٥ / أص.

والملل والنحل للشهرستانى ١ / ١٠٨٨. شرح المواقف ص ٣٢ من التذييل. ورسالة فى الرد على النصيرية لابن تيمية والموسوعة الميسرة فى الأديان والمذاهب المعاصرة ص ٥١١ وما بعدها ، وإسلام بلا مذاهب للدكتور مصطفى الشكعة ص ٣٢١ وما بعدها ، وتاريخ المذاهب الإسلامية للشيخ محمد أبو زهرة ص ٦٣ وما بعدها.

والحركات الباطنية فى العالم الإسلامى للدكتور محمد الخطيب ص ٣١٩ وما بعدها.

(٣) انظر الجزء الأول من أبكار الأفكار ل ١٥٥ / أوما بعدها.

(٤) الإسماعيلية : فرقة باطنية. انتسبت إلى الإمام إسماعيل بن جعفر الصادق ظاهرها التشيع لأهل البيت. وحقيقتها هدم عقائد الإسلام. تشعبت فرقها ، وامتدت عبر الزمان حتى وقتنا الحاضر. انظر عنها بالإضافة إلى ما ورد هاهنا.

الملل والنحل للشهرستانى ١ / ١٩١ وما بعدها والفرق بين الفرق للبغدادى ص ٨١ وما بعدها والتبصير فى الدين ص ٢٣ وكتاب فضائح الباطنية للإمام الغزالى ، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازى ص ٤ وشرح المواقف للجرجانى ـ التذييل ـ ص ٣٣ وما بعدها. ومن الدراسات الحديثة : طائف الإسماعيلية للدكتور محمد كامل حسين. وتاريخ المذاهب الإسلامية للشيخ محمد أبو زهرة ١ / ٥٩ وما بعدها.

وإسلام بلا مذهب للدكتور مصطفى الشكعة ص ٢٣٧ والموسوعة الميسرة فى الأديان والمذاهب المعاصرة ص ٤٥ والحركات الباطنية فى العالم الإسلامى ـ عقائدها وحكم الإسلام فيها. للدكتور أحمد الخطيب ص ٥٥ وما بعدها.

٦١

اللباب ، ومنه قوله تعالى : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) (١).

وزعموا أن المتمسك بظاهر القرآن ، والأخبار معذب بالمشقة فى الاكتساب والباطن مؤد إلى ترك العمل بالظاهر ، وهذا القول مأخوذ من قول المنصورية ، والجناحية كما سبق تعريفه (٢).

وإنما سموا بالقرامطة : لأن أول من أسس دعوتهم ، رجل من أهل الكوفة يقال له حمدان قرمط (٣).

وإنما سموا خرمية : لإباحتهم المحرمات ، ونكاح ذوات المحارم.

وإنما سموا السبعية : لأنهم زعموا أن الرسل النطقاء بالشرائع سبع آدم ، ونوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى ، ومحمد ، ومحمد المهدى سابع النطقاء ، وأن بين كل ناطق وناطق سبعة أئمة منتمين لشريعته ، وأنه لا بد فى كل عصر من سبعة ، بهم يعرف الدين ، وحدوده ، وبهم يهتدى ، ويقتدى ، وهم متفاوتون فى الرتبة وهم :

إمام : هو المؤدى عن الله ـ تعالى ـ وهو غاية الأدلة إلى دين الله ـ تعالى.

وحجة : وهو الّذي يؤدى عن الإمام ، ويحمل علمه ، ويحتج به له.

وذو مصة : وهو الّذي يمتص العلم من الحجة : أى يأخذه عنه.

وأبواب : والباب هو الداعى الأكبر الّذي يرفع درجات المؤمنين.

وداع مأذون : وهو الّذي يأخذ العهود على الطالبين ، من أهل الظاهر فيدخلهم فى ذمة الإمام ، ويفتح لهم باب المعرفة والعلم.

__________________

(١) سورة الحديد ٥٧ / ١٣.

(٢) راجع ما مر فى هذا الفصل ل ٢٤٧ / ب.

(٣) هو حمدان بن الأشعث القرمطى. من سواد الكوفة ، وانضم للدعوة الباطنية وصار من دعاتها. وضل بسببه خلق كثير ، ونشر دعوته فى سواد الكوفة سنة ٢٧٨ ه‍ (انظر الموسوعة الميسرة فى الأديان والمذاهب المعاصرة ص ٣٩٥ ، والقرامطة تأليف الإمام عبد الرحمن بن الجوزى).

٦٢

ومكلب : وهو الّذي ارتفعت درجته فى الدين ، ولم يؤذن له بالدعوة ، ولكن أذن له بالاحتجاج ، وإذا احتج على أحد من أهل الظاهر ، وكسر عليه مذهبه حتى يطلب ويرغب ، فيؤديه المكلب ، إلى الداعى ؛ ليأخذ عليه ـ وإنما سموا ما مثل هذا مكلبا ؛ لأن مثله مثل الجارح ، يحبس الصيد على كلب الصائد ، على ما قاله تعالى : (وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ) (١).

ومؤمن : وهو الّذي أخذ عليه العهد ، وآمن ، وأيقن بالحق ودخل فى ذمة الإمام ، وحزبه. قالوا : وذلك كما أن السموات سبع ، والأراضين سبع ، والبحار سبعة والأيام سبعة ، / وأن تدبير العالم منوط بالكواكب السبعة ، وهى زحل والمشترى ، والمريخ ، والشمس ، والزهرة ، وعطارد ، والقمر.

وإنما سموا بابكية : لخروج طائفة منهم مع بابك الخرمى (٢) فى ناحية أذربيجان.

/ / وإنما سموا بالمحمرة : لأنهم لبسوا الحمرة فى أيام بابك ، وقيل : لأنهم يسمون مخالفيهم من المسلمين حميرا.

وإنما سموا إسماعيلية : لأنهم أثبتوا الإمامة لإسماعيل بن جعفر ، وقيل لانتساب زعيمهم إلى محمد بن إسماعيل بن جعفر.

وأصل دعوة هؤلاء مبنى على إبطال الشرائع ، ودحض النواميس ، الدينية ، وذلك لأن ابتداء دعوتهم أن نفرا من المجوس يقال لهم غيارية اجتمعوا فتذاكروا ما كان أسلافهم عليه من الملك ، الّذي غلب عليه المسلمون ، فقالوا : لا سبيل لنا إلى دفعهم بالسيف ؛ لكثرتهم ، وقوة شوكتهم ؛ لكنا نحتال بتأويل شرائعهم ، على وجوه تعود إلى قواعد الأسلاف من المجوس ، ونستدرج به الضعفاء منهم ؛ فإن ذلك مما يوجب الاختلاف بينهم ، واضطراب كلمتهم.

__________________

(١) سورة المائدة : ٥ / ٤.

(٢) بابك الخرمى : فارسى مجوسى الأصل. دخل الإسلام ، وسمى الحسن ، وقيل الحسين خرج على الخليفة المأمون سنة ٢٠١ ه‍ زاعما أنه سيعيد ملك فارس ، ولكنه هزم بعد معارك كثيرة ، وأرسل إلى الخليفة المعتصم سنة ٢٢٣ ه‍ الّذي أمر بقتله ، وصلبه (مروج الذهب ٤ / ٥٥ والفرق بين الفرق للبغدادى ص ٢٦٦ وما بعدها).

٦٣

وكان رأس القوم فى ذلك عبد الله بن ميمون القداح (١). وقيل حمدان قرمط ، وكان أول ما فعل أنه انتمى إلى غلاة الروافض ، واستمالهم بالدعوة إلى الإمام والحث على متابعته ، ولم يزل يستدرجهم بمخارقه ، حتى أجابه منهم طائفة كثيرة ، ولهم فى الدعوة واستدراج الطغام (٢) مراتب.

الأولى : الرزق ، وهو أن يكون الداعى فطنا ، عارفا بقبول حال المدعو ، لما يدعوه إليه بحيث لا يدعو غير قابل ، ولذلك نهوا دعاتهم ، عن إلقاء البذر فى الأراضى السبخة ، وأن لا يتكلم بالدعوة فى بيت فيه سراج ؛ أى فقيه ، أو متكلم.

الثانية : التأنيس : وهو استمالة كل واحد ، بتقرير ما يميل إليه هواه ، حتى إنه إن كان المدعو ممن يميل إلى الزهد ، والورع ، زين ذلك ، وقبح نقائضه ، وإن كان ممن يميل إلى الخلاعة ، زين له ذلك ، وقبح نفائضه ، حتى يحصل له التأنيس.

الثالثة : التشكيك ، والتعليق : وهو أنه إذا تأنس المدعو بالداعى ، شككه بعد ذلك فى أركان الشريعة ، وذلك بأن يقول له : ما معنى الحروف المقطعة فى أوائل السور ، ولم كانت الحائض يجب عليها قضاء الصوم دون الصلاة؟ ولم كان الغسل واجبا من خروج المنى ، دون البول؟ والركوع واحدا ، والسجود اثنين؟ وأبواب الجنة ثمانية ، وأبواب جهنم سبعة؟ والصبح ركعتين ، والمغرب ثلاث ، والظهر ، والعصر ، والعشاء أربعا؟ إلى غير ذلك ، فيتشكك ، ويتعلق قلبه بالعود ، إلى مراجعتهم ، فى ذلك.

الرابعة : الربط ، وذلك أنه إذا عاد إليهم ، وراجعهم فيما شككوه فيه.

قالوا له : قد جرت سنة الله ، بأخذ الميثاق ، والعهود ، واستدلوا عليه بقوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ) (٣) الآية.

فإذا أذعن لهم / استحلفوا بالأيمان التى يعتقدها ، أن يستر ما يسمعه منهم ، ولا يفشى لهم سرا ، إلا ما استفشوه.

__________________

(١) هو عبد الله بن ميمون بن داود المخزومى المعروف بابن القداح من أهل مكة ، وهو من الثقات عند الشيعة. عرف بالقداح ؛ لصناعته السهام ظهر فى جنوبى فارس ٢٦٠ ه‍ وهو الّذي نشر المبادئ الإسماعيلية بها توفى سنة ٢٨٠ ه‍ (الإعلام ٤ / ٢٨٦ ، موسوعة الأديان ص ٢٩٥).

(٢) الطّغام : أرذال الناس وأوغادهم. و ـ الضعيف الردىء من كل شيء (الطغامة) واحد الطغام و ـ الأحمق ، [يستوى فيه المذكر والمؤنث]. (ج) طغام (المعجم الوسيط ـ باب الطاء).

(٣) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٧.

٦٤

فإذا حلف ، قالوا له : إن الأشياء التى أشكلت عليك ، إنما يعرفها الإمام ومن أطلع عليها من قبله ، ولا يقدر على ذلك إلا بالترقى من درجة إلى درجة حتى تنتهى إليه.

الخامسة : التدليس ، وهو أن يدعو استجابة كل رئيس خطير ، تميل نفس المدعو إليه ، وإلى الاعتقاد فيه ، إلى دعوتهم حتى يميل إلى ما دعوه إليه.

السادسة : التأسيس وذلك بوضع مقدمات مقبولة فى الظاهر للمدعو على وجه تكون سابقة إلي ما يدعون ، إليه من الباطل.

السابعة : الخلع ، وهو طمأنينته إلى إسقاط ، وجوب الأعمال البدنية.

الثامنة : السلخ : وهو الخروج عن الاعتقاد ، الّذي هو قوام الدين ، وعند انتهاء المدعو إلى هذه المرتبة ، يأخذون فى الإباحة ، والحث على استعجال اللذات وترك التقيد ، بما وردت به النواميس الشرعية ، وتأويلات الشرائع ، كقولهم :

الوضوء : عبارة عن موالاة الأئمة.

والتيمم : هو الأخذ من المأذون عند غيبة الإمام ، الّذي هو الحجة.

وأن الصلاة : إشارة إلى الناطق وهو الرسول ، ودليله قوله تعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) (١) ، والفعل لا يكون ناهيا ؛ بل الناهي عن ذلك إنما هو الرسول.

وإن الاحتلام سبق اللسان إلى إفشاء شيء من أسرارهم ، إلى من ليس من أهله ، بغير قصد منه واغتساله ، تجديد العهد عليه.

والزكاة : تزكية النفس / / بمعرفة ما ذهبوا إليه من دينهم.

والكعبة : النبي ، والباب : عليّ.

والصفا : النبي ، والمروة : عليّ.

والميقات : الإيناس.

والتلبية : إجابة المدعو.

والإحرام : تحريم النطق بشيء من أسرارهم دون إذنهم.

ونزع الثياب التبرى ممن خالفهم.

__________________

(١) سورة العنكبوت : ٢٩ / ٤٥.

/ / أول ل ١٤٢ / ب من النسخة ب.

٦٥

والطواف بالبيت ، سبعا موالاة الأئمة.

والصوم : الإمساك عن إظهار أسرارهم.

والقيامة : قيام قائم بأمورهم ومنهم من قال هو ابتداء دون وانقضاء دور.

والميعاد : عود كل شيء إلى الأصل الّذي انفصل عنه.

وأن المراد بالجنة : راحة الأبدان من الشرائع.

والنار المشقة اللازمة من الشرائع إلى غير ذلك من ترهاتهم.

وهذا الناموس الأعظم ، والبلاغ الأكبر ، والّذي عليه مدار اعتقادهم ، وأصل دعوتهم أن الله ـ تعالى ـ ليس بموجود ، ولا معدوم ، ولا عالم ولا جاهل ، ولا قادر ، ولا عاجز ، وكذلك جميع الصفات. فإن الإثبات الحقيقى يفضى إلى الاشتراك بينه وبين سائر الموجودات فيما أطلقناه عليه ، وهو تشبيه. والنفى المطلق يفضى إلى مشاركته للمعدومات ؛ بل هو واهب هذه الصفات ، ورب المتضادات.

وربما خلطوا كلامهم بكلام الفلاسفة فقالوا : إنه أبدع بالأمر العقل التام ، ثم بتوسطه أبدع النفس التى ليست تامة ، وأن النفس لما اشتاقت إلى العقل التام / احتاجت إلى الحركة من النقص إلى الكمال ، ولن تتم الحركة إلا بآلة الحركة ؛ فحدثت الأفلاك السماوية ، وتحركت حركة دورية بتدبير النفس ؛ فحدث بتوسط ذلك الطبائع البسيطة ، ويتوسط البسائط حدثت المركبات من المعادن ، والنباتات وأنواع الحيوانات ، وأشرفها نوع الإنسان ؛ لاستعداده لفيض الأنوار القدسية عليه ، واتصال نفسه بالعالم العلوى.

وأنه لما كان العالم العلوى مشتملا على عقل كامل كلى. ونفس ناقص كلى يكون مصدر الكائنات ، وجب أن يكون فى العالم السفلى عقل مشخص كامل يكون وسيلة إلى النجاة ؛ وذلك هو الرسول الناطق.

ونفس ناقصة تكون نسبتها إلى الناطق فى تعريف النجاة ، نسبة النفس الأولى إلى العقل الأول ، فيما يرجع إلى إيجاد الكائنات ؛ وذلك هو الأساس ؛ وهو الإمام الوصى للناطق.

وكما أن تحرك الأفلاك بتحريك العقل ، والنفس ؛ فكذلك تحرك النفوس والشرائع بتحريك الناطق ، والوصى.

٦٦

وعلى هذا : فى كل عصر ودور ، إلى زمان القيامة ، وارتفاع التكاليف واضمحلال السنن ، وبلوغ النفس الناطقة كما لها ، وهو اتصالها بالعقول العلوية ، وذلك هو القيامة الكبرى ، وعندها تنحل تراكيب الأفلاك ، والمركبات ، وتنشق السماء ، وتتناثر الكواكب وتتبدل الأرض غير الأرض ، وتطوى السماء ، كطى السجل للكتاب ، ويحاسب الخلق ، ويتميز الخير عن الشر ، ويتصل كل بما يناسبه.

هذا ما كان عليه قدماؤهم ، فحين ظهر الحسن بن محمد الصباح (١) ، عاد ودعا الناس ـ أول دعوة ـ إلى إمام قائم فى كل زمان ، وأنه حجة ذلك الإمام فى زمانه ، وكان خلاصة كلامه :

أن المفتى فى معرفة الله ـ تعالى ـ ، إما أن يقول إنى أعرف البارى ـ تعالى ـ بعقلى ، ونظرى من غير احتياج إلى تعليم ، معلم صادق ، أو أن يقول : لا طريق مع العقل ، والنظر إلى المعرفة دون تعليم معلم صادق.

فإن كان الأول : فليس له الإنكار على عقل غيره ، ونظره ؛ فإنه متى أنكر عليه فقد علمه ؛ إذ الإنكار تعليم ، وهو دليل على أن المنكر عليه ، محتاج إلى المعلم.

وإن كان الثانى : فلا يخلوا : إما أن يكتفى بكل معلم على الإطلاق ـ كيف كان ـ أو أنه لا بد ، من معلم صادق.

فإن كان الأول : فليس له الإنكار على معلم خصمه ، وإن أنكر ؛ فقد سلم أنه لا بد من معلم صادق.

وإن كان الثانى : وهو أنه لا بد من معلم صادق ؛ فلا بد من معرفة المعلم الأول ، والظفر به ، والتعليم منه.

وبان أن الحق مع هذه الفرقة ، وأن رأسهم رأس المحقين ، ومن عداهم مبطلون ، ورؤسائهم رؤساء ، المبطلين.

ثم إنه منع العوام عن الخوض فى العلوم والخواص : عن النظر فى الكتب المتقدمة ، حتى لا يطلع على فضائحهم ثم زادوا ، ونقصوا / وتفلسفوا ، ولم يزالوا متسترين

__________________

(١) هو رأس الفرقة المعروفة باسمه (الصباحية) بأصبهان. كثر اتباعه فبنى القلاع ، وقوى أمره.

ولد بالرى عام ٤٣٠ ه‍ ونشأ نشأة شيعية انضم للإسماعيلية ، وعمره سبعة عشر عاما وكانت قلعة الموت عاصمة لدولته ، توفى الحسن الصباح سنة ٥١٨ ه‍ من غير سليل ؛ لأنه قتل ولديه ، فى حياته. (الموسوعة الميسرة فى الأديان والمذاهب المعاصرة ص ٢٠٣ وما بعدها.

٦٧

بالنواميس الدينية ، والأمور الشرعية حتى تحصنوا بالحصون ، وتعلقوا بالمعاقل ، وكثرت / / شوكتهم ، ورهب ملوك السوء منهم ، فأظهروا المخبآت ، وباحوا بالمكتمات ، من إسقاط التكاليف ، وإباحة المحرمات ؛ وصاروا كالحيوانات العجماوات ، من غير ضابط دينى ، ولا وازع شرعى. فنعوذ بالله من الشيطان ، والتخبط فى الأديان.

وعند هذا : فلا بد من التنبيه على إبطال (١) مخارقهم ، وزيف ما يستدرجون به الطغام ، والعوام على وجه مختصر ، وإن كان بطلان ذلك أظهر من أن يحتاج إلى البيان.

أما قولهم : إن النطقاء سبعة ، والأئمة سبعة ؛ لأن السماوات سبع ، والأراضين والبحار ، والأيام ، والكواكب المدبرة سبعة ؛ فتمثيل من غير دليل ، ثم ليس ذلك أولى من أن يقال إن النطقاء اثنا عشر ، وكذلك الأئمة ؛ لأن البروج اثنا عشر ، والأشهر اثنا عشر ، وأن يقال بالتربيع ؛ لأن العناصر أربعة ، والأخلاط أربعة ، أو بالتوحيد ؛ لأن الله واحد.

كيف؟ وأن قولهم بأن السموات سبع ، والأراضين سبع ، إن أخذوه من ظاهر القرآن ؛ فلعل الباطن مخالف للظاهر ، وإن أخذوه من قول الفلاسفة ؛ فالأفلاك عندهم تسعة ، والأرض واحدة ؛ كما أسلفناه من مذهبهم.

وعلى هذا ـ فكان يجب إن قيس النطقاء والأئمة بالسماوات ، أن يكونوا تسعة ، وإن قيسوا بالأرض ، أن يكون الناطق. واحدا ، وكذلك الإمام.

وأما الإباحة ، ومخالفة ظواهر الشرائع ، وتأويلاتها بما حرفوا به. إما أن يكون ذلك مستندا إلى العقل والنظر ، أو إلى قول الإمام المعصوم ، كما هو مذهبهم.

فإن كان الأول : فالعقل عندهم غير كاف فى ذلك. ولو كان كافيا ؛ لما احتيج إلى الإمام المعصوم.

وإن كان الثانى : فالإمام المعصوم المخبر بذلك ، لا بد ، وأن يعلم كونه معصوما ؛ ليحصل الوثوق بقوله ، وإلا لما كان قوله أولى من قول غيره.

__________________

/ / أول ل ١٤٣ / أ.

(١) (على إبطال) ساقط من ب.

٦٨

والعلم بذلك إن كان معلوما بالعقل ، والنظر ، فالعقل غير معط لذلك إلا فى حق من دلت المعجزة على صدقه ، وذلك هو الناطق ، لا الإمام ـ كيف وأن العقل عندهم غير كاف؟.

وإن كان ذلك معلوما بقوله ، فقوله : إنما يكون موجبا للعلم ، أن لو عرف صدقه فإذا ، كان صدقه ، متوقفا على قوله ، والاحتجاج بقوله ، على صدقه ، فرع صدقه ؛ فيكون دورا ، وإن كان معرفة صدقه بأمر آخر ؛ فلا بد من تصويره ، والدلالة عليه.

قولهم إن الله ـ تعالى ـ ليس بموجود ، ولا معدوم ؛ فهو إبطال لوجود الإله تعالى ؛ وقد أبطلناه فيما تقدم (١).

قولهم : إنه ليس بعالم ، ولا جاهل ولا قادر ، ولا عاجز ، وكذلك فى سائر الصفات ؛ فقد أبطلناه أيضا فى الصفات (٢).

وما ذكروه من إبداع الرب ـ تعالى ـ للعقل / وبتوسطه للنفس ، وبتوسط النفس لحركات الأفلاك ، وبتوسط حركات الأفلاك لحدوث المركبات ؛ فقد استقصينا إبطاله أيضا فيما تقدم (٣).

وإذا بطل القول بوجود العقل ، والنفس العلويين ؛ فقد بطل القول بوجود الناطق ، والإمام بالقياس عليه.

وبتقدير تسليم وجود العقل ، والنفس العلويين ؛ فقد أبطلنا فى النبوات القول بوجوب ، وجود الناطق ، وهو الرسول ، وبينا أن ذلك من الجائزات لا من الواجبات (٤).

وبتقدير وجوب وجود الناطق ، فلم قالوا بوجوب وجود الإمام؟ ولم لا يكتفى بما يبلغه إلينا الناطق ، من غير حاجة إلى إمام ، ويكون ما يسنه ، ويشرعه ، ويضعه من الضوابط ، كافيا فى المعرفة بعد موته ، كما كان ذلك كافيا فى حياته ، كيف وإن الإمام

__________________

(١) راجع ما مر فى الجزء الأول ل ٤١ / أوما بعدها.

(٢) راجع ما مر فى الجزء الأول ل ٥٤ / أوما بعدها.

(٣) راجع ما مر فى الجزء الثانى ل ٣٢ / ب وما بعدها.

(٤) انظر ما مر فى قاعدة النبوات ل ١٣٣ / أوما بعدها.

٦٩

إما أن يكون صادقا أو لا يكون صادقا ، فإن لم يكن صادقا ، فلا فائدة فيه ؛ إذ ليس قوله أولى من قول غيره ، وإن كان صادقا ؛ فلا بد من معرفة صدقه ، ولا سبيل إليه لما تقدم.

وعلى هذا فقد بطل ما ذكره الحسن بن محمد الصّباح فى أمر الإمام ، ووجوب اتباعه ، ولا نعرف خلافا بين المسلمين فى كفر هذه / / الطائفة ، وأن حكمهم حكم المرتدين ، وسيأتى تفصيل القول فيه (١).

وأما الزيدية (٢) : فثلاث فرق :

الفرقة الأولى : الجارودية (٣).

أصحاب أبى الجارود ، زعموا أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ نصّ على عليّ بالوصف ، دون التسمية ، وأن الصحابة كفروا بتركهم الاقتداء بعليّ بعد النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ثم الإمامة بعده فى الحسن ، ثم فى الحسين ، ثم الإمامة شورى فى ولدهما ، فمن خرج منهم عالما ، فاضلا ، داعيا إلى الله ؛ فهو الإمام.

ثم اختلفوا : فمنهم من قال : إن الإمام المنتظر محمد بن عبد الله بن الحسين ، وأنكر قتله ، ومنهم من قال : الإمام المنتظر محمد بن القاسم ، ومنهم من ينتظر يحيى بن عمير صاحب الكوفة ، وسيأتى إبطال قولهم فيما بعد (٤).

__________________

/ / أول ل ١٤٣ / ب.

(١) انظر ما سيأتى ل ٢٥٨ / أوما بعدها.

(٢) هم أتباع الإمام زيد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب ـ رضى الله عنهم» (٨٠ ـ ١٢٢ ه‍) وهم أقرب فرق الشيعة من أهل السنة والجماعة.

يتميزون بالبعد عن التطرف والغلو. قصروا الإمامة على أولاد على ـ رضي الله عنه ـ من فاطمة رضى الله عنها ـ وقد افترقوا إلى فرق كما هو موضح فى الأصل.

انظر بشأن هذه الفرقة : مقالات الإسلاميين للأشعرى ص ١٤٠ وما بعدها والفرق بين الفرق ص ٢٢ ، ٣٠ ـ ٣٧ والملل والنحل ص ١٥٤ ـ ١٦٢ ، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٥٢ ، ٥٣ ، وشرح المواقف ص ٣٩ ـ ٤١ من التذييل. ومن الدراسات الحديثة : الموسوعة الميسرة فى الأديان والمذاهب المعاصرة ص ٢٥٥ ـ ٢٦٢ وإسلام بلا مذاهب ص ٢٢٥ ـ ٢٣٣ ، وتاريخ المذاهب الإسلامية ص ٤٧ ـ ٥٢ ، جذور الفتنة فى الفرق الإسلامية ص ٢٢٥ وما بعدها.

(٣) الجارودية : أصحاب أبى الجارود وهو زياد بن المنذر الهمذانى الخراسانى سماه الإمام الباقر سرخوبا. وفسره :

شيطان أعمى يسكن البحر وكان من غلاة الشيعة ، وقيل عنه. إنه كذاب يضع الحديث فى مثالب الصحابة مات سنة ١٥٠ ه‍. وانظر فى شأن هذه الفرقة : مقالات الإسلاميين ص ١٤٠ وما بعدها ، والملل والنحل ص ١٥٧ وما بعدها ، والفصل لابن حزم ٤ / ١٧٩. والتبصير فى الدين ص ١٦ والفرق بين الفرق ص ٣٠ وما بعدها.

(٤) انظر ما سيأتى فى القاعدة الثامنة الإمامة.

٧٠

الفرقة الثانية : السليمانية (١)

أصحاب سليمان بن جرير : يزعمون أن الإمامة شورى ، وأن الإمامة إنما تنعقد برجلين من خيار المسلمين ، وأنها تصح للمفضول مع وجود الأفضل ، وأثبتوا إمامة أبى بكر ، وعمر ـ رضى الله عنهما ـ ولكن زعموا أن الأمة أخطأت فى البيعة لهما ، مع وجود على خطأ لا ينتهى إلى درجة الفسق ، وقضوا بتكفير عثمان ، وطلحة ، والزبير ، وعائشة ، مع القطع بأنهم من أهل الجنة ، بما ورد من النصوص فى حقهم ، وتزكية النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لهم.

الفرقة الثالثة : البترية (٢)

أصحاب بيتر الثومى قولهم كقول السليمانية غير أنهم توقفوا فى حق عثمان.

أما الإمامية (٣) المطلقة

فلم يقل أحد منهم بالحلول ، غير أنهم قالوا بالتنصيص على عليّ تعيينا ، وتعريضا ، وكفروا الصحابة بترك بيعته ، وتعرضوا للوقيعة فيهم بسبب ذلك / وهم متفقون على سوق الإمامة إلى جعفر بن محمد الصادق ، ومختلفون فى المنصوص عليه بعد ذلك ، وكانوا فى الأول على مذهب أئمتهم ، حتى اختلفت الروايات عن أئمتهم ، وتمادى الزمان عليهم ؛ فتشعّبوا ، وافترقوا ، حتى صار بعضهم معتزلة ، وبعضهم إجبارية : إما مشبهة ، وإما سلفية ، ومنهم من التحق ببعض الطوائف الضالة.

__________________

(١) السليمانية : أصحاب سليمان بن جرير الزيدى ـ وتسمى أيضا الجريرية. مقالات الإسلاميين ص ١٤٢ والملل والنحل ص ١٥٩ ، ١٦٠ ، والفرق بين الفرق ص ٣٢ ، ٣٣. والتبصير فى الدين ص ١٧ وشرح المواقف ص ٤٠ ، ٤١ من التذييل.

(٢) أتباع بتير الثومى كما هنا ، وشرح المواقف ص ٤١ من التذييل ، وأصحاب الحسين بن صالح بن حىّ وكثير النواء كما فى مقالات الإسلاميين ص ١٤٤ والفرق بين الفرق ص ٣٣ وما بعدها.

وسماها فى الملل والنحل ص ١٦١ الصالحية والبترية ، الصالحية : أصحاب الحسن بن صالح توفى سنة ١٦٩ ه‍ والبترية : أصحاب كثير النوى الأبتر توفى فى حدود سنة ١٦٩ ه‍.

(٣) هم القائلون بإمامة عليّ ـ رضي الله عنه ـ نصا ظاهرا ، وتعيينا صادقا وزعموا أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قد عيّن عليا ـ رضي الله عنه ـ للإمامة فى مواضع تعريضا وفى مواضع تصريحا ، وافترقوا إلى فرق كثيرة ذكرها كتاب الفرق بالتفصيل واختلفوا فيما بينهم فى عددها وأسمائها. انظر بشأن هذه الفرقة بالإضافة إلي ما ورد هاهنا : مقالات الإسلاميين ص ٨٨ وما بعدها ، والملل والنحل ص ١٦٢ وما بعدها والتبصير فى الدين ص ٢١ وما بعدها ، والفرق بين الفرق ص ٣٧ وما بعدها. وشرح المواقف ص ٤١ ، ٤٢ من التذييل.

٧١

أما قولهم : بالتنصيص على عليّ فسيأتى إبطاله فيما بعد (١) ، وأما تكفيرهم لأعلام الصحابة وسلف الأمة مع شهادة القرآن ، وإخبار الرسول بعدالتهم ، والرّضى عنهم ، وأنهم من أهل الجنة ؛ فهو بعيد.

أما شهادة القرآن لهم فقوله تعالى : (لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ) (٢) ، وكانوا ألفا وأربعمائة ، وقوله تعالى فى حق المهاجرين والأنصار : (وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) (٣) وقوله تعالى : (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي ساعَةِ الْعُسْرَةِ) (٤) وقوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ) (٥) ، وذلك يدل على علو رتبتهم ، وعظم شأنهم ، وكرامتهم على الله تعالى ورسوله ،

وقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «عشرة فى الجنة : أبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلى ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وسعيد ، وعبد الرحمن بن عوف ، وأبو عبيدة بن الجراح» (٦) إلى غير ذلك من الأخبار الواردة فى حقهم جملة ، وإفرادا.

ثم إنه لو كان أبو بكر ، وعمر كافرين ؛ لكان عليّ بتزويجه ابنته أم كلثوم الكبرى من عمر كافرا ، أو فاسقا ، حيث عرض ابنته للزنا ؛ لإن نكاح الكافر للمسلمة ؛ باطل بالإجماع ، والوطء الواقع فيه يكون زنا ؛ وعليّ لم يكن كافرا ، ولا فاسقا.

__________________

(١) انظر القاعدة الثامنة ل ٢٧٤ / أوما بعدها.

(٢) سورة الفتح : ٤٨ / ١٨.

(٣) سورة التوبة : ٩ / ١٠٠.

(٤) سورة التوبة : ٩ / ١١٧.

(٥) سورة النور : ٢٤ / ٥٥.

(٦) رواه أبو داود ، وابن ماجة ، والترمذي وصححه. رواه أبو داود رقم (٤٦٤٩) و (٤٦٥٠) فى السنة : باب فى الخلفاء.

والترمذي رقم (٣٧٤٩) و (٣٧٥٨) فى المناقب : باب مناقب عبد الرحمن بن عوف أحد العشرة المبشرين بالجنة ، وباب مناقب سعيد بن زيد. وابن ماجه رقم (١٣٤) فى المقدمة : باب فضائل العشرة المبشرين بالجنة رضى الله عنهم. وقال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، وقد روى من غير وجه عن سعيد بن زيد عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، وهو حديث صحيح.

٧٢

وأما الخوارج (١) : فقد انقسموا فى الأصل إلى :

المحكمية الأولى ، والبيهسية ، والأزارقة ، والنجدات ، والصفرية والإباضية ، والعجاردة.

أما المحكمية الأولى (٢) : فهم الذين خرجوا على عليّ عند التحكيم ، وكانوا اثنى عشر ألف رجل ، أهل صلاة وصيام وفيهم قال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «تحقر صلاة أحدكم فى جنب صلاتهم ، وصوم أحدكم فى جنب صومهم ، ولكن لا يجاوز إيمانهم تراقيهم» (٣).

وهم مجمعون على تجويز الإمامة فى غير قريش ، وأن كل من نصبوه برأيهم وعاشر الناس بالعدل ، واجتناب الجور ؛ كان إماما ، وإن غيّر السيرة ، وعدل عن الحق ، وجب عزله أو قتله ، وجوزوا أن لا يكون فى العالم ، إمام أصلا.

وأجمعوا أيضا على تخطئة عليّ فى التحكيم ، وتكفيره ؛ وتكفير عثمان / / وأكثر الصحابة ، وتكفير ومرتكب الكبيرة.

أما قولهم : إنه يجوز أن يكون الإمام من غير قريش ؛ فهو خلاف الإجماع من السلف وخلاف (قوله عليه‌السلام : والأئمة من قريش (٤)) ، وقوله عليه‌السلام : «قدموا قريشا ولا تتقدموها (٥).

__________________

(١) الخارجى : هو كل من خرج على الإمام الحق. سواء كان الخروج في أيام الصحابة ، أو فى أيام التابعين ، والأئمة فى كل زمان ، والخوارج من أوائل الفرق الإسلامية : وهم سبع فرق كبار. انظر عنهم بالإضافة لما ورد هاهنا : مقالات الإسلاميين للإمام الأشعرى ص ١٦٧ ـ ٢١٢ ، والفرق بين الفرق ص ٧٢ ـ ١١٣ والملل والنحل ص ١١٤ ـ ١٣٨ ، والتبصير فى الدين ص ٢٦ ـ ٣٦ واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٤٦ ـ ٥١ وشرح المواقف للشريف الجرجانى ص ٤٢ ـ ٥٣ من التذييل. ومن الدراسات الحديثة : تأملات فى التراث العقدى للفرق الكلامية (فرقة الخوارج) د / عبد السلام عبده وإسلام بلا مذاهب ص ١٢١ ـ ١٧٠ ، وتاريخ المذاهب الإسلامية ص ٦٥ ـ ٨٧.

(٢) ويقال لهم محكمة وشراة. وانظر بشأن هذه الفرقة : الفرق بين الفرق ص ٧٢ ـ ٨٢ والملل والنحل ص ١١٥ ـ ١١٨ ، والتبصير فى الدين ص ٢٦ ـ ٦٩ ، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٤٦ ، وشرح المواقف ص ٤٢ ، ٤٣ من التذييل.

(٣) أخرجه أبو داود فى سننه : ٢ / ٥٤٥ (كتاب السنة ـ باب فى قتال الخوارج) عن على رضي الله عنه.

/ / أول ل ١٤٤ / أ.

(٤) فى مسند الإمام أحمد ٣ / ١٢٩ ، ١٨٣ ، ٤ / ٤٢١ الأئمة من قريش ، إن لهم عليكم حقا ، ولكم عليهم حقا مثل ذلك ما استرحموا فرحموا ، وإن عاهدوا أوفوا ، وإن حكموا عدلوا ، فمن لم يفعل ذلك منهم ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين» قال ابن حزم فى الفصل ٤ / ٨٩ إن رواية الحديث جاءت بطريقة التواتر».

(٥) رواه السيوطى في الجامع الصغير ٢ / ٨٦.

٧٣

وقولهم بجواز خلو العصر عن الإمام ، فهو أيضا على خلاف إجماع السلف ، وأما تكفيرهم مرتكب الكبيرة ، فقد أبطلناه / فيما تقدم (١).

وأما البيهسية (٢) : أصحاب أبى بيهس الهيصم بن جابر ، قالوا : إنّ الإيمان هو الإقرار ، والعلم بالله ، وما جاء به رسوله ، حتى أن من واقع ما لا يعلم كونه حراما أو حلالا ؛ فليس بمؤمن ؛ إذ كان من حقه أن يعلم الحق.

ومنهم من خالف فى ذلك وقال : لا يكفر حتى يرفع أمره إلى الإمام ، أو نائبه فيحده ، وكل ما ليس فيه حد ؛ فهو مغفور.

ومنهم من قال : إنه لا حرام سوى ما فى قوله تعالى : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ) (٣) الآية ، وما سواه ؛ فكله حلال.

ومنهم من قال : إن الإمام إذا كفر كفرت الرعية شاهدها ، وغائبها ، وقالوا إن أطفال المؤمنين ، مؤمنين ، وأطفال الكفار ، كفار ، ووافقوا القدرية فى القدر.

ومنهم من قال : إن السكر إذا كان من شراب حلال ؛ فلا يؤاخذ صاحبه بما قال ، أو فعل ؛ بخلاف الحرام.

ومنهم من قال : إنّ السكر إذا انضم إليه فعل كبيرة ؛ فهو كفر.

أما قولهم : إن الإيمان هو الإقرار ، والعلم ؛ فقد أبطلناه فيما تقدم (٤).

وقولهم : إنه لا حرام إلا ما حرم فى الآية المذكورة ، وأن الإمام إذا كفر كفرت الرعية ، فهو أيضا خلاف الإجماع من السلف والقرآن ؛ لقوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (٥).

__________________

(١) انظر الفصل الثالث من هذه القاعدة ل ٢٤١ / ب.

(٢) أصحاب أبى بيهس الهيصم بن جابر وهو أحد بنى سعد بن ضبيعة. طلبه الحجاج فهرب منه إلى المدينة ؛ فظفر به عثمان بن حيان المزنى فحبسه ، وقتله. أما عن البيهسية فانظر بالإضافة لما ورد هاهنا. الملل والنحل ص ١٢٥ ـ ١٢٨ ، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٤٧. وشرح المواقف ص ٤٣ من التذييل.

(٣) سورة الأنعام : ٦ / ١٤٥.

(٤) انظر الفصل الأول من هذه القاعدة ل ٢٣٦ / أوما بعدها.

(٥) سورة الأنعام : ٦ / ١٦٤. وسورة الإسراء ١٧ / ١٥.

٧٤

وقولهم : إن السكر إذا كان من شراب حلال ؛ فلا يؤاخذ صاحبه بما فعل وأن السكر إذا انضم إليه فعل الكبيرة كان كفرا ؛ فهو خلاف إجماع السلف أيضا ؛ والدليل ما سبق (١).

وأما الأزارقة (٢)

أصحاب نافع بن الأزرق ، فإنهم كفروا عليا بالتحكيم وقالوا : إن عليا هو الذي أنزل فى شأنه : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيُشْهِدُ اللهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ) (٣).

وصوبوا عبد الرحمن بن ملجم (٤) بقتله لعلىّ ، وقالوا هو الّذي أنزل الله فى شأنه : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ) (٥).

وفيه قال مفتى الخوارج وزاهدها وشاعرها عمران بن حطان (٦) :

يا ضربة من تقى ما أراد بها

إلا ليبلغ من ذى العرش رضوانا

أنى لأذكره يوما فأحسبه

أو فى البرية عند الله ميزانا

__________________

(١) انظر ما مر ل ٢٤١ / ب وما بعدها.

(٢) أصحاب نافع بن الأزرق بن قيس بن نهار ، البكرى ، الوائلى ، الحرورى ، صحب في أول أمره عبد الله بن عباس.

كان من أنصار عليّ ـ رضي الله عنه ـ حتى كانت قضية التحكيم وفى سنة ٦٥ ه‍ اشتدت شوكته ، وكثرت جموعه ؛ ولكنه قتل بعد معركة كبيرة سنة ٦٥ ه‍ ، انظر بشأن هذه الفرقة بالإضافة لما ورد هاهنا.

مقالات الإسلاميين ص ١٦٨ وما بعدها ، والملل والنحل ص ١١٨ وما بعدها ، والفرق بين الفرق ص ٨٢ وما بعدها للبغدادى الّذي سماه نافع بن الأزرق الحنفى أبو راشد ، والتبصير فى الدين للأسفراييني ص ٢٩ ، ٣٠ سماه أبو راشد نافع بن الأزرق الحنفى.

(٣) سورة البقرة ٢ / ٢٠٤.

(٤) هو عبد الرحمن بن ملجم المرادى الحميرى ، كان مع الإمام على ، ثم خرج عليه واتفق مع جماعة على قتل عليّ ، ومعاوية ، وعمرو بن العاص. فى ليلة واحدة ، فقصد الكوفة وقتل الإمام عليّ بينما فشل صاحباه. (الإعلام ٤ / ١١٤).

(٥) سورة البقرة ٢ / ٢٠٧.

(٦) عمران بن حطان : رأس من رءوس الخوارج شاعر وفقيه توفى سنة ٨٤ ه‍ انظر العبر ١ / ٩٨ وديوان الخوارج جمع د / نايف معروف دار المسيرة بيروت سنة ١٩٨٣ م.

وقد رد الإمام عبد القاهر البغدادى صاحب الفرق بين الفرق على عمران بن حطان قال عبد القاهر ، وقد أجبناه عن شعره هذا بقولنا :

يا ضربة من كفور ما استفاد بها

ألا الجزاء بما يصليه نيرانا

إنى لألعنه دينا وألعن من

يرجو له أبدا عفوا وغفرانا

ذاك الشقى لأشقى الناس كلهم

أخفهم عند ربهم الناس ميزانا

٧٥

وزادوا على ذلك بتكفير عثمان ، وطلحة ، والزبير ، وعائشة ، وعبد الله بن عباس ، وسائر المسلمين معهم ، وقضوا بتخليدهم فى النار ، وكفروا القعدة عن القتال ، وإن كانوا موافقين فى الدين ، ولم يجوزوا التقيّة فى قول ، ولا عمل ، وأباحوا قتل أطفال المخالفين ، ونسائهم ، وأسقطوا الرجم عن الزانى المحصن ، وحد قذف المحصنين من الرجال دون النساء / ؛ إذ هو غير مذكور فى القرآن.

وحكموا بأن أطفال المشركين فى النار مع آبائهم ، وجوزوا بعثة نبى كان كافرا ؛ وإن علم كفره بعد النبوة.

وقضوا بأن من ارتكب كبيرة ؛ فقد كفر ، وخرج عن الملة ؛ وهو مخلد فى النار.

وأما تخطئتهم للصحابة ، فخطأ لما سبق ، ثم يقال لهم : إن كانت الآية نازلة فى حق عليّ ـ رضي الله عنه ـ فيلزم أن يكون منافقا فى زمن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وإتباع المنافق ، كفر عندكم ، ويلزم من ذلك ، أن تكونوا كفارا ، بأتباعه فى وقعة الجمل ، وصفين قبل التحكيم.

وهو مناقض لقولكم : إنه إنما كفر بالتحكيم.

وأما ما ذكروه من باقى الأحكام ؛ فقد خرقوا فيها إجماع المسلمين ، واستحلوا ما لا يحل.

أما النجدات العاذرية (١) :

أصحاب نجده بن عامر الحنفى ، وإنما سموا عاذرية ؛ لأنهم عذروا بالجهالات ، فى أحكام الفروع ، وهؤلاء وافقوا الأزارقة فى تكفير من كفرته الأزارقة من الصحابة ، وخالفوهم فى باقى الأحكام.

__________________

(١) أصحاب نجدة بن عامر النجفى وقيل الحنفى ، كان فى أول أمره مع نافع بن الأزرق وفارقه لأحداثه فى مذهبه ، ثم خرج مستقلا باليمامة سنة ٦٦ ه‍ أيام عبد الله بن الزبير ثم أتى البحرين واستقر بها. وقتله أتباع بن الزبير وقيل أتباعه سنة ٦٩ ه‍. (شذرات الذهب ١ / ٧٦ والأعلام ٨ / ٣٢٥). ولمزيد من البحث والدراسة عن هذه الفرقة : انظر الملل والنحل ص ٢٢ ـ ١٢٥ والفرق بين الفرق ص ٨٧ ـ ٩٠. والتبصير فى الدين ص ٣٠ واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٤٧. وشرح المواقف ص ٤٥ من التذييل.

٧٦

وقضوا بأنه لا حاجة للناس إلى إمام ، وإنما عليهم أن يتناصفوا ، فيما بينهم وإن رأوا إقامته ؛ فهو جائز / / وهم فى جميع ما قضوا به مخطئون.

أما التكفير ؛ فلما سبق (١) ، وأما الاستغناء عن الإمام ؛ فلمخالفة الإجماع.

وأما الصفرية (٢) :

أصحاب زياد بن الأصفر ، ومذهبهم كمذهب الأزارقة في تكفير الصحابة ، وخالفوهم فى تكفير القعدة عن القتال ، إذا كانوا موافقين فى الدين والاعتقاد ، وخالفوهم فى الرجم ، وفى تكفير أطفال الكفار ، وتعذيبهم ، وجوزوا التقية فى القول دون العمل.

وحكموا بأن ما كان من المعاصى عليه حد ؛ فليس لصاحبه اسم غير الاسم اللازم منه الحد ، ولا يكون كافرا ؛ وإنما يقال له سارق ، وزان ، وقاذف ، وعلى نحوه.

وما كان من المعاصى لا حدّ فيه ؛ لعظم قدره ، كترك الصلاة ، والصوم ؛ فهو كفر.

ومنهم من جوز تزويج المسلمات ، من كفار قومهم فى دار التقية ، دون دار العلانية وهؤلاء أيضا حكمهم فى تكفير الصحابة ، حكم الأزارقة.

وأما التكفير بترك الصلاة ، والزكاة من غير استحلال ؛ فقد أبطلناه فيما تقدم (٣) واستحلال تزويج المسلمات ـ أيضا ـ من الكفار خرق للإجماع.

__________________

/ / أول ل ١٤٤ / ب.

(١) راجع ما مر ل ٢٤١ / ب وما بعدها.

(٢) الصفرية أصحاب زياد بن الأصفر ، ويقال لهم : الصفرية الزيادية. قيل : فى سبب تسميتهم صفرية. نسبة إلى زعيمهم زياد بن الأصفر ، أو لصفرة وجوههم بسبب السهر ، والعبادة. وقيل : سموا صفرية ، لخلوهم من الدين.

انظر فى شأن هذه الفرقة بالإضافة لما ورد هاهنا : مقالات الإسلاميين ص ١٦٩ وما بعدها والملل والنحل ص ١٣٧ ، ١٣٨. والفرق بين الفرق ص ٩٠ وما بعدها ، والتبصير فى الدين ص ٣١. وشرح المواقف ص ٤٦ الّذي سماها (الأصفرية).

(٣) انظر ما سبق ل ٢٤١ / ب وما بعدها.

٧٧

أما الإباضية (١) :

أصحاب عبد الله بن أباض ، حكموا بأن مخالفيهم كفار غير مشركين ، ومناكحتهم جائزة ، وغنيمة أموالهم من السلاح ، والكراع عند الحرب حلال دون ما سواه ، وأن دار مخالفيهم دار إسلام وتوحيد دون معسكر السلطان منهم ، وأن شهادة مخالفهم مقبولة على أوليائهم ، وأنّ مرتكب الكبيرة موحد غير مؤمن ، وأن الاستطاعة قبل الفعل ، وأن أفعال العباد مخلوقة لله ـ تعالى ـ وأن العالم كله يفنى إذا فنى / أهل التكليف ، وأن مرتكب الكبيرة كافر ، كفر نعمة ، لا كفر ملّة ، وتوقفوا فى تكفير أولاد الكفار ، وتعذيبهم.

واختلفوا فى النفاق هل هو شرك أم لا؟ وأنه يجوز أن يبعث الله رسولا بلا دليل وتكليف العباد بما يوحى إليه ، اتفاقهم على تكفير عليّ ، وأكثر الصحابة ، وهم مخالفون للإجماع فى أكثر ما قالوه ، وقد افترقوا أربع فرق :

الفرقة الأولى : الحفصية (٢)

أصحاب أبى حفص بن أبى المقدام ، وقد زادوا على الإباضية بأن قالوا : إن بين الشرك ، والإيمان خصلة واحدة ، وهى معرفة الله ـ تعالى ـ فمن عرفه ثم كفر بما سواه من رسول ، أو جنة أو نار ، أو ارتكب كبيرة من الكبائر ؛ فهو كافر ، لا مشرك.

ويلزمهم على ذلك ، رجاء المغفرة لليهود ، والنصارى ، ؛ لأنهم غير مشركين عندهم

__________________

(١) الإباضية : أتباع عبد الله بن أباض بن عبد الله بن مقاعس ، من بنى مرة رأس الإباضية وهو أكثرهم اعتدالا. خرج فى عهد مروان بن محمد بن مروان وقتل أثناء المعركة. انظر بشأن الإباضية بالإضافة لما ورد هاهنا.

مقالات الإسلاميين ص ١٨٣ وما بعدها ، والفرق بين الفرق ص ١٠٣ وما بعدها ، والتبصير فى الدين ص ٣٤ والفصل لابن حزم ٤ / ١٨٨. والملل والنحل ص ١٣٤ وما بعدها ، مروج الذهب ٣ / ٣٥٨ ، والمعارف لابن قتيبة ص ٦٢٢. وشرح المواقف ص ٤٧ من التذييل ومن الدراسات الحديثة : تاريخ المذاهب الإسلامية ص ٨٠ ، والموسوعة الميسرة فى الأديان والمذاهب المعاصرة ص ١٥ ـ ٢٠ ، إسلام بلا مذاهب ص ١٣٥ ـ ١٧٠. جذور الفتنة فى الفرق الإسلامية ـ اللواء حسن صادق ص ٢٢٠ وما بعدها ، فى مذاهب الإسلاميين ـ دكتور عامر النجار ص ٩٩ وما بعدها.

(٢) الحفصية : أصحاب أبى حفص بن أبى المقدام. وانظر بشأن هذه الفرقة مقالات الإسلاميين ص ١٨٣ ، والفرق بين الفرق ص ١٠٤ والملل والنحل ص ١٣٥ والتبصير فى الدين ص ٣٤. وشرح المواقف ص ٤٨ من التذييل.

٧٨

لمعرفتهم بالله تعالى ـ على ما قاله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (١) ؛ وهو خلاف إجماع المسلمين.

الفرقة الثانية : من الإباضية اليزيدية (٢)

أصحاب يزيد بن أنيسه. زادوا على الإباضية بأن الله ـ تعالى ـ سيبعث رسولا من العجم ، وينزل عليه كتابا قد كتب فى السماء ، وينزل عليه جملة واحدة ، ويترك شريعة محمد عليه‌السلام ، وتكون ملته الصابئة المذكورة فى القرآن ، وحكموا بأن أصحاب الحدود مشركون ، وأن كل معصية كبيرة كانت ، أو صغيرة شرك.

الفرقة الثالثة : منهم الحارثية (٣) :

أصحاب أبى الحارث الإباضى ـ خالفوا الإباضية فى القول بالقدر ، كما قالت المعتزلة ، وفى الاستطاعة قبل الفعل ؛ وهو باطل بما سبق (٤).

الفرقة الرابعة : منهم : القائلون بطاعة لا يراد بها الله تعالى (٥)

زعموا أن العبد قد يكون مطيعا لله ـ تعالى ـ إذا فعل ما أمره به ، وإن لم يقصد الله ـ تعالى ـ بذلك الفعل.

وقولهم ممتنع لقوله عليه‌السلام : «لا عمل إلا بنية» ، وقوله عليه‌السلام : الأعمال بالنيات» (٦)

__________________

(١) سورة النساء : ٤ / ٤٨.

(٢) اليزيدية : أصحاب يزيد بن أنيسة كان بالبصرة ثم انتقل إلى فارس. ولمزيد من البحث والدراسة : انظر مقالات الإسلاميين ص ١٨٤ والملل والنحل ص ١٣٦ وشرح المواقف ص ٤٨. وقد اعتبرهم البغدادى فى الفرق بين الفرق ص ١٠٤ من الفرق الخارجة عن الإسلام لقولهم بنسخ شريعة الإسلام فى آخر الزمان. ثم تحدث عنهم بالتفصيل ص ٢٧٩ وحكم بخروجهم عن فرق الإسلام.

(٣) الحارثية : اتباع أبى الحارث بن يزيد الإباضى ، وقيل : حارث بن يزيد وانظر بشأن هذه الفرقة : مقالات الإسلاميين ص ١٣٤ والفرق بين الفرق ص ١٠٥ وسماه حارث بن يزيد الإباضى والملل والنحل ص ١٣٦ ، والتبصير فى الدين ص ٣٥. وشرح المواقف ص ٤٨ الّذي تابع الآمدي وسماه أبى الحارث.

(٤) انظر ما سبق ل ٢٣١ / أوما بعدها من الجزء الأول.

(٥) انظر عن هذه الفرقة الإضافة لما ورد هنا. مقالات الإسلاميين ص ١٧٢ والفرق بين الفرق ص ١٠٥ ، والتبصير فى الدين ص ٣٥ وشرح المواقف ص ٤٨ من التذييل.

(٦) صحيح البخارى ١ / ١٥ الحديث رقم (١) قال عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ سمعت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يقول : «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى : فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها ، أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه».

٧٩

وأما العجاردة (١) :

أصحاب عبد الكريم بن عجرد ، وافقوا النجدات فى مذهبهم ، وزادوا عليهم بأنه تجب البراءة عن الطفل ، حتى يدعى إلى الإسلام ، ويجب دعاؤه إذا بلغ ، وقضوا بأن أطفال المشركين فى النار. وقد تفرقوا عشر فرق (٢) :

الفرقة الأولى منهم : الميمونية (٣)

أصحاب ميمون بن عمران ، قالوا بالقدر كما قالت المعتزلة ، وتقديم الاستطاعة على الفعل ، وأن الله يريد الخير دون الشر ، وأنه لا مشيئة له فى معاصى / / العباد ، وأن أطفال الكفار فى الجنة.

ونقل عنهم أنهم يجيزون نكاح بنات البنين ، وبنات البنات ، وبنات أولاد الأخوة والأخوات ، وإنكار سورة يوسف من القرآن.

وأما قولهم : بالقدر ، وتقديم الاستطاعة على الفعل ، وأن الله ـ تعالى ـ يريد الخير دون الشر ؛ فقد أبطلناه فيما تقدم (٤).

وأما إباحة ما ذكروه (٥) وإنكار سورة يوسف من / القرآن ؛ فخلاف الإجماع وما ورد به التواتر.

__________________

(١) العجاردة : هم أصحاب عبد الكريم بن عجرد. وانظر عنهم بالإضافة لما ورد هنا : مقالات الإسلاميين ص ١٧٧ والملل والنحل ص ١٢٨ وما بعدها ، والتبصير فى الدين ص ٣٢ وما بعدها والفرق بين الفرق ص ٩٣ وما بعدها وشرح المواقف ص ٤٩.

(٢) ذكر الآمدي أن العجاردة تفرقوا عشر فرق. أما الإمام الأشعرى فذكر أنهم تفرقوا خمس عشرة فرقة مقالات الاسلاميين ص ١٧٧. وأما الأسفرايينى فقال إحدى عشرة فرقة ، التبصير فى الدين ص ٣٢. بينما حصرها فى سبع الشهرستانى في الملل ص ١٢٨ ، أما البغدادى فى الفرق بين الفرق فقال إنها عشر فرق.

(٣) أصحاب ميمون بن عمران. وقيل : ميمون بن خالد. وهو رأس الميمونية. انظر بشأن هذه الفرقة : مقالات الإسلاميين للإمام الأشعرى ص ١٧٧ والملل والنحل للشهرستانى ص ١٢٩ وشرح المواقف ص ٤٩ من التذييل. والتبصير فى الدين ص ٣٤. واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٤٨.

/ / أول ل ١٤٥ / أ.

(٤) راجع ما فى الجزء الأول القاعدة الرابعة ل ٢٣١ / أوما بعدها ، ول ٦٤ / ب وما بعدها.

(٥) (وأما إباحة ما ذكروه) ساقط من ب.

٨٠