أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٥

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]

أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٥

المؤلف:

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]


المحقق: د. أحمد محمد المهدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 977-18-0328-x
الصفحات: ٣١٨

وقد اتفقوا على أن القدم (١) أخص وصف الإله تعالى ، وعلى نفى الصفات القديمة عن ذاته (٢) ، وأن كلامه محدث مخلوق من حرف وصوت (٣) ، وأنه غير مرئى بالأبصار فى الآخرة (٤) ، وأنه يجب عليه رعاية الحكمة فى أفعاله (٥) ، وعلى التحسين والتقبيح العقلى (٦) ، وعلى أن العبد إذا خرج من الدنيا مطيعا تائبا استحق الثواب وجوبا (٧) ، إن خرج مرتكب الكبيرة من الدنيا من غير توبة استحق الخلود فى النار ، على ما سبق (٨).

/ كل ذلك وإبطاله فى مواضعه ، ثم افترقوا بعد ذلك عشرين فرقة يكفر بعضهم بعضا.

الفرقة الأولى : الواصلية (٩) :

أصحاب واصل بن عطاء الغزّال ، قالوا بنفى صفات الباري ـ تعالى ـ وبالقدر وامتناع إضافة الشر إلى أفعال الله ـ تعالى ـ وبالمنزلة بين المنزلتين ، والحكم بتخطئة أحد الفريقين وتفسيقه لا بعينه من عثمان ، وقاتليه ، وجوزوا أن يكون عثمان لا مؤمنا ، ولا

__________________

(١) انظر رأى المعتزلة ورد الآمدي عليهم بالتفصيل فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ النوع الثانى ل ٥٣ / أوما بعدها

(٢) تحدث الآمدي عن موقف المعتزلة من الصفات ورد عليهم بالتفصيل فى القاعدة الرابعة النوع الثانى : ل ٥٣ / أوما بعدها.

(٣) انظر أبكار الأفكار الجزء الأول : القاعدة الرابعة ـ النوع الثانى المسألة الخامسة : فى إثبات صفة الكلام لله تعالى ل ٨٢ / ب وما بعدها.

(٤) انظر الجزء الأول من الأبكار القاعدة الرابعة ـ النوع الثالث ـ المسألة الثانية : فى رؤية الله ـ تعالى ـ ١٢٣ / أوما بعدها.

(٥) انظر الجزء الأول من الأبكار ـ القاعدة الرابعة ـ النوع السادس المسألة الثالثة : فى أنه لا يجب رعاية الغرض ل ١٨٦ / ب وما بعدها.

(٦) انظر الجزء الأول من الأبكار ـ القاعدة الرابعة ـ النوع السادس ـ المسألة الأولى : في التحسين والتقبيح ل ١٧٤ / ب وما بعدها.

(٧) انظر الجزء الثانى من الأبكار ـ القاعدة السادسة ـ الأصل الثانى ـ الفصل الأول : فى استحقاق الثواب والعقاب ل ١٩٢ / ب وما بعدها.

(٨) الجزء الثانى من الأبكار ـ القاعدة السابعة ـ الفصل الثالث ـ فى أن العاصى من أهل القبلة هل هو كافر أم لا؟ ل ٢٤١ / ب.

(٩) عن فرقة الواصلية بالإضافة لما ورد هاهنا. انظر الملل والنحل للشهرستانى ١ / ٤٦ ، والفرق بين الفرق لبغدادى ص ١١٧ وما بعدها واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازى ص ٤٠ ، والتبصير فى الدين للأسفراييني ص ٤٠ وشرح المواقف (التذييل) ص ٦ وما بعدها تحقيق الدكتور أحمد المهدى.

٤١

كافرا ؛ لأن أحد الفريقين فاسق عندهم لا بعينه ، والفاسق ليس مؤمنا عندهم ، ولا كافرا ، وجوزوا أن يكون عثمان مخلدا فى النار ، وكذلك الحكم فى على ومقاتليه فى وقعة الجمل ، وصفين ، وحكموا بأن عليا ، وطلحة ، والزبير بعد وقعة الجمل لو شهدوا على باقة بقل ، لا تقبل شهادتهم ، كما لا تقبل شهادة المتلاعنين.

الفرقة الثانية : العمروية (١) :

أصحاب عمرو بن عبيد (٢) ومذهبهم كمذهب الواصلية ، إلا أنهم فسقوا الفريقين معا.

الفرقة الثالثة : الهذلية (٣) :

أصحاب أبى الهذيل (٤) العلاف ، ومن مذهبهم فناء مقدورات الله تعالى ، وأن أهل الخلدين يصيرون إلى سكون دائم ، ثم خمود ، لا يقدر الله تعالى ـ فى تلك الحالة على شيء ولا أهل الخلدين ـ مع صحة عقولهم ـ يقدرون على شيء. ولذلك سمى المعتزلة أبا الهذيل ، جهمى الآخرة ، وأن الله ـ تعالى ـ عالم بعلم هو ذاته ، وأنه قادر بقدرة هى ذاته ، وأنه مريد بإرادة لا محل لها ، وأن بعض كلام الله ـ تعالى ـ لا محل له وهو قوله : كن ، وبعضه فى محل : كالأمر ، والنهى ، والخبر ، والاستخبار ، وأن إرادته ـ تعالى ـ غير المراد ، وأن الحجة لا تقوم ـ فيما غاب ـ إلا بخبر عشرين فيهم واحد من أهل الجنة أو أكثر ، وكل هذه القواعد قد أبطلناها فيما تقدم (٥).

__________________

(١) عن هذه الفرقة بالإضافة إلي ما ورد هنا. انظر الفرق بين الفرق للبغدادى ص ١٢٠ وما بعدها والتبصير فى الدين ص ٤٢. اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازى ص ٤٠ وشرح المواقف [التذييل] ص ٧.

(٢) هو أبو عثمان : عمرو بن عبيد بن باب البصرى. صحب الحسين البصرى ، ثم اعتزله مع واصل بن عطاء توفى سنة ١٤٢ ه‍ ورثاه أبو جعفر المنصور الخليفة العباسى. [العبر ١ / ١٩٣ ، مروج الذهب ٣ / ٣١٣].

(٣) عن هذه الفرقة :

انظر الملل والنحل ١ / ٤٩ وما بعدها والفرق بين الفرق ص ١٢١ وما بعدها والتبصير فى الدين ص ٤٢ واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٤١ وشرح المواقف (التذييل) ص ٧.

(٤) هو محمد بن الهذيل المعروف بالعلاف ولد فى البصرة سنة ١٣١ ه‍ واختلف فى وفاته والأرجح أنه توفى سنة ٢٣٥ ه‍ وهو شيخ المعتزلة البصريين ، ويعتبر المؤسس الثانى لمذهب المعتزلة بعد واصل بن عطاء. وإنما قيل له العلاف ؛ لأن داره بالبصرة كانت فى العلافين وهو من الموالى. من أهل البصرة. وقد عده القاضى من رجال الطبقة السادسة (وفيات الأعيان ٣ / ٣٩٦ ، الفرق بين الفرق ص ١٢١ وما بعدها وطبقات المعتزلة ص ٤٤).

(٥) ارجع إلى الجزء الأول من الأبكار ، فقد رد الآمدي على أصحاب هذه الفرقة بالتفصيل.

٤٢

الفرقة الرابعة : النّظّاميّة (١) :

أصحاب إبراهيم بن سيار النّظام (٢). ومن مذهبهم أن الله ـ تعالى ـ لا يوصف بالقدرة على الشرور ، وأنه لا يقدر أن يفعل بعباده فى الدنيا ما لا صلاح لهم فيه ، ولا أن يزيد فى عذاب أهل النار شيئا ، ولا ينقص منه ، وكذلك نعيم أهل الجنة ، وأن معنى كون البارئ مريدا لأفعاله ، أنه خالقها ، مريدا ولأفعال العباد ، أنه أمر بها ، وأن الإنسان فى الحقيقة الروح ، والبدن آلتها ، وأن الطعوم ، والروائح ، والأصوات ، والألوان أجسام ، وأن الجوهر مؤلف من الأعراض ، وأن العلم مثل الجهل ، والكفر مثل الإيمان ، وأن الله ـ تعالى ـ خلق جميع المخلوقات دفعة واحدة ، وأنه لم يتقدم خلق آدم على خلق أولاده وإنما التقدم والتأخر فى الكمون (٣) ، والظهور ، وأن نظم القرآن ليس بمعجز ، وأن العباد قادرون على الإتيان بمثل القرآن وأفصح منه ، وأن التواتر الّذي لا يحصى عددا يجوز أن يكون كذبا ، وأن الإجماع ، والقياس ليس بحجة.

وقالوا بالطفرة (٤). والميل إلى الرفض ، وأن الإمامة لا تكون إلا (٥) بالنص ، وأن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ / نصّ على عليّ غير أن عمر كتم ذلك. وأن من خان فيما دون الزكاة ، أو ظلم به أنه / / لا يفسق ، وكل هذه الأقاويل فقد سبق إبطالها.

__________________

(١) انظر فى شأن هذه الفرقة بالإضافة لما ورد هاهنا.

الملل والنحل للشهرستانى ١ / ٥٣ وما بعدها والفرق بين الفرق للبغدادى ص ١٣١ وما بعدها واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازى ص ٤١ والتبصير فى الدين ص ٤٣. وشرح المواقف (التذييل ص ٩.

(٢) هو أبو إسحاق : إبراهيم بن سيار المعروف بالنّظام وهو شيخ النّظامية وهو ابن أخت أبى الهذيل العلاف. كما كان شيخا للجاحظ ، اطلع على كتب الفلاسفة ، وخلط كلامهم بكلام المعتزلة ، وهو معدود من أذكياء المعتزلة ، وذوى النباهة فيهم توفى ما بين سنة ٢٢١ ه‍ وسنة ٢٣١ ه‍.

ا طبقات المعتزلة ص ٤٩ وما بعدها والعبر ١ / ٣١٥ والأعلام ١٠ / ٣٦].

(٣) نظرية الكمون ، والظهور قال بها الفلاسفة الطبيعيون وقال بها النّظام أيضا : فمن مذهبه : أن الله ـ تعالى ـ خلق الموجودات دفعة واحدة على ما هى عليه الآن معادن ، ونباتا ، وحيوانا ، وإنسانا ، ولم يتقدم خلق آدم عليه‌السلام على خلق أولاده ، غير أن الله ـ تعالى ـ أكمن بعضها فى بعض ؛ فالتقدم والتأخر ، إنما يقع فى ظهورها من مكامنها ، دون حدوثها ، ووجودها. (الملل والنحل ١ / ٥٦).

(٤) الطفرة بمعنى الوثبة : أى أن الجسم الواحد يمكن أن يكون فى مكان ثم يصير إلى مكان ثالث ، دون أن يمر بالثانى ، وقد أحدث هذا القول النظام. وقد خالفه أكثر المتكلمين ، وردوا عليه.

انظر ما مر من أبكار الأفكار ل ٥٩ / ب وما بعدها من القاعدة الرابعة ـ الجزء الثانى ـ والملل والنحل للشهرستانى ١ / ٥٥ ، ٥٦.

(٥) مال النظام إلى قول الرافضة ، وطعن فى كبار الصحابة وقال إن الإمامة بالنص ، والتعيين ، وقد نص الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على علي ـ رضي الله عنه ـ فى مواضع ، وأظهره إظهارا لم يشتبه على الجماعة إلا أن عمر كتم ذلك ، وهو الّذي تولى البيعة لأبى بكر يوم السقيفة وطعن فى الإمامة عمر ـ وقال عنه أشياء لا تصح. (الملل والنحل ١ / ٥٧).

/ / أول ل ١٣٩ / أمن النسخة ب.

٤٣

وقولهم : إن الإمامة لا تثبت بغير النص فسيأتى إبطاله (١).

وقولهم : إن من خان فيما دون نصاب الزكاة لا يكون فاسقا ؛ فهو خلاف الإجماع.

الفرقة الخامسة : الأسوارية (٢) :

أصحاب الأسوارى (٣) ومذهبهم كمذهب النظامية ، وزادوا عليهم بأن الله تعالى ـ لا يقدر على ما علم أنه لا يفعله ، أو أخبر أنه لا يفعله ، وأن الإنسان قادر عليه وما زادوا به ؛ فقد بينا أن حاصل الخلاف فيه راجع إلى العبارة دون المعنى.

الفرقة السادسة : الإسكافية (٤) :

أصحاب أبى جعفر الإسكافى (٥) : ومن مذهبهم أن الله تعالى ـ لا يقدر على ظلم العقلاء ، وإنما يقدر على ظلم الأطفال ، والمجانين ، وهو مبنى على تصور الظلم منه ؛ وقد أبطلناه فيما تقدم.

الفرقة السابعة : الجعفرية (٦) :

وهم أصحاب جعفر بن مبشر (٧) ، وجعفر بن حرب (٨) ، وافقوا الإسكافية. وزاد جعفر بن مبشر بأن قال فى فساق الأمة : هم شر من الزنادقة ، والمجوس ، وأن إجماع الأمة على حد شارب الخمر كان خطأ ، وأن سارق حبة واحدة منخلع عن الإيمان وهذا أيضا مما سبق إبطاله.

__________________

(١) انظر ما سيأتى ل ٢٧٤ / أوما بعدها.

(٢) انظر : الانتصار للخياط ص ٥٨ ، والفرق بين الفرق ص ١٥١. والتبصير فى الدين ص ٤٤ وما بعدها وشرح المواقف (التذييل) ص ١١.

(٣) سبقت ترجمته فى أول الفصل ه ل ٢٤٤ / أ.

(٤) عن فرقة الإسكافية بالإضافية لما ورد هاهنا. انظر الفرق بين الفرق ص ١٦٩ وما بعدها والتبصير فى الدين ص ٤٨ وما بعدها وشرح المواقف (التذييل) ص ١١.

(٥) محمد بن عبد الله الإسكافى ، البغدادى ، المعتزلى (أبو جعفر) متكلم من معتزلة الطبقة السابعة له تصانيف كثيرة فى علم الكلام توفى سنة ٢٤٠ ه‍ [تاريخ بغداد ٥ / ٤١٦ ، طبقات المعتزلة ص ٧٨. معجم المؤلفين ١٠ / ٢٠٠].

(٦) عن الجعفرية بالإضافة لما ورد هاهنا :

انظر الفرق بين الفرق ص ١٦٧ وما بعدها ، والتبصير فى الدين ص ٤٧ ، ٤٨. وشرح المواقف (التذييل) ص ١٢.

(٧) جعفر بن مبشر بن أحمد الثقفى من كبار رجال الطبقة السابعة من المعتزلة البغداديين توفى سنة ٢٣٤ ه‍ (طبقات المعتزلة ص ٧٦ ، ٧٧ ، والأعلام ٢ / ١٢٦).

(٨) جعفر بن حرب الهمذانى من رجال الطبقة السابعة ، ومن أئمة المعتزلة البغداديين توفى سنة ٢٣٦ ه‍ (تاريخ بغداد ٧ / ١٦٢ ومعجم المؤلفين ٣ / ١٦٣).

٤٤

الفرقة الثامنة : البشرية (١) :

أصحاب بشر بن المعتمر (٢) ومن مذهبهم أن الألوان ، والطعوم ، والإدراكات ، وغير ذلك من الأعراض ، يجوز أن تقع متولدة فى الجسم من فعل الغير ، وأن الاستطاعة هى سلامة البنية ، وصحة الجوارح ، وتعريها عن الآفات ، وقد سبق إبطال ذلك ، وقالوا أيضا إن الله ـ تعالى ـ قادر على تعذيب الطفل ظلما له ، وأنه لو فعل ذلك ؛ لكان الطفل عاقلا ، بالغا ، عاصيا ، مستحقا للعقاب ، وكأنه يقول إن الله ـ تعالى ـ يقدر أن يظلم ، ولو ظلم لكان عادلا ؛ وهو فى غاية التناقض.

الفرقة التاسعة : المردارية (٣) :

أصحاب عيسى بن صبيح (٤) المكنى بأبى موسى المردار وهو تلميذ بشر بن المعتمر ، ومن مذهبهم أن الله تعالى قادر أن يكذب ويظلم ، ولو كذب وظلم ، لكان إلها كاذبا وظالما [(٥) تعالى الله وتقدست ذاته العلية عما يقولون علوا كبيرا (٥)] وأنه يجوز وقوع فعل من فاعلين بطريق التولد.

وأن الناس قادرون على مثل القرآن ، وأحسن منه نظما ، وأن من لابس السلطان ، كافر لا يرث ، ولا يورث منه (٦) وأن من قال برؤية الله ـ تعالى ـ وأن أفعال العباد مخلوقة لله ـ تعالى ؛ كافر ؛ وكل ذلك باطل بما سبق.

__________________

(١) البشرية : لمزيد من البحث والدراسة عن البشرية : انظر الملل والنحل ١ / ٦٤ ، ٦٥ ، والفرق بين الفرق ص ١٥٦ وما بعدها. والتبصير فى الدين ص ٤٥ ، ٤٦ ، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٤٢. وشرح المواقف (تذييل) ص ١٢.

(٢) بشر بن المعتمر البغدادى (أبو سهل) الهلالى من أهل بغداد ويقال : بل من أهل الكوفة. كان رئيسا لمعتزلة بغداد فى عصره وكان شاعرا ، وله قصيدة أربعون ألف بيت ردّ فيها على المخالفين اختلف فى تاريخ وفاته : فقيل مات ببغداد سنة ٢١٠ ه‍ ، وقيل سنة ٢٢٦ ه‍ (طبقات المعتزلة ص ٥٢ ـ ٥٤ ، الأعلام ٢ / ٢٨).

(٣) المردارية : لمزيد من البحث والدراسة عن هذه الفرقة : انظر الملل والنحل للشهرستانى ١ / ٦٨ وما بعدها. والفرق بين الفرق للبغدادى ص ١٦٤ وما بعدها. والتبصير فى الدين للأسفراييني ص ٤٧. واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازى ص ٤٢ ، وشرح المواقف (تذييل) ص ١٣.

(٤) هو أبو موسى : عيسى بن صبيح ، ولقبه المردار. يلقب براهب المعتزلة أخذ الاعتزال عن بشر بن المعتمر ، وهو من رجال الطبقة السابعة من المعتزلة وعنه انتشر الاعتزال ببغداد توفى حوالى سنة ٢٢٦ ه‍. (المنية والأمل ص ٣٩ ، والتبصير فى الدين ص ٤٧).

(٥) إضافة من الهامش رأيت من الواجب إضافتها.

(٦) (منه) ساقط من ب.

٤٥

الفرقة العاشرة : الهشامية (١) :

أصحاب هشام بن عمر الفوطى (٢) ومن مذهبهم الامتناع من إطلاق اسم الوكيل على الله ـ تعالى ـ ، وهو خلاف نص القرآن ؛ لظنهم أن الوكيل يستدعى موكلا ، وليس كذلك بل الوكيل بمعنى الحفيظ ، ومنه قوله تعالى : (قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) (٣) ، أى / حفيظ والامتناع من إطلاق القول بأن الله ـ تعالى ـ ألف بين قلوب المؤمنين ، وهو خلاف قوله تعالى : (وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ) (٤) ، وأن الأعراض لا تدل على الله تعالى ـ ، ولا على أحد من رسله ، ويلزمه على ذلك أن فلق البحر ، وقلب العصا حية ، وإحياء الموتى ، لا يكون دليلا على صدق من ظهر على يده ، وأنه لا دلالة فى القرآن ، على حكم من الحلال ، والحرام ؛ وهو محال ، مخالف للدليل ، والإجماع.

وقالوا أيضا : إن الإمامة لا تنعقد فى حالة الاختلاف ؛ بل (٥) فى حال الوفاق ، وأن عليا لم تنعقد إمامته لوقوع العقد معه حالة الاختلاف (٥) ؛ وهو خلاف الإجماع ، وأن الجنة ، والنار غير مخلوقين الآن ، وقد أبطلناه (٦) ، وإنكار حضار عثمان ، وقتله بالغيلة ، وهو خلاف ما شوهد ونقل ، وأن من افتتح الصلاة بشروطها ، ثم أفسدها فى آخرها ، كان أول صلاته معصية ، منهيا عنها ؛ وهو خلاف الإجماع.

الفرقة الحادية عشرة : الصالحية (٧) :

أصحاب الصالحى ، ومن مذهبهم جواز وجود العلم ، والقدرة ، والإرادة ، والسمع والبصر في الميت ، ويلزمهم من ذلك جواز أن يكون الناس أمواتا ، مع هذه الصفات ، وأن لا يكون الله تعالى حيا أيضا ، وأنه يجوز خلو الجواهر عن الأعراض.

__________________

(١) عن هذه الفرقة بالإضافة لما ورد هنا : انظر الملل والنحل ١ / ٧٣ وما بعدها ، والفرق بين الفرق ص ١٥٩ وما بعدها ، والتبصير فى الدين ص ٤٦ ، ٤٧ ، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٤٣ ، وشرح المواقف (التذييل) ص ١٣.

(٢) هو هشام بن عمرو الشيبانى من أهل البصرة ، ومن رجال الطبقة السادسة ، وكانت له منزلة عند الخاصة والعامة توفى سنة ٢٢٦ ه‍ (المنية والأمل ص ٥٤ ، طبقات المعتزلة ص ٦١ والفرق بين الفرق ص ١٥٩ وما بعدها).

(٣) سورة الأنعام : ٦ / ٦٦.

(٤) سورة الأنفال : ٨ / ٦٣.

(٥) من أول (بل فى حال .... إلى حالة الاختلاف) ساقط من ب.

(٦) راجع ما مر ل ٢١٧ / ب وما بعدها.

(٧) ذكر صاحب المواقف هذه الفرقة ضمن. فرق المعتزلة متابعا للآمدى وموضحا أنهم أصحاب الصالحى. أما الشهرستانى فنسبهم إلى صالح بن عمر الصالحى ، وذكر أنه ممن جمع بين القدر ، والإرجاء وتحدث عنهم ضمن فرق المرجئة (الملل والنحل ١ / ١٤٥. وشرح المواقف (التذييل) ص ١٥).

٤٦

الفرقة الثانية عشرة : الحابطية (١) :

أصحاب أحمد بن حابط من أصحاب النّظّام ، ومن مذهبهم أن للعالم إلهين خالقين. أحدهما قديم ، والآخر محدث ، وأن المسيح هو الّذي يحاسب الناس فى الآخرة ، وأنه المراد بقوله / / تعالى : (وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) (٢) وأنه الّذي يأتى فى ظلل من الغمام ؛ وهو المعنى بقوله عليه‌السلام : «إنّ الله خلق آدم على صورته» (٣) ، وبقوله : «يضع الجبار قدمه فى النار» (٤) وأنه إنما سمى المسيح ؛ لأنه أدرع الجسم اللحمانى ، وأحدثه ، وهؤلاء كفار مشركون ، لاتخاذهم إلها غير الله ـ تعالى ، وقد أقمنا الدلالة على إبطال قولهم ، فيما تقدم (٥).

الفرقة الثالثة عشرة : الحدثية :

أصحاب فضل الحدثى (٦) ومذهبهم كمذهب الحابطية ، إلا أنهم زادوا عليهم بالقول بالتناسخ وأن الحيوان جنس واحد متحمل التكليف ، وهؤلاء أيضا كفار مشركون ؛ لإشراكهم ، وقولهم بالتناسخ وقد أبطلناه.

وقولهم : بأن كل حيوان مكلف مع عدم الفهم فمخالف للعقل ، وما جاءت بالرسل ، وإجماع المسلمين.

الفرقة الرابعة عشرة : المعمرية (٧) :

أصحاب معمر بن عباد السّلمى (٨) ، ومن مذاهبهم أن الله تعالى ـ لم يخلق شيئا غير الأجسام ، ويلزمهم أن لا يكون الله ـ تعالى ـ محييا ، ولا مميتا ؛ إذ الحياة ، والموت

__________________

(١) الحابطية : من الفرق الخارجة عن الإسلام. أصحاب أحمد بن حابط المتوفى سنة ٢٣٢ ه‍ وهو من أصحاب النظام. قال عنهم الآمدي : «هؤلاء كفار مشركون». (شرح المواقف (التذييل) ص ١٥ ، والانتصار ص ٢١٨).

/ / أول ل ١٣٩ / ب من النسخة ب.

(٢) سورة الفجر : ٨٩ / ٢٢.

(٣) سبق تخريج هذا الحديث فى الجزء الأول القاعدة الرابعة ـ الصفة الحادية عشرة : الصورة [ل ١١٨ / ب].

(٤) سبق تخريج هذا الحديث فى القاعدة الرابعة ـ النوع الثانى ـ الصفة الرابعة عشرة : القدم [ل ١١٩ / ب].

(٥) انظر المصادر السابقة.

(٦) فضل الحدثى الحذاء هو وأحمد بن حابط من الغلاة وقد كفرهم الآمدي وقال : وهؤلاء كفار مشركون لإشراكهم ، وقولهم بالتناسخ وتوفى الحدثى سنة ٢٥٧ ه‍ [الانتصار للخياط ص ٢١٨ وما بعدها] وشرح المواقف للجرجانى ـ التذييل ص ١٦.

(٧) انظر فى شأن هذه الفرقة بالإضافة إلى ما ورد هاهنا : الفرق بين الفرق ص ١٥١ وما بعدها والتبصير فى الدين ص ٤٥ ، والملل والنحل ١ / ٦٥ وما بعدها ، وشرح المواقف (التذييل ص ١٦).

(٨) هو أبو عمرو : معمر بن عباد السّلمى. تفرد بأقوال ، وكان بشر بن المعتمر وهشام بن عمرو ، وأبو الحسن المدائنى من تلاميذه قتل مسموما سنة ٢٢٠ ه‍ بعد أن دس له ملك السند السّم بعد أن أرسله الرشيد لمناظرته. (طبقات المعتزلة ص ٥٤ ـ ٥٦. الفرق بين الفرق ص ١٥١ وما بعدها).

٤٧

عرضان ، والبارئ ـ تعالى ـ غير خالق لشيء من الأعراض ، ويلزمهم : على ذلك ، أن لا يكون لله ـ تعالى ـ كلام ؛ لأن المتكلم ، إما من فعل الكلام ، أو بمعنى أنه قام به كلام ، والرب تعالى ليس ـ عند هؤلاء متكلما بمعنى قيام الكلام به ؛ إذ لا صفة له تزيد على ذاته عندهم ، ولا متكلما بمعنى أنه فاعل الكلام ؛ إذ الكلام / عرض ، والعرض غير مقدور للرب ـ تعالى ـ على أصلهم ، وإن قالوا إن الكلام جسم ، فقد أبطلوا قولهم أنه أحدثه فى محل ؛ إذ الجسم لا يقوم بالجسم ؛ ويلزم على ذلك أن لا يكون الرب ـ تعالى ـ آمرا ، ولا ناهيا ، ولا ثم شريعة أصلا.

ومن مذهبهم : أن الأعراض لا نهاية لها فى كل نوع ، وأن النفس شيء معلوم عالم ، قادر ، مريد ، مختار ، ليس بمتحيز ، ولا حالا فى المتحيز.

وأن الله ـ تعالى ـ ليس بقديم ؛ لأن القدم مشعر بالتقادم الزمنى ، والبارئ ـ تعالى ـ ليس بزمنى ، وأن البارئ ـ تعالى ـ لا يعلم نفسه ؛ لأن العالم يستدعى أن يكون غير المعلوم ؛ وكل ذلك فقد أبطلناه.

وأن الإنسان لا فعل له غير الإرادة ؛ لأن باقى الأعراض من فعل الجسم ويلزمهم على ذلك أن لا يكون أحد من الناس مصليا ، ولا حاجا ، ولا معتمرا ، ولا زانيا ولا سارقا ؛ وكل ذلك كفر ، وضلالة.

الفرقة الخامسة عشرة : الثمامية (١) :

أصحاب ثمامة بن الأشرس النميرى (٢) ، ومن مذهبهم أن الأفعال المتولدة لا فاعل لها ، وأن المعرفة متولدة عن النظر ، وأنها واجبة قبل ورود السمع ، وأن اليهود ، والنصارى ، والمجوس ، والزنادقة ، يصيرون فى الآخرة ترابا ، ولا يدخلون جنة ولا نارا ، وكذلك حكمهم فى البهائم ، وأطفال المؤمنين.

__________________

(١) لمزيد من البحث والدراسة عن فرقة الثمامية ، انظر الملل والنحل ١ / ٧٠ وما بعدها ؛ والفرق بين الفرق ص ١٧٢ وما بعدها والتبصير فى الدين ص ٤٨ ، وشرح المواقف ـ التذييل ـ ص ١٧.

(٢) هو أبو معن : ثمامة بن الأشرس النميرى ـ من رجال الطبقة السابعة من المعتزلة. كان زعيم القدرية أيام المأمون ، والمعتصم ، والواثق وتوفى سنة ٢١٣ ه‍ (طبقات المعتزلة ص ٦٢ وما بعدها والفرق بين الفرق ص ١٧٢ وما بعدها).

٤٨

وأن الاستطاعة سلامة الجوارح عن الآفات ، وأن من لا يعلم خالقه من الكفار ؛ فهو معذور ، وإن المعارف كلها ضرورية ، ولا فعل للإنسان غير الإرادة ، وما عداها فهو حادث ، ولا محدث له ، وأن العالم من فعل الله ـ تعالى ـ بطبعه.

وما ذكروه من أن الأفعال المتولدة لا فاعل لها ؛ وأن المعرفة متولدة عن النظر ؛ فمبنى على القول بالتولد ؛ وقد أبطلناه (١) ، وأبطلنا أيضا القول بالوجوب قبل ورود الشرع (٢).

وقولهم : إن الكفار لا يدخلون جنة ، ولا نارا ، فهو أيضا خلاف إجماع السلف وما وردت به النصوص من تعذيب الكفار ، وخلودهم فى النار ، وما ذكروه فى الاستطاعة ؛ فقد أبطلناه أيضا.

وقولهم : إن من لا يعلم خالقه ؛ فهو معذور ؛ فسيأتى إبطاله.

وقولهم : بحدوث حوادث لا محدث لها ، وأن العالم من فعل الله ـ تعالى ـ بطبعه ؛ فقد أبطلناه.

الفرقة السادسة عشرة : الخياطية (٣) :

أصحاب أبى الحسين بن أبى عمرو الخياط (٤) ومن مذهبهم ، القول بالقدر وتسمية المعدوم شيئا ، وجوهرا ، أو عرضا ، وأن معنى كون الرب ـ تعالى ـ مريدا ، أنه قادر غير مكره ، ولا كاره ، وإن قيل له إنه مريد لأفعال نفسه ، فمعناه أنه خالق لها ، ولأفعال العباد أنه آمر بها.

__________________

(١) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ل ٢٧٢ / أوما بعدها.

(٢) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ل ١٨٤ / ب وما بعدها.

(٣) عن فرقة الخيّاطية : انظر الملل والنحل ١ / ٧٦ وما بعدها وقد ذكر معها الشهرستانى الكعبة ، وعدهما فرقة واحدة ، فقال : الحادية عشرة : الخياطية والكعبية. والفرق بين الفرق للبغدادى ص ١٧٩ ، ١٨٠.

وشرح المواقف ـ التذييل ـ ص ١٨.

(٤) هو أبو الحسين : عبد الرحيم بن محمد بن عثمان الخياط مؤلف كتاب (الانتصار والرد على ابن الراوندى الملحد) دافع فيه عن المعتزلة ، وبرأهم مما رماهم به ابن الراوندى. كان من رجال الطبقة الثامنة من المعتزلة توفى سنة ٣٠٠ ه‍.

(الفرق بين الفرق ص ١٧٩ ، ١٨٠ ، وطبقات المعتزلة ص ٨٥).

٤٩

وأن معنى كون الرب سميعا ، وبصيرا ، أنه عالم بالمسموعات ، والمبصرات ، وأن معنى كون الرب ـ تعالى ـ يرى ذاته ، وغيره ؛ أنه يعلم ذاته وغيره ؛ وكل ذلك فقد سبق إبطاله (١).

الفرقة السابعة عشرة : الجاحظية (٢) :/

أصحاب عمرو بن بحر الجاحظ (٣) ومن مذهبهم أن المعارف كلها / / ضرورية ، وإنكار أصل الإرادة شاهدا ، وأنه لا معنى للمريد غير كونه غير ساه عما يفعله ، وإن الإرادة المتعلقة بفعل الغير ، هى ميل النفس إليه ، وأن الأجسام ذوات طبائع ، والقول باستحالة عدم الجواهر ، وأن الله ـ تعالى ـ لا يخلد أحدا فى النار ، ولا يدخله إليها ؛ بل النار هى التى تجتذب أهلها إلى نفسها ، والقول بالقدر ، ونسبة الخير والشّر إلى فعل العبد ، ونفى الصفات ، وأن القرآن جسد يجوز أن ينقلب مرة رجلا ، ومرة حيوانا ، وكل ذلك أيضا ، مما سبق إبطاله (٤).

الفرقة الثامنة عشرة : الكعبية (٥) :

أصحاب أبى القاسم الكعبى ، ومن مذهبهم أن جميع أفعال الرب ـ تعالى ـ واقعة منه من غير إرادة منه لها ، وأن الله ـ تعالى ـ لا يرى نفسه إلا على معنى علمه بما يراه ، وأنه لا معنى لإدراكه الأشياء ، غير علمه بها ؛ وذلك كله أيضا باطل بما سبق (٦).

__________________

(١) راجع ما مر فى القاعدة الرابعة.

(٢) عن الجاحظية : انظر الملل والنحل للشهرستانى ١ / ٧٥ ، ٧٦. والفرق بين الفرق للبغدادى ص ١٧٥ وما بعدها.

والتبصير فى الدين للأسفراييني ص ٤٩ وما بعدها. وشرح المواقف ـ التذييل ـ ص ١٩.

(٣) هو أبو عثمان : عمرو بن بحر بن محبوب الكنانى ـ البصرى المعتزلى. كبير أئمة الأدب ، وأديب العربية. رئيس فرقة الجاحظية المنسوبة إليه ولد بالبصرة سنة ١٥٠ ه‍ كانت له مؤلفات كثيرة ، ومن الغريب أنه قتل تحتها سنة ٢٥٢ وقيل سنة ٢٥٥ ه‍. (تاريخ بغداد ١٢ / ٢١٢. العبر ١ / ٤٥٦ ، وفيات الأعيان الترجمة رقم ٤٧٩).

/ / أول ل ١٤٠ / أ.

(٤) راجع ما سبق فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة.

(٥) أصحاب أبى القاسم الكعبى : عبد الله بن أحمد بن محمود الكعبى ، البلخى الخراسانى أحد أئمة المعتزلة له آراء ، ومقالات ، انفرد بها ، وله كتب كثيرة توفى سنة ٣١٩ ه‍ انظر عنه وعن فرقته بالإضافة إلى ما ورد هاهنا.

[الملل والنحل ١ / ٧٦ وما بعدها ؛ فقد أدمج هذه الفرقة فى الخياطية ، وعدهما فرقة واحدة فقال : الحادية عشرة : الخياطية والكعبية ـ والفرق بين الفرق ص ١٧٩ ، ١٨٠ والتبصير فى الدين ص ٥١ ، ٥٢ ، وشرح المواقف (تذييل) ص ١٩ ، ٢٠. وتاريخ بغداد ٩ / ٣٨٤].

(٦) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة.

٥٠

الفرقة التاسعة عشرة : الجبائية (١) :

أصحاب أبى على ، الجبائى ، ومن مذهبهم : إثبات إرادة حادثة لا فى محل ، يكون البارئ ـ تعالى ـ بها مريدا ، وفناء لا فى محل عند إرادة فناء العالم ، وأن الله ـ تعالى ـ متكلم بكلام يخلقه الله تعالى ـ فى محل هو حروف وأصوات ، وأن المتكلم من فعل الكلام ، لا من قام به الكلام ، وأن الله ـ تعالى ـ لا يرى فى الدار الآخرة بالأبصار ، وأن العبد خالق لفعله ، وأن الخير ، والشر من أفعاله مضاف إليه ، وأن الاستطاعة قدرة زائدة على سلامة البنية قبل الفعل.

وأنه يجب على الله ـ تعالى ـ ثواب المطيع ، وعقاب العاصى عقلا ، وإن كان التأقيت ، والتخليد لا يعرف بغير السمع.

وأن الإيمان عبارة عن خصال الخير.

وأن مرتكب الكبيرة يسمى فاسقا ، لا مؤمنا ولا كافرا ، وإن مات من غير توبة ؛ فهو مخلد فى النار.

واتفقوا على إنكار كرامات الأولياء ، وأنه يجب عليه إكمال عقول الخلق ، وتهيئة أسباب التكليف إذا كلفهم ، وأن الأنبياء معصومون.

وهذا كله مما اتفق عليه الجبائية والبهشمية.

وانفردت الجبائية بأن البارى ـ تعالى ـ عالم لذاته من غير إيجاب صفة هى علم ، أو حال توجب كونه عالما ، وأن معنى كون البارى ـ تعالى ـ سميعا بصيرا ، أنه حي لا آفة به ، وأنه يجوز الآلام ، لمجرد العوض ؛ وذلك كله فقد سبق إبطاله.

__________________

(١) أصحاب أبى على الجبائى : محمد بن عبد الوهاب بن سلام الجبائى. من أكابر شيوخ المعتزلة من أشهر تلاميذه الإمام الأشعرى الّذي ناظره ، وقطعه ، وبعدها تحول عن الاعتزال ، وأصبح إماما للسنة توفى الجبائى سنة ٣٠٣ ه‍.

انظر عنه وعن فرقته [الملل والنحل ١ / ٧٨ وما بعدها فقد ذكر الجبائية مع البهشمية فى فرقة واحدة فقال : «الفرقة الثانية عشرة : الجبائية والبهشمية ، والفرق بين الفرق ص ١٨٣ ، ١٨٤ والتبصير فى الدين ص ٥٢ ، ٥٣ وشرح المواقف ـ التذييل ـ ص ٢٠ ، ٢١.

٥١

الفرقة العشرون : البهشمية (١) :

أصحاب أبى هاشم ابن الجبائى ، وقد انفردوا بمسائل منها :

استحقاق الذم ، والعقاب من غير معصية ، وهو خلاف الحكمة ، والإجماع.

وأن التوبة عن كبيرة لا تصح مع الإصرار على غيرها ، مع علمه بقبح ما أصر عليه ، وذلك يوجب أن لا يصح إسلام الكافر مع إصراره على أدنى مظلمة ظلمها ، وأن التوبة عن الذنب لا تصح ممن لا يقدر على / مثل ذلك الذنب الّذي تاب عنه ، حتى أن الكاذب لو تاب عن الكذب ، بعد أن صار أخرس ، والزانى لو تاب عن الزنا ، بعد الجب أو العنة ، لا تصح توبته ، وهو خلاف قوله عليه‌السلام : «التائب من الذنب كمن لا ذنب له»

وأنه يمتنع تعلق علم واحد بمعلومين على التفصيل ، ويلزمهم على ذلك الشك فى نعيم أهل الجنة وعذاب أهل النار ؛ إذ هو غير معلوم بعلم واحد ، ولا بعلوم غير متناهية.

وأجمعوا على إثبات أحوال لله ـ تعالى ـ غير معلومة ، ولا مجهولة ، ولا قديمة ، ولا محدثة ، وهو تناقض ، فإنه لا معنى لكون الشيء مجهولا ، إلا أنه غير معلوم ، ولا معنى لكون الشيء حادثا ، إلا أنه ليس قديما ـ كيف؟ وأن إثبات حالة لله ـ تعالى ـ وهى غير معلومة ، مما لا سبيل إليه.

وأما الشيعة (٢) :

فاثنتان وعشرون فرقة يكفر بعضهم بعضا ، وقد انقسموا فى الأصل إلى ثلاث فرق : (غلاة ـ وزيدية ـ وإمامية).

أما الغلاة : فقد افترقوا ثمانى عشرة فرقة.

__________________

(١) أصحاب أبى هاشم : عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائى ، من كبار رجال المعتزلة. كان زميلا للإمام الأشعرى فى مدرسة والده ألف كتبا كثيرة وله آراء ومقالات انفرد بها مات ببغداد سنة ٣٢١ ه‍. انظر عنه وعن فرقته بالإضافة لما ورد هاهنا [الملل والنحل للشهرستانى ١ / ٧٨ وما بعدها ، فقد ذكر الجبائية مع البهشمية واعتبرهما فرقة واحدة ـ الجبائية والبهشمية ـ والفرق بين الفرق ص ١٨٤ وما بعدها. واعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازى ص ٤٤ والتبصير فى الدين ص ٥٣ وما بعدها .. وفرق وطبقات المعتزلة ص ٩٤].

(٢) الشيعة هم الذين شايعوا الإمام على ـ رضي الله عنه ـ وقالوا : إنه الإمام بعد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بالنصّ. إما جليا ، وإما خفيا ، واعتقدوا أن الإمامة لا تخرج عنه ، وعن أولاده. وإن خرجت. فإما بظلم يكون من غيرهم وإما بتقية منهم. وهم اثنتان وعشرون فرقة ، وقد انقسموا إلى ثلاث فرق : (غلاة ـ وزيدية ـ وإمامية). ولمزيد من البحث والدراسة : انظر مقالات الإسلاميين للإمام الأشعرى ١ / ٦٥ ـ ١٦٦. فقد ذكر أنهم ثلاثة أصناف : الصنف الأول : الشيعة الغالية : وهم خمس عشرة فرقة. الصنف الثانى الشيعة الإمامية : وهم أربع وعشرون فرقة. الصنف الثالث : الشيعة الزيدية وهم ست فرق. وانظر أيضا التبصير فى الدين ص ١٦ ـ ٢٦. الفرق بن الفرق ص ٢٩ ـ ٧٢ ، ص ٢٣٠ ـ ٢٦٩. والملل والنحل ١ / ١٤٦ ـ ١٩٨ واعتقادات فرق المسلمين ص ٥٢ ـ ٦٦.

٥٢

الفرقة الأولى : السبائية (١) :

أصحاب عبد الله بن سبأ الّذي قال لعلى : أنت الإله حتى نفاه إلى المدائن فلما قتل عليّ ، زعم ابن سبأ أن عليا ، لم يمت ، وفيه الجزء الإلهي ، وأن ابن ملجم. إنما قتل شيطانا ، تصور بصورة على ، وأنه فى السحاب ، وأن الرعد صوته ، والبرق سوطه ، وأنه ينزل إلى الأرض بعد هذا ويملؤها عدلا ، ولهذا فإن هذه الطائفة إذا سمعوا صوت الرعد قالوا : عليك السلام يا أمير المؤمنين ، ولا يخفى كفر هذه الطائفة / / لإضافتها الألوهية إلى عليّ.

ثم يقال لهم إن كان عليّ حيّا ، وأن ابن ملجم لم يقتل إلا شيطانا ؛ فقاتل الشيطان محمود ، لا مذموم ، ملعون.

الفرقة الثانية : الكاملية (٢) :

أصحاب أبى كامل كفّروا الصحابة بتركهم بيعة عليّ ، وكفّروا عليّا بتركه طلب الحق ، وإظهاره وهم قائلون بالتناسخ وأن الإمامة نور تتناسخ من شخص إلى شخص ، وأن ذلك النور قد يكون فى شخص نبوة ، وفى شخص إمامة.

الفرقة الثالثة : البيانية (٣) :

أصحاب بيان بن سمعان التميمى ، زعموا أن الإله ـ تعالى ـ على صورة إنسان وأنه يهلك كله إلا وجهه ، لقوله تعالى : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (٤). وأن روح الإله تعالى

__________________

(١) هم أصحاب عبد الله بن سبأ ، كان فى الأصل يهوديا ؛ فاظهر الإسلام ، وحاول أن يحدث فى الإسلام ، ما أحدثه بولس فى المسيحية ، ولكن الله حمى دينه الّذي تعهد بحفظه بحفظ كتابه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) وابن سبأ ، وأتباعه خارجون عن الإسلام [مقالات الإسلاميين ١ / ٨٦ وما بعدها والملل والنحل ١ / ١٧٤ ، والفرق بين الفرق ص ٢٣٣ وما بعدها].

/ / أول ل ١٤٠ / ب.

(٢) الكاملية : أصحاب أبى كامل ومنهم بشار بن برد الشاعر انظر التبصير فى الدين ص ٢١ ، ولمزيد من البحث والدراسة عن هذه الفرقة. انظر الفرق بين الفرق ص ٥٤ وما بعدها. والملل والنحل ١ / ١٧٤ ، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٦٠ ، وشرح المواقف ـ التذييل ـ ص ٢٣ ؛ فقد نقل عن الآمدي قوله

(٣) أصحاب بيان بن سمعان التميمى النهدى اليمنى ، زعموا أن الإمامة صارت من أبى هاشم إلى بيان بوصيته إليه.

[وهم خارجون على الإسلام] وقد ظهر بيان بن سمعان بالعراق ، وادعى النبوة ، ثم ادعى الألوهية ؛ فقتله خالد القسرى والى العراق سنة ١١٩ وقيل سنة ١٢٠ ه‍. انظر عن هذه الفرقة بالإضافة لما ورد هاهنا : مقالات الإسلاميين ص ٦٦ ، ٦٧ ، والتبصير فى الدين ص ٧٢ والملل والنحل ١ / ١٥٢ ، والفرق بين الفرق ص ٢٣٦ وما بعدها. وشرح المواقف ص ٢٣ ، ٢٤ ، والكامل لابن الأثير ٥ / ٨٢.

(٤) سورة القصص ٢٨ / ٨٨.

٥٣

ـ حلت فى عليّ ، ثم بعده فى ابنه محمد بن الحنفية ، ثم بعده فى ابنه أبى هاشم ثم بعده ، فى بيان.

وهذه الطائفة كافرة ؛ لقولهم إن بعض الإله يهلك ، ودعوى ألوهية على ، وابنه ، وابن ابنه ، وألوهية بيان.

الفرقة الرابعة : المغيرية (١) :

أصحاب المغيرة بن سعيد العجلى ، زعموا أن الله ـ تعالى ـ جسم ، وأن صورته صورة رجل من نور على رأسه تاج من نور ، وله قلب تنبع منه الحكمة ، وأنه لما أراد خلق العالم تكلم / بالاسم الأعظم فطار ، فوقع تاجا على رأسه ، ثم إنه كتب على كفه أعمال الدنيا ، فغضب من المعاصى ، حتى عرق ، فاجتمع من عرقه بحران ، أحدهما ملح مظلم ، والثانى عذب نير ، ثم اطلع فى البحر النير ، فأبصر ظله ، فانتزع عين ظله وخلق منها الشمس ، والقمر ، وأفنى باقى ظله ، وقال لا ينبغى أن يكون معى إله غيرى ، ثم إنه خلق الخلق كله من البحرين ، الكفر ، من البحر المظلم ، والإيمان ، من البحر النير ، ثم أرسل إلى الناس محمدا وهم ضلال.

ثم عرض الأمانة على السموات ، والأرض ، والجبال وهى أن يمنعن عليا من الإمامة ، فأبين ذلك ، ثم عرض على الناس ، فأمر عمر بن الخطاب أبا بكر أن يتحمل منعه من ذلك ، وضمن له أن يعينه على الغدر به بشرط أن يجعل له الخلافة من بعده ؛ فقبل منه ، وأقدما على المنع متظاهرين عليه ، وذلك قوله تعالى : (وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (٢) يعنى أبا بكر.

وزعم هؤلاء أن قوله تعالى : (كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ) (٣) نزل فى أبى بكر ، وعمر.

وهؤلاء يزعمون أن الإمام المنتظر محمد بن عبد الله بن الحسين بن على بن أبى طالب ، وأنه حي لم يمت ، وهو مقيم فى جبال حاجر إلى أن يؤمر بخروجه. ومنهم من يقول : إن الإمام المنتظر هو المغيرة. وطريق الرد عليهم ، ما سبق فى الرد على المشبهة.

__________________

(١) المغيرية : أصحاب المغيرة بن سعيد العجلى : كان ساحرا ، وادعى النبوة ، وفضل عليا ـ رضي الله عنه ـ على الأنبياء ـ قتله خالد بن عبد الله القسرى ، والى العراق حرقا سنة ١١٩ ه‍ وقيل سنة ١٢٠ ه‍. انظر بشأن هذه الفرقة وصاحبها بالإضافة لما ورد هاهنا : [مقالات الإسلاميين ١ / ٦٩ وما بعدها ، والملل والنحل ١ / ١٧٦ ـ ١٧٨ ، والفرق بين الفرق ص ٢٣٨ وما بعدها ، والتبصير فى الدين ص ٧٣ ، وشرح المواقف ـ التذييل ـ ص ٢٤ ، ٢٥].

(٢) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٧٢.

(٣) سورة الحشر : ٥٩ / ١٦.

٥٤

الفرق الخامسة : الجناحية (١) :

أصحاب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ذى الجناحين.

يزعمون أن الأرواح تتناسخ ، وأن روح الإله ـ تعالى ـ كانت فى آدم ، ثم فى شيث ، ثم صارت إلى الأنبياء ، والأئمة حتى انتهت إلى على وأولاده الثلاثة من بعده ، ثم صارت إلى عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ، وأنه حي لم يمت ، بجبل من جبال أصفهان ، وكفروا بالقيامة ، واستحلوا المحرمات من الخمر ، والميتة ، وغيرهما.

وهؤلاء أيضا كفار ، لدعواهم بإلهية آدم ، وغيره ، واستحلالهم المحرمات من غير شبهة.

الفرقة السادسة : المنصورية (٢) :

أصحاب أبى منصور العجلى.

يزعمون أن الإمامة صارت إلى أبى جعفر محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب ، وأنه عرج به إلى السماء وأن معبوده مسح بيده على رأسه ، وقال له : يا بنى اذهب فبلغ عنى .. ثم أنزله إلى الأرض ، وأنه الكسف الساقط من السماء ، وأنه المراد من قوله تعالى : (وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ) (٣).

وزعموا أيضا أن الرسل لا تنقطع أبدا ، وكفروا بالجنة والنار ، وأحلوا المحرمات ، وأسقطوا الفرائض.

وزعموا أن الجنة رجل أمرنا بموالاته ، وهو الإمام ، وأن النار رجل أمرنا بمعصيته ، وهو معاند للإمام كأبي بكر وعمر وغيرهما ، وأن الفرائض رجال أمرنا بموالاتهم ، والمحرمات رجال أمرنا بمعصيتهم.

__________________

(١) سميت هذه الفرقة بالجناحية نسبة إلى جعفر بن أبى طالب ـ رضي الله عنه ـ الشهيد الّذي كان يلقب بالطيار ، وذى الجناحين ؛ لأن مؤسسها من أحفاده. ورأس هذه الفرقة عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ذى الجناحين ، خرج على الأمويين ، فى عهد آخر خلفائهم ، وجرت بينهم معارك ـ وفى ذلك الوقت بدأت الدولة العباسية يظهر أمرها ؛ فسار إليه أبو مسلم الخراسانى وقضى عليه. انظر فى شأن هذه الفرقة ومؤسسها.

[مقالات الإسلاميين ١ / ٦٧ والفرق بين الفرق ص ٢٥٥ والتبصير فى الدين ص ٧٣ واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٥٩ وشرح المواقف ـ التذييل ـ ص ٢٥].

(٢) أصحاب أبى منصور العجلى : من عبد القيس ، كان يسكن الكوفة ، وكان أميا لا يقرأ وادعى الإمامة ، ثم ادّعى النبوة ، ولما زادت فتنه ، وضلالاته ؛ قتله يوسف بن عمر الثقفى ، وصلبه. ولمزيد من البحث والدراسة عن هذه الفرقة : انظر مقالات الإسلاميين للأشعرى ١ / ٧٤ وما بعدها ، والملل والنحل ١ / ١٧٨ ، ١٧٩ والفرق بين الفرق ص ٢٤٣ ، والتبصير فى الدين ص ٧٣ ، واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٥٨ ، وشرح المواقف ـ تذييل ـ ص ٢٦.

(٣) سورة الطور : ٥٢ / ٤٤.

٥٥

وهؤلاء أيضا كفار ؛ لاستحلالهم المحرمات / ورفض الفرائض من غير شبهة.

الفرقة السابعة : الخطابية (١) :

أصحاب أبى الخطاب الأسدى ، زعموا أن الأئمة أنبياء ، وأن أبا الخطاب كان نبيا وأن الأنبياء فرضوا على الناس طاعته.

ثم زادوا ، وزعموا أن الأئمة آلهة ، وأن أبناء الحسن ، والحسين أبناء الله / / وأحباؤه ، وأن جعفر إله ، إلا أن أبا الخطاب أفضل منه ، ومن على بن أبى طالب ، ويستحلون شهادة الزور لموافقيهم ، على مخالفيهم ، ثم افترق هؤلاء بعد قتل أبى الخطاب (٢).

فمنهم من قال : الإمام بعد أبى الخطاب معمر ، وعبدوه كما عبدوا أبا الخطاب. وزعموا أن الجنة ما ينالهم فى الدنيا من خير ، ونعيم ، وأن النار ما يصيبهم فى الدنيا من المشاق والهموم ، واستباحوا المحرمات وترك الفرائض.

ومنهم من قال : الإمام بعد أبى الخطاب بزيغ ، وأن كل مؤمن يوحى إليه تمسكا بقوله تعالى : (وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) (٣) : أى بوحى من الله ، وزعموا أن منهم من هو خير من جبريل ، وميكائيل ، وأنهم لا يموتون ، وأن الواحد منهم إذا بلغ إلى النهاية ارتفع إلى الملكوت.

ومنهم من قال : الإمام بعد أبى الخطاب عمر بن بيان العجلى ، إلا أنهم اعترفوا بأنهم يموتون ، ولا شك فى كفر الخطابية ؛ لجعلهم الأئمة آلهة ، واستباحتهم المحرمات وترك الفرائض.

__________________

(١) أصحاب أبى الخطاب محمد بن أبى زينب الأسدى ، الأجدع ، مولى بنى أسد ـ نسب نفسه للإمام جعفر بن محمد الصادق ، فلما وقف على غلوه فى حقه ، تبرأ منه ؛ فادعى الإمامة لنفسه ، وقتله عيسى بن موسى فى عهد المنصور سنة ١٤٣ ه‍. وانظر بشأن هذه الفرقة بالإضافة لما ورد هاهنا. مقالات الإسلاميين للأشعرى ١ / ٧٦ ، والملل والنحل ١ / ١٧٩ ، والتبصير فى الدين ص ٧٣ والفرق بين الفرق للبغدادى ص ٢٤٧ وما بعدها وشرح المواقف ـ التذييل ـ ص ٢٧.

/ / أول ل ١٤١ / أ.

(٢) افترق الخطابية بعد قتل أبى الخطاب إلى خمس فرق :

الفرقة الأول : المعمرية. قالوا : الإمام بعد أبى الخطاب معمر.

الفرقة الثانية : البزيغية. نسبة إلى رجل منهم اسمه [بزيغ].

الفرقة الثالثة : العميرية. أتباع عمير بن بيان العجلى.

الفرقة الرابعة : المفضلية : لانتسابهم إلى رجل يقال له مفضل الصيرفى.

الفرقة الخامسة : الخطابية المطلقة ، ثبتت على موالاة أبى الخطاب فى دعاويه كلها.

انظر عنهم بالتفصيل المراجع السابقة المذكور فى ترجمة أبى الخطاب.

(٣) سورة آل عمران : ٣ / ١٤٥.

٥٦

الفرقة الثامنة : الغرابية (١) :

الذين قالوا إن عليا كان أشبه بمحمد من الغراب بالغراب ، والذباب ، بالذباب ، وأن الله تعالى ـ بعث جبريل إلى على ، فغلط ، وأدى الرسالة إلى محمد ، لمشابهته به ، ولذلك يلعنون صاحب الريش : أى جبريل ، وقد قال شاعرهم :

غلط الأمين فجازها عن حيدر

وهؤلاء مما يجب تكفيرهم ؛ لإنكار نبوة محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وأنه لم يكن رسولا عن الله تعالى ـ فى نفس الأمر.

الفرقة التاسعة : الذمية (٢).

وإنما لقبوا بذلك ؛ لأنهم يرون ذم محمد عليه‌السلام ، ويزعمون أن عليا إله ، وأنه بعث محمدا ليدعوا إليه ؛ فادعى الأمر لنفسه.

ومنهم من قال بإلهية محمد ، وعلى ، إلا أن منهم من يقدم عليّا فى أحكام الإلهية.

ومنهم من يقدم محمدا ، ومنهم من قال بإلهية خمسة أشخاص ، وهم أصحاب العباء : محمد ، وعلى ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين ، وأن خمستهم شيء واحد ، وأن الروح حالة فيهم بالسوية ، ولا فضل لواحد على الآخر ، ولم يسموا فاطمة بالتأنيث ؛ بل فاطم ، ولذلك قال شاعرهم :

توليت بعد الله فى الدين خمسة

نبيا وسبطين وشيخا وفاطما

وهؤلاء كفار ؛ لاتخاذهم عليا إلها.

__________________

(١) الغرابية : قوم يزعمون أن الله تعالى ـ أرسل جبريل عليه‌السلام إلى على ـ رضى الله عنه ـ فغلط فى طريقه ، وذهب إلى محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهؤلاء أكفر من اليهود والمشركين لأنهم يلعنون جبريل ، ومحمدا عليهما‌السلام. وانظر بشأن هذه الفرقة : التبصير فى الدين ص ٧٤ ، والفرق بين الفرق ص ٢٥٠ واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٥٩ ، وشرح المواقف ـ التذييل ـ ص ٢٨.

(٢) الذمية : أصحاب العلباء بن ذراع الدوسى وقال قوم : هو الأسدى. وإنما لقبوا بذلك لأنهم يرون ذم محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وأطلق عليهم الشهرستانى العلبائية نسبة إلى العلباء انظر عنهم : الملل والنحل ١ / ١٧٥ ، والفرق بين الفرق ص ٢٥١ ، والتبصير فى الدين ص ٧٥ وشرح المواقف ـ التذييل ـ ص ٢٨ ، ٢٩.

٥٧

الفرقة العاشرة : الهشامية (١)

أصحاب الهشاميين : هشام بن الحكم (٢) ، وهشام بن سالم الجواليقى (٣).

اتفقوا على أن الله ـ تعالى ـ جسم ذو حد ، ونهاية.

غير أن هشام بن الحكم زعم : أن الله ـ تعالى ـ طويل عريض ، عميق ، وأن طوله وعرضه ، وعمقه ، متساو ، وأنه كالسبيكة الصافية يتلألأ ، من كل جانب. وزعم أن الله تعالى / له لون ، وطعم ، ورائحة ، ومجسه ، وليست هذه الصفات غيره ، وأنه يتحرك ويسكن ، ويقوم ، ويقعد. وأن بين الله ـ تعالى ـ والأجسام مشابهة ، لو لاها لما دلت عليه ، وأنه يعلم ما تحت الثرى ، بالشعاع المنفصل عنه المتصل بما تحت الثرى.

وحكى أن الله ـ تعالى ـ سبعة أشبار بشبر نفسه ، وأنه مماس للعرش على وجه لا يفضل أحدهما على الآخر ، وأنه مريد للأشياء : وإرادته حركة ليست عينه ولا غيره ، وأنه لا يعلم الأشياء قبل كونها ؛ بل بعد كونها بعلم لا يوصف بكونه قديما ، ولا حادثا ؛ لأنه صفة والصفة لا توصف ، وأنه متكلم بكلام هو صفته ، ولا يوصف بكونه مخلوقا ، ولا غير مخلوق.

وزعم أن الأعراض لا دلالة لها على الله ـ تعالى ـ ، وأن الأئمة معصومون والأنبياء غير معصومين ؛ لأن النبي يوحى إليه بمعصيته ؛ فيتوب ؛ بخلاف الإمام فإنه لا يوحى إليه ؛ فوجب أن يكون معصوما.

وأما هشام بن سالم فزعم : أن الله ـ تعالى ـ على صورة الإنسان ، وله حواس خمس ويد ، ورجل ، وأنف ، وأذن ، وعين ، وفم ، ووفرة سوداء ، ونصفه الأعلى مجوف ، والأسفل مصمت إلا أنه ليس لحما ، ودما ، وقد سبق إبطال ذلك كله (٤).

__________________

(١) انظر بشأن هذه الفرقة بالإضافة لما ورد هاهنا : مقالات الإسلاميين للأشعرى ص ١٠٦ ، ١٠٩ فقد قسم الرافضة القائلين بالتجسيم إلى ست فرق الفرقة الأولى : أتباع هشام بن الحكم الرافضى. والفرقة الرابعة منهم. أتباع هشام بن سالم الجواليقى. والملل والنحل ص ١٨٤ وما بعدها ، ذكر أنها فرقة واحدة كذا. التبصير فى الدين ص ٢٥ وأما الفرق بين الفرق ص ٢٢٧ فذكر أن الهشامية فرقتان. هشامية منتسبة إلى هشام بن الحكم الرافضى ، وهشامية منتسبة إلى هشام بن سالم الجواليقى.

(٢) هشام بن الحكم الشيبانى بالولاء الكوفى كان شيخ الإمامية فى وقته ، ولد بالكوفة وسكن بغداد وتوفى سنة ١٩٠ ه‍ (الفرق بين الفرق ص ٢٢٧ ، والأعلام ٩ / ٨٢).

(٣) هشام بن سالم الجواليقى كان مولى لبشير بن مروان ، وهو من شيوخ الرافضة القائلين بالتشبيه ، والتجسيم (المصادر المذكورة فى هامش ١).

(٤) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع الرابع : فى إبطال التشبيه وما لا يجوز على الله ـ تعالى ـ ل ١٤٢ / أو ما بعدها.

٥٨

الفرقة الحادية عشرة : الزرارية (١)

أصحاب زرارة بن أعين ، قالوا : بحدوث صفات الله ـ تعالى ـ من علمه ، وقدرته ، وحياته ، وسمعه ، وبصره ، وأنه لم يكن قبل هذه الصفات حيا ، ولا عالما ولا قادرا ولا سميعا ولا بصيرا. وهو أيضا باطل بما سبق.

الفرقة الثانية عشرة : اليونسية (٢)

أصحاب يونس بن عبد الرحمن القمى ، يزعمون أن الله ـ تعالى ـ على عرشه تحمله الملائكة ، وهو أقوى منها. (كالكركى تحمله رجلاه وهو أقوى منهما ؛ وذلك يدل على احتياج الرب ـ تعالى ـ إلى غيره من مخلوقاته // ؛ وهو باطل بما سبق من استغنائه المطلق (٣).

الفرقة الثالثة عشرة : الشيطانية (٤)

أصحاب محمد بن النعمان الملقب بشيطان الطاق يزعمون : أن الله ـ تعالى ـ نور غير جسمانى ؛ لكنه على صورة إنسان ، وأنه لا يعلم الأشياء إلا بعد تكونها ؛ وقد أبطلناه (٥).

__________________

(١) أصحاب زرارة بن أعين الشيبانى أبو الحسن رأس الفرقة الزرارية من غلاة الشيعة توفى سنة ١٥٠ ه‍.

وانظر بشأن هذه الفرقة مقالات الإسلاميين ١ / ١٠٢ ، والتبصير فى الدين ص ٢٤ ، والفرق بين الفرق ص ٧٠ وشرح المواقف ـ تذييل ـ ص ٣٠.

(٢) هم أصحاب يونس بن عبد الرحمن القمى ، كان فى الإمامة على مذهب القطعية الذين قطعوا بموت موسى بن جعفر ، وأفرط فى التشبيه ، ويقال إنه رجع عن التشيع توفى سنة ١٥٠ ه‍ وانظر بشأن هذه الفرقة وصاحبها.

الفرق بين فرق ص ٧٠ والتبصير فى الدين ص ٢٤ والملل والنحل ص ١٨٨. واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٦٥ وشرح المواقف ص ٣٠.

(٣) انظر ما مر ل ١٦٤ / ب من الجزء الأول.

/ / أول ل ١٤١ / ب.

(٤) الشيطانية : هم أتباع محمد بن النعمان ، الملقب بشيطان الطاق ـ والشيعة تلقبه بمؤمن الطاق ـ وهو أبو جعفر ، الأحول ، الكوفى ، وكان معاصرا لأبى ضيفة ، وجعفر الصادق وإضافته إلى سوق فى طاق المحامل بالكوفة ؛ فنسب إليه ، توفى سنة ١٦٠ ه‍. وانظر بشأن هذه الفرقة : مقالات الإسلاميين ص ١١١ ، والتبصير فى الدين ص ٢٤ ، والفرق بين الفرق ص ٧١ واعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٦٥ ، وشرح المواقف ـ التذييل ـ ص ٣١.

(٥) راجع ما مر فى الجزء الأول ل ٧٢ / ب وما بعدها.

٥٩

الفرقة الرابعة عشرة : الرّزامية (١) :

وهم الذين ساقوا الإمامة إلى محمد بن الحنفية ، ثم إلى ابنه ثم ، إلى على بن عبد الله ابن العباس ، ثم ساقوها فى ولده إلى المنصور ، ثم ادعوا حلول الإله تعالى ـ فى أبى مسلم وأنه لم يقتل ، واستحلوا المحارم.

ومنهم من ادعى الإلهية فى المقنع (٢) ، وهؤلاء أيضا كفرة بدعواهم حلول الإله فى غيره.

الفرقة الخامسة عشرة : المفوضة (٣) :

زعموا أن الله تعالى ـ خلق محمدا ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أولا وفوض إليه خلق الدنيا ، وإنه الخلاق لها ، بما فيها.

ومنهم من قال مثل هذه المقالة ، فى على كرم الله وجهه ؛ وهو باطل بما بيناه من امتناع وجود خالق غير الله ـ تعالى (٤).

الفرقة السادسة عشرة : البدائية (٥) :

الذين جوزوا البداء (٦) على الله ـ تعالى ـ ، وأنه يريد الشيء ثم يبدو له ويظهر له ما لم يكن ظهر له أولا ؛ فإنه لا / معنى للبداء إلا هذا ، ومنه يقال بدا لنا سور المدينة : أى ظهر ـ بعد أن لم يكن ظاهرا ، وقال الشاعر :

ولما بدا لى أنها لا تحبنى

وأن هواها ليس عنى بمنجلى

__________________

(١) أتباع رجل يقال له رزام بن رزم من مرو. قال الأشعرى فى المقالات ويقال لها الأبومسلمية أيضا ، انظر بشأن هذه الفرقة بالإضافة لما ورد هنا. مقالات الإسلاميين للأشعرى ص ٩٦ ، والملل والنحل ص ١٥٣ ، والفرق بين الفرق ص ٢٥٦. والتبصير فى الدين ص ٧٦. وشرح المواقف ص ٣١ من التذييل.

(٢) المقنع : رجل من أهل مرو كان على دين الرزامية احتجب عن الناس ببرقع واغتر به جماعة وقتل فى عهد الخليفة المهدى سن ١٦٣ ه‍.

(٣) المفوضة : انظر بشأن هذه الفرقة : التبصير فى الدين ص ٧٥ فقد ذكر الأسفرايينى أن هذه الفرقة فرع من فرقة الغرابية ، وقال بهذا أيضا البغدادى فى الفرق بين الفرق ص ٢٥١ وقال وهذه الفرقة شر من المجوس ، والنصارى.

وانظر أيضا اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ص ٥٩ وشرح المواقف ص ٣١.

(٤) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الجزء الأول ـ القسم الأول ـ النوع السادس ـ الأصل الثانى : فى أنه لا خالق إلا الله ـ تعالى ـ ولا مؤثر فى الحوادث سواه ل ٢١١ / ب وما بعدها.

(٥) انظر بشأن هذه الفرقة مقالات الإسلاميين ص ١١٣ ، وشرح المواقف ـ التذييل ـ ص ٣٢.

(٦) البداء : ظهور الرأى بعد أن لم يكن. (التعريفات للجرجانى ص ٥٢).

٦٠