أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٥

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]

أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٥

المؤلف:

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]


المحقق: د. أحمد محمد المهدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 977-18-0328-x
الصفحات: ٣١٨

وأما من جهة المعقول فمن وجهين :

الأول : أنه لو كان الإيمان هو فعل الطاعات ؛ للزم أنّ من زادت طاعاته على طاعات النبيّين عددا ؛ أن يكون إيمانه أكثر من إيمان الأنبياء ؛ وهو ممتنع.

الثانى : أنه لو كانت الطاعات إيمانا ؛ لكانت المعاصى كفرا ؛ لأن الإيمان ضدّ الكفر ، والطاعة ضد المعصية ؛ فإذا حكم على أحد الضدّين بحكم ؛ وجب الحكم بضد ذلك الحكم على الضد الآخر. وهذا الوجه الضعيف ، من حيث أنه لا يمتنع اشتراك المتضادات فى حكم واحد ، ولو لزم من الحكم على أحد الضّدين بحكم ، أن يحكم بضد ذلك الحكم على الضدّ الآخر ، لما تصور الاشتراك بين / الضدّين فى حكم من الأحكام.

وإن سلمنا امتناع الاشتراك بينهما فى حكم أحدهما ؛ فغايته ثبوت الحكم لأحدهما وانتفاؤه عن الآخر ، أما أن يكون ضد ذلك الحكم ، واجب الثبوت للضدّ الآخر ، فلا.

وعلى هذا : فغاية ما يلزم من الحكم على الطّاعة بكونها إيمانا ، أن لا يحكم على المعصية بكونها إيمانا ، أما أنه يحب أن يكون كفرانا ؛ فلا.

قولهم : لو كان الإيمان هو التصديق ؛ لما صحّ وصف المكلّف به حقيقة فى حالة نومه ، وغفلته ؛ فهو لازم عليهم فى كل ما يفسرون الإيمان به ، غير التصديق.

والجواب : إذ ذاك يكون متحدا.

قولهم : لو كان الإيمان هو التصديق ؛ لصحّ تسمية المصدّق بإلهيّة غير الله تعالى ـ مؤمنا.

قلنا : يصح تسميته بذلك ؛ نظرا إلى الوضع اللّغوى ، ولا يصح نظرا إلى العرف الاستعمالى ، وهو تخصيص العرف بالإيمان ، بإطلاقه على بعض مسمياته ، ولا يوجب ذلك تغير الوضع ، كتخصيص اسم الدّابة فى العرف بذوات الأربع ، وقوله تعالى : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) (١).

__________________

(١) سورة يوسف ١٢ / ١٠٦.

٢١

قلنا : الإيمان شرعا ضدّ الشّرك بالاجماع ، وما ذكروه ؛ فهو لازم لهم على كلّ مذهب من المذاهب المتقدم ذكرها ، وإذا كان ذلك لازما على الكلّ ، ولا بد من العمل بلفظ الإيمان فى واحد منها ؛ فلا يخفى أنّ ما فيه موافقة الوضع يكون أولى.

قولهم : ما المانع أن يكون الإيمان هو التّصديق باللّسان؟

قلنا : لما ذكرناه من الأدلة الدالة على اختصاص الإيمان بتصديق القلب.

قولهم : أهل اللّغة لا يفهمون من التصديق غير ذلك ، دعوى مجرّدة من غير دليل ؛ فلا تقبل.

كيف وانّا نعلم من حال النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عند إظهار المعجزة أنّه لم يكتف من الناس بمجرد الإقرار باللّسان ، ولا بالعمل بالأركان مع تكذيب الجنان ؛ بل كان يسمى من كانت حاله كذلك كاذبا ، ومنافقا ومنه قوله ـ تعالى ـ تكذيبا للمنافقين عند قولهم للرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ (نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللهِ وَاللهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنافِقِينَ لَكاذِبُونَ) (١)

وقال ـ تعالى ـ (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) (٢) كيف : وأنه لا يخفى إبطال القول بأن الإيمان هو مجرد الإقرار باللسان من جهة إفضائه إلى تكفير ، من أبطن التصديق بالله تعالى ، ولم يعلن الإقرار باللسان لمانع ، والحكم بإيمان من أقر بلسانه ، وأبطن التكذيب بالله ورسوله.

وإلى ما انتهينا إليه ـ هاهنا ـ بالبحث المستقصى ، نعلم صحّة مذهب الشيخ أبى الحسن الأشعرى ـ رحمه‌الله ـ وبطلان جميع مدارك ما عداه من المذاهب الواهية المحكيّة ، فإنّا لم نأل جهدا فى استقصائها ، وتحريرها ، والتنبيه على إبطالها.

وأما أن الإيمان هل يزيد / / وينقص ؛ فقد اختلف فيه :

__________________

(١) سورة المنافقون ٦٣ / ١.

(٢) سورة البقرة ٢ / ٨.

/ / أول ل ١٣٧ / أ.

٢٢

فمنهم من قال : / بزيادته ، ونقصانه (١).

ومنهم من قال : بأنه لا يزيد ، ولا ينقص (٢).

ومنهم من فصّل وقال : إن إيمان الله ـ تعالى ـ الّذي أوجب اتّصافه بكونه مؤمنا لا يزيد ، ولا ينقص.

أما إيمان الأنبياء والملائكة ؛ فإنه يزيد ، ولا ينقص.

وأما إيمان من عداهم ، فإنه يزيد ، وينقص.

الحق فى ذلك : أن إيمان الرّب تعالى ـ لا يزيد ، لا ينقص ، وإلا كان ما يتصف به من زيادة الإيمان ونقصانه حادثا ، والرب ـ تعالى ـ ليس محلا للحوادث كما سبق (٣).

وأما إيمان غيره ، فمن فسر الإيمان بالطّاعات ؛ فإنه يزيد ، وينقص ؛ لإمكان الزيادة ، والنقصان فى الطاعات (٤).

__________________

(١) هم السلف ومن تبع طريقتهم : قالوا : الإيمان يزيد ، وينقص. يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة ، وينقص حتى يدخله النار. وقد استدلوا على صحة ما ذهبوا إليه بأدلة كثيرة من الكتاب الكريم ، والسنة النبوية المطهّرة والآثار السلفية. (انظر شرح العقيدة الطحاوية لابن أبى العز الحنفى ص ٣٧٤ ـ ٣٧٨ فقد ذكر عشرات الأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه).

(٢) هم الاحناف ومن قال بقولهم : إن الإيمان هو التصديق. لأن التصديق فى نفسه مما لا يتزايد ، وما لا يتزايد ؛ فلا نقصان له إلا بالعدم. ولا زيادة عليه إلا بانضمام مثله إليه ؛ فلا زيادة إذن للإيمان بانضمام الطاعات إليه ولا نقصان بارتكاب المعاصى ؛ إذ التصديق فى الحالين على ما كان قبلهما (انظر بالإضافة إلى ما ورد هاهنا : تبصرة الأدلة لأبى المعين النسفى الحنفى ص ٨٥٨. تحقيق الدكتور محمد الأنور ، رسالة دكتوراه بكلية أصول الدين).

(٣) راجع ما مر فى الجزء الأول ل ١٤٦ / أوما بعدها.

(٤) يرى السلف أن الإيمان يزيد ، وينقص. يزيد حتى يدخل صاحبه الجنة ، وينقص حتى يدخله النار. أما زيادة الإيمان من جهة الإجمال ، والتفصيل : فمعلوم أنه لا يجب فى أول الأمر ما وجب بعد نزول القرآن كله.

وأما الزيادة بالعمل ، والتصديق ، المستلزم لعمل القلب ، والجوارح : فهو أكمل من التصديق الّذي لا يستلزمه ، فالعلم الّذي يعمل به صاحبه ، أكمل من العلم الّذي لا يعمل به. والأدلة على زيادة الإيمان ، ونقصانه من الكتاب ، والسنة ، والآثار السلفية كثيرة جدا. منها : قوله ـ تعالى ـ (وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً) [الانفال : ٢](وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً) [مريم : ٧٦](وَيَزْدادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً) [المدثر : ٣١](هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً) [الفتح ٤]. ومن السنة : قوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من ولده ، ووالده ، والنّاس أجمعين» والمراد نفى كمال الإيمان. وحديث شعب الإيمان «الإيمان بضع وسبعون شعبه أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق». وفى هذا أعظم دليل على زيادة الإيمان ونقصانه. أما الآثار المروية عن الصحابة فمنها : قول أبى الدّرداء ـ رضي الله عنه ـ «من فقه المرء أن يتعهد إيمانه ، وما نقض منه ، ومن فقه العبد أن يعلم أيزداد هو ، أم ينتقص». وكان عمر ـ رضي الله عنه يقول لأصحابه : «هلموا نزدد إيمانا ، فيذكرون الله عزوجل». وفى هذا ما يدل على أن الإيمان يزيد وينقص (انظر شرح الطحاوية ص ٣٦٥ ـ ٣٧٧).

٢٣

ومن فسره بخصلة واحدة من تصديق ، أو غيره ؛ فإنه لا يقبل الزيادة والنقصان من حيث هو خصلة واحدة ، اللهم إلا أن ينظر إلى كثرة اعداد أشخاص ، تلك الخصلة ، وقلتها فى آحاد الناس ؛ فإنّه يكون قابلا للزّيادة ، والنقصان على ما حققناه من قبل.

٢٤

الفصل الثانى

فى تحقيق معنى الكفر شرعا

والكفر فى اللّغة : مأخوذ من الكفر وهو السّتر ، ومنه تقول العرب : كفر درعه بثوب : أى ستره ، ومنه قولهم : للرماد مكفورا. إذا اسفت عليه الريح التّراب ، وللزّارع كافر ؛ لأنه يستر البذر بالتّراب عند حراثته ، ويقال للّيل كافر : لستره ما يكون فيه ، ويقال للبحر كافر : لانه إذا طمى ستر الجزائر وغطّاها ، وقد يطلق الكفر فى اللّغة على ضدّ الإيمان ، حتى أنه يقال : لمن كذب بشيء ، كفر به ، كما يقال لمن صدق بشيء آمن به (١).

وأما فى اصطلاح المتكلمين : فقد اختلفوا فيه على حسب اختلافهم فى الإيمان : فمن قال الإيمان بالله هو معرفته ؛ قال الكفر هو الجهل بالله ـ تعالى ـ وهو غير منعكس على المحدود ، وشرط الحدّ : أن يكون مطردا منعكسا حتى لا يكون الحدّ أعمّ من المحدود ، ولا المحدود أعم من الحد كما سبق تعريفه (٢).

وبيان أنه غير منعكس : أن جحد الرسالة ، وسبّ الرسول عليه‌السلام ، والسجود للصنم ، وإلقاء المصحف فى القاذورات ، كفر بالإجماع ، وليس هو جهلا بالله ـ تعالى ـ ؛ فإنه قد يصدر ذلك من العارف بالله ـ تعالى ـ والجاهل بالدلالة على العلم ، بامتناع هذه الأمور ، أو مع المعرفة بها ؛ فلا يكون فعل هذه الأمور دالا علي الجهل بالله ـ تعالى ـ.

ومن قال الإيمان هو الطاعات : كالمعتزلة. وبعض الخوارج قال : الكفر هو المعصية لكن اختلفوا : فقالت الخوارج : كل معصية كفر.

__________________

(١) انظر المعجم الوسيط باب الكاف ص ٧٩١ وما بعدها. ففيه معلومات مهمة تؤكد صحة ما أورده الآمدي قارن ما ذكره الآمدي عن معنى الكفر بما ورد عن كل من : الشهرستانى فى نهاية الاقدام ص ٤٧٢. وأصول الدين للبغدادى ص ٢٤٨ وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٥١ وما بعدها.

(٢) انظر ما مر ل ٣٢ / أمن القاعدة الثالثة.

الباب الأول : فى الحد ـ الفصل الثالث : فى شرط الحد ، وما يجتمع جملة أقسام الحدود فيه ، وما لا يجتمع.

قال الآمدي : «وشرط الحد على اختلاف أقسامه : أن يكون جامعا : لا يخرج عنه شيء من المحدود. مانعا : لا يدخل فيه ما هو خارج عن المحدود. فإنه إذا لم يكن جامعا : كان المحدود أعم من الحدّ. وإذا لم يكن مانعا : كان الحد أعم من المحدود. وعلى كلا التقديرين : لا يكون الحدّ مميزا للمحدود ، ولا معرفا له»

٢٥

وأما المعتزلة : فإنهم قسموا المعاصى إلى :

معصية هى كفر : وهى كل معصية تدل على الجهل بالله ـ تعالى ـ كسبّ الرسول ـ عليه‌السلام ـ والقاء المصحف فى القاذورات.

وإلي معصية لا توجب اتصاف فاعلها بالكفر ، ولا بالفسوق ، ولا يمتنع معها الاتصاف بالإيمان : كالسفة ، وكشف العورة ، إلى غير ذلك.

وإلى / معصية توجب الخروج من الإيمان ، ولا توجب الاتّصاف بالكفر ؛ بل بالفسوق والفجور : كالقتل العمد العدوان ، والزنا ، وشرب الخمر ، ونحوه فصاحبها فى منزلة بين المنزلتين : أى ليس بكافر ، ولا مؤمن. وأول من أحدث هذا المذهب واصل بن عطاء (١) وعمرو بن عبيد (٢). وطريق الرد على هؤلاء إنما هو ببيان أن كل معصية لا تدل على تكذيب الرسول فيما جاء به ؛ فإنها لا تكون كفرا على ما سيأتى تحقيقه فى الفصل الّذي بعده (٣).

وربّما قالت المعتزلة : الكفر عبارة عن فعل قبيح ، أو إخلال بواجب يستحق عليه أعظم العقاب ؛ وهو فاسد.

أما أولا : فلأنه مبنى على فاسد أصولهم ، فى استحقاق العقاب على المعاصى وهو باطل كما سبق (٤)

وأما ثانيا : فلأن انواع الكفر متفاوتة فى العقوبة ، فعقوبة الشّرك بالله تعالى ، وسبّه ، أعظم من عقوبة إنكار الرسالة ، وعقوبة إنكار الرّسالة أعظم من عقوبة الاستخفاف بالرّسول ، وهذا يوجب أن لا يكون إنكار الرسالة ، والاستخفاف بالرسول كفرا ، إذ لا يستحق عليه أعظم العقاب ؛ لأن عقاب الشّرك بالله ـ تعالى ـ ، وسبّ الله ـ تعالى ـ أعظم منه.

__________________

(١) انظر عنه وعن آرائه ما سيأتى ل ٢٤٤ / أوما بعدها.

(٢) انظر عنه وعن آرائه ما سيأتى ل ٢٤٤ / ب وما بعدها.

(٣) ولمزيد من البحث انظر شرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٥١ وما بعدها. شرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ٢٥١ وما بعدها. ومن كتب المعتزلة : شرح الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار ص ٦٩٥ وما بعدها وللمقارنة انظر شرح العقيدة الطحاوية لابن أبى العز الحنفى ، فقد ذكر آراء الفرق ، وناقشها ، ورد عليها بالتفصيل ص ٤١٣ وما بعدها.

(٤) انظر ما مر ل ٢٢٣ / ب وما بعدها.

٢٦

فلئن قالوا : الكفر هو الّذي يستحق عليه عقابا ، أكثر من عقاب الفسق ؛ فلا يصحّ ؛ لأن / / الفسق أعم من الكفر ؛ فكل كفر فسوق ، وليس كل فسوق كفرا.

وعند ذلك : فلا يتميز عقاب الكفر عن عقاب الفسوق.

فلئن قالوا : أعظم من عقاب الفسوق الّذي ليس بكفر ، فقد أخذوا الكفر فى حد الكفر ، وتعريف الشيء بنفسه محال.

ومن قال الإيمان هو الإقرار باللّسان لا غير ، قال : الكفر هو ترك الإقرار ؛ وهو باطل من حيث أنه يوجب الحكم بالكفر على المصدق بالله ـ تعالى ـ بقلبه ، وما جاءت به رسله مع عدم تصريحه بالإقرار لفظا ؛ لمانع يمنع منه ؛ وهو خلاف قاعدة الدين ، واجماع المسلمين.

ومن قال الإيمان هو المعرفة بالجنان ، وإقرار باللسان ، وعمل بالأركان.

قال : الكفر هو الإخلال بأحد هذه الأمور الثلاثة ، فمن لم يكن عارفا بالله ـ تعالى ـ وإن أقر باللسان ، وعمل بالأركان ؛ فهو كافر ، وكذلك من كان عارفا بالله ـ تعالى ـ ومقرا بلسانه غير أنه غير عامل بالأركان ؛ فهو كافر.

وعلى هذا النحو ـ وهو خطأ ـ فإن من كان مصدقا بالله وما جاءت به رسله ، وان أخلّ بشيء من الإيمان بالأركان ، أو بجملتها تهاونا ، وكسلا ، لا بطريق الجحود لها ؛ فإنه لا يكون كافرا.

ولهذا فإن السلف من الأمة مجمعة على أنّ مثل هذا الشّخص لو أتى بعبادة من العبادات ؛ لصحت منه ، وأنه يساهم المسلمين فى الغنيمة ، وشهود المشاهد ، وأنه يغسّل ، ويصلى عليه ، ويدفن فى مقابر المسلمين ، ولو كان كافرا ؛ لما كان كذلك بإجماع الأمة.

ومن قال الإيمان هو التصديق بالقلب بالله ـ تعالى ـ / وما جاءت به رسله قال : الكفر هو التكذيب بشيء مما جاء به الرّسول. وهذا هو اختيار الإمام الغزالى (١) ؛ وهو باطل بمن ليس بمصدق ، ولا مكذب لشيء مما جاء به الرّسول.

__________________

/ / أول ل ١٣٧ / ب.

(١) انظر قواعد العقائد ص ١٢٩. وراجع ترجمة الغزالى فيما مر فى هامش ل ١٢٢ / أمن الجزء الأول.

٢٧

فإنه كافر بالاجماع ، وليس بمكذب ، ويبطل أيضا بأطفال الكفار ، ومجانينهم ، فإنهم كفار وليسوا مصدّقين ، ولا مكذبين ، لما جاء به الرّسول.

والأقرب فى ذلك أن يقال : الكفر عبارة عما يمنع المتصف به من الآدميين عن مساهمة المسلمين ، فى شيء من جميع الأحكام ، المختصة بهم ، وذلك كالقضاء ، والإمامة ، وحضور المشاهد ، وقسمة الغنيمة ، والصلاة علي الجنازة ، والدفن فى مقابر المسلمين ، وصحّة العبادة إلى غير ذلك من الأحكام ، وهو مطرد منعكس ، لا غبار عليه ، وكل ما سواه مما قيل فلا يخلو عن ناقض ، ومفسد ، يرد عليه كما حققناه.

٢٨

الفصل الثالث

فى أن العاصى من أهل القبلة

هل هو كافر ، أم لا؟

وقد اختلف المسلمون فى ذلك.

فذهبت المرجئة (١) : إلى أن مقارف الكبيرة مؤمن وليس بكافر ، وهل يسمى فاسقا ، اختلفوا فيه.

فمنهم من قال : إنه ليس بفاسق أيضا. وأن الإيمان بالله ـ تعالى ـ يمحص كل ذم ، ولائمة ، والوصف بالفسق من أعظم وجوه الذّم ، واللّوم.

ومنهم من قال : إنه يسمّى فاسقا.

ومنهم من فصل وقال : يسمى فاسقا ما دام ملابسا لكبيرة ؛ ولا يسمى بذلك بعد تصرّمها.

ومنهم من قال بتسميته فاسقا فى الدنيا ، دون الأخرى ، وسواء تاب عنها ، أو لم يتب.

واختلفوا فى جواز الارتداد عليه : فمنهم من جوزه ، ومنهم من منعه.

وأما الخوارج (٢) : فلقد اتفقوا على أن مقارف الكبيرة كافر ؛ لكن اختلفوا. فذهبت البكرية منهم إلى أنه منافق ، وهو أشد من الكافر ، وقد نقل هذا المذهب عن الحسن البصرى أيضا.

وذهبت طائفة منهم إلى أنه كافر ، لا بمعنى أنه مشرك ؛ بل بمعنى أنه كافر بأنعم الله ـ تعالى ـ غير مؤد لشكره.

__________________

(١) عن المرجئة وفرقها ورأيهم فى هذا المسألة بالتفصيل راجع ما سيأتى فى الفصل الرابع من هذه القاعدة ل ٢٥٤ / ب وما يأتى بعدها.

(٢) عن الخوارج وفرقهم ورأيهم فى هذه المسألة بالتفصيل انظر ما سيأتى فى الفصل الرابع من هذه القاعدة ل ٢٥٢ / أوما يأتى بعدها.

٢٩

وأما المعتزلة (١) : فإنهم قسموا المعصية إلى ما يكفر المكلف بها ، وإلى ما يخرجه عن الإيمان من غير اتصاف بكفر ؛ بل بالفسق ، وإلى ما لا يخرجه عن الإيمان ، ولا يستوجب فاعلها مع تجنب الكبائر سمه الفسق.

وأما أصحابنا فإنهم قالوا : من ارتكب كبيرة من أهل الصلاة ، أو داوم على صغيرة ؛ فهو مؤمن ، وليس بكافر ؛ بل فاسق. ومن فعل صغيرة واحدة ؛ فهو عاص ؛ وليس بفاسق.

وإذ أتينا على شرح المذاهب بالتفصيل ؛ فلا بد من إبطال مذاهب المخالفين.

أما الرد على المرجئة : فى قولهم : إنّ مرتكب الكبيرة ليس بفاسق : فهو أنّ ما ذكروه على خلاف إجماع الأمة من السّلف ، والخلف على تسمية مرتكب الكبيرة فاسقا ، واتفاقهم على المنع من قبول شهادته واخباره / كيف وأنّ الفسق لا معنى له غير الخروج / / عن الطّاعة ومنه قوله تعالى : (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) (٢) : أى خرج عن طاعة أمره. ومرتكب الكبيرة خارج عن الطاعة ، وسواء كان ذلك بترك واجب ، أو فعل محظور.

قولهم : إن الإيمان بالله ـ تعالى ـ يمحص كل ذم ولائمة ؛ فهو باطل بما سبق فى القاعدة السادسة (٣).

قولهم : إنّ من صحّ إيمانه لا يصحّ عليه الرّدة ؛ ليس كذلك. ودليله العقل والنص ، والإجماع.

أما العقل : فهو أنه لا يلزم من فرض ردة المؤمن محال فى ذاته ، ونفسه ؛ ولا معنى لصحة الرّدّة إلا هذا.

__________________

(١) قال القاضى عبد الجبار : موضحا رأى المعتزلة فى هذه المسألة : «صاحب الكبيرة له اسم بين الاسمين ، وحكم بين الحكمين. لا يكون اسمه اسم الكافر ، ولا اسمه اسم المؤمن وإنما يسمى فاسقا.

وكذلك فلا يكون حكمه ، حكم الكافر ، ولا حكم المؤمن ؛ بل يفرد له حكم ثالث ، وهذا الحكم الّذي ذكرناه هو سبب تلقيب المسألة بالمنزلة بين المنزلتين. فإنّ صاحب الكبيرة له منزلة تتجاذبها هاتان المنزلتان ؛ فليست منزلته منزلة الكافر ، ولا منزلة المؤمن ؛ بل له منزلة بينهما».

(شرح الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار ص ٦٩٧).

وانظر آراء فرق المعتزلة بالتفصيل فى الفصل الرابع من هذه القاعدة ل ٢٤٤ / أوما بعدها.

/ / أول ل ١٣٨ / أ.

(٢) سورة الكهف ١٨ / ٥٠.

(٣) راجع ما مر ل ٢٦٨ / ب وما بعدها. (القاعدة السادسة ـ الفصل الثالث : فى أحكام الثواب والعقاب).

٣٠

أما النص : فمن جهة الكتاب ، والسنة.

أما الكتاب : فقوله ـ تعالى ـ حكاية عن المؤمنين (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) (١) ولو لا أن ذلك جائز لما سألوا دفعه.

وأما السنة : فما روى عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه قال : يصبح المرء مؤمنا ، ويمسى كافرا» (٢).

وأما الإجماع : فهو أن الأمة لم تزل خلفا وسلفا يسألون الله ـ تعالى ـ أن يثبت قلوبهم على الإيمان ، وان لا يقدّرهم على الكفران ، ولو لم يكن ذلك جائزا ؛ لما سألوه دفعه عنهم.

وأما الرد على القائلين بكون مرتكب الكبيرة كافرا (٣) : فمن جهة المعقول ، والمنقول ، والحكم.

أما المعقول : فهو أنّ مرتكب الكبيرة مؤمن ، وبيان كونه مؤمنا ، أنه متّصف بالإيمان. وبيان اتصافه بالإيمان. أنه متصف بالتصديق بالله ـ تعالى ـ ولا معنى للإيمان بالله تعالى غير التصديق به ؛ على ما تقدم. وإذا كان مؤمنا ؛ فلا يكون كافرا ؛ إذ الكفر ضد الإيمان وضد الإيمان ؛ لا يكون مجامعا للإيمان.

وأما المنقول : فمن جهة : النّص ، والإجماع :

أما النص : فما ذكرناه من النصوص الدالة على نفى الممانعة بين الإيمان ، وفعل الكبيرة

وأما الاجماع : فهو أن الأمة من السلف قبل ظهور المخالفين مجمعة على إيمان من صدرت عنه الكبيرة ، وعلى دخوله فى زمرة المؤمنين.

__________________

(١) سورة آل عمران ٣ / ٨.

(٢) أخرجه الحاكم فى المستدرك ٤ / ٤٤٠ (كتاب الفتن ـ باب لا تقوم الساعة إلا على شرار من خلقه) والحديث بتمامه «إن بين أيديكم فتنا كقطع الليل المظلم ، يصبح المرء فيها مؤمنا ، ويمسى كافرا ويمسى مؤمنا ، ويصبح كافرا». عن أبى موسى الأشعرى ، رضى الله عنه.

(٣) هم فرقة الخوارج : انظر عنهم ما سيأتى ل ٢٥٢ / أوما بعدها من الفصل الرابع من هذه القاعدة.

٣١

وأما الحكم : فهو أنّه تصح صلاته ، وزكاته ، وكل ما يأتى به من العبادات بالإجماع من المسلمين ، ولو كان كافرا ؛ لما صحت عبادته.

فإن قيل : الدليل على أن مرتكب الكبيرة منافق بالنص ، والمعقول :

أما النص : فمن جهة الكتاب ، والسنة.

وأما الكتاب : فقوله تعالى (وَمِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ) إلى قوله تعالى (فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ) (١)

ووجه الاستدلال بالآية أنه ـ تعالى ـ وصف من نقض عهد الله بالنفاق ، وأيضا قوله تعالى (إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٢) دلّ على أن غير المنافق ؛ لا يكون فاسقا حيث أنه ذكر الفاسقين بصيغة الجمع المعرّف ، وهى لحصر الجهة فى المبتدأ ، ومرتكب الكبيرة فاسق. فلو لم يكن منافقا ، لكان من ليس / بمنافق ، فاسقا ، وهو خلاف ظاهر الآية.

وأما السّنة : فما روى عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه قال : «علامة المنافق ثلاث : إذا حدّث كذب ، وإذا ائتمن خان ، وإذا وعد أخلف» (٣) ، وهو تصريح بأن من صدرت عنه هذه الخصال ، منافق.

وأما المعقول : فهو أنّ من وقر الإيمان بالله ـ تعالى ـ فى صدره ، وصدّق بوعده ووعيده ، وثوابه على الطاعة ، وعقابه على المعصية ، وعلم أنّ عذاب لحظة من عذاب الآخرة ، يزيد بأضعاف مضاعفة على نعيم الدّنيا ؛ فيعلم أنه لا يفعل لمقتضى نقيض ما يعلمه ، فإذا رأينا شخصا منهمكا على المعاصى ، متماديا على ارتكاب حرمات الله ـ تعالى ـ ؛ فنعلم أنه ما وقر الإيمان فى صدره ، وأنه غير مصدق بوعد الله ، ووعيده ؛ فلا يكون مؤمنا حقا ، وإن كان متشبها بالمؤمنين ؛ فيكون منافقا ، وان سلمنا أنه غير منافق ولكنّه كافر. ويدل عليه النص من الكتاب ، والسنة : ـ

__________________

(١) سورة التوبة ٩ / ٧٥ ـ ٧٧.

(٢) سورة التوبة ٩ / ٦٧.

(٣) رواه الإمام مسلم فى صحيحه (كتاب الايمان ـ باب خصال المنافق ٢ / ٤٧ عن أبى هريرة رضى الله عنه ونصه «علامات المنافق ثلاثة : إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان».

٣٢

أما الكتاب : فقوله تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (١). ومرتكب الكبيرة ، ليس بشاكر ؛ فيكون كفورا.

وبيان أنه غير شاكر ، أنّ الشّكر إما كثرة التّحدث بنعم الله ـ تعالى ـ على ما قال الله ـ تعالى ـ (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) (٢) وإما بإعمال الجوارح فى طاعة الله ـ تعالى ـ على ما قال الله ـ تعالى ـ (اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً) (٣) معناه اعبدونى ؛ ولتكن عبادتكم شكرا لى.

وأما الاعتراف بأنّ كل ما به من نعمة فمن الله على ما قال الله ـ تعالى ـ (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) (٤) والمنهمك على المعاصى لا يكون شاكرا بأحد هذه الاعتبارات ؛ فكان كافرا.

وأيضا قوله ـ تعالى ـ (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) (٥) وقوله تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (٦) وقوله تعالى (وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ) (٧). ومرتكب الكبيرة مجاز ؛ لما تقدّم ؛ فيكون كفورا ، وقوله ـ تعالى ـ (أَنَّ الْعَذابَ عَلى مَنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى) (٨) ومرتكب الكبيرة معذب ؛ لما تقدم ؛ فيكون مكذبا. والمكذب كافر ، وقوله ـ تعالى ـ (فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى (١٤) لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى (١٥) الَّذِي كَذَّبَ وَتَوَلَّى) (٩) ومرتكب الكبيرة ممن يصلى النّار ، فكان مكذبا ، والمكذب كافر ، وقوله ـ تعالى ـ (وَمَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ) إلى قوله : (أَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ

__________________

(١) سورة الانسان ٧٦ / ٣.

(٢) سورة الضحى ٩٣ / ١١.

(٣) سورة سبأ ٣٤ / ١٣.

(٤) سورة النحل ١٦ / ٥٣.

(٥) سورة المائدة ٥ / ٤٤.

(٦) سورة آل عمران ٣ / ٩٧.

(٧) سورة سبأ ٣٤ / ١٧.

(٨) سورة طه ٢٠ / ٤٨.

(٩) سورة الليل ٩٢ / ١٤ ـ ١٦.

٣٣

بِها تُكَذِّبُونَ) (١) ومرتكب الكبيرة ممن تخفّ موازينه ؛ فيكون مكذبا والمكذّب كافر ، وقوله ـ تعالى ـ (وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٢) ووجه الاحتجاج به كما سبق فى الآية الأولى.

وقوله ـ تعالى ـ (إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) (٣) والفاسق ييأس من روح الله ؛ فيكون كافرا ، إلى غير ذلك من الآيات التى سبق ذكرها.

وأما السنة : فقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «من ترك الصلاة متعمدا فقد كفر» (٤) ، وقوله عليه‌السلام ـ «بين العبد والكفر ترك الصلاة» (٥) ، وقوله عليه‌السلام / : من مات ولم يحج فليمت إن شاء يهوديا وإن شاء نصرانيا» (٦) ، وقوله ـ عليه‌السلام ـ «لا يزنى الزانى حين يزنى وهو مؤمن» (٧).

والجواب عن الآية الأولى : أنّه ليس فيها ، ما يدل على مذهب الخصم.

فإنّ مذهبه أن مرتكب الكبيرة حالة ارتكابه لها ، منافق ، والآية دالة على تعقب النفاق ؛ لنقض العهد ، واخلاف الوعد ، والمتعقب للشيء ؛ لا يكون حالة وقوع الشيء ، وقوله تعالى (إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٨) دليل على أنّ كل منافق فاسق ، ولا ينعكس ؛ فلا يلزم أن يكون كل فاسق منافقا.

قولهم : إنه ذكر الفاسقين بصيغة الجمع المعرف ، وهى تحصر الخبر فى المبتدأ ؛ فهو مبنى على جوب صيغة العموم ، وهو غير مسلم ؛ على ما عرف من أصلنا.

وإن سلّمنا أن صيغة الجمع المعرف للتعميم ، غير أن الفسق ينقسم إلى : كامل : وهو فسق النفاق ، وإلى ما هو دونه : كفسق غير النفاق.

__________________

(١) سورة المؤمنين ٢٣ / ١٠٣ ـ ١٠٥.

(٢) سورة النور ٢٤ / ٥٥.

(٣) سورة يوسف ١٢ / ٨٧.

(٤) اخرجه ابن ماجه فى سننه ـ عن أبى الدرداء ـ رضى الله عنه (كتاب الفتن باب الصبر على البلاء) ١ / ١٣٣٥ بلفظ مقارب.

(٥) أخرجه مسلم فى صحيحه (كتاب الايمان ـ باب بيان إطلاق اسم الكفر على من ترك الصلاة). ٢ / ٦٩ عن جابر ابن عبد الله قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة».

(٦) الحديث سبق تخريجه فى هامش ل ٢٣٧ / ب.

(٧) الحديث متفق عليه رواه البخارى ومسلم فى صحيحيهما. البخارى فى الحدود ـ باب الزنا وشرب الخمر ١٢ / ٥٠ ؛ ومسلم رقم ٥٧ فى الإيمان باب بيان نقصان الإيمان بالمعاصي ، ونفيه عن المتلبس بالمعصية. كما رواه أبو داود (رقم ٤٦٨٩) فى السنة ـ باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه.

(٨) سورة التوبة ٩ / ٦٧.

٣٤

وعند هذا : فيجب حمل الآية على الفسق الكامل ، جمعا بينه ، وبين ما ذكرناه من الأدلة ، ويكون تقدير الآية : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (١) بالفسق الكامل ، وما ذكروه من الخبر ؛ فقد قال علماء الأخبار : إنما ورد فى المنافقين فى زمن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ويجب الحمل عليه جمعا بينه ، وبين ما ذكرناه من الأدلّة.

قولهم : إنّ من وقر الإيمان فى صدره ، لا يكون منهمكا على فعل المعاصى ـ ليس كذلك ؛ فإنّه لا يبعد ممّن وقر الإيمان فى صدره ، وعلم أنّ عذاب لحظة من الآخرة يزيد على نعيم الدنيا ، أن يقدم على المعصية اغترارا منه بما يتوقعه من كرم ربه ، وعفوه وصفحه عنه وإقلاعه عن المعصية بالتوبة ، والإنابة إلى الله ـ تعالى ـ على ما هو معلوم من حال كل عاص من المؤمنين ؛ ويدل عليه : فعل الصغائر ؛ فإنها وان دلت على مخالفة أمر الله ـ تعالى ـ ونهيه ، وتقديم اللّذات العاجلة على طاعة الله تعالى ، فلا تدل على أنّ فاعلها ليس بمؤمن بالإجماع ، وليس ذلك إلا لما ذكرناه فى فعل الكبيرة ،

كيف ..؟ وأن اسم النفاق مخصوص لمستبطن الكفر ، ومظهر ضدّه باجماع المسلمين ، وهو مشتق من النّافقاء (٢) ، وهو جحر من جحر اليربوع فى الأرض ، قد أعدّه للخروج منه إذا أتى عليه من الحجرة الظّاهرة ، ومرتكب الكبيرة ، غير مستبطن للكفر ولا معتقد لنقيض الحقّ ؛ فلا يكون منافقا.

فإن قيل : قد روى عن عمر ـ رضى الله عنه ـ انه سأل حذيفة بن اليمان (٣) لما عرفه رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ المنافقين وأسماءهم ، وقال له : هل عدنى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى المنافقين ولو كان النفاق عبارة عن استبطان الكفر ؛ فعمر ـ رضى الله عنه ـ كان يعلم من نفسه أنّه لم يكن مستبطنا للكفر ، فكيف تشكّك فى نفسه؟

قلنا : إنما سأل عن ذلك نظرا إلى المآل ، وخاتمة العمل علي ما جرت به العادة من وجل الأولياء / والصالحين من سوء العاقبة ، وما جرى به القلم فى السابقة ، امّا أن يكون ذلك لتشككه فى حال نفسه ، فى الحالة الرّاهنة ؛ فلا.

__________________

(١) سورة التوبة ٩ / ٦٧.

(٢) (المنافق) من يخفى الكفر ، ويظهر الإيمان ومن يضمر العداوة ويظهر الصداقة. (النافقاء) احدى جحرة اليربوع يكتمها ، ويظهر غيرها. وهو أصل النفاق. [المعجم الوسيط ـ باب النون]

(٣) هو أبو حذيفة بن حسل بن جابر العبسى ـ كان صاحب سرّ رسول الله فى المنافقين أعلمه بهم ، ولم يعرفهم لأحد غيره توفى سنة ٣٦ ه‍ (تهذيب التهذيب لابن حجر ٢ / ٢١٩)

٣٥

وأمّا ما ذكروه من النّصوص : أما قوله تعالى : (إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ إِمَّا شاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (١) إنّما يلزم أن لو لم يكن مرتكب الكبيرة شاكرا ؛ وهو غير مسلم. ولا مانع مع ارتكابه الكبيرة أن يكون شاكرا ، بمعنى التحدّث بنعم الله تعالى عليه ، واعتقاده أنّ كل ما به من نعمة فمن الله ، على ما ذكروه.

وأما باقى النصوص : فقد سبق جوابها فيما تقدم والله أعلم.

__________________

(١) سورة الإنسان ٧٦ / ٣.

٣٦

الفصل الرابع

فى أن مخالف الحق من أهل القبلة هل هو كافر أم لا؟

وقبل النظر فى تحقيق الحق ، وإبطال الباطل من ذلك ، لا بد من الإشارة إلى فرق المخالفين ، وأرباب المقالات من الملّة الإسلامية ، والتنبيه على مقالة كل فريق ، وفى خلال ذلك يلوح الكفر من الإيمان.

فنقول : اعلم (١) أن المسلمين كانوا عند وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ملة واحدة ، وعلى عقيدة واحدة ، غير من كان يبطن النفاق ، ويظهر الوفاق ـ ثم نشأ الخلاف فيما بينهم.

أولا : فى أمور اجتهادية ، كان غرضهم منها ، إقامة مراسم الشّرع ، وإدامة مناهج الدين ، لا توجب إيمانا ، ولا تكفيرا : وذلك كاختلافهم عند قول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى مرض موته : (آتونى بداوة وقرطاس اكتب لكم كتابا لا تضلوا ..) حتى قال عمر ـ رضي الله عنه ـ إنّ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قد غيبه الوجع حسبنا كتاب الله وكثر اللغط فى ذلك حتى قال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «قوموا عنى لا ينبغى عندى التنازع» (٢). وكاختلافهم بعد ذلك فى التخلف عن جيش أسامة ، وقد قال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «جهزوا جيش أسامة لعن من تخلف عنه» (٣). حتى قال قوم بوجوب الإتباع ، وقال قوم بالتخلف ، انتظارا لما يكون حال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى مرضه.

__________________

(١) جرت عادة المتكلمين وكتاب الفرق على ذكر أسباب افتراق الأمة ، ومنشأ الخلاف بينها وقد استفاد الآمدي ممن سبقه ، وأثّر فيمن أتى بعده. انظر : مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين ص ٣٤ وما بعدها. الفرق بين الفرق للبغدادى ص ٤ وما بعدها. والملل والنحل للشهرستانى ١ / ٢١ وما بعدها فقد اختصر الآمدي ما كتبه الشهرستانى فى الملل والنحل فى هذه المقدمة وانظر أيضا اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازى (كله فى هذا الموضوع). والتبصير فى الدين لأبى المظفر الأسفراييني ص ١٢ وما بعدها. وممن استفاد من الآمدي ونقل عنه شارح المواقف الشريف الجرجانى فقد نقل نص الآمدي من أول قوله قائلا : «قال الآمدي : كان المسلمون عند وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. إلى قوله حتى تفرق أهل الإسلام وأرباب المقالات فيه إلى ثلاث وسبعين فرقة» (الأبكار ٢ / ل ٢٤٣ / ب إلى ل ٢٤٤ / أ). وهذا يؤكد ما ذهبت إليه من أنّ الإيجى لخص كتاب الأبكار فى كتابه المواقف. كما أن شارح المواقف الشريف الجرجانى قد اعتمد فى شرحه على الأبكار أيضا.

(٢) قارن بما ورد فى الملل والنحل للشهرستانى ١ / ٢٢ ، وتذييل شرح المواقف للجرجانى ص ١ والحديث فى الطبقات الكبرى ٢ / ٢٤٢ وما بعدها (باب فى ذكر الكتاب الّذي أراد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يكتبه فى مرضه الّذي مات فيه) وقد رواه ابن سعد عن عمر رضي الله عنه.

(٣) قارن بما ورد فى الملل والنحل للشهرستانى فى ١ / ٢٣ ، وتذييل شرح المواقف ص ١ والحديث أخرجه ابن سعد فى الطبقات الكبرى بلفظ مقارب ٢ / ٤٨ وما بعدها باب ما قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فى مرضه لأسامة بن زيد.

٣٧

وكاختلافهم بعد ذلك فى موته ، حتى قال عمر ـ رضي الله عنه ـ : «من قال إنّ محمدا قد مات علوته بسيفى هذا ، وإنما رفع إلى السماء كما رفع عيسى بن مريم» ، وقال أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ : «من كان يعبد محمدا فإن محمدا قد مات ، ومن كان يعبد إله محمد فإنّه حىّ لا يموت» (١) ، وقرأ قوله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) (٢) .. الآية ؛ فرجع القوم إلى قوله.

وكاختلافهم بعد ذلك فى موضع دفنه بمكة ، أو المدينة ، أو القدس (٣) ، ثم فى الإمامة حتى قال الأنصار للمهاجرين منا أمير ، ومنكم أمير (٤) ، ثم فى حرمان الميراث عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فيما خلفه من فدك (٥) ، ودعوى فاطمة لذلك ، ودفعها عن الميراث بما روى عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ أنه قال : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه ، فهو صدقة (٦).

ثم بعد ذلك فى قتال ما نعى الزكاة حتى قال عمر ـ رضي الله عنه ـ كيف نقاتلهم وقد قال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله الله ، فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم» (٧) / فقال أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ : «أليس قد قال : «إلا بحقها» ومن حقها إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، ثم قال : لو منعونى عقالا مما أدوه إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لقاتلتهم عليه ، ولو بابنتى هاتين (٨).

ثم اختلافهم بعد ذلك فى تنصيص أبى بكر على عمر بالخلافة (٩).

ثم بعد ذلك فى أمر الشورى (١٠) ، حتى استقر الأمر على عثمان.

__________________

(١) قارن بما ورد فى الملل ١ / ٢٣ ، وتذييل شرح المواقف ص ٢ والحديث أخرجه ابن سعد فى الطبقات الكبرى ٢ / ٢٦٦ وما بعدها.

(٢) سورة آل عمران ٣ / ١٤٤.

(٣) انتهى الخلاف فى الموضع الّذي يدفن فيه الرسول ـ عليه‌السلام ـ عند ما ذكروا بحديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الأنبياء يدفنون حيث يموتون». والّذي ذكرهم به أبو بكر رضي الله عنه.

(٤) وقد انتهى الخلاف فى الإمامة بعد أن ذكرهم أبو بكر رضي الله عنه بحديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «الأئمة من قريش».

(٥) فدك : قرية شمال المدينة المنورة ، كانت لليهود ، ولما انهزم يهود خيبر ؛ سلم يهود فدك قريتهم للنبى صلى‌الله‌عليه‌وسلم بدون قتال ، وكانت فيئا له ينفق منها على نفسه ، وعلى بنى هاشم.

(٦) الحديث فى صحيح البخارى ٦ / ٢٢٧ كتاب فرض الخمس ـ عن عائشة رضي الله عنها «أنّ فاطمة عليها‌السلام ابنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ مما أفاء الله عليه» [الحديث ٣٠٩٢].

[٣٠٩٣] فقال لها أبو بكر : إن رسول الله [صلى‌الله‌عليه‌وسلم] قال : لا نورث. ما تركناه صدقة» فغضبت فاطمة بنت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فهجرت أبا بكرك فلم تزل مهاجرته ، حتى توفيت وعاشت بعد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ستة أشهر ، قالت : وكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من خيبر ، وفدك ، وصدقته بالمدينة ؛ فأبى أبو بكر عليها ذلك».

(٧) متفق علي صحته رواه البخارى ومسلم.

(٨) انظر ما سيأتى فى قاعدة الإمامة ل ٢٩٧ / أ.

(٩) انظر ما سيأتى فى قاعدة الإمامة ل ٣٠١ / أوما بعدها.

(١٠) انظر ما سيأتى فى قاعدة الإمامة ل ٣٠٦ / أوما بعدها.

٣٨

ثم اختلافهم فى قتل عثمان (١) ، واختلفوا فى خلافة على (٢) ومعاوية ، وما جرى فى وقعة الجمل ، وصفين إلى غير ذلك.

ثم اختلافهم أيضا فى بعض الأحكام الفرعية : كاختلافهم فى الكلالة (٣) وميراث الجد مع الإخوة والأخوات ، وعقل الأصابع ، وديات الأسنان إلى غير ذلك من الأحكام ، ولم يزل الأمر فى الخلاف يتدرج إلى آخر أيام الصحابة حتى ظهر معبد الجهنى (٤) ، وغيلان الدمشقى (٥) ، ويونس الأسوارى (٦) ، وخالفوا فى القدر ، ومنعوا من إضافة الخير والشر ، إلى الله ـ تعالى ـ وإلى تقديره ، ولم يزل الخلاف يتشعب ، والآراء تختلف ، حتى تفرق الإسلام ، وأرباب المقالات فيه ، إلى ثلاث وسبعين فرقة ، وكان ذلك من معجزات النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حيث وقع ما أخبر به قبل وقوعه حيث قال ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة ، وافترقت النصارى على اثنين وسبعين فرقة ، وستفترق أمتى على ثلاث وسبعين فرقة ، كلها فى النار إلا واحدة ، قالوا يا رسول الله : من الملّة الواحدة التى تنقلت قال : ما أنا عليه وأصحابى» (٧).

__________________

(١) انظر ما سيأتى فى قاعدة الإمامة ل ٣٠٨ / أوما بعدها.

(٢) انظر ما سيأتى فى قاعدة الإمامة ل ٣٠٨ / ب وما بعدها.

(٣) الكلالة : من مات ولا والد له ، ولا ولد ، قال تعالى : (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَها نِصْفُ ما تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُها إِنْ لَمْ يَكُنْ لَها وَلَدٌ فَإِنْ كانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَنِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) سورة النساء ٤ / ١٧٦.

(٤) معبد الجهنى : هو معبد بن خالد الجهنى البصرى ـ ولد بالبصرة ، وتنقل بين دمشق ، والمدينة المنورة ، وهو أول من تكلم فى القدر. فقد رأى من يتعلل فى المعصية بالقدر ؛ فأراد أن يرد عليه ، ولكنه أخطأ وقال : «لا قدر والأمر أنف» ، فنبذه الصحابة ، والتابعون ، وقتله الحجاج بعد سنة ثمانين. (العبر ١ / ٩٢ ـ البداية والنهاية ٩ / ٤٤ ـ ميزان الاعتدال ٣ / ١٨٣)

(٥) هو أبو مروان غيلان بن مروان بم مسلم الدمشقى ، أخذ القول فى القدر عن معبد الجهنى ، وله فرقة تنسب إليه (الغيلانية) من المرجئة قتله هشام بن عبد الملك عند ما تولى الخلافة (لسان الميزان ٤ / ٤٢٤ ـ الانتصار للخياط ص ١٨٩).

(٦) الأسوارى : هو أبو على الأسوارى : كان من أتباع أبى الهذيل العلاف ثم انتقل إلى مذهب النظام وهو شيخ الأسوارية من المعتزلة ، عدّ من الطبقة السابعة (طبقات المعتزلة ص ٧٢ ، الفرق بين الفرق ١٦٥ ، الانتصار ص ٤٨) وانظر عنه أيضا ما سيأتى ل ٢٤٥ / أ.

(٧) قارن بما ورد فى الفرق بين الفرق للبغدادى ، الّذي اهتم بهذا الحديث وخصص له الباب الأول من كتابه فقال :

«الباب الأول : فى بيان الحديث المأثور فى افتراق الأمة» قال : وللحديث الوارد على افتراق الأمة أسانيد كثيرة وقد رواه عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ جماعة من الصحابة : كأنس بن مالك ، وأبى هريرة وأبى الدرداء ، وجابر وأبى سعيد الخدرى ، وأبى بن كعب وعبد الله بن عمرو بن العاص ، وأبى أمامة ، ووائلة بن الأسقع ، وغيرهم وقد ورد هذا الحديث بعدة ألفاظ. وما هنا فقد أخرجه أبو داود فى سننه ٢ / ٥٠٣ عن أبى هريرة رضي الله عنه. وأخرجه الترمذي فى سننه ٥ / ٢٥ عن أبى هريرة أيضا ، وقال عنه هذا حديث حسن صحيح. وقد ذكر صاحب الفرق بين الفرق رواية أخرى عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «ليأتين على أمتى ما أتى على بنى إسرائيل ، تفرّق بنوا إسرائيل على اثنتين وسبعين ملّة ، وستفترق أمتى على ثلاث وسبعين ملة ، تزيد عليهم ملة ، كلهم فى النار لا ملة واحدة ، قالوا : يا رسول الله وما الملة التى تتغلب؟ قال : ما أنى عليه وأصحابى». كما ذكر رواية ثالثة عن أنس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن بنى إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة ، وإن أمتى ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة ، كلها فى النار إلا واحدة وهى الجماعة».

٣٩

والوجه فى تفصيل هذه الفرق أن نقول :

أما كبار الفرق الإسلامية فثمانية : المعتزلة ، والشيعة والخوارج ، والمرجئة والنجّارية ، والجبرية ، والمشبهة ، والفرق الناجية.

أما المعتزلة :

ويسمون أنفسهم أصحاب العدل ، ويلقبون بالقدرية.

أما تسميتهم معتزلة : فلاعتزال أصلهم ـ وهو / / واصل بن عطاء (١) ـ عن مجلس الحسن البصرى (٢) ، وتفرده بأن مرتكب الكبيرة ليس بمؤمن ، ولا كافر ، وإثباته للمنزلة بين المنزلتين.

وأما تسميتهم : أصحاب العدل : فلاتفاقهم على أن الله تعالى لا يفعل إلا الصّلاح ، والخير ، ووجوب رعاية الحكمة فى أفعاله ، وسموا ذلك عدلا.

وأما تسميتهم بالقدرية : فلاسنادهم أفعال المختارين إلى قدرهم ، ومنعهم من إضافتها إلى قدرة الله تعالى ـ ، وقد قال عليه‌السلام : «القدرية مجوس هذه الأمة» (٣). وقال عليه الصلاة والسلام : «القدرية خصماء الله فى القدر». وربما زعموا أن القدرى هو من يقول القدر خيره ، وشره من الله تعالى ، هربا من شنيع هذه الوصمة ، وهو بعيد ، فإنه عليه الصلاة والسلام وصف القدرية بأنهم : «خصماء الله» ، ولا خصومة فى حق من يقول بالتسليم ، والرضا ، والتوكل ، وإحالة الأمور كلها على القدر المحتوم.

__________________

/ / أول ل ١٣٨ / ب.

(١) هو أبو حذيفة واصل بن عطاء الغزال ، كان تلميذا للحسن البصرى ، وهو مؤسس فرقة المعتزلة ، ورئيسها الأول ، لقب بالغزال ؛ لأنه كان يلازم الغزالين ؛ ليعرف المتعففات من النساء ، فيجعل صدقته لهن ، ولد فى سنة ٨٠ ه‍ وتوفى سنة ١٣١ ه‍ (الكامل للمبرد ٣ / ٩٢١ ـ معجم المؤلفين ١٣ / ١٥٩).

(٢) هو أبو سعيد : الحسن بن يسار البصرى ، إمام أهل البصرة ، ولد فى خلافة عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ وتوفى فى سنة ١١٠ ه‍ (العبر ١ / ١٣٦ ، مروج الذهب ٣ / ٢١٤).

(٣) تكملة الحديث : «إن مرضوا فلا تعودهم ، وإن ماتوا فلا تشهدوهم» ومن أسماء المعتزلة وألقابهم التى أطلقوها على أنفسهم : ١ ـ أهل التوحيد ٢ ـ أهل العدل.

ومن الألقاب التى أطلقها خصومهم عليهم وردوها :

١ ـ القدرية ٢ ـ الثنوية المجوسية ٣ ـ الجهمية ٤ ـ مخانيث الخوارج ٥ ـ مخانيث الفلاسفة ٦ ـ الوعيدية ٧ ـ المعطلة.

٤٠