أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٥

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]

أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٥

المؤلف:

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]


المحقق: د. أحمد محمد المهدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 977-18-0328-x
الصفحات: ٣١٨

قولهم : لا نسلم [أنه] (١) استباح ووطئ سبيهم.

قلنا : دليله الحنفية.

قولهم : إنه أعتقها ، وتزوّجها.

قلنا : بعتقه لها دليل اعتقاده سابقه الملك له عليها ، ومن لوازم ذلك ، اعتقاد حل وطئها.

قولهم : إنّما زوّج ابنته من عمر ، تقية ، ومخافة ؛ لا نسلم ذلك. ولا بدّ لهم فى ذلك من دليل ، وكل ما يذكرونه فيه ، فممّا انفردوا بنقله عن الثقات المعتبرين ؛ فلا يقبل.

كيف وأن عمر عند الخصوم كان فى اعتقاد عليّ ـ عليه‌السلام ـ كافرا مرتدا ، والتزويج من الكافر غير جائز للتقية ؛ فإنه لو زوّج ابنته من يهودى ، أو نصرانى للتقية ؛ فإنه لا يجوز بموافقة منهم ، ولا يخفى أن حال المرتد ، من حيث أنه لا يقر شرعا على ردته ، أسوأ حالا من الكتابىّ ، من حيث أنه يجوز إقراره على دينه ، فإذا لم يجز ذلك فى الكتابى ؛ ففى المرتد أولى.

وأما تولية العباس للتزويج ، فإنما كان لما قد جرت به العادة ، من أن الآباء لا يباشرون تزويج بناتهم ، وليس فى ذلك ، ما يدل على أنه كان عن مخافة.

قولهم : الحامل له على الدخول فى الشورى ظاهرا ، ما كان حاملا له على البيعة ؛ فهو باطل بما سبق أيضا.

قولهم : وبتقدير أن يكون راضيا بالدخول فى الشورى ، إنما كان لظنه الوصول بذلك إلى حقه.

قلنا : غلبة الظن تستدعى ترجيح أحد الجائزين المتقابلين على الآخر ؛ وذلك يستدعى ظهور الدليل الراجح ، وهو غير متحقق فى حالة الشورى ؛ لترجيحه ـ عليه‌السلام ـ للإمامة ؛ بل ربّما كان بالعكس ؛ لأن تعيينه دون الخمسة الباقين ، إنما يكون بتعيين الصحابة له ، والصحابة عند الخصوم قد كانوا أعداء لعلى ، وتعيينه للإمامة من عدوه بعيد ، ومع ذلك فلا ظن.

__________________

(١) ساقط من (أ).

٢٢١

قولهم : إنه إنما فعل ذلك ؛ لتمكنه / من الاحتجاج عليهم بالأخبار الدالة عن التنصيص عليه.

قلنا : فذلك يستدعى وجود النص عليه ؛ وهو غير مسلم على ما سبق. وبتقدير أن يكون منصوصا عليه ؛ فإنكارهم للنّصّ عليه قبل دخوله فى الشورى ، لا يزيد على إنكارهم له بعد دخوله فى الشورى ؛ بل ربّما كان إنكارهم للنّصّ عليه بعد رضاه بالدّخول فى الشّورى [أزيد منه قبله ؛ فإنه قد يقال له : لو كنت منصوصا عليك ؛ لما رضيت] (١) بالدخول فى الشورى ؛ لاعتقاد بطلانها ؛ والباطل لا يرضى به المعصوم.

قولهم : إنما لم يعلم الناس بمذهبه ، ولم يظهره لهم ، قبل عود الأمر إليه وبعده ؛ تقية وخوفا من وحشة / / المخالفة.

قلنا : ليس كذلك ، فإن الصّحابة ـ رضى الله عنهم ـ ما زالوا فى الوقائع مختلفين فى الأحكام ، ويخالف بعضهم بعضا ، كما فى مسألة الجد مع الإخوة والأخوات ، ومسألة العول ، وقوله : أنت عليّ حرام ، إلى غير ذلك من المسائل الفقهية ، ولم ينقل إفضاء ذلك إلى وحشة ، ولا فتنة.

وعلى هذا فلو ظهر ما اختص به من المسائل الفقهية قبل عود الأمر إليه ، وبعد عود (٢) الأمر إليه (٢) ؛ لم يكن ذلك ممّا يتوقع معه المخافة ؛ فإنه ما كان يتقاصر فى ذلك عن آحاد المجتهدين ، ولم يمتنع أحد من المجتهدين من إظهار مذهبه خوفا ؛ فعلى أولى بذلك (٣).

قولهم : إنه ـ عليه‌السلام ـ ما حكّم أعداءه اختيارا ؛ بل اضطرارا على ما قرروه.

قلنا : أصحابه وإن كانوا ألجئوه إلى التحكيم ؛ لكن لا إلى تحكيم الرجال ؛ بل إلى تحكيم كتاب الله ، وسنة رسوله ؛ ولهذا فإنه لما حكم عمرو بن العاص ، وأبا موسى الأشعرى ؛ كانت حجة للخوارج عليه : «إنك حكّمت فى دين الله الرجال» (٤).

__________________

(١) ساقط من (أ)

/ / أول ل ١٦٩ / ب.

(٢) (الأمر إليه) ساقط من ب.

(٣) قارن بما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ١ / ٦٧ ، ٦٨ ، ٧٣.

(٤) انظر الفصل فى الملل والنمل لابن حزم ٤ / ٩٥. وانظر مروج الذهب ومعادن الجوهر ٢ / ٣٨٤ فقد ذكر المسعودى موقعة صفين وما جرى فيها من الحوادث بالتفصيل. وخدعة رفع المصاحف ، كما تحدث عن الحكمين وبدء التحكيم ، وما حدث بعده من الخوارج بالتفصيل.

٢٢٢

وإن سلمنا أنه كان ملجأ إلى تحكيم الرجال من أصحابه ؛ ولكن لا نسلم أنه كان ملجأ إلى تحكيم أعدائه ، وقوم معينين : كعمرو بن العاص ، ونحوه ، وكل ما يقال فى إلجائه إلى تحكيم عمرو بن العاص ، وأبى موسى الأشعرى بعينهما ؛ فهو من باب الكذب ، والتخرص الّذي لا سبيل إلى إثباته بنقل من نقل الثقات ، ويدل على ما ذكرناه الشعر المنقول عنه ؛ فإنه يدل على أنه أخطأ فى التحكيم.

قولهم : إنما أراد به ما نقلوه عنه ، من كتاب محمد بن أبى بكر ، واعتراض معاوية له ؛ ليس كذلك ؛ فإنه ذكره عقيب التحكيم ، وخروج الخوارج عليه بسببه ؛ وذلك يوجب القطع بأنه إنّما أراد به التحكيم الّذي بسببه انفتق عليه الخرق من الخوارج ، وانفلج عليه الحكم ، وفسد به حاله ، واستظهر به أعداؤه ، إلى حالة مماته ولهذا قال : «لقد عثرت عثرة لا أنجبر».

واعتراض معاوية لكتاب محمد بن أبى بكر لم يكن من العثرات المؤثرة ، ولا من الأمور الموجبة ، لاختلال حال عليّ ، بخلاف التحكيم ، على ما لا يخفى ؛ وذلك يوجب القطع بضعف ما نقلوه ، وكذب ما أوردوه.

قولهم : إنما لم يجعل مال قتلى وقعة الجمل فيئا ؛ لأنهم كانوا يعتقدون أنهم مسلمون ، وأنهم كانوا ملتزمين لأحكام الاسلام ، ومن هو بهذه المثابة فمن مذهبه ـ عليه‌السلام ـ أن ماله لا يكون فيئا.

قلنا : فيلزمهم أن يكون مخطئا فى اعتقاده [أن] (١) مال المرتدين من بنى حنيفة فيئا ؛ لأنهم كانوا بهذه / المثابة ، وعلى هذه الصفات ، ويدل على اعتقاده ذلك ، أنه اشترى الحنفية من السّابين لها.

وعند ذلك فلا يخلو إما أنه كان معتقدا لصحة الشراء ، أو غير معتقد له.

لا جائز أن يقال : إنّه لم يكن معتقدا لصحة الشراء ؛ لوجهين :

الأول : أنهم قد نقلوا أنه أعتقها ، والعتق يستدعى سابقة الملك ولا ملك ، ولا سبب له غير الشراء.

الثانى : أنه لو لم يكن الشراء صحيحا فى معتقده ؛ لما جاز له تسليم الثمن إلى البائع ؛ لأن تصرفه فيه يكون حراما ، والتمكين من فعل الحرام حرام ، ويلزم من ذلك خروجه عن كونه معصوما.

__________________

(١) ساقط من (أ)

٢٢٣

وإن كان معتقدا لصحة الشراء : فيلزمه اعتقاد كونها فيئا ، وما ذكروه من الخبر ، فمن أخبار الآحاد ، التى لا توجب القطع بنفى الخطأ عنه.

قولهم : إن قتل الزبير ، لم يكن حراما.

قلنا : فلا معنى لبشارة قاتله بالنار.

وقولهم : إنما بشّره بالنار نظرا إلى عاقبة أمره ، وما جرى له من مقاتلة عليّ ليس كذلك ، فإنا نعلم علما ضروريا ، أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ذكر ذلك الخبر فى حق الزبير فى معرض التعظيم له ، والتفخيم من أمره ، وهو المتبادر من لفظه عند اطلاقه.

وحمل كلام النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، على تبشير قاتل ابن صفية بالنار ؛ لكونه يقاتل عليا ففى غاية البعد ، والإلغاز من القول ، وكلام النبي المشرع ينزه عنه.

ولو جاز مثل ذلك فى كلامه ـ عليه‌السلام ـ لما بقى لنا بما يخاطبنا به من الألفاظ وثوق ، فيما أمرنا به ، ونهينا عنه ، وفى جميع أحكام التكاليف ؛ لاحتمال أن يريد به ، ما لم يظهر لنا من كلامه. ويظهر بذلك كلام الملاحدة ، فى إبطال الشرائع بناء على قولهم : إن كلام الله تعالى ، والرسول له ظاهر ، وباطن ، وأن المراد به الباطن ، دون الظاهر ؛ وهو محال.

قولهم : فى قضية أمهات الأولاد : إن عليا إنما وافق عمر ، تقية ، وخوفا ؛ ليس كذلك بدليل أمرين : ـ

الأول : أنه قال : «اتفق رأيى ، ورأى عمر على امتناع بيع أمهات الأولاد» ولو كان كما ذكروه لما قال : «اتفق رأيى» ؛ لأنه لم يكن ذلك رأيا له // ؛ فيكون كاذبا ؛ بل كان ينبغى أن يقول : اتفق قولى ، وقول عمر ، أو رأى عمر.

الثانى : أنه قال : «والآن فقد رأيت بيعهن» وذلك يدلّ على حدوث رأيه فى بيعهنّ [وإلا لقال : ورأيى بيعهن] (١).

وما ذكروه من الأخبار ، فأخبار آحاد ، لا توجب القطع بعصمته.

قولهم : إن خطبة على لبنت أبى جهل لم تثبت ، ولم تصح.

__________________

/ / أول ل ١٧٠ / أ.

(١) ساقط من (أ)

٢٢٤

قلنا : الحديث ، حديث مشهور ، ولم يوجد له نكير ممّن يوثق به ؛ فكان حجة.

قولهم : إنه لو فعل عليّ ذلك ؛ لما ساغ من النّبيّ إنكاره عليه ؛ لكونه فعلا مباحا.

قلنا : الاحتجاج إنما هو بقول النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «إن عليا قد آذانى» ولا شك أن إيذاء النبىّ محرم.

وعند ذلك : فإما أن يكون إيذاؤه بما عطفه على قوله : «وخطب بنت أبى جهل» ، أو بغيره.

فإن كان الأول : فالخطبة / لا تكون مباحة ؛ بل محرمة.

وإن كان بغيره : فلم يكن منكرا للخطبة حتى يلزم ما قيل.

قولهم : خلع الحسن ـ عليه‌السلام ـ نفسه عن الإمامة ، إنما كان ؛ لأنه ظنّ هلاك نفسه ، وشيعته ، بتقدير البقاء على الإمامة ؛ فكان ملجأ إلى ذلك غير مختار.

قلنا : نحن نعلم علما ضروريا ، أن خوف الحسن على نفسه ، وشيعته ، بتقدير بقائه على الإمامة ، لم يكن منتهيا إلى خوف الحسين ، من خروجه إلى الكوفة.

ولهذا فإن أكثر أصحاب الحسن ، وشيعته كانوا يلومونه على خلع نفسه من الإمامة ، حتى أنهم سمّوه مذلّ المؤمنين ، على ما سبق.

وأكثر أصحاب الحسين وشيعته ، كانوا يلومونه على الخروج ، إلى الكوفة : كابن عباس ، وابن عمر ، وغيرهما من سادات الصحابة ، ولو لا أن الخوف اللازم [من خروج الحسين إلى الكوفة أتم] (١) من الخوف اللازم من ، بقاء الحسن على الإمامة ؛ لما كان كذلك.

وعند هذا فإما أن يكون ما انتهى إليه خوف الحسن ، مجوّزا لخلع نفسه ، وترك ما وجب عليه ، أو لا يكون كذلك.

فإن كان الأول ؛ لزم أن يكون الحسين ، قد أوقع نفسه فى التهلكة مع غلبة الظن بوقوعها ؛ فإنا بيّنا أن خوف الخروج إلى الكوفة ، أتم من خوف بقاء الحسن على الإمامة ، وإلقاء النفس فى التهلكة ، مع ظن وقوعها حرام ؛ فلا يكون الحسين معصوما.

__________________

(١) ساقط من (أ).

٢٢٥

[وإن كان خوف الحسن لم ينته إلى حد يجوّز معه خلع نفسه من الإمامة ، فخلعه لنفسه عنها مع وجوب طلبه لها بكونه معصوما ، يخرجه عن كونه معصوما] (١) ، وكيف ما دار الكلام ؛ فلا بدّ من تخطئة أحدهما.

ثم لو كان خلعه لنفسه عن الإمامة تقية ، وخوفا ؛ فما الوجه فى الاقتداء بهم ، وأخذ عطائهم.

قولهم : [الكلام] (٢) فيه ما سبق فى قصة عليّ ـ عليه‌السلام ـ.

قلنا : والكلام أيضا فى إبطال ما ذكروه ؛ فكما تقدم.

قولهم : إنّما لم ينزل الحسين على أمان عبيد الله بن زياد ؛ لأنه ظهر له أنه لا بدّ له من قتله ، وقتل شيعته ؛ فامتنع عن النزول عليه ؛ دفعا للجمع ، بين القتل ، وذلّ النزول [على أمانه] (٣).

قلنا : وبتقدير أن يغلب على ظنّه أنه لا بدّ من قتله بعد النزول على الأمان ، غير أن غلبة الظنّ بذلك ، بتقدير عدم الأمان على النزول ، يكون أعظم ضرورة ، ومهما اجتمع طريقان ؛ فلا بدّ من سلوك أحدهما ، والظّن بالهلاك فى أحدهما أغلب ، من ظن الهلاك فى الثانى ؛ فإنه يجب سلوك أقرب الطريقين إلى السلامة.

[عند ذلك] (٤) فسلوكه لأقربهما هلاكا ، يكون به تاركا للواجب ، ويخرج بذلك عن كونه معصوما.

قولهم : إن القائم المهدى إنما اختفى للخوف من أعدائه ، مع ظهورهم واستيلائهم.

قلنا : فكان الواجب أن لا يختفى من شيعته.

قولهم : غير ممتنع أن يكون ظاهرا لبعض شيعته الذين لا يخشى من جهتهم إشاعة خبره.

قلنا : لا يخفى أن الأحوال تختلف باختلاف الأماكن والأوقات ، ونحن نعلم بالضرورة ، أن أولياءه قد يستظهرون / فى بعض الأوقات ، وفى بعض الأماكن على أعدائه ، وتكون الغلبة لهم عليهم ، فلو كان ممّن يظهر لبعض شيعته عند أمنه من

__________________

(١) ساقط من (أ)

(٢) ساقط من (أ)

(٣) ساقط من (أ)

(٤) ساقط من (أ)

٢٢٦

الخوف ؛ لظهر عند ظهور شيعته واستيلائهم على أعدائه ، فى بعض الأماكن ، والأوقات. وقد اتفق ذلك كثيرا فى كثير من الأزمان ، وكثير من الأماكن ، ولم يتفق ظهوره لهم أصلا.

وبهذا يبطل قولهم : إنه إنما لم يظهر مطلقا ، خوفا من توقع الإشاعة ، فإنه لا ضرر عليه فى الظهور فى محل استيلاء شيعته على أعدائه ، وإن شعر به أعداؤه ؛ فكان من الواجب ظهوره بينهم. ثم يلزم من / / ذلك عدم الفائدة فى إبقائه.

قولهم : فائدة بقائه توقع ظهوره عند زوال المخافة.

قلنا : ليس ذلك أولى من عدمه ، ووجوده عند زوال المخافة.

قولهم : عهدة ما يفوت من المصالح عليهم باختفاء شخصه ، خوفا منهم تكون عائدة عليهم ، بخلاف ما إذا أعدمه الله تعالى.

قلنا : وإذا كان عدمه لبطلان فائدة وجوده ، وبطلان فائدة وجوده ، مستند إلى الخوف منهم ، فالعهدة أيضا فيما يفوت عليهم من المصالح حالة عدمه ، تكون راجعة عليهم.

قولهم : فى الإلزام الخامس إنّ الأنبياء معصومون ؛ فقد أبطلناه فيما تقدم.

قولهم : وإن قدر أن النبي ليس بمعصوم ؛ لا يلزم أن يكون الإمام أفضل منه.

قلنا : دليله ما ذكرناه.

قولهم : إن النبي يعرف ذنبه بالوحى [فيتوب] (١) بخلاف الإمام.

قلنا : هذا إنّما يلزم أن لو لزم نزول الوحى بذلك ؛ وهو غير مسلم. وبتقدير التسليم ، فقد يتوب عن ذلك ، وقد لا يتوب ، وبتقدير لزوم التوبة إذا كان الذنب بترك واجب ، فغايته انتفاء الإثم ، ولكن لا يلزم منه الثواب عليه ، بخلاف من أتى به ، ولم يتركه ؛ فإنه مثاب عليه ، ولا معنى للأفضل ، إلّا أن ثوابه أكثر.

فلئن قالوا : إذا تاب ؛ فلا بدّ وأن يقضى ما فاته من الواجب.

قلنا : وقد لا يتفق قضاؤه ، وبتقدير قضائه ؛ فلا يخفى أن ثواب الأداء أكثر من ثواب القضاء ، لقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ حكاية عن ربه : «لن يتقرب المتقربون إلى بمثل

__________________

/ / أول ل ١٧٠ / ب.

(١) ساقط من (أ).

٢٢٧

أداء ما افترضت عليهم» (١) ، وبتقدير أن يكون مساويا له فى الثواب ؛ يلزم أن يكون الإمام ، مساويا للنبى فى الفضيلة ؛ وهو محال مخالف للإجماع.

قولهم : ما ذكرتموه معارض بما يدل على [وجود] (٢) العصمة ؛ لا نسلم وجود المعارض.

قولهم : فى الشبهة الأولى : إن الاحتياج إلى الإمام ، إنما كان لتكون الأمة أبعد عن فعل الخطأ ، وأقرب إلى فعل الواجب ؛ فهو مبنى على وجوب رعاية الحكمة فى أفعال الله ـ تعالى ـ وأحكامه ، وقد أبطلناه فى التعديل والتجوير (٣).

وإن سلمنا أنه لا بد من رعاية الحكمة ؛ ولكن لا نسلم أن الغرض من نصب الإمام ما ذكروه ؛ بل إنما الغرض من ذلك ما ذكرناه من حصول الأمن الّذي لا يحصل إلّا بنصب الإمام ، وتدبير الأمور السياسية ، كما سبق تفصيل القول / فيه فى الفصل الأول من هذا الأصل (٤) ؛ وذلك غير متوقف على عصمة الإمام.

وإن سلمنا أن الغرض ما ذكروه ؛ لكن القدر الّذي يحصل من ذلك بنصب الإمام مطلقا ، أو من نصب الإمام المعصوم؟ الأول : مسلم. والثانى : ممنوع ، فلم قلتم بأن ما زاد على ذلك القدر يكون مطلوبا للشارع.

قولهم فى الشبهة الثانية : إن الإمام تجب متابعته. إما أن يريدوا بذلك الوجوب العقلى ، أو السمعى.

فإن كان الأول : فهو ممنوع على ما عرفناه من امتناع الوجوب العقلى (٥).

وإن كان الثانى : فقد قصّروا فى الدلالة عليه ، أمّا ما ذكروه من جهة اللغة ؛ فلأن اللغة لا دلالة لها على الوجوب الشرعى (٥).

وأما ما ذكروه من الإجماع ؛ فلأن الاحتجاج بالإجماع عندهم إنما يصح بتقدير دخول الإمام المعصوم فيه ، وهو فرع دلالة الإجماع ؛ فيكون دورا.

__________________

(١) ورد فى صحيح الامام البخارى بلفظ «وما تقرب إلى عبدى بشيء أحب إلى مما افترضت عليه» والوارد هنا جزء من الحديث. (صحيح البخارى ٨ / ١٣١).

(٢) ساقط من (أ)

(٣) انظر ما سبق فى القاعدة الرابعة ـ النوع السادس ـ الأصل الأول فى التعديل والتجويز ل ١٨٦ / أوما بعدها.

(٤) أنظر ما سبق ل ٢٦٣ / أوما بعدها.

(٥) من أول (وإن كان الثانى : ... إلى : الوجوب الشرعى) ساقط من ب.

٢٢٨

وإن سلمنا صحة ما ذكروه من الدلالة على وجوب متابعة الإمام ؛ ولكن لا نسلم دلالة ذلك على عصمته.

وما ذكروه من الدلالة عليه فهو منقوض بالقاضى ؛ فإنه يجب على الرعية متابعة [حكمه ، ومنقوض بالشاهد ؛ فإنه يجب] (١) متابعة الحاكم له فى قبول قوله ، ولم يشترطوا العصمة فى القاضى ، والشاهد إجماعا (٢). وكل ما يذكرونه فى ذلك ؛ فهو جواب فى فصل الإمام.

قولهم فى الشبهة الثالثة : إن الشريعة لا بدّ لها من ناقل معصوم.

سلمنا أنها لا بدّ لها من ناقل ؛ لكن لا نسلم أنه يجب أن يكون معصوما ، ولم قلتم إنه لا يكفى أن يكون قول الناقل مغلبا على الظن؟

وإن سلمنا أنه لا بدّ وأن يكون معصوما ؛ لكن لم قلتم أنه الإمام؟ وما المانع أن يكون الناقل المعصوم هم الأمة؟ (٣)

قولهم : عصمة الأمة موقوفة على دلالة النصوص ممنوع ؛ بل عصمة الأمة إنما هو مستفاد من دليل العادة ، وهو استحالة اجتماعهم على الخطأ ، عادة كما هو معروف فى كتب الأصول.

وإن سلمنا دلالة ما ذكروه على كون الناقل لذلك إنما هو الإمام المعصوم ؛ لكنه معارض بما يدل على عدمه ؛ وذلك لأنه لو كان الإمام المعصوم شرطا فى نقل الشريعة ؛ للزم منه تعطيل الشريعة ، فى وقتنا هذا ، وأن لا يكون الخصوم ، على دين الإسلام ضرورة اختفاء الناقل المعصوم ، وعدم معرفته كما هو مذهبهم (٤).

قولهم فى الشبهة الرابعة : لو لم يكن الإمام معصوما فبتقدير وقوعه فى المعصية ، إما أن يجب الإنكار عليه ، أو لا يجب. الخ. يلزم عليه القاضى والسلطان / / المنصوب من جهة الإمام ؛ فإنه غير معصوم بالإجماع فبتقدير وقوعه فى المعصية : إما أن يجب الإنكار عليه ، أو لا يجب.

__________________

(١) ساقط من أ.

(٢) قارن به ما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ٧٥ وما بعدها.

(٣) انظر المغنى فى أبواب التوحيد والعدل ٢٠ / ١ / ٧٨ وما بعدها ، وتفسير الرازى ١٠ / ١٤٨ ، ١٤٩.

(٤) انظر الأربعين فى أصول الدين للرازى ص ٤٣٧.

/ / أول ل ١٧١ / أمن النسخة ب.

٢٢٩

فإن كان الأول : فاما أن يجب ذلك على الرعية وحدهم ، أو [على] (١) الإمام وحده ، أو على الإمام ، والرعية معا.

فإن كان الأول : لزم الدور / كما ذكروه.

وإن كان الثانى : فهو محال ؛ لأن الإمام بتقدير انفراده بالإنكار وحده قد لا يقدر على الإنكار على من نصبه لقوة شوكته ؛ فلا يكون الإنكار عليه واجبا.

وإن كان الثالث : فقد لزم الدور أيضا وكل ما يقال فى الجواب عن الأمير ، والقاضى ؛ فهو جواب له عن الإمام.

قولهم فى الشبهة الخامسة : إن الأمة قد اختلفت فى أحكام ليست فى كتاب الله ، ولا السنة المتواترة مسلم ؛ ولكن لم قلتم إنه لا بد من الإمام المعصوم ، وما المانع أن يكون طريق معرفتها القياس ، وخبر الواحد ، واستصحاب الحال ، كما قد عرف كل ذلك فى كتب الأصول.

قولهم : إن ذلك لا يفيد غير الظن ، والظن غير معمول به للآية المذكورة.

قلنا : فيلزمهم على هذا أن لا تكون الظواهر من الكتاب ، والسنة أيضا حججا فى الشريعة ، وهو خلاف إجماع المسلمين ، وقوله ـ عليه‌السلام ـ : «نحن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر» (٢) وعلى هذا فيجب تخصيص قوله تعالى : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (٣) بالقطعيات دون الظنيات.

قولهم فى الشبهة السادسة : إن القرآن قد دخله التحريف ، والتبديل ، ليس كذلك ؛ بل هو محفوظ مضبوط ؛ لما بيناه من تواتره وتواتر جميع آياته عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، وما ذكروه من دلائل ذلك : فقد سبق جوابها فى النبوات (٤).

قولهم : إنه مشتمل على ألفاظ مجملة.

قلنا : ما كان منه نصا ؛ وجب اتباعه ، وما كان منه ظاهرا فى معنى ومحتملا لمعنى [آخر] (٥) ؛ فيجب أيضا حمله على ظاهره ، إلا أن يقوم دليل الاحتمال البعيد.

__________________

(١) ساقط من أ.

(٢) الحديث فى الفوائد المجموعة ٢٠٠ وهو موضوع. ومع ذلك يحتج به أهل الأصول.

(٣) سورة يونس ١٠ / ٣٦.

(٤) انظر ما مر فى القاعدة الخامسة.

(٥) ساقط من أ.

٢٣٠

وما كان منه مجملا فيتوقف فيه إلى حين ظهور دليل أحد مدلولاته ؛ فإن ظهر : عمل به ، وإلا وجب البقاء على الوقف. وأما أن يتوقف ذلك على أخبار المعصوم ؛ فلا.

ودليله إجماع الصحابة على العمل بالظواهر ، وقول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «نحن نحكم بالظاهر ، والله يتولى السرائر».

قولهم فى الشبهة السابعة : إن الإمام لا بدّ وأن يكون منصوصا عليه باطل بما سبق.

وإن سلمنا أنه لا بدّ وأن يكون منصوصا عليه ؛ لكن لم قلتم أنه لا بدّ وأن يكون معصوما.

قولهم : لأنه لا يجوز على الحكيم تولية من يعلم باطنه الفساد ؛ فهو مبنى على التقبيح العقلى ؛ وهو باطل بما سبق (١).

وإن سلمنا التقبيح عقلا ؛ فما المانع من ذلك بتقدير أن يعلم الله ـ تعالى ـ صلاحنا فى اتباع ذلك الشخص ، وفى توليته علينا. وإن كان غير معصوم فى نفسه.

وعلى هذا فالتنصيص عليه لا يكون قبيحا.

وإن سلمنا دلالة ما ذكرتموه على امتناع تولية من ليس بمعصوم ؛ لكنه منقوض بتنصيص الرسول على القاضى ، والأمير / فإنه تولية منه له ، وإن لم يكن معصوما بالإجماع.

قولهم فى الشبهة الثامنة : إن معرفة الله تعالى واجبة ، مسلم.

قولهم : إما أن يكون العقل مستقلا بالمعرفة ، أو غير مستقل بها.

قلنا : المستقل بالمعرفة لا مطلق نظر ؛ بل النظر الصحيح على ما تقدم فى قاعدة النظر (٢).

وعلى هذا فلا نسلم إفضاء النظر [الصحيح] (٣) إلى المذاهب المتناقضة.

__________________

(١) انظر ما مر فى القاعدة الرابعة ـ النوع السادس ـ الأصل الأول ـ المسألة الأولى : فى التحسين والتقبيح ل ١٧٥ / أوما بعدها.

(٢) انظر ما سبق فى القاعدة الثانية ـ الفصل الثالث : فى أن النظر الصحيح يفضى إلى العلم بالمنظور فيه ، وإثباته على منكريه نهاية ل ١٨ / ب وما بعدها.

(٣) ساقط من (أ).

٢٣١

قولهم : يجب تفويض أمر كل واحد إلى نظره.

قلنا : النظر الصحيح أو الفاسد؟ الأول : مسلم ، والثانى : ممنوع.

وعلى هذا فالإنكار الحق إنما يتصور من الناظر النظر الصحيح على من نظره غير صحيح.

قولهم : يلزم من ذلك الاستغناء عن الإمام ، والنبي.

قلنا : فيما يتعلق بالمعرفة ، أو مطلقا؟ الأول : مسلم. والثانى : ممنوع.

وبيانه : أن الحاجة إلى النبي فى تعريف ما لا يستقل العقل بمعرفته من الأمور الشرعية.

وأما الإمام : فللأمن من المخاوف ، والفتن ، وتدبير الأمور السياسية ، التى لا يستقل بها من ليس بإمام على ما سبق.

وما ذكروه فى إبطال النظر العقلى : إما أن يكون صحيحا ، أو لا يكون صحيحا.

[فإن لم يكن صحيحا] (١) ؛ فلا حاجة إلى جوابه.

وإن كان صحيحا : فقد اعترفوا بصحة النظر.

وإن سلمنا امتناع استقلال العقل بذلك ؛ لكن لم قالوا بأنه لا بدّ من الإمام المعصوم؟

قولهم : لا يخلو إما أن يفتقر فى ذلك إلى معلم ، أو لا يفتقر إليه.

قلنا : لا يفتقر إليه.

قولهم : فهذا تعليم بأنه لا حاجة إلى / / التعليم ، لا نسلم ؛ بل هو إبطال للتعليم مطلقا.

وإن سلمنا أنه لا بد من التعليم ؛ لكن لم قلتم إن المعلم هو الإمام المعصوم؟

قولهم : لأنه إما أن يكون المعلم معصوما ، أو غير معصوم.

قلنا : معصوم ولكن لا نسلم انحصار المعلم المعصوم فى الإمام ؛ بل جاز أن يكون والنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ووصول خبره إلينا بالتواتر المفيد لليقين.

__________________

(١) ساقط من (أ)

/ / أول ل ١٧١ ب من النسخة ب.

٢٣٢

وإن سلمنا أن المعلم المعصوم هو الإمام ، ولكن متى تحصل المعرفة بقوله إذا عرفت عصمته ، أو اذ لم تعرف الأول : مسلم. والثانى ممنوع.

وعند ذلك فمعرفة عصمته : إما أن تكون بمجرد قوله ، أو لا لمجرد قوله.

الأول : محال ، إذ ليس تصديقه فى دعواه العصمة ، بمجرد قوله ، أولى من تصديق غيره.

وإن كان الثانى : فلا بدّ من معرّف آخر ؛ ويلزم منه إبطال القول بأنه لا معرّف إلا قول الإمام المعصوم.

وإن سلمنا [أن] (١) معرفة عصمته بمجرد قوله ؛ ولكن إنما تحصل المعرفة بقوله بتقدير ظهوره ، وأما بتقدير اختفائه فلا ، والإمام عندهم غير ظاهر ؛ ويلزم أن لا يكونوا عارفين بالله ـ تعالى ـ ؛ بل جاهلين به ؛ لعدم تعريف الإمام لهم.

وأما قوله ـ تعالى : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً) (٢) فقد سبق جوابه فى عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام (٣).

وأما قوله : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (٤) فغايته أنه أمر بطاعة أولى الأمر ؛ وليس فيه / ما يدل على عصمتهم (٥).

قولهم : لو لم يكونوا معصومين ؛ لكنا مأمورين بطاعتهم فيما هم مخطئون فيه ؛ وهو محال ؛ فهو باطل بأمرنا بطاعة القاضى ، والأمير المنصوب من جهة الإمام ، وكذلك أمر العبد بطاعة سيده ، والزوجة بطاعة زوجها ؛ فإنه جائز من الله ورسوله بالاتفاق ، وإن لم يكن المأمور بطاعته فى هذه الصور كلها معصوما.

__________________

(١) ساقط من (أ)

(٢) سورة البقرة ٢ / ١٢٤.

(٣) انظر القاعدة الخامسة ل ١٧٥ / ب وما بعدها.

(٤) سورة النساء ٤ / ٥٩.

(٥) انظر تفسير الآية الكريمة فى تفسير الرازى ١٠ / ١٤٨ وما بعدها.

٢٣٣

الفصل الرابع

فى إثبات إمامة إمام الأئمة أبى بكر الصدّيق (١)

ودليل إثباتها اتفاق الأمة بعد وفاة رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على نصبه ، وعقد الإمامة له ، واتّباع الناس له فى أيام حياته ، وموافقتهم له فى غزواته ، ونصبه للولاة والحكام ، ونفوذ أوامره ، ونواهيه ، فى البلدان ؛ وذلك مما شاع وذاع ، وعلم بالتواتر علما لا ريب فيه ، كما علم وجود النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ودعواه بالرسالة ؛ وذلك دليل على إثبات إمامته وصحة نصبه ، وإقامته (٢).

__________________

(١) عبد الله بن أبى قحافة عثمان بن عامر ، التيمى ، القرشى أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ أول الخلفاء الراشدين ، وأول من آمن برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الرجال ولد بمكة سنة ٥١ قبل الهجرة. أحد عظماء العرب فى الجاهلية وفى الإسلام كان من كبار موسريهم ، ومن أكثرهم علما ، وكانت العرب تلقبه بعالم قريش حرّم على نفسه الخمر فى الجاهلية ، فلم يشربها.

كانت له فى عصر النبوة مواقف عظيمة ؛ فضحى بماله من أجل نصرة المستضعفين من المسلمين ؛ فكان يشترى الأرقاء منهم ويعتقهم. كما شهد كل الحروب مع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ واحتمل الشدائد. ومواقفه مع الرسول معروفه ، وأقوال الرسول فيه مشهورة. ولما بويع بالخلافة بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، كانت له مواقف عظيمة فقد حارب المرتدين ، وجيش الجيوش ؛ واتفق له قواد عظام أمناء مؤمنين مخلصين كخالد بن الوليد ، وعمرو بن العاص وأبو عبيدة بن الحراج ، والعلاء بن الحضرمى ، ويزيد بن أبى سفيان ، والمثنى بن حارثة وفتحت فى أيامه معظم بلاد الشام وقسم كبير من العراق.

كان رضى الله عنه أحد المبشرين بالجنة ، ولقبه الصديق فى الجاهلية والإسلام. وكان موصوفا بالحلم والفصاحة والشجاعة ، توفى بالمدينة سنة ١٣ ه‍ وكانت مدة خلافته سنتان وثلاثة أشهر ونصف. له فى كتب الحديث (١٤٢) حديثا.

[صفة الصفوة ١ / ٨٨ ـ ١٠١ ، والإصابة ت ٤٨٠٨ ، والأعلام ٤ / ١٠٢].

(٢) لمزيد من البحث والدراسة بالإضافة إلى ما ورد هنا. يرجع إلى المصادر التالية :

الإبانة عن أصول الديانة للإمام الأشعرى ص ٢٠٤ وما بعدها ، واللمع له أيضا ص ١٣١ والتمهيد للباقلانى ص ١٨٧ وما بعدها. وأصول الدين للبغدادى ص ٢٨١ وما بعدها والإرشاد لإمام الحرمين الجوينى ص ٢٤٠ وما بعدها ، ولمع الأدلة له أيضا ص ١١٥ وما بعدها والأربعين للرازى ص ٤٣٩ وما بعدها ، ومعالم أصول الدين له أيضا ص ١٧٠ وما بعدها وغاية المرام للآمدى ص ٣٨٧ وما بعدها.

ومن كتب المعتزلة : المغنى فى أبواب التوحيد والعدل للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ٢٧٩ وما بعدها ، والمعتمد فى أصول الدين ص ٢٢٥ وما بعدها ، وشرح الأصول الخمسة ص ٧٥٠ وما بعدها.

ومن كتب المتأخرين عن الآمدي : شرح المواقف للجرجانى ـ الموقف السادس ص ٢٩٥ وما بعدها ، وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ٢٠٩ وما بعدها ومنهاج السنة لابن تيمية ٢ / ١٧٥ وما بعدها.

٢٣٤

فإن قيل : أولا لا نسلم أنه كان من أهل الإمامة ، ولا مستجمعا لشروطها المعتبرة فيها حتى تصح إمامته ؛ فلا بد من بيان الأهلية أولا.

ثم بيان عدم أهليته لذلك من ثمانية أوجه : ـ

الأول : قوله تعالى لإبراهيم : (إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١).

ووجه الاحتجاج به : أنّه أخبر أنّه لا ينال عهد الله ؛ وهو الإمامة الظالمين ، وأبو بكر كان ظالما ؛ فلا يكون أهلا للإمامة.

وبيان أنه كان ظالما من وجهين :

الأول : أنه كان كان كافرا قبل البعثة. والكافر ظالم لقوله ـ تعالى ـ (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٢).

الثانى : أنه ظلم فاطمة ، وبيان ظلمه لها أنه منعها من حق كان ثابتا لها ، بميراثها من أبيها.

وبيان ذلك أن فدك (٣) كانت للنبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، ومات عنها. وفاطمة كانت مستحقة لنصفها ، بحق الميراث ، ودليله أمران :

الأول : قوله تعالى : (وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ) (٤)

الثانى : أنّ فاطمة كانت معصومة عن الخطأ.

وبيان عصمتها من وجهين : ـ

__________________

(١) سورة البقرة ٢ / ١٢٤.

(٢) سورة البقرة ٢ / ٢٥٤.

(٣) فدك : قرية بخيبر كانت للنبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أفاءها الله على رسوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ سنة سبع من الهجرة ـ بعد غزوة خيبر ـ صلحا. وتوفى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عنها : فطالبت السيدة فاطمة ـ رضى الله عنها ـ بميراثها. فذكر لها أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ حديث رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى ذلك. وأوضح لها أن ما تركه الرسول صدقة ـ لا حق لها فيها.

قارن ما ذكره الآمدي هنا بما ذكره صاحب المغنى القاضى عبد الجبار فى كتابه المغنى ٢٠ / ٣٢٨ وما بعدها القسم الأول : فقد تحدث بالتفصيل عن الحوار الّذي دار بين السيدة فاطمة ـ رضى الله عنها ـ ، وبين الصديق ـ رضي الله عنه ـ ، وأجاب عن شبه الخصوم بالتفصيل ـ ووضح براءة الصديق ـ رضي الله عنه ـ مما ألصقه به الخصوم خاصة ، والسيدة فاطمة ـ رضى الله عنها ـ قد اقتنعت ، وكفت عن المطالبة ـ فأصابت أولا وثانيا.

(٤) سورة النساء ٤ / ١١.

٢٣٥

الوجه الأول : أنها كانت من أهل البيت بالاتفاق ، وأهل البيت معصومون بدليل الكتاب ، والسنة.

أما الكتاب : فقوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (١) ، أورد ذلك فى معرض الامتنان ، والإنعام عليهم ، والتعظيم لهم ، وإنما يتم ذلك أن لو انتفى عنهم الرجس مطلقا ، وإلا لبطلت فائدة ذلك ؛ لمشاركة غيرهم لهم فى ذلك ؛ فيلزم أن تكون فاطمة معصومة عن الخطأ مطلقا.

وأما السنة : فقوله عليه ـ الصلاة والسلام : «فاطمة بضعة منى (٢) ، والنبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ معصوم ؛ فبضعته تكون معصومة.

وإذا كانت معصومة / فقد ادعت استحقاقها للميراث ؛ فتكون صادقة فى دعواها.

الوجه الثانى : فى بيان عدم أهليته : أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لم يولّه شيئا فى حال حياته ، وحين بعث / / به إلى مكة ؛ ليقرأ سورة براءة على الناس فى الموسم. نزل جبريل على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بعد ذلك : «إنه لا يؤدى عنك إلا أنت ، أو رجل منك (٣) ؛ فبعث عليا فى أثره [وأمره] (٤) أن يتناول منه السورة ، ويقرأها على أهل مكة ، وعزل أبا بكر عن ذلك ؛ وذلك دليل على أنه ليس أهلا للإمامة ، ولا لتأدية أمر الله ـ تعالى ـ عنه ـ (٥).

الوجه الثالث : أنه ـ عليه لصلاة والسلام ـ عزله عن الإمامة بالناس ، لما أمّ بهم بأمر بلال عن عائشة ، ومن لا يكون أهلا للإمامة فى الصلاة ؛ لا يكون أهلا لإمامة الأمة (٦).

الوجه الرابع : أن شرط الإمام أن يكون معصوما على ما تقدم ، وأبو بكر لم يكن معصوما ، ودليله أمور أربعة :

الأول : اتفاق الأمة على ذلك.

__________________

(١) سورة الأحزاب ٣٣ / ٣٣.

(٢) ورد فى صحيح البخارى ٧ / ١٣١ حديث رقم ٣٧٦٧ «فاطمة بضعة منى فمن أغضبها أغضبنى». وقد ذكره البخارى فى كتاب فضائل الصحابة ـ ٢٩ ـ باب مناقب فاطمة عليها‌السلام. وقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «فاطمة سيدة نساء أهل الجنة». وقارنه بشرح المواقف ـ الموقف السادس ـ ص ٢٩٧ ، ٢٩٨ ، ٢٩٩.

/ / أول ل ١٧٢ / أ.

(٣) ورد فى مسند الإمام أحمد ٤ / ١٦٤ ، سنن ابن ماجة ١ / ٤٤.

(٤) ساقط من أ.

(٥) ذكر القاضى عبد الجبار هذه الشبهة ورد عليها بالتفصيل فى كتابه (المغنى ٢٠ / ٣٤٩ ـ ٣٥٢ من القسم الأول) ووضح أنها دليل لإمامة أبى بكر ، وليست طعنا فيها كما ظن الخصوم : وقارن بشرح المواقف للجرجانى ـ الموقف السادس ص ٣٠٠.

(٦) وقد رد الآمدي على هذه الشبهة فيما سيأتى ل ٢٩٩ / ب. قارن بشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣٠٠ ، ٣٠١.

٢٣٦

الثانى : أنه قد نقل عنه بالنقل الصحيح ، أنه قام على منبر رسول الله وقال : «إنّ لى شيطانا يعترينى ، فإن استقمت فأعينونى ، وإن عصيت ؛ فتجنبونى» (١).

وعند ذلك فلا يخلو : إما أن يكون صادقا فيه ، أو كاذبا.

فإن كان كاذبا ؛ فلا يكون معصوما.

وإن كان صادقا ؛ فقد ثبت أنه كان يعصى ؛ فلا يكون معصوما أيضا.

الثالث : أنه خالف أمر رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ومخالفة أمره معصية.

وبيان ذلك : أنه لما جهّز النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ جيش أسامة فى مرضه الّذي مات فيه ، وقال : «ملعون من تخلف عنه» ، وكان عمر ، وعثمان فيه ، ومن جملة من يلزمه الخروج فيه ؛ فحبس أبو بكر عمر عن الخروج معه (٢).

الرابع : أنه سمّى نفسه خليفة رسول الله ، وخليفة رسول الله من استخلفه ، ولم يكن استخلفه ؛ فكان كاذبا.

الوجه الخامس : فى بيان عدم أهليته : أنّ شرط الإمام أن يكون أفضل الأمة كما تقدّم بيانه ، وأبو بكر لم يكن كذلك ، ودليله قوله : «وليتكم [ولست] (٣) بخيركم ، أقيلونى» (٤) فهو لا يخلو : إما أن يكون كاذبا فى ذلك ، أو صادقا.

فإن كان كاذبا : فالكاذب لا يكون خير الأمّة.

وإن كان صادقا : فهو المطلوب.

الوجه السادس : هو أنّ شرط الإمام أن يكون أعلم الأمة كما تقدم. وأبو بكر لم يكن كذلك ، فإنه لم يكن عالما بالشّرائع ، فإنه أحرق فجاءة بالنار وهو يقول أنا مسلم. وقطع يسار يد السارق ؛ وذلك على خلاف الشرع.

__________________

(١) ورد فى تاريخ الطبرى ٣ / ٢٢٤ «وإنما أنا متبع ولست بمبتدع ، فإن استقمت فتابعونى ، وإن زغت فقومونى» ثم قال :

«ألا إن لى شيطانا يعترينى ، فإذا أتانى فاجتنبونى». قارن بمسند الإمام أحمد ١ / ١٤ ، وقد ذكر القاضى عبد الجبار فى المغنى ٢٠ / ٣٣٨ القسم الأول : هذا القول : على أنه من شبه الخصوم : فقال : «شبهة أخرى لهم : قالوا : وكيف يصلح للإمامة من يخبر عن نفسه أن له شيطانا يعتريه ، ويحذر الناس نفسه» ثم أجاب على هذه الشبهة بالتفصيل.

(٢) وقد رد الآمدي على هذه الشبهة بالتفصيل ل ٢٩٩ / ب. قارن رد القاضى عبد الجبار على هذه الشبهة فى (المغنى ٢٠ / ٣٤٣ ـ ٣٤٩ القسم الأول).

(٣) ساقط من أ.

(٤) قارن بالتمهيد للقاضى الباقلانى ص ١٩٥ وما بعدها فقد نقل القول على أنه من شبه الخصوم ورد عليه بالتفصيل.

وانظر غاية المرام للآمدى ص ٣٨٨. أما القاضى عبد الجبار فقد ذكر هذه الشبهة ورد عليها بالتفصيل.

(المغنى ٢٠ / ٣٣٨ ، ٣٣٩ القسم الأول).

٢٣٧

وروى أنه سألته جدة عن ميراثها فقال : «لا أجد لك فى كتاب الله ـ تعالى ـ ولا سنة رسوله شيئا ، ارجعى حتى أسأل الناس ؛ فأخبره المغيرة بن شعبة ، وغيره أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أعطاها السدس» (١) ، فجعله لها إلى غير ذلك ؛ وذلك دليل نقصه فى العلم بالشريعة /.

الوجه السابع : أنه قال : «وودت أنى سألت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عن هذا الأمر فيمن هو ؛ فكنّا لا ننازعه أهله» (٢) ؛ وذلك منه دليل على شكّه فى استحقاقه للإمامة.

الوجه الثامن : أنّ عمر بن الخطاب مع أنه وليه ، وحميمه ، وناصره ، والمتولى للعهد من قبله ، قد نقل عنه ما يدل على ذمّه ، والإنكار عليه ، وأن بيعته وقعت لا عن أصل يبنى عليه ، وهو أدل الأشياء على ، عدم استحقاقه للإمامة.

أمّا ذمّه : فما روى عنه أنه جاءه عبد الرحمن بن أبى بكر ، يشفع فى الحطيئة (٣) الشاعر فقال : «دويبة سوء لهو خير من أبيه» (٤).

وأما إنكاره عليه ، حيث لم يقتل خالد بن الوليد (٥) ، ولم يعزله ، وقد قتل مالك بن نويرة (٦) ، وهو مسلم ، طمعا فى التزويج بامرأته لجمالها ، حتى قال له عمر : «إن وليت الأمر لأقيدنك به» (٧).

__________________

(١) قارن بما ذكره صاحب المغنى (٢٠ / ٣٥٢ ، ٣٥٣ القسم الأول) فقد ذكر هذه الشبهة ورد عليها بالتفصيل. وبما ورد فى شرح المواقف الموقف السادس ص ٣٠١.

(٢) قارن بما ذكره صاحب المغنى (٢٠ / ٣٤٠ ، ٣٤١ القسم الأول) فقد ذكر هذه الشبهة ورد عليها بالتفصيل.

(٣) الحطيئة : هو جرول بن أوس بن مالك ـ العبسى ، شاعر مخضرم أسلم ثم ارتد ، ثم تاب. قال أثناء ردته :

أطعنا رسول الله إذ كان بيننا

فيا لعباد الله ما لأبى بكر

أيورثها بكر إذا مات بعده

وتلك لعمر الله قاصمة الظهر

(خزانة الأدب ١ / ٤٠٨).

(٤) قارن بما ورد فى شرح المواقف للجرجانى ـ الموقف السادس ـ ص ٣٠٢.

(٥) خالد بن الوليد ـ رضي الله عنه ـ بن المغيرة المخزومى ، القرشى سيف الله ، الفاتح الكبير والقائد العظيم ، والصحابى الجليل كان من أشراف قريش ، أسلم قبل الفتح سنة ٧ ه‍ فسر به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وولاه الخيل ، ولما ولى أبو بكر ، وجهه لقتال المرتدين ، ثم سيره إلى العراق ثم حوله إلى الشام. وكان رضي الله عنه من أعظم قواد عصره ؛ بل من أعظم قواد العالم. قال عنه أبو بكر : عجزت النساء أن يلدن مثل خالد. روى له المحدثون (١٨) حديثا ، وعن عبد الرحمن بن أبى الزناد أن خالد بن الوليد لمّا حضرته الوفاة بكى : فقال : «لقد لقيت كذا وكذا زحفا ، وما فى جسدى شبر إلا وفيه ضربة بسيف أو رمية بسهم أو طعنة برمح. وها أنا أموت على فراشى حتف أنفى كما يموت العير ، فلا نامت أعين الجبناء» [صفة الصفوة ١ / ٢٤٥ ـ ٢٤٧ ، الأعلام للزركلى ٢ / ٣٠٠].

(٦) مالك بن نويرة : هو أبو حنظلة مالك بن نويرة بن حمزة من بنى يربوع ، أسلم وولاه رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ صدقات قومه ، وفى ارتداده عن الإسلام خلاف. فيقال إنه وزع الصدقات على قومه وارتد فقتله خالد بن الوليد وتزوج امرأته [الإصابة ٣ / ٣٣٦ ، والبداية والنهاية ٦ / ٣٢٢].

(٧) قارن بما ورد فى المغنى ٢٠ / ٣٥٤ ، ٣٥٥ القسم الأول. فقد ذكر القاضى هذه الشبهة ورد عليها بالتفصيل. وقارن بشرح المواقف للجرجانى ـ الموقف السادس ص ٣٠٢ ، ٣٠٣.

٢٣٨

وأما أنّ بيعته كانت عن غير أصل : فقول عمر ، «إن بيعة أبى بكر كانت فلتة ، وقى الله شرها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه» (١).

وإن سلّمنا أنه كان أهلا لاستحقاق الإمامة ، غير أنّا لا نسلم إجماع الأمة على عقد الإمامة له ؛ فإنه قد روى أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لما قبض ، وبويع أبو بكر ، تخلّف عن البيعة سلمان الفارسى (٢) ، وأبو ذر الغفارى (٣) ، والزبير بن العوام ، وجماعة من أجلاء الصحابة.

وأما عليّ فإنه تأخر عن البيعة ستة أشهر ، وأنه كان يقول إذا دعى إلى البيعة : «إنّى لأخو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يقولها غيرى إلا كذاب ، وأنا والله أحق بهذا الأمر منكم ، وأنتم أولى بالبيعة لى» (٤) ، حتى أنفذ إليه عمر مع جماعة فضربوا الباب فلما سمع عليّ عليه‌السلام أصواتهم ، لم يتكلم ، وتكلمت امرأة فقالت : من هؤلاء؟ فقالوا : قولى لعلىّ يخرج يبايع ؛ فرفعت فاطمة صوتها ، وقالت : يا رسول / / الله ما ذا لقينا من أبى بكر ، وعمر

__________________

(١) قارن بما أورده القاضى الباقلانى فى التمهيد ص ١٩٦ ، ١٩٧ ، والقاضى عبد الجبار فى المغنى ٢٠ / ٣٣٩ ، ٣٤٠ من القسم الأول.

وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣٠٢ ، ٣٠٣ فقد ذكر كل منهم هذه الشبهة ورد عليها بالتفصيل.

(٢) سلمان الفارسى رضي الله عنه : صحابى جليل ـ يكنى أبا عبد الله. من أصبهان كان يسمى نفسه سلمان الإسلام. عاش عمرا طويلا ، واختلفوا فيما كان يسمى به فى بلاده وقالوا : نشأ فى قرية جيان ، ورحل إلى الشام فالموصل فنصيبين ، فعمورية. وقرأ كتب الفرس والروم واليهود وقصد بلاد العرب وسافر يطلب الدين مع جماعة فغدروا به وباعوه لليهود. ثم إنه كاتب ، فأعانه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أسلم فى أول مقدم النبي إلى المدينة ، ومنعه الرق من شهود بدر وأحد. وأول غزاة غزاها مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم غزوة الخندق وهو الّذي أشار على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم بحفر الخندق. ثم شهد ما بعد الخندق ، وولاه عمر المدائن توفى رضي الله عنه سنة ٣٦ ه‍. له فى كتب الحديث ستون حديثا.

قال عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «سلمان منا أهل البيت» وشبهه على رضي الله عنه بلقمان الحكيم فقال : «من لكم بمثل لقمان الحكيم».

[صفة الصفوة ١ / ١٩٦ ـ ٢٠٨ ، الأعلام ٣ / ١١٢].

(٣) أبو ذر الغفارى رضي الله عنه : جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد من بنى غفار ، من كنانة بن خزيمة أبو ذر : صحابى جليل. من كبار الصحابة. أسلم بمكة قديما ، وقال : كنت فى الإسلام رابعا. يضرب به المثل فى الصدق ، وهو أول من حيا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتحية الإسلام. هاجر بعد وفاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى بادية الشام ؛ فأقام بها إلى أن توفى أبو بكر وعمر وولى عثمان ، فشكاه معاوية (وكان والى الشام) إلى عثمان بأنه يحرض الفقراء على مشاركة الأغنياء فى أموالهم ؛ فاستقدمه عثمان إلى المدينة ؛ فقدم واستأنف نشر آرائه ؛ فأمره عثمان بالخروج إلى الرّبذة (من قرى المدينة) فسكنها إلى أن مات رحمه‌الله ورضى عنه وكانت وفاته سنة ٣٢ ه‍ روى له البخارى ومسلم (٢٨١) حديثا.

[صفة الصفوة ترجمة رقم [٦٤] ١ / ٢٢٠ ـ ٢٢٦ ، والأعلام ٢ / ١٤٠].

(٤) انظر تاريخ الطبرى ٣ / ٢٠٨.

/ / أول ١٧٢ / ب.

٢٣٩

بعدك ؛ فبكى كثير ممّن سمع صوتها وانصرفوا ؛ فوثب عمر فى ناس معه ؛ فأخرجوه ، وانطلقوا به إلى أبى بكر حتى أجلسوه بين يديه.

فقال أبو بكر : بايع ، قال : فإن لم أفعل ، قال : إذن والله الّذي لا إله هو نضرب عنقك ؛ فالتفت عليّ عليه‌السلام إلى القبر وقال : «يا ابن أم إنّ القوم استضعفونى وكادوا يقتلوننى» (١) ثم بايع عن كره ، واضطرار.

وروى أنّه لمّا بويع أبو بكر غضب جماعة من المهاجرين ، والأنصار وقالوا : أبويع من غير مشورة ولا رضى منّا ، وغضب عليّ ، والزبير ، ودخلا بيت فاطمة ، وتخلّفا عن البيعة ، فجاءهم عمر فى جماعة وفيهم مسلمة بن أسلم (٢) ؛ فصاح عمر : أخرجوا ، أو لنحرقها عليكم ، فأبوا أن يخرجوا ، فأمر عمر مسلمة بن أسلم فدخل عليهما ، وأخذ أسيافهما ، أو أسيف أحدهما ؛ فضرب به الجدار حتى كسره ، ثم أخرجهما يسوقهما / حتى بايعا كرها وإلجاء.

وعلى هذا فأىّ إجماع ينعقد فى عصر فيه عليّ ، والزّبير وهما غير داخلين فيه اختيارا.

وإن سلمنا انعقاد الإجماع على ذلك ؛ لكن لا نسلم أن الإجماع حجة على ما تقدم.

سلمنا أنه حجة لكن متى ، إذا لزم منه مخالفة النص ، أو إذا لم يلزم؟ الأول : ممنوع ، والثانى : مسلم.

وبيان مخالفته للنص ما بيّناه من التنصيص على عليّ رضى الله عنه.

والجواب : قولهم : لا نسلم أنه كان أهلا للإمامة.

قلنا : دليله الإجمال والتفصيل.

أما الإجمال : فهو أن إجماع الأمة على عقد الإمامة له يدل على كونه أهلا لها ، ومستجمعا لشرائطها ، وإلا كان إجماعهم على الخطأ ؛ وهو محال.

__________________

(١) قارن هذه الرواية بما ورد فى تاريخ الطبرى ٣ / ٢٠٨.

(٢) هو : مسلمة بن أسلم بن حريش بن عدى الأنصارى شهد المشاهد كلها مع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، واستشهد بالعراق فى خلافة عمر ـ رضي الله عنه ـ سنة ١٤ ه‍ (أسد الغابة ٤ / ٣٩٧ ، الإصابة ٣ / ٣٩٨).

٢٤٠