أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٥

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]

أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٥

المؤلف:

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]


المحقق: د. أحمد محمد المهدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 977-18-0328-x
الصفحات: ٣١٨

والجواب عن الإشكالين يكون متحدا. وعلى هذا يكون الجواب عن قوله ـ تعالى ـ : (وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) (١).

وقوله عليه‌السلام : «من كنت مولاه ؛ فعلى مولاه» (٢) من أخبار الآحاد ؛ فلا يكون حجة فى هذا الباب ؛ لما تقدم (٣).

قولهم : الأمة مجمعة على صحته ؛ فقد سبق إبطال احتجاجهم بالإجماع. وإن صحّ احتجاجهم بالإجماع ؛ لكن لا نسلم أن هذا الحديث ممّا أجمعت الأمة على صحته ؛ فإنه قد طعن فيه ابن أبى داود (٤) ، وأبو حاتم (٥) الرازى وغيرهما من أئمة الحديث.

وإن سلمنا الإجماع على صحته ؛ لكن بجهة القطع ، أو بجهة الظّن؟ الأول ممنوع ، والثانى مسلم.

وإن سلّمنا أنه مقطوع بصحته ؛ لكن لا نسلم صحة الزيادة فيه ؛ وهى قوله : «ألست أولى بكم من أنفسكم» ولا يمكن دعوى إجماع الأمة عليها ؛ فإن أكثر المحدثين لم يوافقوا عليها.

سلمنا صحة الأصل والزيادة ؛ ولكن لا نسلم صحة الاحتجاج به على إمامة عليّ عليه‌السلام.

قولهم : لفظ المولى يحتمل الأولى ؛ لا نسلم ذلك (٦) ، وبيانه من وجهين : ـ الأول : أن أحدهما بمعنى أفعل ، والأخر بمعنى مفعل ، وقد نقل عن أهل اللغة أنه لم يرد أحدهما بمعنى الآخر.

__________________

(١) سورة المائدة ٥ / ٩٢.

(٢) سبق تخريجه ل ٢٧١ / أ.

(٣) راجع ما تقدم ل ٢٦٦ / ب.

(٤) ابن أبى داود (٢٣٠ ـ ٣١٦).

هو أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث السجستانى ، ولد بسجستان ؛ وتوفى ببغداد اشتغل بالتفسير وعلم الحديث والاقراء [وفيات الأعيان ١ / ٢٦٨ ، تاريخ بغداد ٩ / ٤٦٤].

(٥) أبو حاتم الرازى (١٩٥ ـ ٢٧٧).

هو محمد بن إدريس بن المنذر بن داود الغطفانى الرازى ، ولد بالرى ، اشتهر برواية الحديث ونقده طاف بالبلدان الإسلامية ، توفى ببغداد [تهذيب التهذيب ٩ / ٣١ ، سير أعلام النبلاء ٣ / ٢٤٧].

(٦) لنفى احتمال تضمن لفظ المولى على معنى الأولى. راجع بالإضافة لما أورده الآمدي هاهنا.

التمهيد للباقلانى ١٧٠ ـ ١٧١ ، والإرشاد للجوينى ص ٣٣٨.

وغاية المرام للآمدى ص ٣٧٨ ، والمواقف للإيجي ص ٤٠٥ وشرحها ـ الموقف السادس ص ٣٠٦.

١٨١

الثانى : أنه لو ورد أحدهما بمعنى الآخر وكان المفهوم منهما واحدا ؛ لصحّ أن يقترن بكل واحد منهما ما يقترن بالآخر ، وذلك بأن يقال : فلان مولى من فلان ، كما يقال [فلان] (١) أولى من فلان ، وفلان أولى فلان ، كما يقال فلان مولى فلان ؛ وهو ممتنع (٢).

غير أن لقائل أن يقول : [إنّ] (٣) المفهوم منهما وإن كان واحدا ، غير أن اللفظ مختلف.

وعند ذلك فلا يلزم أن يجوز على كل واحد منهما ما يجوز على الآخر ، إلّا أن نبين أن ذلك اللازم من لوازم مفهوم اللفظ ، لا من لوازم اللفظ ؛ وهو غير مسلم.

وقوله ـ تعالى ـ : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ) (٤) لا نسلم أن المولى هاهنا بمعنى الأولى ؛ بل المراد به الوارثون ، وهم العصبة من بنى العم ، والقربى ممّا ترك الوالدان ، والأقربون (٥).

وقوله تعالى : ـ (مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ) (٦) لا نسلم أن المولى هاهنا أيضا بمعنى الأولى ؛ بل قد قيل المراد بقوله أولى بكم ، أى مكانكم ، ومقركم وما إليه مالكم ، وعاقبتكم ، ولهذا قال تعالى : (وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (٧)

وقد قيل : أمكن أن يكون المراد به : النار ناصركم بمعنى المبالغة فى نفى الناصر له. كما يقال : الجوع زاد من لا زاد له ، والصبر حيلة من لا حيلة له ، والمراد المبالغة فى نفى الحيلة ، والزاد. أمّا أن يكون الجوع زادا ، والصبر حيلة ؛ فلا.

وقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن مولاها فنكاحها باطل» (٨). لا نسلم صحته وبتقدير صحته [فالمراد] (٩) بقوله مولاها ، مالك

__________________

(١) ساقط من «أ».

(٢) ورد فى تفسير الرازى ٢٩ / ٢٢٨ «لأنه لو كان مولى ، وأولى بمعنى واحد فى اللغة لصح استعمال كل واحد منهما مكان الآخر ، فكان يجب أن يصح أن يقال : هذا مولى من فلان ، كما يقال : هذا أولى من فلان ، ويصح أن يقال هذا أولى فلان كما يقال هذا مولى فلان».

(٣) ساقط من «أ».

(٤) سورة النساء ٤ / ٣٣.

(٥) فى تفسير ابن كثير ١ / ٤٨٩ «ولكل جعلنا موالى : أى ورثة. وعن ابن عباس فى رواية : أى عصبة» وقارن به ما جاء فى تفسير الفخر الرازى ١٠ / ٨٦ ، ٨٧.

(٦) سورة الحديد ٥٧ / ١٥.

(٧) سورة الحديد جزء من الآية رقم ١٥.

(٨) سبق تخريجه فى هامش ل ٢٧٢ / أ.

(٩) ساقط من «أ».

١٨٢

رقبتها ، والمتصرف فيها لغرض يعود إليه لا إليها ؛ فإنه المتبادر إلى الأفهام من إطلاق / لفظ المولى بإزاء الأمة ، وعند ذلك فيمتنع إطلاقه بإزاء الأولى المطلق فى قوله عليه الصلاة والسلام : «ألست أولى بكم من أنفسكم» ، وإلا لصدق على النبي أنه مالك رق من خاطبهم بذلك ؛ وهو ممتنع بالإجماع.

سلمنا احتمال إطلاق المولى بمعنى الأولى ؛ ولكن لا نسلم وجوب حمله عليه فيما نحن فيه.

قولهم : لفظ المولى إما أن يكون ظاهرا فى الأولى بالتصرف ، أو لا يكون ظاهرا فيه.

قلنا : ليس ظاهرا فيه.

قولهم فى الوجه الأول : إن اللفظ المتحد إذا أطلق وله محامل ؛ فلا بدّ له من البيان ، والمذكور فى مبدأ الكلام وهو قوله : «أولى بكم» صالح للبيان ؛ فوجب الحمل عليه.

[قلنا : إنما يجب الحمل عليه] (١) أن لو لم يكن لفظ المولى ظاهرا فى محمل من جملة تلك المحامل ، وأما إذا كان ظاهرا فى كل واحد منها فيجب الحمل عليه ، لا على غيره ، وهو الأولى. نفيا للإجمال عن الكلام ؛ لكونه مخلا بمقصود الوضع ، وهو التقاؤهم ، وذلك على خلاف الأصل.

وعلى هذا : فلا يمتنع أن يكون لفظ المولى ظاهرا فى الناصر ، والمعين ، ولا يكون محتاجا إلى البيان.

كيف وأن الأصل عند تعدد الألفاظ تتعدد المعانى تكثيرا للفائدة ، ولو كان لفظ المولى بمعنى الأولى ؛ لكان أقل فائدة ؛ وهو بعيد.

وإن سلمنا وجوب حمل لفظ المولى فى الحديث المذكور على الأولى ؛ ولكن لا نسلم أن المراد به الأولى بالتصرف فيهم ؛ بل أمكن أن يكون المراد به [أنه] (٢) الأولى بهم فى محبته ، وتعظيمه ، وليس أحد المعنيين أولى من الأخر.

__________________

(١) ساقط من «أ».

(٢) ساقط من «أ».

١٨٣

[كيف] (١) وأن الترجيح لما ذكرناه ، فإنه لو حمل ذلك على الأولى / / بالتصرف فيهم ؛ للزم أن يكون عليّ إماما فى زمن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو خلاف الإجماع ، أو أن يكون ذلك مقيدا بما بعد موت النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ؛ وهو خلاف الظاهر من اللفظ.

قولهم : فى الوجه الثانى أنه يتعذر حمل لفظ المولى على غير الأولى من المحامل المذكورة ؛ لا نسلم ، وما المانع من حمله على معنى الناصر والمعين (٢).

قولهم : لا فائدة فيه ؛ لكونه معلوما من قوله تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) (٣).

قلنا : لا نسلم أنه لا فائدة فيه ؛ فإن ما أثبته لعلىّ ، إنما هو النصرة لجميع المؤمنين ، والنصرة الثابتة فى قوله تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) ، نصرة البعض للبعض.

سلمنا أن المثبت فى الآية والخبر واحد ؛ لكنه مع ذلك مقيد ، وبيانه من وجهين : ـ

الأول : أنه أثبت النصرة لعلىّ فى الخبر بدليل يخصه ، وفى الآية دليل يعمه ، والخاص أبعد عن التخصيص ، وأقوى فى الدلالة ؛ فكان مقيدا.

الثانى : هو أن فى اقتران موالاته بموالاة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ زيادة مزية ، وتعظيم غير حاصل من الآية ، ولا يخفى أن ذلك من أعظم الفوائد.

وإن سلمنا أنه غير مقيد من جهة أن ما أثبته فى الخبر معلوم من / الآية ؛ فيلزمهم من ذلك أن لا يكون إثبات إمامة عليّ بمثل هذه النصوص الخفية مفيدا ؛ فإن إمامته على أصولهم معلومة بالنّصّ الجلى ، وعلى هذا فالجواب يكون متحدا.

سلمنا امتناع حمل المولى فى الخبر على غير الأولى فى التدبير والتصرف ؛ لكن بمعنى أنّه أعرف بمصالحهم فى التدبير والتصرف ، أو بمعنى نفوذ تصرفه عليهم شاءوا ، أو أبوا؟. الأول : مسلم ، والثانى : ممنوع.

__________________

(١) ساقط من «أ».

/ / أول ل ١٦٢ / ب من النسخة ب.

(٢) قارن به : المغنى ٢٠ / ١ / ١٤٨ ، والمواقف ص ٤٠٥ وشرحها الموقف السادس ص ٣٠٦

(٣) سورة التوبة ٩ / ٧١.

١٨٤

وإنما قلنا بامتناع الثانى ؛ لأنه يلزم منه أن يكون عليّ إماما فى زمن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أو أن يكون ذلك مقيّدا بما بعد موته ، وكل واحد منهما خلاف الظاهر ؛ لما سبق.

وقوله عليه‌السلام لعلىّ : «أنت منى بمنزلة هارون من موسى» (١) ، لا يصح الاستدلال به أيضا من جهة السند ، كما تقدم فى الخبر الّذي قبله.

وإن سلمنا صحة سنده قطعا ؛ لكن لا نسلم أن قوله : «أنت منى بمنزلة هارون من موسى» تعم كل منزلة كانت لهارون من موسى ؛ فإنّ من جملة منازل هارون من موسى أنه كان أخا له من النسب ، وأنه كان شريكا له فى النبوة ؛ ولم يثبت ذلك لعلى ـ رضى الله عنه (٢).

قولهم : منزلة اسم جنس ، يصلح لكل المنازل ، ولكل واحد واحد ؛ لا نسلم أن اسم الجنس إذا عرّى عما يوجب التعميم فيه كدخول الألف ، واللام عليه ، كقولنا : المنزلة ، أو دخول حرف النفى عليه ، كقولنا : لا منزلة أنه يعم كل منزلة ؛ بل هو من قبيل الأسماء المطلقة الصالحة لكل واحد ، واحد من الجنس على طريق البدل ، لا أن يكون متناولا للكل على طريق الاستغراق معا ، وإلّا لما بقى بين المطلق ، والعام فرق (٣) ، وأن يكون قولنا : رجل بمنزلة قولنا : الرجل ؛ وهو محمل مخالف لإجماع أهل اللغة.

سلمنا أن [لفظ] (٤) الجنس صالح للعموم ، والآحاد ؛ لكن بطريق العموم ، أو الاشتراك؟ الأول : ممنوع ، والثانى : مسلم ؛ ولهذا فإنه يحسن الاستفسار وهو أن يقال : فى كل المنازل ، أو فى بعضها؟ وهو دليل الاشتراك (٥).

قولهم : لو حملناه على بعض المنازل دون البعض : فإما أن يكون ذلك البعض معيّنا ، أو مبهما.

__________________

(١) أخرجه البخارى ٥ / ٢٤ «قال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لعلى : أما ترضى أن تكون منى بمنزلة هارون من موسى».

كما ورد فى صحيح مسلم ٧ / ١٢٠.

(٢) قارن بالمغنى ٢٠ / ١٥٨ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣١٠.

(٣) قارن بإحكام الأحكام للآمدى ١ / ٤٠ ـ ٤٢.

(٤) ساقط من «أ».

(٥) قارن بما ورد فى إحكام الأحكام للآمدى ١ / ٢١ ـ ٢٤.

١٨٥

قلنا : هذا ممّا يخرج اللفظ المطلق عن اطلاقه ، وحقيقته بأمر ظنى ؛ فلا يقبل. وقوله عليه الصلاة والسلام : «إلّا أنه لا نبىّ بعدى» ممّا لا يدل على التعميم ، والاستغراق لكل منزلة ؛ بل على صلاحية منزلة لكل واحدة من آحاد المنازل على طريق البدل ، والاستثناء فى المطلقات اخراج لولاه ؛ لكان اللفظ المطلق صالحا له على طريق البدل ، والاستثناء من اللفظ العام اخراج لولاه ؛ لكان اللفظ متناولا له على طريق العموم ، والاستغراق.

سلمنا بالتعميم لجميع المنازل ؛ ولكن لا نسلم أن من منازل هارون من موسى استحقاقه لخلافته بعد / وفاته ؛ ليلزم مثل ذلك فى حق عليّ (١).

قولهم : إنه كان خليفة له على قومه فى حال حياته ؛ لا نسلم ذلك ؛ بل كان شريكا له فى النّبوّة ، والشّريك غير الخليفة ، ثم ليس جعل أحد الشّريكين خليفة عن الآخر أولى من العكس.

وقوله تعالى : ـ (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي) (٢) فالمراد به المبالغة والتأكيد فى القيام بأمر قومه على نحو قيام موسى به ، أما أن يكون مستخلفا عنه بقوله ؛ فلا ؛ فإن المستخلف عن الشخص بقوله لو لم يقدر استخلافه له ؛ لما كان له القيام مقامه فى التصرف ، وهارون من حيث هو شريك [له] (٣) فى النبوة ؛ فله ذلك ، ولو لم يستخلفه موسى.

سلمنا أنه استخلفه فى حال حياته ؛ ولكن لا نسلم لزوم / / استخلافه له بعد مماته ؛ فإن قوله : (اخْلُفْنِي) ليس فيه صيغة عموم ، بحيث تقتضى الخلافة فى كل زمان ؛ ولهذا فإنه لو استخلف وكيلا فى حياته على أمواله ، ونفقة بنيه ؛ فإنه لا يلزم من ذلك استمرار الخلافة له بعد موته ، وإذا لم يكن ذلك مقتضيا للخلافة فى كل زمان ، فعدم خلافته فى بعض الأزمان ، لقصور دلالة اللفظ عن استخلافه فيه ؛ لا يكون عزلا له فيه كما لو صرّح بالاستخلاف فى بعض التصرفات دون البعض ؛ فإن ذلك لا يكون عزلا ، فيما لم يستخلف فيه ، وإذا لم يكن ذلك عزلا ؛ فلا يتعين [كما قالوه] (٤).

__________________

(١) قارن به المغنى ٢٠ / ١٦٠ ، والتمهيد للباقلانى ص ١٧٤ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣١١.

(٢) سورة الأعراف ٧ / ١٤٢.

(٣) ساقط من أ.

/ / ل ١٦٣ / أمن النسخة ب.

(٤) ساقط من أ.

١٨٦

سلمنا أن ذلك يكون عزلا له ؛ ولكن متى يكون منفرا عنه ، إذا كان قد زال عنه بالعزل حالة توجب نقصه فى الأعين (١) ، أو إذا لم يكن؟ الأول : مسلم والثانى : ممنوع ، فلم قلتم بأن ذلك مما يوجب نقصه فى الأعين.

وبيان عدم نقصه : هو أن هارون كان شريكا لموسى فى النّبوّة ، وحال المستخلف دون حال الشريك فى نظر النّاس ؛ فإذن الاستخلاف حالة منقصة بالنظر إلى حال الشركة ، وزوال المنقص ؛ لا يكون موجبا للتنقيص.

سلمنا لزوم النقص من ذلك ؛ لكن إذا لزم منه العود إلى حالة هى أعلى من حالة الاستخلاف ، أو إذا لم يعد؟.

الأول : ممنوع ، والثانى : مسلم ؛ فلم قلتم أنه لم يعد إلى حالة هى أعلى.

وبيان ذلك : أنه وإن عزل عن الاستخلاف ، فقد صار بعد العزل ، مستقلا بالرسالة ، والتصرف عن الله ـ تعالى ـ لا عن موسى ؛ وذلك أشرف من استخلافه عن موسى.

قولهم : إن من جملة منازل هارون بالنسبة إلى موسى أنه كان شريكا له فى النبوة.

قلنا : فيلزم من ذلك أن يكون عليّ شريكا أيضا فى النّبوة ؛ وهو محال.

قولهم : من أحكام الشريك فى النّبوة أنه مفترض الطاعة مطلقا ، ولا يلزم من مخالفة ذلك فى النّبوة ؛ مخالفته فى افتراض طاعته بتقدير بقائه بعد النبي ـ عليه الصلاة والسلام.

قلنا : افتراض طاعة هارون : إما أنه كان بمقتضى النّبوة [أو لا بمقتضى النبوة] (٢) ، فإن كان لا بمقتضى / [النبوة ؛ فهو خلاف الفرض. وإن كان بمقتضى النبوة ؛ فيلزم من إثبات مثل ذلك لعلىّ أن يكون نبيا ؛ وهو محال. وإن أثبتنا وجوب طاعته لا بمقتضى] (٣) النبوة ؛ بل بمقتضى الخلافة ، فقوله : «أنت منى بمنزلة هارون من موسى» لا يكون صحيحا (٤).

__________________

(١) قارن بما أورده الآمدي بما ذكره القاضى فى المغنى ٢٠ / ١٧٢.

(٢) ساقط من «أ».

(٣) ساقط من «أ».

(٤) قارن بما ورد فى المغنى فى أبواب التوحيد والعدل ٢٠ / ١٦٧ وما بعدها.

١٨٧

وقوله عليه‌السلام : «سلموا على عليّ بإمرة المؤمنين» (١) ، وقوله : «أنت أخى ، ووصيى ، وخليفتى ، من بعدى» (٢) ، فأخبار آحاد لا يمكن الاحتجاج بها فى مثل هذا الباب ؛ لما تقدم.

وكذلك الاحتجاج بقولهم إنه استخلفه على المدينة فى حال حياته ، كيف وأن قوله : «سلموا على عليّ بإمرة المؤمنين» لتأميره عليهم فى قصة فتح خيبر. وقوله : «أنت أخى» ؛ فدال على الفضيلة لا على الأفضلية (٣).

وقوله : «ووصيى ، وخليفتى من بعدى» يحتمل أنه أراد به الوصية والخلافة على المدينة ؛ ويحتمل ذلك فى قضاء دينه وانجاز موعده ، ومع تطرق هذه الاحتمالات فلا قطع.

وأما استخلافه فى حياته على المدينة ؛ فليس فيه ما يدل على بقائه خليفة بعد وفاته (٤) ؛ لما سبق فى قصة موسى وهارون.

واذا ثبت بما قررناه إلى هنا وجوب ثبوت الإمامة بالاختيار دون التنصيص ؛ فذلك ممّا لا يفتقر إلى الإجماع من كل أهل الحل ، والعقد ؛ فإنه ممّا لم يقم عليه دليل عقلى ، ولا سمع نقلى ؛ بل الواحد ، أو الاثنين من أهل الحل والعقد كاف فى ذلك ، ووجوب الطاعة ، والانقياد للإمام المختار (٥) ، وذلك لعلمنا بأن السلف من الصحابة رضوان الله عليهم ـ مع ما كانوا عليه من الصلابة فى الدين ، والمحافظة على أمور الدين ـ اكتفوا فى عقد الإمامة بالواحد ، والاثنين من أهل الحل ، والعقد : كعقد عمر لأبى بكر (٦) ، وعبد الرحمن بن عوف ، لعثمان ، ولم يشترطوا إجماع من فى المدينة من أهل الحل ، والعقد ، فضلا عن إجماع من عداهم من أهل الأمصار ، وعلماء الأقطار ، وكانوا على ذلك من المتفقين ، وله مجوّزين من غير مخالف ، ولا نكير ؛ وعلى هذا انطوت الأعصار فى عقد الإمامة إلى وقتنا هذا (٧).

__________________

(١) سبق تخريجه فى ه ل ٢٧٣ / ب.

(٢) سبق تخريجه فى ه ل ٢٧٠ / أ.

(٣) قارن بما ورد فى التمهيد ص ١٧٥ وما بعدها.

(٤) قارن بما ورد فى التمهيد ص ١٧٥ ، والأربعين للرازى ص ٤٦٤.

(٥) قارن بما ورد فى غاية المرام ص ٣٨١ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣٩٢.

(٦) قارن بما ورد فى غاية المرام ص ٣٨١ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣٩٢.

(٧) قارن ما ذكره الآمدي هاهنا بما ذكره فى غاية المرام ص ٣٨١ وانظر التمهيد ص ١٧٨ وما بعدها ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٩٣.

١٨٨

قال بعض الأصحاب (١) : والواجب أن يكون ذلك بمحضر من الشهود ؛ وبيّنة عادلة ؛ كفا للخصام ، ووقوع الخلاف بين الناس ، بادعاء مدع عقد الإمامة له سرا متقدما على عقد من كان له العقد جهرا ؛ وهذا لا محالة واقع فى محل الاجتهاد (٢).

وعلى هذا فلو اتفق عقد الإمامة لأكثر من واحد فى / / بلدان [متعددة] (٣) ، أو فى بلد واحد ، من غير أن يشعر كل فريق من العاقدين بعقد الفريق الآخر ، فالواجب أن يتصفح العقود ، فما كان منها متقدما ؛ وجب إقراره ، وأمر الباقون بالنزول عن الأمر ، فإن أجابوا وإلّا قوتلوا ، وكانوا من الخوارج البغاة. وإن لم يعلم السابق ؛ وجب إبطال الجميع ، واستئناف عقد لمن يقع عليه الاختيار ، ممّن هو أهل للإمامة ؛ وذلك كما إذا زوّج كل واحد من الوليين ، موليته من شخص ، وجهل العقد / السابق منهما (٤).

ولا خلاف فى أنه لا يجوز عقد الإمامة لشخصين ، فى صقع واحد متضايق الأقطار ، متقارب الأمصار ، لما فيه من الضّرار ، ووقوع الفتن ، والشّحناء.

وأما إن تباعدت الأمصار ، بحيث لا يستقل الإمام الواحد بتدبيرها ، والنظر فى أحوالها ؛ فقد قال بعض الأصحاب (٥) ، إن إمامة إمامين فى محل الاجتهاد (٦).

وكما أن للمسلمين نصب الإمام بالاختيار ؛ فلهم خلعه ، وأن يتولّوا عزله ، إذا وجد منه ما يوجب عزله من اختلال أمور الدين ، وأحوال المسلمين ، وما لأجله يقام الإمام (٧).

__________________

(١) لعله يقصد الباقلانى فى التمهيد ص ١٧٩ ، والجوينى فى الإرشاد ص ٢٣٩.

(٢) قارن بغاية المرام ص ٣٨٢ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٩٣.

/ / أول ل ١٦٣ / ب من النسخة ب.

(٣) ساقط من أ.

(٤) قارن بغاية المرام ص ٣٨٢ ، والتمهيد للباقلانى ص ١٨٠ ، والإرشاد ص ٢٣٩ وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٩٣.

(٥) لعله يقصد الأشعرى ، والجوينى ، والأسفرايينى انظر رأيهم كما أورده بالتفصيل الجوينى فى الإرشاد ص ٢٣٩ ، قارن بأصول الدين ص ٢٧٤.

(٦) قارن بما ورد فى غاية المرام للآمدى ص ٣٨٢ ، وبما ورد فى المغنى ٢٠ / ٢٤٣ وما بعدها. والإرشاد للجوينى ص ٢٣٩ وما بعدها.

(٧) قارن فى جواز عزل الإمام بنهاية الإقدام ص ٤٩٦ ، والمواقف ص ٤٠٠ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٩٣.

١٨٩

وإن لم يقدروا على خلعه ، وإقامة غيره ، لقوّة شوكته ، وعظم مراسه وكان ذلك ممّا يفضى إلى فساد العالم ؛ وهلاك النفوس ، وكانت المفسدة فى مقابلة عزله ، أعظم من المفسدة فى طاعته ، فالأولى التزام أدنى المحذورين ، ودفع اعلاهما (١).

__________________

(١) قارن ما أورده الآمدي هاهنا بما ذكره فى غاية المرام ص ٣٨٥ وما بعدها وانظر المغنى ٢٠ / ٢ / ٥٧ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٩٣.

١٩٠

الفصل الثالث

فى شروط الإمام (١)

وهى منقسمة إلى متفق عليها ، ومختلف فيها.

أما الشّروط المتّفق عليها فثمانية شروط : ـ

الأول : أن يكون مجتهدا فى الأحكام الشّرعية ، بحيث يستقلّ بالفتوى فى النوازل ، وإثبات أحكام الوقائع ، نصا ، واستنباطا ؛ لأنّ من أكبر مقاصد الإمامة فصل الخصومات ، ودفع المخاصمات ، ولن يتمّ ذلك دون هذا الشّرط ، ولا يمكن أن يقال باكتفائه بمراجعة الغير فى ذلك ؛ إذ هو خلاف الإجماع.

الثانى : أن يكون بصيرا بأمور الحرب ، وترتيب الجيوش ، وحفظ الثغور ، قادرا على ملابسة ذلك بنفسه ؛ اذ به يتم حفظ بيضة الإسلام وحماية حوزتهم ، ولهذا روى عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه وقف بعد انهزام المسلمين كلهم فى الصف وقال مرتجزا :

«أنا النبي لا كذب ، أنا ابن عبد المطلب» (٢)

حتى عاد المسلمون إليه.

الثالث : أن يكون له من قوة البأس ، وعظم المراس ، ما لا تهوله إقامة الحدود ، وضرب الرقاب ، وانصاف المظلومين من الظّالمين ـ من غير فظاظة ـ كما وصف الله تعالى الصحابة بقوله تعالى : (أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) (٣).

__________________

(١) لمزيد من البحث والدراسة بالإضافة إلى ما ورد هاهنا : انظر التمهيد للباقلانى ص ١٥١ وما بعدها ، والفصل لابن حزم ٤ / ٨٩ وما بعدها ، والمغنى فى أبواب التوحيد والعدل ٢٠ / ٢٠٨ وما بعدها.

وشرح الأصول الخمسة ص ٧٥١ وما بعدها.

وأصول الدين للبغدادى ص ٢٧٥ وما بعدها ، والإرشاد لامام الحرمين الجوينى ٤٢٦ وما بعدها ، ونهاية الأقدام للشهرستانى ص ٤٩٥ وما بعدها والاقتصاد فى الاعتقاد للغزالى ص ٢١٥ وما بعدها. وغاية المرام ص ٣٨٣ وما بعدها وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٨٥ وما بعدها. وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ٢٠٣ وما بعدها.

(٢) ورد فى صحيح البخارى ٤ / ٣٧ ، وصحيح مسلم ٥ / ١٦٨ وما بعدها. ومسند الامام أحمد ٤ / ٢٨٠ وما بعدها.

كما ورد فى سيرة ابن هشام ٤ / ٦٤ ، وتاريخ الطبرى ٣ / ٧٦.

(٣) سورة الفتح ٤٨ / ٢٩.

١٩١

الرابع : أن يكون عاقلا ، مسلما ، عدلا ، ثقة ، ورعا فى الظّاهر حتى يوثق بأخباره وبما يصدر عنه من أفعاله ، ولأنّه أحفظ لمال بيت المال ، وصرفه فى مصارفه.

الخامس : أن يكون بالغا ؛ لأنّه يكون أكمل عقلا ، وهيبة ، وتجربة ، ونظرا.

السادس : أن يكون ذكرا ؛ لأنّ الظاهر من الأنوثة النّقص فيما ذكرناه من الصفات.

السابع : أن يكون حرا ؛ لأن الحرية مظنة فراغ البال عن الاشتغال بخدمة الغير ، واستغراق الزمان بها ، ولأن العبودية مظنة استحقار الناس له ، والأنفة من الدخول تحت حكمه/

الثامن : أن يكون مطاع الأمر نافذ الحكم فى محل ولايته ، مقتدرا على زجر من خرج عن طاعته.

فإن قيل : فيلزم على هذا خروج عثمان عن الإمامة حالة ما حوصر فى داره ؛ حيث لم يكن قادرا على زجر من خرج عن طاعته.

قلنا : لا نسلم أنه لم يكن قادرا ؛ بل كان أمره نافذا شرقا ، وغربا ولا سيّما فى الشام ، غير أنه هاش عليه قوم من الرعاع ، وأوباش الناس ، وقصد فى ذلك تسكين الفتنة ، وأخذ الأمر باللّين ، ولم يعلم ما يؤول الأمر إليه.

وأما الشروط المختلف فيها فستة : ـ

الأول :

القرشية (١) ،

وقد اختلف الناس فيها.

فذهب أصحابنا ، والجبائى ، وابنه والشيعة وجميع أهل السنة والجماعة : إلى أنه لا بد وأن يكون الإمام قرشيا.

__________________

(١) حدث خلاف فى هذا الشرط ومن أكبر المخالفين الخوارج وبعض المعتزلة ، ولمزيد من البحث والدراسة بالإضافة إلى ما ذكره الآمدي هاهنا.

انظر مقالات الاسلاميين ص ٤٦١ وما بعدها. والتمهيد للباقلانى ص ٨١ ، ١٨٢ والمغنى فى أبواب التوحيد والعدل ٢٠ / ٢٣٤ وما بعدها. وأصول الدين للبغدادي ص ٢٧٥ وما بعدها. والفصل لابن جزم ٤ / ٨٩ وما بعدها ، والإرشاد للجوينى ص ٢٤٠ ، والاقتصاد للغزالى ص ٢١٥. وغاية المرام ص ٣٨٣ وما بعدها. وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٨٧. وقد ورد بهامش شرح المواقف : قوله (أن يكون قرشيا) «الحكمة أنهم أشرف الناس نسبا وحسبا.

وشرائط الرئاسة فيهم : كالكرم ، والشجاعة ، والهيبة فى نفوس العرب. ولم يكن فى غيرهم ما كان منهم».

١٩٢

وذهبت الخوارج و [بعض] (١) المعتزلة إلى أنه لا يشترط فيه أن يكون قرشيا.

وقد احتجّ أصحابنا ، ومن تابعهم على ذلك بإجماع الصحابة ، حتى قال الأنصار يوم السقيفة للمهاجرين : «منّا أمير ، ومنكم أمير» فمنعهم أبو بكر من ذلك حيث لم يكونوا قرشيين ، وادعى أن القرشية شرط فى الإمامة ، محتجا على ذلك بقوله عليه‌السلام : «الأئمة من قريش» (٢) ، وبقوله : «قدّموا قريشا ولا تتقدموها» (٣) وبقوله : «إنما الناس تبع لقريش ؛ فبر الناس / / تبع لبرهم ، وفاجرهم تبع لفاجرهم» (٤).

وتلقت الأمة ذلك بالقبول ، وأجمعوا على اشتراط القرشية ، ولم يوجد له نكير ؛ فصار إجماعا مقطوعا به ، ولو لا انعقاد الإجماع على ذلك لكان هذا الشرط فى محل الاجتهاد ، نظرا إلى أن الأخبار فى ذلك أخبار آحاد لا تفيد اليقين ، مع إمكان تأويلها.

أما قوله : «الأئمة من قريش» فلأنه يحتمل أنه أراد به العلماء.

وقوله : «الناس تبع لقريش» فيحتمل أنه أراد بذلك أنهم تبع لهم فى الدين والعلم ؛ لأن منشأ الدين ، والعلم من قريش.

وقوله : «قدموا قريشا ولا تتقدموها» يحتمل أنه أراد بذلك التقديم فى الفضيلة ، والشرف ، بسبب النسب من رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

احتجّ الخصوم بالاجماع ، والسنة ، والمعقول.

أما الإجماع : فهو أن عمر قال فى وقت الشورى عن سالم (٥) مولى أبى حذيفة : «لو كان حيا لما تخالجنى فيه شك» (٦) ولم ينكر منكر ؛ فكان إجماعا.

__________________

(١) ساقط من (أ).

(٢) الحديث أخرجه الإمام أحمد فى مسنده ٣ / ١٢٩ عن أنس بن مالك ، ٤ / ٤٢١ عن أبى برزة الأسلمي ونصه «الأئمة من قريش ، إذا استرحموا رحموا ، وإذا عاهدوا أوفوا ، وإذا حكموا عدلوا ؛ فمن لم يفعل ذلك منهم ؛ فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين».

(٣) أخرجه السيوطى فى الجامع الصغير ٢ / ٨٦.

/ / أول ل ١٦٤ / أ.

(٤) ورد فى صحيح البخارى ٤ / ٢١٧ ، وصحيح مسلم ٦ / ٢ ، ومسند الإمام أحمد ١ / ١٠١ بألفاظ مختلفة.

(٥) سالم مولى أبى حذيفة : هو سالم بن عتبة بن ربيعة كان مولى لبثينة الأنصارية لذا فإنه يذكر فى الانصار كما يذكر فى المهاجرين لموالاته لأبى حذيفة. استشهد باليمامة سنه ١٢ ه‍ (طبقات ابن سعد ٣ / ٨٤ وما بعدها ، الاستيعاب ٢ / ٥٦١).

(٦) عن هذا القول من الإمام عمر ، وموقفه من سالم قارن ما ورد هنا بما ذكره صاحب التمهيد القاضى الباقلانى ص ١٨٢ والشهرستانى فى نهاية الاقدام ص ٤٨١. وبما ذكره القاضى عبد الجبار فى المغنى ٢٠ / ٢٣٥ وما بعدها.

١٩٣

وأما السنة : فقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «أطعه ولو ضرب بطنك ، أطعه ولو ضرب ظهرك ، أطعه ولو كان عبدا حبشيا» (١). وظاهر ذلك يدل على نفى اعتبار القرشية.

وأما المعقول : فهو أن المقصود من الإمام ، إقامة السياسة ، والذبّ عن دار الإسلام ، وحماية حوزتهم ، والقيام بالقوانين الشرعية ، كما تقدم ؛ وذلك يحصل بما سبق من الشروط ؛ فلا حاجة إلى النسب.

والجواب : لا نسلم وجود الإجماع على إسقاط اعتبار القرشية ، والرواية عن عمر مختلفة (٢) ، فقد قيل أنه قال : «لو كان سالم فى الأحياء لما شككت أنى كنت أشاوره» وبتقدير أن تكون الرواية على ما ذكروه / فقد قيل إنه كان قرشيا (٣).

وبتقدير أن لا يكون قرشيا ، فلم يصرح عمر بصلاحيته للإمامة ، فلعله أراد بذلك أنه ما كان يرتاب فيمن يعينه للإمامة ، أو معنى آخر ، ويجب الحمل على ذلك نفيا للتعارض بينه ، وبين الإجماع السابق على اشتراط القرشية.

وقوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «أطعه ولو ضرب بطنك ، أطعه ... الحديث ، فمن باب الآحاد (٤) ؛ فلا يقع فى مقابلة الإجماع المتواتر المعلوم وقوعه ضرورة ، وبتقدير القطع بسنده ؛ فليس فيه ما يدل على أنه أراد به الإمام ؛ بل يحتمل أنه أراد به السلطان ، وليس كل سلطان إماما ، وإن كان كل [إمام] (٥) سلطانا ، ويجب الحمل أيضا على ذلك دفعا للمعارضة بينه ، وبين الإجماع السابق.

وأما المعقول : فلا يقع فى مقابلة الإجماع المقطوع به. كيف وأنه يحتمل أن يكون للقرشية زيادة تأثير فى حصول مقاصد الإمامة بسبب غلبة انقياد الناس للقرشى ؛ لعلو نسبه من رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، على ما جرت به العوائد من زيادة الانقياد للعظماء وبدون القرشية ؛ فلا تحصل تلك الزوائد من المقاصد (٦).

__________________

(١) ورد بألفاظ مختلفة فى صحيح البخارى ٨ / ٧٨ ، ومسند الإمام أحمد ٤ / ١٢٦ وما بعدها ، ٥ / ١٧٩.

(٢) قارن بما ورد فى المغنى فى أبواب التوحيد والعدل ٢٠ / ٢٣٦.

(٣) قارن هذا الرد بما ورد فى نهاية الأقدام ص ٤٩١ ، وغاية المرام ص ٣٨٤.

(٤) قارن هذا الردّ بما أورده القاضى عبد الجبار فى المغنى ٢٠ / ٢٠٤.

(٥) ساقط من أ.

(٦) قارن هذا الرد بما ذكره صاحب المغنى ٢٠ / ٢٣٥ ، وانظر مقدمة ابن خلدون ص ١٩٥ وما بعدها.

١٩٤

الشرط الثانى : كون الإمام هاشميا :

مذهب أكثر الناس أن الهاشمية ليست شرطا ، خلافا لطوائف الشيعة ؛ فإنهم جعلوا الهاشمية شرطا ؛ وهو باطل لمخالفة ذلك ظواهر الإطلاق من النصوص السابق ذكرها ، وللإجماع على صحة إمامة أبى بكر ، وعمر ، [وعثمان] (١) ولم يكونوا هاشميين (٢).

الشرط الثالث : أن يكون الإمام عالما بجميع مسائل الدين. وقد اتفق الأكثرون على أن ذلك ليس بشرط ؛ خلافا للإمامية.

والحق فى ذلك إنما هو التفصيل ، وهو أنهم إن أرادوا بقولهم : أنه يجب أن يكون عالما بجميع المسائل الشرعية ، أن يكون أهلا للعلم بها بطريق الاجتهاد عند وقوعها ، ومعرفتها من النص ، والإجماع ، والاستنباط ؛ فذلك ممّا لا خلاف فيه كما سبق.

وإن أرادوا ، [أنه] (٣) يجب أن يكون عالما بجميع ذلك حقيقة ، وأن يكون العلم عنده بحكم كل واقعة يمكن وقوعها حاضرا عتيدا بحيث لا يحتاج معه إلى النظر والاستدلال ؛ فهو باطل من جهة الإجماع ، والمعقول ، [والإلزام] (٤).

أما الإجماع : فهو أن الأمة اتفقت على صحة إمامة أبى بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعليّ ، ولم يكونوا بهذه المثابة (٥) ، حتى أن الواحد منهم كان عند وقوع الواقعة يسأل عن الأخبار ، والنصوص الواردة فى ذلك ، ويبحث عن أدلتها كبحث غيره من المجتهدين ، وأنه قد كان يرى الرأى فى حكم الواقعة ، ثم يرجع عنه.

وأما المعقول : فهو أن المسائل الشرعية ، وأحكام الوقائع الجزئية ، غير متناهية ، ولا يخفى امتناع / / حصول العلم بما لا يتناهى على التفصيل لأحد من المخلوقين.

__________________

(١) ساقط من (أ).

(٢) اشترط الهاشمية جميع فرق الشيعة الذين أجمعوا على أن الإمامة فى الإمام على ـ رضى الله عنه ـ وأبنائه ، كما اشترطها فرقة الراوندية الذين جعلوا الإمامة فى نسل العباس بن عبد المطلب ـ رضى الله عنه ـ. وهذا الشرط مخالف للإجماع. فقد أجمعت الأمة على إمامة أبى بكر ، وعمر ، وعثمان ـ رضى الله عنهم ـ وهم ليسوا هاشمين.

(٣) ساقط من أ.

(٤) ساقط من أ.

(٥) عن هذا الشرط. وهو أن يكون عالما بجميع مسائل الدين. فقد اتفقت الأمة على إمامة أبى بكر ، وعمر ، وعثمان ـ رضى الله عنهم ـ ولم يتحقق فيهم هذا الشرط.

قارن بما ورد عن هذا الشرط : التمهيد للباقلانى ص ١٨٤ وما بعدها. والمغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ١٠٣ وما بعدها. ونهاية الأقدام للشهرستانى ص ٤٨٩ وما بعدها. وغاية المرام للآمدى ص ٣٨٤ وما بعدها. وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٨٨.

/ / أول ل ١٦٤ / ب.

١٩٥

وأما الإلزام : فهو أنه لو اشترط ذلك فى الإمام ، لاشترط فى القضاة والولاة ؛ فإنه لا يلى بنفسه أكثر ممّا يليه خلفاؤه / من القضاة والولاة (١).

فإن قيل : الإمام إنّما نصب لفصل المنازعات ، والمحاكمات ، والقيام بأحكام الشرع ، فإذا لم يكن عالما [بجميع] (٢) الأحكام الشرعية ، كان نصبه ممتنعا من ثلاثة أوجه :

الأول : أن نصبه يكون قبيحا عرفا ، فإنّ إقامة الإنسان للقيام بما لا يعرفه ، والنهوض فيما لا أنسة له به ، ممّا لا يستحسنه العقلاء.

الثانى : أنه إذا وقعت واقعة ، وهو لا يعرف حكمها ، فأمكن أن لا يؤديه اجتهاده إلى معرفة حكمها.

وعند ذلك فيفضى إلى خلو الواقعة عن الحكم ، مع دعو الحاجة إليه ، أو أن يتكلف الحكم بما لا يعرفه ، وكل ذلك ممتنع.

الثالث : هو أنّه لو ساوى الأمة فى المعرفة ، والجهالة ، فإنّ ذلك يكون منفرا عن اتباعه ، ومانعا من الانقياد إليه.

والجواب عن الأول : متى يكون نصبه قبيحا إذا كان أهلا للاجتهاد فى تحصيل الأحكام ، أو إذا لم يكن؟. الأول : ممنوع. والثانى : مسلم ، والعادة دالة على ذلك فى كل أمر يستناب فى تحصيله.

وعن الثانى : أنه وإن تعذر عليه الاجتهاد فى تحصيل حكم الواقعة ؛ فلا نسلم إفضاء ذلك إلى خلو الواقعة عن الحكم ؛ بل له تفويض الأمر فيها إلى غيره من المجتهدين. وبتقدير أن لا يفضى اجتهاده أيضا إلى حكمها ، فالحكم فيها البقاء على النفى الأصلي ، ولا امتناع فيه.

وعن الثالث : أنه وإن ساوى غيره من المجتهدين فى المعرفة ، والجهالة ؛ فلا يكون ذلك موجبا للتنفير عنه ؛ لاختصاصه بما لا وجود له فى حقهم من باقى شروط الإمامة (٣).

__________________

(١) عن هذا الإلزام راجع ما ذكره القاضى فى التمهيد ص ١٨٤. وقارن بما ذكره صاحب المغنى ٢٠ / ٢١٠ وما بعدها.

(٢) ساقط من أ.

(٣) للرد على الشبه التى ذكرها الخصوم قارن ما أورده الآمدي هاهنا بما ذكره صاحب المغنى ٢٠ / ١٠٤ وما بعدها.

فقد ذكر شبه الخصوم ورد عليها بالتفصيل. وقارن ما ورد فى الاقتصاد فى الاعتقاد للإمام الغزالى ص ٢١٦.

١٩٦

الشرط الرابع : كون الإمام أفضل من الرعية.

وقد اختلف فى جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل.

فجوّزه أكثر أصحابنا.

ومنع منه الإمامية.

وفصل القاضى أبو بكر وقال : إن كان العقد للمفضول ، لا يؤدى إلى هرج ، وفساد ، جاز. وإلّا (١) ؛ فلا.

احتج من قال [بالجواز] (٢) بثلاثة أمور :

الأول : أن الإمامة منصب من المناصب الدّينيّة ، كما فى الإمامة فى الصلاة ، فلو امتنع إقامة الإمام المفضول ، مع وجود الفاضل ؛ لكان ذلك بناء على قبح تقدم الأدنى ، على الأعلى ، والنفرة المانعة من المتابعة ، ويلزم من ذلك امتناع تقدم المفضول على الفاضل فى الصّلاة ؛ وهو خلاف الإجماع.

الأمر الثانى : أنه لو لم يوجد من أهل الإمامة إلّا شخصان ، أحدهما أفقه ، والآخر أعرف بالسّياسة ، وأمور الإمامة ، فإما أن يقال بتوليتهما ، أو لا بتولية واحد منهما ، أو بتولية أحدهما ، دون الآخر.

الأول : [محال] (٣) مخالف للإجماع.

والثانى : أيضا محال ؛ لامتناع خلو الزمان عن الإمام.

فلم يبق إلّا الثّالث ، وأيّهما قدّم فهو مفضول بالنسبة إلى ما اختص به الآخر عنه ، إما بزيادة معرفة الفقه ، أو / السياسة ؛ وهو المطلوب.

الثالث : أنه ما من عصر من أعصار التّابعين ، وتابعى التّابعين إلى عصرنا هذا ، إلّا والأمة مجمعة على صحة إمامة كل من تولّى من الأئمة ، وإن كان مفضولا بالنسبة إلى غيره مهما وجد فيه أصول الشروط المعتبرة فى الإمامة ، وهى ما سبق ذكرها ؛ فدل [على] (٤) أن ذلك ليس بشرط.

__________________

(١) جوز أكثر الأشاعرة ومن وافقهم جواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل. انظر من مصادرهم : أصول الدين للبغدادى ص ١٨٨ ، والإرشاد للجوينى ٢٤٢ ، والاقتصاد للغزالى ص ٢١٦ وما بعدها ، والأربعين للرازى ص ٤٦٠ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣٣١ فقد خصص الإيجى : لهذا الموضوع المقصد السادس : فى إمامة المفضول مع وجود الفاضل.

(٢) ساقط من أ.

(٣) ساقط من أ.

(٤) ساقط من أ.

١٩٧

وبهذا يبطل قول من اشترط الأفضلية بناء على أنّ تقديم المفضول على الفاضل قبيح ، ولما فيه من فوات كمال المصلحة الحاصلة بنظر الأفضل ، وحسن تدبيره على المسلمين.

كيف وأن تولية المفضول إنّما يعد قبيحا عند ما إذا لم يرض به ؛ بل بالأفضل.

وأمّا بتقدير رضى العامة ، والأتباع به دون الفاضل : كرضاهم بتولية ولد من مات من الملوك ، ومن أصله عريق فى الملك ؛ فإنه لا يعد قبيحا فى نظر أهل العرف ، وإن كان فى الرعيّة من هو أفضل منه بأضعاف مضاعفة.

وإنما كان كذلك لأن حصول مصلحة الرعية بتقدير رضاهم بالمفضول ، وطاعتهم له ، يكون أقرب من حصول مصلحتهم بتولية الأفضل بتقدير نفرتهم عنه ، وعدم طاعتهم له (١).

الشّرط الخامس : اشترطت الغلاة (٢) من الشيعة ، أن يكون الإمام صاحب معجزات ، وأن يكون عالما بالغيب ، وجميع اللغات ، والحرف ، والصّناعات ، وطبائع الأشياء ، وعجائب ما فى / / الأرض ، والسّماوات.

وهو مع أنه لا دليل عليه ، باطل بالإجماع على عقد الإمامة لمن عرّى من هذه الصّفات فى عصر الصّحابة والتّابعين ، ومن بعدهم إلى وقتنا هذا.

الشّرط السّادس : العصمة.

مذهب أهل السنة والجماعة أنه ليس من شرط الإمام كونه معصوما (٣) ووافقهم على ذلك المعتزلة ، والخوارج ، والزيدية (٤).

وذهبت الإمامية ، وأكثر طوائف الشّيعة إلى أنه لا بدّ وأن يكون معصوما.

__________________

(١) قارن هذا الردّ بما ورد فى التمهيد للباقلانى ص ١٨٤ ، والمغنى ٢٠ / ٢٩٩ وما بعدها ، وأصول الدين للبغدادى ص ٢٩٣ وما بعدها. والارشاد للجوينى ص ٢٤٢ وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٨٨.

(٢) انظر عن غلاة الشيعة ما مر في القاعدة السابعة ـ الفصل الرابع من ل ٢٤٧ / أ. وما بعدها والغلاة ثمانى عشرة فرقة ـ وهم يقولون بنبوّة الإمام ، ومنهم من يقول بإلهيته ، وهم كفار خارجون عن الاسلام.

/ / أول ل ١٦٥ / أمن النسخة ب.

(٣) ليس من شرط الامام أن يكون معصوما وقد وضح ذلك أهل السنة والجماعة. انظر من كتبهم : التمهيد للباقلانى ص ١٨٤ وما بعدها ، وأصول الدين للبغدادى ص ٢٧٧ وما بعدها ، والإرشاد لإمام الحرمين الجوينى ص ٢٤٤ ونهاية الأقدام للشهرستانى ص ٤٩٠ وما بعدها. وغاية المرام للآمدى ص ٣٨٤ وما بعدها. وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٨٨ وما بعدها.

(٤) انظر عن آراء المعتزلة فى هذا الشرط بالتفصيل ما سبق فى الفصل الرابع من القاعدة السابعة ل ١٤٤ / أوما يأتى بعدها وانظر عن رأى الخوارج فى هذا الشرط بالتفصيل ما سبق فى الفصل الرابع من القاعدة السابعة ل ٢٥٢ / أوما يأتى بعدها وأنظر عن رأى الزّيدية فى هذا الشّرط ما سبق فى الفصل الرابع من القاعدة السابعة ل ٢٥١ / أوما يأتى بعدها.

١٩٨

احتج أهل الحق بالإجماع ، والإلزام.

أما الإجماع : فهو أنّ الأمة [من السلف] (١) أجمعت على صحة إمامة أبى بكر ، وعمر ، وعثمان ، مع إجماعهم على أن العصمة لم تكن واجبة لهم.

وأما الإلزام : فمن خمسة أوجه : ـ

الأول : هو أن عليا كان إماما حقا ، بالإجماع منّا ، ومن الخصوم ، وقد وجد منه ما يدل على عدم عصمته ، وبيانه من سبعة أوجه : ـ

الأول : هو أنه كان منصوصا على إمامته عندهم ، وأن غيره ليس إماما ، فعند تولية غيره : إما أن يقال بأنه كان قادرا على المنازعة ، والدفع ، والقيام بما أوجبه الله ـ تعالى ـ عليه من أمور الإمامة ، أو ما كان قادرا.

فإن كان الأول : فقد ترك واجبا لا يجوز تركه.

وإن كان الثانى : فكان من الواجب أن يجتهد فى ذلك ، ويبدى النكير ، ويبلى عذرا بقدر الإمكان على ما قال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : «إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» (٢) ولم يوجد منه شيء من ذلك مع أنه لم يوجد منه النكير (٣) فإنه بايعهم ، ودخل فى آرائهم ، واقتدى بهم / فى الصّلاة ، وأخذ عطيتهم ، ونكح سبيهم ، وهى الحنفية (٤) أم ولده محمد ، وأنكح عمر ابنته أم كلثوم الكبرى (٥) ، ورضى بالدّخول فى الشّورى المبنية عندهم على غير التقوى.

الثّاني : أنهم نقلوا عنه ـ عليه‌السلام ـ مذاهب ، وأقوالا فى الشريعة مخالفة لأقوال غيره من الفقهاء ، غير معروفة لهم : وهى إما أن تكون حقا ، أو باطلا.

__________________

(١) ساقط من (أ).

(٢) وتمام الحديث كما ورد فى مسند الإمام أحمد ٢ / ٣١٣ وما بعدها «قال ـ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ذرونى ما تركتكم فإنما أهلك الذين قبلكم بسؤالهم ، واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه ، وإذا أمرتكم بأمر فائتمروا ما استطعتم».

(٣) قارن ما ذكره الآمدي هاهنا بما ورد فى التمهيد للباقلانى ص ١٧٦ والإرشاد للجوينى ص ٢٤١.

(٤) الحنفية : هى خولة بنت جعفر بن قيس من بنى حنيفة زوجة الإمام على بن أبى الطالب كرم الله وجهه وأم ولده محمد بن على رضى الله عنهما.

(٥) هى السيدة أم كلثوم ـ رضى الله عنها ـ بنت الإمام عليّ ـ رضى الله عنه ـ والسيدة فاطمة ـ رضى الله عنها ـ تزوجها الإمام عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ وولدت له زيدا ، ورقية. (طبقات ابن سعد ٨ / ٤٦٣ ، أسد الغابة ٦ / ٩٨٧).

١٩٩

فإن كانت حقا : فكان من الواجب تنبيههم عليها ، ولم يوجد منه شيء من ذلك.

وإن كان الثانى : فقد أخطأ ، وعلى كلا التقديرين ؛ فلا يكون معصوما.

الثالث : أنه حكّم أبا موسى الأشعرى (١) ، وعمرو بن العاص (٢) ، وهما عدوّان فاسقان عندكم ، وتحكيمه تمكين للأعداء الفسّاق من خلعه ، والتشكيك فى إمامته وذلك معصية ؛ لأن خلع الإمام المنصوص معصية ، والتمكين من المعصية معصية ولهذا نقل عنه ـ عليه‌السلام ـ أنه كان يقول بعد التحكيم.

لقد عثرت عثرة لا أنجبر

سوف أكيس بعدها وأستمر

وأجمع الرأى الشتيت المنتشر (٣)

وذلك منه يدل على أنّ التحكيم جرى على خلاف الصواب (٤).

الرابع : هو أنه ـ عليه‌السلام ـ قتل المقاتلين له فى وقعة الجمل ، ولم يجعل أموالهم فيئا ، ومن مذهب الخصوم أن عليا كان يعتقد كفر مقاتليه ، وارتدادهم.

وعند ذلك فلا يخلوا : إما أن يكونوا مرتدين فى نفس الأمر ، أو لا يكونوا مرتدين.

فإن كان الأول : فمال المرتدين فىء بالإجماع ، ولم يجعله فيئا.

وإن كان الثانى : فقد أخطأ فى اعتقاد ارتدادهم ، وعلى كلا التقديرين يكون مخطئا. ولهذا قال له بعض أصحابه : «إن كان قتلهم حلالا ؛ فغنيمتهم حلالا ، وإن كانت غنيمتهم حراما ؛ فقتلهم حراما» (٥).

__________________

(١) أبو موسى الأشعرى : عبد الله بن قيس بن سليم ، أبو موسى ، من بنى الأشعر من قحطان ـ ولد فى زبيد (باليمن) سنه ٢١ قبل الهجرة ، وقدم مكة عند ظهور الاسلام ؛ فاسلم ، وهاجر إلى أرض الحبشة من الشجعان الولاة الفاتحين ، وأحد الحكمين اللذين رضى بهما على ومعاوية بعد حرب صفين.

استعمله رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على زبيد وعدن وولاه عمر البصرة سنه ١٧ ه‍ فافتتح أصبهان والأهواز توفى بالكوفة سنه ٤٤ ه‍. وكان أحسن الصحابة صوتا فى التلاوة روى ٣٥٥ حديثا. (صفة الصفوة لابن الجوزى ١ / ٢٠٩ ـ ٢١١ (ترجمة رقم ٦٠) وطبقات ابن سعد ٤ / ٧٩).

(٢) عمرو بن العاص بن وائل السهمى ، القرشى أبو عبد الله فاتح مصر ، وأحد دهاة العرب وعظمائهم ، أسلم فى هدنة الحديبية. ولد سنة ٥٠ قبل الهجرة بمكة المكرمة وتوفى بالقاهرة سنة ٤٣ ه‍ ولاه النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إمرة جيش (ذات السلاسل) ثم استعمله على عمان. كما كان من أمراء الجيوش فى الجهاد بالشام فى زمن عمر بن الخطاب. وولاه عمر فلسطين ومصر بعد أن أفتتحها كما كان من فصحاء العرب ، له فى كتب الحديث ٣٩ حديثا [تاريخ الاسلام الذهبى ٢ / ٢٣٥ ـ ٢٤٠ ، الأعلام للزركلى ٥ / ٧٩].

(٣) انظر العقد الفريد ٥ / ١٠٧ وقارن بالتمهيد ص ١٨٥.

(٤) قارن بما ورد فى التمهيد ص ١٨٥.

(٥) انظر تاريخ الطبرى ٤ / ٥٤١. حيث يبين أن المعترض على الإمام على لعدم تقسيمه الفيء هو : عباد بن قيس من بكر بن وائل.

٢٠٠