أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٥

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]

أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٥

المؤلف:

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]


المحقق: د. أحمد محمد المهدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 977-18-0328-x
الصفحات: ٣١٨

قولهم : / إن أحدا من الأمة لا يقدر على تولية ما هو أدنى فى الرتبة من الإمامة ، فالإمامة أولى أن لا يقدر عليها ؛ فجوابها ما سبق فى جواب الشبهة الثالثة.

قولهم : إنّ الإمام خليفة الله ورسوله ، وبالاختيار يخرج عن ذلك ، لا نسلم ذلك ، فإن الله ـ تعالى ـ إذا حكم بخلافته عند الاختيار له ؛ فقد صار خليفة له ولرسوله (١).

قولهم : يلزم من ذلك خلو بعض الأزمنة من نصب الإمام ، مع وجوبه ؛ لما قرروه ؛ ممنوع ، فإنا مهما جهلنا السابق منهما ؛ استأنفنا عقدا لمن يقع عليه الاختيار ؛ لاستحالة خلو الزمان عن الإمام النافذ الحكم (٢).

قولهم : لو جاز إثبات الإمامة بالاختيار ؛ لجاز إثبات النبوة به. فهو تمثيل من غير دليل جامع ، وهو الجواب عن قولهم إن الإمامة من أركان الدين ؛ فوجب أن لا تثبت بغير النص : كالصلوات الخمس (٣).

قولهم : لا يخلو إما أن يكون النبي عالما باحتياج الأمة إلى الإمام ، أو لا يكون عالما بذلك؟

[قلنا : بل كان عالما ومع علمه بذلك] (٤) ، فإنما يلزمه التّنصيص أن لو كلف به من جهة الله ـ تعالى ـ ولعله لم يكن مكلفا به. ولهذا فإنّ كثيرا ممّا تمس الحاجة إلى بيانه ، والتّنصيص عليه من أحكام الوقائع ، مات النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من غير تنصيص عليها ، ولا تبيين ؛ وذلك كأحكام الجد مع الإخوة والأخوات ؛ وقول القائل لزوجته / / أنت عليّ حرام ، وغير ذلك ، ويدل عليه أن الأحكام الشرعية ممّا لا تحصى عددا ، مع أن الآيات الإحكامية على ما قاله أرباب الأصول لا تزيد على خمسمائة آية ، وكذلك الأحاديث الإحكامية ، فإنها وإن كانت ألوفا إلّا أنها منحصرة ، فإذا ترك التنصيص من النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على ما تدعو الحاجة إلى معرفته ، وجعله موكولا إلى آراء المجتهدين ، ليس بدعا ، لا عقلا ولا عادة ، ولا شرعا ؛ فكذلك عدم التنصيص على الإمام ، وجعل الأمر فيه موكولا إلى اختيار أهل الحل ، والعقد ؛ لا يكون ممتنعا.

__________________

(١) قارن بالمواقف ص ٣٩٩. وشرحها ـ الموقف السادس ص ٢٩٠ وما بعدها.

(٢) قارن بالمغنى ٢٠ / ١ / ٥٠ ، ٢٦٨.

(٣) قارن بالمغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ١ / ١٠١ ، ٢٩٨ ، ٢٩٩.

(٤) ساقط من «أ».

/ / أول ل ١٥٨ / ب من النسخة ب.

١٦١

قولهم : إن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان للأمة كالوالد لولده ؛ مسلم ؛ ولكن فى الحنو والإشفاق ، والسياسة ، أو فى أنه يجب عليه مثل ما يجب على الوالد لولده؟ الأول : مسلم والثانى : ممنوع ، ولهذا فإنه لا يجب عليه الإنفاق على الأمة كما كان يجب على الوالد لأولاده الصغار. وأما قوله ـ تعالى : ـ (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (١) ليس فيه ما يدل على التنصيص.

قولهم : إنما يكون الدين مكملا ، أن لو بيّن فيه كل ما يتعلق به مسلم ؛ ولكن بطريق التنصيص عليه ، أو بالتنبيه على طريق تحصيله؟ الأول : ممنوع. والثانى : مسلم. ولهذا فإن كثيرا من الأحكام الشرعية لم ينص ـ عليه‌السلام ـ عليها كما بيّناه ، غير أنه بيّن طريق حصولها باجتهاد أهل الحل ، والعقد ، وفوّض النظر فى / تحقيقها إليهم ، وعلى هذا فيجب اعتقاد تنبيهه على طريق إثبات الإمامة ، وإن لم ينص على واحد معين. ويدل عليه إجماع الصحابة على الاختيار كما يأتى تقريره ، فإن ذلك يدل على علمهم ، بما يدل على جواز الاختيار من جهة الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ وإلّا كان إجماع الأمة خطأ ؛ وهو ممتنع ، ويشبه أن يكون ما دلهم على ذلك قوله ـ عليه‌السلام ـ «إن تولوها أبا بكر تجدوه ضعيفا فى بدنه قويا فى أمر الله ، وإن تولوها عمر تجدوه قويا فى دين الله ، قويا فى بدنه ، وإن تولوها عليا تجدوه هاديا ، مهديا» (٢) ؛ فإنه يدل على صحة الاختيار.

قولهم : إنه ـ عليه‌السلام ـ ما كان يخرج من المدينة الا ويستخلف فيها على الرعية خليفة.

قلنا : ليس فى المواظبة على ذلك ما يدل على وجوب الاستخلاف ؛ بل لعله كان من المندوبات ، وبتقدير الوجوب ؛ فلا يلزم من وجوب الاستخلاف والنظر فى أحوال الأمة حال حياته ، وجوب ذلك لما بعد مماته ؛ لجواز تكليفه بأحد الأمرين دون الآخر (٣).

__________________

(١) سورة المائدة ٥ / ٣.

(٢) فى مسند الإمام أحمد بن حنبل ١ / ١٠٩ «إن تؤمروا أبا بكر ـ رضي الله عنه ـ تجدوه أمينا زاهدا فى الدنيا راغبا فى الآخرة.

وإن تؤمروا عمرا ـ رضي الله عنه ـ تجدوه قويا أمينا لا يخاف فى الله لومة لائم. وإن تؤمروا عليا ـ رضي الله عنه ـ ولا أراكم فاعلين تجدوه مهديا يأخذ بكم على الطريق المستقيم».

ثم قارن ما ورد بألفاظ متقاربة فى أنساب الأشراف ٢ / ١٠٢ ، والمستدرك ٣ / ٧٠ وقد ضعفه الذهبى فى التخليص ، والصواعق المحرقة ٧٠.

(٣) قارن بما ورد فى المواقف ص ٤٠٤ وشرحها : الموقف السادس ص ٣٠٤.

١٦٢

قولهم : لا جائز أن يستند نصب الإمام إلى الاختيار ، وإلّا لما وجبت طاعة الإمام على الرعية ، ممنوع.

قولهم : لأنه لا مستند للاختيار ؛ لا نسلم ذلك على ما تقرر قبل ، كيف وأن وجوب طاعتهم له ليس مستندا إلى الاختيار ، وإنما هو مستند إلى الإجماع المستند إلى الكتاب ، أو السنة ، وبه يندفع قولهم : إنما صار إماما بإقامتهم له فلا تجب طاعته عليهم (١).

وأما دعوى التنصيص على أبى بكر بعينه ، أو العباس : فدعوى لا بدّ لها من دليل.

وما ذكروه فى حق كل واحد ، فأخبار آحاد لا يثبت بمثلها عظائم الأمور كما تقدم تقريره.

كيف وأنها مع ضعف سندها ، ومتنها متعارضة ، فإن من ضرورة التنصيص على كل واحد منهما أن لا يكون الآخر منصوصا عليه (٢). والّذي يدل على أن أبا بكر ، والعبّاس غير منصوص عليهما ، ما سبق فى الوجه الثانى من الوجوه الدالة [على عدم التنصيص] (٣) على عليّ ـ عليه‌السلام (٤).

وأما ما ذكروه فى الدلالة على النّص الجلىّ على عليّ ـ عليه‌السلام ـ فهو باطل.

قولهم : إن خبر الشيعة عنه متواتر ، ممنوع (٥) ، وما المانع أن يكون ذلك من وضع بعض الناس ، فيما مضى من الأعصار الماضية ، ثم إنه شاع وذاع بحيث نقل إلينا على لسان التواتر. أو أنه كان فى بعض الأعصار المتقدّمة ، من قبيل أخبار الآحاد عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ثم إنه شاع بحيث صار آخره متواترا (٦).

قولهم : لو كان كذلك ، لتوفرت الدّواعى على نقله ، وإشاعته من القائلين بعدم النّصّ الجلىّ.

__________________

(١) قارن بما ورد فى نهاية الإقدام ص ٤٨٩ وغاية المرام للآمدى ص ٣٨٠ وما بعدها.

(٢) قارن بما ورد فى التمهيد للإمام الباقلانى ص ١٦٩ وغاية المرام ص ٣٠٦ وما بعدها. والمواقف للإيجي ص ٤٠٥ وشرحها : للجرجانى الموقف السادس ص ٣٠٦ ، ٣٠٧.

(٣) ساقط من «أ».

(٤) راجع ما سبق ل ٢٦٧ / أ.

(٥) قارن ما أورده الآمدي هنا من إبطال دعوى التواتر بما أورده الباقلانى فى التمهيد ١٦٥ وما بعدها. والمغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ١ / ٨٢ ، ١١٣ وما بعدها ، والإرشاد للجوينى ٢٣٦ ، ٢٣٧ ، ونهاية الإقدام ٤٩٤ ، ٤٩٥ ، وغاية المرام ٣٦٨ ، ٣٧٦. والمواقف للإيجي ص ٤٠٤ وشرحها : الموقف السادس ص ٣٠٤.

(٦) قارن بالتمهيد ١٦٥ ، والمغنى ٢٠ / ١ / ١١٨ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣٠٤.

١٦٣

قلنا : لا نسلم أنه لم ينقل ، ولم يشع ، وبيانه / أنه قد قيل ، واشتهر أنّ واضع ذلك كان ابن الراوندى ، وهشام بن الحكم وغيرهما من الكذابين.

وإن سلمنا عدم نقل واضعه ، غير أنّ ذلك لا يدل على صحة ما ذكروه ، وتواتره ، بدليل ما نشاهده من الأراجيف الحادثة فى كل زمان بحيث تشيع ، وتكثر كثرة التّواتر ، مع العلم بكذبها ، وبطلانها مع الجهل بواضعها ، ووقت حدوثها (١).

قولهم : القول بذلك ممّا يبطل خبر التّواتر على الإطلاق.

قلنا : ليس كذلك ، فإن ضابط / / خبر التّواتر حصول العلم عنده ، فمهما حصل العلم بخبر الجماعة ، علم تواتره. وما ذكروه ، ليس من هذا القبيل ، فإنا لا نجد أنفسنا عالمة بما أخبروا به من النّصّ الجلىّ ؛ فلا يكون متواترا مع تطرق ما قيل من الاحتمال إليه.

كيف وأن القول بتواتر النّصّ الجلىّ ممّا لا يستقيم على أصول الإمامية ؛ لأن جميع الأمة [عندهم] (٢) ارتدّت بعد موت النبي محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ولم يبق منهم على الإسلام إلّا نفر يسير لا يبلغ عددهم إلى عدد التواتر ، ومن [عداهم] (٣) فكفار لا تقوم الحجة بقولهم.

وإن سلّمنا دلالة ما ذكروه على تواتر النّصّ الجلىّ ؛ فهو معارض بما يدل على عدمه.

وبيانه مع ما سبق من الأدلة على عدم التنصيص مطلقا من ستة عشر وجها :

الأول : أن عليّا ـ عليه‌السلام ـ لم يزل يفتخر بذكر ما ورد عن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى حقه ، ممّا يدل على مرتبته ، وعلوّ شأنه فى خطبه ، ومناشداته : كخبر الغدير وغيره ، من الأخبار السابق ذكرها ، ولم ينقل عنه ذكر النّصّ الجلىّ على إمامته ، ولو كان متحققا ؛ لكان أولى بالذكر من غيره ؛ لكونه قاطعا ، وما عداه ؛ فظنى (٤).

الثانى : هو أن كثيرا من المعتقدين لفضيلة عليّ على غيره : كالزّيدية ، ومعتزلة البغداديين قد أنكروا هذا النّصّ ، مع زوال التّهمة عنهم ، والشّك فى قولهم (٥).

__________________

(١) قال الرازى فى الأربعين ص ٤٥٨ : «والدليل عليه أن كثيرا من الأراجيف الكاذبة قد اشتهرت الآن فى الشرق والغرب ، ولا يعلم زمان ذلك الوضع أى زمان كان ولا أن ذلك الواضع من كان».

/ / أول ل ١٥٩ / أمن النسخة ب.

(٢) ساقط من «أ».

(٣) ساقط من «أ».

(٤) قارن هذا الرد بالتمهيد ١٧٦ ، والمغنى ٢٠ / ١ / ١٢٢.

(٥) قال القاضى الباقلانى فى التمهيد ص ١٦٥ : «ورأينا أكثر القائلين بفضل على عليه‌السلام من الزيدية ومعتزلة البغدادين وغيرهم ينكر النّص عليه ويجحده مع تفضيله عليا على غيره».

١٦٤

الثالث : أنه لو كان منصوصا عليه ؛ لكان أعلم به من غيره ، ولو كان عالما به لذكره للعبّاس حين قال له : «ادخل بنا إلى الرسول ؛ لنسأله عن هذا الأمر ؛ فإن كان لنا بيّنه ، وإن كان لغيرنا ، وصىّ الناس بنا» (١).

الرابع : أنه لما مات رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال العبّاس لعلىّ : «امدد يدك أبايعك» فيقول الناس ، هذا عمّ رسول الله ، بايع ابن عم رسول الله ؛ فلا يختلف عليك اثنان (٢). وإنّما ذكر ذلك ثقة منه بطاعة النّاس لمن بايعه ؛ لكونه عما للرسول ؛ إعظاما للرسول. ولو كان ثم نصّ جلىّ من الرّسول ؛ لكانوا أطوع له من ذلك ؛ فلا يحتاج إلى المبايعة.

الخامس : أنه لو وجد النّصّ الجلىّ فى حقّ عليّ ، لما رضى بالدخول فى الشورى ؛ لما فيه من ترك العمل بالنّصّ / الجلىّ عليه.

السادس : أنه قد روى عن عليّ ـ كرم الله وجهه ـ أنه قال لطلحة : «إن أردت أن أبايعك بايعتك» (٣) ولو كان النّصّ عليه جليا ؛ لما أقدم على مخالفته.

السابع : أن عليا كتب إلى معاوية : «أما بعد فإن بيعتى بالمدينة ؛ لزمتك بالشام» محتجا عليه بالبيعة ، ولو كان منصوصا عليه نصا جليا ؛ لاحتج بالنص لا بالبيعة ؛ إذ لا بيعة مع النّصّ الجلىّ.

الثامن : قول عليّ ـ عليه‌السلام ـ «لو لا أن يتولى عليها تيس من تيوس بنى أمية ، يحكم بغير ما أنزل الله ؛ لما دخلت فيها» (٤) ولو كان منصوصا عليه نصّا جليا ؛ لما جوّز مخالفته.

التاسع : قوله ـ عليه‌السلام ـ لمّا دعى إلى البيعة : «اتركونى ، والتمسوا غيرى» (٥) ولو كان نصّه جليا ؛ لما أمر بمخالفته.

__________________

(١) انظر ما سبق ل ٢٧٦ / ب.

(٢) ورد فى أنساب الأشراف ٢ / ٥٨٣ ، ٥٨٦ «لما قبض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال العباس لعلى : اخرج حتى أبايعك على أعين الناس ؛ فلا يختلف عليك اثنان ، فأبى وقال : أو منهم من ينكر حقنا ، ويستبد علينا».

(٣) انظر تاريخ الطبرى ٤ / ٤٣٤.

(٤) ورد فى أنساب الأشراف ٢ / ١٠٣ «والله ما تقدمت عليها إلا خوفا من أن ينزو على الأمر تيس من بنى أمية ؛ فيلعب بكتاب الله عزوجل».

(٥) ورد فى تاريخ الطبرى ٤ / ٤٣٤ «فقال على : دعونى والتمسوا غيرى فإنا مستقبلون أمرا له وجوه ، وله ألوان ، لا تقوم له القلوب ، ولا تثبت عليه العقول.

فقالوا : نناشدك الله ألا ترى ما نرى؟ ألا ترى الإسلام ، ألا ترى الفتنة؟ فقال : قد أجبتكم لما أرى».

١٦٥

العاشر : لو كان نصّه جليا ، لما قال : «ليس عندنا عهد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى هذا الأمر ، وإنما رأيناه من أنفسنا ، فإن يكن صوابا فمن الله ، وإن يكن خطأ فمنا ، استخلف أبو بكر فقام ، واستقام حتى مضى لسبيله ـ رحمه‌الله ـ ثم استخلف عمر فقام ، واستقام حتى ضرب الدين بجرّانه ؛ ثم مضى لسبيله ـ رحمه‌الله». ولو كان منصوصا عليه نصّا جليا ، لما قال ذلك ، ولما وصف من تقدمه بالاستقامة ؛ لأن مخالف النّصّ الجلىّ ، لا يكون فعله مستقيما.

الحادى عشر : أنّه لو كان منصوصا عليه نصّا جليا ؛ لما ناصر من تقدمه وعضّده بالمشورة ، والرأى : كرأيه برجوع أبى بكر عن قتال العرب ، وقعود عمر عن الخروج إلى قتال فارس ؛ لأنّ معاضده العاصى معصية.

الثانى عشر : أنه ـ رضي الله عنه ـ كان يخاطب أبا بكر بقوله : يا خليفة رسول الله ، ولو كان هو المنصوص عليه نصّا جليا ؛ لكان كاذبا فى ذلك. وإن كان بطريق التقية ؛ فهو ممتنع ؛ لأن الله ـ تعالى ـ وصف الصحابة بالصدق بقوله : ـ (لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ) إلى قوله : (أُولئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (١).

الثالث عشر : أنه لو كان منصوصا عليه نصّا جليا ، لم يخل : إما أن يعينه الصحابة على حقه من الإمامة ، أو لا يعينوه.

فإن كان الأول : فيلزم أن يكون عاصيا بتقصيره ، ويخرج بذلك عن أن يكون معصوما ؛ وهو خلاف مذهب الخصم.

وإن كان الثانى : فيلزم أن لا تكون الأمة خير أمة أخرجت للناس ، وأن لا يكونوا آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر ، وهو خلاف قوله تعالى : ـ (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (٢) ؛ وهو ممتنع.

الرابع عشر : قوله ـ عليه‌السلام ـ : «اقتدوا باللّذين من بعدى : أبى بكر وعمر» أمر بمبايعتهما ، ولا يمكن أن يقال لعل الرواية : «اقتدوا باللّذين / / من بعدى أبا بكر ،

__________________

(١) سورة الحشر ٥٩ / ٨.

(٢) سورة آل عمران ٣ / ١١٠.

/ / أول ل ١٥٩ / ب.

١٦٦

وعمر» (١) ويكون المأمور بذلك أبو بكر ، وعمر والمراد باللّذين / من بعده كتاب الله ، وعترته ؛ إذ هو غير منقول ، ولو جوّز تطرق مثل هذه الأشياء إلى الدّلالات اللفظية ؛ لما بقى الوثوق بشيء منها ، وهو خطاب عامّ بالنسبة إلى كل من عدا أبا بكر ، وعمر ؛ فيدخل فيه عليّ ، ولو كان منصوصا عليه نصّا جليا ؛ لما كان مأمورا بمتابعة غيره (٢).

الخامس عشر : أنه لما قال أبو بكر : «أقيلونى فلست بخيركم» ، قال عليّ : «لا نقيلك ، ولا نستقيلك. قدّمك رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لديننا ، أفلا نقدمك فى أمر دنيانا». ولو كان منصوصا عليه ؛ لما جاز له ذلك (٣).

السادس عشر : أن من يدّعى النصّ الجلىّ على أبى بكر أيضا بالغون عدد التواتر فى زماننا ، وهم يزعمون أنهم نقلوا ذلك عن جماعة لا يتطرق إليهم التواطؤ على الكذب ، وأنهم أخبروهم [أنهم رووه] (٤) عن جماعة لا يتطرق إليهم التواطؤ (٥) على (٥) الكذب ، وأنهم أخبروهم عن جماعة منهم كذلك وهلم جرّ إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على نحو ما ذكره الإمامية ، ويلزم من التنصيص الجلى على أبى بكر أن لا يكون عليا منصوصا عليه ؛ لاستحالة اجتماع إمامين فى بلد واحد ، وعصر واحد ، وليس أحدهما أولى من الآخر.

قولهم : إنه يمتنع ثبوت الإمامة بالدعوة ، والاختيار.

قلنا : أما الدعوة : فمسلم. وأما الاختيار : فممنوع. وقد أبطلنا كل ما ذكروه على ذلك. وبتقدير التسليم بأن الإمامة لا تثبت بغير النص ؛ فلا نسلم النص على [عليّ] (٦).

قولهم : الأمة مجمعة على أن المنصوص عليه لا يخرج عن أبى بكر ، وعلى والعبّاس مسلم ، غير أن الأمة المجمعة على ذلك عندهم كفار إلّا عدد يسير لا تقوم الحجة بقولهم ، فيكف يصح منهم الاحتجاج [بالإجماع] (٧). فلئن قالوا : إذا أجمعت

__________________

(١) راجع تخريج الحديث فيما سبق هامش ل ٢٦٨ / ب.

(٢) قارن هذا الرد بما ورد فى الإرشاد للجوينى ص ٢٣٨ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣١٤. تحقيقنا.

(٣) قارن هذا الرد بما ورد فى المغنى ٢٠ / ١ / ٢٨٨ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣١٥.

(٤) ساقط من «أ».

(٥) (التواطؤ على) ساقط من ب.

(٦) ساقط من «أ».

(٧) ساقط من «أ».

١٦٧

الأمة على شيء ، فيكون فيهم الإمام المعصوم ؛ لاستحالة خلو كل زمان منه على ما يأتى بيانه ؛ فسنبين بطلانه فيما بعد (١).

وإن سلمنا صحة احتجاجهم بالإجماع غير أنا لا نسلم أنّ أبا بكر ، والعبّاس غير منصوص عليهما ، وما ذكروه فى إبطال التنصيص على أبى بكر ، والعباس ؛ فغير صحيح ؛ إذ جاز أن يكون الشخص منصوصا عليه ، وإن لم يكن عالما به ؛ فإنه ليس من شرط صحه التنصيص على أحد ، سماعه له.

وإن سلّمنا أنّه لا بدّ من سماعه له ، غير أنّه معارض بمثله فى حقّ عليّ أيضا. ودليله ما سبق (٢).

قولهم : إنّ عليّا أفضل الصحابة ؛ لا نسلم ذلك ، وأما قوله ـ تعالى ـ : (فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ) (٣) الآية ؛ فلا نسلم أن المدعو إلى ذلك عليّ ؛ بل قد روى أن المراد به قرابته ، وخدمه ، ولذلك ذكرهم بصيغة الجمع ، ولو كان المراد به عليا ؛ لكان مجازا فيه ، والأصل فى الكلام الحقيقة.

قولهم : ليس المراد من قوله : وأنفسنا. نفسه ؛ ممنوع.

قولهم : لأن الإنسان لا يدعو نفسه حقيقة ، أو مجازا. الأول : مسلم. والثانى : ممنوع ؛ فإن من أراد من نفسه شيئا يصحّ أن يقال دعا نفسه إلى ذلك الشيء ، وهو وإن كان مجازا فحمله على عليّ / أيضا مجاز ، فإنّ عليا ليس هو نفس النبىّ حقيقة ؛ وليس أحد المجازين ، أولى من الآخر (٤).

سلمنا أن المدعو إلى المباهلة عليّ ؛ ولكن لا نسلم أنه يلزم من ذلك أن يكون أفضل من الصحابة.

قولهم : ذلك يدلّ على أن النّبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ فى غاية الشفقة على المدعو مسلم.

__________________

(١) راجع ما سيأتى ل ٢٨٥ / ب وما بعدها.

(٢) راجع النصوص التى وردت فى حق الإمام على ـ رضي الله عنه ـ فيما سبق ل ٢٦٩ / أوما يأتى بعدها.

(٣) سورة آل عمران ٣ / ٦١.

(٤) قارن بما ورد فى المواقف للإيجي ص ٤٠٧ وشرحها للجرجانى ـ الموقف السادس ص ٣٢٠ ومنهاج السنة ٤ / ٣٤ وما بعدها.

١٦٨

قولهم : إما أن يكون ذل لزيادة قربه من النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، أو لزيادة فضله ، لا نسلم الحصر ؛ إذ أمكن أن يكون ذلك لمجموع أمور لا وجود لها فى غير المدعو ، وهى أصل القرابة ، وأصل الفضل ، مع زيادة إلف ، وكثرة المعاشرة ، لا لزيادة الفضيلة ، ولا زيادة القرابة (١).

وعلى هذا أمكن اختصاص عليّ بهذه الأمور ، دون غيره من الصحابة ، وهو كذلك.

قولهم : إنه جعل عليا نفسا له.

قلنا : بمعنى أنه أضافها إليه ، أو بمعنى أنه أوجب الاتحاد بين نفس عليه ، ونفسه؟

الأول : مسلم. والثانى : ممنوع ؛ إذ هو خلاف الحقيقة. وعند ذلك فلا يلزم من مطلق الإضافة الاشتراك فى الصفات ؛ ليلزم ما ذكروه.

وقوله ـ عليه‌السلام ـ فى [ذى] (٢) الثدية : «يقتله خير الخلق» متروك الظاهر ؛ فإنه يدل على أن من باشر قتل ذى الثدية حقيقة يكون خير الخلق ، وعليّ ما باشر قتله ؛ فيلزم أن يكون من قتله من أصحاب عليّ أفضل من على ، ومن الخلق ؛ وهو ممتنع (٣). ثم إنه يلزم من ذلك أن يكون عليّ خيرا من النّبيّ لأنّه من الخلق ، وبعد التخصيص ؛ فقد بطلت الحقيقة ، وهى حمل لفظ الخلق على العموم.

وعند ذلك فيبقى مترددا بين أقل الجمع ؛ وما عدا صورة التخصيص ؛ فهو مجاز فى كل واحد منهما ، وليس أحد المجازين أولى من الآخر ؛ بل ربما كان حمله على أقل الجمع ؛ أولى لتيقنه.

وقوله ـ عليه‌السلام ـ «أخى ، ووزيرى / / وخير من أتركه بعدى ، يقضى دينى وينجز موعدى ، عليّ بن أبى طالب» (٤) ، فلا حجة فى قوله : «أخى ، ووزيرى» فإنه لا يلزم من كونه أخا للنبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أن يكون أفضل عند الله من غيره ، وكذلك الوزير ؛ بل موضع الاحتجاج إنما هو [فى قوله] (٥) : «وخير من أتركه بعدى» ولا حجة فيه أيضا ؛ فإنه

__________________

(١) قارن بما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ١ / ١٤١ ، ١٤٢.

(٢) ساقط من «أ».

(٣) قارن بما ورد فى المواقف للإيجي ص ٤٠٩ ، وشرحه ـ الموقف السادس ص ٣٢١.

/ / أول ل ١٦٠ / أمن النسخة ب.

(٤) راجع ما سبق فى هامش ل ٢٧٠ / أ.

(٥) ساقط من أ.

١٦٩

قال : «خير من أتركه بعدى يقضى دينى وينجز موعدى على بن أبى طالب» وتقديره : خير من يقضى دينى ، وينجز موعدى ، عليّ. ولا يلزم من ذلك أن يكون خيرا من غيره مطلقا ؛ بل بالنسبة إلى قضاء الدين ، وانجاز الموعد (١).

وقوله ـ عليه‌السلام ـ لفاطمة : «أما ترضين أنى زوجتك خير أمتى» (٢) ليس فيه ما يدل على كونه خيرا من الأمة مطلقا ؛ إذ ليس فى لفظة خير صيغة عموم ؛ ليكون خيرا منهم بالنسبة [إلى كل شيء ، وعند ذلك فيكون خيرا من الأمة] (٣) بالنسبة إلى بعض الأشياء ، ولا يلزم أن يكون خيرا منها مطلقا ، وعلى هذا فإن كان خيرا من غيره من وجه ؛ فيكون غيره خيرا / منه من وجه آخر.

فإن قيل : النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إنما ذكر ذلك فى معرض الامتنان ، والإنعام على فاطمة ، ولو كان الأمر على ما ذكرتموه ؛ لم تتحقق هذه الفائدة.

قلنا : أمكن أن يكون تحقيق فائدة الامتنان ، والإنعام عليها بكون على خير الأمة بالنسبة إلى فاطمة فيما يرجع ، إلى القرابة ، وزيادة الحنو ، والشفقة عليها ، وكثرة طواعيته لها ، وزيادة منزلته فى حب النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ [له] (٤) ، وعلى هذا فقد خرج الجواب عن قوله ـ عليه‌السلام : ـ «خير من أتركه بعدى عليّ» وأمكن تقييد ذلك بأنه خير من يقضى دين النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وينجز موعده.

وقوله ـ عليه‌السلام ـ عن على : «هذا سيّد العرب» (٥) فلا يخفى أن السيادة عبارة عن التقدم ، والارتفاع. وليس فى لفظ سيّد أيضا صيغة عموم ؛ بل هى مطلقة ، والكلام فيها ، كالكلام فى قوله خير.

ثم وإن سلمنا العموم فى قوله سيّد بالنسبة إلى كل شيء ، غير أنه لا يدل على كونه أفضل ، من جميع الصحابة ؛ فإنه قد كان منهم من ليس بعربىّ : كسلمان الفارسى [وبلال الحبشى] (٦) وغيرهما.

__________________

(١) قارن هذا الرد بما ورد فى المغنى ٢٠ / ١ / ١٨٢ ، والمواقف ص ٤٠٩ ، وشرحه ـ الموقف السادس ص ٣٢١.

(٢) انظر ما سبق فى هامش ل ٢٧٠ / أ.

(٣) ساقط من أ.

(٤) ساقط من أ.

(٥) راجع بشأنه ما سبق فى هامش ل ٢٧٠ / أ.

(٦) ساقط من أ.

١٧٠

فإن قالوا : إذا كان سيّد العرب ، فالعرب سادات لمن سواهم ، وسيّد السيّد سيّد»

قلنا : فيلزم من ذلك أن يكون عليّ سيّد العالمين ، وفيه إبطال قوله ـ عليه‌السلام ـ فى الفرق بينه ، وبين على : «أنا سيّد العالمين ، وعلى سيّد العرب».

وقوله عليه‌السلام : ـ «إنّ الله اطلع على أهل الأرض ثانية فاختار منهم بعلك» (١) يدل على كونه مختارا ، وليس فيه ما يدل على اختياره بالنسبة إلى كل شيء ؛ إذ لا عموم فى قوله : «اختار منهم بعلك» بالنسبة إلى كل شيء (٢) ، ولا يلزم من كونه مختارا بالنسبة إلى بعض الأشياء ، أن يكون أفضل من غيره مطلقا. وعلى هذا أمكن أن يكون مختارا بالنسبة إلى مجاهدته ، بين يدى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، أو بالنسبة إلى جعله بعلا لفاطمة ، أو غير ذلك.

وقوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ «ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معى» (٣) فليس فيه أيضا ما يدل على كونه أحب الخلق مطلقا ؛ بل أمكن أن يكون أحب الخلق بالنظر ، إلى شيء دون شيء ، ولهذا يصح الاستفسار ، ويقال أحب خلق الله فى كل شيء ، أو فى بعض الأشياء؟

وعند ذلك فلا يلزم من زياده ثوابه فى بعض الأشياء على غيره ، الزيادة فى كل شيء ؛ بل جاز أن يكون غيره أزيد ثوابا منه فى شيء آخر.

فإن قيل : إذا كان كذلك فأى فائدة فى قوله : ائتنى بأحب خلقك أليك؟

قلنا : الفائدة فيه تخصيصه عمّن ليس أحب عند الله ، ولا من وجه.

وقولهم : إن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ اتّخذ عليا أخا لنفسه ، جاز أن يكون ذلك لزيادة حنوّه عليه ، وشفقته ، بسبب قرابته ، ومصاهرته ، وزيادة خدمته ، وألفته له بكثرة مخالطته له ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ / وليس فى ذلك ما يدل على كونه أفضل من غيره عند الله تعالى (٤).

__________________

(١) راجع بشأنه ما سبق فى هامش ل ٢٧٠ / أ.

(٢) قارن بالمواقف ص ٤١٠ ، وشرحه ـ الموقف السادس ص ٣٢٣.

(٣) راجع ما سبق فى هامش ل ٢٧٠ / أ.

(٤) قارن هذا الرد بما ورد فى المغنى ٢٠ / ١ / ١٨٥ وما بعدها ، والمواقف ص ٤١٠ وشرحه ـ الموقف السادس ص ٣٢٣.

١٧١

وأما قصة خيبر : فليس فيها أيضا ما يدل على أن عليا أفضل من أبى بكر وعمر ؛ بل غايته أن مجموع ما وصفه به من كونه يحب الله ورسوله ، [وأنه] (١) يحبه الله ورسوله ، وأنه كرار غير فرار ، لم يجتمع فيهما ، وذلك متحقق بفرارهما ، ويلزم من ذلك ، أن يكون أفضل منهما بالنظر إلى هذا الوجه لا غير (٢) ، ولا يلزم أن يكون أفضل منهما مطلقا ؛ لجواز أن يكون كل واحد منهما ، أفضل منه من وجه آخر.

قولهم : إن عليا كان أعلم الصحابة ؛ لا نسلم ذلك.

وقوله ـ عليه‌السلام ـ «أقضاكم على» (٣) لا يدل على أنه أعلم ؛ بل غايته أنه لا يحتاج إلى جميع أنواع العلوم التى يتعلق بها القضاء ، وفصل الخصومات / / ولا يدل ذلك على بلوغه فى كل واحد منهما إلى الغاية القصوى ، والنهاية العليا ، وعلى هذا وإن كان أعلم من غيره من جهة اشتماله على أصول العلوم ، فلعل غيره أعلم منه لبلوغه فى آحاد العلوم النهاية التى لم يبلغها عليّ كرّم الله وجهه.

وإن سلمنا أنه أعلم الصحابة ، وأنه أفضل من باقى الصحابة ، بالنسبة إلى فضيلة العلم ؛ فلا يلزم أن يكون أفضل من غيره مطلقا ؛ لجواز اختصاص غيره بفضيلة غير فضيلة العلم ، يكون بها أفضل من عليّ ـ عليه‌السلام.

قولهم : إن عليا كان أكثر جهادا مع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من جميع الصحابة.

قلنا : وإن كان أكثر جهادا بالقتال ، ومنازلة الأبطال من غيره ، فليس فى ذلك ما يدل ، على أنه أفضل من غيره مطلقا ؛ لجواز اختصاص غيره بفضيلة لا وجود لها فيه ، كالجهاد مع النفس بالعبادات ، أو الجهاد مع العدوّ بإقامة البراهين ، ودفع الشبهات ، أو غير ذلك (٤).

وقولهم : إنّ إيمان عليّ كان سابقا على إيمان جميع الصحابة ، ممنوع وما ذكروه معارض بما روى عنه ـ عليه‌السلام ـ أنه قال : «ما عرضت الإيمان على أحد إلّا وكان له

__________________

(١) ساقط من أ.

(٢) قارن بما ورد فى المواقف ص ٤١٠ ، وشرحه ـ الموقف السادس ص ٣٢٣.

(٣) انظر ما سبق فى هامش ل ٢٧٠ / ب.

/ / أول ل ١٦٠ / ب من النسخة ب.

(٤) قارن به ما ورد فى : الفصل فى الملل والنحل ٤ / ١٣٥ ، ١٣٦ ، والأربعين للرازى ص ٤٧٧ ، ومنهاج السنة لابن تيمية ٤ / ١٦٣.

١٧٢

كبوة غير أبى بكر فإنه لم يتلعثم» (١) ؛ وذلك يدل على سبقه لكل من عداه إلى الإيمان ؛ لأنه لو لم يكن كذلك ؛ لكان تأخره فى الإيمان ، لا لعدم إجابته ؛ بل لتقصير النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى دعائه إلى الإيمان ؛ وذلك ممتنع فى حق النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وإن سلمنا أن إيمان عليّ كان سابقا على إيمان أبى بكر ، غير أن إسلام أبى بكر كان بعد البلوغ ، وإسلام عليّ قبل البلوغ ، بدليل ما نقل عنه من الشعر. وإسلام العاقل البالغ ، أفضل من إسلام الصبىّ ، لثلاثة أوجه :

الأول : أن النّاس قد اختلفوا فى صحة إسلام الصبى ، مع اتفاقهم على صحة إسلام العاقل البالغ ؛ وذلك يدل على كون إسلام البالغ أفضل.

الثانى : / أنّ إسلام العاقل ، البالغ أنفع لنفسه ، ولغيره ، أما بالنسبة إلى نفسه ؛ فلأن تأدية العبادات ، وامتثال أمر الشارع ، ونهيه [أكثر] (٢) ؛ فيكون أكثر ثوابا. وأما بالنسبة إلى غيره ، فلأن تأسى الغير به فى الدخول فى الإسلام لكمال عقله يكون أكثر على ما لا يخفى.

الثالث : أن دعاءه لغيره إلى الإسلام ، وحثّه عليه ، يكون أفيد ، وأقرب إلى المقصود من الصبى ، ولهذا فإن أبا بكر بعد إسلامه ، كان هو السبب فى إسلام عثمان ، وطلحة ، والزبير ، وسعد بن أبى وقاص ، وابن مظعون (٣) بدعائه لهم إلى الإسلام ، وتوسطه بينهم ، وبين الرسول فى إسلامهم ، وكان ذلك سبب قوة الإسلام ، وظهوره ، بخلاف إسلام عليّ صبيا ؛ فإنه لم يتأت منه مثل هذه الفائدة الجسيمة ؛ فكان إسلامه أفضل.

وإن سلمنا أن من سبق إلى الإسلام أفضل ؛ لكن من جهة سبقه إلى الإسلام ، أو مطلقا؟ الأول : مسلم ، والثانى : ممنوع ، وعلى هذا فلا يلزم أن يكون على أفضل من غيره مطلقا.

__________________

(١) ورد فى جامع الأصول ٩ / ٤٢٩.

(٢) ساقط من «أ».

(٣) انظر سيرة ابن هشام ١ / ٢٣٢.

١٧٣

وقوله ـ تعالى ـ : (فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) (١) لا نسلم أن المراد من قوله تعالى : (وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ) عليّ بن أبى طالب ؛ بل المراد به خيار المؤمنين على ما قاله أكثر المفسرين. وقال العلاء بن زياد (٢) : المراد به الأنبياء (٣).

وقال الضحاك (٤) : المراد به أبو بكر ، وعمر ، ويقال عثمان أيضا.

وقوله ـ عليه‌السلام ـ «من كنت مولاه فعلىّ مولاه». وقوله : «أنت منى بمنزلة هارون من موسى» سيأتى جوابهما فيما بعد (٥).

وقوله ـ عليه‌السلام ـ «من أراد أن ينظر إلى آدم فى علمه» الحديث ؛ فليس فيه ما يدل على تفضيله.

قولهم : إنه أوجب مساواته لكل نبى فى صفته ، لا يخلو : إما أن يوجب مساواته لكل واحد فى الفضيلة ؛ لمساواته فيما يشبهه به ، أو لا يوجب ذلك.

الأول : محال. لما فيه من القول بأن عليا مساو للنبى ـ عليه الصلاة والسلام فى الفضيلة ؛ وهو خلاف الإجماع ، ولأنه يلزم من مساواته لكل واحد من الأنبياء المذكورين فى فضيلته ، أن يكون أفضل من كل واحد منهم ؛ لمساواته له فى فضيلته ، وترجحه عليه بفضيلة غيره ؛ والولىّ لا يكون أفضل من النبىّ بالإجماع.

وإن كان الثانى : فقد بطل ما ذكروه من وجه الاستدلال.

وما ذكروه من اتصافه بالصفات المذكورة ، والمناقب المشهورة ، فكل ذلك ممّا يوجب الفضيلة لا الأفضلية ، فإنّه / / ما من واحد من آحاد الصّحابة ، إلّا وهو أيضا مختص بمناقب وفضائل لم توجد فى حق غيره ، وإن لم يكن أفضل من غيره.

__________________

(١) سورة التحريم ٦٦ / ٤.

(٢) العلاء بن زياد : هو العلاء بن زياد بن مطر بن شريح حدث عن أبى هريرة توفى فى ولاية الحجاج سنة ٩٤.

[طبقات ابن سعد ٧ / ٢١٧ ، تهذيب التهذيب ٨ / ١٨١].

(٣) راجع فى ذلك تفسير الرازى ٣٠ / ٤٤.

(٤) هو الضحاك بن مزاحم البلخى الخراسانى ـ حدث عن ابن عباس وأبى سعيد الخدرى توفى سنة ١٠٥ ه‍.

[ميزان الاعتدال ١ / ٤٧١ ، وتهذيب التهذيب ٤ / ٤٥٣].

(٥) راجع ما سيأتى ل ٢٨٢ / أوما بعدها.

/ / أول ل ١٦١ / أ.

١٧٤

وإن سلمنا دلالة ما ذكروه على أن عليا أفضل من باقى الصّحابة ، إلّا أنه معارض بما يدل على أنه أبا بكر أفضل منه.

وبيانه من ثلاثة عشر وجها :

ـ الأول : قوله ـ تعالى ـ : (وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى (١٧) الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى) (١) الآية قال أكثر أهل التفسير ، وعليه اعتماد العلماء : إنها نزلت فى حق أبى بكر (٢) ؛ فيكون / موصوفا فى كونه أتقى ، والأتقى هو الأكرم عند الله ـ تعالى لقوله ـ تعالى : ـ (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) (٣). والأكرم عند الله هو الأفضل ؛ فإذا الآية دالة على أن أبا بكر أفضل من كل من عداه من الأمة.

الثانى : قوله ـ عليه‌السلام ـ «اقتدوا باللّذين من بعدى أبى بكر ، وعمر» (٤) ، أمر كل واحد بالاقتداء بهما ؛ فيدخل فيه عليّ (٥) ، ويلزم من ذلك أن يكون عليّ ـ عليه‌السلام ـ مفضولا بالنسبة إلى أبى بكر ؛ لأنه إن لم يكن مفضولا ، فإما مساو ، أو أفضل. فإن كان مساويا : فليس بأفضل ؛ وهو المطلوب.

كيف وأنه يمتنع أن يكون مساويا ؛ فإنه ليس الأمر بمتابعة أحد المتساويين للآخر ، أولى من العكس.

وإن كان أفضل : كان الواجب أن يكون الأمر بالمتابعة بالعكس ، وإذا بطل أن يكون أفضل ، أو مساو ؛ لزم أن يكون مفضولا.

الثالث : ما روى أن أبا الدرداء (٦) كان يمشى [أمام] (٧) أبى بكر. فقال له ـ عليه‌السلام ـ : [أتمشى أمام من هو خير منك ، فقال أبو الدرداء : أهو خير منى] (٨) فقال له

__________________

(١) سورة الليل ٩٢ / ١٧ ، ١٨.

(٢) انظر فى ذلك. أسباب النزول للواحدى ص ٣٠٠ ، وتفسير الرازى ٣١ / ٢٥.

(٣) سورة الحجرات ٤٩ / ١٣.

(٤) ورد فى مسند الإمام أحمد ٥ / ٣٨٢ ، وصحيح الترمذي ٥ / ٦٠٩.

(٥) قارن بالمواقف ص ٤٠٧ ، ٤٠٨ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣١٧.

(٦) أبو الدرداء : هو عويمر بن مالك بن قيس الخزرجى. صحابى جليل ، تولى قضاء دمشق بعهد من عمر بن الخطاب ، وتوفى بالشام سنة ٣٢ ه‍.

[الاستيعاب ٢ / ٤٥٢ ، والإصابة ٣ / ٤٦].

(٧) ساقط من أ.

(٨) ساقط من أ.

١٧٥

عليه‌السلام : «ما طلعت الشمس ، ولا غربت بعد النبيين ، والمرسلين على رجل ، أفضل من أبى بكر» (١).

الرابع : قوله ـ عليه‌السلام ـ لأبى بكر ، وعمر : «هما سيّدا كهول أهل الجنّة ما خلا النبيين ، والمرسلين» (٢).

الخامس : قوله ـ عليه‌السلام : ـ «لا ينبغى لقوم يكون فيهم أبو بكر أن يتقدم عليه غيره» (٣).

السادس : قوله ـ عليه‌السلام : ـ «ليؤم الناس أبو بكر» (٤) وتقديمه فى الصلاة مع أنها أفضل العبادات ؛ أدلّ على كونه أفضل (٥).

السابع : قوله ـ عليه‌السلام : ـ «يأبى الله ورسوله إلّا أبا بكر» (٦).

الثامن : قوله ـ عليه‌السلام : ـ «آتونى بدواة وقرطاس أكتب إل أبى بكر كتابا لا يختلف عليه اثنان» (٧)

التاسع : قوله ـ عليه‌السلام : ـ «خير أمتى أبى بكر ، وعمر» (٨).

العاشر : قول النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقد ذكر أبو بكر عنده : «وأين مثل أبى بكر ، كذّبنى الناس وصدّقنى ، وآمن بى ، وزوّجنى ابنته ، وجهّزنى بماله ، وواسانى بنفسه ، وجاهد معى ساعة الخوف» (٩).

__________________

(١) ورد بألفاظ متقاربة فى مجمع الزوائد ٩ / ٤٣ ، ٤٤ ، والصواعق المحرقة ص ١٠٣ وعلق عليه : «وفيه إسماعيل بن يحيى التميمى وهو كذاب»

كما ورد فى المستدرك ٣ / ٩٠ ، ولكن باسم عمر وعلق الذهبى عليه قائلا «والحديث شبه موضوع».

(٢) ورد بألفاظ متقاربة : فى سنن ابن ماجه ١ / ٣٦ ، ٣٨ ، ومجمع الزوائد ٩ / ٥٣ وعلق عليه «وفيه على بن عابس وهو ضعيف».

(٣) ورد فى سنن الترمذي ٥ / ٦١٤ ، وقال عنه ابن الجوزى فى العلل المتناهية ١ / ١٩٣ إلا أن هذا الحديث لا يصح.

قال يحيى بن معين (فى مسنده) أحمد بن بشر : متروك ، وعيسى بن ميمون : منكر لا يحتج بروايته».

(٤) صحيح البخارى ١ / ١٧٢ ـ ١٧٣.

(٥) قارن بالمواقف ص ٤٠٨ وشرحه ص ٣١٨.

(٦) سبق تخريجه ل ٢٦٨ / ب.

(٧) سبق تخريجه ل ٢٦٨ / ب.

(٨) ورد فى مجمع الزوائد ٩ / ٥٣ بلفظ مقارب وقال فيه : «وفيه الفضل بن مختار وهو ضعيف».

(٩) ورد فى مجمع الزوائد ٩ / ٤٦ بلفظ مقارب وقال فيه : «وفيه أرطاة أبو حاتم وهو ضعيف».

١٧٦

الحادى عشر : قول عليّ ـ كرّم الله وجهه : ـ «خير النّاس بعد النّبيّين أبو بكر ، ثم عمر ، ثم الله أعلم» (١).

الثانى عشر : ما روى عن عليّ ـ كرّم الله وجهه أنه قيل له : «ما توصى ، فقال : ما أوصى رسول الله حتى أوصى ؛ ولكن إن أراد الله بالنّاس خيرا جمعهم على خيرهم ، كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم» (٢).

الثالث عشر : قوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ : «لو كنت متّخذا خليلا دون ربى لاتخذت أبا بكر خليلا ، ولكنّ صاحبكم شريكى فى دينى ، وصاحبى الّذي وجبت له صحبتى فى الغار ، وخليفتى فى أمتى» (٣).

إلى غير ذلك من الأدلة. [وهذه الأدلة] (٤) وإن لم تكن راجحة ، فلا أقل من التّساوى ، ومع التّساوى يجب القول بالتّساقط ، والرّجوع إلى إجماع الصحابة.

وإن سلمنا أن عليا أفضل من جميع الصحابة ؛ ولكن لا نسلم امتناع إمامة المفضول مع وجود الفاضل ؛ وذلك لأنه إذا وقع التساوى بينهما / فى أصل الشروط المعتبرة فى الإمامة ، فلا يمتنع أن يكون تفويض الإمامة إلى المفضول أفضى إلى صلاح الناس ، واستقامة أمورهم ؛ وذلك بأن يكون الفاضل مبغوضا لأكثر الخلق ، والمفضول محبوبا لهم. ومثل ذلك فقد تحقق فى حق عليّ باعتراف الإمامية ، حيث زعموا أن الأمّة منعوه حقه ، وتمالئوا على إخفاء النّص الجلىّ عليه ، وعلى نصب أبى بكر إماما ، ولذلك سمّوهم نواصب.

قولهم : إن الأمة مجمعة على أن الإمامة غير خارجة عن أبى بكر ، وعليّ ، والعباس ؛ فقد بيّنا أن استدلالهم بالإجماع ممّا لا يصح. وبتقدير الصحة لا نسلم أنّ أبا بكر ، والعبّاس غير صالحين للإمامة.

__________________

(١) ورد فى صحيح البخارى ٥ / ٩ «عن محمد بن الحنفية قال : «قلت لأبى أى الناس خير بعد رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قال : أبو بكر ؛ قلت : ثم من ، قال : ثم عمر وخشيت أن يقول عثمان ، قلت : ثم أنت ، قال : ما أنا إلا رجل من المسلمين».

(٢) انظر بشأنه ما سبق فى ل ٢٦٧ / أ.

(٣) متفق عليه رواه البخارى ومسلم فى صحيحيهما : البخارى ٥ / ٥ ومسلم ٧ / ١٠٨.

(٤) ساقط من «أ».

١٧٧

قولهم : إنهما غير معصومين ، مسلم ؛ ولكن لا نسلم أن الإمام لا بدّ وأن يكون معصوما على ما سيأتى (١).

قولهم : إنّ أبا بكر ، والعبّاس ، كانا كافرين قبل البعثة ؛ والكافر ظالم.

قلنا : الكافر ظالم حالة كفره ، أو بعد زواله. الأول : مسلم ، والثانى : ممنوع ؛ فإنه بعد الإسلام لا نسمى الشخص كافرا / / حقيقة بالإجماع ، وإذا كان الكفر هو منشأ تسميته ظالما ، ولا كفر حقيقة ؛ فلا ظلم حقيقة. والأصل فى قوله ـ تعالى : (وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٢) الحقيقة دون المجاز.

قولهم : لا يشترط فى إطلاق الاسم المشتق حقيقة ؛ وجود المشتق منه ، ليس كذلك ، فإن تسمية المحل أسود ، أو أبيض حالة عدم السواد المشتق منه ، اسم الأسود ، وعدم البياض ، المشتق منه اسم الأبيض ؛ لا يكون حقيقة ، ولو لم يكن وجود الصفة المشتق منها شرطا فى وصف المحل بكونه أسود ، أو أبيض ؛ لما كان كذلك.

وما ذكروه من الاستشهاد بالقائل ، والماشى ، فالمشتق منه اسم الماشى : إنما هو الحركة الأخيرة مشروطا بعدم الحركات السابقة بعد وجودها ، وكذلك الحكم فى القول.

قولهم : إنه تصدق عليه حالة اتصافه بكونه ظالما ، أنه لا ينال عهد الله بجهة العموم لوقت الظّلم وما بعده ، لا نسلم ذلك ؛ بل هو مقصور على حالة كونه ظالما حقيقة ، وصحة الاستثناء معارض بصحة الاستفهام ؛ فإنه يصح أن يقال : لا ينال عهد الله فى حالة الظلم ، أو فى جميع الأوقات؟ ولو كان ذلك ظاهرا فى العموم ؛ لما حسن الاستفهام.

وقوله ـ تعالى : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) (٣) الآية ، إنما يكون حجة أن لو كان الولى فى الآية بمعنى الأولى بالتصرف. وما المانع من حمله على معنى الناصر؟

قولهم : إن الولاية بمعنى النصرة عامة ، والولاية فى الآية خاصة.

__________________

(١) راجع ما سيأتى فى الفصل الثالث ل ٢٩٠ / ب وما بعدها.

/ / أول ل ١٦١ / ب.

(٢) سورة البقرة ٢ / ٢٥٤.

(٣) سورة المائدة ٥ / ٥٥.

١٧٨

قلنا : الولاية بمعنى النصرة ، إنما تكون عامة ، إذا أضيفت إلى جمع غير مخصوصين بصفات معينة ، كما فى قوله : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ) (١). وأما إذا أضيفت إلى جمع / مخصوصين بصفات خاصة كما فى الآية المحتج بها فلا ، وعلى هذا فلا يمتنع أن تكون الولاية المحصورة فى الله ، ورسوله ، والمؤمنين المخصوصين ، بالصفات المذكورة فى الآية ، الولاية بمعنى النصرة ، وهى الولاية الخاصة فيها ، دون الولاية العامة من غير منافاة بين الآيتين المذكورتين ، ويكون تقدير الآية : (إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ) والمؤمنين الموصوفين بالصفات المذكورة ؛ أى الولاية الخاصة بمعنى النصرة لا الولاية العامة.

وإن سلمنا دلالة ما ذكروه ، على أن الولاية فى الآية بمعنى التّصرّف ، غير أنه يمتنع حمل لفظ المؤمنين على عليّ ـ عليه‌السلام ـ لما فيه من حمل لفظ الجمع على الواحد ؛ وهو مخالف للأصل والحقيقة.

قولهم : إن أئمة التفسير اتفقوا على أن المراد بالمؤمنين المذكورين فى الآية عليّ ، لا نسلم الاتفاق على ذلك ، فإنه قد حكى النقاش فى تفسيره عن أبى جعفر (٢) أنه قال : «المؤمنون المذكورون فى الآية : أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام». وهو الأظهر ؛ لما فيه من موافقة ظاهر لفظ الجمع (٣).

وإن سلمنا أن المراد إنما هو عليّ ـ كرم الله وجهه ـ غير أنه يمتنع جعله بذلك إماما ، وخليفة عن الرّسول ، وإلّا لزم فيه إمّا تخصيص ولايته بما بعد موت النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ [وهو خلاف ظاهر الآية ، وإما إثبات الولاية له بمعنى التصرف فى الأمة فى زمن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم] (٤) ؛ وهو خلاف الإجماع منّا ، ومن الخصوم (٥).

__________________

(١) سورة التوبة ٩ / ٧١.

(٢) أبو جعفر (٥٧ ـ ١١٤ ه‍) هو محمد بن على بن الحسين بن على بن أبى طالب ، أبو جعفر الباقر (الإمام) روى عن أبيه وجديه : الحسن والحسين (رضى الله عن الجميع).

من التابعين الثقات ، وخامس الأئمة عند الإمامية. كان محدثا ومفسرا. توفى سنة ١١٤ ه‍.

[وفيات الأعيان ٤ / ١١٧٤ ، وتهذيب التهذيب ٩ / ٣٥٠].

(٣) انظر تفسير القرطبى ٦ / ٢٢١. وقارن به تفسير ابن كثير ٢ / ٧١.

(٤) ساقط من «أ».

(٥) قارن به تفسير الفخر الرازى ١٢ / ٣١ ، والمغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ١ / ١٣٣ ، ١٣٤.

١٧٩

وقوله تعالى : (اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) (١) لا نسلم كونه حجة.

قولهم : إنه أمر بمتابعة الصّادق.

قلنا : فى الظاهر ، أو فى نفس الأمر؟

الأول : مسلم ، والثانى : ممنوع ؛ وعلى هذا فلا يلزم العصمة.

وإن سلمنا أنه لا بدّ من عصمة المأمور بمتابعته فى نفس الأمر ؛ ولكن لا نسلم أنه يلزم من ذلك أن يكون عليّ معصوما.

قولهم : إن غير عليّ من الصحابة غير معصوم.

قلنا : غير عليّ غير معصوم من آحاد الصحابة ، أو جملة الصحابة؟ الأول : مسلم ، والثانى : ممنوع على ما تقدم فى بيان عصمة الأمة عن الخطأ (٢). وعلى هذا فلا يمتنع أن يكون المراد بالصادقين ، المجمعون من أهل الحل والعقد من الصحابة وغيرهم دون آحاد الصحابة ؛ وهو الأظهر نظرا إلى صيغة الجمع فى الصادقين (٣) ؛ فإنه حقيقة فى الجمع لا فى الآحاد.

كيف وأنه ليس كل إمام عند الخصوم ظاهرا ، والأمر بمتابعة من ليس بظاهر ، ولا معروف ممتنع.

فإن قيل : إذا كان الخطاب مع المؤمنين بمتابعة الصادقين ، وإذا كان المراد بالصادقين ، المجمعين من أهل الحل والعقد ، فهم من المؤمنين المخاطبين ، ويلزم من ذلك أن يكونوا مخاطبين بمتابعة أنفسهم ؛ وهو ممتنع مخالف للظاهر.

قلنا : فإذا كان الخطاب مع المؤمنين ، فالأئمة داخلون فيهم أيضا ، فلو كان المأمور بمتابعته من الصادقين / / هم الأئمة [فيلزم أن يكون الأئمة] (٤) أيضا / قد أمروا بمتابعة أنفسهم.

__________________

(١) سورة التوبة ٩ / ١١٩.

(٢) راجع ما سبق فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ل ٢٧ / أ.

(٣) قارن بما ورد فى تفسير الفخر الرازى ١٦ / ٢٢٧.

/ / أول ل ١٦٢ / أ.

(٤) ساقط من «أ».

١٨٠