أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٥

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]

أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٥

المؤلف:

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]


المحقق: د. أحمد محمد المهدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 977-18-0328-x
الصفحات: ٣١٨

الفصل الأول

فى أن إقامة الإمام هل هى واجبة ، أم لا (١)؟

وقبل النظر فى ذلك لا بدّ من تحقيق معنى الإمامة.

قال بعض الأصحاب : إنّها عبارة عن رئاسة فى الدّين ، والدنيا عامة لشخص من الأشخاص. وينتقض ذلك بالنّبوّة ، والحق أن الإمامة عبارة عن خلافة شخص / / من الأشخاص للرّسول ـ عليه‌السلام ـ فى إقامة قوانين الشّرع ، وحفظ حوزة الملة ، على وجه يجب اتّباعه على كافة الأمة.

وإذا عرف معنى الإمامة ، فهل إقامة الإمام واجبة ، أم لا؟

اختلف الناس فيه : فمنهم من قال بالوجوب ، ومنهم من نفاه ، والقائلون بالوجوب اختلفوا فى أمرين :

الأول : فى طريق معرفة الوجوب :

فمنهم من قال بأن طريق معرفة الوجوب السمع دون العقل ، كالأشعرية ، وأكثر المعتزلة (٢).

__________________

(١) لمزيد من البحث والدراسة بالإضافة إلى ما ذكره الآمدي هاهنا انظر المراجع التالية التى اعتمد عليها الآمدي ، وناقشها.

الإبانة عن أصول الديانة للإمام الأشعرى ص ٢٠٤ وما بعدها ، واللمع له أيضا ص ١٣٣ ـ ١٣٦.

ومقالات الإسلاميين له أيضا ٢ / ١٤٤ وما بعدها.

التمهيد للباقلانى ص ١٦٤ وما بعدها ، وأصول الدين للبغدادى ص ٢٧١ وما بعدها ولمع الأدلة له أيضا ص ١١٤ وما بعدها ، وأصول الدين للبغدادى ص ٢٧١ وما بعدها والفصل لابن حزم ٤ / ١٤٩ وما بعدها ، ونهاية الأقدام للشهرستانى ص ٤٧٨.

الاقتصاد فى الاعتقاد للغزالى ص ٢٢٣ وما بعدها. والأربعين فى أصول الدين للرازى ص ٤٢٦.

محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين للرازى ص ٥٧٣ وما بعدها.

وغاية المرام للآمدى ص ٣٦١ وما بعدها.

ومن كتب المعتزلة : المغنى فى أبواب التوحيد والعدل. فقد اهتم القاضى عبد الجبار بموضوع الإمامة وخصص له الجزء العشرون من كتابه المغنى ، ويقع فى مجلدين كبيرين

والأصول الخمسة له أيضا ص ٧٤٩ وما بعدها.

ومن كتب المتأخرين المتأثرين بالآمدي :

شرح المواقف ـ الموقف السادس : تحقيق الدكتور أحمد المهدى ص ٢٧٧ وما بعدها. وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ١٩٩ وما بعدها.

/ / أول ل ١٥١ / أمن النسخة ب.

(٢) قارن بما ورد فى المغنى فى أبواب التوحيد والعدل ٢٠ / ٣٨ وما بعدها للقاضى عبد الجبار وأصول الدين للبغدادى ص ٤٢١ ، ونهاية الأقدام ص ٤٧٨ للشهرستانى.

١٢١

ومنهم من قال بالعقل دون السمع ؛ كالإسماعيلية ، والإمامية (١) ، غير أن الإسماعيلية قالوا بالوجوب لكون الإمام معرّفا لله ـ تعالى ـ وقالت الإمامية بالوجوب لا لنعرف الله ؛ بل لإقامة القوانين الشّرعية ، وحفظها عن الزّيادة والنقصان.

ومنهم من قال بالعقل ، والسمع معا ؛ كالجاحظ ، والكعبى ، وأبى الحسين البصرى (٢).

الاختلاف الثانى : أنّ إقامة الإمام هل هى واجب على الله ، أو على الخلق؟

ومذهب الأشاعرة وأهل السنّة ، وكثير من المعتزلة : أنه واجب على الخلق (٣).

ومذهب الإمامية ، والإسماعيلية (٤) : أنه واجب على الله تعالى.

وأما القائلون بنفى الوجوب : فمنهم من قال : بنفى الوجوب مطلقا فى جميع الأوقات ، وإنما ذلك من الجائزات : كالأزارقة ، والصفرية ، وغيرهم من الخوارج (٥).

ومنهم من قال : بأنه لا يجب مع الأمن ، وإنصاف الناس بعضهم من بعض ؛ لعدم الحاجة إليه ، وإنما يجب عند الخوف ، وظهور الفتن : كأبي بكر الأصم (٦).

ومنهم من عكس الحال وقال بنفى الوجوب مع الفتن ؛ لأنه ربما كان نصبه سببا لزيادة الفتن ؛ لاستنكافهم عنه ، وإنما يجب عند العدل ، والأمن ؛ إذ هو أقرب إلى إظهار شعائر الإسلام كالفوطى ، وأتباعه (٧).

__________________

(١) انظر عن رأيهم بالتفصيل القاعدة السابعة الفصل الرابع : فرقة الإسماعيلية ل ٢٤٩ / أو ما بعدها ، وفرقة الإمامية ل ٢٥١ / ب وما بعدها.

(٢) نظر عن رأيهم ما سبق فى القاعدة السابعة : الفصل الرابع : ل ٢٤٦ / ب وما بعدها.

(٣) قارن بشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٧٩ وما بعدها.

(٤) انظر عن رأيهم ما سبق ل ٢٤٩ / أوما بعدها ، ٢٥١ / ب وما بعدها.

(٥) انظر عن رأيهم ما سبق ل ٢٥٢ / ب وما بعدها ، ل ٢٥٣ / أوما بعدها.

(٦) انظر عن رأيه بالتفصيل المغنى ٢٠ / ٤٨ ، ومقالات الإسلاميين ص ٢٢٣ وما بعدها. وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٧٨.

أما عن أبى بكر الأصم : فهو من المعتزلة ، ولكنه انفرد عنهم بمسائل منها : خالفهم فى وجوب الأمر بالمعروف ، والنهى عن المنكر. مع أنه من أصولهم. كما خالفهم فى وجوب نصب الإمام وقت الأمن ـ كما أنكر إمامة على ـ رضي الله عنه ـ. وقد توفى الأصم سنة ٣٠٠ ه‍.

(٧) انظر عن هشام الغوطى ورأيه ما سبق فى القاعدة السابعة. الفصل الرابع ل ٢٤٥ / أوما بعدها.

وقارن بما ورد فى شرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٧٨.

١٢٢

وإذ أتينا على تفصيل المذاهب فالكلام فى هذه المسألة يتعلق بأطراف / ثلاثة.

[الطرف الأول : فى بيان الوجوب سمعا.

والثانى : فى امتناع الوجوب عقلا.

والثالث : فى امتناع إيجاب ذلك على الله تعالى] (١).

الطرف الأول : فى بيان الوجوب سمعا :

والمعتمد فيه لأهل الحق ما ثبت بالتواتر من إجماع المسلمين فى الصدر الأول بعد وفاة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على امتناع خلو الوقت عن خليفة ، وإمام ، حتى قال أبو بكر رضى الله عنه فى خطبته المشهورة ، بعد وفاة النّبيّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «إن محمدا قد مات ، ولا بدّ لهذا الدين ممن يقوم به» (٢) فبادر الكل إلى تصديقه ، والإذعان لقبول قوله ، ولم يخالف فى ذلك أحد من المسلمين ، وأرباب الدين ؛ بل كانوا مطبقين على الوفاق ، وقتال الخوارج على الإمام ، ولم ينقل عن أحد منهم إنكار ذلك ، وإن اختلفوا فى التعيين ، ولم يزالوا على ذلك مع كانوا عليه من الخشونة فى الدين ، والصلابة فى تأسيس القواعد ، وتصحيح العقائد ، غير مرتقبين فى ذلك لومة لائم ، ولا عذل عاذل ، حتى بادر بعضهم إلى قتل الأهل ، والأقارب فى نصرة الدين وإقامة كلمة المسلمين ، والعقل من حيث العادة يحيل تواطؤ مثل هؤلاء القوم على وجوب ما ليس بواجب ، لا سيّما مع ما ورد به الكتاب ، والسنة من تزكيتهم ، والإخبار عن عصمتهم ، على ما سبق تحقيقه فى قاعدة النظر (٣).

ثم جرى التابعون على طريقتهم ، واتباع سنتهم ، ولم يزل الناس على ذلك فى كل عصر ، وزمان إلى زمننا هذا من إقامة الأئمة ، ونصب إمام متبع ، فى كل عصر (٤) وحكمة ذلك ، أنا نعلم علما يقارب الضّرورة ، أنّ مقصود الشّارع من أوامره ، ونواهيه فى جميع موارده ، ومصادره وما شرعه من الحدود ، والمقاصات وعقود المعاملات ، والمناكحات ،

__________________

(١) ساقط من (أ).

(٢) قارن ما ورد هنا من خطبة أبى بكر رضي الله عنه بما ورد فى نهاية الأقدام للشهرستانى ص ٤٧٩ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٧٩.

(٣) انظر ما سبق فى القاعدة الثانية : فى النظر وما يتعلق به ل ١٥ / ب وما بعدها.

(٤) قارن بنهاية الأقدام ص ٤٧٨ وما بعدها ، وغاية المرام ص ٣٦٥ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٧٩.

١٢٣

وأحكام الجهاد ، وإظهار شعائر الإسلام فى أيام الجمع ، والأعياد ، إنّما كان لمصالح الخلق ، والأغراض عائدة إليهم ، معاشا ومعادا ، وذلك مما لا يتم دون إمام مطاع ، وخليفة متّبع ، يكون من قبل الشارع بحيث يفوضون أزمتهم ، فى جميع أمورهم إليه ، ويعتمدون فى جميع أحوالهم عليه. فإنهم بأنفسهم مع ما هم عليه من اختلاف الأهواء ، وتشتّت الآراء ، وما بينهم من العداوة ، والشحناء ، قلّما ينقاد بعضهم لبعض ، وربما أدّى ذلك إلى هلاكهم جميعا (١).

ويشهد بذلك وقوع الفتن ، واختلاف الأمم ، عند موت ولاة الأمر ، من الأئمة إلى حين نصب إمام آخر ، بحيث لو / / تمادى الحال ، فى إقامته لكثرت الاختلافات ، وبطلت المعيشات ، وعظم الفساد فى العباد ، وصار كلّ مشغولا بحفظ نفسه ، وماله تحت قائم سيف / وذلك مما يفضى إلى رفع الدين ، وهلاك الناس أجمعين ، ومنه قيل «الدين اس والسلطان حارس ، والدين والسلطان توأمان» ، فإذن نصب الإمام من أتم مصالح المسلمين ، وأعظم مقاصد الدين ، وهو حكمة الإيجاب السمعى (٢).

فإن قيل : لا نسلم تصوّر انعقاد الإجماع ، وإن سلّمنا ذلك ، ولكن لا نسلّم أنّ الإجماع حجة ، ولا نسلّم صحّة التّواتر ، وتقرير كل واحد مما سبق فى قاعدتى النظر ، والنبوات (٣).

وإن سلمنا أن الإجماع حجة ، وأن التواتر يفيد العلم ؛ ولكن لا نسلم وجود الإجماع فيما نحن فيه ، وما المانع أن يكون ثمّ نكير ، وأن الموافقة لم تتحقق إلّا من آحاد المسلمين (٤).

والّذي يدل على ذلك ، قول عمر ـ رضى الله عنه ـ «ألا إن بيعة أبى بكر كانت فلتة وقى الله شرها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه» (٥) ؛ أى بايعت أبا بكر من غير مشورة ؛ وقى الله شرها ؛ فلا نعود إلى مثلها.

__________________

(١) قارن ما ورد هاهنا بما ورد فى غاية المرام ص ٣٦٦ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٧٩ وما بعدها.

وانظر أصول الدين ص ٢٧١ ، ونهاية الأقدام ص ٤٧٨ ، والأربعين للرازى ص ٤٢٨.

/ / أول ل ١٥١ / ب.

(٢) قارن بغاية المرام ص ٣٦٦ ، ونهاية الأقدام ص ٤٧٨.

(٣) قاعدة النظر : هى القاعدة الثانية : انظر ما سبق فى الجزء الأول ـ ل ١٥ / ب وما بعدها.

أما النبوات : فى القاعدة الخامسة. انظر ما سبق فى الجزء الثانى ـ ل ١٣٨ / أ. وما بعدها.

(٤) انظر هذا الاعتراض والرد عليه أيضا فى الإحكام فى أصول الأحكام للآمدى ١ / ١٩٩ وما بعدها.

(٥) فى صحيح البخارى ٨ / ٢١٠ قريب من هذا النص.

١٢٤

كيف وأن الإجماع لا بدّ وأن يعود إلى مستند من الكتاب ، والسّنة ولو كان له مستند لقد كانت العادة تحيل أن لا ينقل مع توفّر الدّواعى على نقله ، فحيث لم ينقل مستنده ، علم أنه غير واقع فى نفسه.

سلمنا دلالة ما ذكرتموه على وجوب نصب الإمام ، غير أنه معارض بما يدل على عدمه وبيانه من ثلاثة أوجه : ـ

الأول : أنّ نصب الإمام لو كان واجبا ؛ فإما أن يكون واجبا على الله ـ تعالى ، أو على العبيد ، الأول : محال ؛ لما سبق فى التعديل والتجويز (١).

وإن كان الثانى : فإمّا أن يكون ذلك لفائدة ، أو لا لفائدة.

فإن كان لا لفائدة : فهو عبث ، والعبث لا يكون واجبا.

وإن كان لفائدة ؛ فإما أن ترجع إلى الله ـ تعالى ـ أو إلى العبيد.

الأول : محال ؛ لأن الله ـ تعالى ـ ويتقدّس عن الأغراض ، والضرر ، والانتفاع ، وإن عادت إلى العبيد فإما دينيّة ، أو دنيويّة.

فإن كانت دينيّة ، فإمّا معرفة الله ـ تعالى ـ على ما قاله الملاحدة.

أو لإقامة القوانين الشّرعية كما قاله الإماميّة. والأول محال لأن العقل كاف فى معرفته ، ومعرفة جميع القضايا العقلية ، ولا حاجة إلى تعريف ذلك بالإمام (٢).

والثانى ممتنع لوجهين :

ـ الأول : أنه يكفى فى معرفة ذلك كتاب الله ـ تعالى ـ وسنة رسوله على ما [جرت] (٣) العادة به فى زمن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلى وقتنا هذا.

الثانى : أنه ما من مسألة اجتهادية ، إلّا ويجوز لكل واحد من المجتهدين أن يخالفه فيها بما يؤدى إليه اجتهاده ، فكيف يكون واجب الطّاعة ، مع جواز المخالفة ، ولا يكون فى نصبه فائدة /

__________________

(١) انظر ما سبق فى القاعدة الرابعة ل ١٧٤ / ب وما بعدها.

(٢) قارن بما ذكره القاضى عبد الجبار فى المغنى ٢٠ / ٣٤ من القسم الأول.

(٣) ساقط من أ.

١٢٥

وإن كانت دنيوية فهو أيضا ممتنع لوجهين : ـ

الأول : أن تعاون الناس على أشغالهم ، وتوفرهم على إصلاح أحوالهم فى دنياهم مما تحدوهم إليه طباعهم ، وأديانهم ؛ فلا حاجة لهم إلى الإمام ، ومن يتحكم عليهم فيما يستقلون به ، ويهتدون إليه دونه ، ويدل على ذلك انتظام أحوال البوادى والعربان ، الخارجين عن حكم السلطان (١).

الثانى : هو أن الانتفاع بالإمام فى هذه الأمور فرع الوصول إليه ، ولا يخفى تعذر ، وصول آحاد الرعية إليه ، فى كل ما يعنّ له من الأمور الدنيوية عادة ؛ فلا يكون نصبه مفيدا (٢).

الوجه الثانى : هو أن نصب الإمام مما يفضى إلى الإضرار بالمسلمين ، والإضرار منفى بقوله ـ عليه‌السلام ـ «لا ضرر ولا ضرار فى الإسلام» (٣) ، وبيان لزوم الإضرار من ثلاثة أوجه

الأول : أنه قد يستنكف عنه بعض الناس : كجارى العادة فى السّلف ، وهلم جرا ؛ وذلك مما يفضى إلى الفتن ، والاختلاف ، وهو إضرار (٤).

الثانى : هو أن الإمام من نوع الرعيّة ، وتولية الإنسان على من هو مثله تحكم عليه فيما يهتدى ، وما لا يهتدى إليه ، إضرار به لا محالة.

والثالث : أن الإمام إما أن يكون معصوما ، أو لا يكون معصوما ، القول بالعصمة ممتنع على ما يأتى ، وإن لم يكن معصوما ، تصوّر عليه الكفر والفسوق.

وعند ذلك : إن لم يعزل تعدى ضرر كفره ، أو فسقة إلى الأمة ، وإن عزل احتيج فى عزله إلى إثارة الفتنة ، وهو إضرار على ما لا يخفى.

__________________

(١) قارن بما ورد فى غاية المرام للآمدى ص ٣٦٩. وبما ورد فى المغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ١٦. ونهاية الأقدام للشهرستانى ص ٤٨١ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٨٠ وما بعدها.

(٢) قارن بشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٨١. وقارن بما ورد فى الأربعين للرازى ص ٤٢٩.

(٣) ذكره السيوطى فى الجامع الصغير بلفظ «لا ضرر ولا ضرار» وقد حكم الشوكانى بصحة هذا الحديث فى نيل الأوطار ٥ / ٣٨٥.

(٤) قارن بشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٣٨١.

١٢٦

الوجه الثالث : هو أن الإمام له شروط قلما توجد فى / / كل عصر.

وعند ذلك فإن أقام الناس إماما اختل فيه شرط من شروط الإمامة فما فعلوا الواجب ، وإن لم يقيموه ، فقد تركوا الواجب ، واجتماع الأمة على ترك الواجب محال ، وهذه المحالات إنما لزمت من القول بوجوب نصب الإمام ؛ فلا وجوب (١).

نعم إن أدّى اجتهادهم إلى إقامة أمير ، أو رئيس عليهم ، يتقلد أمورهم ويرتّب جيوشهم ، ويحمى حوزتهم ، ويأخذ على أيدى السفهاء منهم ، وينتصف للمظلوم من الظّالم ، ويقوم بذلك كله على وجه العدل والإنصاف ، فلهم ذلك من غير أن يلزمهم بذلك حرج فى الشرع أصلا (٢).

والجواب : أمّا منع تصوّر انعقاد الإجماع ، ومنع كونه حجة ، ومنع التّواتر وإفضائه إلى العلم ؛ فقد سبق جوابه ، وإبطال كل ما يرد عليه فى قاعدتى النظر والنبوات (٣).

قولهم : لا نسلم وجود الاجماع فيما نحن فيه.

قلنا : دليله ما سبق.

قولهم : يحتمل أن يكون ثمّ / نكير.

قلنا : لو وجد النّكير فى مثل هذا الأمر العظيم لنقل ، فإن العادة تحيل عدم نقل مثل هذه الأمور على ما تقدم. وقول عمر ـ رضى الله عنه ـ ليس فيه ما يدل على انتفاء وقوع [الإجماع] (٤) على وجوب نصب الإمام ؛ بل غايته الدلالة على كون بيعة أبى بكر ، وتعيينه بالعقد مما وقع فلتة بغتة ، وليس فيه أيضا دلالة على انتفاء وقوع الإجماع ، على تعيين أبى بكر ؛ فإنه لا مانع من وقوع الإجماع على ذلك بغته ، وإن قدّر الاختلاف فى التعيين أولا (٥).

قولهم : لو وجد الإجماع ؛ لنقل مستنده من الكتاب أو السنة.

__________________

/ / أول ل ١٥٢ / أ.

(١) قارن بما ورد فى المغنى ٢٠ / ٥٠ وما بعدها ، وبشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٨٢.

(٢) قارن بما ورد فى غاية المرام ص ٣٦٩ ، وبما ورد فى شرح المواقف ص ٢٨١ وما بعدها الّذي تأثر به ، والمغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ٨٩ وما بعدها.

(٣) عن قاعدة النظر ارجع إلى الجزء الأول ل ١٥ / ب وما بعدها. أما قاعدة النبوات فارجع إلى الجزء الثانى ل ١٢٨ / أوما بعدها.

(٤) ساقط من أ.

(٥) قارن ما ذكره الآمدي هاهنا بما ذكره فى غاية المرام ص ٣٧٣ وبما ذكره فى الإحكام فى أصول الأحكام ٢ / ٤١ وما بعدها.

١٢٧

قلنا : إنما يلزم نقل مستند الإجماع أن لو دعت الحاجة إليه ، وتوفرت الدواعى على نقله ، وليس كذلك ؛ فإنه مهما تحقق الاتفاق ، واستقام الوفاق من الأمة على شيء ؛ فقد وجب اتباعه ووقع الاستغناء به عن مستنده ، ولم يبق النظر إلّا فى موافقته ومخالفته (١).

ومع عدم الحاجة [إلى] (٢) النظر فى المستند ، لم تنصرف البواعث إلى نقله ، ولم تتوفر [الدواعى] (٢) على إشاعته ؛ فلا يكون عدم نقله قادحا فى الإجماع ، كيف وأنه لا يبعد أن يكون مستند الإجماع من قبيل ما لا يمكن نقله ، بأن يكون من قرائن الأحوال التى لا يمكن معرفتها ، إلّا بالمشاهدة ، والعيان لمن كان فى زمن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (٣).

قولهم : لو كان نصب الإمام واجبا ، إما أن يكون واجبا على الله تعالى ، أو على العبيد.

قلنا : قد بيّنا استحالة الوجوب على الله ـ تعالى ـ فى التعديل والتجوير (٤) ؛ بل إنّما هو واجب على العبيد (٥).

قولهم : إمّا أن يكون ذلك لفائدة ، أو لا لفائدة. ما المانع أن يكون لا لفائدة؟

قولهم : لأنه يكون عبثا ؛ فقد سبق أيضا جوابه فى التعديل والتجوير (٦) وإن سلمنا أنه لا بدّ وأن يكون لفائدة ، فما المانع من عودها إلى العبيد.

قولهم : إما أن تكون دينية أو دنيوية (٧).

قلنا : ما المانع من كونها دينية.

قولهم : إما أن تكون عائدة إلى معرفة الله تعالى ، أو معرفة القوانين الشرعية ، لا نسلم الحصر ، وما المانع أن تكون الفائدة الدينية راجعة إلى توفر الناس على العبادات

__________________

(١) قارن ما ذكره الآمدي هاهنا بما ذكره فى غاية المرام ص ٣٧٣ ثم قارنه بما ورد فى المغنى فى أبواب التوحيد والعدل ٢٠ / ٣٩.

(٢) ساقط من «أ».

(٣) قارن ما ذكره الآمدي هاهنا بما ذكره فى غاية المرام ص ٣٧٣.

(٤) راجع ما سبق فى الجزء الأول ل ١٨٦ / أوما بعدها.

(٥) قارن ما أورده الآمدي هاهنا بما ذكره صاحب المغنى ٢٠ / ٢٧ والإمام الرازى فى الأربعين ص ٤٢٩.

(٦) انظر ما سبق فى القاعدة الرابعة ل ١٧٤ / ب وما بعدها.

(٧) قارن بالمغنى ٢٠ / ٣٩ وما بعدها.

١٢٨

التى خلقوا لها على ما قال تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (١) ، وذلك يسبب طمأنينة قلوبهم ، وأمنهم من المخاوف المندفعة بنصب الإمام. والفتن المتوقعة بتقدير عدمه على ما هو المألوف المعروف ، والعادة الجارية عند موت الولاة والأئمة إلى حين نصب إمام متبع ، وخليفة مطاع ، أو أن الفائدة إقامة شعائر الدين من إقامة الجمع ، والأعياد التى لا تتم فى الغالب بغير الإمام.

وإن سلمنا امتناع كون / الفائدة دينية ـ فما المانع من كونها دنيويّة ، وما ذكروه فى الوجه الأول من أن طباع الناس تحدوهم على التعاون على ما يصلح أحوالهم.

قلنا : هذا وإن كان ممكنا فى العقل ، غير أنه بالنظر إلى العادة الجارية والسنّة المطردة ممتنع ، بدليل ما ذكرناه من ثوران الفتن ، وكثرة الاختلاف فى أوقات موت ولاة الأمر (٢).

ولهذا صادفنا العربان ، والخارجين عن حكم السلطان ، كالذئاب الشاردة ، والأسود الضارية ، لا يبقى بعضهم على بعض ، ولا يحافظ فى الغالب على سنّة ولا فرض ، ولم تكن طباعهم ، ودواعيهم إلى صلاح أمورهم وتشوّفهم إلى العمل بموجب دينهم كاف عن السلطان. ولهذا قيل : «إن السيف والسنان / / قد يفعلان ما لا يفعله البرهان» (٣)

وعلى هذا فقد خرج الجواب عما ذكروه من الوجه الثانى ، فى تقرير امتناع كون الفائدة دنيوية.

قولهم : إنه يلزم من نصب الإمام الإضرار على ما قرروه مسلم ، غير أن الإضرار اللازم من تركه أكثر ؛ لما بيناه ؛ فكان دفع الضرر الأعظم أولى.

ويخص الوجه الثالث جواب آخر ؛ وهو أن تركهم لنصب الإمام بتقدير أن لا يجدوا من هو متصف بشروط الإمامة ، إنّما يلزم منه المحذور ، وترك الواجب أن لو تركوه اختيارا مع تحقق شروط الإمامة فى حقه ، وأما إذا تركوا نصب الإمام لعدمه اضطرارا ؛ فلا.

__________________

(١) سورة الذاريات ٥١ / ٥٦.

(٢) قارن ما أورده الآمدي هاهنا بما أورده فى غاية المرام ص ٣٧٤ وقارن بشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٨٢.

/ / أول ل ١٥٢ / ب.

(٣) استشهد به صاحب المواقف أيضا انظر شرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٨٢.

١٢٩

الطرف الثانى : فى بيان امتناع الوجوب عقلا : ـ

ودليله ما أسلفناه فى قاعدة النظر (١) ، اللهم إلّا أن يعنى بكونه واجبا عقلا ، أن فى نصب الإمام فائدة وفى تركه مضرة ؛ فلا مشاحة فى اللفظ.

الطرف الثالث : فى بيان امتناع إيجاب ذلك على الله تعالى :

ودليله أيضا ، ما سبق من امتناع إيجاب شيء على الله ـ تعالى ـ فى التعديل والتجوير (٢).

فإن قيل : نصب الإمام لطف من الله تعالى بالعبيد ، واللطف واجب على الله ؛ فكان نصب الامام واجبا على الله تعالى.

وانما قلنا : إن نصب الامام لطف من الله ـ تعالى ـ بالعبيد ؛ لأنا لا نعنى بكونه لطفا بهم غير أن الله ـ تعالى ـ يعلم أنّ حال المكلّفين بتقدير نصب الإمام يكون أقرب إلى فعل الطّاعات ، واجتناب المعاصى مما إذا لم يكن.

وإذا عرف معنى اللطف ، فلا يخفى أن الأمة إذا كان لهم إمام مهيب يمنعهم عن المعاصى ويحثهم على الطاعات ، أن حالهم يكون أقرب إلى فعل الطاعات ، وأبعد عن ارتكاب المعاصى مما إذا لم يكن ؛ وذلك معلوم بالضّرورة من مجارى العادات ؛ فإذن نصب الإمام يكون لطفا من الله تعالى بالعبيد (٣).

/ وإنما قلنا إنّ اللّطف واجب على الله ـ تعالى ـ وذلك لأن الله ـ تعالى ـ مريد للطاعات من العبيد ، وكاره للمعاصى منهم ، فإذا علم أن فعلهم للطاعات واجتنابهم للمعاصى ، متوقّف على نصب الإمام ، فإرادة نصب الإمام تكون لازمة لإرادة الطّاعات منهم ؛ لأنّ إرادة الشّيء ، إرادة لما لا يتم ذلك الشّيء إلّا به ، ولا معنى لإيجابه على الله ـ تعالى ـ إلّا هذا.

فنقول : أولا ، لا نسلم أن نصب الإمام لطف بالعبيد.

قولهم : إنّ حال العبيد عند نصب الإمام ، يكون أقرب إلى فعل الطّاعات.

__________________

(١) انظر الجزء الأول من أبكار الأفكار فى أصول الدين ل ١٥ / ب وما بعدها.

(٢) انظر المصدر السابق ل ١٧٤ / ب وما بعدها.

(٣) قارن بما ورد فى المغنى ٢٠ / ٢٢ وما بعدها ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٨٣ وما بعدها.

١٣٠

فنقول : المسلم كونه أقرب إلى فعل الطاعات ، إنما هو نصب إمام ظاهر ، قاهر يرجى ثوابه ، ويخشى عقابه ، على ما هو المعروف من العادة.

وأمّا إمام خفىّ لا يعرف ؛ فلا نسلم أنّ نصبه يكون لطفا.

وعلى هذا فما فيه اللّطف ؛ فالخصوم لا يوجبونه ، والّذي يوجبونه ، لا لطف فيه ؛ فيمتنع إيجابه (١).

سلّمنا أن نصب الإمام أقرب إلى فعل الطّاعات مطلقا ، غير أنّ ذلك مما لا يوجب نصب الإمام على الله ـ تعالى ـ ولهذا فإنّا نعلم أن حصول الطاعات بتقدير نصب قضاة معصومين ، وجيوش معصومين ، مع نصب الإمام يكون أقرب ؛ بل حصول ذلك بتقدير عصمة الأمة أيضا يكون أقرب ؛ بل ومع ذلك فإنه لا يجب على الله ـ تعالى ـ شيء من ذلك بالاتفاق ، والدليل المنقوض لا يكون صحيحا.

سلمنا أن نصب الإمام أقرب إلى فعل الطّاعات ، وأنه صالح لإيجاب نصب الإمام على الله ـ تعالى ـ لكن بتقدير وجوب الطّاعات ، وما من زمان إلّا ويتصوّر خلوه عن التّكاليف الشّرعية بالاتفاق ، فالقول بجواز خلوّ الزّمان عن وجوب نصب الإمام لأجل الطّاعات أولى.

وعلى هذا فقد امتنع القول بوجوب نصب الإمام فى كل زمان على ما قالوه. وربّما قالوا فيه وجوها أخرى مدخولة لا حاجة إلى ذكرها.

__________________

(١) قارن هذا الرد بما ورد فى الأربعين للرازى ص ٤٣٠ ، والمغنى ٢٠ / ٤٢ وما بعدها وغاية المرام ص ٣٨٤ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٨٣ وما بعدها.

١٣١

الفصل الثانى

فيما يثبت به كون الإمام إماما (١)

وقد اتّفق المسلمون على أنّ ذلك لا يخرج عن التّنصيص ، والاختيار والدّعوة إلى الله ـ تعالى ـ ممّن هو أهل للإمامة ، مع اتفاقهم على أنّه لو وجد التنصيص من الرسول ـ عليه‌السلام ـ على شخص ، أو من الإمام ثبت كون المنصوص عليه إماما ، ثم اختلفوا بعد ذلك.

فذهبت الامامية ، وأكثر طوائف الشّيعة : إلى أنّه لا طريق غير التّنصيص من الرّسول ، أو الإمام (٢).

وذهبت الأشاعرة ، والمعتزلة ، وجميع أهل السنة والجماعة والسّليمانية والبترية من الزّيدية : إلى / / أن الاختيار أيضا طريق فى إثبات كون الإمام إماما (٣). وذهبت / الجارودية من الزّيديّة : إلى أنّ الإمامة فى ولد الحسن ، والحسين شورى ، فمن خرج منهم داعيا إلى الله ـ تعالى ـ وكان عالما فاضلا ؛ فهو إمام (٤).

وقد اتفق أصحابنا ، والمعتزلة ، والإمامية : على إبطال هذا الطريق غير الجبائى (٥).

والمعتمد لأصحابنا أنهم قالوا : قد ثبت أنّ نصب الإمام بعد النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ واجب شرعا ، وقد أجمعت الأمة على أن طريق إثبات كون الإمام إماما لا يخرج عن النّص ، والاختيار ، والدّعوة ، والقول بالتنصيص والدعوة ممتنع : فتعين

__________________

(١) لمزيد من البحث والدراسة بالإضافة إلى ما أورده الآمدي هاهنا :

انظر التمهيد للباقلانى ص ١٦٥ ، وأصول الدين للبغدادى ص ٢٧٩.

والأربعين للرازى ص ٤٣٣. وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٩٠ وما بعدها.

(٢) انظر ما سبق فى القاعدة السابعة ـ الفصل الرابع ل ٢٥٢ / أوما بعدها.

/ / أول ل ١٥٣ / أ.

(٣) قارن بما ورد فى شرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٩٠ وما بعدها.

(٤) انظر ما سبق عن الجارودية فى القاعدة السابعة ـ الفصل الرابع ل ٢٥١ / ب وما بعدها. وقارن بما ورد فى شرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٩٤.

(٥) انظر عن رأى الجبائى ما سبق فى القاعدة السابعة ـ الفصل الرابع ل ٢٤٦ / ب وما بعدها.

١٣٢

القول بالاختيار (١). وإلّا كان إجماع الأمّة على الحصر فى الطرق الثلاثة خطأ ؛ وهو ممتنع (٢).

وبيان أنّ القول بالدّعوة ممتنع : وذلك لأنّه لو وجد من ولد الحسن ، أو الحسين اثنان عالمان ، فاضلان يدعوان إلى الله ـ تعالى ـ وإلى سبيله فى زمان واحد فى بلد واحد ، فإما أن تكون الإمامة فيهما ، أو فى أحدهما ، أولا فى واحد منهما.

الأول : محال مخالف للإجماع.

والثانى : أيضا محال ؛ لعدم الأولويّة ، فلم يبق إلّا الثالث : وهو المطلوب.

وأما أن القول بالتّنصيص باطل : وذلك لأنه لو نصّ النبي ـ عليه‌السلام ـ على أحد ، لم يخل إما أن يكون ذلك التنصيص بمشهد جماعة يتصور عليهم التواطؤ على الخطأ ، أو لا يتصور. عليهم التواطؤ على الخطأ ،

فإن كان الأول : فلا حجّة فيه بالإجماع منّا ، ومن الخصوم.

فأما نحن : فإنّا لا نرى أن خبر من يتصور عليه الخطأ حجة فى عظائم الأمور ، والإمامة من عظائم الأمور على ما يأتى (٣).

وأما عند الخصوم : فلأن خبر الواحد عندهم ومن يتصوّر عليه الخطأ لا يوجب علما ، ولا عملا ، ولا يحصل ذلك من غير خبر الإمام المعصوم. وسيأتى الكلام فى إبطال عصمة الإمام (٤).

وإن كان القسم الثانى : وهو أن التّنصيص كان بمشهد من جماعة تقوم الحجة بقولهم ، ولا يتصوّر عليهم التواطؤ على الخطأ ؛ فالعادة تحيل تواطؤ الكل على عدم نقله ؛

__________________

(١) قارن ما أورده الآمدي هنا بما ورد فى التمهيد للباقلانى ص ١٦٤.

وأصول الدين للبغدادى ص ٢٧٩ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس. ص ٢٩٠ وما بعدها.

(٢) لأن مجموع الأمة معصوم عن الخطأ. قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «لا تجتمع أمتى على الضلالة» انظر عن عصمة الأمة ـ ما مر فى الجزء الأول القاعدة الثانية : فى النظر وما يتعلق به ل ٢٧ / أ.

(٣) قارن رأى الآمدي فى خبر الواحد بما ورد بالتمهيد للباقلانى ص ١٦٤ وما بعدها

والإرشاد للجوينى ص ٢٣٢ وما بعدها ، وأصول الدين للبغدادى ص ١٢ وما بعدها وقارن بما ورد فى المغنى ٢٠ / ١٢١ وما بعدها.

(٤) انظر ما سيأتى ل ٢٨٥ / ب وما بعدها.

١٣٣

فيمتنع عليهم أن لا ينقلوه ، وإلّا لكانوا مخطئين بكتمان نص الرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو محال مخالف للفرض (١).

وأيضا : فإن التّنصيص على الإمام من عظائم الأمور ، وإنما قلنا ذلك لأنّ الدين من عظائم الأمور ، والتنصيص على الإمامة إثبات رئاسة فى الدّين ، والدّنيا ؛ فكانت من عظائم الأمور ، وإذا كانت من عظائم الأمور ، فلو جرى التنصيص بمشهد من جماعة يحصل التواتر بخبرهم ، فالعادة تحيل عدم نقله ، وإخفائه ، كما لو جرى بمشهد من الحجيج ، أو أهل الجامع قتل ملك ، أو فتنة / عظيمة ؛ فإنّ العادة تحيل أن لا ينقلوه ، ولو نقلوه. فإمّا أن ينقله واحد ، أو جماعة (٢).

فإن كان الأول : فخبره أيضا ليس بحجة ؛ لأنّ انفراده بمثل هذا الخبر العظيم دون الجماعة يدل على كذبه ، كما لو أنفرد الواحد بنقل قتل الملك العظيم فى الجامع يوم الجمعة دون أهل الجمعة (٣).

وإن كان الثّاني : فيلزم أن يكون ذلك شائعا ، ذائعا فيما بين النّاس ؛ وهو محال.

وبيانه من خمسة أوجه :

الأول : هو أن الناس بعد موت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، اختلفوا ، حتى اختلف المهاجرون ، والأنصار ، وتفاخروا فيما بينهم ، وقال الأنصار «منّا أمير ، ومنكم أمير» (٤) ، ولو كان ثم من هو منصوص عليه من جهة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ مع اشتهاره كما سبق ؛ لكانت العادة تحيل أن لا ينكر أحد من الصّحابة ، هذا الاختلاف ، وأن يقول : هذا الاختلاف لما ذا ، وفلان منصوص عليه؟

__________________

(١) قارن بما ورد فى غاية المرام للآمدى ص ٣٧١. وقارن بما ورد فى التمهيد ص ١٦٥ ونهاية الاقدام ص ٤٨٠ وما بعدها.

(٢) قارن هذا الرد بما ورد فى التمهيد للباقلانى ص ١٦٥ ، والإرشاد للجوينى ص ٢٣٧.

(٣) قارن بالإرشاد ص ٢٣٦ للجوينى.

(٤) انظر فى هذا القول صحيح البخارى ٥ / ٨ والقائل هو الحباب بن المنذر الأنصارى حيث قال : «منا أمير ومنكم أمير يا معشر قريش».

١٣٤

الثانى : أنه لما قال أبو بكر «بايعوا أحد هذين الرجلين : إما عمر. واما أبا عبيدة» (١). فقال عمر : «لأن أقدّم فأنجم كما ينجم البعير ، أحب إلى من أن أتقدم قوما فيهم أبو بكر» (٢).

وقال عمر لأبى عبيدة «امدد يدك أبايعك».

فقال أبو عبيدة : ما لك حجة فى الإسلام غير أن تقول هذا وأبو بكر حاضر ، ثم قال لأبى بكر : أنت صاحب رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى المواطن كلها شدتها ورخائها ، قدمك رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى الصلاة فمن يؤخرك؟.

فقال عمر : أيكم يطيب نفسا أن يتقدم قدمين قدّمهما رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى (٣) [الصلاة] (٤) فخصّوه بالإمامة. ولو كان ثم نص مشهور على أحد ؛ لما وقع هذا الاختلاف.

الثّالث : أنّ أبا بكر قال : «لقد وددت أننى سألت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عن هذا الأمر فيمن هو ؛ فكنا لا ننازعه أهله» (٥).

وقال عمر «إن استخلف / / فقد استخلف منى هو خير منى ـ يعنى أبا بكر ـ وإن أترك ؛ فقد ترك من هو خير منى : يعنى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ (٦) ، حيث أنه لم يستخلف أحدا ، ولو كان النص من النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على أحد مشهور ، لما أمنا تكذيبهما ، ولما أقدما على ما قالاه من غير ضرورة.

الرابع : قول عليّ كرّم الله وجهه «أترككم كما ترككم رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، فإن يعلم الله فيكم خيرا جمعكم على خيركم ؛ كما جمعنا على خيرنا» (٧) يعنى : أبا بكر ، وذلك يدل على عدم التنصيص من النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

الخامس : أنه لمّا مرض رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، قال العبّاسى لعليّ كرّم الله وجهه : «أنا أعرف الموت فى وجوه بنى عبد المطلب ، وقد عرفت الموت فى

__________________

(١) هذه الأقوال. اختلفت المصادر فى ذكرها بالزيادة والنقصان والتغيير انظر عنها صحيح البخارى ٥ / ٨ وما بعدها ، وسيرة ابن هشام ٤ / ٢٢٧ وما بعدها وتاريخ الطبرى ٣ / ٢٠٢ وما بعدها.

(٢) هذه الأقوال. اختلفت المصادر فى ذكرها بالزيادة والنقصان والتغيير انظر عنها صحيح البخارى ٥ / ٨ وما بعدها ، وسيرة ابن هشام ٤ / ٢٢٧ وما بعدها وتاريخ الطبرى ٣ / ٢٠٢ وما بعدها.

(٣) هذه الأقوال. اختلفت المصادر فى ذكرها بالزيادة والنقصان والتغيير انظر عنها صحيح البخارى ٥ / ٨ وما بعدها ، وسيرة ابن هشام ٤ / ٢٢٧ وما بعدها وتاريخ الطبرى ٣ / ٢٠٢ وما بعدها.

(٤) ساقط من «أ».

(٥) فى الطبرى ٣ / ٤٣١ «وددت أنى كنت سألت رسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لمن هذا الأمر ، فلا ينازعه فيه أحد».

/ / أول ل ١٥٣ / ب.

(٦) قارن به مسند الإمام أحمد ١ / ٣٢٢ ، وصحيح البخارى ٩ / ١٠٠.

(٧) قارن بما ورد فى طبقات ابن سعد ٣ / ٣٤ ، وصحيح مسلم ٦ / ٤ ، ٥.

١٣٥

وجه رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فادخل بنا لنسأله عن هذا الأمر فإن كان / لنا بيّنه ، وإن كان لغيرنا وصّى الناس بنا» (١) ولو كان النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قد نصّ على أحد ؛ لكان العبّاس وعليّ أعرف به من غيرهما ، ولا يمكن أن يكون المراد من قول العباس استعلام بقاء الأمر له. فإنّ قوله «لنا ، أو لغيرنا» ظاهر فى الاستحقاق لا فى استدامة المستحق ؛ فحمله على معرفة الاستدامة تكون خلاف الظاهر.

فإن قيل : سلّمنا أن التّنصيص على الإمام من عظائم الأمور ؛ ولكن لا نسلّم أن وقوع ذلك بمشهد من الجمع الكثير مما يوجب اشتهاره ، وتواتره.

وبيانه : هو أن إقامة الصّلاة من الأمور العظيمة ، ومن قواعد الدين ، وقد وقعت فى زمن الرّسول بمشهد من كل الصّحابة فى كل يوم ، وليلة خمس مرات طول حياة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ومع ذلك فلم تنتشر ولم تتواتر حتى وقع الخلاف فى عدد كلماتها ، وأنها مثنى ، أو فرادى ، وكذلك انشقاق القمر ، وفتح مكة عنوة [أو صلحا] (٢) ، وكون البسملة من القرآن فى أول كل سورة ، من عظائم الأمور ، وقد وقع بمشهد من الخلق ، ولم ينتشر حتى وقع الخلاف فى جميع ذلك.

سلّمنا أن ما وقع من الأمور العظيمة بمشهد من الخلق الكثير لا بدّ وأن يتواتر ، وينتشر ، ولكن متى إذا وجد الدّاعى لهم إلى الكتمان من منفعة عظيمة [أو مضرة عظيمة] (٣) تلحقهم من الإشاعة ، أو إذا لم يوجد؟ الأول : ممنوع ، والثانى مسلم ، فلم قلتم إن الدّاعى إلى الكتمان لم يوجد.

ثم بيان احتمال الدّاعى إلى الكتمان أنه من الجائز أنهم اعتقدوا وجود ناسخ للنصّ ، وبتقدير اعتقادهم صحّة النّصّ فيمكن أن يكون الدّاعى إلى كتمانه عداوة سابقة ، أو أنّهم حسدوه على تميّزه بتأميره عليهم ، وذلك غير ممتنع على الذين سمعوا التّنصيص وعلموا صحته ، وبيانه من وجهين : ـ

الأول : أن عدد المستمعين للنّص لا يزيد على عدد قوم فرعون ، وقد قال ـ تعالى ـ فى حقهم : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) (٤) : أى بالآيات التسع التى ظهرت على يد موسى.

__________________

(١) ورد فى تاريخ الطبرى وبه زيادة : «قال على ـ رضي الله عنه ـ والله لئن سألناها رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فمنعناها ؛ لا يعطينا النّاس أبدا ، والله لا أسألها رسول الله أبدا». قارن به شرح نهج البلاغة ١ / ٣٠٩.

(٢) ساقط من «أ».

(٣) ساقط من «أ».

(٤) سورة النمل ٢٧ / ١٤.

١٣٦

الثّاني : أن عددهم لم يكن زائدا على عدد قوم موسى الذين ضلوا بعبادتهم للعجل ، مع علمهم أن العجل لا يكون إلها معبودا.

سلمنا دلالة ما ذكرتموه على صحة الاختيار ، وإبطال التنصيص ؛ ولكنه معارض بما يدل على نقيضه.

بيانه من جهة المعقول ، والمنقول :

أما من جهة المعقول فمن خمسة عشر وجها :

الأول : أن الإمام يجب أن يكون معصوما ، وأن يكون أفضل من رعيته فى كل ما هو إمام فيه ، وأن يكون عالما بكلّ أمور الدّين على ما يأتى تحقيقه / وأن لا يكون كافرا فى نفسه ، وكل ذلك مما لا يعلمه المختارون له ؛ فلا تكون إمامته ثابتة بالاختيار (١).

الثّاني : هو أن المختارين له لا يملكون التصرّف فى أمور المسلمين ؛ ومن لا يملك ذلك لا يملك أن يملّك غيره ذلك (٢).

الثّالث : أن المختار لو أراد أن يجعل غيره نافذ الحكم عليه وحده ، أو على غيره وحده ، لما صح ذلك منه بالإجماع ؛ فلأن لا يصح منه أن يجعل غيره نافذ الحكم عليه ، وعلى غيره مطلقا أولى (٣).

الرابع : أنه لو ثبتت الإمامة بالاختيار ؛ لكان لمن أثبتها إزالتها كما فى التوكيل ، فحيث لم يؤثر الاختيار فى الإزالة دلّ على أنه لا يؤثّر فى الإثبات (٤).

الخامس : أنّ ثبوت الإمامة بالاختيار مما يفضى إلى الفتن ووقوع الاختلاف ، وذلك خلاف المقصود من نصب الإمام.

وبيان لزوم ذلك : أنّ الناس مختلفون فى المذاهب ، والأغراض ؛ فكل يميل إلى عقد الإمامة / / لمن هو على مذهبه ، وموافقة غرضه ؛ وذلك سبب الاختلاف لا محالة (٥).

__________________

(١) قارن هذا الطعن فى الاختيار بما ورد فى المغنى ٢٠ / ١ / ١٠٣ ، ونهاية الأقدام ٤٨٦ ، وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ٢٩٠.

(٢) انظر الرد على هذا الاعتراض فى المغنى ٢٠ / ١ / ٢٧٦ وما بعدها.

(٣) انظر الرد على هذا الاعتراض فى المغنى ٢٠ / ١ / ٣٠٦ وما بعدها.

(٤) انظر الرد على هذا الطعن فى المغنى ٢٠ / ١ / ٣٠٥.

/ / أول ل ١٥٤ / أ.

(٥) انظر الرد على هذا الاعتراض فى المغنى ٢٠ / ١ / ٣٠١ ، وشرح المواقف. الموقف السادس ص ٢٩٠.

١٣٧

السادس : هو أن أحدا من الأمة لا يقدر على توليه من هو أدنى فى الرتبة من الإمامة : كالقضاء والحسبة وغيره ؛ فلأن لا يقدر على تولية الإمامة كان أولى (١).

السابع : [هو] (٢) أنّ الإمام خليفة الله ـ تعالى ـ ورسوله ، فلو ثبتت خلافته باختيار بعض الأمة ؛ لكان خليفة عنهم لا عن الله ورسوله ؛ لأنه لم يكن مستخلفا من جهة الله ورسوله (٣).

الثامن : أنّه لو جاز إثبات الإمامة بالاختيار ؛ لأفضى ذلك إلى خلو بعض الأزمنة عن الإمام ؛ وهو ممتنع.

وبيان ذلك : أنّه إذا مات الإمام فبويع اثنان ، كل طائفة لواحد ، ولم يعلم تقدّم أحدهما ولا وقوعهما معا ، فإنه يمتنع القول بالصحة ؛ لجواز وقوعهما معا ويمتنع القول بالبطلان ؛ لجواز تقدم أحدهما. ويمتنع تعيين أحدهما لعدم الأولوية ، ومع ذلك فيمتنع نصب إمام آخر وذلك مما (٤) يفضى إلى خلو الزمان عن الإمام فى هذه الحالة (٥).

التاسع : هو أن الإمامة ، ولاية عامة ، فلو جاز إثباتها بالاختيار ؛ لجاز إثبات النبوة بالاختيار ، وحيث لم يجز لم تجز (٦).

العاشر : أنّ الإمامة من الأركان العظيمة فى الدّين ، فوجب أن تثبت بالنص لا بالاختيار كما فى الصّلوات الخمس ، وصوم رمضان (٧).

الحادى عشر : هو أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لا يخلو إما أن يقال إنّه كان عالما باحتياج الخلق إلى من يقوم بمهماتهم ، ويحفظ بيضتهم ، ويحمى حوزتهم ، ويقبض على أيدى السّفهاء منهم ، ويقيم فيهم القوانين الشّرعية على وفق ما وردت به الأدلة السّمعية. أو أنه لم يكن عالما بذلك. الثانى : محال إذ هو إساءة ظن بالنبى ـ عليه‌السلام ـ وقدح فى الرّسول. وإن كان الأول : فلا يخفى مبالغته فى التعريف

__________________

(١) انظر الرد على هذا الطعن أيضا فى شرح المواقف ص ٢٩١.

(٢) ساقط من «أ».

(٣) انظر الرد على هذا الطعن فى المغنى ٢٠ / ١ / ٣١٦ وشرح المواقف ص ٢٩٠ الموقف السادس.

(٤) ساقط من ب.

(٥) انظر الرد على هذا الطعن فى المغنى للقاضى عبد الجبار ٢٠ / ١ / ٢٦٨ وما بعدها.

(٦) انظر الرد على هذا الطعن فى المغنى ٢٠ / ١ / ٢٩٨ وما بعدها.

(٧) انظر الرد على هذا الاعتراض فى المغنى ٢٠ / ١ / ١٠٩ وما بعدها.

١٣٨

والتّنصيص / على ما يتعلق بباب الاستنجاء والتيمم وغير ذلك من الأمور التى هى أدنى من الإمامة ؛ فكان التعريف لها ، والتنصيص عليها أولى (١).

الثانى عشر : أنّا نعلم من حال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ أنه كان للأمة فى تدبيره لهم كالوالد لولده. وإليه الإشارة بقوله ـ عليه‌السلام ـ «إنما أنا لكم مثل الوالد لولده» (٢) وإذا كان الوالد يجب عليه الوصية عند موته لمن يسوس أطفاله بعده ؛ فكذلك النبي عليه‌السلام وجب أن يوصى لمن يقوم بأمور أمته بعد موته (٣).

الثالث عشر : قوله تعالى (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (٤) وإنما يكون الدين مكملا أن لو بيّن فيه كل ما يتعلق به ، والإمامة فمتعلقة بالدين ؛ فوجب أن يكون قد بيّنها إما فى كتاب الله ، أو [فى] (٥) سنة رسوله. وعلى كل تقدير فتكون منصوصة.

الرابع عشر : أنّه قد علم من حال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه ما كان يخرج من المدينة إلا ويستخلف فيها على الرعيّة من يقوم بأحوالهم ، وينصّ عليه. ولم يكن ذلك من قبيل ما منه بد وإلّا لوقع الإخلال به ولو مرة واحدة ، فكان لا بدّيا ، وإنما كان كذلك لتعذر سياسته لهم مع الغيبة ؛ فبعد الموت أولى بالاستخلاف (٦).

الخامس عشر : هو أن تعيين الإمام بعد أن ثبت وجوب نصب الإمام لازم لا محالة ، وهو إما أن يستند إلى النّصّ ، أو الاختيار.

لا جائز أن يستند إلى الاختيار ، وإلّا لما وجبت طاعة الإمام على الرعيّة من جهة أن الاختيار لا مستند له ، ولأنه إنما صار إماما بإقامتهم له ؛ فهم أصل بالنسبة إليه ، والأصل لا يجب عليه طاعة التابع ، وإذا بطل القول بالاختيار تعيّن التنصيص (٧).

__________________

(١) قارن هذا الاعتراض والرد عليه بما ورد فى غاية المرام للآمدى ص ٣٨٠.

ونهاية الأقدام للشهرستانى ص ٤٨٦ ؛ ص ٤٩٢.

(٢) والحديث بتمامه «إنما أنا لكم مثل الوالد لولده ، أعلمكم إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها» مسند الإمام أحمد ٢ / ٢٤٧ ، ٢٥٠ ، وسنن ابن ماجه ١ / ١١٤.

(٣) انظر الرد على هذا الاعتراض فى المغنى ٢٠ / ١ / ١٠٢ ، ٣١٧.

(٤) سورة المائدة ٥ / ٣.

(٥) ساقط من أ.

(٦) انظر الرد على هذا الاعتراض فى المغنى ٢٠ / ١ / ١٨١ ، والمواقف فى علم الكلام ص ٤٠٤.

(٧) انظر الرد على هذا الاعتراض فى المغنى ٢٠ / ١ / ٣٠١.

١٣٩

وأما من جهة المنقول : فاعلم أن من قال بالتنصيص فقد اتفقوا على أن المنصوص عليه غير خارج عن أبى بكر ، وعليّ ، والعباسى ، رضى الله عنهم (١).

فأما من قال بأن المنصوص عليه أبو بكر : فقد اختلفوا ، فمنهم من قال : إنه نصّ عليه نصا جليا : كبعض أصحاب الأشعرى ، وبعض أصحاب الحديث (٢).

وذلك ما روى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال «ائتونى بدواة وقرطاس أكتب إلى أبى بكر كتابا لا يختلف فيه اثنان» (٣). ثم إنه قال «يأبى الله ورسوله إلّا أبا بكر» (٤).

وأيضا قوله عليه ـ الصلاة والسلام ـ «اقتدوا باللّذين من بعدى أبى بكر ، وعمر» (٥) ، وذلك يدل على جواز الاقتداء بهما ، وهو نص على إمامة أبى بكر.

وأيضا قوله عليه‌السلام «الخلافة بعدى ثلاثون سنة ثم تصير ملكا» (٦). وذلك تنصيص على خلافة الخلفاء الأربعة على الترتيب ، حيث وقع الأمر كذلك.

ومنهم من قال إن النص / / عليه خفى / : كالحسن البصرى (٧) ؛ وذلك كتقديمه فى الصلاة.

وأما من قال بأنّ المنصوص عليه العبّاس : قال : إن النّصّ فى حقه خفى ، فإنه قد ورد فى حقّه ـ من الأقوال ما يدل على أنّه أحقّ بالإمامة من غيره ، كقوله ـ عليه‌السلام ـ «هو عمّى ، وبقيّة آبائى» (٨). إلى غير ذلك.

وأما من قال بأنّ المنصوص عليه عليّ كرّم الله وجهه : فقد اتفقوا على النّص الخفىّ. واختلفوا فى النّصّ الجلىّ ، فأثبته الإمامية دون الزّيدية.

__________________

(١) قارن ما أورده الآمدي هاهنا بما ورد فى اللمع للأشعرى ص ١٣١ والإبانة له أيضا ص ١٨٨ والمغنى ٢٠ / ١ / ١١٢.

(٢) منهم ابن حزم الظاهرى. انظر الفصل ٤ / ١٠٧.

(٣) ورد بألفاظ متقاربة فى صحيحى البخارى ومسلم. صحيح البخارى ٦ / ١١ وصحيح مسلم ٥ / ٧٦.

(٤) ورد فى مسند أحمد ٤ / ٣٢٢ ، وصحيح مسلم ٧ / ١١٠.

(٥) مسند أحمد ٥ / ٣٨٢ ، وصحيح الترمذي ٥ / ٦٠٩.

(٦) ورد بألفاظ متقاربة فى مسند الإمام أحمد ٥ / ٢٢٠.

/ / أول ل ١٥٤ / ب.

(٧) ومنهم أيضا : ابن أبى العز الحنفى شارح العقيدة الطحاوية ص ٥٥٢ ـ ٥٥٩. قال : «اختلف أهل السنة فى خلافة الصديق رضي الله عنه : هل كانت بالنص ، أو بالاختيار فذهب الحسن البصرى وجماعة من أهل الحديث : إلى أنها ثبتت بالنص الخفى والإشارة ، ومنهم من قال بالنص الجلى. وذهب جماعة من أهل الحديث والمعتزلة والأشعرية إلى أنها ثبتت بالاختيار. والدليل على إثباتها بالنص أخبار» ثم ذكر أكثر من عشرة أحاديث للدلالة على صحة ما ذهب إليه وترجيحه. (شرح العقيدة الطحاوية لابن أبى العز الحنفى من ص ٥٥٢ إلى ص ٥٥٩).

(٨) ورد فى مجمع الزوائد ٩ / ٦٦٩ بلفظ «احفظونى فى العباس فإنه بقية آبائى». وفى رواية أخرى «استوصوا بالعباس خيرا فإنه بقية آبائى فإنما عم الرجل صنو أبيه».

١٤٠