شرح الأصول الخمسة

عبد الجبّار بن أحمد الهمداني الأسدآبادي

شرح الأصول الخمسة

المؤلف:

عبد الجبّار بن أحمد الهمداني الأسدآبادي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار إحياء التراث العربي للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٦٧

يخافون العذاب على الحقيقة ، وإنما خوفهم خوف توقي وحذر ، على ما قاله شيخنا أبو هاشم رحمه‌الله تعالى.

هلا تكون مشاهدة الأدلة والنظر في أحوال القادرين أول الواجبات

فإن قيل : هلا جاز أن تكون مشاهدة الأدلة والنظر في أحوال القادرين أول الواجبات؟ قلنا : المشاهدة مما لا يقف على اختيار المكلف ، بل يحصل على طريقة الوجوب ، والمكلف إذا بلغ كمال العقل لا بدّ من أن يشاهد الأدلة ويعرفها ضرورة فلا يحتاج إلى نظر في ذلك ولا استدلال ، فلو أنه محتاج إلى ذلك فإنا لم نقيد النظر بل أطلقنا وقلنا : النظر في طريق معرفة الله تعالى أول الواجبات ، فحصل من هذه الجملة أن النظر في طريق معرفة الله تعالى أول الواجبات العقلية على المعنى الذي تقدم.

وأما الواجبات الشرعية فعلى ما ذكره رحمه‌الله في الكتاب قسمان : أحدهما ما هو من باب الوصف والقول والعبارة ، والآخر ما هو خارج عن هذا الباب.

أما الأول : فهو كالإقرار بالشهادتين وما يجري هذا المجرى ، والثاني : هو من باب الصلاة والصيام والحج وما شاكل ذلك. وكلا الوجهين متأخر عن معرفة الله تعالى.

أما الصلاة والصيام وغيرهما من العبادات فالشرط فيها إيقاعها على وجه القربة والعبادة ، وذلك لا يحسن إلا بعد العلم بالله وتوحيده وعدله.

وأما الإقرار بالشهادتين فلا شك في أنه متأخر عن معرفة الله تعالى ، لأنا لو خلينا وقضية العقل ما كنا نوجب الإقرار بذلك إلا عند من لحقته تهمة في دينه فهو إذا أمر شرعي ، والتكاليف الشرعية لا شك في تأخرها عن معرفة الله تعالى وتوحيده وعدله ، هذا وجه ومن وجه آخر ، إن الأمر بالشهادتين صورته ، «أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله» وهذا قول يحتمل الصدق والكذب ، متردد بينهما ، فالمقر بهما لا بدّ من أن يكون على بصيرة مما يقربه بحيث لا يجوز خلافه حتى يحسن منه ذلك وإلا قبح.

فقد بان بهذه الجملة مصداق ما قاله رحمه‌الله : أن سائر الشرائع من قول وفعل لا يحسن إلا بعد معرفة الله تعالى وثبت أن معرفة الله تعالى لا تحصل إلا بالنظر فيجب أن يكون النظر أول الواجبات.

٤١

فصل : اعلم أن سياق الكلام في أن معرفة الله تعالى واجبة وأنها لا تحصل إلا بالنظر وأن النظر واجب وأنه أول الواجبات لما اقتضى أن تكون الدلالة بلفظ الوجوب وقد دل عليه بلفظ الحسن فقال : إن سائر الشرائع من قول وفعل لا يحسن إلا بعد معرفة الله تعالى.

الحسن لا ينفك عن الوجوب في الواجبات الشرعية إلا في بعض الواجبات

اعتذر عند ذلك بوجهين اثنين : أحدهما : أن الحسن لا ينفك عن الوجوب في الواجبات الشرعية ، ولهذا إن الصلاة قبل الوقت كما لا تجب لا تحسن ، وكذلك صوم شهر رمضان قبل دخول الشهر كما لا يحسن لا يجب ، وكذلك الحج عند فقد الاستطاعة كما لا يجب لا يحسن فلا فرق بين أن يذكر بلفظ الحسن ، وبين أن يذكر بلفظ الوجوب إذا كان الحال ما ذكرناه.

إلا أن هذه الطريقة مما لا يطرد في جميع الواجبات الشرعية ، فإن الزكاة قبل دخول الحول تحسن وإن لم تجب ، وإن اعتذر عنه فالأولى أن يعتمد وجها آخر وهو ، أن الوجوب يتفرع على الحسن ، فلا يكون الواجب واجبا حتى يكون حسنا ، وإن جاز من العقل أن يكون حسنا وإن لم يجب ، إذا ثبت هذا ، وقد بين رحمه‌الله أن سائر الشرائع من قول وفعل لا يحسن إلا بعد معرفة الله تعالى ، فبأن لا يجب أولى وأحق ، فهذا هو العذر الثاني.

ما أول ما أنعم الله على الإنسان؟

فصل : ثم إنه رحمه‌الله سأل نفسه فقال : إن قيل : ما أول ما أنعم الله عليك فقل : خلقه إياي حيا لينفعني.

اعلم أنه لما كان هاهنا واجبات لها أول وآخر ، وتبين أولها ، وكان لله تعالى علينا نعم لها أول وآخر ، أراد أن يتكلم فيها.

والأصل أن نبين أولا حقيقة النعمة والمنعم وما يتصل بذلك.

اعلم ، أن النعمة هي كل منفعة حسنة واصلة إلى الغير إذا قصد فاعلها بها وجه الإحسان إليه.

ولا بدّ من أن تكون منفعة ، لأنها لو كانت مضرة محضة لما كانت نعمة ، وقولنا

٤٢

مضرة محضة احتراز عن الآلام والأسقام التي يوصلها الله تعالى إلى الحيوانات ، فإنها لما كانت في مقابلتها الأعراض الموفية عليها لا تكون مضارا محضة.

ولا بدّ من أن تكون حسنة ، لأنها لو كانت قبيحة لما استحق عليها الشكر. والنعمة من حقها أن يستحق عليها الشكر. هذا هو الذي يقوله الشيخ أبو علي.

وقد خالفه فيه أبو هاشم ، وجوز في النعمة أن تكون قبيحة ، واستدل على ذلك ، بأن قال : إن الله تعالى لو أثاب من لم يستحق الثواب فإنه يكون منعما عليه مع أن ذلك قبيح ، وإنما قلنا إنه قبيح لأنه لا ينفك عن التعظيم ، والابتداء به قبيح. ألا ترى أنه يقبح من أحدنا أن يعظم أجنبيا على الحد الذي يعظم والديه لا لوجه سوى ما ذكرناه من أن الابتداء بالتعظيم قبيح ، وكذلك فإن أحدنا لو كان ملك الغير جميع ما يملكه حتى يفقر نفسه لكان منعما عليه بذلك مستحقا للشكر من جهته وإن كان ما فعله قبيحا لقوله عزوجل : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ) [آل عمران : ١٦١] إلا أن لأبي علي أن يقول إني لا أسلم أن ذلك نعمة ، لأن من حق النعمة أن يستحق عليها الشكر ، ولو فعله الله تعالى عن ذلك ، لم يستحق الشكر ، ولو استحق الشكر من المثاب فإنما يستحق لأن المثاب وصل إلى ذلك الثواب والنفع من جهته عزوجل ، وكذلك الكلام فيمن ملك الغير جميع ما يملكه أنه لا يستحق بذلك الذي فعله مدحا ولا شكرا ، ولو استحق الشكر من جهته إنما يستحق لأنه وصل إلى ما وصل إليه من المنافع من جهته وهذا غير مستبعد ، لأنه ليس يجب في المنعم أن يكون قد فعل شيئا فيستحق به الشكر لا محالة ، بل لا يمتنع استحقاقه للشكر وإن لم يكن منه فعلا أصلا. ألا ترى أن من اكتسب في جنب الغير ما لا يلزمه شكر ذلك الغير وإن لم يكن منه إليه فعل ينصرف هذا الشكر إليه. وكذلك فإن أحدنا إذا أمر غلامه بأن يدفع دراهم إلى الغير ، يكون منعما عليه ، مستحقا للشكر من جهته وإن لم يكن منه إليه فعل. وكذلك فمن لم يطالب غريمه بالدين كان منعما عليه مستحقا للشكر من جهته من غير فعل ينصرف إليه الشكر.

فعلم أن المنعم قد يكون منعما عليه مستحقا للشكر وإن لم يكن له فعل أصلا ، كما أن المخل بالواجب قد يكون مستحقا للذم وإن لم يكن منه فعل.

واعتبرنا أن تكون واصلة إلى الغير لأنه لو أوصلها إلى نفسه لا تكون نعمة لأن من حق النعمة أن يستحق عليها الشكر ، ومن المستبعد أن يستحق الإنسان من نفسه لنفسه الشكر.

٤٣

قصد الإحسان :

واعتبرنا أن يكون فاعلها قصد بها الإحسان إليه ، لأنه لو لم يقصد بها منفعته وكان مقصده منفعة نفسه لم يكن منعما. ألا ترى أن البزاز إذا قدم إلى غيره تختا من بز ليختار منه ما شاء ويأخذ منه الثمن فإنه لا يكون منعما عليه لما قصد بذلك نفع نفسه لا نفعه ، وكذلك فمن قطع الثياب الفاخرة لجواريه وغلمانه ليربح عليهم إذا باعهم ، لم يكن بذلك منعما عليهم ، لما كان غرضه بذلك نفع نفسه لا نفعهم ، وكذلك فمن أنفق على أولاده نفقة جميلة لسرور نفسه لم يكن بذلك منعما عليهم لما كان غرضه بذلك نفع نفسه ، وإن كان الغالب من حال الآباء أنهم إذا أنفقوا شيئا على أولادهم كان غرضهم نفع الأولاد ومسرتهم وما يثبت لهم من السرور يكون على وجه المتبع ، فلذلك يحكم بكونهم منعمين عليهم ، وكذلك فمن استأجر أجيرا ووفر عليه الأجرة لم يكن بذلك منعما عليه لما كان غرضه بذلك نفع نفسه ، ولا يلزم على هذا التكليف ، فيقال : كان يجب أن لا يكون الله تعالى منعما به علينا ، لأجل أن النفع يستحيل عليه جل وعز فلا يمكن أن يكون غرضه بذلك نفع نفسه ، وإنما غرضه بذلك تعريفنا إلى درجة لا تنال إلا بالتكليف ، فصح أنه لا بدّ من أن يكون قصد فاعلها بها وجه الإحسان إلى الغير.

معنى المنفعة :

فإن قيل : قد فسرتم النعمة بالمنفعة ، فما معنى المنفعة؟ قيل له : معناه اللذة والسرور أو ما يؤدي إليهما أو إلى أحدهما.

أما اللذة فكأن يحك جرب أحدنا الغير ، أو يضع لقمة شهية في فمه ، أو يخلع عليه خلعة نفيسة ، فيكون قد أوصل إليه اللذة والسرور.

وأما ما يؤدي إليهما ، فكأن يدفع إليه دراهم أو دنانير يشتري بها ما يشاء.

أو ما يؤدي إلى أحدهما ، فكأن يدله على كنز فيكون قد فعل به ما يؤدي إلى السرور. ولهذه الجملة عددنا دفع الضرر في النفع وإن لم يكن نفعا بنفسه لما كان مؤديا إليه فقلنا : إن من استوهب إنسانا قدم للقتل وخلصه منه كان منعما عليه بذلك نافعا له. ولذلك حكمنا أيضا بكون الحياة نفعا وإن لم تكن نفعا بنفسها لكونها أصلا في المنافع ومؤدية إليها. هذا حد النعمة.

٤٤

معنى المنعم :

وأما المنعم ، فهو فاعل النعمة ، كالمكرم والمجمل والمحسن ، فلا يزاد في تفسيره على هذا لأنه اسم مشتق من النعمة ، كما أن المكرم والمحسن مشتق من الإكرام والإحسان ، والأسامي المشتقة لا يرجع في بيان فائدتها إلا إلى المشتق منه ، فلا يزاد في تفسير الضارب على أنه فاعل للضرب الذي اشتق منه ، وكذا القول في الشاتم والكاسر وغيرهما من الأسامي المشتقة.

وإذ قد عرفت ذلك ، فاعلم أن المنعم قد يكون منعما بفعله النعمة ومباشرته لها وذلك بأن يطعم جائعا أو يكسو عاريا ، أو بفعل ما يؤدي إلى ذلك. وقد يكون منعما وإن لم يصدر منه فعل أصلا كأن لا يطالب غريمه بالدين ، إما إبراء لذمته أو ترفيها عليه ، ونظير ذلك في الغائب عفو الله عن العصاة ، وإن لم يعاقبهم فإنه جل وعز لو عفا عنهم ولم يعاقبهم لكان منعما عليهم بذلك ، وإن لم يصدر منه فعل إليهم ، فصح وتقرر إذا ما أردناه.

متى يستحق المنعم الشكر من المنعم عليه :

ثم سأل رحمه‌الله نفسه فقال : متى يستحق المنعم من المنعم عليه الشكر ، وأجاب : بأنه إنما يستحق الشكر من جهته إذا خلصت النعمة عن إساءة تقابلها أو توفي عليها وذلك ظاهر فإن من أعطى غيره دينارا أو فرق عليه ثوبا يساوي هذا القدر أو كساه ثوبا ثم قتل له ولدا فإنه لا يستحق من جهته شكرا إلا أن هذا كلام فيما يمنع الشكر من الاستقرار ، فأما الاستحقاق فثابت حالة النعمة ، اللهم إلا إذا جمع بين النعمة والإساءة فحينئذ كما تمنع الإساءة من استقرار الشكر على النعمة ، تمنع من استحقاقه أيضا.

حقيقة الشكر

ثم تكلم بعد ذلك في حقيقة الشكر لما كان من حق النعمة أن يستحق الشكر ، وكان الترتيب الصحيح في ذلك أن يبين أولا حقيقة الشكر ، ثم يترتب الكلام في كيفية استحقاق المنعم له ، لكنه كذا أورده فتبعناه.

وجملة القول في ذلك أن الشكر هو الاعتراف بنعمة المنعم ، مع ضرب من التعظيم ولا بدّ من اعتبار الوصفين جميعا لأنه لو اعترف بنعمة المنعم ولم يعظم فقال :

٤٥

هذا ثوب كسانيه فلان وسكت ولم يكن شاكرا ، ولو عظم من دون الاعتراف ، فقال : فعل الله لفلان كذا ولم يذكر النعمة ولا اعتراف بها لم يكن شاكرا أيضا ، وإنما يكون شاكرا إذا جمع بين الأمرين جميعا فقال : هذا ثوب كسانيه فلان جزاه الله عني خيرا ، أو شكر له صنيعه وفعله.

ثم إن هذا الشكر والاعتراف قد يكون باللسان والمرجع به إلى ما ذكرناه ولا يجب إلا إذا اتهم بكفران النعمة فأما أن يدينه بكل حال ، فلا.

وقد يكون بالقلب ، والمرجع به إلى العلم بنعمة المنعم والعزم على إظهار شكرها إذا لحقته تهمة في ذلك ، وهذا مما يجب دائما ولا يسقط إلا عند سهو أو غفلة.

وكما أن الشكر قد يكون باللسان ، وقد يكون بالقلب ، فقد يكون بضرب من الأفعال المخصوصة ، نحو هذه العبادات التي تتقرب بها إلى الله تعالى ، من صلاة وصيام وحج وجهاد ، فإنها جارية مجرى الشكر لله تعالى على نعمه وأياديه إلا أن هذا الضرب من الشكر ليس يستحقه إلا الله تعالى لأنه إنما يؤدي على نهاية ما يمكن من التذلل والخضوع ، وذلك لا يستحق إلا على أصول النعم ، والقادر على أصول النعم ليس إلا الله تعالى ، فلذلك اختص باستحقاق هذا الضرب من الشكر.

ثم إن المرء متى أتى بهذه العبادات ، وأدى هذا الشكر استحق من الله تعالى نفعا آخر ونعمة أخرى بخلاف الشكر منا إذا شكر أحدنا فإنه ليس يستحق من جهته شيئا آخر ، والسبب في ذلك هو أن الله تعالى هو الذي جعل الشكر شاقا علينا ، فلا بد أن يكون في مقابله ما يوفي عليه شكره ، وإلا كان ظلما ، وكان بمنزلته أن يكلف أحدنا غيره عملا شاقا ولم يوفر عليه أجرا ، فكما أن ذلك قبيح في الشاهد لكونه ظلما ، فكذلك في الغائب. وليس كذلك سبيل أحدنا فإنه لم يجعل الشكر شاقا على الغير ، وإنما الله تعالى جعله بهذه الصفة ، فلا جرم أن من شكره استحق عليه الثواب الجزيل ، والأجر العظيم. ولهذا فإنه تعالى لما أوجب علينا شكر الوالدين ، فمن شكر نعمهما البارءة الوالدة فإنه يستحق من الله تعالى نفعا آخر ونعمة أخرى. فعلى هذا يجرى القول في حقيقة النعمة والمنعم وما يتصل بهما.

ونعود بعد هذه الجملة إلى الكلام في أول نعمة أنعم الله تعالى بها علينا.

٤٦

أول نعم الله علينا

فقد عاد رحمه‌الله تعالى إلى ذلك ، فيقول : إن أول نعمة أنعم الله تعالى بها على الحي خلقه إياه حيا لينفعه بذلك. واعتبرنا خلقه إياه حيا لينفعه لأنه لو لم يخلقه لم يكن منعما عليه كما في المعدوم ، ولو خلقه غير حي لم يكن منعما عليه أيضا كما في الجمادات ، ولو خلقه حيا لا لينفعه بل ليضره لم يكن منعما عليه أيضا كما في الكفار والفساق إذا أعادهم للنار فإنه لا يكون منعما عليهم وأن خلقهم أحياء ، لما لم يخلقهم لينفعهم بل ليضرهم ، فلا بد من اعتبار هذه الوجوه الثلاثة : الخلق ، والحياة ، وأن يكون غرضه به نفعه.

ولهذا قلنا : إن المجبرة مع تمسكهم بالجبر لا يمكنهم أن يعرفوا أن لله تعالى نعمة على أحد ، لا نعمة الدنيا ، ولا نعمة الدين ، لتجويزهم أن يكون الله تعالى خلق الخلق لا لغرض أصلا ، لا لمنفعة ولا لمضرة ، بل خلقهم عبثا ، تعالى عن ذلك. وهذا يوجب عليهم أن لا يعرفوا الله تعالى إلها تحق له العبادة ، لأن العبادة هي النهاية في الخشوع ، والغاية في الشكر ، والشكر إنما يستحق على النعمة ، فإذا لم يمكن القوم أن يعرفوا كونه منعما أصلا ، كيف يمكنهم معرفة إلهيته واستحقاقه للعبادة ، التي هي النهاية في الشكر.

وهذا كله عارض في الكلام.

والغرض المقصود هو أن الحياة أولى نعمة أنعم الله تعالى بها على الحي. والدليل على أن الحياة نعمة ، هو أنها مصححة للانتفاع بها ، حتى لا يصح التنعم إلا بها ، وإلا لأجلها ، فيجب أن تكون نعمة ، والنعمة قد تكون نعمه وإن لم تكن نفعا بنفسها إذا كانت مؤدية إلى المنفعة أو مصححة لها على ما قد بيناه.

فإن قيل : ليس بأن يدل تصحيحها للانتفاع على كونها نعمة ، أولى من أن يدل تصحيحها للاستضرار على كونها نقمة ، فكيف جعلتموها نعمة والحال هذه؟ قيل له : ليس كذلك ، لأن هاهنا مخصصا يخصصها بأحد الوصفين دون الآخر ، وهو قصد الله تعالى بها النفع وو لهذا قلنا إن الله تعالى لما لم يقصد بخلق الحياة في الكفار والفساق إذا أعادهم للنار نفعهم لم يكن منعما عليهم.

وإذ قد عرفت أن الحياة من النعم ، فالذي يدل على أنها أول نعمة أنعم الله تعالى بها علينا ، هو أن سائر المنافع يترتب على الحياة ، إما في وجودها ، أو في صحة

٤٧

الانتفاع بها ، فيجب أن تكون أول نعمة على ما ذكرناه.

الرد على من يقول : إن أول النعم هي الجملة التي يصير بها الحي حيا.

فإن قيل : هلا كانت الجملة التي لا يصير الحي حيا إلا بها أول نعمة أنعم الله تعالى بها علينا ، فإن الحياة مترتبة في الوجود عليها ، قلنا : إن الجملة مما لا تأثير لها في صحة الانتفاع بها ، وإنما الحياة هي التي تؤثر في ذلك. وأيضا فإن النعمة لا بد من تميزها من المنعم عليه ، وهذه الجملة هي نفس المنعم عليها ، فلا يجوز أن تكون نعمة ، فضلا عن أن تكون أول نعمة.

الرد على من يقول : إن الشهوة أول النعم

فإن قيل : أو ليس المنافع مترتبة على الشهوة حتى لولاها لما صح الانتفاع البتة ، قلنا : إنه وإن كان كذلك ، إلا أن الشهوة تترتب على الحياة في الوجود ، حتى لو لا الحياة لما صح وجودها ، فلذلك قلنا إن الحياة أول نعمة.

ثم تكلم رحمه‌الله في المنافع التي خلقها الله تعالى للحي ليعرضه لها.

وجملة القول في ذلك ، أن المنافع التي خلقها الله تعالى للحي ليعرضه لها ثلاث : التفضل ، وهو النفع الذي لفاعله أن يوصله إلى الغير وله أن لا يوصله ؛ والعوض ، وهو النفع المستحق لا على سبيل التعظيم والإجلال والثواب ، وهو النفع المستحق على سبيل الإجلال والتعظيم.

المنافع مستحقة أو غير مستحقة

ولك أن تورد هذه القسمة على وجه يتردد بين النفي والإثبات وتتضمن معاني هذه الألفاظ فتقول : إن المنافع الواصلة إلى الغير إما أن تكون مستحقة أو لا ، فإن لم تكن مستحقة فهو التفضل ، وإلا إن كانت مستحقة فلا يخلو ؛ إما أن تكون مستحقة لا على سبيل التعظيم والإجلال فهو العوض ، وإن كانت مستحقة على سبيل الإجلال والتعظيم فهو الثواب. وأما التفضل فما من حي خلقه الله تعالى إلا وقد تفضل عليه وأحسن إليه بضروب المنافع والإحسان ، والعوض يوصله الله تعالى إلى المكلف وغير المكلف ، وأما الثواب فما لاحظ فيه لغير المكلف ، والمكلف مختص باستحقاقه ، فعلى هذا يجري الكلام في هذا الفصل.

٤٨

فصل : فإن قيل : فما كمال نعم الله ، قلنا : لا سبيل لنا إلى علم ذلك مفصلا وإنما نعلم على سبيل الجملة أن جميع ما بنا من النعم ؛ أصولها وفروعها ، مبتدؤها ومنشؤها من قبل الله تعالى ومن عنده. ولهذا قال تعالى : (وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ) [النحل : ٥٣]. ولا يمكننا عدها على سبيل التفصيل نعمة فنعمة ، ولذلك قال جل وعز : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) [النحل : ١٨] الآية بين أنه لا يمكن عد نعمه أجمع وإحصاؤها.

فإن قيل : إذا لم يمكنكم معرفة نعم الله تعالى بأجمعها فكيف توجبون الشكر عليها؟ قلنا : إنا لا نوجب الشكر عليها مفصلا ، وإنما نقول : إنه يجب شكره على سبيل الجملة.

فإن قيل : كيف يمكنكم شكر نعمه تعالى على سبيل الجملة مع أنه لا يمكن شكره إلا بنعمة متجددة؟ قلنا : إذا كنا شكرناه على سبيل الجملة فقد دخل فيه المستمرة والمتجددة جميعا ولا يلزمنا شيء آخر سواه ، إذ لا يكلف الله تعالى ما ليس في الوسع ولا في الطاقة.

فصل : ثم ذكر رحمه‌الله بعد هذه الجملة «أنه تعالى خلق هذه المنافع لتتكامل نعمته ، وتظهر حكمته جل وعز ، فيجب على المكلف وقد عرضه الله تعالى بالتكليف إلى الدرجات العظيمة ، أن يبالغ في شكر نعمته ولا يكفرها ، ويتحدث بها ، ويذكرها ، ويجتهد في أداء عباداته التي هي كالشكر له ، ولا يقصر فيها ، وإذا كان لا يمكنه ذلك إلا بمعرفة جل وعز بتوحيده وعدله ، وجب أن لا يقصر في معرفته ويحصلها بما أمكنه تحصيلها لأن ما لا يتم الواجب إلا به يكون واجبا كوجوبه.

مناقشة حول قول أبي علي بأن معرفة الله تترتب على الشكر

وهذا منه رحمه‌الله إشارة إلى ما يقوله أبو علي ، من أن وجه وجوب المعرفة وجوب شكر النعمة ، وليس كذلك. لأن شكر نعمة الله تعالى إنما يجب على المكلف ، إذا علم أنه خلف هذه المنافع ، وقصد بها وجه الإحسان ، ولا يعلم ذلك إلا بعد معرفة الله بتوحيده وعدله ، فلا يترتب وجوب معرفته جل وعز على وجوب شكر نعمته والحال هذه. وأشبه ذلك ما نقوله فيمن اجتاز بمصنعة من ماء وشرب منها ، فكما أنه لا يجب عليه معرفة بانيها ليشكر عليها ، بل إنه إن عرف أنه إنما بناها لينفع الناس ، وقصد ببنائها ذلك شكره وإلا فلا شيء عليه ، كذلك في مسألتنا إن عرف الله تعالى ، وعرف

٤٩

أنه خلقه وقصد بهذه المنافع نفعه شكره ، وإلا لم يلزمه شكره. فعلى هذا يجري القول في هذا الفصل.

إذا لزم النظر ففيم النظر؟

فصل : فإن قيل : إذا لزمك النظر ففيم تنظر؟ لما بين رحمه‌الله وجوب النظر وأنه أول الواجبات. وعطف عليه الكلام في أول نعمة أنعم الله تعالى بها علينا ، إذ أراد أن يبين الطريق الذي يتوصل بالنظر فيه إلى العلم بالله تعالى.

والأصل أن الطريق إلى العلم بالغير إذا لم يكن معلوما ضرورة ، إنما هو الدلالة ، وهو الدليل سواء ، ومعناهما ما إذا نظر الناظر فيه أوصله إلى العلم بالغير إذا كان واضعه وضعه لهذا الوجه.

ولا بد من اعتبار هذين الشرطين ؛ أما الأول فلا بد منه ، ولهذا فإن سقوط الثلج في وقته لما لم يمكن التوصل به إلى نبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم نقل إنه دلالة على نبوته ، وقيل في القرآن إنه دليل على ذلك لما أمكن التوصل به إلى العلم بنبوته ؛ وأما الشرط الثاني فلا بد منه أيضا ، ولهذا لا يقال في أثر اللص إنه دلالة عليه وإن أمكن الاستدلال به على موضعه لما لم يصنعه لهذا الوجه ، بل استفرغ الوسع وبذل الجهد في إخفاء نفسه.

أنواع الدلالة ، وكون معرفة الله لا تنال إلا بالعقل

وإذ قد عرفت ذلك ، فاعلم : أن الدلالة أربعة : حجة العقل ، والكتاب ، والسنة ، والإجماع. ومعرفة الله تعالى لا تنال إلا بحجة العقل.

فإن قيل : ولم قصرتم الأدلة على هذه الأربعة؟ ثم لم قلتم إن معرفة الله تعالى لا تنال إلا بحجة العقل؟

قلنا : أما الأول : فلأن الدليل هو ما إذا نظر الناظر فيه أوصله إلى العلم بالغير ، وهذه حال هذه الأربعة دون ما عداها.

فإن قيل : أليس القياس وخبر الواحد دلالة على الأحكام الشرعية عندكم فهلا عددتموه فيها؟

قلنا : إنه يدخل تحت الإجماع أو الكتاب أو السنة ، فلا يجب إفراده بالذكر.

وأما الثاني : وهو الكلام في أن معرفة الله تعالى لا تنال إلا بحجة العقل ، فلأن

٥٠

ما عداها فرع على معرفة الله تعالى بتوحيده وعدله ، فلو استدللنا بشيء منها على الله والحال هذه كنا مستدلين بفرع للشيء على أصله ، وذلك لا يجوز.

بيان هذا ؛ أن الكتاب إنما ثبت حجة متى ثبت أنه كلام عدل حكيم لا يكذب ولا يجوز عليه الكذب ، وذلك فرع على معرفة الله تعالى بتوحيده وعدله ؛ وأما السنة فلأنها إنما تكون حجة متى ثبت أنها سنة رسول عدل حكيم وكذا الحال في الإجماع ، لأنه إما أن يستند إلى الكتاب في كونه حجة ، أو إلى السنة ، وكلاهما فرعان على معرفة الله تعالى.

الظروف التي إذا نظر الله تعالى فيها أوصلته إلى العلم بالله

ثم إنه رحمه‌الله عاد إلى تعيين الكلام في الطريقة التي إذا نظر الناظر فيها أوصله إلى العلم بالله تعالى.

والأصل فيه ، أن الله تعالى لا يعرف ضرورة ، وكل ذات لا تعرف ضرورة فالطريق إليها لا يعدو أحد أمرين : إما أن يكون حكما صادرا عنه ، أو فعلا واقعا من قبله.

والأحكام إنما تصدر عن العلل ، والله تعالى ليس بعلة ، لأنه لو كان كذلك ، ـ ومعلوم أن المعلول لا ينفك عن علته ـ أدى إلى وجوب ثان معه فيما لم يزل ، وسنبين في باب نفي الثاني أنه لا قديم مع الله تعالى إن شاء الله تعالى ، وأيضا فكان يجب أن يكون من قبيل هذه الأعراض والمعلوم خلافه ، ولأن الصفة الثابتة المستحقة فيما لم يزل واجبة ، والصفة بوجوبها تستغني عن العلة على ما سنبينه في باب الصفات عند الكلام على الكلابية إن شاء الله تعالى. فثبت أنه لا يجوز أن يكون الطريق إليه حكما من الأحكام.

أقسام الأفعال

وبقي أن الطريق إليه إنما هو الأفعال ، والأفعال على ضربين : أحدهما يدخل جنسه تحت مقدورنا ، والآخر لا يدخل جنسه تحت مقدورنا.

ما لا يدخل تحت مقدورنا

وما لا يدخل جنسه تحت مقدورنا فثلاثة عشر نوعا : الجواهر ، والألوان ،

٥١

والطعوم ، والروائح ، والحرارة ، والبرودة ، والرطوبة ، واليبوسة ، والحياة ، والقدرة ، والشهوة ، والنفرة ، والفناء. وما من شيء منها إلا ويمكن الاستدلال به على الله تعالى ما عدا الفناء ، فإن طريق معرفته السمع ، وذلك يترتب على معرفة الله تعالى.

ما يدخل تحت مقدورنا

وأما الضرب الذي يدخل جنسه تحت مقدورنا فعشرة أنواع : خمسة من أفعال الجوارح ، وخمسة من أفعال القلوب. فالخمسة التي هي من أفعال الجوارح هي : الأكوان ، والاعتمادات ، والتأليفات ، والأصوات ، والآلام. وأما الخمسة التي هي من أفعال القلوب فهي : الاعتقادات ، والإرادات ، والكراهات ، والظنون ، والأنظار. ولا يمكن الاستدلال بها ولا بشيء منها على الله تعالى ، وذلك لأن من حق الدليل أن يكون بينه وبين المدلول تعلق ليكون بأن يدل عليه أولى من أن يدل على غيره ، وهذه الأفعال إذا صح صدورها عن أحدنا كما يصح من الله تعالى ، فليس بأن تدل عليه أولى من أن تدل على غيره ، إلا أن تكون واقعة على وجه لا يصح وقوعها على ذلك الوجه من القادرين بالقدرة ، فحينئذ يمكن الاستدلال بها على الله تعالى.

الفعل الذي يستدل به على الله مع أن جنسه يقع تحت مقدورنا

فإن قيل : وما ذلك الفعل الذي يمكن الاستدلال به على الله تعالى مع أن جنسه يدخل تحت مقدورنا؟ قلنا : أفعال الله كثيرة من جملتها العقل ، لأنه يمكن الاستدلال به على الله تعالى مع أن جنسه وهو الاعتقادات يدخل في مقدورنا ـ ووجه الاستدلال به أنه لا يخلو ؛ إما أن يكون من فعلنا فينا ، أو من فعل أمثالنا ـ لا يجوز أن يكون من فعلنا ؛ لأنه يقع أردنا أم كرهنا ، ومتى أردنا إيقاعه لم يقع ، مع أن من حق القادر على الشيء إذا خلص داعيه إليه أن يقع لا محالة ؛ ولا يجوز أن يكون من فعل أمثالنا ، لأن القادر بالقدرة لا يفعل الفعل في الغير إلا باعتماد ، والاعتماد مما لاحظ له في توليد الاعتقاد ، لأنه لو كان كذلك لوجب إذا اعتمد أحدنا على صدر الغير أن يتغير حاله في الاعتقاد ، ومعلوم أنه لا يتغير.

وبعد ، فلو كان كذلك لم يكن بأن يولد الاعتقاد أولى من أن يولد ضده ، فكان يجب توليد الضدين. وأيضا ، فلو كان كذلك لوجب أن يحصل ما لا يتناهى من الاعتقادات إذ لا اختصاص له بالبعض دون البعض ، والمعلوم خلافه.

٥٢

ومن جملتها ، حركة المرتعش والعروق الضوارب ، فإنه يمكن الاستدلال بها على الله تعالى مع أنه لا يدخل جنسها تحت مقدورنا. ووجه الاستدلال بها ، هو أنها لا تخلو ؛ إما أن تكون من فعلنا ، أو من فعل أمثالنا لما قد ذكرنا أن القادر بالقدرة لا يفعل الفعل في الغير إلا بالاعتماد ، ونحن لا نحس باعتماد معتمد علينا.

ومن جملتها ، الألم الزائد عند لسع الزنبور والعقرب ، ووجه الاستدلال به على الله تعالى ، هو أن مثل هذا القدر لو وجد من أقوى القادرين بالقدرة لكان لا يتولد منه مثل هذه الآلام ، فلا بد من أن تكون من فعل فاعل مخالف لنا وهو الله تعالى.

ومتى شغب مشغب فقال : لم لا يجوز أن يوجد من فعل بعض القادرين بالقدرة أكوان تتولد منها مثل هذه الآلام؟ كان الجواب عنه أن يقال : إن القادر بالقدرة لا يفعل الفعل في الغير إلا بالاعتماد ، ونحن لا نحس باعتماد معتمد علينا.

ومن جملتها ، الكلام الموجود في الحصى والشجر ، فإن القادر بالضرورة لا يمكنه أن يفعل الكلام إلا بهذه الآلة المخصوصة أو ما يتشكل بشكلها ، فعلى هذه الطريقة يجري الكلام في ذلك.

الاستدلال بالأعراض على الله

فإذ قد عرفت ذلك وأردت أن تستدل بالأعراض على الله تعالى ، فمن حقك أن تثبتها أولا ، ثم تعلم حدوثها ، ثم تعلم أنها تحتاج إلى محدث وفاعل مخالف لنا وهو الله تعالى.

والأصل فيه أن الأعراض على ضربين : مدرك ، وغير مدرك.

فالمدركات سبعة أنواع : الألوان ، والطعوم ، والروائح ، والحرارة ، والبرودة ، والآلام ، والأصوات.

إثبات الأعراض

ومتى أردت أن تستدل بشيء منها ، فلا تحتاج إلى إثباتها على طريق الجملة فإنها مدركة ، وإنما تحتاج إلى إثباتها على طريقة التفصيل ؛ هل هي نفس المحل على ما يقوله نفاة الأعراض ، أو غيرها على ما نقوله؟ والذي يدل على أنها غير المحل هو ما قد ثبت أن الأجسام متماثلة ، ومعلوم أن الأسود يخالف الأبيض ، فلولا أن هذه المخالفة ترجع إلى معان فيه ، وإلا لم يجز ذلك هذا إذا كان مدركا.

٥٣

وأما إذا لم يكن مدركا ، فمن شأنك أن تثبته على طريق الجملة والتفصيل جميعا.

والطريقة فيه ، أن نعرض الكلام في واحد منها وهو الشهوة مثلا ، فنقول : إن الواحد منا حصل مشتهيا مع جواز أن لا يحصل مشتهيا ، والحال واحدة ، والشرط واحد ، فلا بد من مخصص له ولمكانه حصل مشتهيا وإلا لم يكن بأن يحصل على هذه الصفة أولى من أن لا يحصل على خلافها ، وليس ذلك الأمر إلا وجود معنى وهو الشهوة. وإنما قلنا بأن هذا هكذا لأنه لا يخلو ؛ إما أن يكون ذاته ، أو ما هو عليه في ذاته ، أو غيره. لا يجوز أن يكون ذاته أو ما هو عليه في ذاته ، لأنه لو كان كذلك لوجب أن يكون مشتهيا في حالة العدم ، بل يكون مشتهيا أبدا وذلك مستحيل. وإن كان غيره فلا يخلو ؛ إما أن يكون تأثيره على طريق التصحيح ، أو على طريق الإيجاب. لا يجوز أن يكون تأثيره على طريق التصحيح ، لأن التأثير على هذا الوجه إنما يكون للفاعل وكونه مشتهيا لا يتعلق بالفاعل ، فلم يبق إلا أن يكون تأثيره على طريق الإيجاب ، وهو المعنى الذي نقوله.

وبهذه الطريقة نثبت ما عداها من الأعراض نحو الحياة والقدرة وغيرهما.

إثبات حدوث الأعراض

فصل : وأما حدوثها ، فالذي يدل عليه هو ما قد ثبت أنه يجوز عليها العدم والبطلان ، والقديم لا يجوز عليه العدم والبطلان.

وهذه الدلالة مبنية على أصلين : أحدهما ، أن الأعراض يجوز عليها العدم ؛ والثاني ، أن القديم لا يجوز عليه العدم.

أما الدليل على أن الأعراض يجوز عليها العدم فهو ما ثبت أن المجتمع إذا افترق بطل اجتماعه ، وأن المتحرك إذا سكن بطلت حركته ، وفي ذلك ما نريده.

وأما الدليل على أن القديم لا يجوز عليه العدم ، فهو ما قد ثبت أن القديم قديم لنفسه ، والموصوف بصفة من صفات النفس لا يجوز خروجه عنها بحال من الأحوال.

إثبات أنها تحتاج لمحدث

وإذ قد عرفت حدوثها ، فالذي يدل على أنها تحتاج إلى محدث وفاعل ، فهو ما قد ثبت أن تصرفاتنا في الشاهد محتاجة إلينا ومتعلقة بنا ، وإنما احتاجت إلينا لحدوثها ،

٥٤

فكل ما شاركها في الحدوث وجب أن يشاركها في الاحتياج إلى محدث وفاعل ، فعلى هذه الطريقة يجري الكلام في ذلك.

فصل : في الاستدلال بالأجسام على الله تعالى.

والأصل فيه ، أن الاستدلال بالأجسام على الله تعالى أولى من الاستدلال بغيرها لوجوه :

أحدهما : أن الأجسام معلومة بالاضطرار على سبيل الجملة والتفصيل جميعا ، وليس كذلك الأعراض.

والثاني : هو أن العلم بكمال التوحيد لا يحصل ما لم يحصل العالم بحدوث الأجسام.

والثالث : هو أن الاستدلال بالأجسام يتضمن إثبات الأعراض وحدوثها ، وليس كذلك الاستدلال بالأعراض.

وإذ قد عرفت ذلك وأردت أن تستدل بالأجسام على الله تعالى ، فمن حقك أن تعلم حدوثها ، وأن لها محدثا مخالفا لنا وهو الله تعالى.

حدوث الأجسام

والطريق إلى معرفة حدوثها طرق ثلاثة :

أحدهما : أن نستدل بالأعراض على الله تعالى ، ونعرفه بتوحيده وعدله ، ونعرف صحة السمع ، ثم نستدل بالسمع على حدوث الأجسام.

والثاني : هو أن نستدل بالأعراض على الله تعالى ونعلم قدمه ، ثم نقول : لو كانت الأجسام قديمة لكانت مثلا لله تعالى لأن القدم صفة من صفات النفس ، والاشتراك في صفة من صفات النفس ، يوجب التماثل ولا مثل لله تعالى فيجب أن لا تكون قديمة ، وإذا لم تكن قديمة وجب أن تكون محدثة لأن الموجود يتردد بين هذين الوصفين ، وإذا لم يكن على أحدهما ، كان على الآخر لا محالة.

أما الوجه الثالث : فهو الدلالة المعتمدة ، وأول من استدل بها شيخنا أبو الهذيل ، وتابعه باقي الشيوخ. وتحريرها هو أن نقول : إن الأجسام لم تنفك من الحوادث ولم تتقدمها ، وما لم يخل من المحدث يتقدمه يجب أن يكون محدثا مثله.

٥٥

وهذه الدلالة مبنية على أربع دعاوى :

أحدها ، أن في الأجسام معاني هي الاجتماع والافتراق والحركة والسكون ، والثانية ، أن هذه المعاني محدثة. والثالثة ، أن الجسم لم ينفك عنها ولم يتقدمها. والرابع ، أنها إذا لم ينفك عنها ولم يتقدمها وجب حدوثه مثلها.

ولهذه الدعاوى ترتيب ، فالأولى يجب أن تكون متقدمة ، والأخيرة يجب أن تكون متأخرة ، والدعويان اللتان هما في الوسط لا ترتيب فيهما. وإنما قلنا إن الأولى يجب تقديمها ، لأنها كلام في إثبات هذه المعاني وما لم نعلمها لا يمكننا وصفها لا بالحدوث ولا بالقدم ، كما أنا إذا لم نعلم زيدا لا يمكننا وصفه بأنه طويل ولا بأنه أسود. وأما الأخيرة فإنما وجب تأخيرها لأنها كلام في أن الجسم إذا لم ينفك من المحدث ولم يتقدمه وجب حدوثه مثله ، وما لم تثبت الدعاوى الثلاث من قبل لا معنى لهذا الكلام. وأما اللتان هما في الوسط فلا ترتيب فيهما ، لأنهما كلام في أوصاف هذه المعاني ، ومتى عرفناها إن شئنا وصفناها أولا بالحدوث ، وإن شئنا وصفناها بأن الجسم لم يخل منها.

فإن قيل : ولم سميتم هذه الوجوه دعاوى؟ قلنا : لأن الدعوى كل خبر لا يعلم صحته وفساده إلا بدليل ، وهذه حال كل واحدة من هذه الوجوه.

الكلام في إثبات الأكوان

الغرض به الكلام في الدعوى الأولى من الدعاوى الأربع ، وهو الكلام في إثبات الأكوان التي هي الاجتماع والافتراق والحركة والسكون ، والخلاف فيه مع الأصم وجماعة من الملحدة.

وتحرير الدلالة على ذلك ، هو أن الجسم حصل مجتمعا في حال كان يجوز أن يبقى مفترقا والحال واحدة ، والشرط واحد ، فلا بد من أمر ومخصص له ولمكانه حصل مجتمعا ، وإلا لم يكن بأن يحصل على هذا الوجه أولى من خلافه ، وليس ذلك الأمر إلا وجود معنى.

فإن قيل : ومن أين أن هذا الجسم حصل مجتمعا في حال كان يجوز أن يكون مفترقا؟ قلنا : هذا الحكم معلوم ضرورة في الأجسام الحاضرة التي اختبرناها وسبرناها ، وأما في الأجسام الغائبة فيعلم بالرد إلى الأجسام الحاضرة. فنقول : إنما

٥٦

وجب ذلك في هذه الأجسام لتحيزها ، والتحيز ثابت في الأجسام الغائبة ، فيجب أن يكون هذا الحكم ثابتا هناك.

الرد على من اعترض على دعوى الاضطرار

فإن قيل : كيف تصح دعوى الاضطرار فيه مع أنكم استدللتم على ذلك بأدلة؟ فقلتم : إن الجسم لو حصل مجتمعا مع الوجوب لاستغنى عن جامع يجمعه ، كما أن عدم الصوت في الحالة الثانية لما وجب عدمه استغنى عن معدم يعدمه ، وكذلك وجوب القديم تعالى لما كان واجبا استغنى عن موجد يوجده ، والمعلوم أنه لا يستغني عن جامع يجمعه. وكذلك فقد قلتم : إن الأجسام لو حصلت مجتمعة مع الوجوب لكان يجب أن يتأتى من أضعف القادرين منا الجمع بين جبلين بأن يصادف وقتا يجب اجتماعهما فيه ، بل كان يجب أن يتعذر على أقوى القادرين منا التفريق بين ريشتين أو خردلتين بأن يصادف وقتا يجب اجتماعهما فيه ، والمعلوم خلافه. قلنا : إنما كان ذلك منا على طريق الاستظهار والتأكيد ، لا على طريق الاستدلال والاحتجاج.

فإن قيل : وما المراد بقولكم : والحال واحدة والشرط واحد؟ قلنا : المراد بالحال التحيز ، وبالشرط الوجود ، وذلك ثابت في الحالتين جميعا.

فإن قيل : ولم قلتم : إن الجسم إذا حصل مجتمعا في حال ، كان يجوز أن يبقى مفترقا والحال واحدة والشرط واحدة فلا بد من أمر ثان ومخصص؟

قيل له : إنما قلنا : ذلك لأننا نعلم ذلك بأدنى تأمل. وطريقة التأمل هو : أن الجسم إذا جازت عليه صفتان ثم خرجت إحداهما من الجواز إلى الوجوب ، والأخرى من الجواز إلى الاستحالة ، فلا بد من أمر ومخصص له ولمكانه خرجت إحداهما من الجواز إلى الوجوب والأخرى من الجواز إلى الاستحالة ، وإلا لم يكن بأن يحصل هكذا أولى من خلافه ، وليس ذلك الأمر إلا وجود معنى على ما نقوله. وليس للخصم أن يطالب بعد ذلك بلم ، لأنا قد أوردنا عليه طريقة النظر ، فإن شاء أن يعلم فلينظر فيه.

فإن قيل : ولم قلتم : إن ذلك الأمر ليس إلا وجود معنى؟ قلنا : إنه لا يخلو ، إما أن يكون راجعا إليه ، أو إلى صفاته ، أو إلى غيره ، لا يجوز أن يكون راجعا إليه وإلى صفاته ، وإذا كان راجعا إلى غيره فلا يخلو ، إما أن يكون تأثيره على طريقة التصحيح كتأثير الفاعل فيما يفعله ، أو يكون تأثيره على طريقة الوجوب. لا يجوز أن

٥٧

يكون تأثيره على طريقة التصحيح ، وإذا كان تأثيره على طريق الوجوب فلا يخلو ، إما أن يكون معدوما أو موجودا ، ولا يجوز أن يكون معدوما ، فلم يبق إلا أن يكون موجودا على ما نقوله.

وهذه القسمة مترددة بين النفي والإثبات ، كذا أورده قاضي القضاة في «المحيط» وهي أولى من التقاسيم الأخرى التي أوردها المشايخ في الكتب ، لأن القسمة إذا لم تتردد بين النفي والإثبات احتملت الزيادة ، وكان للخصم أن يشغب فيها.

واعلم أن التقسيم قد يورد ويكون الغرض به إبطال البعض وتصحيح البعض على ما ذكرناه في هذا الموضع ، وقد يورد والغرض به إبطال الكل وذلك مثل ما نقوله في الدلالة على أن الله تعالى لا يجوز أن يكون عالما بعلم ، وقد يورد والغرض به تصحيح الكل وذلك مثل ما نقوله في الموانع المعقولة عن الرؤية وأنها ستة.

فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون الجسم مجتمعا لذاته ، أو لما هو عليه في ذاته؟ قلنا : لأنه لو كان كذلك لوجب أن يكون مجتمعا أبدا ولا يكون مفترقا أصلا. ولأنه لو كان كذلك لوجب أن يكون كل جزء فيه مجتمعا ، لأن صفة الذات ترجع إلى الآحاد والأفراد دون الجمل. ولأنه لو كان كذلك ، لوجب إذا افترق أن يكون مفترقا لذاته ، وأيضا فكان يؤدي إلى أن يكون مجتمعا على قصدنا مفترقا دفعة واحدة ، وذلك محال.

ولأنه لو كان كذلك لكان يجب أن لا يقف كونه مجتمعا على قصدنا ودواعينا ، والمعلوم خلافه ولأنه لو كان كذلك ، لوجب في الأجسام كلها أن تكون مجتمعة لأنها متماثلة ، والاشتراك في صفة من صفة الذات يوجب الاشتراك في سائر صفات الذات.

لم لا يكون الجسم مجتمعا لوجوده؟

فإن قلنا : لم لا يجوز أن يكون الجسم مجتمعا لوجوده؟ قلنا : لأنه لو كان كذلك ، لوجب أن يكون هو مجتمعا ما دام موجودا وأن لا يفترق أصلا وقد عرفنا خلافه ، ولأنه لو كان كذلك ، لوجب أن يكون كل جزء منه مجتمعا لأن الوجوب ثابت فيه ، وقد علم خلافه. ولأنه لو كان كذلك لوجب إذا افترق أن يكون مفترقا أيضا لوجوده ، فيجب أن يكون مجتمعا مفترقا دفعة واحدة وهذا محال.

لم لا يكون الجسم مجتمعا لحدوثه؟

فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون الجسم مجتمعا لحدوثه؟ قلنا : إن أردتم

٥٨

بالحدوث وجوده بعد أن لم يكن فقد أفسدناه من قبل ، وإن أردتم به حالة الحدوث فالذي يفسده هو أنه لو كان كذلك لوجب أن لا يكون الجسم مجتمعا في حالة البقاء لفقد العلة فيه ، ولأنه [لو] (١) كان كذلك لوجب أن يكون كل جزء منه مجتمعا لثبوت العلة فيه وقد علمنا خلافه. وبعد فلو كان كذلك ، لوجب أن لا يحصل مفترقا في حالة الحدوث ، والمعلوم خلافه. ولأنه لو كان كذلك لكان يجب إذا افترق أن يكون مفترقا لحدوثه أيضا ، فكان يجب أن يكون الجسم مجتمعا مفترقا دفعة واحدة وهذا محال.

لم لا يكون الجسم مجتمعا على وجه؟

فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون الجسم مجتمعا لحدوثه على وجه؟ قلنا : لأنه لا وجه هاهنا معقول ، فيقال إن الجسم اجتمع لحدوثه على ذلك الوجه ، بخلاف ما نقوله في الحسن والقبح فإن لذلك وجوها معقولة ، نحو كونه ظلما وكذبا وغيرهما. ولأنه لو كان كذلك لوجب أن يكون الجسم مجتمعا في حالة البقاء ، والمعلوم خلافه.

لم لا يكون الجسم مجتمعا لعدمه؟

فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون الجسم مجتمعا لعدمه؟ قلنا : لأن العدم يميل كونه مجتمعا ، وما أحال الحكم لا يجوز أن يؤثر فيه. ولأنه لا يحصل مجتمعا إلا بعد الوجود ، فكيف يكون عدمه مؤثرا فيه؟.

لم لا يكون مجتمعا بالفاعل؟

فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون الجسم مجتمعا بالفاعل؟ قلنا : لأنه لو كان كذلك لوجب في الواحد منا وهو قادر على أن يجعل الجسم مجتمعا من دون معنى أن يكون قادرا على إيجاد الجسم ، لأن من قدر على أن يجعل ذاتا من الذوات على صفة من الصفات من دون معنى ، قدر على إيجاد نفس تلك الذات.

دليله ، الكلام ، فإن أحدنا لما قدر أن يجعله أمرا ونهيا وخبرا ، قدر على إيجاد نفس الكلام. وعكسه كلام الغير ، فلما لم يقدر على جعله أمرا ونهيا وخبرا ، لم يقدر على إيجاد نفس الكلام. والمعلوم أن أحدنا لا يقدر على إيجاد الجسم فيجب أن لا يتعلق به كونه مجتمعا.

__________________

(١) زيادة من المصحح.

٥٩

فإن قيل : كيف يصح رد ذلك إلى الكلام ، والكلام عندنا كسائر الأجسام في أنا لا نقدر عليه؟ قلنا : إنا نعلم ضرورة أن الكاذب يستحق الذم والملامة من جهته على كذبه ، فلو لا أنه وقع من جهته ومتعلق به وإلا لم يجز ذلك ، فصح ما قلناه.

دليل آخر ، وهو أن أحدنا لو قدر على أن يجعل الجسم مجتمعا من دون معنى قدر على أن يجعله على سائر صفاته التي يكون عليها بالفاعلين ، نحو كونه أسود وأبيض وأحمر وحلوا ومرا وغير ذلك ، كما في الكلام فإنه لما كان قادرا على أن يجعله أمرا ونهيا ، قدر أن يجعله على سائر أوصافه ، نحو كونه خبرا واستخبارا أو عرضا ويمينا وجحدا ونفيا وإثباتا إلى غير ذلك ، والمعلوم خلافه.

دليل آخر ، وهو أنه لو كان كذلك ، لوجب في كون أحدنا عالما أن يتعلق بالفاعل لأن هاتين الصفتين مستحقتان على حد واحد ، والصفتان متى استحقتا حد واحد ، كان المؤثر فيهما من باب واحد.

فإن قال : هكذا نقول فدلوا على خلافه ، قلنا : لو كان كون أحدنا عالما متعلقا بالفاعل ، لوجب أن لا يجد الواحد منا هذه الصفة كأنها من ناحية صدره ، لأن الفاعل إنما يفعل الجملة على هذه الصفة لا البعض.

دليل آخر ، وهو أنه لو كان كذلك ، لوجب أن لا يتأتى من أحدنا الجمع بين الجسمين في حالة البقاء ، لأن ما يتعلق بالفاعل يتبع حالة الحدوث ، كما في الكلام فإنه لما تعلقت أوصافه بالفاعل تبع حالة الحدوث حتى لم يجز خلافه.

دليل آخر ، وهو أنه لو كان كذلك ، لوجب أن يتأتى من الواحد منا إيقاف الجسم الثقيل في الجو دون قرار ولا علاقة بأن لا يجعله متحركا ، والمعلوم خلافه ، فليس إلا أن يكون الجسم مجتمعا مما لا تعلق له بالفاعل.

لم لا يكون اجتماع الجسم لعدم معنى؟

فإن قيل : لم لا يجوز أن يكون الجسم مجتمعا لعدم معنى؟ قلنا : لأن المعنى المقدور لا اختصاص له ببعض الأجسام دون بعض ، فكان يجب أن تكون الأجسام كلها مجتمعة لعدم ذلك المعنى ، وأن لا يكون شيئا مفترقا البتة ، وقد عرفه خلافه.

وبعد ، فإن كون الجسم مجتمعا موقوف على قصدنا ودواعينا نفيا وإثباتا فيجب أن يكون لأحوالنا فيه تأثير. ولا يخلو أن يكون تأثيره في نفس الصفة أو فيما يؤثر فيه.

٦٠