استقصاء النّظر في القضاء والقدر

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]

استقصاء النّظر في القضاء والقدر

المؤلف:

الحسن بن يوسف بن علي المطّهر [ العلامة الحلّي ]


المحقق: السيّد محمّد الحسيني النيسابوري
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار أنباء الغيب
الطبعة: ١
الصفحات: ١٠٩

فإنّ السّلطان إذا أمر وزيره أن يفعل فعلا يكون الوزير فيه مختارا لا مجبرا ، بل فوّض السّلطان إليه الاختيار ، فإنّه إذا لم يختر فعله لم ينسب السّلطان إلى العجز.

نعم لو أراد السّلطان منه الفعل كيف كان ، سواء كان باختيار الوزير ، أو بغير اختياره ، فإذا لم يفعل الوزير الفعل ثبت العجز هنا ، والفرق بين الصورتين ثابت.

وهذا آخر ما أوردناه في هذه الرّسالة الشّريفة

والله الموفّق للصّواب

وإليه المرجع

والمآب

٦١
٦٢

٦٣
٦٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

مختصر

ترجمة خواجه رشيد

هو الخواجه رشيد الدّين فضل الله بن عماد الدّولة أبي الخير بن موفّق الدّولة علي (أو عالي أو غالي) الطبيب الهمداني الشهيد ، ولد في مدينة همدان سنة ٦٤٥ ه‍ ، تلمّذ في العلوم على الخواجه نصير الدّين الطوسي مع زميله ابن الفوطي ، ويعبّر ابن الفوطي عن المترجم له في «مجمع الآداب» بشيخنا المخدوم الأعظم.

وكان جدّه الأعلى موفّق الدّولة علي مع الحكيم والمنجّم المعروف خواجه نصير الدّين الطوسي في «قلعة الموت» ضيفا إجباريّا للفدائيّين الإسماعيليّة إلى أن فتحها هلاكو خان ، فدخل موفّق الدولة في خدمة السلطان.

قد أتعب نفسه في تعلّم الخطّ والإنشاء والأدب والفنون الشعريّة والطبّ والتاريخ والفلسفة والفقه والتفسير والرياضيّات ، فحصل كنزا لا ينفد.

وفي أيّام سلطنة اباقا خان خدمه رشيد الدّين بطبّه وأحرز عنوان الطبيب الخاص للملك ، وفي سنة ٧٠٣ ه‍ عند ما وجّه غازان خان عسكرا إلى الشّام صحبه وهو منشيه العربي ، ثمّ استوزره.

٦٥

وبعد موت السلطان غازان خان بن ارغون خان بن هلاكو سابع ملوك الإيلخانيّة (٦٩٦ ـ ٧٠٣ ه‍) وجلوس أخيه محمّد بن ارغون المعروف بشاه خدابنده (٧٠٣ ـ ٧١٦) ابقي في مناصبه السّابقة ، ولمّا وجد خدابنده فيه دراية خاصّة وكفاية تامّة في حسن إدارة الامور ، فكان لم يقدم على شيء من امور المملكة قبل تصويب الخواجة.

شهادته

فانصرمت الليالي والأيّام حتّى مرض الشاه خدابنده مرضه الّذي اشترك رشيد الدّولة في علاجه فمات ، فاتّهموه أهل الحقد حسدا عليه بالتّساهل في معالجته وتسبّب موته ، ثمّ قتلوه وابنه إبراهيم الّذي لم يجاوز سنّه ستّة عشر سنة بأمر السّلطان أبي سعيد ابن غياث الدّين شاه خدابنده تاسع ملوك الإيلخانيّة وآخرهم (٧١٦ ـ ٧٣٦) وإعانة وزيره علي شاه بن أبي بكر التبريزي فضبطوا تمام أمواله ونهبوا الرّبع الرشيدي ، وأحرقوا مكتبته الّتي تحتوي على ستّين ألف مجلّد من صنوف الكتب ، فوا أسفا ويا حسرة عليها.

وقال ابن حجر وابن كثير المشهوران في النصب والعداوة للشّيعة : كان أبوه عطّارا يهوديّا ، فأسلم هو واتّصل بغازان فخدمه ، وقال : وله تفسير على القرآن فسّره على طريقة الفلاسفة ، فنسب إلى الإلحاد ، ثمّ قال فصلوا أعضاءه وبعثوا إلى كلّ بلد بعضو وأخروا بقيّة جسده وحمل رأسه إلى تبريز ونودي عليه : هذا رأس اليهودي الملحد ، وعاش نيّفا وسبعين ونحو الثمانين ؛ ومثله قال خير الدّين الزركلي في الأعلام.

أقول : لكن يرشدنا التواريخ والسير ونفس تأليفات خواجه رشيد إلى الحقائق ، وأنّ أصل إسلامه مسلّم بلا شكّ وريب ، بل يمكن أن نقول بتشيّعه ،

٦٦

خصوصا بملاحظة اختيار السّلطان خدابنده مذهب التشيّع بعد إحضار العلّامة الحلّي من الحلّة وحلّ معضله وتفوّقه على علماء العامّة في مناظرة ذكرنا ملخّصها في ترجمته أوّل الكتاب ، وكانوا يعظّمون السّادات ومشاهد الأئمّة الأطهار ، وخصوصا بملاحظة ما قيل من أنّه أي رشيد الدّين أشار إلى السّلطان بتأسيس مدرسة سيّارة للعلّامة وتلاميذه سرت أينما سرى موكب السلطان ، فنرى في زمان هذا السلطان وهذا الوزير ضرب السكّة والخطبة بأسامي الأئمّة الاثني عشر ، ونقش أسمائهم السّامية على رءوس أبواب المساجد والخانات الباقية آثارها إلى الآن في مدينة أصفهان وغيرها ، فحيّ الشيعة حياة طيّبة وتنفّس أبناؤه تنفس من حلّت حبائل الرّقّية من رقبته ، فكانوا مرخّصين في إظهار عقائدهم ونشر كتبهم.

وقد أثنى العلّامة عليه ـ أي خواجه رشيد ـ في أوّل هاتين الرّسالتين ثناء. بليغا يحكي عظمته ، فراجع.

ويؤيّده ما قال ابن حجر في الدّرر الكامنة في ترجمة السلطان خدابنده : كان جميل الوجه إلّا أنّه أعور ، وكان حسن الإسلام لكن لعبت بعقله الإماميّة فترفض وأسقط من الخطبة في بلادنا ذكر الأئمّة إلّا عليّا ، وكان جوادا سمحا.

وقال السيّد الخوانساري : حتّى أنّ في بعض تواريخ العامّة رأيت التعبير عن هذه الحكاية بمثل هذه الصورة :

ومن سوانح سنة سبع وسبعمائة إظهار خدابنده شعار التشيّع بإضلال ابن المطهّر. وأنت خبير بأنّ مثل هذا الكلام المنطوق صدر من أيّ قلب محروق و

٦٧

الحمد لله (١).

هذا ملخّص من حياته السياسيّة ، والسياسة لا تعرف أبا ولا امّا فإنّ الملك عقيم ، فلا يلبث اسم أصحاب السياسة أن يضيع في طيّات الزمن ويختفي في أغوار الدّهر.

حياته الثّقافيّة

أمّا الآن لا بأس أن نشير إلى حياته الثقافيّ الّتي أكسبت رشيد الدّين الخلود وجعلته من أحياء الذكر على طول الدّهر.

فإنّه كان من أفاضل الادباء والأطبّاء والوزراء في أوائل القرن الثامن الهجري. وكان طبيعيّا ماهرا في الفلسفة والرّياضيّات.

قال المستشرق الفرنسي «كاترمير» في مقدمة جامع التواريخ : إذا غضضنا النظر عن الطّبّ الّذي أقبل رشيد الدّين على تعلّمه منذ زمن مبكّر ، وعن شتّى فروع المعرفة الاخرى الّتي ترتبط بهذا العلم برباط مباشر ، وجدنا أنّه أيضا لم يهمل دراسة الزّراعة والهندسة والميتافيزيقا واللّاهوت.

ويقول عنه أيضا : كان مولعا بالمعرفة أشدّ الولع ، فاستطاع رغم كلّ هذه المشاغل والموانع أن يجد لنفسه الوسيلة لمعالجة الآداب والعلوم ، والإحاطة بالدّين الإسلامي إلى أعمق حدّ ، وكان يحيط إحاطة تامّة بكثير من اللغات وهي الفارسيّة والعربيّة والمغوليّة والتركيّة والعبريّة وربّما الصينيّة ؛ ولو لم تشغله السياسة ولم يغرّه الحكم ، لكان له من الشّأن فوق الّذي كان (٢).

وكيف لا يكون من أحياء الذّكر وله من التأليفات مثل «التوضيحات» و

__________________

(١) روضات الجنّات ٢ : ٢٨١.

(٢) أعيان الشيعة ٨ : ٤٠٢.

٦٨

«الجزء الّذي لا يتجزّى» في جواب سؤال فخر المحقّقين ولد العلّامة و «جوابات المسائل الكلاميّة» سأل عنها فخر المحقّقين المذكور ، وعضد الدّين المطرزي ، ونجم الدّين الزركوب ، ونجم الدّين الدامغاني وغيرهم و «تفسير القرآن» المعروف بتفسير الرشيدي كان يحتوي على كثير من مسائل علم التفسير ، وعليه مأتا تقريظ من العلماء بل أكثر ، و «تاريخ غازاني» وغيرها إلى اثنين وخمسين تصنيفا كان النّاس يدرسون فيها.

آثاره الخيريّة

وكان رشيد الدّين من الرّجال الخيّرين ، فاغتنم الفرصة وقام بكثير من أعمال البرّ في تبريز ويزد وغيرها كالخوانك (١) والمدارس ، وغيرها ؛ وقلعة رشيديّة تبريز الموصوف ب «ربع رشيدي» الّتي كانت في شمالي شرقي البلد ذيل جبل «سرخاب» المعروف ب «عينعلي» وأهالي المحلّ يسمّونها «رشيديّة» من جملة آثاره الخيريّة الّتي بنى فيها قريب ألف بيت ومسجدا كبيرا ومدرسة وبيمارستانا وغيرها من سائر أبنية الخيريّة ، صرفت في تأسيسها أموالا كثيرة ، وعيّن لها موقوفات جزيلة ، وأنشأ فيها مكتبة حافلة تشتمل ستّين ألف مجلّد من أصناف الكتب وأنواعها في العلوم المختلفة ، منها ألف مجلّد من كلام الله المجيد استكتبها ووقفها ، أربعمائة منها كتبت بماء الذّهب ، ستّة بخطّ ياقوت المستعصمي ، وعشرون منها بخطوط اخرى من أكابر الخطّاطين.

وبالجملة كان حريصا أشدّ الحرص على حفظ مؤلّفاته ووصولها إلى أقصى نقاط العالم ، ولعلّه كان يعلم ما يمكن أن يكون عليه ، فاستكتب عدّة

__________________

(١) الخوانك جمع خانكاه.

٦٩

نسخ من كتبه بالفارسيّة والعربيّة ، كما استكتب أيضا مجلّدا ضخما ضمّ كلّ مؤلّفاته بالفارسيّة والعربيّة وأودعه في البناء الكبير الّذي شاده في الرّبع الرشيدي ليكون مدفنا له ، ثمّ توسّع دائرة الاحتياط فوقف قسما من ثروته لكتابة نسخة بالفارسيّة ونسخة بالعربيّة في كلّ عام من مجموع مؤلّفاته لترسل إلى مدن الإسلام ، وهي مكتوبة في وصيّته المطبوعة ، فراجع.

لكن مع الأسف ، كلّ ذلك الحذر لم يفده حتّى الرّبع الرّشيدي الّذي يطمئنّ إلى حفظ كتبه فيه ، وضاع ما ضاع من مؤلّفاته ، ولعلّ هذا الحرص منه أبقى لنا تاريخه فإنّه لمّا نكب وقتل كان من أفجع الفجائع إحراق تلك المكتبة بجميع ما فيها من الكتب ، فيا لها من حسرات على قلوب مجروحة ، فكم من كتب لم يصلنا إلّا أساميها ، ولعلّها كانت في مكتبة الرّبع الرّشيدي فذهبت كلّها طعمة للنّار ، ويكفيك أن نذكر منها بعض كتب العلّامة ، وجميع كتب ابن الفوطي ، وكتب المترجم له ، وغيرهم الّذين يبلغ عددهم إلى المآت بل الالوف.

فقال الميرزا محمّد علي المدرّس في ريحانة الأدب : إنّ في زماننا هذا لا يبقى من قلعة رشيدي وكتبها وموقوفاتها أثر (١).

وقد ترجمه العسقلاني في الدرر الكامنة (٢) ، وابن كثير في البداية والنهاية قالا : كان متواضعا ، سخيّا ، كثير البذل للعلماء والصلحاء ؛ وكان يناصح المسلمين ، ويذبّ عنهم ، ويسعى في حقن دمائهم.

وقال البرزالي في ترجمته : كان حسن البراعة وطبيب صادق في القناعة.

قال الذهبي : كان له رأي ودهاء ومروءة ، وكان الشيخ تاج الدّين

__________________

(١) ريحانة الأدب ٧ : ٣٣٧ ـ ٣٤٠.

(٢) الدرر الكامنة ٣ : ٣١٤.

٧٠

الأفضلي يذمّه بدين الأوائل وقدر عليه فصفح عنه ، وفي الجملة فكانت له مكارم وشفقة وبذل وتودّد لأهل الخير ، وعاش بضعا وسبعين سنة.

تأليفاته

وأمّا تأليفاته وآثاره القيّمة كما قال صاحب الذّريعة تبلغ اثنين وخمسين تصنيفا كان النّاس يدرسون فيها (١) ، قال ابن حجر : وقد احرقت تآليفه بعد قتله (٢). وقال الزركلي : احرقت كتبه بعد قتله وبقي منها «جامع التواريخ» أربع مجلّدات بالعربيّة والفارسيّة ، طبعت النسخة الفارسيّة منه باسم «تاريخ غازاني» (٣).

فممّا عدّوه أرباب التراجم له :

١ ـ الآثار والاحياء.

٢ ـ تاريخ غازاني أو «جامع التواريخ» ويقولون تخفيفا : «جامع رشيدي» وهو من آثاره المفيدة شرح فيه من أوّل سلطنة جنكيز خان (٥٩٩ ـ ٦٢٤) إلى زمان الشاه خدابنده (٧٠٣ ـ ٧١٦) طبع في ثلاث مجلّدات.

٣ ـ تفسير القرآن المعروف ب «التفسير الرشيدي» يشتمل على كثير من مباحث علم التفسير وعليه تقريظ أكثر من مأتي عالم.

٤ ـ تقسيم الموجودات.

٥ ـ التوضيحات.

٦ ـ الجزء الّذي لا يتجزّى ، كتبه في جواب سؤال فخر المحقّقين ولد العلّامة الحلّي وأثبت فيه الجزء الّذي لا يتجزّى وهو مادّة تركّب الأجسام عند المتكلّمين ، وفي مطاويه أحال إلى كتبه التوضيحات ومفتاح التفاسير و

__________________

(١) طبقات الشيعة ٣ : ١٦٠.

(٢) الدرر الكامنة ٣ : ٣١٤.

(٣) الأعلام ٥ : ٣٥٩.

٧١

غيرهما.

٧ ـ جوابات المسائل الكلاميّة.

٨ ـ ديوان شعره ، ومن أشعاره :

پيريم ، ولى چو بخت دمساز آيد

هنگام وصال وطرب وناز آيد

از زلف دراز تو كمندى فكنيم

بر گردن عمر رفته تا بازآيد

١١ ـ مفتاح التفاسير ، والظاهر أنّه كان غير تفسيره المذكور سابقا.

١٢ ـ لطائف الحقائق.

١٣ ـ بيان الحقائق.

١٤ ـ الرّسالة السّلطانيّة.

١٥ ـ ترجمة تورات. أقول ولعلّ هذا الكتاب أوقع ابن حجر وغيره في الشّك فقالوا : كان يهوديّا ، ولا يخفى أنّه قاصر عن إثبات ذلك ودونه خرط القتاد ، فإنّ في علمائنا كثيرا ممّن ترجم كتب الشرائع السّابقة ، وهذا حيدر قلي خان سردار الكابلي ترجم الإنجيل وهو من العلماء الأفاضل.

١٦ ـ الوقفيّة الرّشيدي ، طبع باسم وصيتنامه رشيدي.

١٧ ـ نسبنامه ملوك.

١٨ ـ شرح المختصر النّافع ، نسب هذه الثلاثة إليه في الذّريعة.

هذا آخر ما أردت ذكره عاجلا في ترجمة الرّجل ومن شاء التفصيل فعليه بالرجوع إلى :

٧٢

روضة الصفاء ـ الدرر الكامنة ـ البداية والنهاية ـ شذرات الذّهب ـ مجمع الآداب ـ تاريخ البرزالي ـ تاريخ الذّهبي ـ الأعلام للزركلي ـ أعيان الشيعة ـ ريحانة الأدب ـ طبقات أعلام الشيعة ـ تاريخ العراق ـ السلوك للمقريزي ـ مجمع الفصحاء ـ مقدّمة جامع التواريخ الرشيدي وغيرها من التواريخ والتراجم.

الرّسالة ونسخها

هذه الرّسالة جواب ثلاث مسائل سئل عنها خواجه رشيد الدّين فأجاب عنها في مجلس حضره العلّامة الحلّي وهو في السّلطانيّة مركز حكومة الإيلخانيّة الواقعة في مدينة تبريز ، فاستحسن العلّامة الجواب وحرّرها كما قال في مقدّمة الرّسالة الاولى والثانية.

وقمت أنا بتحقيقها معتمدا على النّسخ الموجودة منها في زوايا المكتبات ، فصوّرتها وقابلتها معا وقوّمت نصّها ، وهي ثلاثة نسخ حسب ما هدانا إليه فهارس المكتبات :

١ ـ نسخة منها في مكتبة جامع گوهرشاد ضمن مجموعة فيها استقصاء النّظر ، وهذه الرّسالة للعلّامة الحلّي انتسخها خليل الله بن محمّد إبراهيم الحسيني في شهر شوّال سنة ١٠٧٧ عن نسخة كتبت سنة ٧١٢ وبلغ عرضا وقبالا بنسخة الأصل الّتي بخطّ المصنّف ، فصوّرتها واستفدت منها ، ووجدت فرقا بين هذه النسخة والنسخ الاخرى وهو اشتمال هذه النّسخة على ثلاثة مسائل دون غيرها ، فالمسألة الثالثة في الرّسالة من تلك النّسخة فقط.

٢ ـ نسخة في المكتبة النّاصريّة في لكهنو من مدن الهند تحت رقم ٧١٦ ، كتبها فصيح أصخاني وكتابتها تعود إلى القرن التاسع فصوّرها الأخ العطاردي و

٧٣

نشرها في مجلّة «فرهنگ ايران زمين» ١٩ : ١٠٧ ومنها مصوّرة في مكتبة جامعة طهران تحت رقم ٦٩٢٦.

٣ ـ نسخة ضمن مجموعة في مكتبة الاستاذ محمود الشهابي الخراساني المرحوم استاذ جامعة طهران وهي قريبة من نسخة المكتبة الناصريّة.

هذا تمام الكلام وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين

اللهمّ اغفر لي ولوالديّ يوم يقوم

الحساب

شهر رمضان سنة ١٤١١ ه‍

السيّد محمّد الحسيني

النيشابوري

٧٤

بسم الله الرّحمن الرّحيم

يقول العبد الفقير إلى الله تعالى حسن بن يوسف المطهّر : أمّا بعد حمد الله على سوابغ نعمائه ، والشكر على جزيل آلائه ، حمدا يقصر العادّون عن إحصائه ، وشكرا يعجز العابدون عن أدائه ، والصلاة على سيّد أنبيائه محمّد المصطفى والمعصومين من أبنائه.

فإنّني لمّا امرت بالحضور بين يدي الدرگاه المعظّمة الممجّدة الإيلخانيّة ـ ثبّت الله سلطانها ، وشيّد (١) أركانها ، وأعلى على الفرقدين شأنها ، وأمدّها بالدّوام والخلود إلى اليوم (٢) الموعود ، وكبّت كلّ عدوّ لها وحسود ـ وجدت الدّولة القاهرة مزيّنة بالمولى الأعظم ، والصاحب الكبير ، المخدوم المعظّم ، مربّي (٣) العلماء ، ومقتدى الفضلاء ، أفضل المحقّقين ، رئيس المدقّقين ، صاحب النظر الثاقب ، والحدس الصائب ، أوحد الزمان ، المخصوص بعناية الرّحمن ، المتميّز عن غيره من نوع الإنسان ، ترجمان القرآن ، الجامع لكمالات

__________________

(١) في «ل» : شدّ.

(٢) في «ل» و «ش» : يوم.

(٣) في النسختين : مؤلى.

٧٥

النفس ، المترقّي بكماله إلى حظيرة القدس (١) ، ينبوع الحكمة العلميّة ، وموضع أسرار العلوم الربّانيّة ، موضّح المشكلات ، ومظهر النّكت الغامضات ، وزين (٢) الممالك شرقا وغربا ، وبعدا وقربا «خواجه رشيد الملّة والحقّ والدّين» أعزّ الله أنصاره ، وضاعف اقتداره ، وأيّده بالألطاف ، وأمدّه بالأسعاف ، فوجدت فضله بحرا لا يساحل ، وعلمه لا يقاس ولا يماثل.

وحضرت في بعض الليالي في خدمته للاستفادة من نتائج قريحته ، فسئل في تلك الليلة سؤالين مشكلين ، وبحثين معضلين ، يتعلّق أحدهما بالجمع بين كلام النبي وقول الوصي عليهما أفضل الصلوات وأكمل التحيّات ، ويتعلّق الآخر بالجمع بين آيتين من الكتاب العزيز ، فأجاد في الجواب عنهما ، وأحسن مقاله ، وأعرب في الإبانة عنهما أدام الله إفضاله.

وقد أوردت في هذه الرسالة تقرير ما بيّنه من المقالة ، والله الموفّق للصواب.

__________________

(١) حظيرة القدس : الجنّة.

(٢) في الأصل : تزيّن ، في «ش» : وزير.

٧٦

المسألة الاولى

في الجمع بين كلامي النبي والوصي عليهما‌السلام

إنّه من المعلوم القطعي أنّ الحكمة الربّانيّة اقتضت أن تكون رتبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أعلى من رتبة وصيّه وأشرف ، وكماله أكثر (١) وأوفر ، إذا تقرّر هذا ، ورد الإشكال في قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام : «لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا» فإنّه يقتضي بلوغه في الكمال إلى الغاية الّتي لا مزيد عليها

وفي قوله تعالى حيث أمر نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله بقوله : (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) (٢) فإنّه يقتضي طلب الزيادة في (٣) العلم الحاصل له ، وطلب الحاصل محال ، فيكون حالة السؤال فاقد الكمال المطلوب (٤) ، فتكون مرتبة الوصي عليه‌السلام أعلى من مرتبة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو ضدّ الحكمة.

فأجاب الإمام المفضال ، وابتدأ في المقال ، وقال : هذا الجواب يتوقّف

__________________

(١) في الأصل : أكبر.

(٢) سورة طه (٢٠) : ١١٤.

(٣) سقط من الأصل : في.

(٤) في الأصل : فاقدا لكمال مطلوب.

٧٧

على مقدّمات (١) :

المقدّمة الاولى

في استعداد النّفس لحصول اليقين

وتحقيقه أنّ النّفس الإنسانية خلقت خالية من جميع العلوم والمعارف الضروريّة والكسبيّة ، للعلم الضروري بأنّ أنفس الأطفال في مبدأ خلقهم خالية عن الجميع ، ولا شكّ في أنّها قابلة لها ، لأنّ حصول العلوم الضروريّة والكسبيّة بعد الاستعداد التّام لها ضروريّ ، ولو لا القبول لما حصل لها ذلك ، فإنّ كلّ حاصل بعد أن لم يكن لا بدّ وأن يسبقه إمكان حصوله ، فإنّ القسمة العقليّة في الجهات لا تخلو من ثلاثة : الوجوب ، والامتناع ، والإمكان ، والوجوب الذاتي ليس حاصلا لها قطعا ، ولا الامتناع الذاتي ، فلم يبق إلّا الإمكان الذاتي ، ولها بعد الإمكان الذاتي إمكان آخر استعدادي ، قابل للشدّة والضعف ، إذ الأوّل غير كاف في تحصيل الفيض من واهب الصور تعالى وتقدّس ، بل لا بدّ من هذا الاستعداد ، فإذا تمّ وتكامل أفاض الله تعالى الصورة الموهوبة منه تعالى لقابلها ، كما أنّ الصورة الإنسانيّة الحادثة (٢) تفتقر إلى استعداد قبول جسم خاص لا كلّ جسم ، بل جسم معيّن وهو النطفة لها ، ثمّ إنّ النطفة كلّما ازدادت قربا من الصورة الإنسانيّة ازدادت استعدادا ، وهناك مراتب متعدّدة في المسافة المتوهّمة بين مبدأ الخلقة ومنتهاها ، إذا وصل الاستعداد إلى مرتبة منها استعدّ بواسطة ذلك الاستعداد لمرتبة اخرى ، وهكذا إلى أن يحصل كمال الصورة ، و

__________________

(١) في الأصل : مقدّماته.

(٢) في «ل» : المادّية.

٧٨

على هذا القياس في الصور والأعراض الحادثة (١)

المقدّمة الثانية

في كيفيّة حصول اليقين

قد عرفت فيما تقدّم أنّ النّفس مستعدّة لقبول فيضان العلوم الضروريّة والكسبيّة ، وأنّ كلّ حادث لا بدّ له من استعداد سابق ، ولا شكّ أنّ الله تعالى وتقدّس حيث خلق النّفس البشريّة ناقصة ، لعدم قبولها للصور العقليّة على سبيل الإبداع فيها ، بل على سبيل الصنع ، وجب استناد الاستعدادات المختلفة المراتب إلى أسباب تحدث فيها ، فخلق الله تعالى البدن وجعل النّفس متعلّقة به تعلّق العاشق بمعشوقه لتستكمل (٢) بواسطته في قوى العلم والعمل ، وخلق سبحانه وتعالى بحسب لطف عنايته في البدن قوى مخصوصة جسمانيّة ، درّاكة للصور والمعاني ، وحافظة لهما بعد الغيبوبة ، فتدرك النّفس في مبدأ الفطرة بواسطة القوى الحسّاسة أصناف المحسوسات إدراكا غير تامّ ، ولهذا لا يفرق الطفل بين أمّه وغيرها في ابتداء الخلقة ، فإذا تكرّر منه الإحساس للأشخاص فرق بين أمّه وغيرها ، وكذا باقي المحسوسات ، فإدراك المحسوسات بواسطة الحواس ، وإدراك العلوم الضروريّة الكلّيّة بواسطة الإحساس بالامور الجزئيّة ، لأنّ الاستعداد للعلوم الضروريّة يحصل بواسطة إدراك الجزئيّات ، فإنّ النّفس إذا أدركت زيدا وعمرا وفرسا وحجرا وسوادا ، وتكرّرت الإحساس بذلك مرّة بعد اخرى ، حصل له استعداد إدراك مشاركة بين زيد وعمرو ليست بينهما

__________________

(١) في «ل» : المادية.

(٢) في «ل» : واستكمل ، في «ش» : يستكمل.

٧٩

وبين الفرس ، وإدراك مباينة بينهما وبين الفرس ، (ثمّ تدرك مشاركة بين الثلاثة ومباينة بينها وبين الحجر) ثمّ تدرك مشاركة اخرى بين الأربعة (ومباينة بينها) (١) وبين السواد ؛ فإدراك هذه المشاركات والمباينات إدراك لامور كلّيّة ، غير مكتسبة بالدّليل ، بل موهوبة (٢) من الله تعالى بواسطة الاستعداد الحاصل من إدراك الجزئيّات المحسوسة.

ثمّ إنّ النّفس بواسطة العلوم الضروريّة تستعدّ لاكتساب العلوم النّظريّة ، فتحصل لها من واهب الصور بواسطة تركيب المقدّمات الضروريّة ؛ ولهذه القوى بحسب المراتب أسماء خاصّة :

فاولى المراتب ، وهي حالة خلوّ النّفس عن جميع العلوم الضروريّة والكسبيّة ، تسمّى «عقلا هيولائيا».

وثانية المراتب ، وهي حالة حصول العلوم الضروريّة ، تسمّى «عقلا بالملكة».

وثالثة المراتب ، وهي حالة حصول العلوم النظريّة ، تسمّى «عقلا بالفعل».

ورابعة المراتب ، وهي كون النّفس بحيث يمكنها استحضار العلوم النظريّة (٣) متى شاءت ، تسمّى «عقلا مستفادا».

المقدّمة الثالثة

في ماهيّة اليقين

__________________

(١) ما بين القوسات ساقط في الأصل.

(٢) في «ل» : هو معرفة.

(٣) في النسختين : الضروريّة ، تصحيف.

٨٠