مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ٢

المنصور بالله عبدالله بن حمزة

مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ٢

المؤلف:

المنصور بالله عبدالله بن حمزة


المحقق: عبدالسلام بن عباس الوجيه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦٥
الجزء ١ الجزء ٢

فيه الحكيم سبحانه ، ولا يستقللن من ذلك قليل ولا يستكثرن كثير ، القليل يكثره الله سبحانه ، والكثير هو يستحقه ، ويستأذن الأزواج فيما يفعلن من ذلك إلا أن يكون من أموالهن فلا ضير ولا حرج ، وما أمكن من عتق أو حج أو عمارة مسجد أو منهل فإن ذلك لي نفعه ولفاعله ثوابه مضاعفا لأن فيه بر الوالد وطاعة الرب ، وقد جهدت في المساواة بينهن وبين إخوتهن في إثبات البر للإخوة وتجهيزهن بما أظن أنه يساوي بينهن وبينهم كما قسم الله سبحانه إن لم يكن حظهن أرجح من غير أن أتعمد أثرة.

فأما ما كان من الطين والزرائع فلم أكلف نفسي فيه ما لم أكلفه ووكلته إلى قسمة الحكيم.

والمراد من الجميع الدعاء لي في حال حياتي والترحم والترضية بعد مماتي وأن يحللني الجميع فيما وقع مما يخالف الحكم مما لم أعتمده ولما اعتمدت ؛ لأن أجمع فهو أخرم ويأتي من وراء الحاجة وإن كنت لا أتيقن في ذلك اعتمادا ، وأنا أستغفر الله وأتوب إليه وهو التواب الرحيم ، وأسأله العفو والعافية في دار الدنيا والآخرة ، والسلام عليكم أجمعين ورحمة الله وبركاته.

وصلى الله على رسوله سيدنا محمد وآله وسلم

تمت نساخة هذه الوصية بحمد الله باري البرية غفر الله لكاتبها وكافأه عنه بمنه وكرمه والحمد لله وحده ، وصلوات الله على رسوله سيدنا محمد وآله وسلم

* * *

٥٨١
٥٨٢

وهذه أجوبة مسائل له عليه‌السلام

سأل عنها الفقيه يحيى بن الحسين الريان

سألت أيدك الله فقلت : إذا كانت صنعاء دار حرب وما جانسها ، نحو : عدن ، وزبيد ، والجند ، وتهامة ، وبغداد ، ودمشق ، وغير هذه الجهات ممّا جانسها وكان من يصل إلينا من هنالك أو من يتصل منّا بهم أيضا يترطّب بالدلاء ، ويجلب الهمائن ، والمحازن ، والبطاط ، والحذو ، والسروج ، وسائر الآلات ، ويترطب بالعنب وسواه وما يتصل من رطوبات ذبائحهم ، ويقع الاختلاط في دار الإسلام في الطهور والعيش وسواه ، ما يكون الحكم؟ فغالب الظنّ أن ما به بيت في الجهة ولا إنسان إلا وقد بلغت رطوبتهم إليه ، وهل تصحّ الصّلاة على هذه الصورة أم لا؟ وهل يجب الغسل فيما قد اتصل بالرطوبة من جميع الآلات التي للمسلمين ولحافهم ، كيف يكون الحكم في الماضي والمستقبل؟ وما الفرق في ذلك بين العالم والجاهل؟ وهل يجوز بيع شيء من جلود ذبائحهم الواصلة والانتفاع بها؟

الجواب عن ذلك : اعلم أيدك الله تعالى أن التطهير والتنجيس إنما يقعان شرعا ، والشرع لا يعلم إلا من الشارع الشريف سلام الله عليه وعلى آله الطيبين وهو : بالقول ، والفعل ، والتقرير ، فما كان عن الله تعالى ، وعن رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو المراد بالنصوص ، وما كان عن مجموع الأمة قولا أو فعلا

٥٨٣

أو تقريرا ألحق بذلك ، وما كان عن آحاد الأمة للعلماء فهو الفتاوي ، وما كان عن صفوة العترة عليهم‌السلام فهو علوم ، يقال : علوم آل محمد صلى الله عليه وعليهم وهو أقوى من الفتاوي ، والكل شرع ودين وعلم ، فإذا قد تقررت هذه الجملة فلنذكر دار الحرب ، ودار الإسلام ، ودار الفسق ؛ لأن الدور عندنا ثلاث ، لكل واحدة منها حدّ وحكم.

فأما دار الحرب : فهي كل دار تظهر فيها خصلة أو خصلتان من خصال الكفر ، ولا يحتاج مظهرها إلى ذمة ولا جوار ، ولا يكفي في خروجها من دار الكفر أن يظهر فيها الإسلام إذا كانت الغلبة للكفر ، بأحد ثلاثة وجوه :

ـ إما أن يكون السلطان ممن يرى بتلك الأقوال أو الأفعال الكفرية.

ـ وإما أن يكون الكفر أظهر.

ـ وإما أن تكون الغلبة لأهله.

ودليل ذلك أن مكة حرسها الله تعالى كانت قبل الهجرة دار كفر ، وفيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمسلمون يظهرون دينهم ولا يكالمون فيه أحدا ويغالبون في بعض الأحوال ويتهددون الكفار بالقول ، ويفعلون في بعض الأحوال.

وأما دار الفسق : فهي الدار التي يظهر فيها الفسق بغير متاقاة ولا حشمة من أهل الإسلام ، لأحد الثلاثة الوجوه التي قدّمنا.

وأما دار الإسلام : فهي ما خرج من حدّ دار الكفر ، فإذا علمت هذه الجملة فاعلم أن حكم الدار معلوم موجود في كتب الأئمة عليهم‌السلام من حرمة المناكحة ، والموارثة ، والقبر في مقابر المسلمين ، إلى غير ذلك مما هو معلوم.

وحكم دار الفسق عند من يوجب الهجرة منها ، وهو القاسم بن إبراهيم

٥٨٤

عليه‌السلام ومن تابعه من أولاده ، وقال بقوله من العلماء رضي الله عنهم أنه لا يصلّى على من مات فيها من المسلمين متمكّنا من الهجرة ولم يهاجر ، ولا يقبرون في مقابر المسلمين ولا في مقابر الكفار ، وتحلّ مناكحتهم وموارثتهم ، وذبائحهم عند بعض القاسمية ، ومنهم من منع من ذبائحهم أيضا ، والكلام في ذلك يطول ، وإنما نذكر جملا تدلّ على ما وراءها ، وكل دار يظهر فيها إثبات قديم مع الله تعالى ، كمن يقول : بقدم القرآن ، أو يثبت للباري سبحانه رؤية كالقمر ليلة البدر ، أو يضيف أفعال عباد الله تعالى من المخازي والقبائح إلى الله تعالى ، أو يجوّز عليه سبحانه الظلم ، أو ينفي شيئا من أفعاله عنه ، أو يضيف شيئا من أفعال عبيده إليه فإنه يكون كافرا ، وداره بما قدمنا من الاعتبار دار حرب ، ولا خلاف في ذلك بين القاسمية والناصرية واليحيوية ، وهو قول جميع علماء المعتزلة ومحصّلي العدلية ، لا نعلم أحدا منهم يخالف في ذلك.

والظاهر في دار الإسلام طهارة ما فيها ، ولا يكون للتجويز والتقدير حكم ، فما وجد فيها من الجلود فظاهره الطهارة ، ولا حكم للتجويز والتقدير ، وما كان في دار الحرب من الجلود فحكمه التنجيس ، ولا حكم للتجويز والتقدير.

والحكم عند ظهور المسلمين على دار الحرب طهارة ما فيها من الجلود حكما ، وإن كانت عين النجاسة باقية.

والدليل على ذلك ما علم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل المدينة وهي دار حرب ، ونواضحهم تسنى بجلود ذبائحهم وذبائح غيرهم من الكفار وقربهم وغروبهم وآنيتهم من الجلود ، فما أمرهم بإبعاد شيء من ذلك ولا تبديله ، بل طهرت حكما بالإسلام ، ومثل ذلك لا ينكر أن تنقلب عين النجس طاهرة في

٥٨٥

الحال لحدوث أمر ، كما نعلمه في الكافر أنه عند الهادي عليه‌السلام نجس الذات كالكلب ، والخنزير ، والميتة ، فإنه متى نطق بالشهادتين انقلب طاهرا في الحال حكما والعين باقية ، وإنما ذكرنا هذا الاستدلال محاذرة من إنكار الجاهل ، يقول : كيف يكون الأديم نجسا ثم ينقلب طاهرا في الحال وعينه باقية؟

قلنا : لتجدد أمر وهو غلبة الإسلام على أرضه ، كما نعلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما فتح مكة حرسها الله عنوة وهي دار حرب لم يؤثر عنه أنه أمرهم بإبعاد شيء من أدمهم (وجلودهم) (١) وأسقيتهم وآنيتهم الآدمية ، وكذلك الطائف وهو مشهور بكثرة الأدم لما أسلموا أقرّهم على ما في أيديهم من الجلود ، ولو تتبعنا ذلك لطال فيه الشرح ، ولو غلبنا على البلاد لانقلبت الجلود التي فيها طاهرة بالغلبة ، وهذه براهين يعرفها أهل العلم ، والعلم حاكم على الجهل ، ولم يؤثر عن أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنهم كانوا يمتنعون من استعمال ما غلبوا عليه من الجلود ، بل تطهر بالغلبة ، وفرّع أهل العلم هذه المسألة أن دار الإسلام طاهرة ، وطاهر ما فيها ، ولا علة في ذلك إلا غلبة الإسلام حتى أطلق عليها : دار الإسلام ، والتنجيس لا يقع بغالب الظنّ وكذلك التطهير ، فاعلم ذلك.

ويجوز عندنا الانتفاع بالنجس كالزيت النجس ، والسمن ، والجلد ، ويشترى ويباع وهو معيب بالنجاسة ، فإن بيّنه بائعه وإلا ردّ بالعيب ، وينتفع بالدهن النجس للسراج وما جرى مجراه ، وكذلك الجلود ينتفع بها في جميع ما نفعت فيه ولا يترطّب بها ، ولو قيل بغير ذلك لوقع الحرج ، والعلة في جوازه جواز بيع الكلب وشرائه والانتفاع به وهو نجس الذات ، ولم يعلم من أحد من

__________________

(١) زيادة في (ب).

٥٨٦

المسلمين كافة من منع دمن الأرض بالنجس ولا تحريمه ، والغالب على الدمن النجس ، ولا يعلم المنع من ترك الوقاء على الحمار ، والسرج على الفرس ، بعد تنجسه بدم الدبر والعقر إلا أن يغسل ، ولا الالتحاف بالثوب النجس ، ولا يتربط به ، ولا وجوب غسله إلا لمن أراد الصلاة عليه ، وقد أعارت عائشة رضي الله عنها رجلا بساطا لها فاحتلم فيه وغسله قبل ردّه ، فقالت : (أفسد علينا بساطنا) وهي أحد العلماء ، ولم ينكر عليها أحد من الصحابة ، واستدل من يقول بطهارة المني بهذا ، وقلنا نحن في تأويل الحكم : إنه إنما أريد به الافتراش دون الصلاة عليه ، فغيّر عليها صباغه ، وكان لا يجب غسله ، فتفهّم ذلك.

واعلم : أنّا قد بلينا بما لم يبل به من تقدّم من أهل العلم ، وهو أن كل سائل يطالب بالدليل ، وجل أهل العلم بل كلهم إلا القليل قالوا : لا يجب على المفتي تبيين علة الحكم. وكتب الأئمة [عليهم‌السلام] وعلومهم تنبي بذلك فإنك تجد أقوالهم مجردة عن العلل والشروط والأسباب والأدلة ، وإنما علّل العلماء أقوالهم بعد ذلك ، وإن كانوا لم يقولوا إلا الأصل ودليله ، فهذا ما تحملته هذه المسألة.

وسألت : ما حكم الشيوخ المتقدّمين من أهل العلم رحمة الله عليهم في وقت الغزو قبلهم؟

والجواب عن ذلك : أن أمورهم تحمل على السلامة ، ويكفي في ذلك أن نقول : الأصل صحة اعتقادهم وعلمهم ، فحسن الظنّ بهم يوجب أنهم ما فعلوا ذلك إلا لوجه يجيزه ، إما بإذن (١) من إمام عصر ، وإما أن تكون البلاد قد

__________________

(١) كذا في (أ) ، وفي (ب) : إما من إذن إمام عصر.

٥٨٧

استوت في الحكم ، فلا معنى للانتقال من جهة إلى جهة وحكمها واحد ، وإما لتعذّر الانتقال ، هذا هو الحكم العام في المسلمين كافّة.

وأما العلماء فلهم حكم آخر ، وهو أنهم ورثة الأنبياء عليهم‌السلام ونحن نحكي ذلك مرفوعا «أن العلماء ورثة الأنبياء وفي الآخرة من الشهداء» ، ونحن نروي : «أن للأنبياء على العلماء فضل درجتين ، وللعلماء على الشهداء فضل درجة» ، فإذا كان كذلك وقد علمنا أن فرض الأنبياء عليهم‌السلام معاشرة الكفار والفراعنة لإيصال حجة الله إلى عباده ، فكذلك العلماء لئلا تبطل حجج الله تعالى ؛ لأن العالم إذا هرب من الجهّال والكفّار بعلمه ولم يوضّح حجة الله تعالى على عباده كان قد أخلّ بما يجب عليه لربّه ، وهذا في غير أعصار الأئمة عليهم‌السلام فأما في أعصارهم فيجب ردّ الأمر إليهم في الإثبات ، والنفي ، والفعل ، والترك ، لقوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء : ٥٩] ، وأولو الأمر هم : الأئمة ، وقال تعالى : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء : ٨٣] ، فيجب على الأمة في وقت الإمام رد الأمر إليه ، قال تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) [الأحزاب : ٣٦].

وحكم أهل بوادي صنعاء حكم أعراب المسلمين على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس لهم حكم أهل الهجرة ولا حكمهم حكم الكفار ، وعلى المسلمين لهم النصر إن احتاجوا إلى ذلك ، إلا على قوم بيننا وبينهم ميثاق.

٥٨٨

وسألت : هل يجوز السلام على أهل دار الحرب باليد أم لا ، وبالكتاب ، أو ردّ في كتاب ، أو لفظ شفاه؟ وهل لفسح الإمام في ذلك تأثير؟

الجواب عن ذلك : أنّ ردّ السلام جائز باليد ، أو اللفظ ، أو الكتاب ، وردّ الجواب واجب ، ولا يفتقر ذلك إلى فسح الإمام إلا أن يكون قد حظره لمصلحة رآها.

والدليل على ذلك أن أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانوا يختلطون بالكفار ويسلّمون عليهم ، وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكتب إلى الكفار يدعوهم إلى الله تعالى ، ويستفتح كتبه : «سلام الله عليكم ، فإنّا نحمد الله إليكم». وقال له أصحابه : يا رسول الله ، إنّا نجالس اليهود في كثير ، فيعطس أحدهم ، فنستحي منهم ، ولا ندري ما نقول لهم؟ فقال : «قولوا : يهديكم الله ويصلح بالكم» وهذا أبلغ من مصافحة اليد ؛ لأنه دعاء ، وقد قال لعتبة بن ربيعة : «يا أبا الوليد» ، وفي الكنية إنصاف ، ونحن نروي ذلك مسندا.

فأمّا لمن يدعو إلى الله سبحانه فلا كلام في ذلك ، وهو أبلغ من هذا كله ، وقد قال تعالى لموسى وهارون عليهما‌السلام : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى) [طه : ٤٤] ، ولا بدّ من تقديم السلام على القول اللين ؛ لأن ترك السلام من الجفوة عرفا وشرعا ، وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرد على اليهود سلامهم إذا سلّموا عليه ، حتى قالوا لعنهم الله تعالى : السّام عليك يا محمد. فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وعليكم». فقالت عائشة من خلف الستر : بل عليكم يا إخوان القردة. وهم يريدون الموت ، فإن كان في موضع غلظة أو إقامة حدّ أو مصادفة فعلهم لمنكر لم يسلم عليهم شرعا.

٥٨٩

وسألت : هل يجوز للمسلم أن يتصرف فيما في أيدي الأجناد والظلمة من الكفرة الذين لهم دار يمضون فيها أحكامهم ، إلى آخر ما ذكره في المسألة؟

الجواب عن ذلك : أنّ تصرف المسلم في أموال الكفار لا يكون إلا بسلم أو حرب ، فإن كان بسلم جاز ذلك بإذنهم ، وإن كان بحرب فهو فيء للمسلم فيه ما للمسلمين ، وهم يملكون علينا أموالنا ونملك عليهم أموالهم بالقدرة ، وإن أسلموا على شيء فهو لهم ، وإن غلبناهم على أرضهم كانت فيئا ، وللإمام أن يقرّها في أيديهم ، وأن ينزعها منهم ، وأن يردّها على أربابها ، وأن يعطيها سواهم ، وأن يقسّمها على الغانمين ، وأن يجعلها خراجية ، أي ذلك فعل فهو جائز ، ولا فرق بين ما يؤخذ منه هبة أو ببيع أو غنيمة في وقت الحرب ، وأنت تعلم أن الكل من الزيدية ، بل العدلية لا تطلق على مرتكبي الكبائر اسم الإيمان ولا الإسلام الشرعيين ، فقد خرجوا عن كونهم مؤمنين ومسلمين بالاتفاق ممّن ذكرنا ، فكيف يخرجون من أسماء المسلمين ، ودارهم دار إسلام وليسوا مسلمين ، أو إيمان وليسوا بمؤمنين.

وأما التهويل بأسماء (١) البلدان وتكبيرها وتعظيمها ، بلد كذا ، بلد كذا ، فذلك لا يؤثر عند أهل المعرفة ، ولا يفزع منهم أهل البيت عليهم‌السلام وإطلاقاتهم بتكفير من خالفهم كثيرة ، وقد ذكرناها في بعض كتبنا وعيّنا مواضعها من كتبهم عليهم‌السلام وإذا كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «بعثت بين جاهليتين أخراهما أعظم من أولاهما» ، فكيف يكون حكم الجاهلية العظيمة إذا كان حكم أهلها الإسلام ، ولم تكن دارهم دار حرب أو تكون منتظرة ، ففي

__________________

(١) في (أ) : باسم البلدان.

٥٩٠

الحديث : «أن الأصنام لا تعبد بعده» ، وإن روي (غير هذه الرواية) (١) فهذه الرواية أصحّ ، فتأمل ذلك ، وقد دخل حكم حجه تحت الجواب في المسألة الأولى ، وأنه يعتبر الغلبة والسلطان.

وسألت : هل يجوز للمسلم أن يأكل عند الظلمة؟ فما الدليل؟

الجواب : أن ذلك يجوز ، ودليله أن علماء المسلمين لم يتوقوا ذلك ، وكانوا يأكلون عند معاوية وغيره فلا ينكر أحد على أحد ، وإنما أحدث الامتناع عن (٢) ذلك الفرقة المرتدة الشقية المسماة بالمطرفيّة ، وكانوا يمتنعون من أكل زاد الظلمة ويأخذون ما أعطوهم من طعام أو دنانير ، فأحدثوا بدعة واستمروا عليها فكادت تكون عند من لا معرفة له سنة ، إلا أن يتعيّن حرام فلا يجوز أكله ، ولا فرق في ذلك بين غني وفقير ، وفي غير وقت الإمام لا يجوز تناول بيت المال إلا للفقراء.

وسألت : إذا فسح الإمام في تناول شيء من الحقوق لنفسه أو لغيره ، أو يسلمها (٣) من نفسه إلى مستحقها ، هل هو على فسحه ما لم يحظر عليه الإمام أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن الفسح يصحّ ، ويجب تجديده عند تجدد الحوادث ، إن كان في ثمرة استأذن في الأخرى ، أو في حقّ معين استأذن في جنسه ، أو في حركة إلى جهة استأذن إذا أراد الرجوع مرة أخرى ، ولا تعم الأوقات إلا بالولايات المطلقة ، فاعلم ذلك.

__________________

(١) في (ب) : غير ذلك.

(٢) في (ب) : من ذلك.

(٣) في (ب) : أو تسليمها من نفسه.

٥٩١

وسألت : إذا حضر المسلمون لضيفة في خطبة بين قوم أو عزاء ، هل يأكل أم لا؟

الجواب : أن له أن يأكل ؛ لأن الظاهر الإباحة ، فأما في الأعراس فيجب ؛ لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر عبد الرحمن بالوليمة فقال : «أو لم ولو بشاة» وأمر بانتهاب النثار ، وفي سائر ما ذكر يجوز قولا واحدا ، وهل يكره أم لا؟ فما غلب في الظن اختلاله كره إلا أن يعلم حراما معينا حرم تناوله ، فأما التجويز والظنّ فلا يؤثر في ذلك.

وسألت : هل يجوز للإمام أن يعطي الغني من الزكاة والكفارة وغيرهما من الحقوق؟ وإن كان يشتري بها الأموال هل يسوغ له (أعني الأخذ)؟ وما الفرق بين الإمام والوالي في ذلك مع أنه ليس بمؤلف ولا مجاهد إلا بقلبه ولسانه؟ وإن كان ذلك حد إمكانه ، ويعدّ بذلك من جملة المجاهدين ، ويستحق ما يصير إليه ، وما الفرق بين أن يكون غناه ظاهرا للإمام أو غير ظاهر؟

الجواب [عن ذلك] (١) : أنه يجوز للإمام أن يعطي الزكاة والكفارة وغيرهما من الحقوق العاصي والمطيع والمؤمن والكافر ، وسواء شروا بها الأموال أم فعلوا بها ما شاءوا ، والدليل على ذلك ما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفعله ، فإنه أعطى المال عبدة الأوثان وهم باقون على حربه ، وأعطى يهوديا من صدقة بني زريق بعضا بدين كان عليه وبعضه وهبه له ، وكل ذلك نرويه مسندا ، ويسوغ للآخذ على كل الأحوال ، ولا يشرط في تناول الأموال الصلاح إلا الفرقة الملعونة المرتدة الشقيّة ، المسماة بالمطرفيّة ، فإنهم جعلوا مجال الأموال على أهل

__________________

(١) زيادة في (ب).

٥٩٢

الإيمان ، وحصروا الإيمان على قولهم ودينهم فتحجروا واسعا وحظروا واسعة لا تنحصر ، قال تعالى مخاطبا للكفار : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) [البقرة : ٢٩] ، ولو فرق بين الإمام والوالي المطلق اليد في المال ومن جاهد بقلبه ولسانه ممن لا يقدر على غير ذلك فقد أدّى ما عليه ويعدّ مجاهدا ، ومثل هذا الجواب مروي عن علي عليه‌السلام في حديث طويل : «من أنكر بقلبه فقد نجا ، ومن أنكر بلسانه فله أجر ، ومن أنكر بيده فلا تدري نفس ما أخفي لهم من قرة أعين» ، فنوع المجاهد على المجاهدين بهذا ، ومتى كان غناه غير ظاهر للإمام لزمه تعريف الإمام أو الوالي ذلك ؛ لأنهم قد لا يعطون إلا للفقراء ، فمتى عرفهم ذلك فأعطوه جاز له تناوله.

وسألت : ما الفرق بين الزكاة وبين المال الذي للمظالم ، والكفارة ، والخراج ، والصلح ، والجزية؟ وما يجوز للغني وما لا يجوز؟ والفرق بين الفاسق في ذلك والمؤمن؟

والجواب : أنّ الزكاة لا تجوز لبني هاشم ولا لمواليهم ، ومال المظالم يجوز لبني هاشم ، والكفارة تجري مجرى الزكاة ؛ لأن الزكاة تطهّر المال ، والفطرة (١) تطهّر الجسد ، والكل غسالة أدران الناس ، فكيف يحلّه الله تعالى لنبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته صلوات الله عليهم والكفارة أدخل في باب التحريم ، وإن كان الكل حراما ؛ لأنها غسّالة الأجساد ، والصلح ما يجوز فيه بعد انقضاء أجله الزيادة والنقصان ، والجزية محدودة لا بزيادة فيها على أجناسها ولا نقصان ، وكان أهل الذمة على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الرأس دينار دينار ، واستقرت الجزية على عهد الصحابة بإجماع الأئمة عليهم‌السلام ولأهل البيت عليهم‌السلام فيها وفي

__________________

(١) في (ب) : والكفارة تطهر الجسد.

٥٩٣

الصلح الخمس ؛ لأنه من الفيء ، ويجوز للغني والفقير من أهلها ، ولا يعطي الفاسق من هذه الأموال إلا الإمام أو من يقوم مقامه ، ولا يجوز للفاسق أن يأخذ ولا للمعطي أن يعطي إلا الإمام أو من ينوب عنه.

وسألت : هل يجوز شيء من الحقوق لمن يخرج عن الثمانية الأصناف ، وهو لا يجاهد بلسان (١) ولا مال ، ويكره الشر على المخالفين ذلة لا بغضا ، ويقول : لم يتعبدنا الله تعالى بهذا ومعه أشياء جزيلة وغناه ظاهر إلا عند الإمام؟

الجواب عن ذلك : أن الأمر في هذا المال إلى الإمام وهو متعبّد بنظره في ذلك ، وقد يجوز أن ينظر ما لا ينظر غيره ، فليس لغيره أن يعترض عليه بما يخطر بباله ويحصر الوجوه على ما يظهر له.

وأما من يكره الشر على المخالفين فذلك معصية ؛ لأنهم يستحقون الإهانة والسبّ والبراءة واللعن ، وسواء فعلنا ذلك أو لم نفعله فهذا حكم.

وأما تركه لذلك ذلة ، فنحن نروي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن «المؤمن لا يكون بخيلا ولا جبانا» ، ولا يجتمع الجبن والبخل في قلب مؤمن ، فإذا كان غنيا لم يجز له أخذ المال إلا بعد تعريف الإمام ، فإن أمره وأعطاه جاز ذلك ؛ لأنه قد يعلم ما لا يعلمه غيره.

وسألت : هل يجوز لمن يتخلّف عن الجهاد مع التمكّن بشيء من الحقوق ، ويجعل عذره أن الإمام قد فسح له ، أو يتعذر بخوف الظلمة أو بضياع المال والعيال أو بالتعليم؟ وهل يكون له سلامة ، أم كيف (يكون) (٢) حكمه؟

__________________

(١) في (أ) : بلسانه.

(٢) زيادة في (ب).

٥٩٤

والجواب عن ذلك : أن الجهاد فريضة من فرائض الله تعالى العظام ، ونحن نروي في ذلك عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (أنه قال) (١) : «الجهاد سنام الدين» ، وسنام الجزور أفضلها بالاتفاق ، وفي ذلك اتفاق أهل الفقه أن رجلا لو أوصى بشيء من ماله لأفضل وجوه البر لصرف إلى الجهاد ، ونحن نروي عن أبينا (عن) (٢) علي بن أبي طالب عليه‌السلام أنه قال : (فيكون في آخر الزمان قوم متقرءون ، متنسكون ، متفقهون ، لا يوجبون أمرا بمعروف ، ولا نهيا عن منكر ، إلا إذا درّت لهم معايشهم ، وسلموا في أمر دنياهم ، فلو أن الصلاة والصوم أضرّا بشيء من دنياهم لرفضوهما ، وقد رفضوا من الفرائض أسنمها وأشرفها الجهاد في سبيل الله ، فريضة تقام بها الفرائض ، وتحيا بها السنن ، وتعمر بها الأرض ، وينتصف بها من الأعداء) ، ولا حق في هذا المال إلا لمن جاهد أو كان بجهده وطاقته مع المجاهدين.

وأما الفسح والإذن فلا يكون إلا في حكم واحد ووجه واحد ؛ لأن لكل حركة للجهاد فرضا محدودا (٣) فلا بد من إذن جديد ، وإن استأذن الإمام وأذن له وكان لا عذر له عند الله تعالى فذلك لا يجزيه ولا يخلصه عن عهدة ما لزمه.

وأمّا العذر لخوف الظلمة فبعيد من الصواب جدا ، وأي جهاد لا يخاف صاحبه ولا يخيف!! وإذا كان الله تعالى قد (اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ) [التوبة : ١١] ، والقرآن آكد حكمه في كبار الكتب المنزلة الشريفة ، فهل

__________________

(١) زيادة في (ب).

(٢) سقطت من (ب).

(٣) في (ب) : فرضا محددا.

٥٩٥

يستحقّ المبيع من لا يسلّم الثمن!! أو ليس الغريم إذا نوى حكم للبائع بالمبيع زال ، وكذلك المشتري إذا مطل البائع في ثمن المبيع كان حكمه حكم السارق وزال حكم البيع ، وإنما يكون حكمه حكم السارق ؛ لأن من شرى شيئا معيّنا بمال معيّن ثم خبّأه من البائع وغباه ودافع دونه يكون حكمه حكم السراق : سرق نفسه ، وماله ، ودينه.

وأما الاعتذار بالمال والعيال فذاك من أعذار الأعراب فلم يقبلها ربّ الأرباب ، قال تعالى : (سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَأَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ بِكُمْ ضَرًّا أَوْ أَرادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) [الفتح : ١١].

وأما اعتذاره بالتعليم فلما ذا يتعلم ، إنما يراد العلم للعمل ، فما ينفعه علمه وقد ترك أفضل الأعمال ؛ ولئن مكّن الله تعالى لنفردنّ في هذا المعنى كتابا لله سبحانه ينفع الله به المسلمين ، ويقمع به المجرمين ، ولا سلامة لمن ترك الجهاد ولا كرامة لا في الدنيا ولا في الآخرة.

وسألت : عمّن معه وصايا يقبلها ، وهي خراب ، وهو لا يعمرها؟

الجواب : أن ذلك لا يجوز ، بل يجب إصلاحها ، فما حصل من غلاتها كان لمصارفه ووجهه ؛ لأنه لا يجوز مخالفة غرض صاحبها ، وغرض صاحبها بكثير الخلاص أو الثواب ، وذلك لا يقع مع خرابها ، ولا يحصل الثواب إلا بما يحصل منها.

وسألت : هل يجوز لوالي الإمام أن يخلص الغارمين من بيت المال مما يجمع من الزكاة ، والكفارة ، وبيت المال ، وإن لم يعين له الإمام؟ وما الفرق بين الغني

٥٩٦

والفقير في ذلك ، وبين العاصي والمطيع؟ وما حقيقة الغارم؟ وهل ذلك ثابت لجميع المتصرفين أم لا؟

الجواب عن ذلك : أنّ الغانم نقيض الغارم ؛ لأن الغانم الآخذ والغارم المعطي ، وهو في الشرع من عليه الديون لأنهم يعطون ، والزكاة والكفارة حكمهما واحد ، وبيت المال : هو مال المصالح ، ومن أعظم المصالح قضاء الديون.

وأما الغارمون أهل الديون (من) (١) الأغنياء ؛ لأن الله تعالى جعلهم نوعا غير الفقراء والمساكين ، ولا فرق في وقت الإمام في جواز قضاء دين العاصي كالمطيع ؛ لأنه إذا جاز إعطاؤها لغير الدين فللدين أولى ، ويجوز ذلك لمن كانت ولايته عامة أو كان مأذونا له من المتولين.

وسألت : هل يجوز لمن كان من أصحاب الإمام ، الملتزمين بطاعته ، العاملين بالكتاب والسنة أن يولّوا المساجد والأيتام والإنكاح لمن لا ولي لها ، ويقيم الجمعة ، ويأمرون من يقيمها ، ويعمرون المساجد في الأرض البيضاء أو في أرض بيت المال أو في أرض بإذن مولاها ، ويأمر من لا يخرج الحقوق إلى الإمام أن يضعها في المستحقين من أهل مذهب الإمام ، متى علم أنها لا تصل إلى الإمام ، ولا ولاية لمن يفعل ذلك من الإمام ولا من واليه؟

الجواب : أنّ هذا السؤال اقتضى إماما آخر ؛ لأن الإمام لا يراد إلا لما ذكرت ، فإذا جاز ذلك من دون الإمام فما يراد بالإمام ـ والحال هذه ـ وكل ذلك لا يجوز إلا بالإمام أو بمن له ولاية من قبله.

وسألت : عمّن يجني جناية وهو دون البلوغ ، هل يفرق بين أن يكون له مال

__________________

(١) زيادة في (ب).

٥٩٧

أو لا مال له ، أو قرابة أو لا قرابة؟ وما حدّ الجناية التي تتعلق بالمال؟ وما الجناية المتعلقة بالعاقلة؟ وما الحكم إذا تغلبت العاقلة؟ وما الفرق بين الجناية في المال والبدن؟ وما الفرق بين غناه وفقره عند الجناية وعند المطالبة؟

الجواب : أن الصبي عمده خطأ ، فالموضحة فما فوقها تلزم عاقلته ، وإن لم تكن له عاقلة فالمسلمون ؛ لأنها تتعلق بالناصر ، ولا ناصر للمسلم إلا المسلمون ، وما كان دون ذلك كان في ماله عند الجناية إن كان له مال ، وعند وجدان ذلك إن طولب فيما بعد ، وتغلب العاقلة لا يلزمه المال في خاصة نفسه ، والجناية في المال تلزمه في خاصة ماله ، وعندنا أنه لا فرق بين أن يكون غنيا أو فقيرا حال الجناية ؛ لأنه يعتبر بلزوم الحقّ ، ولا يشترط فيه الغنى والفقر كالذي يتديّن مال الغير ، وإنما يجب الأداء بشرط وجود المال.

وسألت : عن شهود النكاح إذا كانوا غير عدول ، هل يلحق النسب أم لا؟ وما يصحّ من أحكام الزوجية؟

الجواب : أنّ النكاح لا يخلو إما أن يكون في دار فيها العدول المعتبرون في الشرع عندنا أم لا ، فإن كان في دار فيها العدول المعتبرون عندنا فالنكاح يكون فاسدا ، وحكمه حكم الصحيح إلا في أشياء مخصوصة : أن لا يحصنا به ، ولا لعان بينهما ، ولا يلزم المهر بالخلوة ، ولا نصف المسمّى بالطلاق قبل الدخول ، ولها الأقل من المسمّى أو مهر المثل بعده ، ولا يقع عليها عدة مع الخلوة بدون وطئ ، ولا يلزمها إحداد ، ولها الخروج في حياته بغير إذن ، ولا يجب عليها لزوم بيته بعد وفاته ، ولا ميراث لها ، فأما النسب فيلحق على كل حال.

فأما إن كان في دار لا يوجد فيها العدول المعتبرون في الشريعة فعندنا أن

٥٩٨

أهلها جنس قائم بنفسه كما نقول في أهل الملل ، فحكمه ـ والحال هذه ـ حكم الصحيح عندنا سواء سواء ، ولهذا فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجم اليهوديين الزانيين ، ونكاحهما إنما كان بشهادة اليهود ، وعقدهم ، وليسوا بعدول في شرعنا ، فاعلم ذلك موفقا.

وإنما وقع الجواب من غير تمكّن لما نشاهد من الأشغال ، ومن الله تعالى نستمد التوفيق والعون ، والسلام.

بخط أفقر عبيد الله وأحوجهم إلى عفوه وكرمه عبد الله بن داود الحيمي عفا الله عنه.

نقلت من نسخة مقابلة بالقراءة على الشيخ محيي الدين.

* * *

٥٩٩
٦٠٠