مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ٢

المنصور بالله عبدالله بن حمزة

مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ٢

المؤلف:

المنصور بالله عبدالله بن حمزة


المحقق: عبدالسلام بن عباس الوجيه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦٥
الجزء ١ الجزء ٢

سلسلة

الذهب الإبريز والإكسير العزيز

رواته ذرية سيد المرسلين

عن جدهم يعسوب المسلمين

٥٦١

بسم الله الرحمن الرحيم

أخبرنا الأمير السيد العالم العلامة ، فخر الدين : إبراهيم بن أمير المؤمنين عبد الله بن حمزة ، يوم الجمعة ، يوم النصف من شوال من شهور سنة تسع وثلاثين وستمائة في (مسجد القاهرة) حرسها الله تعالى ، قال : أخبرنا الفقيه الأجل الأوحد الفاضل ، جمال الدين : عمران بن الحسن بن ناصر العذري الهمداني قراءة عليه في شهر جماد الآخرة ، قال : أخبرنا الشيخ العالم الفاضل ، أبو القاسم : عبد الرحمن بن أبي جرمي فتوح بن يلين العطار قراءة منه علي يوم السبت بواقي أربعة أيام من شهر القعدة من سنة تسع وستمائة ، قال : أخبرنا السيد الشريف ، نقيب السادة ب (حلب) فخر الدين ، أبو جعفر : أحمد بن محمد بن جعفر الحسيني رضي الله عنه قال : حدثنا الإمام الأجل السيد سراج الدين ، شمس الأهلة ، فقيه المشايخ : محمد بن علي بن ياسر الأنصاري رحمه‌الله قال : أخبرنا السيد الإمام الأطهر ، شرف الدين ، نقيب السادة ب (بلخ) ، أبو محمد : الحسن بن علي بن أبي طالب الحسيني قراءة علينا من لفظه غير مرة في سنة سبع وعشرين وخمسمائة ، قال : حدثني سيدي ووالدي أبو الحسن : علي بن أبي طالب في سنة ست وستين وأربعمائة ، قال : حدثني سيدي ووالدي أبو طالب : الحسن بن عبد الله الحسيني في سنة أربع وثلاثين وأربعمائة ، قال : حدثني سيدي ووالدي أبو علي عبد الله بن محمد ، قال : حدثني سيدي ووالدي محمد ، قال : حدثني سيدي ووالدي عبد الله ، قال حدثني سيدي ووالدي علي ، قال : حدثني سيدي ووالدي الحسن الأمير أول من دخل (بلخ) من هذه الطائفة ، قال : حدثني سيدي ووالدي جعفر الملقب بالحجة ، قال : حدثني سيدي ووالدي عبد الله الزاهد ، قال : حدثني سيدي ووالدي الحسن الأصغر ،

٥٦٢

قال : حدثني سيدي ووالدي علي زين العابدين ، قال : حدثني سيدي ووالدي الحسن المظلوم الشهيد سبط النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : حدثني سيدي ووالدي أمير المؤمنين ، ويعسوب الدين علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

١ ـ «ليس الخبر كالمعاينة».

٢ ـ وبهذا الإسناد : «المجالس بالأمانة».

٣ ـ وبه : «الحرب خدعة».

٤ ـ وبه : «المسلم مرآة المسلم».

٥ ـ وبه : «المستشار مؤتمن».

٦ ـ وبه : «الدال على الخير كفاعله».

٧ ـ وبه : «استعينوا على الحوائج بالكتمان».

٨ ـ وبه : «اتقوا النار ولو بشق تمرة».

٩ ـ وبه : «الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر».

١٠ ـ وبه : «الحياء خير كله».

١١ ـ وبه : «عدة المؤمن كآخذ بالكف».

١٢ ـ وبه : «لا يحل للمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام».

١٣ ـ وبه : «ليس منا من غشنا».

١٤ ـ وبه : «ما قلّ وكفى خير مما كثر وألهى».

١٥ ـ وبه : «الراجع في هبته كالراجع في قيئه».

١٦ ـ وبه : «البلاء موكل بالمنطق».

١٧ ـ وبه : «الناس كأسنان المشط».

١٨ ـ وبه : «الغنى غنى النفس».

١٩ ـ وبه : «السعيد من وعظ بغيره».

٢٠ ـ وبه «إن من الشعر لحكمة ، وإن من البيان لسحرا».

٥٦٣

٢١ ـ وبه : «عفو الملوك أبقى للملك».

٢٢ ـ وبه : «المرء مع من أحب».

٢٣ ـ وبه : «ما هلك امرئ عرف قدره».

٢٤ ـ وبه : «الولد للفراش وللعاهر الحجر».

٢٥ ـ وبه : «اليد العليا خير من اليد السفلى».

٢٦ ـ وبه : «لا يشكر الله من لا يشكر الناس».

٢٧ ـ وبه : «حبك الشيء يعمي ويصم».

٢٨ ـ وبه : «جبلت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها».

٢٩ ـ وبه : «التائب من الذنب كمن لا ذنب له».

٣٠ ـ وبه : «الشاهد يرى ما لا يرى الغائب».

٣١ ـ وبه : «إذا جاءكم كريم قوم فأكرموه».

٣٢ ـ وبه : «اليمين الفاجرة تدع الديار بلاقع».

٣٣ ـ وبه : «من قتل دون ماله فهو شهيد».

٣٤ ـ وبه : «الأعمال بالنيات».

٣٥ ـ وبه : «سيد القوم خادمهم».

٣٦ ـ وبه : «خير الأمور أوساطها».

٣٧ ـ وبه : «اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم الخميس».

٣٨ ـ وبه : «كاد الفقر أن يكون كفرا».

٣٩ ـ وبه : «الشعر قطعة من العذاب».

٤٠ ـ وبه : «خير الزاد التقوى».

وصلى الله على محمد وآله وسلم.

* * *

٥٦٤

كتاب وصية البنات

مما أوصى به أمير المؤمنين عبد الله بن حمزة بن سليمان بن رسول الله صلى الله عليه وكان ذلك عند حركته السعيدة إلى المغارب شطب وسواه في شعبان سنة ثمان وستمائة

٥٦٥
٥٦٦

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله

الحمد لله الذي بدوام حمده استحق من العباد حمده ، وبإخلاص عبادته أصاب المتعبد رشده ، وصلى الله على النبي المنتجب ، وعلى ذريته أئمة العجم والعرب.

أما بعد :

فإن حق الوالد على الولد يترتب على قيام الوالد بحق الولد ، قال الله تعالى : (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً) [الإسراء : ٢٤] ، فوجوب الرحمة عليهما فرع على تقدم التربية منهما ، وقال تعالى : (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) [الأحقاف : ١٥] ، وقال تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ) [البقرة : ٢٣٣] ، وفي الحديث : «بروا أولادكم تبركم أبناؤكم ، وعفوا تعف نساءكم».

وعلى الوالد لولده تحسين اسمه ، وتحسين لقبه ، وأن يختار له من الأمهات ما لا يعاب بها ، وإذ قد تقرر من هذه القاعدة ما تقرر فقد رأيت أن الذي يلزم الوالد للولد هو مقدم على ما يلزم الولد للوالد ، فإن لم يقم الوالد بما يلزمه من ذلك كان عقوق الولد له قصاصا وجفوته ثأرا ، فمتى أرضعته الأم وأحسنت الغذاء بنهاية جهدها ، ونظفت الولد من أقذاره وأدرانه ، وقامت بما

٥٦٧

يتعين عليها به القيام من شأنه ، في طعامه وشرابه وقيامه ، فقد أدت ما عليها وانتقل الحق إلى الأب في تأديبه وتربيته وتأنيسه وتقريبه وتعليمه وتهذيبه.

والتعليم أنواع شتى ، فعلى الأب الاجتهاد في النظر ، له أن يعلمه إرجاء ما يصل به إلى الخير في نهاية معرفته ، وبلوغ أقصى نظره ، إذ الله تعالى لا يكلفه في ولده ما يسقط عنه حكمه في نفسه ، فأهل المهن مصالحهم في مهنهم ، وأهل العلاج في علاجهم ، وأهل الفلاحة في فلاحتهم إلى غير ذلك ، وكل ذلك فرع على تربيته على طاعة الله تعالى وتخويفه لسطوته ، وتلقينه ما لا يسعه جهله من توحيده وعدله ، وتصديقه في قوله ، وتصويبه في فعله ، وما يتبع ذلك وما ينبني عليه ، وما يعلمه وما يحضه على فعله أقل أحواله أن يكون من المباح فما فوقه من مندوب أو واجب وما سوى ذلك لا يجوز تعليمه ولا الأمر به ولا الإذن فيه ولا الحض عليه ، فمتى قام الوالد بذلك فقد أدى ما عليه ، فإن كان له مال كان عليه بين أولاده المساواة وترك المحاباة في ماله واتباع الهوى في نحلة أولاده ، إلى أن يكبروا ويتميزوا بالأفعال ، وكسب محامد الخلال ، فلا عليه أن يخص الفاضل بالمزية على المفضول ، كما فعل عبد الله بن الحسن عليه‌السلام في أولاد هند : محمد بن عبد الله وأخويه سلام الله عليه وعليهم وهو قدوة عندنا وعند الصالحين ، فإنه فضلهم على إخوتهم وقام في ذلك بما يلزمه من تعظيم من عظم الله سبحانه وإن كان إخوتهم أفاضل وأئمة الهدى ، ولكن لم يكملوا إلا بعد موته ، فمتى فعل ذلك تم ما يلزمه في حقهم ، وعليهم فيما تقدم شرحه المبادرة والقبول ، إلى امتثال ما يشير إليه أو يقول.

وقد عاينا البهائم المهملة ، والوحوش النافرة ، والسباع الضارية ، والهوام

٥٦٨

الراتعة تتبع الأم ، وتقتضي ما تقضي به الإشارة حتى أن الظبية تكمن ولدها فيكمن ، والشاة تلزم طلاها الكناس فلا يريمه ، والهوام تلازم مرابضها وأدجالها وأحجرتها لإشارة أمها إلى ذلك ، والفراخ لا تفارق وكناتها وأعشاشها إلا بترشيح الوالدين لها إلى ذلك وإلا فهي على وضعها الأول ، لا تفارقه ولا تتحول.

فإذا كان ذلك كذلك فيما ذكرنا فما عذر الإنسان ، الذي ميزه الله سبحانه على سائر الحيوان ، وخصه بالنطق واللسان ، والعقل والبرهان ، ولو لا أدلة العقل وصحة ما ورد به الكتاب والرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لألزمنا الولد اتباع الوالد على كل حال ، من هدى وضلال ، وذلك لوجوب موالاته فما يسقط ذلك إلا أن حق الباري أولى ، ودفع الضرر على النفس أحرى.

وقد أكدنا ما أمرنا به من أمدنا الله تعالى به من الذرية التي نرجو من الله تعالى تطييبها وتزكيتها وصلاحها باتباع ما وضعه لنا الآباء سلام الله عليهم ، وألقيناه إلى الأولاد كما ألقوه علينا ، فإن أبانا رحمه‌الله ونور ضريحه قال لنا في بعض أيامه التي حضنا فيها على طاعة الله ربنا ، فجزاه الله عنا خيرا قولا معناه : (ما عذركم في معصية الله إن عصيتموه ، وما أعلم بينكم وبين جدكم علي بن أبي طالب عليه‌السلام وأبيكم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا إماما سابقا أو مقتصدا أو عبدا صالحا وكذلك الأمهات ، وأما أنا فحالي ما تعلمون) فأحاله إلى علمنا فيه ، وما علمنا منه رحمة الله عليه إلا الصلاح قولا وعملا ، وتفصيلا وجملا ، وعلما وتعليما ، وتدقيقا وتجسيما ، فجزاه الله عنا خيرا ، وكان يعد في أعيان العترة ويرجا منه لهذه الأمة كشف الغمة وتعجيل النصرة.

٥٦٩

ولقد روى لنا بعض الصالحين عن حي القاضي العالم سليمان بن شاور رحمه‌الله أن الناس كانوا متى خاضوا في أهل البيت عليهم‌السلام والقائم منهم قال لي : منهم إمام متى دعا أجبته فإذا سئل من هو قال : حمزة بن سليمان.

والذي علمنا من أمره جملة بالمشاهدة وما تقضي به صورة الحال التي يعقلها بالمشاهدة أنه كان من جملة العلماء وعبادته وتهجده شاهدناه وعايناه ، فأما كرمه ومروءته فمما لا يتمارى فيه من عرفه أو سمع به ثم ما علا من أب كان أعلى إلى أن ينتهي النسب إلى رسول الله الملك الأعلى سلام الله عليهم.

وإنما ذكرنا ذلك ليشتد حرص الأبناء على حفظ هذا النسل الشريف من دنس الأوزار ، وأعمال أهل النار ، التي نزهت منها الذرية الزكية وتباعد عنها خيار البرية ، وقد حرضنا الأولاد الذكران بما أمكن ، وجعلناه نظما فهو أمتع وصية وأرفع ، وكان للبنات حق كما هو للبنين والكل من ذرية النبيين سلام الله عليهم أجمعين ، وإنما أردنا ذلك للخروج عن عهدة ما يلزم لهم بحق الولادة وحسن التربية ، وذكرنا لكل ما يليق به ، فأمرنا الرجال بمكارم الأخلاق ، والصبر في مواطن الجلاد ، والدفاع عن الدين ، وحفظ الجار والصاحب ، وإكرام الضيف ، والحلم عن السفيه ، وجمع العلم وتعظيم أربابه ، وطاعة الأئمة والأمراء إن كانوا مأمورين ، وحسن السياسة إن كانوا آمرين ، ومنابذة الفرق الضالة عموما والفرقة المرتدة الغوية المسماة بالمطرفية خصوصا ، ورعاية حق ابن العم والصاحب ، ولم نذكر لهم الأخ ، لأنا استعظمنا أن يجفو الأخ أخاه ، وأن يخص على هذا الأشراف والرؤساء ، وعلمنا من نفوسنا أنا كنا لأخوينا وهم لنا بحيث لا سبيل إلى مجال متسع في ذكر البر والنصفة بيننا

٥٧٠

لوقوع ذلك إلى حد لا مزيد عليه ولا معنى لسؤال من يسأله فيكون عابثا ، ونرجو كونهم كذلك إن شاء الله تعالى وأفضل.

وإذا قد تقررت هذه الجملة رجعنا إلى ما كنا بصدده من ذكر البنات وما يلزم لهن من الوصاة ، فأول ما نأمرهن به تقوى الله تعالى في السر والعلانية ، والقيام بفرائضه من الوضوء والصلاة والصيام والحج ، وقراءة القرآن ، وعبادة الرحمن ، وحسن الخلق ، والمواساة للسائل والمعتر ، وتخصيص الأقارب وذوي الأرحام مع العموم لمن أمكن إيصال النفع إليه.

فأما غسل الفرجين فهو أمانة ، والمراد به إزالة النجاسة ، والفاضل الشريف لا يخون أمانته ، فإذا غلب في الظن طهارة ما هنالك وقعت المضمضة والاستنشاق حتى يطهر الفم فهو طريق القرآن ، والمنخرين فهما مجرى الأنفاس ، وذلك بعد تخليل الأسنان ودلكها بالسواك ، والأصابع واللسان كذلك ، فإذا طهر بدأت بغسل الوجه من أعلاه غسلا نظيفا بالدلك والصب ، فإذا فرغ الوجه غسلت اليدين تبدأ من أعلى الذراع إلى أسفله فهو أولى بالتطهير وإن كانت النسوان تبدءان من أسفل إلى أعلى ، ثم يقع التغشي وهو مسح جمجمة الرأس وجوانبه إلى مقاص الشعر من القفا ، ولا يجب مسح الغدائر والعفور إلى نهايتهن ، بل ما علا كما ذكرناه ؛ لأن ذلك هو الرأس ، ومسح الرقبة بعد ذلك بماء جديد ، ثم تغسل الرجلين ، وتخلل بين أصابعها ، وتغسل بطونهما وعرقوبهما ، وهذا كله بعد تقديم التسمية في الابتداء ، والنية عند الشروع في غسل الأعضاء.

اللهم إن وضوئي هذا لتأدية ما أمرتني به من الفرض والنفل طاعة لك

٥٧١

فعلتها لوجوبها ، وهذا يخطر البال من دون كلام ، وإنما تقرر معنى الكلام في القلب ، ثم تستقبل القبلة في المكان النظيف ، وأفضل المواضع للعبادة للامرأة قعر بيتها هو لها أفضل من المساجد ، قال الله تعالى لأمهاتكن : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَ) [الأحزاب : ٣٣] ، فإذا استقبلت القبلة توجهت ولم تؤذن ولم تقم ، ثم تنوي أي صلاة وجبت أو أحب أن أصلي كذا عبادة لله تعالى لوجوبها إن كانت واجبة أو المندوب إليها إن كانت مندوبة ، ثم تكبر وتقرأ الحمد وسورة ، ثم تركع منصبة إلى الأرض كهيئة من يهوي للجلوس ورأسها متقاعس لئلا تنحني فترتفع عجيزتها ، ثم تسبح وتقوم وتنحط إلى الأرض انحطاطا كالذي يجلس ولا تخر كما يخر الرجل ، فإذا استقرت على الأرض عزلت قدميها في جانب وانعطفت ساجدة بالقرب من ركبتيها ، ولا ترفع عجيزتها ، ولا تجافي جنبيها عن إبطيها ، بل تضم وتجمع ، كما أنها في حال قيامها تجمع قدميها وتضم فخذيها وكذلك السجدة الأخرى والركوع الآخر ، فإذا تشهدت التشهد الأخير سلمت سلاما خفيفا لا تبالغ فيه بالالتفات كما يفعل الرجل ، فإذا قضت صلاتها سبحت إن كانت لها مسبحة سبحت فيها وإلا فبأصابعها فاستعمالهن في حق الله سبحانه من جملة العبادة ، هذا بعد أن تعرف أحكام الوضوء وأحكام الغسلين ، الغسل من الجنابة والغسل من الحيض.

فأما النفاس : فحكمه حكم الحيض فإنها تنقض شعرها في الحيض والنفاس ، وتجبي الماء على رأسها من الجنابة ببل أصول الشعر ، ولا حرج عليها في العقص والظفائر ، فإذا قامت بذلك فقد أدت ما يلزم من العبادة ، وعليها تقليم أظفارها والاستنان بالسواك ، وتلزمها الزكاة لحلي إن كان لها مائتا درهم قفلة فضة ، أو عشرون مثقالا أو قيمة أحدهما ، ولا تفرط في ذلك في كل حول

٥٧٢

فإنه إذا اجتمع صعب ، ولو أخرجته قليلا قليلا من أول الحول إلى آخره لجاز وهان.

وأما الحج : فحكم النساء فيه مساو لحكم الرجال والحيض والنفاس لهن سبيل الجنابة للرجال ، لهن أن يقضين المناسك كلها إلا الطواف بالبيت ، ولا تلبس الحلي ولا الثياب المصبوغة مما له رائحة كالورس والزعفران ، ولهن لبس المعصفر ، ولهن رمي الجمار يوم النحر في نصف الليل الآخر إلى آخر الرمي ، فهذا يخالفن فيه الرجال ، ولا يستلمن الأركان كراهية الزحام ، وإنما يشرن إليها ولكراهية الزحام وضعفهن وسع عليهن في الرمي بالليل وقبل طلوع الشمس ، ولا ينتقبن ، ولا يغطين وجوههن في الإحرام ؛ لأن إحرامهن في وجوههن ، وليخفضن أصواتهن في التلبية وفي جميع الذكر ، ولا يتزاحمن لسماع خطبتي الإمام قبل التروية بيوم ويوم عرفة ولا خطبة العيد وإنما يسألن من دنا من محارمهن عن قوله إلا أن يسمعن من البعد فلا حرج وهو أفضل ، ولا يقصرن من الشعر عند الإحلال إلا قدر الأنملة عرضا وقصر أكثر لا حرج فيه ما لم يكن فاحشا ، والقليل إلى حد الأنملة أفضل ، ومن حج بها زوجها فهو أولى ، وبعده عصباتها وذوو أرحامها على منازلهم وقربهم وإن لم تقع مساعدة من وليها ولها مال لزمها استجارة إن لم ينهض إلا بالإجارة ما لم يسألها ما لا يجحف بحالها ، ولا تطيب ، ولا تغتسل بماء فيه من طيب ، ولها أن تغتسل بالماء القراح ، وترك الغسل إلا من الحيض والجنابة والنفاس أفضل ، وكذلك الكحل ولا سيما ما فتق بالطيب ، ولا تلبس السخائب من الطيب ، ولا يكره لها لبس القلادة والسوار الواحد لئلا تشبه بالرجال ، فإن لبست المشك من الذيل والقرون فهو أفضل للحاجة من حلي الذهب والفضة لأن ذلك المقام

٥٧٣

مقام التذلل ورفض الزينة كما في الحديث : «أفضل الحاج الأشعث الأغبر» وفي بعض الحديث «الأذفر» ولم يفرق بين الذكر والأنثى ، فإن كان معها زوجها كره لها ممازحته ومداعبته وملاصقته حتى يحل الإحرام.

وإنما ذكرنا باب الحج والصلاة في كتابنا هذا لأن في الوجهين أحكاما تخالف أحكام الرجال ، وربما يلتبس الفصل فيها على بعض أهل المعرفة ، فأردنا بذلك التعريف والهداية ، ولو لا تراكم الأشغال لبينا كل باب فيما أشرنا إليه مفصلا ، فإذا كان الأمر كذلك فمنهن متزوجة ومنهن يرجا لها الزواج ولا ندري من لا يقدر لها الزوج ، ولكل واحدة أمر وحكم لا بد أن نذكر منه طرفا.

فأما المزوجة : فإنا نوصيها بتقوى الله تعالى في زوجها ، فإن حقه مفروض من الله تعالى ، وفي الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لو أمرت أحدا بالسجود لأحد أمرت المرأة أن تسجد لزوجها ولو سال من منخريه الصديد والقيح ولحسته ما أدت حقه» ، وحقه عليها أن لا تمنع نفسها منه في حال غضب ولا رضى ولا ضيق ولا سعة ولا نضارة بترك الزينة وهجر الطيب والطهارة وتفقد فراشه من المؤذيات ، وتعهده في المطعم والمشرب ، ولا تظهر حب شيء يكرهه ، ولا تظهر كراهة شيء يحبه وإن كان الأمر عندها بخلافه ، ولا تبالغ في مدح نظرائه ممن يحل لها نكاحه ولا صفة أحد منهم بالجمال والكمال فإن ذلك يقدح زناد الغيرة في قلبه ويولد الشك في نفسه ، ولا تمازحه بما لا يحل فعله ولا قوله ، ولا تكثر الغيرة عليه فإن ذلك من أسباب الطلاق ، ولا تقابل شدته بالشدة ، ولا تنس ما جعل الله تعالى للرجال على النساء من الولاية ، ولا تعظم ما يصل إليها منه من الإساءة ، ولا تظهر المسرة عند غمه ، ولا الغمة عند سروره ، ولا تظهر له أنها لا تهابه ، وتشعر نفسها مع خوف الله سبحانه خوفه لأن الله تعالى قد أذن له في ضربها وهجرها ، ولم يأذن لها في ضربه وهجره ، ومن أذن له

٥٧٤

السلطان في السطوة هيب ، فكيف من أذن له علام الغيوب ، وعليها غض البصر والصوت ، والتشدد في الحجاب ، وحفظ الفرج كما أمر الله سبحانه دينا وحمية على شريف الأصل وكريم الفعل ، وحفظ بيت الزوج وماله من قليل الضياع وكثيره ، فلا تعطي من ماله إلا بإذنه ، ولا ترضع من لبنه إلا برضاه ، وتحفظه في أهله وأقاربه وعبيده وإمائه حتى لا توالي عدوه ولا تعادي وليه ، ولا تقرب من بعدّه ، ولا تبعد من قرّبه ، وإذا دعا أجابته بالتلبية ، وبادرت إليه قبل فوات الحاجة ، وإن سألها تأنت في الجواب حتى تعلم معنى المسألة ، وإلا لطفت في الاستعادة ، فإن رأت منه ميلا إلى زوجة أخرى أو هوى في جارية لم تظهر له العلم بذلك ولا تنازعه فيه ، فالقلوب لا يردها العتاب ، وطلبت ذلك بحسن المعاشرة وطيب المعادلة ، ولا تعامله معاملة الأكفاء ، ولا منازعة النظراء ، ولا تثق بجمالها وحسنها في كفاية ميل قلبه إليها فإن الرفق وحسن العشرة يغلب ذلك كله ، وأصل الأمر وفرعه أن لا تعصيه في قول ولا فعل إلا أن يأمرها بشيء من معصية الله تعالى فترده عن ذلك بوعظ ولين ، وتخويف سطوة رب العالمين ، ولا تفرط في معونته بما تعين به مثلها مثله إن كان فقيرا فبالعلاج والغزل وعمل بما يمكنها من آلة البيت ، وإن كان غنيا فبالحفظ والترتيب ، ولا تفشي له سرا ، ولا تبدله خبرا ، ولا تذكر شيئا مما يعيبه فيه لقريب ولا بعيد ، وتجتهد في تعظيمه ما استطاعت ، ولا تنازعه ولا تشاوره ولا تماره ، وإن ترفع تواضعت ، وإن قسا لانت حتى تنحل سخيمته ، وتلين شكيمته ، ولا تشعره أن أحدا أعلى منه قدرا ، فإن كان عاقلا فهو يعرف من فوقه ومن مثله ومن دونه ، وإن كان جاهلا فتح ذلك باب الشر من قبله لأن للرجل نخوة الظهور على المرأة وأقصى مراده أن يتقرر عنده أن نفسها لا تطمح عنه إلى الملك فمن دونه ، فإن وقع ذلك في نفسه تكدر عيشه ولم يؤمن طيشه.

٥٧٥

وعليها أن تباشر خدمته بنفسها ، ولا تكل ذلك إلى غيرها ؛ لأنها سكنه وأنسه ، ونفسها مشتقة من نفسه ، هذا في خدمته التي تخص نفسه من طعامه وشرابه وفراشه ومنامه، وأن تقوم على سائر الأعمال بالنظر والأمر والتفقد والاستنابة ، ولا ترضى في الأعمال من الجوار والمستخدمات بما ينفذ ، بل تشد في ذلك نهاية الشدة حتى تستمر الأحوال على الاستقامة ، ولتتفقد الطعام عند النقو وعند الطحن وعند العجن ، فإذا انتهى إلى حال الخبز فقد انقطعت عنه الصنعة ، فإن كان رديا لم يمكنها استدراك فائته وإحياء مائته ، ولتتفقد آنية الماء وآنية العجين والطحن والرهي بالتنظيف والتطهير وتأمر من معها بالطهارة ، فإنا سمعنا من أهلنا أن أكل الطعام النجس يقسي القلوب ، وأحسبهم ما قالوه إلا وهو يرفع إلى النبي عليه‌السلام ومن علم نجاسته حرم عليه ، ولا يؤنس المستخدمات من السطوة ، ولا توقع فيهن يد القهر والقدرة فإن كل راع مسئول عن رعيته ، ولا تغفل تاريث النار ولا تنظيف المنزل بالبياض وغيره ، وليكنس في كل يوم مرتين ، ولا تغفل قراءة كتاب الله عزوجل فإنه إمام الأئمة ، ومنهاج سبل السلامة ، وهو الإمام الأول ، ولتجعل لها وصيفة تلزم نفسها قراءتها في كل يوم ، ولا تغب عما تعاينه من الأعمال إلا بإقامة نائب وقد وثقت به لئلا يتعود من تحت يدها الإهمال ، ولا تكثر على زوجها الإدلال ، ولا تلحف في السؤال ، وتحمده على قليل ما يسدي إليها ، وتكبر صغيره ، وتعظم حقيره ، فإن ذلك يغريه بالازدياد في الإحسان ، وإن أظهر العجب من شيء تعجبت لتعجبه ، وإن استقبحه قفت أثره في ذلك وأظهر تفقده ، وإن عاينت في زوجها شيئا وأرادت نزوعه عنه إن لم يكن خلقة لطفت له في ذلك أحسن اللطف وأغمض الإشارة وأرته أن إزالة ذلك مما يزينه ، وإن كان تركه لا يشينه ، وإن كان خلقة لم تظهره له ولم تذكره ، فإن ذكره دافعت عنه وأرته أنه لا شين فيه إذ ذلك مما لا يمكن إصلاحه فتسعى في

٥٧٦

إصلاحه ، وإن أمرها بشيء وهي تعلم الصلاح في غيره أظهرت المساعدة ثم فعلت ما تراه صوابا كالمشورة فإن سارع إليه وإلا لم تعقه عن سببه وبادرت إلى احتمال مؤنه ، ومتى خلعت قناعها مع زوجها فلتخلع قناع الحياء فيما بينها وبينه فبذلك جاءت السنة الشريفة لأن الله تعالى خص الزوجين من الأنس بما لم يخص به الوالدين وأولادهما فما القول فيمن دونهم ، ويجعل الحياء شعارا ودثارا من جميع الناس ، ولا تكثر الكلام مع الأجانب ، ولا تخضع في القول إلا أن تعظم حالها فتأمر بطاعة الله وتنهي عن معصيته ، ولا تصف لزوجها أحدا من النساء كل الصفة ، ولتظهر الجهل بأكثر ما يسأل عنه من هذا الباب ، ولا تأذى من شيء وهو يرى أنسه به ، ولا تدع شيئا في بيتها حتى توقعه حتى إذا ضاع شيء عرفته ، ولا تعر شيئا من بيتها حتى توقعه لكي تطالب به وتجتهد في صيانته ، ولا تعر شيئا من بيت زوجها إلا بإذنه إلا أساور الدار فإن ذلك يجوز لها عاريته وإن كره لأن الأمر ورد به وهي القدر والفأس والجبل والدلو والرحى ، ولا تخرج من بيته إلا بإذنه.

فهذا ما نأمر به ذوات الأزواج من البنات.

وأما من يرجى زواجها وتريد الزوج : فإنها تلزم الحجاب ، ولا تبد إلى النساء الدورات ، ولا تراهن شيئا من محاسنها ، ولا تكثر الكلام ، ولا تنظر كل النظر إلى النساء ، ولا تكثر الضحك ، ولا تجاوز التبسم وإن جرى أمر يوجب الخروج إلى النسوان لم تطل الوقوف معهن ولم تلبث كل اللبث ، ولا تتزين بزينة ذوات الأزواج من حلي ولا لباس ولا طيب ، ولا طيب أطيب من الماء للأبكار الحرائر ، ولا يجالسن إلا من يجالسهن في البكارة والسن ، وإن ألجأن إلى حديث من حديث النسوان رجعن فيه إلى أخواتهن فإنهن أولى بهن من سائر النسوان وأحرى أن يكتمن ما يوجبه الأمر في المحاورة أشد الكتمان ، ولا

٥٧٧

تلبس شيئا من الثياب المشهورة ، ولا تنفر من كل من يريد بصرهن كل النفرة ، ولا تأنس به كل الأنس ، ولا يرفعن أصواتهن بالكلام ولا الخصام ، ويعظمن حال أمهاتهن ، ويرعين لهن حرمة أبيهن ، ويتعلمن ما لا غنى للنساء عن علمه من العلاج والصنعة من الغزل وصنعة الطعام على أنواعه والخرازة وإن أمكن النسج ، وصنعة الآنية من التوار والأغطية والمناسف والدباغ والطحن ، فهذا كله لا ينقص ذوات الأقدار عن مقاديرهن ولا تضيع منازلهن من الرفعة ، وقد كانت أمنا فاطمة عليها‌السلام تغزل لنفسها وبالأجرة ، وتطحن النفقة ، وتخدم البيت ، وبذلك قضى عليها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا شرف أعظم من شرفها ، ولا كرم على الله يوازي كرمها ، وهذا كله بعد الإحاطة بكتاب الله تعالى ودرسه وحفظه والتفهم له وتعلم أحكام الطهارة والصلاة وصورهما ووضوءها.

وأما من أضربت عن الأزواج أو لم يبق لها زوج فإن لها بذلك مزية ؛ لأن من جداتنا رضوان الله عليهن من رغبن عن الأزواج لشرف نفوسهن ، وعلو هممهن ، فتفرغن لعبادة الله سبحانه ، وظهر صيتهن ، وعلا شرفهن ، وكن بحيث يضرب بهن الأمثال ، كربابة بنت أبي هاشم الفاضلة العالمة العاملة رضوان الله عليها ، وكذلك بنت أخيها حمزة بن أبي هاشم سلام الله عليه تسمى زينة وهي التي ظهرت بركتها حتى التزم الناس لها البر في مخاليف اليمن ، وكان لها قدر أربعين عاملا من خدامها ومن غيرهم ، وكانت الأموال تجتمع إليها وتعظم فتفرقها نفاقا في سبيل الله تعالى وللمدارس والعمارات في السبل والمناهل والمساجد ، وكانت العلماء يجتمعون إليها للدراسة والتدريس ، وكذلك كانت عمتها رضوان الله عليها إلا أن عمتها كانت أعلم بحيث كان الفقهاء يرجعون إليها فيما يختلفون فيه من غوامض مسائل الشرع ،

٥٧٨

وكان البر يجمع إليها من أقطار البلاد ، وخلفت مالا جليلا ، وكذلك أيضا بنات أخيها حمزة بن أبي هاشم أخوات لزينة بنت حمزة من أبيهن وهن ثلاث رغبن عن الأزواج ، وكان فيهن صلاح ظاهر ، وكان لهن بر واسع أيضا ، فإن كان ذلك فليقع منهن التشمير للعلم ، والتفرغ لعبادة الباري سبحانه ، والحرص على طلب الخير واتباع الرشد ، والمواساة للفقراء على قدر الإمكان ، ومن وسع الله عليه من الكل أو البعض في الرزق لم يغفل عن إخراج حق الله تعالى في كل حول لأنه إن تأبد وطالت عليه المدة عسر إخراجه وثقل حمله ، فإن الغلول من جمر جهنم ؛ والغلول هو منع الحقوق وهو اسم الحرام أيضا ، ولا يفرطن في دراسة العلوم وإدراك فقه الآباء عليهم‌السلام بعد أخذ جملة قوية من أصول الدين ولا مانع من ذلك لمن تخلت عن الدنيا ورفضت زينتها ، والحج إن أمكن ذلك فإنه جهاد النساء لأنه ليس عليهن قتال ، ولا يدعن ما أمكن من الصيام ، ويتعلمن أنواع صلاة النوافل : كصلاة التسبيح ، وصلاة الرغائب ، وصلاة شعبان النصف منه ، وصلاة الأحداث : كصلاة الكسوف ، وصلاة العيدين ، وصلاة الجنائز ، وأنواع الدعاء المسموع والتسبيح المسموع ، ويتعرفن أنسابهن إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويحفظن ذلك ، فإن الشريف الفاضل قاسم بن يحيى وكان من علماء أهل البيت وفضلائهم أخبرني بنسبه إلى الحسن بن عبد الله بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم عليه‌السلام فقلت له : من أين أخذت هذا؟ فقال لي : من جدتك الشريفة الكاملة زينة بنت حمزة ، قال : دعتني وأنا صغير ، وقالت : احفظ نسبك إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وألقته عليّ مرارا حتى حفظته ، فعجبنا لحفظها أنساب أهل البيت عليهم‌السلام وكثير من رجالهم لا يعرف نسبه فكيف نسب غيره ، وليعلّمن من طلب العلم ويرشدن من تحرى الرشاد ، ولا يدعن ما يمكن من علم الطب بإتقان وبصيرة ، ولا يتعلقن بشيء من النجوم إلا معرفة المنازل لعلم أوقات العبادة ، ويتبادرن إلى

٥٧٩

مواساة الفقير ، وجبر الكسير ، وينزهن أنفسهن من الكذب في الجد واللعب ، ولا يقبلن مدح من يمدحهن بما يعلمن خلافه من أنفسهن ، ومن أمكنها البكاء من خشية الله تعالى فلا تمنع عبرتها من السفوح ؛ فإن قطرة الدمع من خشية الله تعالى تطفي بحارا من النار ، ولا يقلقلن عند الحوادث والنوائب كما تفعل خفاف النساء من شق الجيب وخمش الوجه ، ولا تنسى من ذكر الله ، ويصابرن ذكره حتى يكون أقرب الذاكرين عهدا بالله ، ولا يظهر منهن السب فإن وقع إليهن صبرن وحملن وعفون ، ولا يبدين زينتهن لليهوديات ولا النصرانيات ، ولا للنساء المتهتكات ، ولا لغير المحارم ، وليس بين الرجل وامرأته عورة بحكم الله تعالى ، وسائر المحارم لا يجوز لهم تعمد ما وراء زينة الوجه واليدين إلى المنكبين والرجلين إلى الركبتين والرأس إلى الصدر ، هذا يجوز لمحارمهن نظره ، ولا يجوز نظر ما وراءه لهم ولا إبدائهن ، ولا يجوز لهن الخيلاء بالحلية والزهو على نظائرهن في الحسب ممن لم يؤته الله مثل ما آتاهن ، ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن وليضربن بخمرهن على جيوبهن ، هذا تعليم رب العالمين.

فهذا حتى أتينا على آخر ما أردنا ذكرناه للبنات ، وأشرنا إلى أكثر الأمور إشارة لتضايق الأوقات وتراكم الأشغال والحاجات ، فعليهن تعرف ما يلزم معرفته مما أشرنا إليه ، فإنما جعلنا هذه الرسالة تنبيها لا بيانا إلا في القليل ، وعليهن المودة بعضهن لبعض ، والأخوة فهم القوامون عليهن ، وما أمكنهن وإخوتهن وسائر المسلمين أن يفعلوه عني في حال حياتي وبعد وفاتي أو يوصون به من يقبل الوصية من صدقة عني أو بر أو قتل مطرفي أو مرتد من فرق الضلالة أو إحسان أو صلاة أو صيام أو ذكر أو إخراج صدقة فطر أو زكاة أو نذر فليفعلوا جزاهم الله خيرا ، وهو من البر لي والإحسان إليّ الذي وصى

٥٨٠