مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ٢

المنصور بالله عبدالله بن حمزة

مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ٢

المؤلف:

المنصور بالله عبدالله بن حمزة


المحقق: عبدالسلام بن عباس الوجيه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦٥
الجزء ١ الجزء ٢

كتاب

تلقيح الألباب في أحكام السابقين وأهل الاحتساب

مما أجاب به الإمام المنصور بالله أمير المؤمنين وإمام المسلمين

سيد الأمة سند الملة

عبد الله بن حمزة بن سليمان بن حمزة بن علي بن حمزة بن أبي هاشم الحسن بن عبد الرحمن ابن يحيى بن عبد الله بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم صلوات الله عليهم

٥٤١

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على محمد وآله

الحمد لله الذي إلهام حمده من موجبات حمده ، وصلى الله على محمد الصادق المصدوق ، وعلى الذرية الطيبة من بعده.

أما بعد :

فإن سؤال الإخوان الفضلاء كثر الله أعدادهم ، وشد أعضادهم ، توجه إلينا والحال كما شاهد من شاهد من ضيق الحال ، وتراكم الأشغال ، فأجبنا على وجه الاختصار لتعذر البسط والإكثار ، ومن الله نستمد التوفيق.

السؤال الأول [في مسائل متعددة]

قالوا أيدهم الله تعالى : هل يعلم في أيامنا هذه من يصلح لتولي الأمر من بعده أم لا يعلم ، فإن كان يعلمه ، فهل يعلمه سابقا أو مقتصدا أو محتسبا؟ وما الذي يشترط في المحتسب من الخصال؟ وما الذي تجوز له من التصرفات والأفعال؟ وما الذي يختص به السابق؟ وهل يجوز الاحتساب لأكثر من واحد أم لا؟ وهل يشترط إن جاز تباين الديار؟

٥٤٢

الجواب عن ذلك وبالله التوفيق : اعلم أن هذا السؤال يشتمل على مسائل :

الأولى منها [فيمن يصلح للسبق]

هل يعلم في وقتنا هذا من يصلح للسبق؟

والجواب عن ذلك : أن ما يشترط في علم الإمام قد صار معلوما لأهل المعرفة من الإخوان كثرهم الله وأنماهم ، وحرسهم وحماهم.

وأما سائر الخصال فهي بحمد الله توجد في كثير من أهل النصاب الشريف ، ومقاديرها معلومة لكم في كتب سلفنا سلام الله عليهم وأتباعهم رضي الله عنهم وأقرب ما يطمع في وقتنا هذا الأمير الأجل مجد الدين أيده الله وقد بقى عليه شيء من علوم القرآن وأصول الفقه ، فإن تمكنت بسطته في ذلك والله ييسر ذلك كمل واستحق فيما نعلمه والتوفيق بيد الله.

[المسألة الثانية من يصلح للاحتساب]

وأما من يصلح للاحتساب من الذرية الزكية فكثير ، كمقدم الذكر ، ويحيى بن حمزة بن إبراهيم وإن كنا لا نعين في الاحتساب المنصب النبوي ، وإن كنا نقول إن القائم منهم بذلك أولى وهذه المسألة الثانية.

والمسألة الثالثة [شرائط الاحتساب]

قالوا عمر الله جنابهم وأعز رقابهم : ما شرائط الاحتساب؟

٥٤٣

[الجواب] : وعندنا : أن أساس شرائطه العقل الوافر ، وتنبني عليه ثلاث خصال :

أولها : الورع الكامل.

وثانيها : حسن الرأي وجودة التدبير.

وثالثها : العلم بقبح ما ينهى عنه ووجوب ما يأمر به سواء علم ذلك أو قلد فيه وأمضى فتوى العالم به. فهذه شرائطه.

وأما ما يجوز له من الأفعال : فله أن يحارب على فعل القبيح وإزالة المنكر ، وليس له أن يحارب على ترك الواجب.

ويجوز له أن يأخذ للدفع عن المسلمين نصيبا من أموالهم وإن كره بعضهم ، وليس له أن يكره على إخراج الحقوق.

وإنما قلنا : له أن يأخذ من المال ما يدفع به المضار الكبار وإن كان كرها لقوله تعالى: (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) [المائدة : ٢] ، وهذا أمر يقتضي الوجوب ، وأكبر المعاونة على البر دفع المضار عن المسلمين ، ولقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يظلمه» وتحليته وإن شاء اختياره [ضرر على] الإسلام وذلك لا يجوز ، فهذه دلالة السمع.

فأما دلائل العقل فظهورها يغني عن كشفها.

المسألة الرابعة [ما يجوز للمحتسب من التصرفات والأفعال]

قالوا أيدهم الله : ما يجوز له من التصرفات والأفعال؟

[الجواب] : والذي يجوز له بل يجب عليه إذا زاحت علته عليه النهي عن

٥٤٤

المنكر بلسانه وسيفه على مراتبه ، والأمر بالمعروف بلسانه دون سيفه ، وسد الثغور ، وتجييش الجيوش للدفع عن المسلمين ، وحفظ ضعفتهم عن شياطينهم بالقول والفعل ، والدعاء إلى طاعة الله ، والتأهب لإجابة دعوة الداعي من عترة رسول الله ، وحفظ الأوقاف ، وتفقد المناهل والمساجد والسبل ، والمنع من التهارج والتظالم.

[ما يختص به السابق]

وأما ما يختص به السابق فإنه يختص بأربع خصال :

إقامة الجمعة.

وأخذ الأموال طوعا وكرها.

وتجييش الجيوش لقصد الظالمين.

وإقامة الحدود على من وجبت عليه وقتل من امتنع من الانقياد لها.

فهذا لا يكون إلا للأئمة السابقين دون المحتسبين.

المسألة الخامسة [جواز قيام أكثر من محتسب تباين الديار]

قالوا أيدهم الله : هل يجوز الاحتساب لأكثر من واحد في الوقت الواحد؟ وهل يشترط تباين الديار كما قيل فيمن أجاز ذلك في السابقين؟

والجواب عن ذلك وبالله التوفيق : أنه يجوز قيام محتسبين عدة في وقت واحد ، فذلك جائز بل واجب لمن زالت علته ، لقوله تعالى : (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ ...) الآية [الحديد : ٢١] وقوله تعالى : (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ) [الواقعة : ١٠] ولا بد من تباين الديار ؛ لأن احتساب أكثر من واحد في جهة واحدة يلزم منه

٥٤٥

التنازع فينتقض الغرض ، الغرض الذي لأجله طلب هذا الشأن ، وقد قال تعالى : (لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللهُ لَفَسَدَتا) [الأنبياء : ٢٢] فعلّل الفساد بتصرف أكثر من واحد فاعلم ذلك.

السؤال الثاني [في عزل المحتسب عند ظهور السابق]

قالوا أيدهم الله : هل ينعزل المحتسب المقتصد عند ظهور السابق أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن هذا السؤال يشتمل على ثلاث مسائل :

الأولى منها : هل ينعزل المقتصد عند ظهور السابق أم لا؟

والجواب عن ذلك : أنه ينعزل وتنتقض الولايات المعقودات بعقد أهل الاختيار ، وأبلغ من ذلك ارتفاع أحكام أهل الأموال في التصرفات في واجبات أموالهم والعاقد لهم بجواز التصرف في ذلك رب العالمين فكيف غير ذلك ؛ لأن الإمامة رئاسة عامة لشخص من الأشخاص في الدين والدنيا ولا يكون ذلك إلا بما ذكرنا.

المسألة الثانية : قالوا أيدهم الله : هل تقر أحكامه أم لا؟

والجواب عن ذلك : أن أحكامه كلها ثابتة مقرة ، لأنه عقدها على وجه يجوز له التصرف بل يجب عليه إلا ما يتعلق بالاستدامة والاستمرار فأمره إلى الإمام السابق إن شاء أجراه على حاله وإن شاء قطعه من وقته.

والمسألة الثالثة : سؤالهم تعيين من يصلح لذلك ممن نعلمه وقد تقدم الجواب عنه في السؤالين الأولين.

٥٤٦

وتعيين من عيناه لا يمنع من ثبات ذلك في غيرهم ممن لم يخطر بالبال أو يقع صلاحه في الاستقبال.

وقد قررنا شرائط الاحتساب أولا ، فمن جمعها جازت له الحسبة.

السؤال الثالث [هل للمحتسب ما إلى السابق]

قالوا أنماهم الله وثمرهم وشد أزرهم وظفرهم : هل إلى هذا المحتسب ما إلى السابق مما ينبغي لبيت المال ليصرفه حيث يوجبه الشرع الشريف والدين القويم أم لا؟

والجواب عن ذلك : أن المحتسب لا ولاية له في شيء من أموال الله سبحانه ، ولا يجوز له قبضها إلا أن يأذن له قبضها ويأمره بذلك ، فيقبضها بيد الوكالة لا بيد الولاية ولا يتعدى فيها أمرهم وما وافق غرضهم فإن تجاوز ذلك ضمن.

وإنما له أن يأخذ من صميم أموالهم ما يدفع به عنهم من الضرر ما يوفي على مضرة أخذ المال ونفعه لهم أضعافا مضاعفة كثيرة ، وليس في وقت المحتسب مؤلفة من مال رب العالمين ، وإنما هذا يختص بأوقات الأئمة السابقين ، فتيقنوا ذلك منحكم الله هدى الراشدين.

السؤال الرابع [في أربع مسائل]

قالوا قوى الله في طاعته أركانهم وشد باجتماعهم على كلمة الهدى بنيانهم : هل التعريف من الإمام السابق يكفي في صحة إمامة من بعده من ينطق بأنه إمام أو باتباع من هو محتسب فيما تجب طاعة الجميع فيه أم لا؟

٥٤٧

وهل يستوي فيه إن كان طريقا المعصوم وغيره؟ وهل لأهل الحل والعقد من العلماء إلزام الإتباع من سائر الناس الانقياد له والإتباع كما يلزم بالبحث والاختيار أم يستوي الجميع في وجوب البحث عما تثبت به الإمامة؟ وهل تستوي في ذلك حال السابق والمقتصد أم يفترقان؟

الجواب عن ذلك : أن السؤال يشتمل على أربع مسائل :

الأولى : هل تعريف الإمام السابق يكفي في صحة إمامة من بعده ... إلى آخر السؤال أم لا؟

والجواب عن ذلك : أن الإمام لا يخلو إما أن يكون ممن علمت عصمته أم لا يكون كذلك ، فإن كان ممن علمت عصمته كأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام وولديه سلام الله عليهم وعليه فإن نص من هذه حاله على إمامة شخص من الأشخاص يوجب اتباعه وتلزم ولايته وموالاته واعتقاد فرض إمامته ، وإن كان غير معصوم فإن نصه على الإمام يكون مقويا لأمره باعثا على اتباعه ؛ إذ إمامة ذلك الشخص لا تثبت إلا بدعوته وتجرده للقيام بالأمر وتوطين النفس على تحمل أثقاله ، فبذلك تجب إمامته ، وما يثبت بالنص يوجب إمامة الإمام وإن لم بتصرف لبعض الأعذار ، فالأعذار لا تسقط فرض إمامته ، ولهذا قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ولديه الحسن والحسين سلام الله عليهما : «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا» فأثبتت الإمامة مع القعود لما كان ثبوتها بالنص ، ومن لا نص عليه فالأعذار تسقط فرض إمامته وتوجب إقامة من يزول عذره ممن يصلح لذلك ، فهذا هو الفرق بين الأمرين ، والكلام في المحتسب ينبني على هذا.

٥٤٨

المسألة الثانية [تضمنتها الأولى]

قالوا ثمر الله عديدهم ودمر عنيدهم : هل يستوي فيه إن كان طريقا المعصوم وغيره أم لا؟

الجواب عن هذه المسألة : قد اندرج في ضمن الأولى فوقع هنالك.

المسألة الثالثة [ما لأهل الحل والعقد من العلماء في الموضوع]

قالوا عمر الله ديارهم وأعلى منارهم : هل لأهل الحل والعقد من العلماء إلزام الإتباع من سائر الناس الانقياد له والإتباع كما يلزم البحث والاختيار أم يستوي الجميع في وجوب البحث عما ثبتت به الإمامة؟

الجواب عن ذلك : أن العقد والاختيار عندنا غير صحيح ، فكذلك ما ينبني عليه وأهله يردونه إلى أصل غير مستقيم وهو عقد السقيفة ونحن لا نراه ، وأقصى ما يحتج به في ذلك عقد المسلمين الإمارة لخالد بن الوليد يوم مؤتة ولم ينكره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وعندنا : أن ذلك إطباق من ملأهم لدفع الضرر عن أنفسهم ولم يندفع إلا بذلك فوجب ؛ لأن دفع الضرر عن النفس بما يغلب على الظن أنه يندفع به يجب عقلا فخالف العقود الشرعية ، ولذلك أقره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا وجه للمجانسة بين الأمرين ، وهؤلاء يقصرون على واحد يعقد له خمسة أو أربعة على اختلاف القول في ذلك فأي أصل صحيح يرجع إليه العقد والاختيار.

فأما لو صح العقد والاختيار لصح ما انبنى عليه ، وعمدتهم في ذلك نص أبي بكر على عمر وذلك عندنا غير مستقيم ، وأسبق ما يتعلق به من يميل إلى

٥٤٩

هذا كتاب علي عليه‌السلام إلى معاوية ، أما بعد :

فإنه عقد لي من عقد لأبي بكر وعمر فلم يكن للشاهد أن ينكر ولا للغائب أن يختار.

وعندنا : أن عليا عليه‌السلام ألزمهم ذلك جدلا لالتزامهم واعتقادهم وجوب صحته مستظهرا به عليهم ، وإلا فعنده ، وعندنا أن إمامته ثابتة لغير ذلك وهو النص.

وإذا كان كذلك ولا بد من البحث والاختيار وهو فرض العلماء دون غيرهم والعوام أهون تكليفا في ذلك ؛ لأن ما يشترط من خصال الإمامة يشترك في العلم به العامي والعالم لأنه مشاهد كالشجاعة ، والسخاء ، والزهد ، والورع ، والفضل ، والمنصب ، والعلم على سبيل الجملة أن هذا الشخص عالم ومعدود في العلماء الكل يشترك في ذلك ، وإنما على العلماء معرفة القدر الذي يحتاج إليه في ذلك وبحثه عنه حتى يكونوا على يقين في أمره ، فإذا صح ذلك لهم يلزم العوام طاعته ، وإن رجع العلماء عن ذلك لزم العوام الاستمرار على طاعته لأن إمامته قد صحت في الأصل وصار العالم مأموما ، فإذا اختلف الإمام والمأموم فاتباع الإمام أولى ، فإذا تجرد ودعا وجبت طاعته على الجميع سواء عقد له أو لم يعقد ؛ لأن المعصية لا تسقط الفريضة.

المسألة الرابعة [هل يستوي فيما سبق السابق والمقتصد]

قالوا كثر الله سوادهم وكبت أضدادهم : هل يستوي في ذلك السابق والمقتصد أم يفترقان؟

الجواب عن ذلك : أنا قد بينا اختلال العقد وكذلك أمر ما ينبني عليه ، وإذا لم يثبت ذلك في السابق فهو في المحتسب أبعد.

٥٥٠

السؤال الخامس [هل يستوي حال السابق والمقتصد في إلزام الغير فتاويهما؟]

قالوا حمى الله ذمارهم وأعز أنصارهم : هل يستوي حال السابق والمقتصد في إلزام الغير فتاويهما أم يختلفان في ذلك؟

الجواب عن ذلك : أن حال السابق والمقتصد يختلف في ذلك ، فإن للسابق أن يلزم الغير فتواه لأن ذلك لقاضيه فالحكم له أقوى ، وليس ذلك للمقتصد ، ولأن إلزام السابق حكم على من ألزمه وله عليه ولاية ، فما الجامع بين السابق والمقتصد.

وأما ما يتعلق بباب المقتصد الذي هو فيه ، فالواجب على الجميع التزامه لما يتعلق بأمره من دفع الضرر ورفع المنكر الذي تجب فيه المعاونة لا أن هناك في ذلك له ولاية ، وإنما تجب لوجوب فرض المعاونة على البر والتقوى فاعلموا ذلك وراصدوا ذلك الأصل وما شابهه من الأصول المستقيمة ، فذلك أس الإسلام ثبّت الله أركانه وشد بنيانه.

فهذا ما اتفق من الجواب ، ونسأل الله الثبات والمعونة مع أشغال عارضة وشجون متناقضة.

والسلام عليكم ورحمة الله ، وصلى الله على محمد وآله ، والحمد لله أولا وآخرا (١).

* * *

__________________

(١) في الأصل بعده ما لفظه : فرغ من نساخته الفقير إلى رحمة ربه محمد بن أسعد بن زيد بن أحمد العنسي المدحجي نهار السبت في العشر الأواخر من ذي القعدة سنة أربع وأربعين وستمائة غفر الله له ولوالديه ولمن قال آمين ، وصلى الله على محمد وعلى آله وسلم.

٥٥١
٥٥٢

كتاب

زبد الأدلة في معرفة الله

من تصنيف مولانا ومالكنا الإمام المنصور بالله أمير المؤمنين

عبد الله بن حمزة بن سليمان بن رسول الله

صلى الله عليه وعلى آله وسلم

٥٥٣

بسم الله الرحمن الرحيم

باب القول في التوحيد

إن قيل : ما أول ما أوجب الله عليك؟

قلت : النظر المؤدي إلى معرفة الله تعالى ؛ لأن معرفته واجبة ، وهي لا تحصل إلا بالنظر والاستدلال.

فإن قيل : ما الدليل على أن للعالم صانعا حتى يوجب معرفته أو لا يوجبها؟

قلت : لأن هذه الأجسام محدثة ، والمحدث لا بدّ له من محدث.

فإن قيل : ما الدليل على أنه تعالى قادر؟

قلت : لأن الفعل قد صح منه ، والفعل لا يصح إلا من قادر.

فإن قيل : ما الدليل على أنه تعالى عالم؟

قلت : لأن الفعل المحكم قد صح منه ، والفعل المحكم لا يصح إلا من عالم.

فإن قيل : ما الدليل على أنه تعالى حي؟

قلت : لأنه قادر عالم ، والقادر العالم لا يكون إلا حيا.

فإن قيل : ما الدليل على أنه تعالى بصير؟

قلت : لأنه تعالى حي لا آفة به ، ومن كان حيا لا آفة به فهو سميع بصير.

فإن قيل : ما الدليل على أنه تعالى قديم؟

قلت : لأنه لو لم يكن قديما لكان محدثا ، ولو كان محدثا لاحتاج إلى

٥٥٤

محدث ، والكلام في موضعه كالكلام فيه ، فإن احتاج إلى محدث آخر أدى إلى الانقياد بما لا نهاية له وذلك محال ، وقد ثبت أنه تعالى قديم.

فإن قيل : ما الدليل على أن الله تعالى يستحق هذه الصفات لذاته من دون مؤثر من فاعل أو علة؟

قلت : لأن الفاعل سواه لا يخلو إما أن يكون قديما أو محدثا ، ولا يجوز أن يكون قديما لأنه لا قديم سواه تعالى على ما يأتي بيانه ، ولا يجوز أن يكون محدثا ؛ لأن القديم سبحانه متقدم عليه ، ومن حق المؤثر أن يتقدم على ما هو مؤثّر فيه ، ولا يجوز أن يستحق هذه الصفات لعلة ؛ لأن العلة لا تخلو إما أن تكون معدومة أو موجودة ، والموجودة لا تخلو إما أن تكون قديمة أو محدثة ، لا يجوز أن يستحقها لعلة معدومة لأنها معه ومعنا على سواء ، فلو أوجبت له لأوجبت لنا ومعلوم خلافه ، ولا يجوز أن يستحق هذه الصفات لعلة قديمة ؛ لأنه لا قديم سواه على ما يأتي بيانه ، ولا يجوز أن يستحقها لعلة محدثة لأن من حق العلة أن تتقدم على معلولها ، فلو تقدمت عليه نقضت كونه قديما وقد ثبت قدمه ، ولو تقدم عليها نقض كونها علة ، فبقى أنه استحقها لذاته.

فإن قيل : ما الدليل على أن الله تعالى لا يشبه الأشياء؟

قلت : لأنه لو أشبهها لجاز عليه ما جاز عليها من التغيير والزوال والانتقال من حال إلى حال وذلك أمارات الحدوث وقد ثبت أنه تعالى قديم.

فإن قيل : ما الدليل على أنه تعالى لا يرى بالأبصار؟

قلت : لأنه لو صحت رؤيته في حال من الأحوال لرأيناه الآن ؛ لأن الحواس

٥٥٥

سليمة والموانع مرتفعة وهو تعالى موجود ، فلما لم ير مع ذلك علمنا أنه لا يرى بالأبصار في الدنيا والآخرة.

فإن قيل : ما الدليل على أنه تعالى واحد لا ثاني له في القدم والإلهية؟

قلت : لأنه لو كان معه إله ثاني أدى إلى التمانع بينهما ولأوجد أحدهما ما يكره الآخر وذلك يدل على عجزهما ، وقد ثبت كون الباري تعالى قادرا.

باب القول في العدل

إن قيل : ما الدليل على أن الله تعالى عدل حكيم؟

قلت : لأنه لا يحمل على الجور والعبث إلا الحاجة والجهل ، وقد ثبت أنه تعالى عالم غني فثبت أنه عدل حكيم ؛ لأن من علم قبح القبيح وكان غنيا عنه لم يفعله أصلا شاهدا وغائبا.

فإن قيل : أفعال العباد منهم أو من الله تعالى؟

قلت : بل منهم ؛ لأن الله تعالى أمرهم ببعضها ونهاهم عن بعضها وهو لا يأمرهم ولا ينهاهم عن فعله لأنه تعالى عدل حكيم.

فإن قيل : ما الدليل على أنه لا يقضي إلا بالحق؟

قلت : لأن المعاصي باطل ، والقضاء بالباطل قبيح ، والله تعالى لا يفعل القبيح ، وقد قال تعالى : (وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِ) [غافر : ٢٠].

فإن قيل : ما الدليل على أن الله تعالى لا يعذب أحدا إلا بذنبه ولا يثيبه إلا بعمله؟

٥٥٦

قلت : لقوله تعالى : (فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ) [العنكبوت : ٤٠] ولقوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [النجم : ٣٩].

فإن قيل : ما الدليل على أن الله تعالى لا يكلف أحدا من عبيده ما لا يطيقه؟

قلت : لأن تكليف ما لا يطاق قبيح والله تعالى لا يفعل القبيح ، ولقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) [البقرة : ٢٨٦].

فإن قيل : ما الدليل على أن الله تعالى لا يحب الظلم ولا يريد الكفر ولا يرضى الفساد؟

قلت : لأن ذلك جميعه راجع إلى الإرادة ، وإرادة القبيح قبيحة ، والله تعالى لا يفعل القبيح على ما تقدم إثباته.

فإن قيل : لم قلت : إن الألم من الله تعالى ، ولم قلت : لا بد عليه من العوض؟

قلت : لأن الألم على ذلك الوجه خارج عن مقدور العباد فلا فاعل له إلا الله سبحانه والله تعالى غني عن ظلم العباد وعالم بقبح العبث وغني عنه فلا بد عليه من العوض.

فإن قيل : ما الدليل على أن القرآن كلام الله تعالى؟

قلت : لأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يدين به ويخبر به ، وهو صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يدين إلا بالحق ولا يخبر إلا بالصدق لكونه رسول عدل حكيم.

فإن قيل : ما الدليل على أن القرآن محدث؟

قلت : لأنه مرتب منظوم يوجد بعضه في إثر بعض وذلك أمارات الحدوث.

فإن قيل : ما الدليل على أن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبي صادق؟

قلت : لأنه جاء بالمعجزات الذي تشهد بصدق دعواه ، ولا يجوز ظهور المعجز إلا على صادق فيما ادّعاه.

٥٥٧

باب القول في الوعد والوعيد

فإن قيل : ما الدليل على أن الله تعالى يخلد أهل الجنة فيها؟

قلت : لأنه تعالى وعدهم بذلك وإخلاف الوعد كذب ، والكذب قبيح ، والله تعالى لا يفعل القبيح.

فإن قيل : ما الدليل على خلود الكفار في النار؟

قلت : لأن الله تعالى وعدهم بذلك وإخلاف الوعيد كذب ، والكذب قبيح ، والله تعالى لا يفعل القبيح.

فإن قيل : ما الدليل على دخول الفساق النار وخلودهم فيها؟

قلت : قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) [الجن : ٢٣] والخلود هو الدوام ، وإخلاف الوعد كذب ، والكذب قبيح ، والله تعالى لا يفعل القبيح.

فإن قيل : ما الدليل على جلود النار الكفار في النار؟

قلت : لأن الله تعالى وعدهم بذلك واخلاف الوعيد كذب ، والكذب قبيح والله تعالى لا يفعل القبيح.

فإن قيل : ما الدليل على دخول الفساق النار وخلودهم فيها؟

قلت : قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) ، والخلود هو : الدوام ، واخلاف الوعيد كذب والكذب قبيح ، والله تعالى لا يفعل القبيح.

٥٥٨

فإن قيل : لمن يقضى بشفاعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

قلت : لا يقضى بها إلا لمن يستحق الجنة دون من يستحق النار لقوله تعالى : (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) [غافر : ١٨] ، والفاسق ظالم بالإجماع.

فإن قيل : ما تسمي المرتكبين للكبائر ممن يقر بالشهادتين؟

قلت : أسميهم فساقا ولا أسميهم كفارا ؛ لأن الكفر أفعال مخصوصة لها أحكام مخصوصة ، ولا أسميهم منافقين ؛ لأن المنافق من أبطن الكفر وأظهر الإسلام ، ولا أسميهم مؤمنين ؛ لأن الإيمان اسم شرف ، والفاسق يستحق الإهانة فلم يبق سالما من هذه الموانع وأحد الموانع ، الإجماع على تسميتهم فساقا.

فإن قيل : لم قلت : إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب؟

قلت : لقوله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [آل عمران : ١٠٤] ، وهذا أمر والأمر يقتضي الوجوب.

فإن قيل : لم قلت : إن الإمام بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علي بن أبي طالب عليه‌السلام؟

قلت : لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من كنت مولاه فعلي مولاه» وهو لا يريد بذلك إلا إثبات الإمامة له عليه‌السلام فثبت بذلك كونه عليه‌السلام إماما.

فإن قيل : لم قلت : إن الإمام بعد علي بن أبي طالب ولداه الحسن والحسين عليهم‌السلام؟

قلت : لقول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا وأبوهما

٥٥٩

خير منهما» (١) وهذا نص صريح على إمامتهما عليهما‌السلام.

فإن قيل : لم قلت : إن الإمامة بعد الحسن والحسين عليهما‌السلام في أولادهما؟

قلت : لإجماع الأمة والعترة عليهم‌السلام على ثبوتها لهم واجبة فيهم لا فيمن سواهم.

وصلى الله على محمد وآله وسلم

* * *

٥٦٠