مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ٢

المنصور بالله عبدالله بن حمزة

مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ٢

المؤلف:

المنصور بالله عبدالله بن حمزة


المحقق: عبدالسلام بن عباس الوجيه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦٥
الجزء ١ الجزء ٢

وأما الوجه الثاني : فهو أن ظهور هذا الخبر جار مجرى ظهور الأخبار الواردة في أصول الشريعة كالصلاة والزكاة ، والحج ، والصوم ، لأن وصولها إلينا على حد واحد والعلم لنا بأحدها كالعلم بالآخر ، فالمنكر لذلك متجاهل أو جاهل.

وأما وجه الاستدلال به فإن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمننا من الضلال أبدا ما تمسكنا بعترته ، والتمسك بهم هو متابعتهم في القول والعمل والاعتقاد ، فلولا أن إجماعهم حجة لما أثبتنا.

وهذه الدلالة مبنية على ثلاثة أصول :

أحدها : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمننا من الضلال أبدا ما تمسكنا بعترته ، والثاني : أن التمسك بهم متابعتهم في القول والعمل والاعتقاد ، والثالث : أنه لو لم يكن إجماعهم حجة لما أمنا.

فالذي يدل على الأصل الأول وهو أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمننا من الضلال أبدا ما تمسكنا بعترته فذلك ظاهر في لفظ الخبر بحيث يستغنى عن تبيينه والاستدلال به عليه قال : «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا» هذا في غاية الظهور والجلاء.

وأما الأصل الثاني : وهو أن التمسك بهم هو متابعتهم في القول والعمل والاعتقاد فلأنه لا يحسن من أحدنا أن يقول : إني متمسك بطريقة فلان ولكني لا أقول قوله ، ولا أعمل عمله ، ولا أعتقد اعتقاده ، بل يعد من قال ذلك مناقضا نازلا منزلة من يقول : إني متمسك بطريقة غير متمسك ، ولأنه عليه‌السلام قرنهم بالكتاب ولا خلاف في وجوب متابعته الكتاب في الوجوه الثلاثة التي قدمنا ، وكذلك العترة لأن حالتها عنده عليه‌السلام على سواء فإن قيل : ما

٤١

أنكرتم من أن يكون ذلك في الأصول. قلنا : هذا الحكم عام لأنه لم يفصل ، ولا الواجب في الأصول الرجوع إلى أدلة عقلية يجب اتباعها دعى إليها الواحد أو الجماعة ، العترة أو غيرهم ، وتجويز من يجوز ممن قال إجماعهم حجة ، مخالفتهم في الفروع لا وجه له ؛ لأنه لا يخلو إما أن يقول بأنه أمارة مفضية إلى الظن بخبر الواحد ، أو دلالة مؤدية إلى العلم والقطع ، فإن قال بالأول بطل الكتاب والسنة ولأنه لا يجوز مخالفة خبر الواحد في الشرعيات متى حصل الظن بصدقه ، وإنما تجوز مخالفته عند فقد الظن ، فقد ثبت بطلان جواز المخالفة على هذا الوجه ، وإن قال بالثاني من الوجهين فكيف تجوز مخالفة المعلوم والمقطوع به إلى المظنون المتوهم إلى عين التنكب لطريقة الإنصاف.

وأما الأصل الثالث : وهو أنه لو لا أن إجماعهم حجة ، ومتابعتهم واجبة ، لما أمننا ، فلأن المعجزات الظاهرة على يده عليه‌السلام قد أزاحت عنا تجويز التلبيس والتغرير في أخباره ، فلو لم يكن قولهم واجب الاتباع لكان قوله عليه‌السلام : «ما إن تمسكتم لن تضلوا» أمان لنا من غير مأمون ، واستدعاء لنا إلى ارتكاب المخوف ، وذلك أعظم التغرير وأقبح التلبيس ، وقد ثبت أنه لا يجوز عليه شيء من ذلك.

وأما الطريقة الثانية من الطريقتين المتقدمتين فهي : أنا نقول قد ثبت لنا بما قدمنا كون إجماع أهل البيت عليهم‌السلام حجة ، فلا يخلو القائل أن إجماع الأمة حجة ، إما أن يعتبر أهل البيت أو لا يعتبرهم ، فإن لم يعتبرهم فقد أخرج أفاضل الأمة عن أن يعتد بهم ولا قائل بذلك ، وإن اعتبرهم ، فالحجة لازمة لقولهم لما قدمنا ، فلا معنى لجعل إجماع الأمة إجماعا ثابتا غير إجماع العترة.

٤٢

فقد صح لك أن مدار الحق على العترة في الحالين جميعا ، وذلك يكشف عن أنه لا اعتبار بسواهم لأنا نجعل الحجة ما كان قائما بنفسه بالدلالة ، فلو ساغ جعل ما ليس بحجة حجة إذ انظم إلى الحجة حجة ، لساغ قول من يقول : أن قول الواحد حجة يجب اتباعها إذا انظم إلى دليل عقلي وذلك ظاهر الفساد بمن الله وعونه.

فهذا هو الكلام في هذا الفصل على وجه الاختصار ، ووفاء بما وعدنا به في أول الفصل والآيات المنزلة والأخبار الواردة كثيرة واضحة أضربنا عن ذكرها كراهة الإطالة والسلام.

والحمد لله وحده وصلى الله على رسوله وآله وسلم

* * *

٤٣
٤٤

وأجاب عليه‌السلام عن مسائل وردت بصعدة

من الأمير مجد الدين يحيى بن محمد بن يحيى بن يحيى بن الهادي إلى الحق عليه‌السلام

بسم الله الرحمن الرحيم ، وبه نستعين.

وقفنا على كتاب الأمير الرجل الأوحد المكين مجد الدين أدام الله علوه ، وما قرر فيه من الخمس المسائل.

الأولى منها في الخمس

هل يجوز صرفه إلى صنف واحد من الأصناف الستة المذكورة دون غيره من الأصناف المذكورة في كتاب الله عزوجل أم لا يجوز؟

قال أيده الله تعالى : ما الدليل على صحة ما عندنا في ذلك؟

الجواب وبالله التوفيق : اعلم أيدك الله وهداك ، وحاطك وتولاك ، أن الخمس يجوز قسمته على الستة الأصناف التي ذكرها الله عزوجل في كتابه ، وتعيين الله سبحانه لها بتعيين جواز الوضع في أي صنف كان من الأصناف كما تعلم في آية الصدقة فإنها في ثمانية أصناف كهذه الآية بغير زيادة ولا نقصان ، ولا خلاف في جواز صرفها إلى صنف واحد نعلمه ، أعني آية الصدقة.

٤٥

وأما الدليل [على] ما نذهب إليه في ذلك ما فعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بعد الاغتنام ووجوب حق الله سبحانه فيه كغنائم حنين وما شاكلها ، فإنه صرف الخمس إلى صنف واحد ، وهو سهم الله سبحانه فرأى أن تأليف القوم من أقوى مصالح المسلمين ليقل عدوهم ، وتقوى شوكتهم ، وتنقطع الثائرة عنهم ، وتقل العادية ، ولا دليل أقوى من دليله ، ولا سبيل أهدى من سبيله. أو ما فعله علي عليه‌السلام بعده ، وفعله عندنا في الشرائع لاحق بفعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد صرف الخمس إلى عمر بن الخطاب ليصرفه في سبيل الله وهو وجه واحد من الستة الأوجه.

الاحتجاج بأنه سهم ذوي القربى لأنه يؤكد ما قلناه ليوضح ، ولا نسلم صحته لوجوه:

منها : لو وجب صرفه في وجه واحد لما أعطاه علي عليه‌السلام بغير رضا أهله.

ومنها : أنه إذا جاز أن يصرف نصيب صنف إلى آخر ، جاز في الجميع ، إذ الحكم واحد وهو الذي نقول.

ومنها : أن الخمس إلى علي عليه‌السلام في حياة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يزل يقسمه إلى زمان عمر ، وكثرت الأموال فقال علي عليه‌السلام بنا عنه غنى ، وبالمسلمين إليه حاجة ، فقال العباس رضي الله عنه : حقنا تخرجه من أيدينا والله لا دعيت إليه بعدها ، فقال عليعليه‌السلام : فو الله ما دعيت إليه حتى قمت مقامي هذا ، والظاهر أنه الخمس جميعا ؛ لأن بني هاشم أحل لهم الخمس وحرمت عليهم الصدقة ، حلال الخمس لهم عموم ، وحرام الصدقة عليهم

٤٦

عموم ، فلو كانت على قول من يقول بوجوب التسهيم ، لكان بعضه حراما عليهم ، ولما صح الإطلاق الذي قد وقع ، وإنما كان يقال أحل لهم بعض الخمس ، وحرمت عليهم كل الصدقة وهذا لا يصح ولأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رد بني عبد شمس عن الخمس ، ولو كان على رأي أهل التسهيم لكان لهم في السدس مندوحة ولا يقال : فقد أعطى الخمس غير أهل البيت عليهم‌السلام.

قلنا : نعم ذلك في حال إخراجه عن أيديهم ، ولم يؤثر عنه أنه قسمه أسداسا ، ولا وقف سهما للمسافرين ، وقد حفظ عليه التفصيل في دون ما هذا حاله ، فمنع في حال لتبيين حكم الوجوب ، وأعطى في حال لتبيين حكم الجواز ، لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معلم الخير ، ولما قتل جرير قائد إفريقية ، زمن عثمان وقصر جيشه ، وجمعت غنائمه فبلغت ألفي ألف دينار فخمسه عثمان ، وأعطى خمسه مروان بن الحكم ، فلم ينكر عليه أحد من جماعة المسلمين صرف السهام إلى وجه واحد ، وإنما أنكروا السرف والأثرة.

والهادي عليه‌السلام رد الخمس على (المهاذر) من دون استطابة نفوس أهله ، وجعله في وجه واحد من الستة ، وإن وجد غير ذلك وجب أن يكون أحدهما مرجوعا عنه.

المسألة الثانية في الجزية

هل يجوز صرفها إلى أغنياء المسلمين أم لا يجوز صرفها إلا إلى فقرائهم ، وما الدليل على المذهب الأول في ذلك؟

٤٧

اعلم أيدك الله : أن الجزية هي المال المأخوذ عن الرقاب ، مأخوذة في أصل اللغة من الإجزاء في وجوب طرف الأداء والمشاركة ، وهي في مقابلة إقرار الملل الخارجة عن الإسلام وعلى وجه التصغير على كفرهم إلا ما استثناه الدليل كسب الأنبياء عليهم‌السلام ، وإظهار قبائح مخصوصة وما جانس ذلك ، وكانت تزيد في الأصل ، وتنقص على قدر استظهار المسلمين وضعفهم ، فقد يكون دينارا ، ويكون أقل ، وقد يكون أكثر إلى زمن عمر ، ثم استوت عن تواطؤ من الصحابة رضي الله عنهم ، وتشاور ولما ذكروا الفقير ومن لا يجد شيئا ، فالولاية لا تعوز أعجز الناس وأكثرهم درهما في الشهر ، فجعلوا عليه في السنة اثني عشر درهما ، ولسنا نتمكن من استقصاء ما تحتمله المسائل لكثرة الأشغال وقلة الفراغ ، وكون ذلك يتسلسل إلى شيء كثير وكان يتعلق به نفع ، ولكن لم نتمكن مع المعاذير من بلوغه ، فالله المستعان.

ولما ضربت الجزية على الملل المخالفة لم يقع خلاف في الصدر الأول ولا في غيره من الأعصار دفعها إلى آل الرسول ، وقد علمت أنما يخص الفقراء وأطلق الفقراء لم يجرفه إليهم ، وكذلك فإن المسلمين بلغوا في بعض أزمنة الصحابة رضي الله عنهم إلى حال لا يعلم في أهل الديوان فقير ، ولم نعلم امتناعهم من جزية ، ولا منعهم ولي الأمر عنها ، ولأنها أخت الخراج ؛ وذلك لأن الخراج في الأموال وهي في الرقاب ، ولم يختلف المسلمون في جوازها للغني ، فهذا هو الدليل في جواز صرفها في الغنى وهو المذهب.

المسألة الثالثة في ترتيب الديوان وجواز المفاضلة بينهم في العطاء

مع كون الفاعل لذلك قسم بالسوية ، وعدل في الرعية وما الدليل؟

الجواب عن ذلك : اعلم أيدك الله أن الديوان حادث في زمن عمر ، وكان الأمر بعده جار عليه ، وقبله غير منتظم لوجهين :

٤٨

أحدهما : قلة الأموال التي تحتمله. والثاني : وهان خواطرهم عنه ، فلما اتسعت مملكة الإسلام زادها الله سعة وكثرت أموالهم ذكر لعمر أصله من مملكة الفرس فاستحسنه ، وقال : الإسلام أولى بهذا ، واجتمع في بيت المال عشرون ألف ألف درهم وثلاثون ألف ألف دينار ، فدعا عقيل بن أبي طالب ، ومخرمة بن نوفل ، وجبير بن مطعم ، وهؤلاء شباب قريش والعرب وقال : اكتبوا الناس على منازلهم فبدءوا ببني هاشم ، ثم أتبعوا رهط أبي بكر ورهط عمر ، فلما رآه قال : وددت أني من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه المنزلة من القرابة ، أنزله عمر حيث أنزله ربه ، فجعلوا عمر في الطبقة الثامنة من قريش ، والشرح يطول ، وكان ابتداء الديوان سنة عشرين ، وأجمع على البداية علي بن أبي طالب سلام الله عليه ، ولبعضهم خلاف في العباس رضي الله عنه خمسة آلاف ، وألحق به سبطي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وألحق بهما العباس رضي الله عنه.

هذا على ما يصح عندنا ، ثم ألحق بهم من شهد بدرا من قريش في خمسة آلاف ، ومن شهد بدرا من الأنصار في أربعة آلاف ، ومن شهد أبوه بدرا في ثلاثة آلاف ، والمسلمون من قريش بعد الفتح في ألفين ألفين كأبي سفيان وولده معاوية ، ولأمهات المؤمنين ستة آلاف ، قيل فضل عائشة بزيادة ألف ، وحفصة ، وأن عثمان ردهما إلى عطايا أمهات المؤمنين ، فكان ذلك أصل العداوة بين عثمان وعائشة ، ومعتقاته التي جعل عتقهن مهرهن في خمسة آلاف ، وجعل عمر لنفسه أربعة آلاف ، وألحق أولاده بأعطيات قريش ، ولأهل مكة الذين لم يهاجروا ستمائة وسبعمائة ، وفرض لأهل اليمن أربع مائة ، ولمصر ثلاثمائة ، ولربيعة مائتين مائتين ، وفرض لنساء من المسلمين فاضلات من ألفين إلى ألف إلى خمسمائة كأسماء بنت عميس ، وأم كلثوم ابنة عقبة بن أبي معيط ، وخولة بنت حكيم من الأوقص امرأة عثمان بن مظعون ، وفرض لكبار الأعاجم كفيروز بن يزدجرد ، وجميل وخالد ابني صهيب ، والهرمزان ،

٤٩

وغيرهم من ألفين ألفين ، وقال قوم أشراف أو وددت أن أتألف بهم قومهم ، فاستقر الديوان على هذا بإجماع من غير مناكرة ولا منازعة.

هذا هو الدليل على المفاضلة لأنها واقعة كما ترى بمحضر الجميع ورأيهم.

وأما قوله أيده الله : كيف يصح صفة من هذا بقسمة التسوية والعدل في الرعية ولا مانع من ذلك لأن حكم المسلمين تقسيم المواريث عشرا وسدسا ونصفا وربعا إلى غير ذلك ، ولا ندري أيهم أقرب نفعا للميت ، كما قال الله تعالى ، ويوصف بقسمة السوية لأن أصل السوية الفعل ، لأن الله تعالى رفع سمك السماء فسواها وهي ذات حبك وطرائق ، كما ذكر في آية أخرى ، وقوله تعالى لا يتناقض ولا يختلف ، وقال تعالى : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) [الأعلى : ٢] ، وفي خلقه الزيادة والنقصان يعلم ذلك ضرورة ، ولهذا ضلت الفرقة الجاهلة ، فرفعت حكم المشاهدة ، فأنكرت الضرورة بصفة الإمام ، والحال هذه أنه قسم بالسوية بمعنى قسم على وجه يغلب في ظنه المصلحة لأن علم الغيب مستحيل على العباد ، وهو عدل لأنه حكم بحكم الله ، ونحن نصف الباري بالعدل ، وأنه أعطى أحدنا ألفا والآخر درهما ، إذ العدل هو إيفاء حق الغير واستيفاء الحق منه ، ولا حق لنا في ماله إلا ما أعطانا ، ولا في الغنائم إلا ما أعطانا نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يختلف أحد في جواز التنفيل وما هي المفاضلة إلا هذا ، وإنما أهلك الناس أيدك الله تعالى هواجم نجمت في الإسلام لم ترتضع بثدي الهدى ، ولا اغتذت بدر الحكمة ، ولا سألت ورثة العلم عن علمها ، ولا أرباب الكتاب عن كتابهم ، وعملت برأي السفهاء تمردا على الله ولن تعجزه ، وعذاره للحق ولم تنقصه ، ولم يهمل الله دينه ، وقد أيده بحفظه ، وحرسه بحماته من عترة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذين هم تراجمة الكتاب ، وأعرف الناس بالهدى والصواب ، لم يضل من تبعهم ، ولا يعمى من استضاء بنورهم.

٥٠

[المسألة الرابعة في كتب موقوفة على قائم الحق]

المسألة الرابعة في كتب موقوفة على قائم الحق من آل الرسول قبل قيام الإمام المتوكل على الله أحمد بن سليمان بن الهادي إلى الحق عليه‌السلام منها ما قبضه ، ومنها ما قبضناه ، ومنها ما لم يقبض ، ما الحكم في ذلك إلى نهاية كلامه أيده الله تعالى؟

الجواب في ذلك : أن كل وقف جرى هذا المجرى فهو لقائم الحق مدة حياته ، وإذا مات كان للقائم بالإمامة بعده ، ولا فرق في ذلك بين ما قبضه الأول والآخر ، ولما لم يقبض في أنه له في حياته ثم بعده لا يكون لوارثه إلا أن يكون إماما كان له بالإمامة لا بالوراثة ؛ لأن الأول ما ملكه لأنه وقف على من تكون هذه صفته كالذي يقف على الفقراء الغير معينين ، إنما تكون لمن تكون صفته الفقر ، ولا ينتقل إلى الوارث إلا أن يكون على مثل حال الأول ، وهذا الذي يقوى عندي أن أعمل به في ما صار إليّ مما هذه حاله أبين الحكم فيه ، إذ لا آمن أن يأتي من لا يفصل هذه القضية فيدخلها في بابها ، ومن الله نستمد الهداية.

[المسألة الخامسة في التقليد]

المسألة الخامسة فيمن لم يبلغ في العلم درجة الاجتهاد فيكون على قول بعض المجتهدين ، ثم يقع الكلام في مسألة من المسائل ترد فيها أقوال العلماء ، ويرى قول غير المجتهد الذي هو على مذهبه أولى وأرجح بما يصح عنده من الدلالة ، هل له أن يأخذ بذلك القول أم لا؟ أم لا بد من أن يكون قد بلغ درجة الاجتهاد؟

الجواب : اعلم أيدك الله بتوفيقه أن الكلام في هذه المسألة يفتقر إلى تعليل وشرح طويل لو تمكنا من استقصاء جوابها وفتح أبوابها ، وإنما نذكر المهم.

٥١

اعلم : أن المقلد يجتهد على وجه ، ومعنى ذلك أنه لا يقلد إلا من أداه اجتهاده إلى تصويبه في أقواله ، وترجيحه على غيره ، وحصول العلم أو غلبة الظن على صحة ما جاء به ، ومن كان عنده بهذه المنزلة لم يجز له أن يرجع إلى رأي غيره إلا أن يصح له على سبيل الجملة باجتهاد آخر أن غيره أولى منه باتباعه ، فيكون قد انتقض اجتهاده الأول.

فأما في الأقوال التي أثبتنا صحتها على الأدلة الحقيقية ، دون الأمارات الشرعية ، من المسائل الشرعية ، فإنه إذا صح له الدليل في المسألة عمل به دون قول من يقلده ، ولا ضير عليه في ذلك.

فأما فيما يتعلق بالأمارات والعلل المستنبطات وما جانس ذلك ، فلا يجوز له العدول ، فلا يصح قوله ترجح عندي ، إذ علة الترجيح معدومة له ، فإن سبق إلى فهمه أمر ، اتهم نفسه ورجع إلى قول إمامه ؛ لأن المجتهد أصح نظرا ممن لم يبلغ درجة الاجتهاد ؛ لأنه متمكن وهذا غير متمكن ، فإن قال : تمكنت في هذه المسألة يقال له : في ما ذا ، والحكم في هذه المسألة وغيرها على سواء ، وإن تبين له وجه فمن الجائز أن يكون عند إمامه ما هو أقوى ، ولكنه جرد قوله في هذه المسألة أو عللها ببعض ما يعلم ، ووجوه الإجماعات كثيرة.

فهذا ما وقع التمكن منه على وجه العجل والحمد لله أولا وآخرا والسلام.

وصلى الله على رسوله سيدنا محمد النبي وآله وسلامه.

* * *

٥٢

[مسائل أخرى متفرقة]

سألت عن رجل تزوج امرأة مسلمة في حال تغطيته بالإسلام ثم بانت ردّته ثم بقيت المرأة على الإسلام إلا أنها في عقاله لا تجد سبيلا إلى الخلاص ما يكون الحكم في ذلك؟

الجواب : أن النكاح قد انفسخ بينها وبين زوجها بالردة التي أحدثها ، وإسلامها صحيح ، والنكاح ثابت من الرجل المسلم والصبية الصغيرة.

وسألت : عما يكون في يده من الأملاك والذي يكون في يد المرتد من الأملاك يكون لورثة المسلمين إلا أن يكون الدار التي هي فيها الأملاك دار حرب فهي ملك للمسلمين إذا غلبوا عليها؟

وسألت : عن المطرفي إذا أوصى بالحقوق الواجبة أتصح وصيته أم لا؟

الجواب : أن وصيته لا تصح.

وسألت : عن رجل تزوج امرأة في حال الصغر ثم طلقها بعد البلوغ ولم تحض هل عدتها بالأشهر أم بالحيض؟

الجواب : أن المسألة معرضة للنظر ، والأقرب أنها ما لم تحض فعدتها بالأشهر على بقاء الأصل الأول.

وسألت : عن الكلام في أموال الشرف وما ذكرنا من فضلهم ، والحجة عنهم للصدقة ، وذكرت أن الغني يشاركهم في ذلك والمملوك؟

٥٣

الجواب : فأما المملوك فهو مال في الحكم ولا يقاس عليه ، وأما الغني فالصدقة لا تحرم لشرفه وإنما لغناه ، بدليل أنه إذا زال الغنى حلت له الصدقة فدل على أن علة المنع الغنى لا النسب ، وقد علل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تحريم الصدقة على بني هاشم بأنها غسالة أوساخ الناس ، وفي حديث آخر غسالة أوساخ أيدي الناس ، وكان هذا تشريفا ، وكان ذلك عاما فيهم وفي مواليهم بالإجماع ؛ ولأن في الخبر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «المعتق من فضل طينة المعتق» ولا شك أن طينتهم من أفضل الطين ولم يساويهم بغيرهم ، ولأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: «الولاء لحمة كلحمة النسب لا تباع ولا توهب» (١) ، وهذا خبر معلوم للأمة بالاضطرار ، ولأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «مولى القوم منهم» (٢) وكان مجملا وكان ثباته بشريعة تشرفهم قولا وفعلا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

أما الفضل فولّاهم على سادات العرب والمسلمين في غير موطن ، كزيد بن حارثة رحمه‌الله ، وأسامة بن زيد.

وأما ما ذكر أن الإجماع منعقد عن الأمة والأئمة أن العربي لا يكون عاضلا إذا لم يزوج المولى ، فهذا الإجماع لا يصح دعوى أنه كان غير عاضل في موالي بني

__________________

(١) أخرجه الأمير الحسين في (الشفاء) بسنده عن ابن عمر ، قال الإمام القاسم بن محمد : قال ابن حجر : رواه الشافعي ، وصححه ابن حبان ، وأصله في صحيح البخاري بغير هذا اللفظ ، وهو في البيهقي ٦ / ٢٤٠ ، ١٠ / ٢٩٢ ، ٢٩٣ ، وفي مسند عبد الرزاق برقم (١٦١٤٩) ، وفي مجمع الزوائد ٤ / ٢٣١ ، وفي المستدرك ٤ / ٣٤١ ، وفي كنز العمال برقم (٢٩٦٢٤) ، وانظر بقية مصادره في موسوعة أطراف الحديث ١٠ / ٤٩٢.

(٢) أخرجه أحمد بن حنبل ٣ / ٤٤٨ ، ٤ / ٣٣٠ ، والدارمي ٢ / ٢٤٤ ، والطبراني في الكبير ١٢ / ١٩٧ ، وهو في مجمع الزوائد ١ / ١١٥ ، ١٠ / ٣١ ، وفي مشكاة المصابيح برقم (٣٠٥١) ، وفي تلخيص الحبير ٤ / ٢١٤ ، وكنز العمال برقم (٢٩٦٤٢) ، ونصب الراية ٤ / ١٤٨ ، وابن عساكر ٢ / ٤٣٤ ، ٥ / ٣١٢ ، وفي تفسير القرطبي ٨ / ١٩٢.

وهو بلفظ : «مولى القوم من أنفسهم» عند البخاري ٨ / ١٩٣. وأبي داود برقم (١٦٥٠) ، والبيهقي ٢ / ١٥١ ، وانظر موسوعة أطراف الحديث النبوي ٨ / ٦٤٣.

٥٤

هاشم ، وإنما يكون في العرب ، وذكر المولى ، ولا يذكر موالي بني هاشم بنفي ولا إثبات ، فكيف يدعي الإجماع فيه وهو موضع النزاع ، وقد زوجهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عقائل العرب بل قريش فضلا عن العرب ، ما أعلم أن أحدا في الصدر الأول منع موالي بني هاشم من النكاح.

وأما قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «شيعتنا منا» فحق ذلك ومن تبعنا فهو منا وإنما يريد في الإسلام والدين ، ولا يحتمل غير ذلك.

وسألت : عن رجل لم يوص بوصية وأخرج عنه الوارث وصايا : منها ما يتعلق بالمال ، ومنها ما هو متعلق بالبدن ، هل يجزي الميت أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن إخراج الحق عن الميت يلزم الحي إذا علمه فيما يتعلق بالمال.

وأما ما يتعلق بالبدن فالولي مخير في ذلك ، فأما الثواب فلا يكون للميت إلا أن يوصي.

وسألت : عن رجل أوصى بدية وقال للوصي : يبذر ماله حتى يوفي ، والمال قليل هل الوصي يبذر أو يبع عنه ويخلص الدية؟

الجواب : أن أهل الدية إن طلبوا التعجيل جاز البيع ، وإن كانت إلى بيت المال لم يكن إلا التبذير.

وسألت : عن امرأة أوصت بوصية في حقوق عليها وقالت اصرفها حيث يراه قاضي الإمام والوصي فعرفت غرضها أنها تبذر ، هل تبذر أو يباع أصلها؟

الجواب : أنها لا تباع لأنها بمنزلة الوقف وأكثر وقوف البلاد بلفظ الوصية.

٥٥

وسألت : عن معنى قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ ، أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) [الأعراف : ١٧٢ ، ١٧٣] وظاهر الآية إنما يفيد وجود المخاطب؟

الجواب عن ذلك : أن المخاطب موجود وهو بني آدم وشهادتهم على أنفسهم شهادة الحال لا شهادة المقال في أهل الكفر والضلال ، وإنما عقلوا عن الاستدلال في الدنيا على وحدانية الباري تعالى ، فندموا يوم القيامة ولم تنفعهم الندامة.

وأما قوله : (إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ) [الأعراف : ١٧٣] فهؤلاء اعتذروا بالتقليد ، والتقليد لا يكون عذرا في ترك التوحيد.

وقولهم : (أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) [الأعراف : ١٧٣] أو لونا كانوا سببا في اعتقادنا له ولم نبتدعه من تلقاء أنفسنا وهذا عذر غير مخلص عند رب العالمين.

وقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمَّا تَغَشَّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللهَ رَبَّهُما لَئِنْ آتَيْتَنا صالِحاً لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ ، فَلَمَّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ، أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ ...) إلى آخر الآية [الأعراف : ١٨٩ ـ ١٩١]؟

الجواب عن ذلك : أن هذه الآية في آدم وحواء عليهما‌السلام.

وأما شركهما فإنما هو استخدام ولدهما في منافع الدنيا ، وهو شرك لغوي

٥٦

لا شرعي ، ولم يفرغاه لعبادة الله تعالى.

وقوله : (أَيُشْرِكُونَ ما لا يَخْلُقُ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ) [الأعراف : ١٩١] فأراد أن أعمال الدنيا لا تبقى كأعمال الآخرة وأن المعبود من دون الله لا يخلق شيئا ، فأعاد الخطاب إلى من يعبد الأصنام وإن لم يسبق له ذكر ، ومثل هذا موجود في القرآن.

وقوله تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) [النساء : ٦٣]؟

الجواب عن ذلك : أن هذه الآية منسوخة بآية السيف ، وبعدها رفع حكم الإعراض.

وقوله تعالى : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ) [النساء : ٤٣]؟

الجواب عن هذا : أن هذا كان قبل تحريم الخمر ، وبعدها ارتفع الأمر من أصله.

وقوله تعالى : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) [آل عمران : ٢٨ ، ٣٠]؟

الجواب عن ذلك : أنه حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ، معناه ويحذركم الله عذاب نفسه.

وقوله تعالى : (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [هود : ٨٦]؟

الجواب عن ذلك : أن بقية الله هاهنا طاعته وتقواه ، لأنها التي تحمد ذخيرتها ، والبقية هي الذخيرة.

وقوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ

٥٧

رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا) [آل عمران : ٨١] ما الإقرار والإصر؟

الجواب : أن الله تعالى أخذ ميثاق الأول من الأنبياء للآخر ، والإقرار ظاهر والإصر : هو الواصل بين الناس من رحم أو حلف أو دين.

وفي معنى قوله تعالى : (إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس : ٨٢] هل يحمل على ظاهره وهو أن كل فعل من أفعاله يقول له كن يعني سوّاه؟

الجواب : أن كل ما أراده من فعله فإنه يكون بقوله تعالى (كُنْ فَيَكُونُ) لأن قدرته تعالى لا يمنعها مانع ولا يردعها رادع والله تعالى يفعل ما يشاء ، وهذا أمره في أفعاله ، وأفعال غيره لا يتصعب هذا فيها لاستحالته.

وفي قوله تعالى : (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها) [الإسراء : ١٦] الآية؟

الجواب : أن الأمر هاهنا الإكثار والغنى ، فلما أكثرهم وأغناهم عصوا فقصمهم ، وقد قيل : أمرهم بالطاعة فعصوا.

وفي معنى قوله تعالى : (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ ، فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ [لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ] ، خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ ...) الآية [هود : ١٠٦ ، ١٠٧]. وما فائدة الاستثناء في أهل الجنة والنار؟

الجواب عن ذلك : أن الاستثناء لأوقات الحساب والقيامة فإن أهل الجنة غير خالدين في الجنة ، وأهل النار غير خالدين في النار ، فلا فرق بين الاستثناء في أول الأمر ولا في آخره ، كمن حلف بصيام شهر إلا يوم ، فإن اليوم يجوز أن يكون من أوله ومن آخره ويصح الاستثناء.

٥٨

وفي قوله تعالى : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ ...) إلى آخر الآية [المائدة : ٥].

الجواب عن ذلك : أن المسلمين لما خصهم الله بفضيلة الإسلام نفرت نفوسهم عن مخالطة أهل الكتاب فأعلمهم الله تعالى بأنهم إخوانهم في الدين ولا فرق بينهم في طعام ولا في نكاح.

وعن معنى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه» (١)؟

الجواب : أن المؤمن لا يذل نفسه بمعصية الله تعالى وترك القيام والعمل بما يقتضي أمره ، وأما التواضع فهو تاج الإيمان.

وعن رطوبة المطرفية وسائر الكفار ، وما الحجة على جوازها ، وفي الكتب عن الأئمة والعلماء أن النجاسات ثمان من جملتها المشرك؟

الجواب عن ذلك : أن المطرفية رطوبتهم كرطوبة سائر الكفار وقد كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدخل إليه المشركون إلى المسجد ، وربط مشركا إلى سارية من سواري المسجد ولو كان نجسا لما ربط في المسجد.

وعن قوله تعالى : (فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ) [العنكبوت : ٦٥] ذكر الإخلاص ، وقد علم من حالهم أنهم مشركون بعد مصيرهم إلى البر؟

__________________

(١) أخرجه الإمام المرشد بالله في الأمالي الخميسية ٢ / ١٥٣ ، وعبد الرزاق في مسنده برقم (٢٠٧٢١) ، وهو في مشكاة المصابيح برقم (٢٥٠٣) ، وفي مجمع الزوائد ٧ / ٢٧٤ ، وإتحاف السادة المتقين ٦ / ٢٤٦ ، وكنز العمال برقم (٥٣٠٤) ، وفي تأريخ بغداد ١٢ / ٢٠٢ ، وفي كشف الخفاء للعجلوني ٢ / ٥٢٤ ، وانظر موسوعة أطراف الحديث النبوي ٧ / ٤٧١.

٥٩

الجواب عن ذلك : أنه حكى حالهم عند الضرورة أنهم لا يدعون مع الله غيره ، فإذا خرجوا إلى البر عبدوا الأصنام وأشركوها في عبادة رب العالمين ، وفي الشدة لا معي إلا هو ، كما قال تعالى : (ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ) [الإسراء : ٦٧].

وعن المطرفي إذا أظهر ما كان يعتقده للناس على التفصيل ولفق الدليل على فساده بعد الاعتراف بالكفر ، وقيل : ذلك في الحال من غير استمرار على درس ، هل تقبل توبته والحال هذه أم لا تقبل؟ وما الإمارة في إسلام من يسلم منهم في هذا الوقت؟ وهل يجوز لأحد من المسلمين أن يعقد لهم بالأمان من غير إذن الإمام أو من يلي من قبله أم لا؟

الجواب : أن أمانهم لا يكون إلا بإذن الإمام أو من قد أذن له ، وأما توبته فالاعتراف ولعن من تقدم من خبثاء تلك الأسلاف الذين أوردهم الكفر الصراح ، والبراءة منهم ، والتعلم للأدلة والبراهين ، حتى يبرأ من الكفر برب العالمين ، ويكون تمسكه بالإسلام على يقين ، وينصر في إدراك معالم الدين.

وعن قول المجبرة في تكليف أبي جهل : إذا كان قد علم الله من حاله أنه لا يسلم ولو جاءه من جاء ، ما الفائدة في إرسال الرسول إليه وقد علم من حاله ذلك؟

الجواب : أن الله تعالى علم أنه لا يسلم من سوء اختياره وقبح نظره لنفسه ، ولله عليه المنة في التكليف بأنه يعرض لنفعه فيما هو داخل تحت إمكانه ، فاللائمة عليه لا على ربه.

وفي معنى قوله تعالى : (وَتِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ) [الأنعام : ٨٣]؟

الجواب عن ذلك : أن الله تعالى أكمل عقل إبراهيم عليه‌السلام وأورد

٦٠