مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ٢

المنصور بالله عبدالله بن حمزة

مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ٢

المؤلف:

المنصور بالله عبدالله بن حمزة


المحقق: عبدالسلام بن عباس الوجيه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦٥
الجزء ١ الجزء ٢

المسألة الخامسة [في تركة رجل مات ولم يعرف له وارث ولا وصي]

قال أدام الله عمره : ما تقول في رجل مات وخلف تركة ، ولم يعرف له وارث ولا وصي ، ما الواجب يفعل في تركته؟ أيتصدق بها ، أو تترك مهملة ، أو يستعان بها على مهام الدنيا؟

الجواب عن ذلك : أن الواجب في تركة من حقق ذكره أن تحفظ ، ويشهد عليها ، ويبحث عن الميت في بلاده وأوطانه ، ويستقصى ؛ فإذا وقع الإياس بعد الاستقصاء لزم صرف ذلك إلى بيت المال لأنه مرجع الأموال التي لا يعرف لها مالك كما قدمنا ، ولا يجوز أخذه لآحاد الناس وإنما يجوز للإمام أو الوالي من قبله.

المسألة السادسة [في السمسرة]

قال أدام الله عزه : ما تقول في السمسرة التي يأخذه أرباب المعايش إذا حصره المتولي وهو في الدينار قيراط ، واستأجر فيها من يحصرها ويضبطها مثل القبان ، وسوق الدقيق ، والنحاس ؛ واستعان بما يحصل فيها من أمور الدنيا أيجوز ذلك أم لا؟

الجواب عن ذلك : أنه إذا فعل المتولي من قبل الإمام وتحرى فيه الصلاح جاز ذلك فاعلم ذلك موفقا ؛ لأن هذه الأمور لا تجوز إلا بمبيح شرعي ممن تكون له ولاية عامة على كافة الأمة وإلا فلا اعتراض لأحد على أحد من تلقاء نفسه ؛ فإذا صحت الولاية صح التصرف ومن الله سبحانه نستمد التوفيق له ولكافة المسلمين ، وأن يعينه على أمره ، ويشرح بالإيمان صدره ،

٤٢١

ويكثر من الصالحين أعوانه ، ويرجح بإيثار طاعته ميزانه ، ويشد بمرضاته عضده ، ويقوي على الظالمين يده ، ونصلي على النبي وآله.

وهذه مسألة في رجل من بني مريس يؤمر بها إلى الفقيه عرفطة.

قال تولى الله توفيقه : ما تقول في مال يسمى مال بني عمارة ، وادعى قوم القرب إليه وإرثه بالعصب ، ولم تقم لأحد منهم بينة على ذلك ، وله بنات مشهورات النسب منه ، ولهن ورثة ، فانتهبت ماله القوم الذين ادعوا قرابته عقيب موت بناته ، وباعوه ، وتصرف بعضهم فيه بهبة وصدقة من بيع وغير ذلك؟

الجواب عن ذلك : أن الدعوة لا تصح إلا ببينات ، والبنات سهاميات وإرثهن على سهامين ويبقى نصيب العصبة فإن علمت وإلا كان ردا عليهن على قدر السهام دون الزوجات فاعلم ذلك موفقا.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم تسليما

تم سؤال الأمير بحمد الله

* * *

٤٢٢

[مسائل أخرى لأبي الفضائل بن أسعد العلوي]

بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

مما سأل عنه الشريف أبو الفضائل بن أسعد العلوي الإمام المنصور بالله أمير المؤمنين عبد الله بن حمزة بن سليمان صلوات الله عليه وعلى آبائه الطاهرين ، في شهر المحرم أول شهور سنة عشر وستمائة بظفار المحروس بعد أخذ المصانع (١) وعمارة الحصنين المحروسين عزان (٢) والمصنعة (٣) وكان مبتدأ العمارة فيهما في الثامن عشر من شوال سنة تسع وستمائة.

قال : ما يرى مولانا عليه‌السلام في دار الكفر إلى كم تنقسم؟ وإلى كم انقسمت؟ فما أحكامها؟ وإذا كان في بعضها سلطان لهم وهم يعتقدون أنه محق وأعطوه هو وأصحابه الحقوق الواجبة لقدرته وإنما أعطي هو وأهل مقالته

__________________

(١) المصانع : من أعمال ثلا قال في معجم البلدان المصانع / اسم مخلاف في اليمن يسكنه آل ذي حوال وهم ذي مقار منهم يعفر بن عبد الرحمن بن كريب الحوالي.

(٢) عزان : حصن من المصانع في بلاد ثلا. وهنالك الكثير من الحصون والقرى بهذا الاسم.

(٣) المصنعة : يوجد الكثير من البلدان بهذا الاسم : مصنعة ويشان في ناحية البستان ، ومصنعة الشلالة في بلاد عنس وأعمال ذمار ، ومصنعة بني قيس من خبان وأعمال يريم تعرف اليوم بالمعلى ، ومصنعة الشعر من ناحية النادرة ، ومصنعة آنس مشهورة إليها ينسب نقيل المصنعة ، والمصنعة : في عزلة القاعدة من مخلاف بني مسلم في وصاب العالي وهي في الأصل حصن الشرف الذي ذكره ياقوت في معجم البلدان. ومصنعة مارية : بلدة من سائلة معيسج من أعمال ذمار والمصنعة : قرية من عزلة آزال وحصن أيضا من عزلة شريح من مخلاف عمار ، وجبل المصنعة في الغرب الشمالي من يريم.

٤٢٣

لظنهم به الإيمان هل هي دار كفر أم دار إسلام؟ أو ولو كان قادرا على الدار ، ولم يكن يظن به الإيمان ، وهو كافر أيضا لمسائل ، وأهل بلاده مسلمون هل هي دار إسلام أم لا؟ وما الفرق إذا كان في الزمان إمام أم لا في المسألتين الأولى والآخرة؟ وإذا أحاط جيش الإمام بحصن من حصون الذين هم على موالاة الفرقة الكافرة فأنزل الوالي أهل الحصن ، وأمنهم على أموالهم وأنفسهم الذي في الحصن هل يجوز لمسلم أن يأخذ من أموالهم شيئا بأمر الوالي أو بغير أمره؟ وهل يجوز إذا كان يغلب على الظن أن (عادهم) على أصل الموالاة للكفار ، وهل لنسائهم حرمة بعد الأمان و (عادهم) على الموالاة التي قبلوا و (عادهم) عليها لكن قد صاروا مقدورا عليهم؟

وما ترى في بلاد المطرفية الذين قد كانوا يخرجون بعض الحقوق ، والغالب من أحوالهم أنهم عامة لكنهم مقلدون لأهل هجرهم ، وأخذ الإمام حصنهم ، وصاروا مقدورا عليهم ما حكم دارهم ، وإذا سبى بنو هاشم من بلاد الحرب ، وكان سابيهم من أهل الزكاة هل يطعمهم منها أم لا؟ وإذا أعتقوا هل تحل لهم الزكاة أم لا؟ وما أحكام دار الفسق المحاربة إذا لم يكن في الزمان إمام وكان الواحد يقدر يسرق من بلاد المطرفية ويقتل منهم يجوز ذلك أم لا؟

وما ترى فيمن يكون مواليا لهم وهو عامي ، ويعطيهم الحقوق الواجبة وهو مخترعي هل حكمه في ذلك كحكمهم أم لا؟ وإذا كفر الإنسان بمسألة ولم يلحق بدار الحرب ما تسقط عنه من الحقوق؟ وإذا تكلم بكلمة كفر يتوصل بذلك إلى انفساخ النكاح بينه وبين امرأته ، أو فعلت امرأته ذلك وهي تعتقد خلاف ما تظهر هل يفسخ النكاح أم لا؟

٤٢٤

وما ترى في هذه العقود الفاسدة مثل : بيع الشيء بأكثر من قيمته ، واللعب بالشطرنج والملاهي ، والزواج بولي من غير شهود ، أو شهود من غير ولي ، وكشف الرّكب ، والحسنية إذا تزوجت من غير كفء ، هل يجب على المسلمين أن ينكروا في ذلك أم لا؟ وإذا كان مع إنسان امرأة لا تصلي هل يجب عليه يشد عليها أم لا ، وإذا سار المسلم بلدا وبعضهم يظلم بعضا ولم يكن في الزمان إمام هل يجب على المسلم شدة عليهم أم لا؟ وهل يجوز له أن يحل معهم في دارهم أم لا؟ وإذا علم المسلم أن والي الإمام أو والي وليه عاص ، ولم يعلم الإمام معصيته هل يجوز لمسلم مشايعته في الجهاد ، والائتمار بأمره ، والانتهاء عن نهيه ، وأن يأخذ من الوالي ما يقوم به ، وأن يتولى شيئا من أمر الرعية من تحت يده أم لا؟ وهل يجوز لمسلم أن يأخذ من الوالي شيئا من بيت المال إذا كان غنيا وعاد في الجند من هو أكثر من هذا المسلم فقرا وجهادا أم لا؟ وهل يجوز لمسلم إذا كان في حصن من حصون الإمام أن يقيم وهو يعلم إذا لم يكن في الحصن لم يقيم؟

الجواب عن هذه المسائل من مولانا عليه‌السلام :

قال : سألت عن دار الكفر إلى كم تنقسم؟ وهي تنقسم إلى دارين : دار الذمة ، ودار الحرب ؛ فدار الذمة كنجران ، وخيبر قبل إجلاء اليهود عما ذامموا عليه منها وهو القموص ، والسلالم ، وما صاقبها ، فأما السق والطاه ، وناعم ، وما تخللها واتصل بها فأخذت قهرا ، واقتسمها المسلمون بعد خروج سهم الله وسهم رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الكتيبة على ثمانية عشر سهما ، ودار الذمة يؤخذ منها ما جرى به الصلح ، ودار الحرب تحارب حتى يستولي عليها المسلمون ،

٤٢٥

ويملكونها لأنفسهم إن شاء الإمام أو يفرقها في أيدي أهلها بخراج معلوم ، أو يعطوا الجزية ويقروا فيها ، وإلا فالحرب أبدا إلا ما تخلل بين ذلك من الهدنة لمصالح يراها الإمام أو النائب من قبله ، والحكم فيها قتل المقاتلة ، وسبي الذرية ، ولا تعتبر بدار الكفر البقاع فإن مكة حرسها الله ، وهي أشرف بقعة خلقها الله في الدنيا ، وهي أم القرى ، ومنها دحى الله الدنيا ، فلما ظهرت فيها كلمة الكفر كانت دار حرب ، وكل أرض ظهرت فيها كلمة من الكفر من واحد منهم بغير إنكار جماعتهم أو من جماعتهم ولا يحتاج مظهرها إلى ذلة ولا جوار فهي دار حرب بلا خلاف ، وإن ظهرت بذمة وجوار يرى برأي الناطق بكلمة الكفر أو يحسن الظن فيه أو يحول بين المسلمين وبين إنفاذ الحكم وذمته له أو جواره إلى غير مدة فالدار دار كفر بلا إشكال ولا خلاف في ذلك نعلمه ، والحكم فيما هذه حاله عند القدرة قتل المقاتلة وسبي الذرية.

وسألت عن رجل كبير يفزع إليه أهل ناحية من النواحي ، ويعطونه الحقوق ، ويعطون حاشيته الحقوق ، وهو كافر هو وحاشيته ، وأهل تلك الناحية لا يعلمون كفره لأنه كافر بمسألة لا يعلمها إلا العلماء ، وأهل ناحيته كلهم مسلمون لا يعتقدون الكفر وإنما يعطونه الحقوق لتحسين الظن به لا لقدرته.

الجواب عن ذلك : أنه لا يجوز أن يعتقد معتقد الكفر ويظهر اعتقاده لأن يعلم الكفر ضرورة كأن يكون من الأمور المعلومة ، وإما بقول الأئمة والعلماء بكفره فالواجب على أهل الناحية الرجوع إلى قولهم ، فإن لم يرجعوا إلى قولهم وحسنوا الظن بالكفار فقد كفروا لردهم المعلوم من دين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن خبره أن الواجب على العوام الرجوع إلى قول الأئمة والعلماء ؛ فإن لم يدينوا بذلك

٤٢٦

كفروا ودارهم والحال هذه دار كفر ، ومتى ظهرت كلمة الكفر من الكافر ، وغلب على الدار وسكانه المسلمون مختارون كانوا كافرين بذلك ، وإن سكنوا غير مختارين كأن يقدر على منعهم ولا يجدون حيلة إلى الخلاص فهم مسلمون في خاصة أنفسهم والدار دار حرب لغلبة الكافر عليها ، ولا فرق في أحكام دار الحرب بين وقت الإمام وغير وقته إلا في غزوها في غير وقت الإمام ففيه الخلاف ، والإجماع مع الخلاف منعقد على أن المغازي متى ظهر على أهل دار الحرب أنفذ فيهم السجن والقتل والتحريق والنهب ولا إثم عليه في هذه الأمور ، وإن كان آثما في نفس القصد من الغزو عند من لا يجيز ذلك ، وأنا أرى أن الرئيس إن كان يضطلع بأعباء الرئاسة كان للمسلمين غزو الكفار معه ، وإن كان فاسقا وفي غير وقت الإمام ، وإن أمكنهم نصب رجل رئيس يصلح لغزو الكفار في غير وقت الإمام ولا يقيم عقدا بالإسلام إلا للدفاع عنه.

وسألت عن جيش الإمام إذا أحاط بحصن من حصون الكفار وهم على موالاة الكفار فأنزل الوالي أهل الحصن وأمنهم على أموالهم وأنفسهم هل يجوز للمسلم أخذ شيء من أموالهم أم لا؟

الجواب عن ذلك : أنه لا يجوز أخذ شيء ممن انعقدت الذمة على أمانهم عليه ، ولا يجوز للوالي أن يأمر بذلك ، ولا حرمة لنسائهم في وقت الإمام ولا بعده ما لم يدخلوا في دين الإسلام ، والقدرة عليهم لا تسقط الحكم فيهم.

وسألت عن بلاد المطرفية الذين يخرجون بعض الحقوق إلى ولاة الإمام ، وليس لهم عليهم سطوة ، وملك حصنهم الإمام ما يكون حكم بلادهم؟

الجواب : أنما أخذ عنوة كان حكمه حكم ما يغلب عليه المسلمون من دار

٤٢٧

الحرب ، وما أخذ صلحا كان حكمه حكم البلاد الصلحية إلا أن خاصة المصالح من العرب ، وفي حرمة العرب أن لا صلح على شيء دون إظهار الإسلام وإلا السيف ؛ وأما دارهم ومصالحتهم للمسلمين على ما توجه عليه الأمر من نصف أو أكثر ومن ولد الكافر فهو كافر مثله وحكمه حكمه.

وسألت عن المسلمين إذا غلبوا على بلاد المطرفية الكفار ، وكان فيهم أحد من الأشراف بني هاشم ، وأخذهم من يأخذ الزكاة ما يكون الحكم؟

الجواب : أنه يجوز لمن ملكهم بالأسر أن يطعمهم من الزكاة لأنه إذا ملكها جاز له إعطاءها بني هاشم وغيرهم ، وهو يجب عليه نفقة من أسر أو ملك فهو في إعطائها الأسير والمملوك كقاضي الدين فيجوز له إعطاءها الهاشمي ، ولأنها لم تحرم على بني هاشم إلا تطهيرا لهم وتنزيها لشرفهم وإسلامهم فمتى كفروا لم يصح تطهيرهم مع تنجسهم بالكفر.

وسألت عمن يملك من بني هاشم إنسانا ، ثم يعتقه هل يجوز للهاشمي المعتق الزكاة أم لا؟

الجواب : أن الهاشمي إذا أعتق وحسن إسلامه وصح اعتقاده رجع إلى حكمه الأول في أنه لا يتناول الزكاة ، وإن كان تناوله لها في الحال الأول فإنما لما ملك ذلك الواجب من يستحقه يصير إلى من تجب عليه يصيره إليه بالحكم ، فهذا الكلام في صورة هذه المسألة.

وسألت عن أحكام دار الفسق المحاربة ، وأحكامها أنه يجوز للإمام قتل مقاتلها ، وهدمها وحريقها ، وإجلاء أهلها عنها ، والاستيلاء على أموالهم الظاهرة والباطنة إن رأى في ذلك صلاحا ، ولا فرق بينهم وبين الكفار إلا في

٤٢٨

سبي الذرية ؛ وأما البغاة فحكمهم ما فعله أمير المؤمنين عليه‌السلام من قتلهم مقبلين ، ورفع السيف عنهم مدبرين ـ إن لم يكن لهم فئة ـ وأخذ كراعهم وسلاحهم ، وما أجلبوا به ، دون ما عداه من الأملاك ، ولا يعترض لما خلف من أموالهم فأمير المؤمنين عليه‌السلام لم يحاربه أحد من الفساق المتهتكين في عصره ، وإنما كان يحاربه من يتمسك بظاهر الإسلام وهو محق في جميع أفعاله إلا في خلاف إمام الحق ، وكان قبل خلافه مؤمنا ، كما حكى الله تعالى : (وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما فَإِنْ بَغَتْ إِحْداهُما عَلَى الْأُخْرى فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللهِ) [الحجرات : ٩٠] ، فحكم الله بإيمانهم قبل الفرقة ، والفاسق المتهتك غير مؤمن قبلها ولا بعدها ، فحكمه مخالف لحكم البغاة وأوضحناه لك ، ويجوز غزو دار الفساق ، وأسرهم ، وقتلهم ، وأخذ أموالهم سرا وجهرا ما لم يكن لهم عقد من الإمام أو نائبه وهذا قول الإمام؟

وسألت عن من يتوالى المطرفية وهو عامي ، ويعطيهم الحقوق الواجبة وهو مخترعي عامي ما يكون حكمه؟

الجواب : أنه يكون كافرا لموالاة الكافر ، والجهل لا يسقط حكم الكفر.

وسألت عن من يكفر بمسألة ولا يلحق بدار الحرب ما يكون الحكم؟ والحكم أنه يستتاب فإن تاب وإلا عرض عليه الإسلام ثلاثة أيام ويقتل في اليوم الثالث بعد امتناعه من الإسلام ، وإن قتل في اليوم الرابع كان أحوط ، ومن تكلم بكلمة الكفر من رجل أو امرأة يتوصل في ذلك إلى فسخ النكاح فإن النكاح ينفسخ ويثبت حكم الكفر فإن كان هذا لغرض أو كان يعتقد خلاف ما تنطوي به كلمة الكفر غير أنه اختار النطق بالكفر فيكون حكمه ما قدمنا من الاستتابة فإن تاب وإلا قتل كما ذكرنا ؛ وأما حقوق الآدميين فلا

٤٢٩

تسقط بكفره ما دام في غير منعة فإن تغلب وصار له شوكة سقطت عنه الحقوق عند التوبة.

وسألت عن العقود الفاسدة كمن يبيع الشيء بأكثر من سعر يومه إلى أجل؟

الجواب : أن ذلك لا يجوز وهو يلحق بالربا.

وسألت عن اللعب بالشطرنج وسائر الملاهي فذلك لا يجوز ويجب فيه الإنكار لمن تكاملت له شرائط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وسألت عن من تتزوج بغير ولي ولا شهود؟

والجواب : أن ذلك لا يجوز ، ويفسخ الحاكم النكاح ولا يصح ، وكذلك الحكم في النكاح بولي من غير شهود ، أو شهود من غير ولي يريد أن لا ينفسخ هذا النكاح إلا بالحاكم ؛ وأما الحسنية إذا تزوجت بغير كفؤ؟ فأما أنا فلا أفسخ ولم أسأله عليه‌السلام هل هو يفسخ بعد المرافعة أم لا.

وسألت عن كشف الركبة هل يجب الإنكار وعندنا أنه يجب الإنكار عليه لمن علم أن نهيه يؤثر ولا يؤدي إلى حدوث منكر أو ما يجري مجراه مما ذكر في كتب أهل العلم عن الأئمة عليهم‌السلام في ذلك.

وسألت عن رجل تكون معه امرأة لا تصلي هل يجب عليه أن يشد عليها أم لا؟

الجواب : أنه يجب أمرها بالصلاة ، ولا يجب عليه طلاقها ولا هجرها ، ولا تحرم معاشرتها.

٤٣٠

وسألت عن رجل يمر ببلد ويرى بعض الناس يظلم بعضا في غير وقت الإمام هل يجب عليه الإنكار أم لا؟

الجواب : أنه يجب إنكار المنكر في وقت الإمام وفي غير وقته إذا تكاملت شرائطه.

وسألت هل يجوز له أن يحل في بلد المظالم والمعاصي في غير وقت الإمام.

والجواب : أنه يحل له الحلول إلا أن يغلب في ظنه أنه مع انتقاله يكون أقرب إلى فعل الطاعة وترك المعصية فإن الانتقال يكون عليه واجبا.

وسألت عن والي الإمام أو والي واليه إذا علم منه شيئا من المعاصي هل يجوز لمسلم الائتمار بأمره والانتهاء عن نهيه ، وأن يأخذ من الأموال ما يقوم به أو يتولى شيئا من أمور الرعية من تحت يده أم لا؟

الجواب : أنه يجوز للمسلم الائتمار بأمره ، والانتهاء عن نهيه ، إلا أن يأمره بمعصية ؛ ومعصيته لا تنافي ولايته إلا أن يعصى فيما يتعلق بالإمارة فينتقض الغرض فيكون حكمه حكم الوكيل المخالف لموكله فإن وكالته تنتقض بذلك.

وسألت هل يجوز لمسلم أن يأخذ شيئا من الوالي إذا كان غنيا وفي الجند من هو أكثر منه فقرا وأكثر جهادا؟

الجواب : أنه يجوز له أن يأخذ من الإمام أو وليه إذا كان غنيا وفي المجاهدين من هو أفقر منه وأعظم جهادا ما لم يكن ما يأخذه مشروطا أو يقول ما أفعل إلا أن يفعل لي فإن ذلك لا يجوز.

٤٣١

وسألت عن المسلم هل تجوز له الإقامة في حصن الإمام وإن كان يعدم الماء أو لا يتمكن من استعمال الماء غير تيمم في أكثر الوقت؟

الجواب : أن المرابطة تجب عليه في الحصن فإن تعذر عليه الطهور ففرضه التيمم وثوابه عند الله عظيم ، ويزيد على ثواب المطهرين أضعافا لأن الصلاة يخفف حكمها بالجهاد ، كما وضع في كتب الشريعة النبوية.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

تم بحمد الله ومنه وكرمه

* * *

٤٣٢

[مسائل أخرى في مواضيع متفرقة]

بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

[المسألة الأولى]

سأل الشيخ أيده الله عما يصرفه الظلمة من الدينار والدرهم هل يجوز قبضه أم لا يجوز؟

الجواب عن ذلك : أنه لا يجوز قبضه لأن الظاهر من جميع تصرفات الظلمة الظلم والحظر.

المسألة الثانية

قال أيده الله : إذا كانت مقبّلة والمتقبّل يصرف ما يؤتى به إليه من ذهب أو فضة لأربابها وأصل ما قيمت به دار الضرب مما في أيدي الظلمة ما يكون حكم ما يدخل في أيدي الناس بعد ذلك؟

الجواب عن ذلك : أن النقود والحال هذه يكون حكمها حكم بيت المال لاختلاط الحرام بالحلال.

المسألة الثالثة

قال أيده الله : هل يجب على المسلم اجتناب ذلك سواء كان فقيرا أم غنيا أم لا؟

٤٣٣

الجواب عن ذلك : أن المسلم يلزمه تجنب ذلك إن كان غنيا وإن كان فقيرا في وقت الإمام يجتنبه لأن المال قد لحق بالحقوق ، وإن كان في غير وقت الإمام وهو فقير كان له أن يتناول ذلك لكونه من أهله ، ولا يفتقر فيه إلى إذن ؛ لأنه حق أخذه مستحقه ، ولمن هو في يده عليه ولاية ؛ فإذا سلمه برضاه كان لهذا تسلمه.

المسألة الرابعة

قال أيده الله : ما يكون في حكم من تصرف في الدينار والدرهم الذي تضرب باسم الظلمة ، وهل إذن الإمام بالتصرف في ذلك يجزي ويخلص من قبضه من الإثم والضمان أم لا؟

الجواب عن ذلك : إن المتصرف بنقود الظلمة إن كان غنيا فهو مغتصب ويلزمه الضمان ، وإن فقيرا جاز كما قدمنا في المسألة الأولى ؛ وإذن الإمام يسقط الإثم والضمان ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «هدايا الأمراء غلول» (١) ثم أذن لمعاذ في ذلك وقت قدومه اليمن فضاع المحذور بالإذن ، وسقط الضمان كما ترى ؛ فأهدي له ثلاثون رأسا من الرقيق ، فطالبه فيها أبو بكر فامتنع عليه وقال : (هذه طعمة أطعمنيها الله تعالى وما كنت لأعطيك إياها) فطلبهم ذات يوم بعدهم فلما جاءوا قال : أين أنتم؟ قالوا : نصلي قال : لمن؟ قالوا : لله تعالى. قال : فاذهبوا فأنتم أحرار لوجهه ؛ ذكرنا تمام الخبر لفائدته في الترغيب في الخير ونفع المسلمين.

__________________

(١) الحديث في موسوعة أطراف الحديث النبوي ١٠ / ١٩٥ وعزاه إلى البيهقي في السنن الكبرى ١٠ / ١٣٨ والتمهيد لابن عبد البر ٢ / ٩ ، ١٠ ، ١٦ ، إتحاف السادة المتقين ٦ / ١٦٢ ، ١٦٣ ، وتلخيص الحبير ٤ / ١٨٩ ، مجمع الزوائد ٤ / ١٥١ ، والكامل في الضعفاء لابن عدي ١ / ١٧٧ ، ١٩٥ ، وهو بألفاظ أخرى في الموسوعة ١٠ / ١٩٥ ، ١٩٦ وانظر بقية المصادر هناك.

٤٣٤

المسألة الخامسة

قال أيده الله : إذا وقف رجل موضعا في بلد يسكن فيه ابن السبيل هل يجوز للإمام أن يصرفه إلى واحد معين أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن كان المصروف إليه من أهل تلك الصفة جاز للإمام أن يصرفه إلى أحدهم ، وإن كان لابن السبيل وليس المصروف إليه منهم لم يجز ذلك ؛ فما كان وجه المسألة فجوابه ما أشرنا إليه لأنه لم يقع فيها بيان ولا أبناء السبيل في المسألة قال : يكون وهم في الشريعة واللغة السالكون دون الساكنين لأنهم المسافرون فاعلم ذلك.

المسألة السادسة

قال أيده الله : إذا كان القاضي منصوبا من جهة الإمام ، وخشي إذا أخبر أحد الخصمين بأن الحق لازم له إن لحقه في ذلك مضرة في نفس أو مال هل يجب عليه الحكم في هذه الصورة أم لا؟ فإذا كان الحكم متوجها إلى الإمام في الأصل والحاكم نائب عنه وكان لا يجب على الإمام إذا خشي الضرر فهل يجب على الحاكم ، أم بين الحكم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرق في اعتبار الشرائط؟

الجواب عن ذلك : أن على القاضي تبيان الحكم ولا يسعه كتمانه ، ولا تجوز التقية في الحكم بغير الحق إذا ، وإنما له إذا خشي فوات نفس أو مال مجحف ؛ فإن له أن يمتنع من الحكم رأسا كما فعل شريح أيام الحجاج ، وإن كان لا يخشى في بيان الحكم ويخشى في التنفيذ بين الحكم وأخر التنفيذ ، ولهذا يجوز

٤٣٥

للإمام تأخير إقام الحدود لبعض الموانع ، كمصافة العدو ، وخوف حدوث الفتق الذي لا يمكن تلافيه وشبه ذلك فإن له تأخير الحدود وشبهها في هذه الحال ، ولا يجوز للإمام وإن خشي الضرر الحكم بغير الحق ، وإنما له تأخير إنفاذ الحكم لا غير.

وسأل أيده الله عن معنى قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من ولي أمر غيره من المسلمين جاء يوم القيامة ويده مغلولة إلى عنقه حتى يكون عدله الذي يفكه وجوره الذي يوبقه» وفي بعض الأخبار : «جاء يوم القيامة ويده مغلولة إلى عنقه حتى يتوسط على الصراط فإن كان عادلا فكه عدله وإن كان جائرا زلت قدمه فهوى في جهنم سبعين خريفا» كيف يكون عادلا ، ثم يغل في تلك الحال مع قول الله تعالى : (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) [الأنبياء : ١٠٣].

الكلام في ذلك : أن معنى الخبرين وما شاكلهما معنى التمثيل ، وذكر الغل كذلك إذ القيامة صرف الله عنا وعن الصالحين أهوالها لا ينتهى إليه إلا بعد كشف الغطاء في السعادة والشقاوة فنسأل الله التوفيق ؛ ولأن الغل نهاية الإهانة والاستخفاف ولا يجوز إنزاله بمن يستحق التعظيم ؛ فلما كان الأمير مطلق اليد في الدنيا على من هو أمير عليه إما بالقدرة أو بالحكم من الله سبحانه قوبل بالغل في الآخرة تمثيلا ؛ فإن كان عادلا وصل القيامة وصار في العرصة كالمغلول يصل الصراط فيكون جوازه عليه كإطلاق المغلول لا غير ، وإن كان جائرا وصل القيامة مغلولا حقيقيا ، ثم تزل قدمه من الصراط إلى النار على تلك الحال ؛ فنعوذ بالله من الشقوة اللازمة ، والحسرة الدائمة ، ونسأله السعادة الكاملة ، والنعمة الشاملة ، والصلاة على النبي وآله وسلم.

٤٣٦

وسأل أيده الله عن قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لعنت ثلاثة فلعنهم الله ـ وذكر الثالث ـ الإمام يتجر في رعيته».

الكلام في ذلك : أن المراد بالتجارة في الخبر فيما يوجبه النظر ومن الله سبحانه نستمد التوفيق أن المراد بذلك ؛ أن الإمام لا يجوز له قبول صنائع الظالمين كالهدايا والعطايا ليترك لهم بعض رعيته الذين يقدر على منعهم وعصمتهم من الظالمين ، فإن تركه لهم كالتجارة التي متى حصل للتاجر الربح سلم رأس ماله إلى الغير ، وكذلك لو كانت معه أسارى الفساق أو الكفار ، ومعهم من رعيته أسارى ، فلما طلبوا فك أساراهم أخذ المال ولم يستعل نفوس رعيته ؛ فهذه تجارة محظورة ، وأجناس هذا كثير لو تتبعت ، وإنما قد أشرنا لك إشارة كاشفة لتعتمدها إن شاء الله تعالى.

فهذا ما أمكن على قدر تضايق الحال والسلام.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

تم بحمد الله ومنه وكرمه

* * *

٤٣٧
٤٣٨

[مسائل الأمير الأجل

أحمد بن محمد بن الهادي إلى الحق عليه‌السلام

في الهبة والوقف وغيرهما]

بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

الحمد لله الذي جعل الحكم مفتاحا ، والحاكم فتاح ، والمسائل أشباحا ، والأجوبة أرواحا ، وجعل الأفكار لذلك أصولا ، والنصوص الشرعية عليه دليلا ، ولا إله إلا الله الذي زاد المهتدين هدى ، وصير أعمال المضلين سدى ، وصلى على نبي المرحمة ، وسراج الظلمة ، وعلى آله الطاهرين الأئمة ، وسلم وكرم.

أما بعد .. فإن المسائل التي أمر بها الأمير الأجل ، تاج الدين ، مرتضى أمير المؤمنين ، أحمد بن محمد بن الهادي إلى الحق عليه‌السلام للقاضي الأجل ، الدين الورع ، ركن الدين ، ثقة أمير المؤمنين ، محمد بن عبد الله بن حمزة بن أبي النجم بنقلهما ، وصلت إلينا إلى محروس صنعاء فوافقت أشغالا تبلبل البال ، وتعقل عقول العقال ، والحمد لله على كل حال ، فتأملناها على قدر احتمال الحال ، وأوردنا عليها الجواب على قدر الإجمال ، لعلمنا أن المفتقر للجميع من

٤٣٩

فضلاء الإخوان هنالك ليتم الأعمال ، ويهدي الضلال ، ولسنا ندع ما يمكن من تقوية الإشارة ، وتهذيب العبارة ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

المسألة الأولى

عن الهادي عليه‌السلام في باب الهبة فليست الهبة من باب الوقف في شيء لأنها تجوز للوثني كما تجوز للمسلم ، ولا حرج على المسلم في ذلك ، ولا حظر في الشرع ، والوقف لا يجوز على الكفار ، ولا على البيع والكنائس ولا بيوت النار ، ويجوز أن يهب المسلم للبر والفاجر ، والمؤمن والكافر ، وكذلك الوصية تجوز للذمي كما تجوز للمسلم ، ولهذا فإن صفية زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورضي الله عنها أوصت لأخيها وهو يهودي بثلاثين ألفا فأجاز ذلك المسلمون وهو من الثلث إن عدمت الإجازة فلا وجه لجعل الهبة والوصية مقدمة للوقف لاختلاف ما بينهما.

وأما النذر بالهدايا إلى بيت الله الحرام وما جرى مجراها ؛ فأصل ذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الثلث والثلث كثير» (١) ولورود النهي عن إتلاف العبد ماله ويرجع يتكفف الناس ، ولا نذر في معصية الله ، وما فوق الثلث معصية كما ورد في صاحب قطعة الذهب ، ولو تصدق بجميع ماله على آخر ملكه عليه ، ولو جعل ماله في سبيل الله لم يخرج من ملكه إلا الثلث فتأمل ذلك.

__________________

(١) الحديث مشهور وهو في موطأ مالك ٧٦٣ ، وفي البخاري ٢ / ١٠٣ ، ٤ / ٣ ، ٤ ، ٨ ، ٩ / ١٠ ، ومسلم في الوصية ٥ ، ٨ ، ٩ ، ١٠ ، والترمذي برقم (٢١١٦) وأبو داود في الوصايا ب ٣ ، والنسائي في الوصايا ب ٣ ، وابن ماجه بأرقام (٢٧٠٨ ، ٢٧١١ ، ٣٩٠٨) ، وهو عند أحمد بن حنبل ١ / ١٦٨ ، ١٧١ ، ١٧٢ ، ١٧٣ ، ١٧٤ ، ١٧٦ ، ومصادره كثيرة في كتبنا وكتب القوم انظر عنه الاعتصام والبحر الزخار والتجريد للمؤيد بالله وغيرها وانظر موسوعة أطراف الحديث النبوي ج ٤ / ص ٤٧٤.

٤٤٠