مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ٢

المنصور بالله عبدالله بن حمزة

مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ٢

المؤلف:

المنصور بالله عبدالله بن حمزة


المحقق: عبدالسلام بن عباس الوجيه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦٥
الجزء ١ الجزء ٢

ونقول : إن النصوص استدلالية لأنها محتملة ، ولذلك جرى فيها النزاع الطويل ، والجدال الشديد ، من ذلك اليوم إلى يوم الناس هذا وإلى انقطاع التكليف ، وكل يحتج بما يرويه ، وقولنا : هو الأحق والأولى لما أظهرنا عليه من البراهين ، ونصبنا من الأدلة التي لا توجد مع خصومنا ، وندعي عليهم انقطاع المرام في تصحيح ما توسموه ، وتلك الخطايا والمعاصي للتقدم على علي عليه‌السلام لم يكن بلوغها حد الفسق فتنقطع العصمة ، وإنما يجوز أن تكون كبيرة وأن تكون صغيرة ، ولما يظهر لنا على ذلك دليل ، ولا بلغنا عن سلفنا الصالح عليه‌السلام ما نعتمده في أمرهم ، وإنما نشكو إحداثهم وتقدمهم على إمامهم ولهم أعظم حرمة في الإسلام ، لأنهم أول من أجاب دعوة جدنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونابذ وعزّ به الإسلام ، وقاتل الآباء والأبناء والأقارب في الله ، حتى قام عمود الإسلام ، وأتى فيهم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما لم يأت في غيرهم ، وكان فيهم حديث بدر ، وآية بيعة الرضوان ، فصار الإقدام في أمرهم شديدا ، وإنما نقول : إن كانت معاصيهم كبيرة فالله تعالى لا يتهم في جزائه ، والكبائر تبطل الطاعات وإن عظمت ، وإن كانت صغيرة فلبعض ما تقدم من عنايتهم في الإسلام ، وسبقهم إلى الدين ، ولا يمكن أحد من أهل العصر ولا من قبله من الأعصار يسعى مثل سعيهم ، ومثل عنايتهم في الدين ، وعلي عليه‌السلام وولداه هم القدوة فلا نتجاوز ما بلغوه في أمر القوم ، وهو نعي أفعالهم عليهم ، وإعلامهم لهم أنهم أولى بالأمر منهم ، ولا يظهروا لنا أحكام أولئك النفر خالفوهم ولا باينوهم مباينة الفاسقين في عصرهم.

وأما من حارب عليا عليه‌السلام وولديه سلام الله عليهما فلا شك

٣٨١

في فسقهم ، ويتعدى الحال إلى تكفير بعضهم كمعاوية وولده لعنهما الله تعالى فإن معاوية كفر بسب علي عليه‌السلام لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول فيه : «من سبك فقد سبني» (١) وسبّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كفر بالإجماع ، وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «يا علي ، بحبك يعرف المؤمنون ، وببغضك يعرف المنافقون. يا علي ، من أحبك لقي الله مؤمنا ، ومن أبغضك لقي الله منافقا» ، والنفاق أقبح الكفر ، ولأن أمكن أولياؤه الدفاع في هذه الأخبار وإنكارها لأمكنهم دفع ادعائه زياد لما علم من دين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضرورة من قوله :

__________________

(١) أخرجه الإمام المرشد بالله في الأمالي الخميسية ص ١٣٦ بلفظ : «من سبّ عليا فقد سبّني ، ومن سبّني فقد سبّ الله ، ومن سبّ الله كبّه الله على وجهه في النار» ، وأخرجه الإمام محمد بن سليمان الكوفي في (مناقب الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب) برقم (١١٠١) ، عن ابن عباس عند ما مر في قصة طويلة على قوم من النواصب كانوا يسبّون عليا ، فقال : إني أشهد بالله وأشهد الله لسمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «من سبّني فقد سبّ الله ، ومن سبّ عليا فقد سبّني» ... إلى آخر القصة. قال السيد محمد باقر المحمودي : وللحديث أسانيد ومصادر كثيرة جدا ، فقد رواه ابن المغازلي في الحديث ٤٥٨ من كتابه (مناقب علي عليه‌السلام) ص ٣٩٤ ، ورواه أيضا الكنجي الشافعي في الباب (١٠) من كتابه (كفاية الطالب) ص ٨٢ ، ورواه أيضا الملا في كتابه (وسيلة المتعبدين) ، ورواه عنه المحب الطبري في كتابه (الرياض النضرة) ج ٢ ص ١٦٦ ، ورواه أيضا القاضي نعمان المصري في فضائل علي عليه‌السلام من كتاب (شرح الأخبار) ، ورواه الشيخ الصدوق في المجلس (٢١) من أماليه ص ١٠ ، ورواه عنه المجلسي في الباب : (٨٨) من فضائل علي من بحار الأنوار : ج ٣٩ ص ٣١١ ، ورواه أيضا المسعودي ، في آخر ترجمة أمير المؤمنين عليه‌السلام من كتاب (مروج الذهب) ج ٣ ص ٤٢٣ ، ورواه أيضا الخوارزمي في (الفصل) (١٤) من كتابه (مناقب علي) ص ٨١ ، ورواه أيضا الحموئي في الباب (٥٦) من (السمط الأول من فرائد السمطين) : ج ١ ، ص ٣٠٢ ، ورواه أيضا ابن عساكر في حرف الطاء من كتابه (معجم الشيوخ) وعلقناه حرفيا على (فرائد السمطين) ، ورواه أيضا الشيخ منتخب الدين في حكاية (١٣) من كتاب (الأربعين) ، ورواه أيضا السيد المرشد بالله ، كما في الحديث (١٤) من باب فضائل علي عليه‌السلام من ترتيب أماليه ص ١٣٦ ، قال : أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن جعفر بن حيان ، قال : حدّثنا أبو سعيد الثقفي ، عن جندل بن والق ، عن حماد ، عن علي بن زيد ، بنصه كما ورد في مناقب أمير المؤمنين.

٣٨٢

«الولد للفراش وللعاهر الحجر» (١) فقال الولد للعاهر ولا يضره عهره ، وكفر بذلك النص المعلوم من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لإجماع الأمة على أنه فعل ذلك ، وأنه خلاف دين الإسلام.

وأما ولده يزيد لعنه الله فإنما كفر لقتله ولد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسين بن علي عليهما‌السلام وقد ثبت أن من آذى رسول الله كفر ، وقتل ولده أعظم الأذية ، ولأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حرم المدينة بين لابتيها قال : «لا يقطع شجرها ، ولا يختلا خلاها ، ولا ينفّر صيدها ، ومن فعل ذلك فعليه لعنة الله» (٢) فاستحل حرمتها ، وقتل أبناء المهاجرين والأنصار فيها ستة آلاف مسلم ، مستحلا لذلك ، وبقطع غصن من أغصان شجرها استحلالا يكفر من قطع ذلك فكيف بقتل ستة آلاف مسلم ، وأمر برمي الكعبة واستباحة حرمة مكة حرسها الله وقد منعها الله من أصحاب الفيل ، وإنما أملى لهذه الأمة وأخّر عقابهم إلى دار الآخرة.

__________________

(١) حديث شهير أخرجه البخاري ٥ / ١٩٢ ، ٨ / ١٤٠ ، ٢٠٥ ، وأبو داود ٢٢٧٣ ، وابن ماجة ٢٠٠٦ ، ٢٠٠٧ ، والترمذي ١١٥٧ ، وأحمد بن حنبل ١ / ٥٩ ، ٦٥ ، ٢ / ٢٣٩ ، ٣٨٦ ، ٤ / ١٧٦ ، ١٨٧ ، ٥ / ٢٦٧ ، والدارمي ٢ / ١٥٢ ، والبيهقي ٦ / ٨٦ ، ٧ / ١٥٧ ، ٤٠٢ ، ٤١٢ ، ١٠ / ١٥٠ ، ٢٦٦ ، والشافعي في مسنده ١٨٨ ، ومسند الحميدي ١٠٨٥ ، وموطأ مالك ٧٣٩ ، وتلخيص الحبير ٤ / ٣ ، ومسند عبد الرزاق ٥٨٠٠ ، والطبراني ١٠ / ٢٩٧ ، ١١ / ١٥٣ ، ١٧ / ٣٣ ، ٣٤ ، ٣٥ ، ٣٦ ، ٢٦١ ، وهو في فتح القدير ٤ / ٢٩٢ ، ٥ / ٣٧١ ، ٨ / ٢٤ ، ١٢ / ١٢٧ ، ١٣ / ١٧٢ ، وهو في جامع مسانيد أبي حنيفة ٢ / ٥٨ ، ٦٤ ، ٧٣ ، ١٠٥ ، وفي مسند أبي حنيفة برقم (١٠٣) وفي مجمع الزوائد ٥ / ١٣ ، ١٤ ، ٧ / ٢٥١ ، وفي المطالب العالية ١٦٧٥ ، وفي تهذيب تأريخ دمشق لابن عساكر ٢ / ٣٨٤ ، وفي كنز العمال بأرقام (١٢٩١٧ ، ١٤٥٧٤ ، ١٤٥٧٦ ، ١٥٠٥١ ، ١٥٢٩٩ ، ١٥٣٠٠ ، ١٥٣١٣ ، ١٥٣٤٠) ، وهو في مصادر كثيرة بألفاظ متقاربة ، انظر عنه (موسوعة أطراف الحديث النبوي) ١٠ / ٤٩٠ ـ ٤٩١.

(٢) حديث : المدينة لا يقطع شجرها ... إلخ ، له شاهد عند أحمد بن حنبل ، عن عامر بن سعد ، عن أبيه بلفظ قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إني أحرم ما بين لابتي المدينة كما حرّم إبراهيم حرمه ، ولا يقطع عضاها ، ولا يقتل صيدها ، ولا يخرج منها أحد رغبة عنها إلا أبدلها الله خيرا منه ، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ، ولا يريدهم أحد بسوء إلا أذابه الله ذوب الرصاص في النار أو ذوب الملح في الماء» مسند أحمد ١ / ١٨٥ طبعة أولى ، رقم (١٦٠٩) طبعة ثانية ، وهو بلفظ : «لا يختلى خلاها ، ولا ينفر صيدها ، ولا يعضد عضاها» في مكة ، في مصادر مختلفة ، انظر (موسوعة أطراف الحديث) ٧ / ٣٦٦.

٣٨٣

وأما المودة لأهل البيت عليهم‌السلام فهي فرض من الله على عباده ، وأجر نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقوله : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) [الشورى : ٢٣] ، وقد ورد الوعيد فيمن ظلم الأجير أجره فكيف من ظلم محمدا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنما نقول : إن القوم لم يقع منهم تسليم البغضة ، بل يدعون المحبة والمودة ، ويظهرون الولاية والشفقة ، وبواطن الأمور لا يعلمها إلا الله عزوجل.

وأما أمر فدك فقد كان فيها النزاع ، وتأولوا خبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما خلفناه صدقة» على غير ما تأوّلناه ؛ لأن عندنا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيّن أن ما قبضه من الصدقات لا يكون إرثا لوارثه ، وإنما يكون مرجعه إلى بيت المال ، فما عندنا اسم ناقص بمعنى الذي فكأنه قال الذي نتركه من الصدقة لا يورث عنّا معشر الأنبياء ، فأما أملاكهم فلم يعلم أن الله سبحانه فرق بينهم وبين غيرهم في ذلك ، وقد وقعت أمور هناك رددنا أمرها إلى الله عزوجل ، وترضينا على الصحابة عموما ، فإن دخل المتقدمون على علي عليه‌السلام في صميمهم في علم الله سبحانه لم نحسدهم رحمة ربهم ، وإن أخرجهم سبحانه بعلم يعلمه لاستحقاقهم فهو لا يتهم في بريته ، وكنا قد سلمنا من خطر الاقتحام ، وأدّينا ما يلزمنا من تعظيم أهل ذلك المقام ، الذين حموا ظهور الإسلام ، ونابذوا في أمرهم الخاص والعام.

وأما عثمان وأحداثه فلا شك في قبحها ، وجوابه فيه ما قاله علي عليه‌السلام : إنه قد قدم على عمله ، فإن كان محسنا فقد لقي ربا شكورا ، يكافئ عن إحسانه ، وإن كان مسيئا فقد لقي ربا غفورا ، لا يتعاظم أن يعفو عنه إساءته ؛ وهذا ، وجنسه كلام علي عليه‌السلام فيه مثل قوله : إنه استأثر

٣٨٤

فأساء في الأثرة ، وعاقبتم فأسأتم في العقوبة ، ولله حكم في المستأثر والمعاقب ، فهذا ما قضى به الدليل وودى إليه النظر ، ومن الله سبحانه نستمد التوفيق في البداية والنهاية ، والبلوغ إلى أسعد غاية والسلام.

وصلّى الله على سيدنا محمّد وآله وسلّم تسليما

تمّ بحمد الله ومنه تعالى في النصف الأخير

من الشهر المبارك ، في شهر صفر من شهور سنة ١٠٤٧ ه

* * *

٣٨٥

[مسائل أخرى]

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

سألتم حاطكم الله وهداكم ، وحفظكم وتولاكم ، عن أسئلة في العلم النافع ، الذي هو أبلغ البضائع ، وأحسن الصنائع ، وصادف سؤالكم تأجج نار الحرب بيننا وبين الظالمين ، وقيامها على ساق ، واحتراق سوحها بنار النفاق ، فعاق ذلك عن استيفاء الغرض والمبالغة في الجواب ، واستيفاء الأدلة وذكر الخلاف ؛ وإنما نذكر المذهب والدليل ، ونشير إليه إن كان ظاهرا فإن بلغ الله المراد ، وثنى الوساد ، كان ما سألتموه إن شاء الله تعالى ؛ فأما والحال هذا فليس إلى ذلك سبيل

شتان ما يومي على كورها

ويوم حيان أخي جابر

السؤال الأول [في المقلد هل يصح أن يكون قاضيا]

قالوا أيدهم الله في المقلد هل يصح أن يكون قاضيا أم لا؟

الجواب عن ذلك : أنه يجوز أن يكون قاضيا ؛ لأن الغرض بالقضاء هو فصل الخصومة ممن يعلم أنه يعلم ، وهذا موجود في المقلد إذا حكم بقول العالم المجتهد فاعلموا ذلك.

٣٨٦

السؤال الثاني [في تقليد الحي أو الميت]

قالوا أيدهم الله : أيما أولى تقليد الحي من الأئمة أو تقليد الميت؟

الجواب عن ذلك : أن المكلف المقلد متعبد بنظره كالمجتهد فمن كانت نفسه أسكن إلى اعتقاد إصابته كان تقليده أولى حيا كان أو ميتا ، وإن كان للحي مزية المراجعة وطلب الدلالة الشرعية منه في حكم الحادثة.

الثالث [فتوى الإمام]

قالوا أيدهم الله : هل فتوى الإمام الحي يقطع اجتهاد المجتهد كما يقطع حكم الحاكم الاجتهاد أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن فتوى الإمام إن كانت في حكم معين قطعت الاجتهاد لأنها أقوى حالا من حكم الحاكم ، وإن كانت فتوى مطلقة لم تقطع الاجتهاد إلا أن يلزم الإمام الأمة حكم تلك الفتوى فإن الاجتهاد ينقطع عند ذلك.

الرابع [في حقوق الولاة]

قالوا : هل لمن ولاه الإمام القضاء في بعض البلاد وولاه على الحقوق وعلى جميع الأمور الشرعية التي يحتاج فيها إلى أمر الإمام أن يأخذ من بيت المال بما يكفيه وعياله من تبعته من دون أمر الإمام إذا ألجأت إليه الضرورة وبعد عنه الإمام أم ليس له ذلك؟

الجواب عن ذلك : أن المتولي من قبل الإمام ليس له أن يأخذ إلا ما عينه أو أطلقه الإمام ؛ لأن المال بعد أمور الشرع النبوي لا يجوز تناوله إلا بمبيح

٣٨٧

شرعي ، ولا مبيح هاهنا إلا الأمر أو الفتح ؛ فإن ألجأت الضرورة وتعذّر الإمام أخذ ما يأخذ على وجه القرض وطالع فيه.

الخامس [هل يجب على الإمام أن يعطي الولاة]

قالوا أيدهم الله : هل يجب على الإمام أن يعطي من يقوم بهذه الأمور ولا يقوم أحد مقامه فيها في تلك الناحية أم لا يجب؟

الجواب عن ذلك : أن هذا لا يجب على الإمام لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد ولى ولم يرزق وولى ورزق كما حكي في غياث بن أسيد فدل على جواز كل واحد من الأمرين وهذا على قدر سعة الحال وضيقه ؛ فإذا كان الأمر على السعة لزم التوسيع على المسلمين ممن لم يكن مشغولا بالولاية والمشغول بها أحق وأولى ، وإن لم يفعل الوالي ذلك لزمه القيام بكل ما يمكنه في أمر الإمامة ؛ لأن القيام بها لم يشرط بالرزق ، بل ورد مطلقا بقوله تعالى : و (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء : ٥٩].

السادس [في نفقة الوالي بتفويض الإمام]

قولهم أيدهم الله : هل للوالي إذا فوضه الإمام أن يعمل برأيه في كل ما يرى فيه الصلاح ورأى الصلاح في تناول ما يستعين به في نفقته ونفقة عياله وما لا بد له منه من كسوة الأبدان والمنزل والخادم وغير ذلك أن يفعل ذلك بالتفويض العام أم لا يجوز إلا بإذن نحصص؟

الجواب عن ذلك وبالله التوفيق : أن الإذن إن كان من الإمام بعد علمه

٣٨٨

بهذه الأحوال فإن ذلك يجوز ، وإن كان وهو غير عالم ، كان الإذن يتناول القوت والكسوة الشرعية دون الفضلات ؛ لأن العرف لا يتناول إلا ذلك وما عداه يفتقر إلى أمر آخر.

السابع [في تولية الوالي غيره]

قولهم أيدهم الله : هل للوالي أن يولي غيره فيما هو فيه والي على سبيل التفصيل دون الجملة لأن ولايته تبيح له ذلك ، لأن العرف ظاهر بأنه لا يتمكن من استيعاب أعمال الولاية بنفسه ، فلا بد أن يولي غيره.

[الجواب] : أقول : أما في الجملة فلا يجوز ؛ لأنه ينقص غرض المولي الأول وهو الإمام ، فلا بد من تجدد أمر إلا أن تكون ولايته على ما يعلم من حال المولي له قصد التولية بنفسه ، كولاية قابض الصدقات فليس له أن يولي على الجملة من ذلك ولا على البعض إلا بتفويض وإذن متجدد.

الثامن [في بيع الجارية قبل الاستبراء]

قالوا أيدهم الله : في رجل اشترى جارية وباعها قبل الاستبراء ، هل يكون البيع فاسدا أو باطلا؟

الجواب عن ذلك : أن البيع يكون فاسدا لإخلاله بشرط يرجع إليه في المبيع ، وإن فسخه هو والمشتري أو ترافعا إلى الحاكم ففسخه كان ذلك ، وإلا جرى مجرى الصحيح في ثبوت أحكامه ؛ فإن علم صحة قول البائع حرم عليه الوطء إلا بعد الاستبراء ولم ينفسخ البيع والثمن يجوز للبائع ويكون آثما في البيع على تلك الصورة وإن تمكن البائع من تعريف المشتري كان عليه

٣٨٩

تعريفه وللمشتري أن ينازعه لأنه لا يلزمه تصديق قوله في ماله وإن أخرجها المشتري الثاني من ملكه فالجواب ما تقدم إلا أن يصح معها حمل من الأول وفسخ الحاكم لم يصح العتق ولا البيع لأنها أم ولد ولا يجوز فيها شيء من ذلك على رأينا فإن لم يكن فيها ولد للأول نفذ العتق ، فإن أخرجها المشتري من يده بالبيع وفسخ ذلك الحاكم بعد المرافعة كان فسخا من المشتري الثاني ولم يحتج إلى تجديد نزاع آخر.

التاسع [في نظر الرجل إلى ظهر محرمه]

قالوا أيدهم الله ما ترى في نظر الرجل إلى ظهر محرمه من النساء؟

الجواب عن ذلك : أنه لا يجوز النظر إلى ظهر المحارم ، وسواء ألجأت إلى ذلك ضرورة أم لا ؛ لأن مثل هذا لا تبيحه هذه الضرورة ؛ لأن الضرورة تبيح الأموال وما يجري مجراها ، فأما الاستمتاع بنظر أو غيره فلا تجيزه الضرورة ، وعليه التوقي ، وما سبق مفاجأة فهو يعفى عنه إن شاء الله تعالى.

العاشر [في وقف العبد المرهون]

قالوا أيدهم الله : ما يرى فيمن وقف عبده أو أعتقه وهو في يد المرتهن هل يصح ذلك أم لا؟

الجواب عن ذلك : أنه يصح لأنه ملكه ويكون موقوفا لتعلق حق الغير به ، فإن كان غنيا نفذ العتق ولزمه فكاكه ، وإن كان فقيرا وقف إلى مدة آجلة إن كان مؤجلا أو ملازمة الغريم إن كان مطلقا ، فإن خلص الغريم وإلا بطل ما

٣٩٠

عمله من وقف أو عتق إلا أن يكون العبد مضطلعا بالعناء صح العتق وسعى في مال الغريم وإلا فلا يصح ، وأما الوقف فلا يصح فيه والحال هذه إلا أن يفكه من الرهن لأنه لا قربة في تفويت مال الغير ، ولا يصح الوقف ما لم يكن قربة.

الحادي عشر [في بيع الرهن قبل فكاكه]

قالوا أيدهم الله فيمن باع الرهن ، وكان البيع موقوفا على فكاك الرهن : هل يكون الخيار للبائع والمشتري فسخ البيع قبل فكاك الرهن أم لأحدهما دون الآخر؟

الجواب عن ذلك : أن المشتري إن علم برهن المبيع كان رضى منه بعيبه ، ولم يكن له الفسخ إلا بعد وفاء الأجل أو ملازمة الغريم وامتناعه من التسليم ؛ فحينئذ يكون لكل واحد منهما الخيار وقبل ذلك لا يكون للمشتري ولا للبائع خيار.

الثاني عشر [في الاستبراء]

قالوا أيدهم الله في المشتري للأمة : استمتع منها بالوطء أو ما يقوم مقامه عند من يقول بذلك قبل الاستبراء متعديا أو جاهلا وأراد بيعها بغير مضي مدة الاستبراء هل يصح ذلك أم لا يصح ذلك إلا بعد مضي مدته لم يكن فيها شيء من ذلك؟

الجواب عن ذلك : أنه متعبد بالاستبراء لنفسه منها ، فإذا وطأ واستمتع كان

٣٩١

عليه تركها مدة الاستبراء بصحة الاعتزال وباعها بعد ذلك ؛ فإن جهل أو تعدى كان الحكم فيها ما قدمنا في المسألة الأولى.

الثالث عشر [في وطء المطلقة قبل مضي العدة]

قالوا أيدهم الله تعالى في المطلقة طلاقا بائنا : إن وطئها المطلق في عدتها منه جهلا أو مجترئا ، هل يؤثر ذلك في خروجها من العدة لمضي مدة العدة أم لا بد من مدة لا يكون فيها شيء من ذلك؟

الجواب عن ذلك : أنه لا حكم لوطئه هذا في إثبات شيء من أحكام الشرع ولا نفيه ؛ فإن تزوجها لم يفتقر إلى استبراء ، وإن تزوجها غيره لزمها استبراء رحمها من دون انتظار عدة لأن التكليف في ذلك متعلق بها.

الرابع عشر [في نظر المرأة للشهادة أو الخطوبة]

قالوا أيدهم الله فيمن نظر إلى وجه امرأة ليست بمحرم للشهادة عليها ، أو يكون خاطبا فعرضت له الشهوة عند ذلك ؛ هل يجوز له النظر عند ذلك أم لا؟ وإن كان النظر إليها واجبا لتخليص حقوق لها وعليها؟

الجواب عن ذلك : أن النظر يجوز له والحال هذه ، وعليه كسر نفسه بكل ممكن ؛ فما حصل بعد ذلك سقط حكمه ، وإذا قد حصل القدر الذي تحصل به المعرفة والتيقن للحال في أمر الخاطب وكذا الشاهدون في حكمها سقط ما وراء ذلك ، ولم يجز لأنه لا يتمكن من الغرض المقصود في الأحوال بالنظر.

٣٩٢

الخامس عشر [في نفقة المتوفى عنها إذا لم تحد]

قالوا أيدهم الله في المتوفى عنها زوجها إذا لم تحد عليه : هل تجب لها النفقة في ماله أم لا؟ جاهلة أو عالمة في وجوب الاحداد؟

الجواب عن ذلك : أن النفقة لها والحداد عليها ، فلا يسقط أحدهما باختلاف الآخر ؛ وإنما تكون آثمه إن علمت ، وغير آثمة إن جهلت لا غير ، ولا تسقط بالمخالفة إلا السكنى فإنها إن خرجت سقطت ، وإن رجعت وتابت رجع الحكم ؛ وإنما كان ذلك لأنها في حبس الميت بحكم العدة فلزمت نفقتها وسكونها فاعلم ذلك.

السادس عشر [في الغزو إلى ديار البغاة]

قالوا أيدهم الله فيمن غزا البغاة وقطاع السبيل إلى ديارهم وربما أن يكون الغازي من جنسهم ، أو من غير جنسهم ، أو ممن يكون له حقوق عليهم لا يمكنه أن يأخذها منهم إلا أن يغزوهم ، أو يجد لهم شيئا فيأخذه ، والغازي لهم ربما يكون من سلاطين البلاد الذين يطلبون الصلاح ، وإن كان بغير إذن الإمام ، أو في غير عصره ، أو لا يحتكمون فيما يأخذونه منهم بأحكام الشريعة ، أو في شيء منه؟

الجواب عن ذلك : أنه لا يجوز غزو البغاة وقطاع السبل إلى ديارهم إلا بمبيح شرعي ، ولا مبيح إلا الإمام أو الأمر من قبله ؛ لأن الجيوش تتعلق بها معاني كبار منها : تلف النفوس والأموال ، وهتك الحرم ، وهذه أمور محظورة لا تجوز إلا لمبيح شرعي كما قدمنا ، وسواء كان الغازي سلطان أو سواه في أن ذلك لا يجوز ، وكذلك من كان له حقوق عندهم لم يجز له غزوهم لأجل ذلك ؛

٣٩٣

إلا أن يكون عين ماله باقية ، ويعلم موضعها ، ويقصد لأخذها ، جاز له قتل من اعترضه دون ذلك ؛ فأما إن وجد لهم شيئا في بلد آخر كان له ضبطه أو أخذ مقدار حقه قيمة أو مثلا إذا كان المال لآخذ ماله بعينه ، ولا يجوز ما عدا ذلك في عصر الإمام إلا بإذنه ، ولا يجوز في غير عصر الإمام إذ الإمام لا يحتاج إليه إلا لذلك أو ما جانسه.

السابع عشر [في أحكام البغاة]

قالوا أيدهم الله : وإن غزا البغاة أهل البلاد ، فأخذوا وقتلوا وأغار أهل البلاد وقد صاروا منهزمين إلى معاقلهم ، فقتلوهم ، وأخذوا ما كان معهم من كراع وسلاح وغيره ما الحكم في ذلك؟

الجواب عن ذلك : أن للمسلمين لحاقهم ، وقتلهم ، وسلبهم ، وعليهم الخمس فيما أخذوه منهم ؛ إلا ما كان من عيون أموال المسلمين ؛ وذلك يجوز في وقت الإمام وغير وقته ؛ فإن كان في وقت الإمام وجب صرف الخمس إليه والصفي ، وإن كان في غير وقته لم يكن إلا الخمس ، ويجب صرفه في مصرفه ، لأن العلة في جواز قتلهم هو البغي لا الدفع ، وما أباح دمائهم هو بعينه يبيح غنيمتهم ، وهذا رأي أحمد بن عيسى عليه‌السلام عن السلف الصالح في آخرين عليهم‌السلام.

الثامن عشر [تابع لما قبله]

قالوا أيدهم الله تعالى : هل لولاة الإمام الذين لم يولهم أمر الحرب ، وقد فوضهم أن يأخذوا لمن يغزو البغاة في غزوهم ، ويشرطون عليهم ما توجبه

٣٩٤

الشريعة ، وليس معهم من يضبطهم من أمراء الحق ، وربما يخالفون ما شرط عليهم جهلا أو علما؟

الجواب عن ذلك : أن ولاة الإمام لا يجوز لهم الإذن ولا الأمر لمن يغزو ، وإن التزموا الأخماس إذا لم يكن فيهم محق يضبطهم عما يحظره الشرع النبوي ؛ لأن إباحة الغزو لا تكون إلا لإثبات أحكام الشرع ، فإذا لم يكن هناك تحكم وضبط انتقض الغرض ، ولم يجز ذلك لأجل تسليم الأخماس لأنها لا تجب إلا في الغنائم ، ولا تكون غنائم ما لم يؤخذ بوجه شرعي على وجه شرعي هذا إن كان الإمام فوض الوالي وأمسك عن ذكر الغزو بالنفي والإثبات كان الحكم ما قدمنا إن علم صلاحا في الغازي ، وضبط على الوجه الشرعي جاز له الإذن له ؛ فإن كان على غير تلك الصفة لم يجز الإذن ، وإن كان الإمام استثنى على الوالي الغزو لم يجز له التولية لمحق ولا مبطل ولا الإذن.

التاسع عشر [في النفقة]

قالوا أيدهم الله تعالى : ما ترى في رجل قدم إلى امرأته طعاما وماء مفروغا منه في نفقتها فامتنعت من أكله ؛ هل يسقط فرضها في ذلك الوقت ويلزمه أن يقدمه إليها في كل وقت ، أم يتركها حتى تطلبه؟ فإذا كان له تركها إلى أن تطلبه ولم تطلبه حتى مضت أوقات هل يلزمه ما فات أم لا؟ وإن طلبت حبا أو دراهما في نفقتها بدلا من الطعام يجب ذلك أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن الزوج إذا قدم للزوجة طعاما مأدوما سقط عنه قدر ما يتعلق بذلك الطعام لوجبة أو وجبتين أو أكثر ما لم ينته إلى التغير أو إلى العفونة ، فإذا كرهت أكله سقط مقدار ما يتعلق بذلك الطعام من ذمته له

٣٩٥

وعليه تجديد العرض أو التقديم ، ولا يلزمه تسليم الحب ولا الدراهم عوضا عن ذلك ، وإن المطالبة عليها والأداء عليه ، ولا يلزمه العرض ولا التقريب ، ولا تسقط النفقة بترك المطالبة ؛ وإنما يسقطها عصيان المرأة لا غير ، لأن الأصل وجوب النفقة ولا يسقطها إلا أمر شرعي يوجب ذلك.

العشرون [في البسملة]

قالوا أيدهم الله تعالى : ما ترى في قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إذا قرأتم الحمد فاقرءوا معها بسم الله الرحمن الرحيم فإنها أحد آياتها» (١) ما معنى أحد آياتها والحمد سبع آيات سواها؟ هل هي تقوم مقام آية منها ، أو هي ثامنة ، أو ما معنى ذلك؟ وقد روي أن بسم الله الرحمن الرحيم من فاتحة الكتاب ومن كل سورة ، فإن صح ذلك فهل يجزئ معها آيتان سواها مع فاتحة الكتاب ويجزئ ذلك المصلي ، أم لا بد من آيات مع البسملة فمعنى كونها من كل سورة؟

الجواب عن ذلك وبالله التوفيق : أن بسم الله الرحمن الرحيم آية من الحمد ومن كل سورة ولا سيما مع نص الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ذلك.

وأما أن الحمد سبع آيات فإنما لا يعدون البسملة لتكررها في القرآن الكريم ، وأما إذا قرء الحمد وآيتين مع البسملة فإن كانت الآيتان من الكبار أجزأ ذلك ، وإن كانتا من الصغار لم يجز ؛ لأنه قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وقرآن معها» ولا يطلق القرآن حقيقة إلا على ثلاث آيات غير البسملة في الصغار لأنه جمع وأقل الجمع ثلاثة فما فوقها وثلاث فما فوقهن.

__________________

(١) أخرجه البيهقي ١ / ٣١٢ والدار قطني ١ / ٣١٢ ، وهو في نصب الراية ١ / ٣٤٣ وفي تفسير الدر المنثور ١ / ٣ وانظر موسوعة أطراف الحديث النبوي ١ / ٣٦٩ وهو في كنز العمال بلفظ : «إذا قرأتم الحمد لله فاقرءوا بسم الله الرحمن الرحيم فإنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني وبسم الله الرحمن الرحيم إحدى آياتها» وعزاه إلى الدار قطني والبيهقي عن أبي هريرة.

٣٩٦

الحادي والعشرون

في امرأة قالت للغير : خذ من زوجي مهري الذي عليه فقد صار لك. ولم يأخذه حتى ماتت هل ذلك وصية ، وقولها في صحتها ولم ترجع عن ذلك حتى ماتت أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن قولها هو لك محتمل ولا سيما وهو على الغير ؛ فإن قبضه في حياتها استأمرها فيه ، وإن كانت ميتة لم يتعلق له الحكم ، لأنه ليس فيه معنى الوصية ، ولا لفظها متعلق بغير العين ، إلا أن يكون المهر قد تعين جرى مجرى الإقرار.

الثاني والعشرون [في الحقوق التي بإذن الإمام]

قالوا أيدهم الله تعالى : ما الفرق بين الحق الذي يكون للإنسان إنفاذه من غير رأي الإمام وبين ما ليس له إنفاذه إلا بإذنه؟ قالوا : وهل يكون بين وصي الإنسان أو وكيله في ذلك فرق أم لا؟

الجواب عن ذلك وبالله التوفيق : أن الحقوق المتعلقة بالباري سبحانه كالأعشار ، والزكوات ، والمظالم ، وما يجري مجراها من أموال اليتامى والأوقاف وغير ذلك لا يجوز التصرف فيه إلا بإذن الإمام أو من يكون من قبله ، والحقوق المتعلقة بالآدميين يجوز التصرف فيها من غير إذنه ، ولا فرق في ذلك بين الوكيل والوصي في أنه لا يجوز لهما التصرف إلا بالإذن ، لأن قوة أيديهما لا تبلغ قوة يد الموصي والموكل ؛ إذا لم يجز للموصي والموكل التصرف إلا بإذن الإمام أو من يكون من قبله ؛ فالوصي والوكيل إلى الإذن أحوج ، والوصية عموم ، والوكالة خصوص.

٣٩٧

الثالث والعشرون [في إخراج الحقوق الفورية التي أمرها إلى الإمام]

قالوا أيدهم الله عزوجل : ما ترى في رجل وجبت عليه حقوق لله تعالى مؤقتة أو غير مؤقتة ، وكان ممن يقول بوجوبها على الفور ، وهي مما يكون إنفاذها إلى الإمام ، ولم يتمكن من الوصول إليه إلا بعد خروج الوقت الذي يجب عليه إخراجها ؛ هل يكون له التأخر إلى أمر الإمام أو ولاته ، وإن طالت المدة وعنده المستحقون المضطرون إلى ذلك ، وهو يخشى تلف ذلك ولا يقدر على عزمه أم له إخراجه إلى من يستحقه وربما إن جرى عليه الموت وخشي أن لا يخرج عنه؟

الجواب في ذلك والله الموفق : أن الحقوق الواجبة على الإنسان مؤقتة وغير مؤقتة تلزمه تأدية المؤقت في وقته ، وتأدية ما ليس بوقت عند ذكره إلى الإمام أو عامله ، ولا ينتظر في ذلك أمرا من الإمام متجددا ؛ لأنه قد يلزم الإنسان ما لا يعلمه الإمام ولا واليه ، ويتضيق ذلك عند من يقول بالتراخي والفور ؛ لأن اتفاق الإمام على الفور فهو متضيق في الحالات إلى أن يعلم غنى الإمام عن المال جاز التمهل إلى مؤامرته ، ولا يجوز للإنسان صرف الحقوق إلى أهل الاضطرار إلا برأي الإمام ، لأن المجاهدين إذا اضطروا واضطر الضعفاء كان إيثار المجاهدين بالمال أولى ، وإن انتهى حال الضعيف إلى التلف لأنهم حماة حوزة الإسلام ، ورعاة سرح الدين ، ولا قوام لهم إلا بالمال ، وحفظ الدين أولى من حفظ النفوس ؛ لأن الواجب حفظ النفس بالمال ، وحفظ الدين بمجموع النفس والمال فاعلموا ذلك موفقين إن شاء الله تعالى.

وأما خشيته لتلف المال أو تلف نفسه ولا يخرج بعده فهو لا يكون عذرا في صرفه إلى غير الإمام أو واليه ؛ لأن الشرع النبوي جاء بالمنع من التصرف في الحقوق الشرعية إلا برأي الإمام أو من يكون من قبله.

٣٩٨

الرابع والعشرون [في الحقوق التي للإمام في بلد لا يقدر على إنفاذ الأحكام على أهلها]

قالوا أيدهم الله : ما ترى في بلد نائية عن الإمام أو قريبة ، إلا أنه لا يقدر على إنفاذ الأحكام على أهلها ، ويخشى من عليه الحقوق الواجبة التي أمرها إلى الإمام لغلبة أهل الظلم هل يجب إخراجها سرا إذا تمكن منه إلى الإمام أو واليه ، أو يجوز له إخراج ذلك إلى من يستحقه من غير إذن الإمام؟

قالوا أيدهم الله : وإن جاز هل يكون إجماعا أو على خلاف بين أهل العلم ، وهل يجوز له إخراج ما يجب عليه من غير إذن الإمام ومن غير خشية إظهار الإمام عند أحد من العلماء في البلد التي لا قدرة للإمام عليها أم لا؟

الجواب عن ذلك وبالله التوفيق : أن الواجب على من بعد عن الإمام وقرب وغلبت عليه الظلمة أو غلب على نفسه الوقوف على رأي الإمام في نفسه وماله وطاعته في جميع أحواله ، ولا نعلم في ذلك خلافا بين العلماء ؛ وإنما يقع الخلاف في جنس واحد في حقوق الأموال فمنهم من خالف في الذهب والفضة وما جانسها ؛ وسبب ذلك قلة هذا الجنس في عصر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والظاهر من قول العترة الطاهرة عليهم‌السلام إن الواجب صرف الحقوق إلى الإمام من جميع الأموال ، وقد طلبها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما في حديث العباس وخالد بن الوليد ، وسؤال العمال لهما زكاة أموالهما وهي ذهب وفضة وتجارة ، ولم يسألوا إلا ما علموا أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يطلبه.

أما كون البلد خارجة عن طاعة الإمام فليس عصيان أهلها يسقط أحكام الله سبحانه فيها.

وأما في الحبوب والمواشي فلا نعلم خلافا في ذلك.

٣٩٩

الخامس والعشرون [في الوقف في تسبيح الركوع والسجود]

قالوا أيدهم الله : ما ترى في التسبيح المستحب في الركوع والسجود إذا وقف المصلي على كل واحد منه ووصلها بالأخرى مع الوقف ؛ هل يقدح ذلك في إفساد الصلاة قبل خروج الوقت وبعده أم لا؟ وإن لم يقدح في إفساد صلاته ؛ هل ذلك ينقص شيء من ثوابه أم لا؟ وهل فرق بين أن يعمل ذلك عامدا عالما أو جاهلا ناسيا؟

الجواب عن ذلك : أن الوقف عليها جائز ، فإذا وصل حرك ؛ فإن وصل ولم يحرك لم تفسد صلاته فيما نرى ؛ فإن تعمد ذلك وعنده أنه غير جائز بعلم أو تقليد كانت صلاته فاسدة ، لأن خلاف الأمر الشرعي عمدا معصية ، والصلاة موضوعها الطاعة ، وأما قلة الثواب أو كثرته فهو غيب لا يعلمه إلا الله سبحانه ، وأما قضاء الصلاة إذا فسدت فإذا تعمد فيها خلاف الأمر قضاها في الوقت وبعد خروجه.

السادس والعشرون [في رمي جمرة العقبة بعد زوال اختيار الظهر]

قالوا أيدهم الله فيمن لم يرم جمرة العقبة يوم العيد إلى زوال اختيار الظهر ؛ هل يرميها آخر النهار ويحل ويلزم دم أو لا يلزم شيء؟ وما تحدّ رمي جمرة العقبة يوم العيد للمختار للأداء أم اليوم وقت الإجزاء أم غير ذلك؟

الجواب عن ذلك : أن الوقت المختار للرمي في يوم العيد إلى زوال اختيار الظهر ؛ فإن أخر ذلك إلى آخر النهار رمى وأحل وجبر بدم لتركه النسك وهو الرمي في الوقت المعتاد للسنة الشريفة.

٤٠٠