مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ٢

المنصور بالله عبدالله بن حمزة

مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ٢

المؤلف:

المنصور بالله عبدالله بن حمزة


المحقق: عبدالسلام بن عباس الوجيه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦٥
الجزء ١ الجزء ٢

طول الله مدته : أنه التقى برجل فناظره قال : فاحتججت عليه بآية من كتاب الله محكمة ، والشريف أعرف من رأيت بكتاب الله سبحانه فقال لي المطرفي : يا شريف ما تقول في قوله الله تعالى : (بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ) [المائدة : ٦٤] ، محكم أو متشابه؟ قال : قلت : بل متشابه ، قال : فآيتك يا شريف متشابهة. قلت : ما الطريقة الرابطة بينهما؟ فقلت له يا شريف : هم لا يعرفون الطريقة الرابطة ، قال : فما أصبرك عليهم ، قلنا : عدمنا من يمضي الأحكام ، فالحمد لله الذي بلغنا نفاذها ، وجعلنا ولاتها ، وهذا لم يكن أتى في عرض وإنما غرض ، والفعل لا يخلو إما أن يصح فيه القصد بأن لا يكون جنس الفعل أو لا يصح ، فإن صح فيه القصد فلا يخلو إما أن يقصد أو لا يقصد ، فإن قصد فهو فعل العالم المميز ، وإن لم يقصد فهو فعل الساهي والنائم والجاهل ، والباري يتعالى عن الجهل والسهو والسنة والنوم ، وقد قال الهادي عليه‌السلام : أولا ترى أن الفاعل لما لا يريد ، جاهل مذموم من العبيد ، فكيف يجوز أن يقال بذلك في الله الواحد المجيد ، فانظر إلى هذا المدعي للإسلام إلى أين أوصله نظره.

المسألة العاشرة [في المنافع والمضار]

قال : هي شيء خلقه الله في العالم ينفع ويضر أم لا؟ وعلمهم المنافع وجنبهم المضار ، وهل نفع الباري سبحانه بما ينفع أو بما لا ينفع؟ فإن يقع بما ينفع فقد كان ينفع ، وإن يقع بما لا ينفع كان خلقه له أولا عبثا ، قال : وما معنى قولك : هل خلقه الأول؟ فالسؤال بحاله أو مع العوض فالجسم أولى بالنفع من العرض ، وإنما قولك يقع به خدعه.

الجواب عن ذلك : أن خلق الله ينقسم إلى متحيز وغير متحيز ، فالمتحيز ينقسم إلى جماد وحيوان ، فالحيوان ينفع ويضر باختياره ولا بد من الحياة والقدرة وهو فاقد العقل إلا المكلفين منهم فأفعاله لا حكم لها ، والجماد لا فعل له عند جميع الموحدين.

٢١

وأما الملاحدة فلهم في ذلك كلام ليس هذا موضع ذكره ، فإن أراد المطرفي المزيد بقوله الجماد ينفع على معنى أنه فعل النفع فذلك باطل لأن الجماد ليس بحي ولا قادر ، والفعل لا يصح إلا من حي قادر ، ولو أدلك لبطلت دلالة إثبات الصانع وذلك لا يجوز ، وإن أراد به ينفع على معنى أن الله سبحانه جعل الجماد محلا للنفع وجعله سببا اعتياديا فيه وكذلك الضر ، والله هو النافع الضار ، فذلك مذهب المسلمين الذي خالفوا به الكفار ، والله سبحانه قد ذم الكفار بعبادتهم ما لا ينفعهم ولا يضرهم ، فلو فهموا مذهب المطرفية فقالوا إن الجماد ينفعنا ويضرنا فقد كانت حنيفة عملت صنما من حيس فلما ضربت الأزمة أكلوه ، فهجتهم العرب ، فقال شاعرهم :

أكلت حنيفة ربها

زمن التهجم والمجاعة

أحنيف هلا إذ جهلت

فعلت ما فعلت خزاعة

جعلوه من حجر أصم

وكلفوا العرب اتباعه

فلو عرفوا هذا المذهب الفاسد لقالوا : إن إلههم نافع لأنه من المأكولات ونفوا نفع المأكولات عن الله.

والمطرفية كما ترى أقبح اعتقادا من الكفار الأولين ؛ لأنهم لم ينكروا الإلزام فالنفع يضاف إلى الجماد لأنه مؤد إليه وحاصل عقيب تناوله ويضاف إلى الله لأنه فاعله ، فاعلم ذلك موفقا.

المسألة الحادية عشر [في القرآن]

قال : القرآن في قلب الملك الأعلى واحتج بكلام الهادي أنه إلهام كإلهام النحلة ، قال : وإذا كان القرآن كلام الإنسان فقد بطل لأن كلامه لا يبقى ، وإذا نسخ القرآن هل وجد في الأول أم لا؟ فكما أن هذا حكاية قال : وليس

٢٢

بباق لأنه كلام ولأنه لو كان باقيا لوصف بالبقاء ووصف البقاء يبقى إلى ما لا نهاية له ، وإذا كان مع الإنسان اختياري ومع الملك اختياري فلا فرق.

قال الراوي عنه : وألزم فيه إلزامات كثيرة.

الجواب عن ذلك : أن هذه المسألة وأمثالها أوجبت عليهم ضرب الأعناق وإقامة الحرب على ساق ، لأنهم خالفوا ما علم من دين محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضرورة ، ومن خالف ما علم من دينه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضرورة فقد كفر بإجماع المسلمين.

والمعلوم من دينه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه كان يغشى مجامع العرب ومحافلهم ، ويقرأ عليهم القرآن ، ويعلمهم أنه كلام الله ووحيه وتنزيله دون أن يكون كلام له ولا لغيره من المتكلمين ، ويتحدى العرب على الإتيان بمثله ، فلو كان مقدورا لهم لعارضوا ، أو لو فهموا مذهب إخوانهم المطرفية لعن الله الجميع لقالوا : قد عارضناه وأعادوا تلاوة السورة ، وقالوا : هذا غير ذلك ، ولقالوا : ليس هذا الذي يخاطبنا به كلام الله ، وإنما كلام الله في قلب الملك لا يفارقه ، فأما هذا الذي تتلوه علينا فهو كلامك فما وجه دعواك لتميز علينا به [فيما] يشاكل هذا.

فأما قوله : هو كلام ، فهو لا شك كلام ، فأما قوله إذا فرغ القارئ فقد بطل ، فإنما تبطل التلاوة التي يحمد عليها العبد ، ويذم إذا تلى على غير الشرط الذي أمر به ، فأما المتلو الذي هو المقطع تقطيعا مخصوصا فلا يجوز عدمه إلى انقطاع التكليف لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض» (١) فأخبر سبحانه ببقاء الكتاب العزيز وملازمة العترة الطاهرة له ، لا كما قال المطرفي الكافر.

وأما قوله : لو بقي لكان يبقى وكان للبقاء بقاء فلعذر فيما نظن عجيب

__________________

(١) سبق تخريج الحديث في الرسالة النافعة.

٢٣

في نفسه في هذه المغالطة وهذه من إحدى دقائقه الظاهرة ، لأن البقاء هو استمرار الوجود والموجود لا يخرج عن الصفة إلا بالضد وما يجري مجراه ولا ضد هاهنا ولا ما يجري مجراه ، فتفهم هذا أيها المدقق إن كنت ممن يفهمه.

وأما إلزامه بالمصحف إذا نسخ فلقد أوغل في النظر ، وجاء بإحدى الكبر ، أوليس التكليف به عام ، وقدرة الله سبحانه وحكمته توجب إبلاغ الحجة ، وإبلاغ الحجة توجب كونه في أكثر من جهة إذ لو اختص بجهة لما كانت حجته إلا حيث اختصاصه ، وذلك لا يقول به مسلم ؛ ولأن بدعيا لو ادعى في الإسلام قبل نجوم المطرفية وأس كفرهم بالتدريج الذي فعلوه كما فعلت الباطنية في مذهبها ، وقال هذا القرآن كلامي لقتله أول من لقيه من المسلمين ، لأن المعلوم لهم ضرورة أنه كلام الله والعلم بأن محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يدين بأن القرآن كلام الله ضروري لنا.

وقول المطرفي أنه لنا اختياري فهو بناء على أصله الفاسد : أن علوم العباد اختيارية ، وعندنا أنها تنقسم إلى ضروري واختياري وليس هذا موضع تفصيله والآثار في أن هذا القرآن الذي بين أظهرنا هو القرآن ظاهرة متواترة من أنه المعلوم من دين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضرورة فجرى مجرى الأصول ، كعلمنا أن البيت الذي يجب الحج إليه والطواف به هو الكعبة حرسها الله تعالى ، فلو أن إنسان قال هو غيره لكفرته الأمة ، ومن ذلك إجماع الأمة على أن هذا الموجود بين أظهرنا حجة لنا وعلينا هو كلام الله ووحيه وتنزيله ، والإجماع آكد الدلالة ، ومن ذلك أنا نفخر على سائر أهل الملل وأمم الأنبياء ببقاء معجزة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخلاف معجزات الأنبياء عليهم‌السلام فإنها عدمت عقب وجودها وبعدم الأنبياء عليهم‌السلام ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فإذا التبست عليكم

٢٤

الأمور كقطع الليل المظلم فعليكم بالقرآن فإنه شافع مشفع ، وشاهد مصدق ، من جعله أمامه قاده إلى الجنة ، ومن جعله خلفه ساقه إلى النار» (١) فهل أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن نجعل إمامنا موجودا أو معدوما ، ومدحه الأئمة عليهم‌السلام ، وإن شئت أيها المطرفي فإن الخطاب لكافة المسترشدين ، رويت خطبة ما تقدمها في الهجرة خطبة واحدة وهي قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيما رويناه عنه بالإسناد الموثوق به أنه قال بعد الخطبة الأولى : «الحمد لله أحمده وأستعينه ، نعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، من يهد الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إن أحسن الحديث كتاب الله ، قد أفلح من دينه في قلبه وأدخله في الإسلام ، وبعد الكفر وأخباره على ما سواه من أحاديث الناس ، أنه أبلغ الحديث وأحسنه ، أحبوا ما أحب الله ، أحبوا الله بكل قلوبكم ، ولا تملوا كلام الله وذكره ، ولا تقسى عنه قلوبكم ، فإنه من كل ما يخلق الله يختار ويصطفي ، وقد سماه خيرته من الأعمال ، ومصطفاه من العباد ، والصالح من الحديث ، ومن كل ما أولى الناس ، الحلال والحرام ، واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، واتقوه حق تقاته ، واصدقوا الله صالح ما تقولون بأفواهكم ، وتحابوا بروح الله بينكم ، إن الله يغضب أن ينكث عهده ، والسلام عليكم» (٢) تمت خطبته صلوات الله عليه وآله ، وأمثال ذلك من كلامه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يحصى كثيره فهل حضهم على موجود أو معدوم أيها المدقق ،

__________________

(١) أخرجه الشريف زيد بن عبد الله بن مسعود الهاشمي في الأربعين السيلقية ، (مخطوطة) وانظر شرح الأربعين السيلقية للمؤلف (الإمام عبد الله بن حمزة).

(٢) أشار إلى طرف الحديث بلفظ مقارب في موسوعة أطراف الحديث النبوي ٤ / ٥٧٢ ، وعزاه إلى الخطيب البغدادي ١٤ / ٤٤١ ، وهو في تأريخ بغداد بلفظ مقارب ، وأشار إلى طرف منه وعزاه في الموسوعة إلى دلائل النبوة ١ / ٧٧ ، وإلى القرطبي ١٨ / ٩٨.

٢٥

وكلام علي عليه‌السلام والأئمة من ولده عليهم‌السلام لا تتسع الكتب بذكره ، كلام القاسم عليه‌السلام في كتاب المدحين الكبير والصغير وسوى ذلك (١).

المسألة الثانية عشر في نفيه رؤية الألوان بأن الأعمى يدرك ما لا يرى كالحركة؟

الجواب عن ذلك : أن بعض أهل العدل قد أثبت رؤيتها فيرتفع اعتراضه والحال هذه.

والثاني : أن الحركة تعلم بانتقال الجسم من جهة إلى أخرى ، والأعمى يدرك ذلك فيعلم الحركة وبما ذا يدرك اللون من طريق غير الرؤية وما الطريق إليه؟ ولا طريق ، فإن كان الطريق وقد صح العلم ، والعلم بما لا طريق إليه محال ، فلم يبق إليه طريق إلا الرؤية وإلا بطل ما قد صح العلم به.

المسألة الثالثة عشر في الأعواض

قال : إذا كان الله تعالى يعوض كل فقير ومؤلم ، والناس الكل منهم فقراء إلا من بلغ درجة لا تنال إلا لبعض الناس ، فقد أوجب العوض للأغنياء الذين هم دون ذلك في المنزلة الرفيعة ، وكذلك المؤلمين لأن أكثر الناس قد ألم ، فإذا كان له في الجنة والنار عوض واحد قال تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [النجم : ٣٩].

__________________

(١) الإمام القاسم بن إبراهيم عليه‌السلام تقدمت ترجمته ، ويقصد الإمام عبد الله بن حمزة بالمدحين كتابي (المديح الكبير للقرآن المبين ، والمديح الصغير للقرآن المبين) ، وكلاهما خطيتان ضمن مجموع بمكتبة برلين برقم ٤٨٧٦ ، وضمن مجموع بمكتبة السيد عبد الرحمن شائم ، ومجموع بمكتبة السيد محمد بن يحيى المطهر. وانظر أعلام المؤلفين الزيدية ، وفهارس التراث بالمكتبات الخاصة في اليمن للمحقق.

٢٦

الجواب عن ذلك : أن مذهب العدلية متقرر على وجوب العوض لكل مؤلم ومغموم إلا أن يكون الألم والغم مستحقان ، ولا فرق بين أن يعم ما يجب فيه العوض الكل ، أو يختص بالبعض ويرى به إسقاط العوض لعمومه للأكثر ، لا وجه له لأنه ما وجب في الأقل من ذلك وجب في الكل للإجماع في العلة الموجبة للحكم ، لأن الله تعالى بريء من الظلم ، فإذا ألم العبد أو غمه كان عاصيا أو مطيعا فلا بد من العوض ما لم يكن ذلك الغم والألم عقوبة فإن كان عقوبة فلا عوض والعوض في النار هو أن يسقط بما يستحق من أجزاء العذاب العقاب بقسطه يعلم وقوعها ولا يجد لذتها ويستوفي فلا يخفف عنه من المستحق بعد المسقط شيء كأن يستحق ألف جزء مثلا فسقط على ألف وقت ويستوفي في العدل الباري سبحانه ولا يجد راحة بصدق وعيده بذكر ما له وهو الثواب فلا شك أنه ليس له من الثواب إلا ما سعى.

وإنما يتحقق الحديث في هذا مع من أثبت الألم والغم من فعل الله سبحانه ، فأما من أنكر ذلك فالكلام معه فيه ، فإذا قد ثبت لزم العوض بدلالة العدل.

وأما قوله (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [النجم : ٣٩] فهذا دليل خطاب وهو معنى ذلك خاص ، وإن كانت المطرفية لا تنهى فهمهم إلى ذلك ولكن ألجأت الضرورة إلى مجاورتهم لمجاوريهم بدليل الخطاب لا يعتمده المحصلون في فروع الفقه ، فكيف نعتمده في أصول الدين.

وأما أنه خاص فلا ، والمراد به الثواب لأنه قال : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) [النجم : ٣٩] لا خلاف في ذلك ولم يذكر العوض بنفي ولا إثبات ، ولهذا عقبه بذكر الجزاء ، والعوض هو بمنزلة أروش الجنايات وقيم المستهلكات ، فإنه

٢٧

يستحقه من يستحق التعظيم ومن لا يستحقه.

والكلام فيه فروع وأصول ، وفيه مسائل وفصول ، وقد أودعنا شرح الرسالة الناصحة في مسألة الآلام طرفا من ذلك وبينتها في هذه المسائل على بعض ما أوجبه الحال وألزمه السؤال فتفهم ذلك موفقا إن شاء الله تعالى.

والسلام على من اتبع الهدى ورحمة الله وبركاته

وصلى الله على رسوله سيدنا محمد النبي وآله

تم ذلك بحمد الله ومنه وكرمه فنحمد الله كثيرا بكرة وأصيلا.

* * *

٢٨

جواب مسائل سأل عنها الشيخ الفاضل العالم

أحمد بن الحسن الرصاص (١)

__________________

(١) أحمد بن الحسن بن محمد الرصاص : أحد أعلام الزيدية ، ومن كبار علمائها ، أصولي متكلم ، فقيه ، درس على : والده الشيخ حسن بن محمد الرصاص ، تلميذ القاضي جعفر بن أحمد بن عبد السلام ، واشتهر بمؤلفاته العظيمة في الفقه ، وتخصصه في علم الكلام. قال في (المستطاب) : من علماء الهادوية الكبار درس على والده الشيخ الحسن ، وله تحقيق سيما في علم الأصول ، وفاته في شهر محرم سنة ٦٢١ ه‍.

وفي (الجواهر المضيئة) : أخذ علم الكلام وغيره عن أبي القاسم صاحب (الإكليل) وعنه حميد الشهيد ، ومحمد بن يحيى القاسمي ، ومؤلفاته كثيرة وشهيرة ، منها :

ـ مصباح العلوم في معرفة الحي القيوم (الثلاثون مسألة) وهي من أشهر كتبه ، وهو مختصر وجيز في مسائل أصول الدين.

ـ الخلاصة النافعة بالأدلة القاطعة في قواعد التابعة (علم الكلام).

ـ الشهاب الثاقب في مناقب علي بن أبي طالب. ويسمى : (النجم الثاقب في إمامة علي بن أبي طالب).

ـ الدرر المنظومات في سلك الأحكام والصفات.

ـ مسائل العدوية في التنبيه على أبيات الفرية على مذهب الزيدية.

ـ الواسطة في مسائل الاعتقاد الهادية إلى سبيل الرشاد. (أصول دين).

ـ حقائق الأعراض وأحوالها وشرحها.

ـ اليتيمة على الثلاثين المسألة.

ـ التذكرة لفوائد التحصيل في التوحيد والتعديل (شرح مختصر أبي الحسن بن محمد) مجلد.

ـ الجوابات المرضية على اعتراضات القدرية.

ـ الرسالة الشافية لذوي الفطن الصافية.

ـ الموضحة لمعاني مصباح العلوم.

ـ الغياصة شرح الخلاصة.

المصادر / انظر أعلام المؤلفين الزيدية وفهرست مؤلفاتهم ، وانظر بقية المصادر هناك.

٢٩

[المسألة الأول في لبس الحرير المبطن]

قال : أما المسألة الأولى منها في لبس الحرير المبطن هل يجوز في غير الحرب أم لا؟

الجواب وبالله التوفيق : أنه لا يجوز عندنا ، وهو بمنزلة المفرد في قولنا إلا أن الخلاف فيه واقع عند غيرنا وإنكاره مفوض إلى الإمام إن شاء أقر وإن شاء أنكر على قدر ما يترتب عنده من المصلحة كما يقول في مسائل الصلاة ، ولهذا تفصيل يطول شرحه ، والأصل أن لا يجوز لبس الحرير المحض إلا في الحرب.

[المسألة الثانية في الزكاة]

فيما يقبل من الزكاة لأن ينتفع به من لا يجوز له ولا يقع لقائله على حل؟

الجواب : أن ذلك لا يجوز ، ولا له وجه عندنا في الجواز ، وذلك يوصل إلى المحظور فإن فعله من تجوز له الزكاة بغير مواطأة لمضرة علم نزولها بمن لا تجوز له الزكاة وأراد دفع ذلك الضرر عنه لوجه الله تعالى فهو مأجور ولا إثم عليه ، ولو جاز ذلك لم يقع حظر فما به أحد إلا وهو يجد من تقبل له ، هذا ما لا يجوز عندنا ، ولقد لحق خيلنا الضرر ونفوسنا ، وبيت المال عليه الدين الكثير لنا فما استجزنا أن نقضي منه شيئا لما يخصنا لأن من ارتع سائمة حول الحمى يوشك أن يقع فيه.

[المسألة الثالثة في الأسر]

الثالثة فيمن يربط من بلاد (الغز) إلى (الحصن) يربطونه إلى أن يستحل نفسه منهم ولا تصل المنفعة التي تحصل منه إلا إلى رابطه ولا يسقط شيء من

٣٠

حريته ، وإذا جاز فعلى من تكون نفقته وهل يجوز تعذيبه أم لا؟

الجواب : اعلم أن الأسر يجوز في من يستحق النار من الفساق والكفار ، وللفسق دار ، وللهجرة دار ، وللكفر دار ، ولا بد من كون الأعمال شرعية وإلا فلا وجه للسؤال ، فإن كان الحرب عن رأي أمير من أمراء الإمام جاز الأسر والفداء ، وكانت نفقة الأسير على بيت المال ، وما يحصل منه إلى بيت المال يصرف في نفع المسلمين ، ولا فرق بين حبسه حتى يؤدي المال وبين لزم يجب حتى يؤدي المال يصرف في نفع المسلمين ، فإن جعله الأمير لرابطه جاز ، وإن منعه لم يجز ، وأما التعذيب فلا يجوز ، وقد مر عمر بقوم يعذبون في المال ، فأخبر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن ذلك ، وقال إبراهيم بن عبد الله عليه‌السلام (١) : لا حاجة لي في مال لا يخرج إلا بالعذاب ، وإذا كان الأمر غير شرعي لم يجز على أي وجه كان.

الرابعة [في قوله تعالى : وإذا أخذ ربك من بني آدم ...]

في قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ ، أَوْ

__________________

(١) إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم‌السلام [٩٧ ـ ١٤٥ ه‍] مولده بالمدينة ، وبها نشأ ، وكان عالما شاعرا ، عارفا بأيام العرب وأخبارهم وأشعارهم. ذهب إلى العراق داعيا إلى بيعة أخيه النفس الزكية ، فما أن وصل البصرة حتى جاء خبر استشهاده في المدينة فدعا إلى نفسه وتنقل بين البصرة والكوفة ، وبايعه خلق كثير ، ثم استولى على البصرة ومناطق أخرى ، وهاجم الكوفة وكان بينه وبين جيوش المنصور العباسي وقائع كبيرة ، وكان ممن آزره في ثورته الإمام أبو حنيفة. أرسل إليه أربعة آلاف درهم لم يكن عنده غيرها ، واستشهد ـ سلام الله عليه ـ بباخمرى أول ذي الحجة سنة ١٤٥ ه‍ السنة التي قتل فيها أخوه ، وجز رأسه حميد بن قحطبة ، وأرسلها إلى أبي الدوانيق ، ودفن جسده الزكي بباخمرى ، وقبره هناك مشهور. روى عن أبيه ، عن جده ، وعنه أولاده ، والإمام القاسم بن إبراهيم ، ونافع ، ومفضل الضبي. خرّج له محمد بن منصور ، والمؤيد بالله ، وأبو طالب ، والموفق بالله ، والمرشد بالله.

المصادر / انظر معجم رجال الاعتبار وسلوة العارفين ترجمة رقم (١٦) وانظر بقية المصادر هناك.

٣١

تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) [الأعراف : ١٧٢ ، ١٧٣].

الجواب وبالله التوفيق : أن الأمر في كتاب الله عظيم ، والتعرض به شديد ، ولو لا أن الله تعالى جعلنا ورثته وفهمنا غرائبه ما تعرضنا به إذ هو بحر لا تقطعه الألواح إلا بريح التوفيق من الله سبحانه والهداية نسأل الله العون قال تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) [الأعراف : ١٧٢] ، الأخذ يقتضي الترك والرب المالك وهو سبحانه مالكنا من كل وجه بالقدرة والإحسان والاستحقاق ، فآدم أبو البشر وفي تسميته وجهان : أحدهما خلقه من أديم الأرض ، والثاني لونه وتحسينه له إلى خلقه بالحلاوة ، والظهور معروفة ، والذرية أولاد الرجل ذكورا كانوا أو إناثا وأعقابهم ما تناسلوا ، وأصل الذرية الذر وهو تفريق الحب وغيره بعد اجتماعه ومنه سميت الرياح ذاريات لأنها تذرّ الرمال والتراب وغيرها تفرقها بعد اجتماعها وهكذا ذرية الرجل كأنها مجتمعة في صلبه ففرقها في الأرحام أو في الرحم شيئا بعد شيء.

وقوله تعالى : (وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى) [الأعراف : ١٧٢] ، الابتهال هاهنا بلسان الفعال دون المقال ، وكذلك الجواب لما أخرج النطفة من الصلب وهو الظهر إلى الرحم رقيقة مهينة حقيرة منتنة ليس فيها شيء من آثار الخلقة ، أشهدها على نفسها أنه الخالق المصور ، فخلقها بمعنى قدرها وبرأها بمعنى أوجدها وصورها ما شاء من زيادة ونقصان ، وخفة ورجحان ، فلو خلقت للنطفة والحال هذه لسان واقدرت على النطق لشهدت له سبحانه بالربوبية ، واعترفت بالعبودية ، شهادة حقيقة.

قوله تعالى : (أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هذا غافِلِينَ) [الأعراف : ١٧٢] في الكلام حذف تقديره إذا كان الأمر في الذرية من الظهور ما قدمنا ، فما الموجب

٣٢

أن يقولوا به يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ، وهل الغفلة عذر في حق رب العالمين ، وما يجب أن يقع فيه النظر من أصول الدين ، ولو لا غفلتهم عن الفكر لاعترفوا بربوبية رب العالمين ، ولشهدوا كما شهد الماء المهين.

قوله تعالى : (أَوْ تَقُولُوا إِنَّما أَشْرَكَ آباؤُنا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ) [الأعراف : ١٧٣] وهذا الفصل لاحق بالأول ، لأنهم اعتذروا بالأول بالغفلة عن النظر فيما يوجب الاعتراف ، وفي هذا تقليد الآباء والأسلاف ، الشرك إضافة فعل الله إلى غيره وإضافة فعل غيره إليه ، والآباء معروفون وقد تقدم معنى الذرية ، والهلاك التلف أو ما يؤدي إليه أو يقرب منه ، وأصله السقوط ، المبطل نقيض المحق ، وأصل البطلان الذهاب ، ومن فعل لغير الله سبحانه بطل سعيه.

فإذا كانت الحال هكذا كان الواجب على المسلم وطالب النجاة أن ينظر في الأدلة والبراهين ، ويميز بين أقوال المختلفين ، ليقع من أمره على عين اليقين ، ولا يقلد الآباء السالفين ، ولا من أنس به من العالمين ، فلا بد من يوم يجمع الله فيه الأولين والآخرين ، فيتبرأ فيه القرين من القرين ، والآباء والأمهات من البنات والبنين ، والمتبوعين من التابعين ، ولا ينفع الإنسان إلا ما ادخر من الأعمال الصالحة التي هي زاد المتقين ، وهذا ما اتفق من الجواب ، وقد قال غيرنا : الذرية أخرجت على صورة الذر وشهدت ، وليس ذلك عندنا بشيء والسلام.

[المسألة الخامسة في الماء]

المسألة الخامسة تلحق بذلك : في الماء الذي تنجس أجزاؤه أولا فأولا ثم تجتمع بعد ذلك.

٣٣

الجواب فيها : أن النجاسة إن بلغت إلى حد يغير لونه أو ريحه أو طعمه فإن حكمه النجاسة وإلا فهو طاهر ، والدليل عليه قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الماء طهور المؤمن لا ينجسه إلا ما غير لونه أو طعمه» (١) والذي نرى لأهل كل قرن أن يقلدوا إمام عصرهم ويكون عندنا أولى بالتقليد ممن تقدمه وإن كانوا أفضل لقوله تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء : ٥٩] ، وأولو الأمر : الأئمة في الأعصار وهذا عندنا أولى من تقليد الأول والله أعلم ، وقد قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا تختلفوا على إمامكم» (٢) أفاد ذلك العموم في جميع الأحكام ، وهكذا في سائر المسائل ، وقس عليه ترشد إن شاء الله تعالى.

تم ذلك بحمد الله تعالى والحمد لله وحده

* * *

__________________

(١) الحديث بلفظ : «الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب عليه فغير طعمه» وفي لفظ : «خلق الماء طهورا لا ينجسه شيء إلا ما غير ريحه» أخرجه الأمير الحسين في (الشفاء) وهو في النسائي ١ / ١٧٤ ، وفي مسند أحمد ٣ / ٣١ ، ٧٦ ، وفي» أبي داود ٦٦٥ ، والبيهقي ١ / ٤ ، ٢٧٥. وهو بألفاظ متقاربة عند أبي داود والترمذي والنسائي بدون الاستثناء ، وعند الدار قطني والبيهقي بالاستثناء ، وانظر موسوعة أطراف الحديث النبوي ٨ / ٦٥٤.

(٢) لم أجده بهذا اللفظ ، وهو بألفاظ ليس فيها ذكر الإمام في مصادر متعددة. انظر : موسوعة أطراف الحديث النبوي ٧ / ٨٧.

٣٤

ومن مسائل سأل عنها القاضي الفاضل

محمد بن عبد الله بن حمزة (١)

الأولى

في عبد لرجل قتل رجلا خطأ وتعلقت الجناية برقبته ، ثم أعتقه مالكه بعد ذلك ومنع ورثة المقتول من الاسترقاق والملك والبيع هل يصح أم لا؟ وإذا صح هل يضمن قيمة العبد أو الدية؟

الجواب عن ذلك وبالله التوفيق : أن العتق يصح لأن حق ورثة المقتول لم يتعلق بالنفس من كل وجه ، وإنما يتعلق بها من وجه دون وجه ، والذي يلزم مولاه قيمته بالغة ما بلغت لأن الحكم منتقل إلى المال ، وهذا المعتق في حكم المتعدي في عتقه فكان ضامنا قيمته لورثة القتيل ولم يكن منه تعد ؛ وإنما هو جار مجراه إلا أن يعلم الجناية فإنه بالعلم كالمختار لنقل الحكم إلى ماله ونفسه ؛ فكأنه اختار نفع أرش الجناية على تسليم العبد فيكون عليه الدية والحال هذه ، والحكم يفترق في العلم والجهل كما ترى.

__________________

(١) محمد بن عبد الله بن حمزة بن إبراهيم بن أبي النجم القاضي ، العلامة ، ركن الدين ، قاضي قضاة المسلمين ، كان حاكم صعدة أيام المؤلف الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة ، وله مذاكرات ومراجعات ، وأثنى عليه الإمام المنصور بالله كثيرا ، وقد توفي في زمنه سنة ٦١٠ ه‍ ، وكان يروي عن أبيه عددا من كتب الزيدية بأسانيد مختلفة منها أمالي المرشد ، وأمالي أحمد بن عيسى ، وصحيفة علي بن موسى الرضا ، وكتاب أصول الأحكام ، للإمام أحمد بن سليمان ، كما روى عن القاضي جعفر بن أحمد ، وعنه : ولده عبد الله ، والشيخ محيي الدين محمد بن أحمد النجراني ، والمؤلف.

٣٥

مسألة

قال أيده الله تعالى : ما ترى في اليهودي إذا وجد ركازا هل يجب عليه خمس أم لا؟ وهل الخمس يكون طهرة كالزكاة فلا تجب عليه لأنه ليس من أهلها أم لا؟

الجواب عن ذلك وبالله التوفيق : أن الخمس واجب عليه في الركاز لعموم الخبر عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في قوله : «في الركاز الخمس» (١) فعم ولم يخص ، وليس يطهره لأنه لو كان طهره ، لم يجز لنا أهل البيت لأن الله سبحانه كره لنا غسالة أوساخ الناس ، وما كان يذهب بأقذارهم كما يذهب الأدران ، فلما حل لنا الخمس علمنا أنه ليس بطهرة ووجب على اليهودي وجوبه على المسلم.

مسألة

قال أيده الله : ومن استؤجر للحج له أن يستأجر غيره من غير عذر أم لا؟ وما الفرق بينه وبين سائر الإجارات؟

الجواب : أن المستأجر للحج لا يستأجر غيره إلا أن يأذن له المستأجر في ذلك لأن الحج من العبادات والأغراض فيها تختلف بالأشخاص ، وهذا الوجه في الفرق بينهما وبين سائر الإجارات ، لأن الغرض في سائر الإجارات وقوع العمل المخصوص من أي شخص كان ، وليس كذلك الحج فإنه يريد وقوعه من شخص دون شخص ، لما يظن من كثرة ثواب أحد الشخصين لمعرفته أو صلاحه ، وتفاضل الإجارة بين الشخصين على صورة واحدة ، وليس كذلك سائر الأعمال.

__________________

(١) أخرجه الإمام محمد بن منصور المرادي بسند ، عن الإمام أحمد بن عيسى ، بسنده إلى الإمام زيد بن علي ، بسنده إلى علي عليه‌السلام في حديث أوله : العجماء جبار. انظر الاعتصام ٢ / ٢٨٥ ، وهو في البخاري ٢ / ١٦٠ ، ٣ / ١٤٥ ، ومسلم في الحدود برقم ٤٥ ، ٤٦ ، وفي مسند أبي داود برقم ٣٠٨٥ ، وفي الترمذي ١٣٧٧ ، وفي ابن ماجة برقم ٢٥٠٩ ، ٢٥١٠ ، وفي مسند أحمد بن حنبل ١ / ٣١٤ ، ٢ / ١٨٦ ، وفي مصادر كثيرة. انظر موسوعة أطراف الحديث النبوي ٥ / ٥٨٩.

٣٦

مسألة

قال أيده الله : ما ترى في المستأجر للحج إذا أتى ببعض أعمال الحج ومرض واستأجر غيره للإتمام هل يجب على الذي يتم إحرام أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن الإحرام يجب على المستأجر لأنه يجب ملازمته لأجزاء أعمال الحج من الابتداء إلى الانتهاء.

مسألة

قال أيده الله : ما ترون في قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للمشتري الذي يغبن فلا خلابة أي : لا خداع ولك الخيار ثلاثا؟

الجواب عن ذلك : أن الخلابة في لسان العرب الخداع ، قال الشيء الحاكي.

سبب قلبه أجدى مراد خلابة

ببيسان أو بالغيل من عمران

يريد خداعا.

وقوله : لك الخيار ثلاثا ، بيانا أن من عرف من البائع أنه يخدع وأنه مريد الخيانة لأن لا يجعل الخيار مجهولا ، وأنه وقّته إلى وقت كان إلى وقته قلّ أو كثر ، وجعل أقله ثلاثا فليشرط الخيار لعمل على معلوم في أمره ، إن له الخيار ثلاثا لأن نفس الأمور فكانا في الأصل ثلاثا لأنه أقل أجل مضروب في كتاب الله سبحانه ، فله أمثال كثيرة فاعلم ذلك والسلام.

٣٧

[فصل في تعيين العترة الطاهرة]

ومن إملائه عليه‌السلام فصل مذهبنا أن عترة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هم علي وفاطمة والحسن والحسين وأولادهما في جميع الأعصار سلام الله عليهم جميعا.

والدليل على ما ذهبنا إليه الإجماع فإن الناس لم يختلفوا في كونهم عترة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنما الخلاف فيمن سواهم من أقاربه هل يضمون إليهم أم لا؟ والإجماع حجة على ما نذكره من بعده ولأن كونهم عترة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معلوم ، وكون غيرهم مشكوك فيه ولا يجوز العدول عن المعلوم إلى المشكوك فيه لغير دلالة ، ولا دلالة على ذلك فوجب الاقتصار على المقطوع به من ذلك.

ومما يزيد ذلك ما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه جمع عليّا وفاطمة والحسن والحسين عليهم‌السلام تحت كساء فجاءت أم سلمة رضي الله عنها لتدخل معهم فدفعها وقال : «لست منهم وإنك لعلى خير» ثم قال : «اللهم إن هؤلاء عترتي أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» (١) فنزل قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب: ٣٣] ، وهذا الخبر مما ظهر ظهورا يستغنى معه عن إقامة الدليل على صحته في نفسه ، ووجه استدلاله لنا بهذا الخبر أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفردهم بقوله : «عترتي أهل بيتي» من دون سائر أقاربه ، ولا يجوز إدخال غيرهم فيما خصهم به ، فثبت أنهم عترته وأهل بيته دون من عداهم من أقاربه فصح ما ذهبنا إليه.

__________________

(١) تقدم تخريج هذا الحديث بطرق وأسانيد كثيرة في (الرسالة النافعة).

٣٨

فصل [في إجماع أهل البيت عليهم‌السلام]

اعلم وفقنا الله وإياك لإصابة الصواب أن العلماء من آل الرسول عليهم‌السلام وغيرهم من علماء العامة قد كثر كلامهم في الفروع ، واشتدت عنايتهم في تمييز الحق من الباطل ، وإيثار الراجح على الشائل ولم يقصر أحد منهم في ذلك وكان من جملة ما تكلم فيه الناس الإجماع ، فإن الخلاف واقع فيه ، فمن الناس من منع منه رأسا ، ومنهم من أثبته ؛ واختلف المثبتون ، فمنهم من جعل لكافة الأمة ، ومنهم من ذكر إجماع العترة ؛ ولا غرض لنا في تبيين كلام كل فرقة ، وإنما قصدنا أن نبين إجماع أهل البيت عليهم‌السلام هو الحجة دون من عداهم من إجماع الأمة ، ونذكر الأدلة على ذلك على وجه الاختصار والله المعين والموفق.

اعلم أن لك في الاستدلال على أن إجماعهم دون غيرهم طريقان : جدلية وعلمية ؛ فالعلمية الكتاب والسنة ؛ والجدلية ما نذكر من بعد إن شاء الله تعالى.

أما الكتاب قوله تعالى : (وَجاهِدُوا فِي اللهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النَّاسِ) [الحج : ٧٨] ، ووجه الاستدلال بهذه الآية أن الله اختارهم له شهداء ، والثاني أنه لو لم يكن قولهم حجة لما اختارهم ، فالذي دل على الأصل الأول وهو أنه اختارهم شهداء فظاهر الآية ينطق بذلك في قوله : (هُوَ اجْتَباكُمْ) [الحج : ٧٨] والاجتباء هو الاختيار ، وظهوره في اللغة يغني عن الاستشهاد عليه فثبت الأصل الأول.

وأما الأصل الثاني وهو أنه لا يختار له شهداء إلا من يكون قولهم حجة

٣٩

واجبة الاتباع ، فما دل عليه عدله وحكمته يوجب ذلك ، ألا ترى أن قاضيا من قضاة المسلمين لو قال : قد اخترت فلانا شاهدا ووجب عندي قطع الحق بقوله ، لدلنا ذلك أنه قد رضي بقوله وثبتت عدالته عنده ، وأنه لا يقول إلا ما يجب العمل به فعلّام الغيوب أولى بذلك إذا اختار هذا النصاب للشهادة على الناس دل ذلك على أنهم عدول عنده وأنهم لا يقولون إلا الحق ، وما ذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون.

وقول من يقول : إن عموم الآية يتناول جميع ولد إبراهيم من اليهود والنصارى وغيرهم من ولد إبراهيم من سائر القبائل ، قول لا وجه له ، لأنه وإن كان كذلك فإن الأخبار الواردة من جهة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أوجب متابعة من عدا عترته من القبائل ، فالآية وإن كانت عموما قد خصتها الأخبار الواردة عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والكتاب والسنة محدثان إلى جهة واحدة ، فلا يجوز الفرق بينهما ، ولم ينص الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أن قول غير عترته من القبائل حجة ، فيجب حمل الآية على أن المراد بها عترته عليهم‌السلام دون سائر ولد إبراهيم لهذه الدلالة ، فهذا الذي دل عليه الكتاب.

وأما السنة فالدلالة منها قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض» والكلام في هذا الخبر يقع في موضعين : أحدهما في صحته في نفسه ، والثاني : في وجه الاستدلال به ، أما الكلام في صحته فإن ظهوره بين الأمة وانتشاره فيها بحيث لا دافع له ولا راد له ، دلالة على صحته ، لأنه لو لم يكن من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لدفعوه وردوه لأنه يتضمن وجوب متابعتهم قولا وعملا واعتقادا ، وذلك وجوب اتباعهم في الأصول والفروع على ما بينه.

٤٠