مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ٢

المنصور بالله عبدالله بن حمزة

مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ٢

المؤلف:

المنصور بالله عبدالله بن حمزة


المحقق: عبدالسلام بن عباس الوجيه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦٥
الجزء ١ الجزء ٢

الجواب عن ذلك : أن كل واحد مما يفعل على الوجه الذي ذكر القائل يصح إن قدم فيهم من يقوم بتمامه بعد بطلان صلاته صح ، وإن استأنف الصلاة وأحبوا الخروج من صلاتهم والإعادة معه جاز ، وإن بقوا على صلاتهم كان أول صلاته آخر صلاتهم ، وإن صلى كل واحد على انفراده وأتم وحده فجائز أيضا إن تعذر الإتمام من قبل الإمام لو عرض أمر يوجب خروج المؤتم عن الصلاة وأتم لنفسه لأجزأ ذلك ، كما فعل الأنصاري مع معاذ ولم يأمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالإعادة.

مسألة

في المهر إذا تزوجت بغير كفؤ ورضي الولي الأقرب ، ولم يرض غيره من الأولياء الذين هم بعده في الولاية أو بعضهم هل لهم الاعتراض أم لا يجوز؟

الجواب عن ذلك : أنها إذا رضيت ورضي وليها الأقرب لم يكن لسائر الأولياء الاعتراض في ذلك ؛ لأنه لا يعتبر إلا رضاها ورضى الولي ، فمتى حصل لم ينتظر ما وراه.

مسألة

فيمن يحبس قدر نصيب بناته عليهنّ حياتهنّ ، فإذا متن كان على ورثته دون ورثتهنّ ، ويهب باقي ماله لورثته الذكران؟

الجواب عن ذلك : أن هذا لا يجوز ؛ لأن فيه قطع وارث ، والوعيد قد ورد في ذلك ، ومن حق التحبيس أن يكون قربة ولا قربة في ذلك.

٣٦١

مسألة

في بيع الغنى هل له أصل في الشرع أم لا؟ فإن كان فكيف صورته؟

الجواب عن ذلك : أن هذه الكلمة لم نعرف معناها ولا لفظها في ذكر ألفاظ البيوع ، كبيع المضطر (١) والمضامين والملاقيح ، وما ليس عندك (٢) ، والمحاقلة ، والمعاومة ، والملامسة (٣) ، ونبذ الحصاة (٤) إلى غير ذلك ، وهي مفسرة في كتب الشرع الشريف ، وغريب الحديث النبوي ؛ وبيع الغنى لا نعلمه في الأصل فننظر في معناه ، فإن كان له أصل كررت فيه السؤال وكان جوابه على قدر ما يقضي به الحال.

مسألة

في الشجة المقدرة بشيء من الدية كم حجمها في الطول والعرض في الشجاج التي لم تقدر بشيء من الدية ووكل أمرها إلى الحاكم كم تزن كل واحد منهما من الذهب؟

الجواب عن ذلك : أن تقدير طولها وعرضها لا أثر فيه ، بل يكفي أن تكون موضحة (٥) ، أو هاشمة (٦) ، أو منقلة (٧) ، أو آمة (٨) ، فهذه هي المقدرات في السنة

__________________

(١) بيع المضطر هو من لا يؤمر بالبيع ولا يجبر عليه عكس المكره بل من يلجأ إليه لأمر آخر ، وإذا باع المضطر بالجوع أو العطش طعامه أو مائه فإنه يصح ويأثم ، وكذا من باع ثوبه ولا يجد ما يصلي فيه سواه ، أو باع ماءه ولا يجد ما يتوضأ به سواه ، فإنه به يأثم ويصح البيع مع تضيق وقت الصلاة وإلا فلا إثم ، لأن النهي هنا لأمر آخر. انظر : شرح الأزهار ٣ / ١٠.

(٢) بيع ما ليس عندك : أن تبيع السلعة ثم تشتريها بعد ذلك فتدفعها إلى الذي بعتها إياه.

(٣) الملامسة : بيع كان في الجاهلية يتساوم الرجلان في السلعة فأيهما لمس صاحبه وجب البيع ولم يكن له أن يرجع.

(٤) نبذ الحصاة : أن يتساوم الرجلان فأيهما ألقى حصاة فقد وجب البيع.

(٥) الموضحة : وهي ما أوضحت عظم الرأس ولم تهشمه.

(٦) الهاشمة : وهي ما تهشم العظم ولم تنقله.

(٧) المنقلة : وهي التي تنقل بعض عظام الرأس من مكان إلى آخر مع الانفصال ولو من أحد الجوانب.

(٨) الآمة : وهي ما تبلغ أم الرأس وهي جلدة رقيقة محيطة بالدماغ.

٣٦٢

الشريفة وفي سائرها بالسمحاق (١) ، حكم علي عليه‌السلام وهو عندنا من الأصول المتبعة ، وسائر الشجاج مقدرة على رأي الحاكم فيما تقضي به المشاهدة من سعتها وضيقها وتعبها وهونها ، ولا يمكن أن يوقف بذلك على حد ، وإن كان قد أمن أهل العلم من الناشرة فما خلفها إلى الآمة ، ولكنا لا نرى ذلك ، ولا نصوب الوقوف له على غاية لا يتجاوز جواز اختلاف الحال فيه ، وله مسلكان : إما تقديره بالتقريب والقياس على الشجاج التي ورد النص فيها ، وإما تقدير أن يكون المصاب عبدا ولم تنقصه تلك الإصابة من قيمته ، ثم تنقل القيمة إلى الدية ، والأول أوكد فيما نرى والله أعلم.

مسألة

في الأجير الخاص والمشترك هل يكون القول قولهم فيما تلف معهما ، أم عليهما البينة ، أم بينهما فرق؟

الجواب عن ذلك : أن القول قول الخاص مع يمينه إن اتهم ، والمشترك لا بد من البينة لأنه يحاول نقل الحكم من لزوم الضمان إلى غيره فلزمه البينة على ما يسقط عنه ما هو في حكم المستقر الثابت بخلاف الأول فلا ضمان عليه إلا بمثل ضمان المودع بالتعدي وما جرى مجراه.

مسألة

فيمن باع شيئا من غيره ثم ادعى بعد ذلك أنه وقف هل تقبل دعواه بعد إقراره أنه ليس بوقف أم لا؟ وهل تقبل دعوى الورثة إذا حكوا ببينة على أنه وقف قبل البيع أم لا تقبل؟

__________________

(١) السمحاق : وهي التي بلغت إلى جلدة رقيقة تلي العظم ولم تنته إلى العظم.

٣٦٣

الجواب عن ذلك : أن دعواه فيه بعد بيعه لا تصح ، وإنما تقبل دعوى سواه ؛ لأن دعواه تنافي بيعه فلا تصح الدعوى ، ودعوى الورثة صحيحة إذا قامت عليها بينة ، وإنما يدعي في ذلك الوارث لتعلق بعض حقوقه به ، أو المحتسب لأن مصيره لله ، وتقبل دعواهما على هذه الصورة فاعلم ذلك.

مسألة

في الأب إذا استشفع شيئا لولده الصغير ، وادعى بعد مدة أنه دفع الثمن من جهته على سبيل العارية هل تقبل دعواه من غير بينة أم لا؟ وهل يكون حكم ورثة الأب في ذلك حكمه أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن كلام الأب مقبول فيما ذكر في أمر ولده ، وله أن يرجع بقدر ما دفع على الولد ، ويصدق في ذلك من غير بينة لرفع التهمة عنه في باب الولد ، وأما ورثة الأب فلا يقبل قولهم إلا ببينة ويخالف حكمهم حكم الأب.

مسألة

فيمن طلّق امرأته ثلاثا بلفظ واحد ، أو بألفاظ تكرر من غير تخلل مراجعة بينهما ، وهو يعتقد أن ذلك يكون باينا ، ثم رجع عن هذا الاعتقاد إلى القول بأن ذلك يكون رجعيا ، هل يحل له مراجعتها من غير زوج أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن اعتقاده أن ذلك يكون ثلاثا لا يؤثر في ثبوت الحكم ولا زواله ، فإن تغير اجتهاده في أصل المسألة إن كان من أهل الاجتهاد أو في تقليد الأئمة إن كان من المقلدين جاز له مراجعتها من غير زوج ؛ فإن أراد

٣٦٤

الخروج من مذهبه الأول إلى هذا المذهب الثاني ليرجع إليه من غير أن يتقوى عنده ما ذكرنا لم يجز له ذلك ، ولا يبعد انسلاخه من الدين لهذا القدر ، فنسأل الله الثبات في الأمر.

مسألة

فيما يحل من صيد البحر وما يحرم؟ وما الفرق بين السمك وما ليس بسمك؟

الجواب عن ذلك : أن عندنا صيد البحر حلال ، وإنما نكره ما شابه المحرم البري ، كالكلب والخنزير ، والهوام كالأفاعي ، والحيات ، والعقارب ، وما الفرق بين السمك وغيره؟ فقيل بالفلوس وعدمها وذلك عندنا لا تأثير له إلا بنفر نفوس الأكثر من صيده لحق بالخبائث ، وحرم لهذا السبب.

مسألة

في بيض ما لا يؤكل لحمه هل يحل أم لا؟ وما الفرق بينه وبين شعره ووبره؟

الجواب عن ذلك : أن بيض ما لا يؤكل لحمه لا يحل أكله ؛ لأنه من الخبائث عند أهل اللسان المخاطبين بتحريمه ، ولأنه أصل الحيوان ، فكيف يحل ويحرم فرعه ، وقياسه على الشعر والوبر لا يطرد لأن ذلك طاهر في الأصل غير محرم فلا تجمعهما علة.

٣٦٥

مسألة

في لبن ما لا يؤكل لحمه هل يحل أم لا؟ وهل هو طاهر أو نجس؟

الجواب عن ذلك : أنه طاهر ولا يحل أكله لا لأجل نجاسته وإنما هو من الخبائث عند العرب ، وقد ورد تحريم الخبائث عليهم ، وهو طاهر لأنه لا يؤلم الحيوان انفصاله ، فجرى مجرى العرق وما جرى مجراه.

مسألة

في اليربوع هل يحل أكله أم يحرم؟

الجواب عن ذلك : أنا لا نرى أكله لأنه من الهوام ، وهو شبيه بالمحرم ولم يرد فيه أثر.

مسألة

في العوام الذين لا يعرفون الطهارة ، ولا يتحرزون من الأنجاس لجهلهم ، وقلة مبالاتها كيف يجوز مخالطتهم مع العلم بما ذكرنا منهم أو غلبة الظن بذلك؟

الجواب عن ذلك : أن الظاهر من أهل الشهادتين أن رطوبتهم غير متنجسة بين المسلمين ، ولا ورد الشرع بذلك ، والجهل بالأنجاس وقلة الاحتراز في المشاهدة من النجاسات لا يبلغ حال العوام فيها إلى حال البهائم في ترك الاحتراز ، وقد ثبت في شرع الإسلام جواز ترك الاحتراز أسآرها ، وكذلك السباع خلا الكلب والخنزير ، فهذا من حكمها.

٣٦٦

وروى محمد بن منصور في علوم آل محمد صلوات الله عليه وعليهم أن زيد بن عليعليه‌السلام كان يتوضأ ويشرب من سور بغله ، وكذلك حديث الهر وأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصغي لها الإناء (١) ، ولما سئل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الحياض بين مكة والمدينة تردها السباع فقال : «لها ما حملت في بطونها ، وباقيه لنا طهور» (٢) وأقل أحوال العاقل المميز ممن قد عرف الإسلام ، وفشى فيه أمره أن يكون احترز من هذه البهائم والسباع ، ولا يكون للظن فيما هذا حاله حكم ، فإن عاين الإنسان نجسا لزمه الاحتراز منه ، وإن لم يعاين سقط ، حكم غلبة الظن هاهنا لأن الأصل الطهارة ، فلا يزول الحكم إلا بيقين.

مسألة

في الأرض التي يقع في موضع منها نجس ، ثم يلتبس ذلك الموضع بغيره ، كيف يكون الحكم في ذلك ؛ هل يجب تجنبها جميعا ، أم يسقط حكم ذلك النجس ، أم يجب التحري في ذلك والعمل بمقتضاه ، وإذا لم يمكن التحري واستوى عنده الجميع ما الواجب؟ وهل بين أن تكون الأرض كثيرة أو قليلة فرق في ذلك أم لا فرق بينها؟

الجواب عن ذلك : أن النجاسة لا تخلو إما أن تعم نصف الأرض التي وقع

__________________

(١) أخرجه أحمد بن حنبل ٥ / ٢٩٦ : أن أبا قتادة كان يصغي الإناء للهر فيشرب ، وقال : إن رسول الله حدّثنا : أنها ليست بنجس. إنها من الطوافات عليكم. وهو في (كنز العمال) بلفظ : «كان يصغي للهرة الإناء فتشرب ثم يتوضأ بفضلها» وعزاه إلى الطبراني في (الأوسط) عن عائشة ، وبلفظ : «كان يصغي إلى الهر الإناء» عزته الموسوعة إلى الدار قطني ١ / ٧٠ ، وبلفظ : «كان يصغي لها الإناء» عزاه إلى حلية الأولياء ٩ / ٣٠٨ ، وانظر موسوعة أطراف الحديث ٦ / ٢٦٨.

(٢) حديث : لها ما حملت في بطونها / أخرجه ابن ماجة برقم (٥١٩) ، عن أبي سعيد الخدري : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سئل عن الحياض التي بين مكة والمدينة تردها السباع والكلاب والحمر ، وعن الطهارة منها؟ فقال : «لها ما حملت في بطونها ولنا ما غبر (بقي) طهور» ، وأخرجه عبد الرزاق في مسنده ولفظ رسول الله فيه : «لها ما حملت في بطونها ولنا ما بقي شراب وطهور» ، وهو في (موسوعة أطراف الحديث النبوي) ٦ / ٧٢٥ ، وعزاه إلى من سبق ، وإلى تفسير القرطبي ١٣ / ٤٥ ، ١٥ / ٢٣١ ، وذكره بألفاظ أخرى في مصادر أخر.

٣٦٧

فيها الإشكال ، أو تكون دون نصفها ؛ فإن عمت نصفها واشتبه النصفان والتبس أمرهما وجب تجنب تلك الأرض لاستواء الحظر والإباحة ، فغلب الحظر على الإباحة ، وإن كانت النجاسة أصابت دون النصف ، كان عليه التحري وتغليب الظن ، فإن استوى الحال ولم يجد جهة غيرها صلى في مقدار الثلث على أنه لا نجاسة فيه وجاز له ذلك وأجزأ ، ولكثرة الأرض تأثير في خفة الحكم ، وكذلك إن قلّت النجاسة بحيث لا يظهر أثرها بريح ولا لون ولا طعم ، بل يذهب ذلك في أثناء الأرض ؛ فإن حكم النجاسة يسقط لأن الأرض أحد الطهورين قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الماء لا ينجسه إلا ما غير لونه أو ريحه أو طعمه» فالتراب مقيس على الماء ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «جعلت لنا الأرض مسجدا وطهورا» (١) فاتفقا في الاسم والحكم ، فاستمر القياس ، وصحت العلة ، فتماثل الحكم ، فتفهّم ذلك موفقا.

مسألة

في القوم الذين يغيرون على غيرهم ظلما هل يجوز أخذ ما يجلبون به من المال أم لا يجوز من غير ولاية للمغار عليهم من قبل الإمام؟

__________________

(١) الحديث في نصب الراية ١ / ١٥٨ بهذا اللفظ. والأشهر فيه : «جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا» ، ذكره في (موسوعة أطراف الحديث النبوي) ٤ / ٤٩٨ ، وعزاه إلى البخاري ١ / ٩١ ، ١١٩ ، والترمذي ٣١٧ ، وأبو داود في الصلاة ب ٢٤ ، والنسائي ٢ / ٥٦ ، وابن ماجة ٥٦٧ ، وأحمد بن حنبل ١ / ٢٥٠ ، ٢ / ٢٤٠ ، ٢٥٠ ، ٤١٢ ، ٤٤٢ ، ٥٠١ ، ٥ / ١٤٥ ، والبيهقي ٢ / ٤٣٣ ، ٤٣٤ ، والطبراني ١١ / ٦١ ، ٧٣ ، ١٢ / ٤١٣ ، ومسند عبد الرزاق ٩٨ ، وكنز العمال برقم (٣١٩٠١) ، ومسند ابن أبي شيبة ٢ / ٤٠٢ ، وتمهيد ابن عبد البر ٥ / ٢٢٢ ، وفي تفسير الدر المنثور ٥ / ٧٣ ، ٢٣٧ ، ٢٤٠ ، وتفسير ابن كثير ٢ / ١١٢ ، ٢٨١ ، ٣ / ٤٨٩ ، ٤ / ٣٤ ، ٣٦٧ ، ٦ / ٥٠٦ ، ٥١٣ ، وفي تفسير القرطبي ٥ / ٢٣٧ ، ٨ / ٣٧٢ ، ١٠ / ٤٦ ، ٤٩ ، ١٦ / ٢١٧ ، ١٩ / ٢٠ ، وانظر موسوعة أطراف الحديث النبوي ٤ / ٤٩٨.

٣٦٨

الجواب عن ذلك : أن من أغار عليه الظالمون في وقت الإمام وغير وقته جاز له أخذ ما أجلبوا به عليه من كراع وسلاح ، وكان عليه الخمس ، وليس له أخذ ما وراء ذلك تضمينا لعدم الولاية فيصل المبيح الشرعي.

مسألة

فيمن يكون له نسوة زوجات هل يجوز له أن يعتزلهن في المبيت أصلا ، ومن أراد منهن أرسل لها ليقضي وطره منها ويردها أم لا يجوز له ذلك؟ وهل يجوز له أن يهجر زوجته ويبيت في غير بيتها على سبيل الأدب والاستصلاح أم لا يجوز له ذلك؟

الجواب عن ذلك : أنه يجوز له أن يعتزلهن إن أراد التأديب ، ولا يجوز له أن يأمر لواحدة دون سائرهن ؛ لأن ذلك حيف في الحكم وميل منع منه الشرع ، ويجوز له هجر امرأته للاستصلاح ويبيت في غير بيتها.

مسألة [في الإجماع]

في إجماع الأمة والعترة كيف يمكن معرفته مع كثرتها وتباعدها في البلدان ، وقلة النقلة عن العلماء ، وجواز السكوت من بعضهم ، وترك الإنكار خصوصا في مسائل الشرع؟

الجواب عن ذلك : أن التعبّد علينا بمعرفة حكم الإجماع ، فإن أمكنت معرفته فالحكم ما ذكر في أمر الإجماعين ، وإن تعذر ذلك فلا حكم ولا تعبد علينا وراء ذلك.

٣٦٩

مسألة [في اختلاف رواية أهل البيت]

في اختلاف أهل البيت عليهم‌السلام فيما يروونه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن علي عليه‌السلام هل ذلك من الرواة عنهم ، أم لأجل أن عليا عليه‌السلام روى الناسخ والمنسوخ ، أم لأي معنى؟

الجواب عن ذلك : أن أهل البيت عليهم‌السلام معدن هذا العلم ومحله ، وورثته وتراجمته ، ومثاله مثال قوم لهم معدن يستخرجون منه بقدر الآلة والقوة وتوفيق الله عزوجل ، وكل واحد يخرج غير ما أخرجه الأول وإن كان من جنسه وغير مخالف له في الجنسية دون العين ، وقد أخذوا العلم من الثقات المرتضين ، فلا يمتنع أن يحصل لواحد غير ما يحصل للآخر ، وإن كان من جنسه.

فأما علي عليه‌السلام فهو باب مدينة العلم ، تابوت سكينة الحكمة ، ومن علّمه الله على لسان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم العلوم والأحكام ، من جملة ذلك الناسخ والمنسوخ ، ولا شك أن كل إمام من أهل البيت عليهم‌السلام يعلم الناسخ والمنسوخ ، ولو لا ذلك لما صحت إمامة الأئمة منهم لأن العلم معتبر فيهم ، والعلم بالناسخ والمنسوخ من مهماته.

٣٧٠

[مسائل في التفسير]

مسألة في قوله تعالى : (فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) [التوبة : ٥٥].

الكلام في ذلك ومن الله نستمد التوفيق والمعونة : أن الله تعالى نهى نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يدخل في قلبه العجب بأموالهم وأولادهم ، فتعظم عنده حالهم وهو حقير عند الله ، ولا تعدل الدنيا عنده جناح بعوضة ، ولو لا ذلك لما سقى الكافر منها شربة ، فوجه الأمر في النهي إلى نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمراد أمته وذلك كثير في كتابه سبحانه ، وهذا في أمرالكفار تأسية لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) (١) [التوبة : ٥٥] ، وتعذيبه لهم في الدنيا بالأموال والأولاد إنما هو بهمّ حصول الأموال وحفظها بعد حصولها ، والحسرة عليها ، والأسف عند فواتها أو فوات شيء منها ، وكذلك فيما يقع على الأولاد من الأمراض والعوارض والموت ، فكل ذلك تعذيب فيما نعلمه ، ووقوع ذلك على وجه الانتقام ، كما طمس على أموال آل فرعون لا يقع فيه عوض ، فهو عذاب محض على الحقيقة لا تجبر مسرة حصوله مضرة ذهابه.

وقوله تعالى : (وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) [التوبة : ٥٥] ، تزهق تذهب وتبطل ،

__________________

(١) في الأصل : (إنما يريد الله ليعذبهم بها في الدنيا والآخرة) وهو خطأ أو لعلها حكاية من المؤلف ولم يقصد بها الآية.

٣٧١

والكافرون المعطلون لنعم الله تعالى بالجحدان والعصيان ، فهذا ما توجه عندنا في معنى هذه الآية ، ومن الله نستمد التوفيق.

مسألة قوله : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ) [النساء : ٣٣] ، فما معنى الموالي هاهنا والذين عاقدت الأيمان منهم؟

الجواب عن ذلك : أن المولى في أصل اللغة ابن العم ، والقريب ، والناصر ، والحليف ، والأولى ، والمالك للتصرف ، والمعتق ، والمعتق ؛ والموالي فيما ترك الوالدان هم بنو العم ، ومما ترك الأقربون الناصرون ، والذين عاقدت أيمانكم موالي أيضا بالحلف ، وكانوا يتوارثون بالحلف بالجاهلية وصدرا من الإسلام ، ثم نسخ الله ذلك بآيات المواريث للعصبات ، وذوي السهام ، وذوي الأرحام.

مسألة قوله تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) [النساء : ٩٢] ، هل إلا هنا بمعنى ولا ، فكيف يصح أن يقال فيه : له أن يفعله أو ليس له أن يفعله ، وإن كانت إلا حرف استثناء فكيف يصح الاستثناء لشيء لم يدخل تحت المستثنى منه ، وما معنى قوله في آخر الآية (تَوْبَةً مِنَ اللهِ)؟

الكلام في ذلك ومن الله نستمد التوفيق والمعونة : أن الله تعالى أخبرنا بمصالح ديننا ومراشد أمرنا ، وبيّن لنا الأحكام ، وبيّن الحلال من الحرام فقال تعالى : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً) ، فنفى جواز قتل المؤمن ، وأكد حرمته من المؤمن لاشتراكهما في الإيمان والأخوة الدينية ، وإن كان الكافر لا يجوز له قتل المؤمن أيضا ، وإنما خص المؤمن بالذكر ليعظم حرمة الإيمان العاصمة لمن عقلها عن ارتكاب العظائم ، واقتراف المآثم ، ثم قال تعالى: (إِلَّا خَطَأً) فاستثنى من القتل لا من الجواز ، ومعلوم أن المؤمن قد يقتل المؤمن خطأ وهما في حالة

٣٧٢

الإيمان على سواء فالاستثناء مما يمكن وقوعه ، ومعلوم أن ذلك لا يمتنع ولا يستحيل ، بل قد وقع وقد أخرج الاستثناء بعض ما يصح لأن القتل على نوعين ، فحظر على المؤمن أحدهما ، وعقبه بالوعيد ، وجرى الثاني مجرى المباح لخروجه عن باب التكليف لأن الله تعالى [لا] يجوز أن يكلف عبده ما لا يعلم لأن ذلك قبيح ، والله لا يفعل ، ووكده تعالى بالتوبة في آخر الآية قابل به توبة العبد ، فحد اللفظ باللفظ ، وأصل التوبة الرجوع ، ثم صار بالعرف رجوعا مخصوصا ، ثم نقله الشرع الشريف على مقتضى الأصول غى الندم على ما ارتكب من المعاصي ، والعزم أن لا يعود إليها لأجل قبحها ، وهي من منّ الله على من تاب ، وفي القرآن الكريم : (إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) [الحجرات : ١٢] ، وقوله تعالى : (ثُمَّ تابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا) [التوبة : ١١٨] ، رجع إليهم ليرجعوا ، وقوله : توبة والله أعلم : رجعة.

مسألة في تفسير الأكنة على القلوب ، والوقر في الآذان ، وكيف يصح أن يجعل الله مع ذلك عقوبة في حال التكليف إن كان المراد به ذلك؟

الكلام في ذلك : أن الله تعالى شبّه حالهم بحال من لا يعقل ولا يسمع ، فصارت القلوب كأنها في أكنة ، والآذان كأنها موقورة ، والجعل هاهنا بمعنى الحكم ، وعلى وجه آخر أنهم ـ أعني المشركين ـ كانوا قد تعاهدوا في بعض أوقاتهم على أنهم إن سمعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقرأ أنزلوا به مضرة وشرا ، فكان سماعهم للقرآن والحال هذه مفسدة في علم الله سبحانه وتعالى ، فجعل الوقر في آذانهم ، والأكنة على قلوبهم في تلك الحال دون غيرها ، وحكى تعالى ما كان.

وأما قوله : كيف تكون العقوبة مع بقاء التكليف؟ فالعقوبة تستحق من يأتي الفعل ، وإنما لا تستمر العقوبة لأنها تزيل حكم التكليف لوقوع الإلجاء

٣٧٣

بتعجيل المضرة ، فأما ما ينقطع فلا يؤثر في زوال التكليف ، لأن الله تعالى يقول في أهل النار : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) [الأنعام : ٢٨] ، فكيف ينفصل عن قريب ، فلا يمتنع حصول العقوبة مع بقاء التكليف كما فعل في آل فرعون بالطمس على أموالهم إلى جميع أنواع الرجز التي أنزلها عليهم ، فلا يمتنع كون بعضها عقوبة ، وفي بعض أوقاتها ، ولبعض المكلفين دون البعض ، وقد سمّاه الله رجزا وأقرهم عليه ، والرجز : هو العقاب دون المحنة في لسان الشريعة النبوية.

مسألة في قوله تعالى : (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ ...) [البقرة : ١٠٢] ، إلى آخر القصة ما الصحيح عند أهل البيت عليهم‌السلام في ذلك؟

الكلام في ذلك : أن الصحيح عندنا إنما جرت نفي لما حكى الناس في قصة الملكين ببابل ، وكذلك ما بعده إلى نهاية الآيتين ، وكذلك ما حكى من تعلمهم منهما إنما حكاية عنهم ما رووه عن العوام ليقبلوا منهم إفكهم الذي أفكوه ، وكذلك أرباب الضلالة يسندون ضلالتهم إلى الأنبياء عليهم‌السلام وإلى الصالحين ، ولو لا ذلك لما قبلها الأغمار والجهّال ، لأن الله تعالى قد أخبرنا بعصمة الملائكة عموما ولم يستثن أحدا ، وقوله الحق وخبره الصدق.

ومن ضلالتهم أنهم حكوا أن الفرق لا يكون بين الزوجين إلا بإذن الله وهذا ظاهر ، فكيف يرضاه الله عزوجل ، أو يأذن فيه ، فهذا الذي علمناه من سلفنا عليهم‌السلام وإن كانت الألفاظ تختلف ولكنه يعود إلى ما قلنا ، فهذا ما عندنا في ذلك ، وجعلناه إشارة تدل على ما جانسه.

٣٧٤

مسألة قوله تعالى : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ...) الآية [آل عمران : ٢٦].

الكلام في ذلك ومن الله نستمد التوفيق : أن الله تعالى مالك الملك على الحقيقة ، إذ هو الغني الذي لا يفتقر ، والعادل الذي لا يجوز عليه العجز ولا يغلبه غالب ، ولا يفوته هارب ؛ وهذا هو الملك على الحقيقة ، فهو مالك الملك ، يؤتي الملك من يشاء بالحكم والأمر إن كان محقا ، وبالتخلية والتمكين وتهيئة الأسباب إن كان مبطلا لتكمل عليه الحجة ، ويطالبه بموجب شكر النعمة ، فإن عمل بالملك بما أمره أعطاه خير الدنيا وثواب الآخرة ، وإن خالف ذلك أنزل به عقوبة الكافرين في الدنيا والآخرة أو في الآخرة ، ولا يمتنع ذلك في الحكمة ، ولا تلحقه بالجور ، إذ الباري سبحانه قد أعطى الكفار ابتداء ما يمثل لك الدنيا جميعا لو خيّره أهل العقول من العاقبة والجوارح السليمة ، والعقل الذي به كمال النعمة ؛ فإذا جاز فعل ذلك لمن لا يستحقه لتكمل عليه الحجة ، فإضافة ما هو دونه إليه لا مانع منه في الحكمة لمثل ذلك ؛ ولأنّا قد شاهدنا الملك منتظم لإنسان دون إنسان ممن طلبه ، وربما أن المحروم أحرم وأكمل ممن ناله وأدركه بمساعدة المقادير وتهيئة الأسباب.

والكلام في قوله تعالى ولا حول ولا قوة إلا بالله : (تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ) على نحو ذلك ، ومعناه ظاهر جعل بعض خلقه ملكا ، وبعضهم سوقة ، وبعضهم مالكا ، وبعضهم مملوكا ، وبعضها ذكرا في موضع العزة والتصرف ، وبعضهم أنثى في موضع الذلة والانقياد ، وكل هذا لحكمة ومصلحة تعود على العباد ؛ فأراد سبحانه من الغني والملك والعزيز الشكر ، وأراد من الرعية والفقير والضعيف الصبر والشكر ، تكليف وتعبّد يعود نفعه على العبد ؛ لأن التكليف نصفان نصف صبر ، ونصف شكر ؛ والصبر أفضلهما فهذا ما يتوجه عندنا في معنى هذه الآية ، والله أعلم.

٣٧٥

مسألة قوله تعالى : (وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) [يونس : ٨٨] ، كيف يجوز للنبي أن يدعو بذلك ، وكيف يجوز من الله سبحانه وتعالى أن يجيب من دعاه بذلك؟

الكلام في ذلك : أن الدعوة لم تقع إلا على من علم الله سبحانه أنه لا لطف له ولا رجعة ، فدعا النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بما هو الواجب عقوبة من الله تعالى ، وأما إجابة الباري فهو أجاب فيما يفعله تعالى ، والإجابة تكريما وتشريفا ، كما تشفع الملائكة فيمن ارتضاه لزيادة المنازل ورفع الدرجات فهو تعالى لم يجب إلا فيما يجوز أن يفعله ، ويلزم في الحكمة فعله من تعذيب عذابه لأنه لو لم يعذبهم لكان ذلك إغراء بالمعاصي ولما يتميز الولي من العدو ، ولكان تمكينا للظالمين من الظلم الذي لم يقع في مقابلته الجزاء ظلم ، والله يتعالى عن ذلك كله.

مسألة في قوله تعالى : (وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ) [الأنفال : ٤٤] ، كيف يصح رؤية البعض دون البعض والحال واحدة؟

الكلام في ذلك : أن الله تعالى صرف الشعاع عن بعض المقاتلين ، ولم يصرفه عن بعضهم ، وصورة الحال فيه أن يجعل بين المقابل وبين الناظر حائلا لطيفا على حد ما يمنع نفوذ البصر ويجلي جهة من يريد إدراكه ، وقولنا للمجبرة والمشبهة ومن يثبت الرؤية لا يجوز أن يكون على أيدينا ولا نراه بشرط ارتفاع الموانع ، وهم لا يثبتون بيننا وبين الباري تعالى لأن ذلك يوجب كونه جسما ، وهم لا يتجاسرون على إطلاق ذلك وإن كان يلزمهم.

مسألة في قوله تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ) [هود : ١٥] ، ما الذي يوفيهم إن كان جزاء أعمالهم الصالحة ، فكيف يوفيهم إياه وهو منحط ، ولأن الثواب يستحق خالصا على

٣٧٦

جهة الإجلال والتعظيم على سبيل الدوام ؛ وهذا لا يصح في حال التكليف؟

الكلام في ذلك : أن المراد بالأعمال هاهنا ما يكون في مقابلته العوض ، ووصوله يصح إلى من يستحق الإجلال ومن لا يستحقه ؛ لأن حد العوض النفع المستحق لا على جهة الإجلال والتعظيم ؛ فمن أراد ذلك ولم يكن له في الآخرة نصيب جاز أن يوفيه الباري تعالى ما يستحق من ذلك لأنه محدود خلاف الثواب فإنه لا نهاية له ، ويقارنه الإجلال والتعظيم. والبخس هو النقص ولا يجوز أن يبخس سبحانه أحدا من ما يستحقه ، لأنه واجب العدل لحكمته ، ويجوز أن يوفيه تعالى العوض في حال التكليف لأنه بمنزلة أروش الجنايات ، وقيم المستهلكات فخالف الثواب.

مسألة [في دعاء الصحيفة وصلاة التسبيح]

فيما روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في دعاء الصحيفة من أن من دعا به كان له من الثواب مثل ثواب أربعة من الملائكة ، وأربعة من الأنبياء صلوات الله عليهم مع أنه قد ثبت أن ثواب النبي لا يساويه ثواب من ليس بنبي فضلا عن أربعة أملاك وأربعة أنبياء ، وكذلك ما روي في صلاة التسبيح (١) من غفران الذنوب

__________________

(١) في (الجامع الكافي) قال محمد : صلاة التسبيح أربع موصولة لا يسلم إلا في آخرهنّ. وجائز أن يصليهنّ بالليل والنهار ما لم يكن وقت نهي عن الصلاة فيه. قال : «روي عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال لعمه العباس ولجعفر بن أبي طالب ـ رضي الله عنهم ـ في صلاة التسبيح : وهي أن تقرأ فاتحة الكتاب وسورة معها ثم تسبح خمس عشرة مرة سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، ثم تركع وتسبح بها عشرا ، وإذا رفع رأسه من الركوع عشرا ، وإذا سجد عشرا ، وإذا رفع رأسه من السجود عشرا ، وإذا سجد الثانية : عشرا ، وإذا رفع من السجود عشرا فيكون ذلك خمسا وسبعين في كل ركعة. قال : وقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فلو كانت ذنوبك مثل عدد نجوم السماء ، وعدد قطر الماء ، وعدد أيام الدنيا ، وعدد رمل عالج لغفرها الله لك. تصليها في كل يوم مرة واحدة ، قال العباس ـ رحمه‌الله تعالى : ومن يطيق ذلك يا رسول الله؟ قال : فصلها كل يوم جمعة ، قال : ومن يطيق ذلك؟ قال : فصلّها في كل شهر مرة ، قال : ومن يطيق ذلك يا رسول الله؟ حتى قال : فصلها في عمرك مرة واحدة» ، وهذا الخبر في كتاب (الذكر) لمحمد بن منصور المرادي ـ رحمه‌الله تعالى ـ باختلاف يسير في اللفظ من زيادة ونقص وتقديم الحمد لله على سبحان الله. انظر الاعتصام ٢ / ١٠٣ ، ١٠٤ تجد أحاديث أخرى.

٣٧٧

وإن كانت مثل زبد البحر ، ورمل عالج إن كان من غير توبة فكيف يصح ذلك؟ والكبيرة لا يساوى عقابها شيء من الطاعات في ذلك ، وإن كان مع التوبة فالمسقط للعقاب التوبة دون الصلاة المذكورة ، ولا يصح حمل ذلك على أنه أراد به أن ثواب هذه الصلاة المذكورة تكفر الصغائر ، وإن كان عقابها بهذه الصفة لأن الصغائر لا يبلغ عقابها عدد الرمل وزبد البحر ، وكذلك ما شاكل ما ذكرنا من الأخبار المروية في قراءة القرآن ، والعبادات التي لا يتسع إيرادها؟

الجواب عن ذلك : أن الكلام في الحديث الأول أنه يكون للداعي في دعاء الصحيفة ثواب أربعة أملاك ، وأربعة أنبياء المراد بذلك جنس ثوابهم ، والجنس يعبر عنه بالجملة يقال : هذا رأي فلان ، وإن كان رأي آخر إذا جانسه ؛ وتجانس الثواب لا يوجب المماثلة ، ويكون هذا لمن دعا بذلك الدعاء لعلم الله سبحانه أنه يستحقه ، وإلا فالمتقرر عندنا أن الأنبياءعليهم‌السلام أفضل من سائر البشر ، وأن الملائكة عليهم‌السلام أفضل من الأنبياء لما خصّهم الله به من العصمة من الصغائر ، فكان لهم مزية على الأنبياء عليهم‌السلام.

وأما ما سأل من معنى قوله في ثواب صلاة التسبيح أنه يكفر الذنوب ولو كانت مثل زبد البحر ورمل عالج ؛ وهذا خبر صحيح ومعنى مستقيم ؛ لأن زبد البحر ورمل عالج معلوم الأجزاء عند الله عزوجل ، محصور الوزن والعدد في علمه سبحانه ، وإن بعد ذلك عندنا لقصور علمنا وقدرتنا ، وثواب هذه الصلاة لا ينحصر عدده ، ولا ينقضي أمده ، وعندنا أن الطاعة لا تسقط حتى يسقط قدرها ، ومعنى الإحباط عندنا أن الكبيرة تستوعب أجزاء الطاعات ، ويبقى منها فضلة عقاب ، وكذلك التوبة لأنّا ما نعلم في الطاعات كبيرة سواها ، وكبائر المعاصي كثيرة لا تنحصر ؛ فلا بد ثواب صلاة التسبيح تسقط مثل زبد البحر ورمل عالج من المعاصي وهي أكثر من هذا ؛ لأن عقاب

٣٧٨

المعاصي لا نهاية له ، ولا يكون أكثر منه شيء ، وكلما انتهت إليه الإشارة فله نهاية ، فتفهم ذلك موفقا ، وما جاء من الحديث الأول في معنى ثواب من دعا بدعاء الصحيفة ، وما يوجد في كتاب (الذكر) (١) من قراءة القرآن أو التسبيح أو الدعاء حمل على معنى ذلك الذي ذكرناه في تفسيره ، وأن المراد به الجنس لا القدر لأن ذلك لا يستقيم على الأدلة.

مسألة [في الصحابة الذين تقدموا على علي عليه‌السلام]

في الصحابة الذين تقدموا على علي عليه‌السلام ومن تبعهم وتابعهم ، كيف تجوز الترضية عنهم ، وقد عدلوا عمن صحت إمامته عندهم ، لأن الأدلة على إمامته عليه‌السلام كانت معلومة لهم ضرورة ، فإن قال القائل : وإنهم وإن علموا الأدلة فإنهم لم يعلموا كونها أدلة.

قلنا : عن هذا جوابان : أحدهما : أن تركهم للنظر فيها يكون معصية.

والثاني : أنهم كانوا أعلم بمقاصد الكلام ومعانيه من أهل هذا الزمان ، فكيف يصح أن يقال : بأنهم لم يعرفوا كونها أدلة فمعنى هذه الأمور ، كيف تجوز الترضية عليهم ، بل لو قالوا بلعنهم وسبهم والبراءة منهم لكان أسعد

__________________

(١) للإمام محمد بن منصور المرادي [١٥٠ ـ ٢٩٠ ه‍] طبع في ٤٩٢ صفحة ، بتحقيق محمد يحيى سالم عزان سنة ١٤١٧ ه‍ : وهو كتاب في الذكر ودوره في إعداد النفس وتربيتها ، في الكتاب حشد كثير من الآيات والأحاديث وكلام الأنبياء والصالحين ليؤكد على أهمية ملازمة الذكر ، كونه من أعظم وسائل القرب من الله.

ويعتبر الكتاب من أقدم ما جمع في بابه ، إن لم يكن الأقدم على الإطلاق ، قال محققه : بحثت فيما لديّ من المراجع والفهارس فلم أجد تحت هذا العنوان ، إلا كتابين تقدماه ، أحدهما لعبد الله بن محمد أبي الدنيا (٢٠٨ ـ ٢٨١ ه‍) ، والثاني لعبد العزيز بن أحمد الجلودي المتوفى سنة ٢٦٧ ه‍ ، يحتوي الكتاب على ٥٣٦ نصا ما بين حديث وأثر وحكاية ، رواه مؤلفه من طريق أكثر من ٧٥ شيخا ، وهو عبارة عن جامع للأذكار وفضائلها ، وما يتعلق بها مثل آداب الدعاء ، والإخلاص ، والتقوى ، واليقين ، ونحو ذلك.

٣٧٩

حالا ممن يترضى عنهم ؛ لأنهم طردوا بنت نبيهم عن مالها ، وأخرجوها من بيتها ، وأرادوا يخربون بيتها ، وقتل بعلها ، وكان تقدمهم أول خلاف جرى في الإسلام ، وهو سبب قتل أهل البيت عليهم‌السلام وطردهم ، وأخذ حقهم إلى الآن ، وبعد فقد ثبت أن من امتنع عن إجابة داعي أهل البيت كبّه الله على منخريه في النار ، فمن قاتله فهو أكثر ذنبا وأعظم جرما ، وقد علمنا أن عليا عليه‌السلام لو أراد أخذ الأمر دونهم لحاربوه على ذلك ، وأيضا فإنهم أمروا بمودة أهل البيت فلم يفعلوا ذلك لما ظهر من رفضهم لهم ، وقلة احتفالهم بهم ، وهو يقتضي زوال المودة ، بل ربما دل على البغض رفضهم لعلي وأخذهم الأمر دونه ، والاستئثار عليه بحقه ، وأحداث عثمان كثيرة جمّة ، وتفصيل ما جرى منهم يتعذر إحصاؤه في هذا الموضع ، ولكن الإشارة إلى جملة تكفي.

الجواب عن ذلك : أن الصحابة عندنا أفضل الأمة بعد الأئمة عليهم‌السلام قبل إحداثهم ، وبعد الإحداث لنا أئمة نرجع إليهم في أمور ديننا ، ونقدم حيث أقدموا ، ونحجم حيث أحجموا ، وهم علي وولداه عليهم أفضل السلام والحادث عليهم وعصيانهم ولم نعلم من أحد منهم أنه سبّ أحدا من الصحابة ولا لعنه ولا شتمه ، لا في مدة حياتهم ، ولا بعد وفاتهم ، فالذي تقرر عندنا أن عليا عليه‌السلام أفضل الأمة بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وولديه أفضلهم بعد علي عليه‌السلام لما ظهر فيهم من الأدلة عن الله سبحانه وعن رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمتقدم عليهم من أبي بكر وعمر وعثمان نقول بتخطئتهم ومعصيتهم لترك الاستدلال على علي عليه‌السلام بالنصوص الواردة عن الله سبحانه وعن رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إمامته.

٣٨٠