مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ٢

المنصور بالله عبدالله بن حمزة

مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ٢

المؤلف:

المنصور بالله عبدالله بن حمزة


المحقق: عبدالسلام بن عباس الوجيه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦٥
الجزء ١ الجزء ٢

إلا أنهم يعلمون أن لهم قسط ، ولا يعلمون كميته جاز لهم الصلح بينهم وبين والي المسجد ، ويجوز حينئذ للوالي بأخذ النصيب للمسجد ، ويجوز لهم أخذ المال ، والغلة لازمة لمن كان المال في يده ، إن كان بإجارة صحيحة عمله أو خلاه إذا كانت التخلية ، وإن كانت التخلية لغير عذر مثله يفسخ الإجارة ، وإن كانت الإجارة فاسدة لم يلزمه إلا الأجرة مدة شغله ، فهذا ما تأتى في أجوبة المسائل على التباسها وإضلال ألفاظها والله الهادي.

مسألة [في الماء المغصوب]

في رجل أمر غيره أن يسقي له زرعا بماء مغصوب على أيهما يجب الضمان؟

الجواب : يجب الضمان على كل واحد منهما قيمة الماء على الساقي لاغتصابه الماء ، وعلى الآمر لانتفاعه به ، فإن سلم صاحب الزرع قيمة الماء برء المأمور إلا من الإثم فتلزمه التوبة ، وإن سلم المأمور القيمة رجع على الآمر الذي هو صاحب الزرع بما سلم ، فإن كان الماء لقوم لا تقع الإحاطة بمعرفتهم عادت القيمة إلى بيت المال.

مسألة [في القسمة]

في رجل أمر بقسمة مال على أهل بلد فقسّمه عليهم ، وبقي منه شيء لا ينقسم عليهم لكثرتهم فأخذه وهو من أهل البلد جاز له أخذه وإن لم يكن من أهل البلد وصرفه إلى بعضهم أجزأه.

٣٤١

مسألة [في اغتصاب الأرض]

في رجل اغتصب أرضا ثم تخلى عنها؟

الجواب : أن كانت تخليته إلى صاحبها لم يلزمه إلا كرا رقبتها مدة اغتصابه لها ، وإن تخلى عنها لا إلى صاحبها ولم يسلمها كان ضامنا ، وإن كان غير متمكن إلا أنه تخلى عنها وأبى الظالم فاغتصبها لم يجب عليه إلا الكرى مدة إقامتها في يده.

مسألة [في اغتصاب الطعام]

في رجل اغتصب طعاما ، ثم خلطه على طعام آخر من جنسه ، ثم ذرى به أرضه؟

[الجواب] : يجب أن يرد ما اغتصب إلى صاحبه ويملك الغلة ، ويجب عليه أن يتصدق بحصة ذلك المغتصب من الغلة لأنه ملكه من وجه محظور.

٣٤٢

مسائل أخرى [في مواضيع متفرقة]

بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلّى الله على سيدنا محمّد وآله وسلّم

سأل الإخوان أيدهم الله بتوفيقه في رجل يعلم من حاله ويغلب على الظن أن عليه من المظالم والزكوات ما يستغرق جميع ماله ، ثم حبس في مرضه الذي توفي فيه قطعة أرض تخرج عنه ثمرتها ومنافعها هل يصح هذا التحبيس أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن من علم من حاله استغراق المظالم والحقوق لماله فإن يحتبسه يصح لأن الحقوق والمظالم تعلق بذمته ، ثم تسقط إلى المال بعد الموت فإذا أخرج في حال حياته فهو أخرج من ملك صحيح ، وحبس بقعة من الأرض لمظالم ثابت ، وبه جرت أحكام السلف وفتاويهم.

مسألة [في العمرى]

قالوا أيّدهم الله : في رجل أعمر آخر عمرى مقيدة زرعا ونخلا وأعنابا هل تجب الزكاة على صاحب المال أم على المعمر؟

الجواب عن ذلك : أن الزكاة تجب على المعمر لأنه قد ملك الثمار إن كان حصولها في مدة القيد ، ولا اعتبار في وجوب الزكاة تملك رقبة الأرض لأنها

٣٤٣

تجب على الزارع وعلى الأبر ، ولا يضمها مالك الأرض إلى ماله ليزكيه لأن الزكاة قد لزمت من ملك الثمرة ، إذ هي حق يتعين فيها لا في رقبة الأرض.

مسألة [في الوصية]

في رجل أوصى لرجل آخر بحضرة شاهد أو شاهدين وهو غائب والشهود أيضا ، ثم طلب الورثة يمينه كيف يحلف؟ وهل يجوز له أن يحلف والحال هذه أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن شاهده أو شاهديه متى أخبروه بما علموه من حال الموصي راجع نفسه ، فإن حصل له العلم بصحة ما قالوا جازت له اليمين قطعا لأن عندنا يجوز أن يحصل العلم بخبر الواحد والاثنين وتختلف الحال في ذلك لأنه أعني العلم من فعل الله ، فجرى مجرى الذكر كما يعلم أن من الناس من يحفظ من شرف وشرفين (١) في الدراسة ، ومنهم من ينتهي إلى عدد كثير فيختلف والحال هذه قطعا ، وإن لم يحصل له العلم لم يجز له اليمين على القطع لأنه يحلف على علم ما لم يعلم وذلك لا يجوز ، وإن حصل له غالب الظن دون العلم ، وقلنا : إن اليمين تجب بأن شاهدي ما شهد فيما علمت إلا بالحق ، وكانت يمينه بمنزلة يمين الوارث ، والطريقة الجامعة بينهما أن الموصى له استفاد المال من جهة الغير كما كان ذلك في الوارث فلا يمتنع أن اليمين تلزم على هذه الصورة فيما هذا حاله ، والمسألة تحتمل النظر ، والشغل يعذر عنه ، فنسأل الله التوفيق.

__________________

(١) الشرف : القراءة للمرة الواحدة ، والشرفين قراءة الدرس مرتين.

٣٤٤

مسألة [في الدعاوى]

في رجل ادّعى عليه غيره حقا فاستحلفه المدعي بأمر الحاكم ، ثم أتى المدعي بشاهد واحد هل يحلف مع شاهده وتبطل يمين المنكر ، أم لا تبطل يمينه إلا بشاهدين؟

الجواب عن ذلك وبالله التوفيق : أن الشاهد الواحد مع اليمين يقوم مقام الشاهدين ، فمتى أتى بشاهد عدل وحلف معه فيمين المنكر لا حكم لها لأنها نوع من الإثم ، فقد ركبه بالإنكار ، فيمينه كالتأكيد لإنكاره ، وقد وصل المدعي إلى حقه بشاهده ويمينه.

مسألة

في رجل له مال بين أموال لقوم وكان صاحب المال يمر بين الأموال التي للقوم إلى ماله مدة من الزمان ، ثم أرادوا منعه من المرور هل لهم منعه من ذلك أم لا؟ وإذا جاء بشهود على الطريق هل يشهدون على أنها حق ، أو يشهدون على مجرد المرور فقط؟

الجواب عن ذلك : أن مال المسئول عنه إن كان لا طريق إليه إلا في أموال هؤلاء القوم وقامت الشهادة بمروره في الأموال هذه ولم يقع إنكار من أهل الأملاك ، ثم حاولوا ذلك فيما بعد ، لم يكن لهم إذا قامت الشهود بذلك أو ظهرت فيه الشهرة بأنا نفرق بين الطريق والملك في هذا لأن الطريق لها شبه بما لا يتمحض فيه الملك فكأنها لله سبحانه فجرت مجرى الأوقاف والوصايا ، وشهادتهم بمجرد المرور تكفي في استحقاق ذلك ، وأن لا يمنعه أهل الأملاك منه ولأن منعه من الضرار في الإسلام ، ولا ضرر ولا ضرار ؛ ولأن عادة

٣٤٥

المسلمين جارية بذلك ، وأن لا يمنع منه صاحبه ولو لا ذلك لما وصل كثير من الناس إلى ماله ؛ فأما إن شهد الشهود بأن ذلك له حق فلا كلام فيه.

مسألة

وإذا كان مروره في موضع غير معمور بين أموال القوم ، وادعى أن له طريقا ، وادعى أهل الأموال أنه حرم لأموالهم أيهم يكون أولى بذلك إذا لم يكن لواحد منهم بينة؟

الجواب عن ذلك : أن المرور إن كان ظاهرا مشتهرا أو قامت به بينة صحيحة بأن له المرور ، لم يكن لهم منعه ، وإن كان مسقى لأموالهم كان لهم مسقى وله طريقا ، ولم يكن لهم منعه من المرور ولا له منعهم من المسقى ، وكذلك إن كان مشربا لبهائمهم أو غيطانهم كان ذلك لهم ، ومحض القول فيما هذا حاله يكون بالشهادة في الأمور التي يقرب حالها من حال المباحات بالصحاري وما جانسها ؛ فإن كان موضعا دائرا وفيه أساس الإعلام والعمارة كان حكمه حكم أملاكهم في أن له ملكا ولكنه غير معين فرجع إلى بيت المال ، إلا أن يقيم بعضهم أو كلهم البينة على أنه ملك له ، أو لهم الحق من ملكه ، وكان لمن يمر فيه الاستطراق لا غير.

مسألة

وإذا أقرّ صاحب المال الأوسط أنه لا طريق له إلا موضعا مخصوصا ، ثم لم يثبت ذلك ، وطرد عنه بالحق ، ثم أراد الدخول إلى ماله ، كيف يتوصل إلى ذلك لإصلاح ماله؟

الجواب عن ذلك : أنه قطع التوصل إلى ماله بإقراره أنه لا طريق له إليه

٣٤٦

إلا هذه الجهة فمتى أقنع عن تلك الجهة وبطلت دعواه فيها ، لم يبق له تعلق في جهته ، فيكون الحكم في ذلك أن عليه دفع أجرة الطريق إلى بعض أهل الجهات ، وعلى الحاكم أن يحكم عليهم بقبول ذلك ، وأن تكون الأجرة أجرة مثله بغير تعنت ولا زيادة للاستضرار.

مسألة [في الغصب]

في الغاصب إذا باع المغصوب ممن يعلم أنه مغصوب ، هل يملك الثمن ، أو يكون عنده في حكم الوديعة ، أو متاحا له ، أو يكون معه مغصوب ، أو كيف يكون حكمه ، وحكم تصرفه فيه؟

الجواب عن ذلك : أن البائع للمغصوب يملك الثمن لأن المشتري قد أخذ ما هو في مقابلته ، وإن كان مغصوبا ، فالبدل والمبدل حرامان ، وعليه إخراجه إلى بيت المال ، ولا يرده إلى صاحبه ، لأنه قد أخرجه من ملكه بتسليطه لمن سلمه إليه وتمليكه إياه ، وعلى من شرى المغصوب رده إلى صاحبه ، وهو في ضمانه وضمان منافعه حتى يخرج من عهدته ، وإن خرج من عهدته برء الأول منه ، ولم يكن له الرجوع عليه بالثمن ، لأنه ملكه إياه مع علمه بأنه لا يأخذ في مقابلته ما يسوغ له ملكه ، فيكون كأجير البغي ، وحلوان الكاهن ، وهدية الأمير ، ورشوة الحاكم ، في أنها تخرج من ملك أربابها ، ولا يملكه من أخذها ، وترجع إلى بيت المال.

مسألة

في الغاصب إذا استهلك المغصوب بما يزيل معظم منافعه ، هل يجب عليه

٣٤٧

صرفه قبل يراضى صاحبه؟ ويحل للفقراء تناوله؟ أم لا يجب عليه ذلك ولا يحل للفقراء؟ وإذا راضاه هل يجب عليه صرفه أم يملكه؟

الجواب عن ذلك : أنه إذا ذهب عظم منافعه وقد استهلكه من جهة محظورة ، ويخرج عن ملك صاحبه بذلك ، ولزمه لصاحبه قيمته ، وللفقراء تناوله ، متى كانت الحال كذلك في أي وقت أعطاهم إياه قبل إصلاحه وبعده ، وليس له تملكه ، وإن أصلح صاحبه بل يصرفه إلى الفقراء.

مسألة في الأوقاف المحتبسة في العيون

ولها نصيب في وقت معلوم : هل يجوز أخذ مائها في وقته ، ورد مثله فيها في وقت آخر ، أم لا يجوز ذلك؟ وهل يجوز الانتفاع بماء الوقف في غير أرضه إذا كان نقله لا يضر بالأشجار التي في أرضه ، وإن كان إذا ترك في أرض الوقف أصلح لأشجارها أم لا يجوز؟

الجواب عن ذلك : أن الوقف هو الأرض دون الماء ، وإنما يجري مجرى الحقوق والمنافع ، فمتى أخذ برضى الموقوف عليه الماء ورد عوضه جاز ذلك ، وإن كان الوقف مصرفه للفقراء لم يجز ذلك إلا لمصلحة لهم بحسبة أو ولاية ، وصرف مائها إلى أرض أخرى لا يجوز ، إلا أن يكون لا ضرر عليها أو فضلة عما تحتاج أشجارها ، فتصرف لمصلحة ترجع على مصرفها ، إما برضا من هي له ، وإما بغبطة الفقراء بولاية أو حسبة وسوى ذلك لا يجوز.

٣٤٨

[مسائل في الجواري والعتق وغيره]

مسألة

في أم الولد إذا جاءت بولد غير الأول الذي صارت به أم ولد ، هل يلزم سيدها إذا لم ينفه أم لا يلزمه ما لم يدعه؟ وإذا أراد نفيه ، هل له ذلك أم ليس له نفيه بعد أن صارت أم ولد؟

الجواب عن ذلك : أن سيد أم الولد إن لم ينف الولد الثاني فهو ولده ، والظاهر معها في إضافته إليه لأنها أم ولده ، وإن نفاه لم يلحق به لأنه نفاه عن جاريته لكونها مملوكته مدة حياته ، فله نفيه ولا استقرار لحريتها إلا بموته.

مسألة

في الجارية إذا اعتقها سيدها بعد الشراء وقبل أن يستبرئها ، هل يجوز التزوج بها قبل الاستبراء أم لا يجوز؟ وهل المعتق وغيره سواء في ذلك أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن مولى الجارية إذا أعتقها قبل استبرائها صح العتق ، ويجوز عقد النكاح ، ويحرم الوطء ، ويستوي السيد وغيره في ذلك ؛ لأن في الأصل أن لا توطئ الحائل حتى تحيض ، ولا الحامل حتى تضع.

مسألة

وإذا وطئها سيدها بعد الاستبراء ثم أعتقها ، هل يجوز له أن يتزوج من غير استبراء أم لا يجوز؟ وإذا لم يجز فهل يكون استبراءه بحيضة أو حيضتين؟

٣٤٩

الجواب عن ذلك : أن سيدها إذا وطئها بعد الاستبراء ، وأعتقها وتزوجها ، كان له وطأها بغير استبراء ، لأن الوعيد إنما وقع في سقيه زرع غيره ، وهذا زرعه ، فلو لحق به الوعيد تعرى الخبر عن الفائدة ، والولد ولده على كل حال ، لا حاجة إلى العلم ببراءة الرحم أم لا ، ولو لزم الاستبراء في غير هذا المكان كان بحيضة واحدة ، لأن حكم الاستبراء يخالف حكم العدة.

مسألة

وإذا أبطأ حيض الجارية المستبرأة هل تربص أربعة أشهر وعشرا؟ أم أقل أم أكثر؟ وهل يفترق الحال بين الآيسة وغيرها أم لا فرق؟

الجواب عن ذلك : أن الجارية المستبرأة إن كانت آيسة أو صغيرة استبرأت بشهر ، وإن كانت حائضة أو محتملة لوقوع الحيض ، تربصت أربعة أشهر وعشرا ، لأنها المدة التي يتيقن فيها براءة الرحم ، فإذا بلغت ذلك جاز وطؤها لحصول العلم بالبراءة.

مسألة

إذا جاءت بولد بعد وطئ سيدها لها ، وغلب في ظن سيدها أنها عفيفة هل يجوز له نفي ولدها والحال هذه أم لا يجوز؟

الجواب عن ذلك : أنه إن لم يعلم أو يغلب في ظنه انتفاء الولد عنه لم يجز له نفيه ، لأن الوعيد قد ورد فيمن قطع إرث وارث وهو بنفيه يقطع إرثه ، وإن استوى عنده الأمران عفتها أو جرأتها ولم يرجع فالجواب ما ذكرنا.

٣٥٠

مسألة

وإذا كانت غير عفيفة وجاء الولد أشبه الناس به هل يجوز له نفيه أم لا؟

الجواب : أنه لا يعتبر بالشبه عندنا ، لأنه قد يشبه الإنسان غير ولده ، لأن الرجوع في الشبه إلى اختيار الباري ، وقد رأينا من أولاد العفائف من لا يشبه الآباء ، فإن غلب في ظنه أنه ولده وادعاه ، واعترف به لمكان الوطء ، وإن لم يغلب في ظنه ولا يعلم لم يلزمه الاعتراف به لأجل الشبه.

مسألة

في رجل له جارية ولها ولد صغير فوهبه سيدها لرجل آخر ، وأراد الموهوب له أن يأخذه من أمه هل له ذلك أم لا؟ فإن كان له ذلك فما الفرق بين هذه المسألة ومسألة السبي؟ وإن لم يكن ذلك فكيف يصنع إذا أراد أن يسافر من مكة مثلا إلى بلده وهي الأندلس وقد عرضه للبيع فلم يشتره منه أحد؟

الجواب عن ذلك : أن هذه الهبة لا تصح لمن يريد الفرق بينهم ، فإن أظهر أنه لا يفرق بينهما ثم حاول الفرقة لم يكن له ذلك ، وحكم عليه بتخليته مع أمه باق على ملكه ، فإن حاول غير ذلك لم يصح له لأن النهي عام لا يوله والدة بولدها ، وسواء كان تزوج الأندلس أو الشرق فالحكم واحد ، ولا فرق بين المسبي وملك اليمين في ذلك بل في الحرائر ، ولذلك وقع حكم الحضانة وهو ينبني عليه ، فلو ظهر من الأم ـ وهو النادر ـ سماحة النفس بالولد جاز أخذه لأن احتباسه إنما كان في حقها فقد بطل بسماحتها به ، وهذا نادر خلاف قياس الأصول وعلله فلا ينبني عليه حكم ويقر في موضعه.

٣٥١

مسألة

في العاقلة التي ترث وتعقل هم الذين يجتمعون إلى الرابع جد ، أو أكثر. وهل يعد أبو الجاني أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن العاقلة تنتهي إلى حيث ينتهي إليه التعصيب ، ولا يحد ذلك برابع ولا خامس متى حفظ وأمكن التوريث وهو بقي من بيت إلى بيت حتى ينتهي إلى القبيلة ، لأن له شبه بالنصرة وجاء الإسلام بذلك ، فورد الشرع بذلك عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحلف بين اليهود والمسلمين بني فلان بربعهم يعقلون معاقلهم ، وهذه غايتهم بالمعروف ، فنسب إلى الجد الأكبر وبينهم وبينه عشرة جدود وأكثر فلا اعتبار بالعدد ، فأبو الجاني يعد معهم وهو أولى من لزمه ذلك.

مسألة

في المعتق هل يعقل عنه سيده وعصبته إذا لم يكن له عاقلة نسب ، أم لا تعقل عنه عصبته من قبل النسب؟

الجواب عن ذلك : أنه لا تعقل عنه إلا عصبته من النسب ما وجدوا ، فإن عدموا عقل عنه سيده وعصبة سيده ، لأن عليه نصرته وله إرثه ، والدم لا يهدر في الإسلام ، فلو رجع إلى بيت المال كان غرمه على المسلمين وغنمه لسيده وهذا لا يصح.

مسألة [في القسامة]

وأولياء القتل إذا اختاروا جماعة لليمين في القسامة ، وكان بعض المختارين

٣٥٢

يعلم القاتل هل يجب عليهم يحلفون ما قتلنا فقط ، أم يجب عليهم يحلفون ما قتلنا ولا علمنا؟ وكيف يحلفون ما علمنا وقد علموا؟ وما الفائدة في تحليفهم مع أن إقرارهم على غيرهم لا يلزم به شيء؟

الجواب عن ذلك : أن يمين القسامة ما علموا ولا قتلوا ، هذا وضعها في الشرع النبوي زادها الله جلالة وشرفا ، وفائدة قولهم قتله فلان أن يدعي أهله على من ذكره الحالفون ، وتسقط القسامة بذلك ، وإلا فلم تبقى شهادتهم تقبل على من أضافوا القتل إليه ، ولا يلزم أهل المقتول قبول قولهم ، ولا يجوز لهم يحلفون إلا بعلمهم ؛ فإن علموا أن إنسانا قتله قالوا : ما قتلنا ولا علمنا قتله إلا فلان فبه تبرأ ذمتهم من الحلف وتلزمهم العاقلة.

مسألة [في الهبة]

في الرجل إذا وهب لولده الصغير شيئا ، ثم زاد زيادة متصلة هل له أن يرجع أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن له الرجوع إذا كانت متصلة وإن كانت منفصلة ، إلا أن المنفصلة يملكها من وهبت له ، ويرجع الأب في الأصل دون الفرع ، والزيادة المتصلة حكمها حكم الأصل فيصح الرجوع.

مسألة

في الإنسان هل يجوز له أن يهب لبعض ورثته شيئا دون سائرهم أو يوصي به أم لا؟

٣٥٣

الجواب عن ذلك : أنه لا يجوز للإنسان أن يهب لبعض الورثة دون بعض ، ولا يوصي له إلا أن يكون هناك أمر يميز الموهوب له من بر أو إحسان فيجوز له ذلك ، وما سواه محاباة ، كما ورد في حديث بشير بن سعد (١) لما نحل ولده حلوبا ، وأراد أن يشهد عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «أكل ولدك نحلته؟ قال : لا. قال : فاشهد عليه غيري فإني لا أشهد إلا على حق» (٢) فإذا كان هذا في الولد فهو في غيره آكد.

__________________

(١) هو : بشير بن سعد بن ثعلبة بن الجناس الأنصاري الخزرجي ، قالوا : شهد بدرا مع رسول الله ، وهو أول أنصاري بايع أبا بكر بعد وفاة الرسول. قال الواقدي : بعثه النبي في سرية إلى فدك ثم بعثه نحو وادي القرى. قال ابن حجر : له ذكر في صحيح مسلم وغيره في قصة الهبة لولده ، وحديثه في النسائي ، واستشهد بعين التمر مع خالد بن الوليد في خلافة أبي بكر سنة ١٢ ه‍. وقال المزي في (تهذيب الكمال) : له عن النبي حديث واحد ، هو حديث النحل على خلاف فيه. قال شعيب : هو في سنن النسائي ٨ / ٢٥٨ ، ٢٥٩ في النحل.

المصادر / الأعلام ٢ / ٥٦ ، ومنه : تهذيب التهذيب ١ / ٤٦٤ ، وتهذيب ابن عساكر ٣ / ٢٦١ ، الإصابة ١ / ١٦٢ ، ترجمة رقم (٦٩٤) ، والاستيعاب بهامش الإصابة ١ / ١٥٥ ، وتهذيب الكمال ٤ / ١٦٦ ، برقم (٧١٨) ، وانظر بقية المصادر فيه.

(٢) أخرجه النسائي في سننه ، الجزء السادس ، كتاب (النحل) ص ٢٥١ بأرقام (٣٦٧٢ ـ ٣٦٨١) ، وبألفاظ ، في الأول عن النعمان بن بشير أن أباه نحله غلاما فأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشهده فقال : «أكل ولدك نحلت؟ قال : لا ، قال : فاردده» وبرقم (٣٦٧٣) قال : «فأرجعه» وبنفس اللفظ برقم (٣٦٧٤). وبلفظ : فاردده. برقم (٣٦٧٥). وبلفظ : فكره النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أن يشهد له. برقم (٣٦٧٦). بلفظ : قال : لا. قال : فلا أشهد على شيء أليس يسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟ قال : بلى. قال : فلا إذا. وبرقم (٣٦٨١) وفيه : فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا بشير ، ألك ولد سوى هذا؟ قال : نعم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فكلهم وهبت لهم مثل الذي وهبت لابنك هذا؟ قال : لا. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فلا تشهدني إذا فإني لا أشهد على جور. وقريب من هذا اللفظ برقم (٣٦٨٦ ، ٣٦٨٢ ، ٣٦٨٣). وهو في مصادر كثيرة ، انظر عنه موسوعة أطراف الحديث النبوي.

٣٥٤

[في الحج والإحرام]

مسألة

في المحرم هل يجوز له الانتفاع بأي في الصيد بأن يجعله قربة أو رسنا أو غير ذلك أم لا يجوز؟

الجواب عن ذلك : أن لهذا الصيد حكما ، الصيد لا يجوز للمحرم الانتفاع به ولا يملكه.

مسألة

في المحرم إذا فعل ما يوجب الفدية أو الكفارة ، إذا كرر ما يوجب ذلك ولم يكفر بين الفعلين هل تكرر عليه الفدية والكفارة أم لا؟ وهل يفترق الحال بين أن يكون الفصل قليلا أم كثيرا أم لا فرق في ذلك؟

الجواب عن ذلك : أنه إن فعل ما يوجب الفدية أو الكفارة وكرر ذلك ، لزمه تكرار الفدية وكذلك الكفارة ، إلا أن يفعل في وقت واحد أو أوقات متصلة جنسا واحدا له حكم واحد ، فإنه لا يتكرر ، ويقع الفرق بين كثرة الفصل وقلته ؛ فالقلة لا حكم لها ، والفصل الكثير له حكم وإنما قلنا ذلك لأن أفعال الحاج عبادات ، فإذا فعل ما يوجب الكفارة ، ثم يستمر في عمل الحج فقد انتقل عن فعل ما يوجب الكفارة إلى العبادة ، فإذا فعل حدثا ثانيا لزمه الحكم ثانيا ومثل من مثل ذلك بالأحداث الكثيرة التي تجزي عنها طهارة واحدة لا يستقيم مع ما قدمنا ، لأن العبادة إذا تخللت بين الفعلين تكرر الحكم ، كما

٣٥٥

يعلم في الأحداث إذا تخللتها الطهارة والصلاة ، وهذا هو القياس المطرد على علل الأحكام الشرعية ، إلا أن يقع إجماع على خلافه ، فالإجماع مقدم على القياس لأنه أحد أصول الأدلة.

مسألة

في أيام منى هل يجب على الحاج اللبث فيها الليل أو النهار ، أم الاعتبار بأكثر الليل وأكثر النهار ، أم الاعتبار بالليالي دون الأيام؟

الجواب عن ذلك : أن التعبد يتعلق بالإقامة فيها ليلا ونهارا ، وإنما يسقط الحكم في الأقل ، ويتعلق بالأكثر ، ولا يمتنع حصول الإثم في قليل المفارقة وكثيرها إلا فيما لا بد منه ثم يعود.

مسألة

فيمن أحرم إحراما موقوفا هل يجوز له أن يفسخ إحرامه من غير حج ولا عمرة أم لا يجوز؟ فإن لم يجز فما الذي يلزمه إذا فعل ما يبطله ورجع إلى بلده؟

الجواب عن ذلك : أنه لا يجوز له فسخ إحرامه من غير حجّ ولا عمرة ، فإن فعل ذلك لزمه دم فيما نراه لأنه لو رفض نسكا في بلدة رفض العبادة ففيه بدل.

٣٥٦

مسألة

فيمن أحرم بالحج ودخل مكة ، ومنع من عرفات هل يحلل بعمل عمرة ويلزمه دم لرفضه الحج ، أم يكون حكمه حكم من لم يدخلها في أنه يبعث بالهدي ، أو يصوم العشرة الأيام إن لم يمكنه ويتحلل عقيب ذلك ، وإذا جاز له أن يتحلل بعمل العمرة ، وهل يستأنف الإحرام بالعمرة أم يطوف ويسعى ويقصر فقط؟ وهل يجوز له ذلك قبل يوم عرفة أم لا يجوز ذلك إلا بعد فوات وقت الوقوف؟ وهل من يكون خائفا في اللبث هناك فرق؟ وبين من لم يكن خائفا؟ أو لا فرق في ذلك؟

الجواب عن ذلك : أن من هذه حاله يبعث بالهدي إن أمكنه أو يصوم العشرة الأيام كما أمر ويتحلل عقيب ذلك ، ولا يجدد الإحرام ، بل هو على الإحرام الأول ، وإنما يجدد النية للعمرة من محلها ، وذلك كله بعد يوم عرفة ، لأنه وقت الإياس من التأدية ، ولا بد أن يكون خائفا لأنه لا يترك ما يلزمه إلا للخوف أو ما يجري مجراه فهو في حكمه.

مسألة في هدي الحاج

هل يجوز ذبحه بغير منى وكذلك هدي المتمتع هل يجوز ذبحه في غير الحرم أم لا؟

الجواب عن ذلك : أنه لا يجوز ذبح هدي الحاج إلا بمنى ، وهدي المتمتع لا يذبح إلا في الحرم عندنا للخبر ، فإن كان هناك عذر ففجاج مكة كلها منحر ما لم يخرج عن الحرم.

٣٥٧

[في الإمام والخمس]

مسألة في الإمام ومن يلي من قبله

هل يجوز له أن يخلط الصدقات بغيرها من الأخماس والمظالم والخراج والجزية أم لا يجوز له ذلك؟

الجواب عن ذلك : أن خلطها لا يجوز ، وإن وقع هناك ضرورة جاز خلط الأخماس بمال الخراج والمظالم والجزية ، ولا يجوز خلط هذه الأموال بالزكاة على كل حال.

مسألة

فيما يؤخذ من أهل نجران من مال الصلح الذي جعله الهادي عليه‌السلام في ترك الضياع في أيديهم لئلا تبطل الزكوات ؛ هل يجوز صرفه إلى من لا تحل له الصدقة أم لا يجوز ذلك لكونه عوضا عما يحرم عليهم؟

الجواب عن ذلك : أن أهل الخمس أولى بهذا المال وما جانسه لأنه في حكم الفدية وليس بتطهرة فلا يحرم على أهل الخمس ، وليس ببدل عن الزكاة على الحقيقة ؛ لأن البدل يقوم مقام المبدل ، ولهذا لا يطهر ولا يزكي ، وإنما هو لدفع المضرة عنهم.

٣٥٨

[في وضوء المرأة وصلاتها]

مسألة في المرأة

هل يجب عليها عند الاستنجاء أن تغسل كلما أمكنها من داخل الفرج أم لا يجب عليها إلا ما ظهر ، وهل ينتقض وضوؤها كلما خرج من فرجها ويمكنها غسله بإصبعها أم لا ينقضه إلا ما ظهر؟

الجواب عن ذلك : أن الواجب عليها غسل الظاهر دون الباطن ، والرجوع في ذلك إلى عادتهنّ في التنظيف ، فهن بموضع الحاجة من ذلك أعرف لأن آية التطهير وأدلته جاءت مجملة ، فيرجع فيها إلى العادات ، ولا ينقض الوضوء إلا ما خرج ، ولا حكم لما لا يخرج في نقض الوضوء.

مسألة

هل يجوز للمرأة أن ترفع عجيزتها في حال السجود أم لا يجوز؟ وإذا لم يجز هل تفسد صلاتها إذا رفعتها أم لا تفسد؟ وهل يكون قعودها في حال التشهد بين السجدتين مثل قعود الرجل أم بخلافه؟ وإذا سجدت هل تضع ذراعيها في حال السجود على فخذيها أم على الأرض أم ترفعهما عن فخذيها وتعليهما عن الأرض؟

الجواب عن ذلك : أن المرأة في صلاتها تناقض الرجل في جميع حالاته ، الرجل يصف قدميه ويفج ويجافي عضديه ويجوي في سجوده ، ويطمئن في ركوعه ، ويفترش رجله اليسرى وينصب اليمنى ، وهي بالضد من ذلك تحتفز

٣٥٩

وتجمع ، وإذا ركعت كانت كأنها تحاول الجلوس بحط عجيزتها إلى الأرض ، وتقاعس رأسها بعض التقاعس ، وتضم يديها إلى بطنها ، وإذا قعدت عزلت قدميها إلى جانبها الأيمن ، ثم انقضت من غير إقلال لعجيزتها ، وكان سجودها عند ركبتيها ، وذراعيها حيال فخذيها غير مرتفعين من الأرض ، وعضيديها ملتصقين بإبطيها ، فإن خالف في شيء مما ذكرنا لم يوجب عليها الإعادة حتما مقضيا ، فإن أعادت فحسن ، ولكنّا لا نوجبه لأنها لا تخرج بمخالفتها ما ذكرنا من كونها مصلية ، وما ذكرنا من صلاتها لا يحصل به العلم.

[مسائل أخرى]

مسألة

فيمن أحرم بالعمرة متمتعا بها إلى الحج ، فلما اعتمر أحصر عن الحج هل يلزمه دم المتمتع أم لا يلزمه؟

الجواب عن ذلك : أن الدم يلزمه في مقابلة ما ترك من النسك ، لأن الحصر وإن كان من فعل غيره فقد منع به من مناسكه.

مسألة

في الإمام إذا بطلت صلاته بما لا يوجب نقض الوضوء هل يقدم غيره ويتأخر مع الصف أم يستأنف الصلاة ويصلي بهم ما بقي من صلاتهم ويقوم لباقي صلاته ، أم يتم كل واحد منهم صلاته على الانفراد؟

٣٦٠