مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ٢

المنصور بالله عبدالله بن حمزة

مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ٢

المؤلف:

المنصور بالله عبدالله بن حمزة


المحقق: عبدالسلام بن عباس الوجيه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦٥
الجزء ١ الجزء ٢

الجواب في ذلك : أن الشراء إذا كان بعد حكم الحاكم بالشفعة للمطالب بها كانت الشفعة للشفيع ، وإن شراها قبل الحكم كانت للمشتري وجرت مجرى فوائد المشتري وغلاته ، فاعلم ذلك.

المسألة الثانية

في رجل وهب لرجل حبلات في مواضع محصورة بالعدد ، غير معيّنة في أي موضع هي ، ثم باع ذلك الموضع الذي فيه الحبلات ، هل صاحب الحبلات أولى بالشفع أم سائر الشفعاء؟ وهل يستوي في ذلك إن كانت الحبلات هذه هبة أو كانت صدقة أم في ذلك فرق؟

الجواب عن ذلك : أن الهبة تصح إذا كانت معلومة ، ولا فرق بين أو تكون مشاعة وتكون محدودة ؛ فإن وقع القبض واتصل بالهبة صحت بها الشفعة ، وإن أمضاها الواهب ـ أعني الهبة ـ فهي تستحق بالعقد والقبول ، فبمثلها تجب الشفعة لأنها تكون بمنزلة سهمة الوارث ، فبمثلها يستحق الشفعة ؛ وإن كانت غير معينة في الحال هذا عندي.

وأما الصدقة فالحكم بها أقوى لأنه لا يصح فيها الرجوع ، ولا يراعى فيها ما يراعى في الهبة من الوجوه ؛ فالموهوب أو المتصدق عليه والحال هذه أولى بالشفعة من سائر الشفعاء.

المسألة الثالثة

إذا كانت عين ماء بين قوم معينين تحصرهم المعرفة ، وبيعت سهمة في تلك العين. هل تكون الشفعة لجميع أهل تلك العين وإن لم يكن أحدهم ينتفع بما يصير إليه أم تبطل الشفعة؟

٣٢١

الجواب في ذلك : أن الشفعة ثابتة في كل شيء ، وأصلها لدفع الضرر ولا اعتبار بأن يستنفع أم لا ؛ لأنه حقه لا يمتنع من استحقاقه ، فله استنفاعه به ، والشفعة لازمة لأهل العين إلا أن يسقطوها سقطت. فاعلم ذلك.

المسألة الرابعة

في أرض بيعت وفيها شفعة لصبي صغير وسكت أبوه عن المطالبة مع علمه بالبيع. هل يكون للأب المطالبة بما يستحقه ولده من الشفعة بعد السكوت أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن كان السكوت خفيفا كأن يفكر في مجلسه حتى يتبين مصلحة ولده وغبطته أم هي في المضي (١) أو الترك فمثل ذلك لا يبطل مطالبته ، وإن كان طويلا فلا مطالبة لأن الشفعة لمن واثبها ، ويبقى الكلام في الابن إذا بلغ فإن تبين عند بلوغه أن أباه لم تجره مصلحته وخان في ترك المطالبة له بالشفعة كانت له الشفعة ، وإن لم يتبين فظاهر حال الأمين الأمانة في حق الولد ولا شفعة له إذ ظاهر حال الأمين أنه فعل ذلك لمصلحة ، وما فعل على هذا الحد لم يكن للولد نقضه لأنه فعل وله ولاية ، فاعلم ذلك.

المسألة الخامسة

إذا كانت ضيعة بعضها فوق بعض ولها ساقية يشترك أهل هذه الضيعة في مبتدأ هذه الساقية ، ثم بعد ذلك يسقي الأول فالأول ، ثم بيعت جربة في وسط الضيعة بحقها في هذه الساقية. لمن يكون الشفع في هذا المبيع وكل واحد من

__________________

(١) في الأصل : المضا.

٣٢٢

أهل الضيعة يطلب الشفعة؟

الجواب عن ذلك : أن الشفعة لمن كان حقه تحت هذه الضيعة المبيعة لأن من دخل إليه نصيبه من الماء انقطعت شركة الأسفل في الحق وارتفع حقه ، وهذا الذي تحته هو شريكه ولم يفرّق بينهما في الشركة والاستحقاق فارق ، وكان أحق بالشفعة من سائر أهل الضيعة ، وإن شاركوا في الأصل فقد صار أخص لاستبداده دونهم بالشركة ، فاعلم ذلك.

المسألة السادسة

في رجل اشترى أرضا بيع خيار إلى مدة معلومة ، ثم بيعت إلى جنبها أرض قبل انقضاء مدة الخيار هل تكون الشفعة للبائع أو للمشتري؟ ومتى تكون المطالبة بها؟ وهل فرق بين أن يكون الخيار للبائع أو للمشتري أو لهما جميعا؟

الجواب عن ذلك : أن مدة الخيار إن كانت معلومة فإن الشفعة تستحق عند الاختيار لنفاذ المبيع ومضائه إن كان لهما ، وإن كان للمشتري فعند اختياره للمبيع ، وإن كان للبائع فكذلك ، فالمراد في ذلك وقوع الخيار ، وقبل وقوعه لا شفعة لأنه لم يستحق في الأول فلزم نقله ، وإن كان الخيار مطلقا ولم تتعين مدته كان بثلاثة أيام ؛ فإن اختار من له الخيار وإلا أحل العقد وبطل حكمه ، وتكون الشفعة في الأرض المبيعة موقوفة ، فإن اختار البيع صحت مطالبته بالشفعة في المبيعة الأخرى ؛ فإن تراخى في المطالبة بطلت الشفعة كما في نظائره لأنها نشطة عقال ، فاعلم ذلك.

٣٢٣

المسألة السابعة

إذا كانت للصغير شفعة ولم يطالب له أبوه مع علمه بها هل يكون للصبي المطالبة إذا بلغ أم لا؟ وهل يستوي إذا كان سكوت وليه لعدم ما يشفع له به أو مع وجود ذلك أم لا؟

الجواب عن جملة هذه المسألة قد تقدم ، والظاهر أن لا شفعة للصغير إذا تركها وليه الظاهر أمر تحري الصلاح ومع العدم لما يستشفع به يرتفع الإشكال ، والظاهر مع الولي ، وعلى الصغير البينة إلا أن يكون المال حاضرا ، كان الظاهر مع الصبي ، وكان على الولي البينة أنه ترك ذلك لمصلحة الصبي وإلا صحت للصبي المطالبة ، لأن الظاهر في الشفعة والأغلب في حالها أنها مصلحة للمستشفع ورفع للضرر عنه ، فاعلم ذلك موفقا.

المسألة الثامنة

إذا طالب الشفيع بالشفعة ويأبى المشتري من إبلاغ الحق واشتغل زمانا ، هل للشفيع أن يطالب بشيء من الغلة أم لا؟

الجواب عن ذلك : أنه يأثم بتمرده ، ولا يلزمه في الحكم الغلة إلا أن يكون الحاكم قد حكم عليه بالشفعة ثم تمرد بعد الحكم فإن الغلة تلزمه وكرا العرصة ، فإن لم يكن على هذا الوجه فلا شيء يلزم في الظاهر.

المسألة التاسعة

إذا طالب الشفيع بالشفعة ولم يكن واجدا للثمن ولبعضه ، ثم سكت بعد المطالبة حتى وجد الثمن ، ثم جاء فجاءته وطالب أخذ ذلك المبيع هل له ذلك أم لا؟

٣٢٤

الجواب عن ذلك : أن له المطالبة أكان واجدا للثمن أو عادما ، لجواز أن يجد بالقرض ، أو يتصدق عليه الغير أو يرث ، وأسباب حصول الرزق لا تنحصر ، فإن أنكر ولم يطالب بالارتفاع إلى الحاكم بطلت شفعته لأنها لا تجب بمجرد الإنكار ما لم يقع مواثبة كما في الحديث شرفه الله تعالى وليس له إذا أنكر ثم أمسك بعد ذلك من المطالبة والمرافعة للإثبات ثابتا للاستنفاع.

المسألة العاشرة

إذا طالبه بالشفعة وأتى بمثل الثمن ، وأبى المشتري من قبول ذلك ، ومن الحضور إلى الحاكم ، فأخذ الشفيع ذلك المبيع بالقهر من غير حكم الحاكم ، واستغله زمانا هل تكون له الغلة أم للمشتري في تلك المدة؟

الجواب عن ذلك : أن عليه المطالبة وعلى المشتري القبول والانقياد للحق وحضور مجلس الحكم لامتثال ما ألزمه الشرع ، فإن أبى ذلك وقهره طالبه الحق فأخذ حقه ، كأن قد أخطأ في أنه لم يسأل الحاكم أن يحكم له عليه ليكون قد أخذ بالحكم ، ولكن تكون الغلة له لأن بامتناع ذلك كان له استيفاء حقه بأي وجه أمكنه ، وقد اعتدى عليه فله أن يكافئه على عدوانه بمثله من غير ظلم ، فاعلم ذلك موفقا واعتمده ، ولم يقع تمكّن من إيفاء القول حقه ، وإبلاغ النظر بها منه ولعل ذلك يكون.

* * *

٣٢٥

[مسائل في خطبة وصلاة الجمعة وغيرها]

بسم الله الرحمن الرحيم ، حسبنا ونعم الوكيل

سألت وفّقك الله وأرشدك ، وثبّتك وسدّدك .. عن مسائل ، ونحن مجيبوك إن شاء الله على قدر ما يحتمله الوقت مع كثرة الأشغال واشتغال البال والله الموفق.

المسألة الأولى

إذا شرع الإمام في الخطبة للجمعة ومعه العدد الذي يجزيه ، ثم تفرق بعضهم وبقي الآخرون هل تثبت الجمعة بالاثنين أم لا؟

الجواب : أن الجمعة والحال هذه صحيحة ؛ لأنها أثبتت في الأصل على الصحة ، فزوال بعض شروطها لا يفسدها ، كما أن أصل شروطها الإمام فإذا توفي وقد شرع فيها أتمت جمعة ، فاعلم ذلك.

المسألة الثانية

قال : إذا عاد الثالث بعد فراغ الخطبتين جميعا تنعقد له الجمعة أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن الجمعة تصح وإن لم يسمع الخطبتين عندنا إذا سمعها سواه لأن صحة الجمعة في الأصل كافية ، وفقدانه لسماع الخطبتين جار مجرى فقده لسماع خطبة واحدة ، وتعليل أصحابنا أنهما بمنزلة ركعتين لا يستقيم

٣٢٦

على أصولهم ، إذ قد أوجبوها على المسافر ولأنهما لو كانا بمثابة الخطبتين لكان من لم يسمع الأولى يصلي ثلاثا وإجماعهم منعقد على خلافه.

المسألة الثالثة

قال : وإن تفرقوا بعد الخطبتين وقبل الصلاة ، وطال مكثهم قبل رجوعهم فهل التوالي بين الخطبة والجمعة شرط أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن هذا لا يقدر لأنهم إذا تفرقوا مضى الإمام في صلاته كما قدمنا ، ولا يعذر ذلك إلا أن يزعجهم أميرهم والإمام ؛ فإذا كان ذلك فذلك ، ولم يتخلل بين الخطبتين والصلاة أعمال كثيرة تخرجهم عن بابهم لم تلزمهم إعادة وصلوا ، وإن تخللت أمور كثيرة استحببنا للإمام إعادة الخطبة من غير إيجاب لأنهما فرضان ، كل واحد منهما على حياله إذا أدي سقط ، فاعلم ذلك.

المسألة الرابعة

قال أيّده الله : هل يكون على الخطيب إذا تيقّن نفر الثالث ، ثم انعقدت الجمعة به وهو مستمر في الخطبة بالاثنين أتم ، وإذا رأى ثالثا غير الأول أيجب عليه ابتداء الخطبة؟

الجواب : أن الخطيب يلزمه الاستمرار ، والإثم على من نفر عنه دونه لأن حضور الجمعة يلزم ببلوغ النداء ، والاستماع للخطبة يلزم بحضور المسجد ؛ فمن فرط أتي من قبل نفسه ، وإذا جاء ثالث لم يلزم الخطيب استئناف الخطبة لأنّا قد بيّنا فيما قد تقدم أن الجمعة تلزم بالدخول مع المجمعين بالصلاة وإن لم يسمع الخطبتين رأسا ، فمن أين يلزم الاستئناف؟

٣٢٧

المسألة الخامسة

قال أيّده الله تعالى : وكذلك إذا كبّر الإمام وكبّر معه واحد بعد تكبيرة ولم يكبّر الآخران إلا بعد انتصابه للقيام من الركوع؟

الجواب عن ذلك : أن صلاة الواحد مستقيمة ، وتصح له الأولى ، ولا يعتد صاحباه بالركعة الأولى لأنهما لم يلحقا الإمام إلا بعد تمام الركن والدخول في الثاني ، وهما واصلان لجناح الثالث لأنهما في مقدمات الصلاة من النية والصف ، ولا يكون حكمه حكم المنفرد والحال هذه.

المسألة السادسة

قال أيده الله : إذا قال رجل للآخر : بعني. فقال : بعتك. هل يصح كما لو قال في النكاح أو لا يصح إذا كان لاستثنائه الرغبة ، ويقيم هذا اللفظ مقام قوله : هل تبيع؟

الجواب عن ذلك : أن مجرد قوله : بعني سؤال ، وقوله : بعتك جواب ؛ فإن عقّبه بقوله : ابتعت صح ذلك ، وكان بيعا إذا نقد عين الثمن وإلا فلا يقع ، وحكم البيع يخالف النكاح في كثير من الأحكام ، فلا يطرد قياس أحدهما على الآخر.

المسألة السابعة

قال أيّده الله : وهل إذا كره البائع الإقالة هل للمشتري يقبل قوله : إنه أخرج هذا اللفظ مخرج الرغبة والاستفهام في بيعه؟

الجواب عن ذلك : أن الإقالة لا تتعلق بشيء من أحكام العقد الأول ، بل

٣٢٨

هي تنقضه لأنها تنافيه وتحله ، ولا يصح إلا في عقد مستقر ، ولا يقبل قول المشتري إلا ما يشهد له ظاهر اللفظ ، ولا يرجع ببينة ، ولا تفسيره إذا كان الكلام له ظاهر وحقيقة عرفية أو شرعية أو لغوية تعود به ، وإنما يرجع إلى النيات في العبادات ، وفي ما بين العبد وبين الله سبحانه ، وأما ظاهر الشريعة فلا.

المسألة الثامنة

قال أيّده الله : إذا شرى رجل دابة فحدث فيها عيب ، ثم اطلع على عيب كان موجودا عند البائع قال : لا شك أنهما إذا اتفقا على أخذ الأرش في العيب الذي كان بها عند البائع في جوازه. قال : لكن إذا تنازعا هل يقدم اختيار البائع في استيفاء ثمن مثلها من ذوات القيم ورد الفاضل؟ أو تقدم اختيار المشتري لأن الثمن لا يلزمه ألا يمتنع بتسليم وأرش فدعوى إلى أرش العيب القديم أولا لأن استرداده نسبته إلى أصل العقد؟

الجواب عن ذلك : أن المعيب يرد بالعيب إلا أن يرضى المشتري ، وحدوث العيب الآخر لا حكم له في تمام العقد وانبرامه ، وهو حدث في مال البائع لأنه بتقدم المبيع الأول غير متيقن ، فلا يلزم المشتري فإن رضي كانت له الدابة معيبة وما حدث فيها حدث في ماله ، فهذا ما تقرر في هذه المسألة على تفكر في السؤال ، وغلط في الكتابة.

المسألة التاسعة

قال أيّده الله : فإن زال العيب بعد أخذ حقه هل يعود حقه؟ وهل إذا اطلع على العيب ولم يرد في الحال وانتظر زواله هل يبطل حقه لما قدر على استيفائه أم لا يبطل ، ويكون معذورا في الانتظار؟

٣٢٩

الجواب عمّا صح من هذه المسألة لأن أولها لم يتقرر لتصحيحه ، وإسقاط شيء منه أن من اطلع على العيب وتصرف في المعيب يكون ذلك رضا بالعيب ولا يصح له رده بعد ذلك وانتظاره لزوال العيب جار مجرى الرضا ؛ لأن أكثر العيوب تزول مع مرور الأيام وانتظار الزوال رضا فاعلم ذلك.

المسألة العاشرة

قال أيّده الله : وهل يبرأ رجل من دين له على آخر إذا وكل صبيا بقبضه؟ وهل المودع يبرأ إذا وكل صبيا بقبضه؟

الجواب عن ذلك : أن الصبي إذا كان قد صار ممن له من التمييز ما يصح معه تصرفاته في المعاملات صحت وكالته ، وبرئ من سلم إليه الدين إذا صحت وكالة صاحب الدين للصبي ، فلا فرق بينه وبين البائع في ذلك لأن عادة المسلمين جارية به من غير نكير ، وكذلك الكلام في الوديعة يجوز تسليمها إلى الصبي إذا صح أن المودع أمره أو وكله فاعلم ذلك موفقا.

وأكثر الجواب ما وقع إلا على التوهم لتخليط الكتابة واضطراب الألفاظ وخلط بعض المسائل في بعض والله الهادي إلى ما هو أهدى والسلام.

تمّ ذلك بحمد الله سبحانه

* * *

٣٣٠

[مسائل الشفعة مرة أخرى]

بسم الله الرحمن الرحيم هذه مسائل لعلي أحمد الأكوع وقد كان أجاب عنها عليه‌السلام ثم نسي ووجد المسائل بعد ذلك ، وأجاب عنها بهذا الجواب الثاني.

قال أيّده الله وتولى هدايته وتوفيقه ، وسدد إلى الخيرات طريقه :

[المسألة الأولى]

ما يرى مولانا في رجل شرى موضعا وله شفيع مطالب بالشفعة في ذلك ، بما طالبه الشفيع بالشفعة ، وبيعت أرض إلى تلك الأرض. لمن تكون الشفعة في هذه المبيعة الآخرة للمشتري أم للشفيع المطالب؟

الجواب عن ذلك وبالله التوفيق : أن الشفعة تكون للمشتري ، وتجري مجرى فوائد المبيع قبل الحكم بالشفعة لمستحقها لأن المشتري باق لا يرفعه إلا الحكم ، فأما بعد الحكم فتكون الشفعة في المبيع الأخير لمن حكم له بالشفعة لأنه الشريك أو الجار.

المسألة الثانية

في رجل وهب لرجل حبلات في موضع ، محصورة بالعدد ، غير معينة في أي

٣٣١

ذلك الموضع هي ، ثم باع ذلك الموضع الذي فيه الحبلات هل صاحب هذه الحبلات أولى بالشفع أم سائر الشفعاء؟ قال وهل يستوي ذلك إذا كانت الحبلات هذه هبة ، وإذا كانت صدقة أم في ذلك فرق؟

الجواب عن ذلك وبالله التوفيق : أن المالك إذا تصدق من مكان معلوم بحبلات معلومة كانت الصدقة صحيحة وكانت شائعة في المكان تتميز بالقسمة والمساهمة ، فإذا بيعت إلى جنبها أرض أخرى كان الشفاع لأهل البقعة على سواء ، وإذا بيع الموضع كان صاحب الحبلات أولى بالشفع من غيره لأنه شريك مساهم ، وفرق بين الهبة والصدقة في ذلك ، لم يستحق الشفعة.

المسألة الثالثة

قال أيّده الله : إذا كانت عين بين قوم معينين تحصرهم المعرفة وبيعت سهمة في تلك العين هل تكون الشفعة لجميع أهل تلك العين وإن لم يكن أحدهم ينتفع بما يصير إليه أم تبطل الشفعة؟

الجواب في ذلك : أن الشفعة تقع للجميع ، ولا فرق بين أن ينتفع أحدهما بما يستحقه أم لا ؛ لأن الأملاك لا يعتبر في ثبوتها الانتفاع وكذلك الاستحقاقات فاعلم ذلك موفقا.

المسألة الرابعة

في أرض بيعت وفيها شفعة لصبي صغير ، وسكت أبوه عن المطالبة مع علمه بالبيع هل يكون للأب المطالبة بما يستحقه ولده من الشفعة بعد السكوت أم لا؟

٣٣٢

الجواب عن ذلك : أن الظاهر أن سكوته إضراب ، فليس له بعد ذلك المطالبة إلا أن يكون سكوتا لا يعتد به ، كما في أمر الشفعة ، ولا يكون للولد أيضا مطالبة إدراكه ما لم يتبين أن أباه تركه لغير غبطته.

المسألة الخامسة

قال أيّده الله : إذا كانت ضيعة بعضها فوق بعض ولها ساقية يشترك أهل هذه الضيعة في مبتدأ هذه الساقية ، ثم بعد ذلك يسقي الأول فالأول ، ثم جربة جربة في وسط الضيعة بحقها في هذه الساقية لمن يكون الشفعة في هذا المبيع وكل واحد من أهل الضيعة يطلب الشفعة؟

الجواب عن ذلك : أن الشفعة يستحقها الشريك الأخير وهو الذي لا واسطة بين مائه وماء الجربة المشتراة من أعلى ومن أسفل ، وإن اشترك جماعة في مشاركة صاحب الجربة على سواء كانت الشفعة فيها للجميع دون أهل الضيعة الذين ينفصلون بحقوقهم قبل انتهاء الماء إلى الجربة ، ودون الأسفلين الذين تحجزهم أملاك الشفيع أو الشفعاء بمشاركة صاحب الجربة ، وأوضح ما يقع في جواب هذه المسألة التصوير فاعلم ذلك.

المسألة السادسة

في رجل اشترى أرضا بيع خيار إلى مدة معلومة ، ثم بيعت إلى جنبها أرض آخر قبل انقضاء مدة الخيار ، هل تكون الشفعة للبائع أو للمشتري؟ ومتى تكون المطالبة بها؟ وهل فرق بين أن يكون الخيار للمشتري أو للبائع أو لهما جميعا؟

الجواب عن ذلك وبالله التوفيق : أن الشفعة للمشتري على جميع الوجوه في الابتداء لأن ظاهر الملك له في الحال وجواز التصرف ، فإن أضرب عنها في

٣٣٣

الحال وكان الخيار للبائع فاختار الفسخ كان له أن يطالب بالشفعة في الحال وظهر لنا خلاف الظاهر ، وإن كان الخيار للبائع وشافع المشتري كان له المستشفع فيه ، وإن فسخ البائع فيما بعد ، وكان بمنزلة الفوائد قبل الفسخ والمطالبة بالشفعة تكون وقت العلم لا وقت لها غيره فيما نعلمه إلا لمانع.

المسألة السابعة

إذا كانت للصغير شفعة ولم يطالب أبوه مع علمه بها هل يكون للصبي المطالبة إذا بلغ أم لا؟ وهل يستوي إذا كان سكوت وليه لعدم ما يشفع به أو مع وجود ذلك أم لا؟

الجواب عن صدر هذه المسألة قد تقدم في المسائل الأولى ، وهو أن أباه إذا لم يطالب ، بطلت شفعته ما لم يتبين للصبي أنه تركه لغير غبطته ، قال : وهل يستوي إذا كان سكوت وليه لعدم ما يشفع له به أو مع وجود ذلك.

أما الولي إذا كان غير الأب ، إذا سكت عن مطالبة الشفعة فإنه لا تبطل شفعة الصبي عند بلوغه سواء كان لعدم أم بغيره ما لم يبطلها الحاكم أو يحكم عليه بإبطاله لأن العدم لا يبطلها في الأصل ، فلا يشترط وجدان المال لاستحقاقها في الأصل ، فلا وجه لاعتباره لأن وجوه الملك لا تنحصر لأنها موقوفة على اختيار الباري عزوجل ، فأوقاتها مجهولة وكذلك أسبابها في الأغلب.

المسألة الثامنة

إذا طالب الشفيع بالشفعة وتأبّى المشتري من إبلاغ الحق ، واستغل ذلك زمانا هل للشفيع شيء من الغلة أم لا؟

٣٣٤

الجواب عن ذلك وبالله التوفيق : أن المشتري إذا تأبّى عن إيفاء الحق واستغل المال كان آثما ، ولا يستحق عليه الشفيع الغلة لأنه منعه عن حق فأثم بذلك ، ولما يستقر ملكه فيستحق عليه الغلة ، لأنه لو أضرب عن المطالبة بعد المرافعة لم يفتقر إلى تجديد عقد آخر ، بل هو باق على ملكه الأول فصار بمثابة أن يمنعه دخول باب المدينة ، يكون آثما ولا يجب عليه شيء آخر.

المسألة التاسعة

إذا طالب الشفيع بالشفعة ولم يكن واجدا للثمن أو بعضه ، ثم سكت بعد المطالبة حتى وجد الثمن ، ثم جاء به وطلب أخذ ذلك المبيع هل له ذلك أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن وجدان الثمن لا يكون شرطا في الاستحقاق لا وجدان الكل ولا البعض كما تقدم ، فإن طالب ثم أضرب بطلت الشفعة لأنها لمن واثبها لا إن سكت في أثناء المطالبة وهو مطالب للمرافعة فذلك لا يعتد به ، فأما إذا سلم المشتري ، ثم سكت للعدم ، ثم وجد ذلك وطالب فلا يصح عندنا هذا لأنها نشطة عقال.

المسألة العاشرة

إذا طالبه بالشفعة وأتى بمثل الثمن ، وتأبى المشتري من قبول ذلك ومن الحضور إلى الحاكم ، فأخذ الشفيع ذلك المبيع بالقهر من غير حكم الحاكم ، واستغله زمانا هل تكون له الغلة أم للمشتري في تلك المدة؟

الجواب وبالله التوفيق : أن المستشفع إن كان متمكنا من طلب الحكم من الحاكم على خصمه المشتري ، ولم يطلبه ذلك بل أخذه بالقهر من دون الحكم كان قد تعدّى ولم تكن الغلة لواحد منهما بل تكون لبيت المال ، وإن كان غير متمكن وأخذ بالقهر كانت الغلة له لأن له أن يأخذ ما يستحقه بأي وجه

٣٣٥

أمكنه ، فتكون والحال هذه الغلة له ، فاعلم ذلك موفقا إن شاء الله تعالى. وهذا ما أمكن من الجواب مع تراكم الأشغال.

[مسألة]

ما يرى أمير المؤمنين عليه سلام رب العالمين ، وعلى آبائه الأكرمين ، في رجلين تبايعا في مال ، فلما بنيا على البيع والشراء ولم تبق إلا الملافظة دخل البائع بشهود إلى امرأته يجل الله المقام العالي فتصدق عليها بسهمة من ذلك المال ، وخرج في الحال فباع جملة ذلك المال من المشتري بحضرة شهود هذه الهبة ولم ينذروا المشتري هل تثبت هذه الهبة أم لا؟ فإن ثبتت هل تقدح في شهادة الشهود وحضورهم في الهبة ، والبيع في الحال من غير إخبار المشتري أم لا؟ وهل يكون البيع رجوعا إن صحت أم لا؟ لمولانا عليه المنّة والفضل بتبيان ذلك.

الجواب حسبنا الله ونعم الوكيل : وكتب عبد الله المنصور بالله أمير المؤمنين : الهبة لا تصح لأن الفساد لزمها للنهي (١) وهو يقتضي فساد المنهي عنه ، والبيع يصح كله وإن حضر الشهود الأمرين كليهما فسدت لشهادتهم بغررهم لأخيهم المشتري والبيع رجوع في الهبة ، وله الرجوع لأنها لا تثبت للتدليس حكما شرعيا لأن الشرع حق ، والتدليس باطل ، والسلام.

وصلّى الله على سيدنا محمّد وآله الطاهرين وسلّم

* * *

__________________

(١) في حاشية الأصل ما لفظه : منها ما أراد بالنهي ، ولعله عليه‌السلام أراد قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من غشنا فليس منا» وقد ضمن المشتري فيما وقع كما وصف ، والشهادة بطلت ، لعدم العدالة ، إلا أنه ينعقد البيع دون إشهاد إنما لو أنكر البائع معه فلا يقبل فيما ذكر ، والله أعلم.

٣٣٦

جواب مسألة [حول اليمين]

اعلم أن اليمين بالله تصرف إلى نية الحالف ، ولا يعتبر فيها الصحيح ولا الفاسد ، وإذا حلف بنذر ماله ؛ وإن سقى فلان بسهمه آل فلان من هذا الغيل ولم تكن سهمته معينة لبعض الأسباب إما لظهور التظالم بين الناس أو لشمول سطوة الظالم وما شاكل ذلك ، وكانت نيته أنه لا يتبع بما يضاف إلى هؤلاء القوم من هذا الغيل فإنه إذا سقى بما ينسب إليهم على أي وجه فإنه يكون حانثا والحال هذه ، وإما يدفع الأجرة إليهم فلا يكون الحالف حانثا لأن اليمين وضعت على السقي لا على دفع الأجرة ولم تكن له نية وبعد أن لا تكون له نية وكان العرف قد جرى مستمرا أن هؤلاء القوم يسقون بكذا وكذا ، وقت كذا وكذا ؛ فإن المحلوف بأنه لا سقى تلك السهمة إذا سقى بذلك القدر في ذلك الوقت ، وإلا لم يحنث بالسقي على حال ؛ وإذا وقع الحنث والرجل لا يملك إلا إرثه من أبيه ، ومال أبيه مشغول بمظالم عليه منها دينه يستغرقه فإنه في الحكم لا مال له لأن المال مستحق عليه والدين مقدم على الميراث ولا سيما دين الآدميين لأن المسألة مجمع عليها فئة من أهل العلم اللهم إلا أن يكون أصلح أهل الديون ، واستخلص المال قبل الحنث ، فوقع الحنث ، وقد صار المال ملكا له فإن الحنث يتعلق به.

مسألة أخرى [في اليمين]

في رجل يحلف ليضربن رجلا ضربا شديدا حتى يقطع جلده وهو ممن يستوجب الأدب ، ثم أتى إلى الحالف ومكنه من نفسه. هل إذا أدّبه على أمر بما يجوز أدبه على مثله تخلّص ذلك من الحنث أم لا؟

٣٣٧

الجواب عن ذلك : لا يجوز ضرب المحلوف عليه لإبرار اليمين ، وإن سلم نفسه لأنه لا يجوز أن يبيح من نفسه إلا ما سوغ الشرع إباحته ، فأما إذا فعل شيئا يستحق به الأدب في الشرع وإن لم يكن الحالف نوى في نفسه أن يضربه ضربا وجيعا لأجل الأمر الذي غضب من أجله ، فإن ضربه لحق الله تعالى لا يخرج الحالف من الحنث ، فإن كانت اليمين مبهمة ولم ينوي إلا مجرد الضرب على حال ، فإنه إذا ضربه بإذن صاحب الشرع يخرج عن الحنث.

مسألة [حول الصدقة]

إذا كان في بلد صدقة وهي للموجودين المعارض مذهب يحيى عليه‌السلام وهي طعم في مسجد ولم يؤخذ إلا من نذور ، وهو قليل المعرفة لله. هل يجوز له منها شيء أم لا؟ وما يعمل بها؟

الجواب عن ذلك : أن الذين يدورون ، إذا كانوا ممن يعرف مذهب يحيى بن الحسينعليه‌السلام في التوحيد على سبيل الجملة فإنه يجوز إطعامهم بمجرد ذلك ، ولا يوجب أن يعرفوا ذلك مفصلا بأدلة ، ويكفي أن لا يعتقدوا مذهب المجبرة ولا المشبهة ، ويعتقدوا في الإمامة مذهب الزيدية جملة ، وإن لم يحسنوا تعبير أدلته فإنه يجوز لهم أكل الصدقة ، ويجوز لمن هي على يده تسليمها إليه فإن نفوا سببا من أفعال الله سبحانه عن الله كإماتة الأطفال ، ورزق العصاة ، وما شاكل هذا ؛ فهذا كفر من قائله ، ولا يكفي قائل هذا القول أن يقول: أنا على دين يحيى عليه‌السلام لأن المعلوم من دين يحيى عليه‌السلام وآبائه عليهم‌السلام خلافه ، فإذا لم يوجد لهذه الوصية إلا من هذه حاله فإن عليه أن يمسك ، وتصح منها الوصية ، حتى يوجد من وصفه ما قدمنا إما محقا عالما أو مقتديا بأهل الحق ، فاعلم ذلك.

٣٣٨

مسألة [في الغصب]

إذا غصب رجل مالا ثم نزع يده من حرثة ولم يتمكن من تسليمه إلى أهله لبعدهم؟

الجواب عن ذلك : أنه إذا نزع يده منه ولم يتمكن من تسليمه ، برئت ذمته إلا من الكرى مدة إقامته في يده إن كانت مدة يأتي في مثلها البذر والحصاد.

مسألة [متفرعة عن الأولى]

فإن سلّمها إلى بعض من له فيها سهمة دقيقة هل يكون خالصا أم لا؟

الجواب عن ذلك : أنه يكون تسليمه إلى من ليس له فيه إلا سهمة بعيدة متعديا ، ويلزمه الكرى مدة إقامتها في يده ، والذي أعطاها إياه فإن أخذه من ذلك وحفظه كان عنده لأهل الأرض مضمونا بخلاف الوديعة.

مسألة [متفرعة أيضا]

فإن تمّ تخليصه بتسليمه إلى من هو شريك فيه فأبى من تسليمه؟

الجواب وبالله التوفيق : أنه لا يخلصه إلا إلى مالكه أو وكيله فإن لم يوجد للغائب وكيلا حفظ المال لشركه ، ويقبض غلاته ؛ وإن عدم ذلك وكان تخليه من الأرض توجب قبض السلطان لها ، كان بالتخلي ضامنا للأجرة ؛ وإن كان لا يوجب ذلك وتخلى منها فهذا فرضه ولا شيء عليه سواه ، ولا يلزمه الكرى لتصرف الغاصب الآخر فيه إن كان تعذر تسليمه إلى أهله بعينهم ، وفقد تمكنه منهم ؛ وإذا منع الغاصب من التصرف في الأرض وأصلها لا يمتنع أن يضمن كراها لأنه بالمنع منها صار قابضا.

٣٣٩

مسألة [في التخلي عن المال]

رجل كان في يده مال وشهد رجل ليس بعدل أنه تخلى من ذلك المال الذي في يده ، وأنكر الورثة ذلك ، ثم خرج كتاب التخلية ، وذكر الورثة أن ذلك لا يلزمهم وأنه تخلى مما ليس في يده ، وادعوا أنه كان في يده وهي جربة نصفها للمسجد والنصف الثاني كان في يد المتخلي ، فذكروا أن التخلية من ذلك هو الذي للمسجد دين الذي في يد المتخلي ، والتخلية كانت إلى المسجد بالنصف الثاني ولم يعلم أنه كان في يد المتخلي نصف المسجد ، وأشكل ذلك على واليه ففتح على الورثة ذلك ، وأصلحهم بشيء من مال المسجد ، وسلموا ذلك للمسجد بالمصلحة وخوف لما ورد عليهم من الشبهة بالتخلية.

قال : يجوز ذلك للولي يصلحهم من مال المسجد أم لا؟ وهل يكون خالصا من النصيب الذي استخلصه منهم للمسجد إن كانت التخلية باطلا من النصف هذا الذي لم يكن في يد المسجد أم يلزمهم له شيء؟

الجواب عن ذلك : أن المال الذي في يده ، ثم نذر على أي وجه كان فيها هل بمنزلة المستأجر أم المرهون أم البيع ، فلكل واحد حكم يخصه ، والجواب لا يحتمل تفصيله لأن الشرح يطول ، وإنما نجيب على الوهم إن كان اكترى الأرض مدة معلومة على وجه صحيح فالمتخلي منها لا تبرأ ذمته بغير عذر صحيح.

وأما إذا كان نصف الجربة للمسجد وخشي المتولي للمسجد ولاية صحيحة تلف مال المسجد فإن له أن يصالح بجزء من الغلة ولا إثم عليه ، وإن كان المستصلحون يعلمون أنهم يطالبون المسجد بغير حق جاز لوالي المسجد أن يصالحهم بشيء من المال ولم يجز لهم أخذ المال ، وإن كان الحال عليهم ملتبسا

٣٤٠