مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ٢

المنصور بالله عبدالله بن حمزة

مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ٢

المؤلف:

المنصور بالله عبدالله بن حمزة


المحقق: عبدالسلام بن عباس الوجيه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦٥
الجزء ١ الجزء ٢

الجواب عن ذلك : أن الاحتساب لا يكون إلا مع عدم الولاية ، فإذا وجدت الولاية سقط حكمه ، وإن أطعم بالدين الذي عليه مع التمكن من الوالي بوجه من الوجوه كان ضامنا ولزمه القضاء ثانيا ، وكان كالمتبرع بالأول وله أجر ما لم يقصد مخالفة مقتضى الشرع ، فأما إذا أمر الوالي بذلك جاز وإن لم يقبضه الوالي لأنه للأمر كالوكيل بالقبض والتصرف.

[في استهلاك مال الظالم]

وسألت عن : رجل صار معه من مال ظالم شيء فاستهلكه وهو من أصله ماله ، ثم مات ذلك الظالم وعليه مظالم كبيرة تستوعب ذلك الدين وأمثاله ؛ هل يجب عليه رده إلى الورثة ، أم تستوعبه الديون التي من بيت المال وغيره من ديون المخلوقين؟

الجواب عن ذلك : أن من قبض شيئا من أصل مال الظالم المستغرق لما في يده من الحلال باستهلاكه الحرام ثم مات ، أن المال ينتقل حكما إلى بيت المال ولا حق للآدميين ، وإن كان عليه دينهم لأن دينهم إنما يلزم في ماله ومات ، ولا مال له على الحقيقة لأن المخلف له مال الله سبحانه بالاستحقاق ، ومال الله سبحانه لا يقضي عنه ؛ وإنما يجب صرف ما عليه له من الدين إلى الإمام أو إلى بيت المال.

[في الدعاوى في مال الميت]

وسألت عن : رجل صار معه شيء من مال الميت ثم ادعى قوم أن لهم فيه بيعا ، وادعى آخرون أن لهم فيه وراثة ، وشهد قوم آخرون أن بعضه صدقة ولم

٣٠١

يجدوا ، وكثرت فيه الدعاوى ، والورثة منكرون لذلك والتبست الأمور فيه ولم ندري الأخذ إلى من يتخلص بالذي أخذه؟

الجواب عن ذلك : أن مستقر مال الميت في أيدي الورثة ، وما يدعي فيه بعد ذلك هو الطارئ ، فما ثبت كان أولى من الورثة ، ومدعي الإرث لا بد أن يصحح النسب أو السبب وإلا فلا تحقيق لدعواه ، ومن ادعى صدقة في المال لا بد أن تكون محدودة معلومة وإلا فلا شيء على الوارث من باب الحكم ، فأما الاحتياط فله حكم آخر فإن أرادوا ذلك أخرجوا سهما من المال ينفع المصرف نفعا ما ؛ لأن هذا حكم البعض دليله الاستثناء ، وسائر الدعاوي يرجع فيها إلى الحكم وإذا سلم إلى الورثة والحال هذه أجزأه إن طالبوه وجب عليه التسليم إليهم.

[في الأروش]

وسألت عن صبيين شجّ أحدهما الآخر ثم بلغا ولم يطالب المشجوج الشاجّ بالأرش فلا يؤدي الشاجّ إليه هل يجوز له أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن المشجوج لا يخلو إما أن يعلم بالشجة أو لا يعلم فإن علمها فلا تخلو إما أن يعلم أن لمطالبته تأثيرا أم لا ؛ فإن كان عالما وهو يعلم أن لمطالبته تأثيرا وسكت لم يجب على الشاج التأدي إليه ووجب توطين النفس على القضاء عند المطالبة والوصية عند الموت ؛ فإن كان غير عالم أو عالما ولكن مثل الشاج لا يوفي المشجوج حقه وجب عليه التأدي ، وإنما قلنا ذلك لأن الشجة لم تكن في الأصل معصية فاعلم ذلك.

٣٠٢

[في الكفارات]

وسألت عمن : عليه كفارات أيمان بالله تعالى وهو فقير ، ما حد الفقر الذي يجوز له فيه أن يكفر بالصوم؟

الجواب عن ذلك : أن الفقر الشرعي أن لا يملك مائتي درهم ، أو عشرين مثقالا ، أو ما قيمته ذلك بما خلي ما يعظم بالمتخلي عنه البلوى فإذا كان كذلك فإنه يجوز له أن يكفّر بالصوم إن خشي من التكفير بالإطعام مجحفة أو مضرة شديدة ، وإن ملك دون المذكور ولم يخف ما ذكرنا لم يجزه إلا الإطعام أو ما يقوم مقامه ؛ لأن الرجل علل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما يملك شيئا البتة فاعلم ذلك ، وقد علله تعالى بأن لا يجد ، وكان الوجد يسقط الحكم.

[في الصيد]

وسألت هل يجب في الجراد والصيود خمس أم لا؟

[الجواب :] وعندي أن الخمس يجب في كل شيء مما يغنم لأن الله تعالى قال : (أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) ، وهذا مغنوم وهي شيء.

[في التقليد]

وسألت : هل يكون تقليد الحي أولى من تقليد الميت في الشرعيات أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن التقليد في الشرعيات واجب بالدليل ، قال تعالى : (أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام : ٩٠] ، وقال تعالى : (لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) [الأحزاب : ٢١] ، وقال تعالى : (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ

٣٠٣

أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى) [يونس : ٣٥] ، وأمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالرجوع إلى قضاته وولاته وألزم ذلك حتما ، والمرجح فيه سكون النفس إذ هو نهاية التقليد في الشرعيات ، إن سكن نفس المقلد فيكون مكان العلم ظنا ، فما كان أقرب إلى السكون كان أولى سواء كان حيا أو ميتا وإنما في الحي مزية المراجعة والتبيين ، وليس هذا يوجد في القول الموضوع ، فأما إذا كنت على مذهب الميت وكان صاحب الوقت إماما كان له أن يلزمك مذهبه إلزاما ، وإن كنت ترى خلافه وكان عليك أن تلتزمه وتجري ذلك مجرى الحكم النافذ بالولاية وإن خالف اجتهاد المحكوم ، فتفهّم ما ذكرت لك ، فإن كان السؤال امتحانا فقد بلغ الكتاب أجله قبل هذا الأوان ، والأشغال تكثر عن التعداد ، وإن كان استرشادا.

(فنسأل الله تعالى أن يهدينا إلى سبيل الرشاد)

(والسلام)

* * *

٣٠٤

الأجوبة المرضية عن المسائل الفقهية

مسألة في المدبّر إذا مات سيده بعد ما كان كاتبه

وكان قد أدى بعض كتابته أو لم يؤد ؛ هل يكون حكمه حكم المدبر والمكاتب؟

الجواب عن ذلك : أن المدبر لا تجوز مكاتبته إلا من ضرورة تجيز بيعه ، فإن وقعت ضرورة تجيز بيعه جازت مكاتبته ، وإذا كان بعد موت مولاه وقد بقي شيء فحكمه حكم المكاتب فاعلم ذلك.

الثانية

إذا قتل المرتد ذمي هل يجب القود أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن القود لازم له في هذه الحال ، لأن الحال قد استوت في الكفر.

المسألة الثالثة

فيما استهلكه الغاصب من ذوات الأمثال إذا انقطع من أيدي الناس وتحول وجوب المثل إلى وجوب القيمة ؛ هل تكون قيمته يوم الغصب أو يوم المطالبة أو يوم انقطاعه من أيدي الناس؟

٣٠٥

الجواب عن ذلك : أن الجواب هو قيمته يوم المطالبة لأنه يتعين تأديته في تلك الحال.

المسألة الرابعة في النذر المشروط

بشرط متقدم نحو أن يقول : إن قد شفى الله مريضي فعلي كذا وكذا؟

الجواب عن ذلك : أن النذر يلزمه وإن تعلقت صيغته بالماضي ؛ لأن الغرض وقوع الشفاء وسواء تقدم قبل النذر أم تأخر وقد حصل ما شرط فلزم.

المسألة الخامسة في ابتداء أحوال الدية اللازمة للعاقلة

أتكون عند وجود سببها وهو القتل ، أو تكون من يوم حكم الحاكم؟

الجواب عن ذلك : أن ابتداء أحوالها من يوم الحكم لأنه اليوم الذي لزم فيه الحق واستقر وثبت وكان قبل ذلك ، كما يجوز الثبوت يجوز السقوط لاختلاف الوجوه والأسباب فتفهم ذلك موفقا.

ومما سأل عنه من فروع هذه المسألة فيمن مات ممن كان قد وجب عليه الحق هل يقال بوجوب ذلك على ورثته أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن ما لزم من الحق لزم ورثته تسليمه من ماله ولا تسقط بموته لأنه ثبت عليه الوجوب فلا يسقطه إلا الأداء أو ما يجري مجراه.

٣٠٦

وسأل أيّده الله ، عن : الفصل بين المسألتين في التحرير وشرحه

وهما فيمن أرسل الدابة في زرع الغير فأفسدته لا من فورها ، والثانية فيمن حل رسنها ولم يكن نفورها من فورها.

قال أيّده الله : فقالوا في الأولى يلزمه ضمان ما أفسدته ، وقالوا في الثانية لا يكون ضامنا للدابة لأن نفورها باختيارها وإن كان منه سبب ذلك أولا فأول.

قال أيّده الله : وهذا الوجه موجود في المسألة الأولى فما الوجه الفارق؟

اعلم أيّدك الله : أن أغراض أهل العلم لا يتمكن من الاتصال بمعرفتها إلا بأن تعرف عللها ، وقد ثبت أن كل فعل يفعله الإنسان أو يكون في الحكم كأنه من جهته فإنه يلزمه في الحكم ، وإن كان فعل غيره كما يقول فيمن يلقي نفسا بين المطر فتموت ، أو يغلق على إنسان بابا ويمنعه من الطعام والشراب ، فإن الموت في المسألتين وإن كان فعل الله سبحانه فهو لازم له في الحكم كأنه من جهته ، والدابة لها شبه بالآلة من حيث فقد العقل ، ولها ضرب من الاختيار لمكان الإلهام ؛ فإذا أرسلها في الزرع صارت كالآلة فما حصل منها والحال هذه لزمه ، كحافر البئر وناصب الحجر في طريق المسلمين ، وإن لم يقع الضرر بهما في الحال فهو لازم له ، فأما إذا خلع رسنها فأكثر ما فيه أنه مكنها من فعل ما يوجب الضمان وكانت حركتها للضرر ، وفعل الضرر قد وقف على اختيارها فصار بمنزلة من يرى رجلا يروم قتل آخر ويرفع الحديد فيناوله سيفا أو سكينا فقتله به فإنه لا يلزمه والحال هذه ضمان ، وإن كان قد مكّنه مما يوجب الضمان بخلاف ما لو كان السيف بيده مسلولا ، ثم دهقه فقتل به آخر فإن الضمان على الداهق لأن القاتل صار والحال هذه بمنزلة الآلة ، فهذا ما أمكن في هذه المسائل على وجه الاختصار لمكان تكاليف الأشغال ، فتفهّم موفقا.

* * *

٣٠٧

مسألتان لم يعلم من سأل عنهما

فأحببنا وضع الجواب له إن وقف عليه أو لغيره تعرضا للثواب من الله سبحانه.

الأولى

في رجل تزوج امرأة ودخل بها ، ثم غاب عنها ، وصار يدور في البلاد ، ولا يقوم بشيء من حقوقها ، ولا بنفقة له بما يجب لمثلها على مثله.

قال السائل : هل لقاضي الإمام أن يكرهه على تسليم ما يجب عليه من دون وكيل المرأة أم لا؟ وهل له أن يكرهه على الطلاق أم لا؟

الجواب عن ذلك : أنه لا يلزمه والحال هذه إلا أن يكون لها وكيل أو ولي مطالب ؛ لأن الحال يحتمله ، والحقوق لا تلزم بالتجويز ؛ فإن علم منه تمردا عليها بعد المطالبة وأنه قد صار يفر من بلد إلى آخر مما يلزمه من الحق ، كان لولي الإمام أو حاكمه إكراهه على الاستقرار بما يلزمه والإنفاذ إلى المرأة لتقيم وكيلا ينازع لها لأن الإمام إنما قام لمصالح المسلمين وهذا من أهم المصالح ، فأما الإكراه على الطلاق فلا يصح. فافهم ذلك موفقا إن شاء الله تعالى.

٣٠٨

الثانية

في رجل أخذ من طعام مغصوب ملئ كفه ثم طرحه على باقي الطعام هل يلزمه كل الطعام أم لا يلزمه إلا ما حركه؟

الجواب عن ذلك : أنه لا يلزمه من الطعام إلا ما قبضه ، ولا يلزمه ما حركه منه بطرحه أيضا فلا يلزمه باقي الطعام ، وإنما قلنا ذلك لأن الضمان لا يلزمه إلا بالغصب ، والغصب لا يصح إلا بالقبض ولم يقبض إلا قدر ملئ الكف فاعلم ذلك.

٣٠٩

[مسائل أخرى في مواضيع متفرقة]

ومما سأل عنه قال أيّده الله : هل يجوز لمن عليه حق لله سبحانه وحق للمخلوقين وهو معسر ثم أنفق على ما يحتاج من أهله ممن لا يرى منه بدا أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن من لزمه حق الله سبحانه وحق المخلوقين فإنه لا تجب عليه التأدية في حال الإعسار وفي تقديم حق الله سبحانه أو حق المخلوقين ؛ إن كان لمعيّن فهو أولى بالتقديم من حق الله سبحانه وتعالى ، لأنه لا يجوز صرف حق الله سبحانه إلى غير معيّن من المستحقين ، والآدمي معيّن فالمعيّن أولى ، فإن استويا في الوجوب ولزمه ذلك كان له أن يصرفه فيمن لا يجب عليه نفقته من أقاربه ، بل ربما يكون ذلك أولى.

المسألة الثانية

قال أيّده الله : إذا كان على رجل دين لله سبحانه وللمخلوقين ومعه شيء هين لكسوة له أو لنفقته لا يجد به في الوقت عوضا ؛ هل يجب عليه قضاؤه إذا ضيق عليه ، أم يجوز له ينتفع به إلى أن يحصل غيره؟

الجواب عن ذلك : أن وجوب الأداء والحال ما ذكره السائل أيّده الله يختلف بكثرة الدين وقلته ، وسعة المصر وضيقه ، فإن كان الدين كثيرا والذي في يده

٣١٠

يسير وهو مفلس جاز له الانتفاع باليسير لنفسه وولده ، وكذلك إذا كان في مصر ضيق الحال قليل المرفقة في الاكتساب وكان معه قدر الذي إذا قضى به دينه أدى إلى تلفه وتلف أهله والإجحاف بحالهم كان له أن يستمتع باليسير إلى أن يأتي الله سبحانه بفرج مما نزل به ، وإن كان معه اليسير وعليه من الدين اليسير وهو في حكم الغني في هذه الحال فعليه القضاء ، وإن لحقه بعض الضر ؛ لأن الحقوق لا ترفع باستضرار من لزمته تأديتها.

المسألة الثالثة

قال أيده الله : إذا سافر رجل بلدا بعيدة واستخلف رجلا آخر على أهله وسلم إليه المسافر شيئا ينفقه عليهم وفي بيته شيء لم يأمره ينفق منه ، ثم أنفق ما سلمه إليه إلى أن نجح ، وقد جعل المسافر نفاقه من جملتهم ، فاختص المستخلف من ذلك بشيء من دونهم ولم يعلم هل يكره ذلك أم لا يكرهه ، وغالب ظنه أنه يكرهه ما يلزمه إذا أراد الخلاص؟

قال أيّده الله : ثم بعد نجح ما سلمه إليه باع مما في البيت وأنفق عليهم بغير إذنه ؛ ما يلزمه إذا أراد الخلاص؟ وادعى رجل آخر بعد ذلك أن من جملة ما في البيت شيئا وديعة له أو رهنا ، ولم يعلم المستخلف ذلك ، وإن كان يظن صدقه ما يلزمه في ذلك مع أن المسافر لا يرجى له وصول في هذا الزمان ، هل يتضيق عليه من ذلك شيء قبل وصوله أم لا؟

[الجواب] : اعلم : أن هذه المسألة تشتمل على ثلاث مسائل ، ونحن نفصل لك الجواب مختصرا إن شاء الله.

٣١١

اعلم أن المسافر إذا استخلف رجلا على أهله وسلّم إليه المسافر شيئا ينفقه عليهم وعليه ، كان له أن ينفق عليه إلى قدر أجرته وعليهم إلى قدر حاجتهم ، وما يعتاد مثلهم من مثله ؛ فإن اختص بشيء دونهم مما يزيد على المستحق لم يجز له إلا بإذنه ، وإن ظنّ كراهته كان ذلك أعظم في باب منع الجواز.

الثانية

إذا نجح ما أمره بإنفاقه هل له أن يبيع مما في البيت للإنفاق أم لا؟

الجواب عن ذلك : لا يجوز له إلا بأمر ولي أو حكم حاكم ؛ فإن فعل بغير ذلك كان ضامنا لما أحدث اللهم إلا أن يكونوا في مفازة أو موضع لا يتأتى فيه الفزع إلى الحاكم ، وانتظار أمر الولي ، وخشي عليهم التلف فإنه يجوز له والحال هذه من طريق الحسبة أن يبيع من قماش ببيت مستخلفه ، وينفق عليهم بالعدل والإحسان على ما جرت العادة ، ويتناول قدر ما يستحقه.

الثالثة

إن ادّعى الغير أن له مما في البيت وديعة ، أو رهن وظن صدقه والغائب لا يرجى إيابه في الحال ما الحكم؟

الجواب عن ذلك : أن مدعي الوديعة والرهن لا يصدق وإن ظن صدقه إلا ببينة ؛ فإن قامت له بينة وإلا فلا شيء عليه في ذلك ، فاعلمه موفقا.

المسألة الرابعة

قال أيّده الله : إذا استبرأ رجل من رجل آخر مما عليه ، ولم يعيّن له مقدار

٣١٢

ذلك هل تبرأ ذمته أو لا؟ قال : وهل لبيت المال والكفارة وزكاة الفطر مصرف واحد ، أم لكل شيء من ذلك مصرف؟

الجواب عن ذلك : أن كان يعلم من حال من استبرأ منه أنه إذا عين له لم يبره لم يصح البراء فيما بينه وبين الله سبحانه ، وفي أنه هل يرجع عليه إذا انكشف له الأمر أم لا كلام آخر ، والأولى أن له الرجوع لأنه إذا كان في ظنه أنه استبرأ من دينار واحد وعند المشتري مائة فلم يقع البراء على نفس المستحق فثبت له المطالبة ، وإن كان يظن أنه إن عيّن يبره ، أو كان الحال عليه ملتبسا صحّ البراء فيما بينه وبين الله سبحانه ، وفي الظاهر إذا انكشف الحال وطالبه كان عليه اليمين ما انطوى ضميري عند البراء إلا على كذا وكذا من الحق دون ما عداه ، وما ضم إلى هذه المسألة هي قوله : هل لبيت المال والكفارة وزكاة الفطر مصرف واحد أم مصارف مختلفة؟

فالجواب : أن لكل واحدة منهن مكانا هو به أولى من غيره ، وإن كان يجوز نقله إلى غيره فالزكاة محلها على الإطلاق الفقراء في الدرجة الأولى ويجوز صرفها في صنف واحد إذا تعينت فيه المصلحة ، وصدقة الفطر تختص بالمفطرين يوم الفطر من الفقراء توسعة عليهم لشرف ذلك اليوم ، وفي الجواز يجوز صرفها إلى مصرف الزكاة لأن حكمها واحد ، وبيت المال أولى به أهل الديوان لأنه في الأصل لهم دون غيرهم ، ويجوز صرفه إلى أهل الزكاة والمصالح.

المسألة الخامسة

إذا قبض كرا حانوت وبعضها صدقة لمسجد هل يجوز له أن يعطيه كرا البعض الثاني على التراخي ، أو يعطيه سهما في أصل الحانوت بقدر الذي له ، وألحق هذه المسألة الكلام في شيء تلف وهو لصدقة غير معينة إلى من تصرف؟

٣١٣

الجواب عن ذلك : أنه إذا لزمه شيء من كرا الحانوت لمسجد معين كان أو مختلطا فيه فإن تأديته تضيق عليه ؛ فإن جعله من كراء الحانوت على التراخي ووفى ما لزمه برأت ذمته ، ولا يبعد أن يكون آثما إلا أن يكون فرق ذلك لمصلحة تعود على المسجد ، والأعمال بالنيات ، وإن سلم بعض الحانوت بالقيمة جاز ذلك.

والجواب عما ألحق بالمسألة فيما أتلف من الصدقة التي ليست بمعينة وأراد الخلاص إلى شيء يصرف؟

الجواب أن يصرف ما يلزمه من ذلك إلى الفقراء وبه يخلص إن شاء الله تعالى.

المسألة السادسة

إذا كان عليه حق لله تعالى وحق للمخلوقين يطلب الخلاص ، وهو يحصل الشيء اليسير بعد الشيء ، وهو يحتاج له لمصلحة أخرى ، قال : هل يجب إيثار قضاء الدين؟ وإذا وجب عليه ، هل يحاصص بين الحقوق أو يقضي الأول فالأول؟

الجواب عن ذلك : أن القضاء واجب عليه وإن احتاج لمصلحة أحواله لأنه يجب بالإمكان وقد أمكن ، والمصلحة الأخرى لا تقدح في منع القضاء ؛ فإذا وجب عليه قال : هل يحاصص بين الحقوق أم يقضي الأول فالأول؟ إذا كان مجمعا على القضاء جاز له تقديم بعض ذلك على بعض ويتضيّق عليه حقوق الآدميين بالمطالبة ، وحق الله سبحانه بالتمكن ، ولا يخرجه عن عهدة ما لزمه إلا الأداء ، فاعلم ذلك موفقا إن شاء الله تعالى.

٣١٤

وهذه مسائل من بازل بن عبد الله المقراني

المسألة الأولى [في البيع]

قال أيّده الله في رجل اشترى من رجل أرضا وفيها نهر مدفون أو بئر مدفونة ، ثم أظهره المشتري ، ثم ادعى البائع الجهل وأراد البائع النقض ، ما الجواب؟

الجواب عن ذلك : أن البيع صحيح ، وجهالة البائع بالبئر والنهر لا توجب بطلان البيع ، وهو كالتوابع في نفس المبيع بعد معرفته بالجملة ، كالذي يبيع رمكة (١) ولا يظنها حاملا ، أو عبدا وله مهنة تزيد في ثمنه زيادة عظيمة ولا يعلمها عند العقد ، وكما إذا باع فرسا على أنها حرون (٢) فوجده طيبا ، أو على أنه مقصر فوجده سابقا ، وكما لو باعها فوجد فيها معدنا عظيما ، فإن بعض هذه العلل وإن لم يكن في نفس المبيع فهو كنفسه ، وجهل البائع بذلك لا يكون جهلا بالأرض وإنما جهل بعض منافعها أو بعض أجزائها ، فهو كالحق من حقوقها لأن نفس الماء لا يصح بيعه وإنما منبعه وموضعه ، والكل معلوم أو في حكمه ، فهذا ما يصح عندنا في هذه المسألة على وجه الاختصار.

__________________

(١) الرمكة : الفرس ، والبرذونة ، معرب والجمع رمك وأرماك جمع الجمع ، وقال الجوهري : الرمكة الأنثى من البراذين. انظر لسان العرب ، ترتيب يوسف خيّاط ج ١ ص ١٢٢٧.

(٢) حرون : يقال فرس حرون من خيل حرن لا ينقاد إذا اشتد به الجري وقف ، وقد حرن يحرن حرونا وحرن بالضم أيضا صار حرونا والاسم الحران. انظر لسان العرب ، ترتيب يوسف خياط ج ١ ص ٦٢٠.

٣١٥

المسألة الثانية [في العتق]

في رجل له ثلاثة عبيد فقال : إني أعتقت واحد من عبيدي هؤلاء. فقالوا : فعين المعتق من هو هذا ، بل هذا ، بل هذا ، ثم وقف على الآخر منهم. ما الحكم فيهم؟ وهل فرق بين أن يكون أحدهم قد ادعى أنه المعتق أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن قول السيد هو هذا بل هذا إضراب عن الأول وإثبات للثاني ، فهو بمنزلة الاستثناء من النفي بالإثبات ، ولا فرق عندنا بين أن يكون أحدهم قد ادعى العتق لأن تصديق المدعي يتنزل منزلة الإقرار ، فإذا استثنى في الإقرار صحّ الاستثناء ، ويصح فيه العطف والإضراب ، إذ هذا من صحيح ما تعتمده العرب في لسانها ، وحمل كلامهم على الوجه الصحيح في لسانهم أولى ، فإن استقر على مدعي العتق أو لم يستثنه ولم يضرب عنه فإن صحت دعواه وإلا لم يثبت إلا بالبينة كما في سائر الدعاوي.

المسألة الثالثة [في الشفعة]

في رجل اشترى أرضا للغير فيها شفعة فقال : المشتري اشتريتها بمائة. فشفع الشفيع ، وأخذ المبيع ، ودفع على مائة وخمسين فأقام البينة على ذلك هل يلزم الشفيع أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن على الشفيع ما ادعى المشفع إن صدقه ، ولا شيء عليه سوى ذلك إلا ما قامت به البينة ؛ ودعوى البائع إنما هي توجه على المشتري منه الأول الذي قام عليه الشفيع ، وإذا أقام البينة كانت الدعوى متوجهة على المشتري منه دون الشفيع ولم يكن على الشفيع إلا ما ادعاه عليه المشفع إن صدقه أو قامت به البينة إن ناكره.

٣١٦

المسألة الرابعة [في دعوى الجهالة]

في رجل عقد على أرض كثيرة عقدا واحدا إما وقفا أو صدقة أو هبة أو غير ذلك ، وهي كلها معلومة محدودة إلا واحدة منهن فإنها مجهولة هل يفسد العقد جميعه أو يفسد المجهول على حدة؟

الجواب عن ذلك : أن دعوى الجهالة لواحدة من الأراضي لا يتحقق مع إطلاق لفظ واحد عليها ، فإن وقع بعض الجهالة لحق بالمعلوم ، كالذي يقول : كلما أملك صدقة. لحق هذا اللفظ كل شيء ملكه له دون غيره فإن كان له مال لم يعلم ، كان في حكم المعدوم على الأصل ، وإن كانت تصير معلومة بالثاني فهي في حكم المعلومة في الأول ، وإن لم يصح أن تكون معلومة في الثاني كانت في حكم المعدومة في الأول فاعلم ذلك.

المسألة الخامسة [في الصيام]

في رجل صام أياما قضاء عن صيام فاته ، ثم أفطر ناسيا هل يجب عليه الإمساك أم لا يجب؟

الجواب عن ذلك : أنه لا يجب عليه الإمساك إذا أفطر ناسيا في غير شهر رمضان ، وإن كان في قضاء شهر رمضان إذ لا حرمة لشيء من الأيام سوى رمضان ؛ فإذا أفطر لم يبق للإمساك حكم لفقد الحرمة ، فاعلم ذلك.

المسألة السادسة [في القراءة في الصلاة]

في رجل صلى المغرب أو العشاء ثم اختار القراءة في موضع التسبيح. هل يقرأ الحمد وسورة ، أو الحمد فقط؟ وهل تكون القراءة جهرا أو مخافتة كيف بيان ذلك؟

٣١٧

الجواب عن ذلك : أن له أن يسبح وأن يقرأ ؛ والقراءة عندنا أولى فإذا قرأ أجزأه الحمد ولا يلزم إضافة سورة أخرى إلى الفاتحة ؛ لأنا لم نوجب إضافة السورة لمجرد إيجاب القراءة ، وإنما ذلك لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وسورة معها» وفي بعض الأخبار «وقرآن معها» بعضها «وشيء معها» فإذا قرأ الفاتحة كان قد ذكر.

وأما قوله : يجهر أو يخافت. فليس له إلا المخافتة قولا واحدا ، بدليل أنه لو كان جهر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الركعة الأخيرة من المغرب والركعتين الأخيرتين من العشاء لما وقع الخلاف في القراءة والتسبيح ، وإنما خافت ؛ فقائل يقول : قرأ. وقائل يقول : سبّح. ومن جهر فقد ابتدع وخالف المعلوم من دينه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسنته ، فاعلم ذلك.

المسألة السابعة [في البيع]

في رجل باع عبدا وشرط على المشتري أن يرد الثمن إن أبق إلى مدة معلومة هل يصح البيع والشرط ، أو يصح البيع ويبطل الشرط ، أو يبطلان معا؟

الجواب عن ذلك : أن البيع يصح ، ويبطل الشرط لأن البائع قد أخذ ما في مقابله العبد وهو الثمن ، والمشتري قد أخذ ما في مقابله الثمن وهو العبد وإن الإباق أمر آخر ؛ فلم يصح اشتراطه في العقد فصار الاشتراط لغوا.

المسألة الثامنة [في البيعة]

في رجل حلف بالبيعة ثم حنث ولا يعرف البيعة ولا ما فيها؟

الجواب : أن من حنث بأيمان البيعة كان عليه كفارة يمين إلا أن يكون قد

٣١٨

نطق بشروطها كان عليه ما ألزم نفسه كل شيء بحكمه وما يلزم في ذلك فاعلم ذلك موفقا ؛ واعلم أن المسائل وصلت في وقت اشتغال متراكمة والسلام.

وصلّى الله على محمّد وآله

وسلم تسليما

* * *

٣١٩

مسائل أخرى في الشفعة (١)

سأل عنها الفقيه بهاء الدين علي بن أحمد الأكوع (٢)

سألت أيّدك الله تعالى بتوفيقه ، ولا إخلال عن تأييده عن مسائل في الشفعة غامضة الأصول ، واسعة الفصول ، ولا سبيل إلى استيفاء وجوهها ، وتبيين عللها ؛ وإنما نذكر الجواب جملة لضيق الوقت ، وبالله نستعين وعليه نتوكل.

المسألة الأولى

في رجل شرى موضعا وله شفيع مطالب بالشفعة في ذلك ، ثم طالبه الشفيع بالشفعة ، وبيعت الأرض إلى تلك الأرض لمن تكون الشفعة في هذه البيعة الآخرة للمشتري أم للشفيع المطالبة؟

__________________

(١) هذه مسائل سيجيب عليها الإمام مرة أخرى كما سترى في صفحات قادمة.

(٢) علي بن أحمد الأكوع [... ـ ق ٧ ه‍] علي بن أحمد بن الحسين بن المبارك الأكوع : عالم ، فقيه ، فاضل ، من أعيان العلماء في القرن السابع الهجري ، ومن أصحاب الإمام المنصور عبد الله بن حمزة والمجاهدين معه ، وقرأ على الإمام كثيرا من كتب العلم ، وقرر مذهب الإمام ، وجمع كتابه الآتي بعد قراءتهما لكتاب (شمس الشريعة) سنة ٦٠١ ه‍ ، في حصن ذي مرمر ، وله تلاميذ ، وكان واسع الرواية من الأقطاب الذين تدور عليهم أسانيد كتب الآل ، عالما ، عابدا ، دينا ، صادق اللهجة ، لم يذكروا له تأريخ ميلاد ولا وفاة وقبره عند مسجده في الملاحة بجبل مرهبة ، ومن مؤلفاته (الاختيارات المنصورية) كتبه بأمر الإمام المنصور عبد الله بن حمزة ، وبلغ فيه إلى كتاب الكفارة (فقه).

انظر : أعلام المؤلفين الزيدية ، ومنه : مؤلفات الزيدية ١ / ٨٧ رقم (١٩٦) ، الجواهر المضيئة ـ خ ـ ص ٦٢ ، لوامع الأنوار ١ / ٣٩٥ ، ٤٨٧ ، مطلع البدور (خ).

٣٢٠