مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ٢

المنصور بالله عبدالله بن حمزة

مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ٢

المؤلف:

المنصور بالله عبدالله بن حمزة


المحقق: عبدالسلام بن عباس الوجيه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦٥
الجزء ١ الجزء ٢

ذلك ، وسيفا من سيوف إمامك ، وتكون الأموال معونة لك على إحياء دين الله عزوجل ، وتجديد شرع جدك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد أطلقت لك ذلك وأبحت لك التصرف فيه بشرط التزام الطاعة والانقياد لأمر الله سبحانه وتعالى.

[المسألة التاسعة في أموال الظلمة]

وسأل أيده الله عن : دخول مكة حرسها الله تعالى وكون المفسدين وأنهم كانوا قد بنوا دورا وأصاب لهم أموالا غير ذلك مما جمعوا من الظلم والترف ما يكون الحكم في دورهم وفيما تمكن منه من أموالهم وأراضيهم المكتسبة من الحرام ، وما يكون الحكم فيمن يمكن الله منه من المفسدين ومن الأموال؟

الجواب عن ذلك : أن الأصل في أموال الظلمة وأعوانهم وإسبائهم أنها تكون بيت مال وأنه يجوز للإمام ومن يلي من قبله أن يستحيط على جميع ما في أيديهم من قليل وكثير ودقيق وجليل ، وما ملكوه بطريق الحل أخذه تضمينا ، وما كان من الحرام أخذه مستحقا ، ولا يدع لهم إلا أن تكون جارية قد استولدوها فإنهم قد استهلكوها بالاستيلاد ، ولا يجوز لأحد من أهل الشهادة أخذ مال من أهل الشهادة إلا بمبيح شرعي فالمبيح الشرعي الإمام أو أمره ، فاعلم ذلك.

وأما ما يؤخذ منهم فإذا قد كنت على ولاية والتزام طاعة فقد وكلت في ذلك إلى نظرك وما ترى به صلاح الدين وعز المسلمين فاعلم ذلك.

[المسألة العاشرة زواج التحليل]

وسأل أيّده الله عن : رجل طلّق امرأة تطليقا بانت منه بثالثة ، ثم جاء إلى رجل آخر فقال له : إني قد طلقت فلانة ثلاث تطليقات وإني أشتهي أن

٢٦١

تزوجها فإن وافقتك فهو غرضي وإن لم توافقك فارقتها وكانت تحل لي أتزوجها هل يكون قوله لصديقه مما يحظر عليه تزويجها إذا تزوجها ثم طلّقها أم لا؟

الجواب عن ذلك : كلامه لا يحرم عليه زواجها ثانيا إذا طلقها الزوج الآخر ، وإنما لا تحل للزوج الآخر أن يتزوجها بنية التحليل فإن فعل وطلقها جاز لزوجها الأول أن يتزوجها ولا حرج عليه والإثم على غيره فاعلم ذلك.

[المسألة الحادية عشر في البيع]

وسأل عن : رجل اشترى ثوبا بدينار ثم باعه بدينارين من رجل آخر إلى مدة ، وكذلك الفرس وسواها؟

الجواب عن ذلك : أن البيع مرتخص وغال ، وقد يشتري الإنسان بدينار ما يساوي دينارين وأكثر فإن كان جعل الزيادة لمكان النظرة فذلك لا يحل وهو من الربا ، وإن كانت الزيادة لأجل الرغبة حل ذلك ولو باعه بأكثر ، وفي جميع المشتريات هذا ثابت والحكم فيه واحد.

[المسألة الثانية عشر حكم قاطع السبيل]

وسأل عن : رجل يقطع السبل على الفرس والبعير ويؤذي المسلمين عليهما ، والتقاه رجل آخر فنهبه ووصل بهما يبيعهما ، هل يجوز شراؤه أم لا؟

الجواب : أن قاطع السبيل محارب لله ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حلال الدم والمال على العموم للإمام ومن يلي من قبله ؛ فأما سائر المسلمين فإن قصدهم بشر جاز لهم قتله وأخذ ما كان معه ، وعليهم خمسه في غير وقت الإمام ويملكون أربعة

٢٦٢

أخماسه ، ويجوز لهم بيعه ، ولمشتريه شراءه ، وإن كان قصدهم بالشر فإن لم يقصدوا بالشر لم يجز قصده إلا لإمام ، ومن يكون من قبله فإن له ولمن يكون من قبله غزو الناس إلى ديارهم ، وحربهم وقتلهم وقتالهم ، وأخذ أموالهم ، إلا أن يلتزموا الأحكام ، ويدخلوا في الطاعة.

تم بحمد الله تعالى وإعانته فله الحمد كثيرا بكرة وأصيلا

وصلى الله على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

* * *

٢٦٣

مسائل وردت من مكة ـ حرسها الله تعالى ـ

فأجاب عليها الإمام عليه‌السلام

المسألة الأولى [في القدح والتعديل]

ما ذكر من القدح الذي جعل في الرجل المغير بشهادة عدلين فإنه أولى من التعديل وإن كثر المعدلون. فإنهم لا يخبرون إلا عن ظاهر الحال ، والقادح إذا كان عدلا يخبر عن باطنه ، ولأن المعدل ينفي والقادح يثبت والإثبات أولى من النفي في باب الشهادة في الغالب فاعلم ذلك فإن أرخ القادح القدح بوقت الإعطاء غرم المعطى إن كان من الواجبات.

المسألة الثانية [في الطلاق]

في رجل خاصم امرأته ونظر إلى غيرها وقال للحاضرين اشهدوا أنها طالق وأوهمهم أنه لا يريد زوجته ، ثم قال بعد ذلك إني أردت غيرها؟

الجواب عن ذلك : أن امرأته تطلق في ظاهر الحال إذا رافعته إلى الحاكم لأن الخصام لها والكلام بمنزلة العهد والمعهود ، والخطاب يرجع إليهما فإن لم ترافعه دين فيما بينه وبين الله ولم يفصل بينهما إن كان ظاهر العدالة.

٢٦٤

المسألة الثالثة [في الظهار]

في امرأتين أسماؤهما واحدة ، وأسماء آبائهما واحدة ، وأسماء أمهاتهما واحدة ، وأمهاتهما باقية ، ثم ظاهر من واحدة منهما غير معينة والتبس عليه الحال فإنه يكون مظاهرا من كل واحدة منهما لوقوع الاسم عليهما وإن لم يعلم إيقاع الظهار على واحدة بعينها.

المسألة الرابعة [في الصلاة خلف من يعتقد خلافة صاحب بغداد]

في الصلاة خلف من يقول إن القرآن قديم ، ويعتقد خلافة صاحب بغداد؟

الجواب عن ذلك : أن الصلاة خلف من هذا حاله لا تجوز عندنا لأن أقل أحواله الفسق بهاتين المسألتين لأن القول بتقدم القرآن إثبات قديم مع الله تعالى لأن الكلام غير المتكلم ، وخلافة صاحب بغداد لا يقول بها أحد من المحصلين من الفرق إذ لم يختلفوا في وجوب عدالة الإمام.

المسألة الخامسة [في اليمين بالصيام]

فيمن يحلف بصيام السنين ثم يحنث وكانت يمينه عند الغيظ وأيمانه عند الغيظ لا فرق بينها وبين أيمانه عند الرضى في وجوب الحنث ولزوم النذر عندنا وإذا كان همّا لا يقدر على الصيام أطعم عن كل يوم مسكينا فاعلم ذلك.

المسألة السادسة [في خروج الزوجة والابنة]

في رجل ظاهره السلامة في إقامة الواجبات إلا أن امرأته وابنته تخرجان وهو يزجرهما ولا يقصر عن نهيهما عن ذلك بكل ما يمكنه من ضرب

٢٦٥

وتأديب عقب الأمر باللين وكان خروجهما متبرجتين ولم يقصر في النهي عن ذلك فإن ذلك لا يسقط عدالته إلا أن يظهر على امرأته فجور فلم يطلقها فإن ذلك يسقط عدالته ، وكذلك إن ظهر على البنت حبسها حتى يقام عليها حكم الله أو تظهر التوبة إذا لم يكن ثم إمام ولا قائم مقامه ، فأما إذا خرجت في حال سترة ولأمر يعنيها فلا إثم عليه ولا عليها فاعلم ذلك.

تمّ بحمد الله تعالى ومنّه

وصلّى الله على نبيه محمّد وآله وسلّم

* * *

٢٦٦

مسائل أخر وردت من مكة ـ حرسها الله ـ

المسألة الأولى [عن المعاملة في دار الظالمين]

عن المعاملة في دار الظالمين فصرف دراهم دينارا ودرهما وهو من مظالمهم وغيرها مما يجلب إليهم من ظاهر الحل؟

الجواب عن ذلك : أن الحكم للأعم الأكثر فإن كان الحرام فالمقبوض بيت مال بلا إشكال ، وإن كان الأكثر الحلال فظاهره الحل ، وإن استويا في الظن رجح الحظر على الإباحة وكان المقبوض بيت مال ، فهذا هو الشرع فيما نعلمه.

المسألة الثانية [في الهرج باليمين على الظنّ]

في الهرج باليمين على الظنّ بالمال ثم تبين بعد ذلك الحنث؟

الجواب عن ذلك وبالله التوفيق : أن اليمين إن كانت على الظنّ فلا إثم وإن كانت على القطع وجبت الصدقة بالثلث من المال ، وإن التبس الحال فالحيطة الإخراج لثلث المال من الملك صدقة ، إذ القربة تتعلق بالنذر بالمال لا تتعلق بالحال هذه الآية فاعلم ذلك ، وإن كان قد صرف ما في يده كما ذكر إلى من يوثق به جاز ، وإن كان هذا بعد الحنث يكره استرجاعه لئلا يؤدي إلى إبطال الحقوق ، وأما قبل الحنث فالحيلة في سقوطه غير مكروهة ، والله الهادي.

٢٦٧

المسألة الثالثة [في مسائل أخرى]

فيمن يفعل في طعامه وتبديده للجن ، وكراهته للمسير في يوم دون يوم ، والجواز في طريق دون طريق ، وهذا لا يكون شركا بالله سبحانه حتى يعتقد تعظيم الجن ، وتعظيم اليوم والطريق ، وأن لها تأثيرا من قبل نفسها في النفع والضر وما سوى ذلك فجهالات لا تبلغ الشرك ، والتوبة تجزي من ذلك كله ، والمعاهدة التي ذكر إذا لم يتبين أنه جعل على نفسه فيها عتقا ولا نذرا علم بيقين فلا شيء عليه لأن الأصل براءة الذمة من ذلك.

المسألة الرابعة [في وقف العبيد]

في عبيده الذين أوقفهم بعد عينه وجعل منافعهم لأنفسهم ووقفهم صحيح إذا كانوا أهل صلاح ، وإن كانوا لا يصلون ولا أعفاء ، ولا فيهم طلب الآخرة ؛ فالذي أرى أن وقفهم لا قربة فيه لأنه يكون تمكنا لهم من المعاصي ، فإن قيل بأنه تمكين من الطاعات قيل هم متمكنون من الطاعة الكاملة مع الرق الذي ثوابها يرجح ثواب الأحرار ، كما في الأخبار الشريفة فيما صنعوا فلا نرى وقفهم لهذه الحال.

المسألة الخامسة [في بيع الأدم]

في بيع الأدم مدبوغة موزونة بميزان ناقص على أنه واف ، ضأنية على أنها ماعز ، مخرقة على أنها صحيحة والثياب محرقة مرفوة على أنها سليمة وهذا من باب الغبن ، والتوبة عنه تجزيه فإن كان ، كان التفاوت في ذلك معلوم جهل أربابه أخرج ذلك القدر إلى بيت المال ، فإن علموا بتمييز له ما يخص كل واحد منهم فكذلك ، وإن لم يعلموا ولا يعلم التفاوت بين القيمتين خرج بالتحري ولا شيء عليك إلا الاجتهاد وأصل ذلك التوبة النصوح بالندم على ما فات لأجل قبحه ، والعزم على أن لا يعود إلى ذلك ليل ذلك.

٢٦٨

المسألة السادسة [الكفارات والخمس]

ما ذكر من الكفارات ، والخمس فيما ذكر من الحشيش ، والحط ، والحنط فلا نرى وجوبه في هذه الأجناس ونرى وجوبه في الملح والصيد والمعادن ، وهي مسألة كما ترى ، وهذا رأينا فيها ، وما أخرج برأت منه الذمة ، وما لم يخرج تحرّى فيه ، والله يتولى تخليصه من التبعات وكافة المسلمين ، وصلى الله على محمد وآله وسلم.

المسألة السابعة [إحالة المعاملات والظلامات]

فيما بينه وبين العباد من المعاملات والظلامات ، والإحالة بها لا تصح ما لم يرض المحال وليس إلى ذلك طريق ، وأما المحاسبة من قبل الباري تعالى فلا بد من ذلك ، روينا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرفعه قال : «إذا كان يوم القيامة نادى مناد : أنا الملك الديّان لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وعليه لأحد من أهل الجنة مظلمة ، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وعليه لأحد من أهل النار مظلمة» والمقاصصة بينهم بالأعواض لا غير ؛ لأن حسنات العاصي محبطة بسائر المعاصي فلا يصل الموقف ومنها شيء ، وإن قلنا بالموازنة فإنها تسقط بمثلها ، ولأن المستحق من الثواب يكون مقارنا بالإجلال والتعظيم ولا يستحق ذلك إلا فاعل الحسنة دون غيره ، والأعواض لا يجوز سقوطها بالمعصية لأنها بمنزلة أروش الجنايات وقيمة المستهلكات فاعلم ذلك.

فأما تحليله فلا نرى به إلا لمن طلبه من الأحياء ، فأما من لم يطلبه فلا وجه له إذ مات مصرا عليه ، وإذا تركت الحقوق عليك طمعا بالمسامحة كان تركها معصية أوف ما عليك للعباد وإن ظلموك لئلا تكون مثلهم ، اللهمّ إلّا أن يظلمك إنسان فتأخذ له مثلما أخذ لك إن كان من ذوات الأمثال دون ذوات

٢٦٩

القيم فإنها لا تستحق إلا بحكم الحاكم أو تسليط الظالم لك ، فاعلم ذلك جنّبك الله المهالك.

الثامنة [زكاة الديون]

في زكاة الديون وهي واجبة قبل القبض ، وتأديتها لا يجب إلا بعده فهي كالواجب الموسّع يتضيق بالقبض فما لم يقبض لم يجب تأدية زكاته.

التاسعة [في مسائل أخرى]

في سراية الرقيق وبيعهم ويخشى أن يعتقوا عليه بالأيمان ويكون واقعا في الخبر المخوف من بيع الحر؟

الجواب عن ذلك : أن هذا لا يلزم ، وأنهم لا يعتقون ، وأنه لا يصح العتق إلا بعد الملك ، ولا الطلاق إلا بعد العقد ، وإن حلف بهما ، وكذلك إذا كان المال مستحقا لبيت المال فله على ما في يده ولاية ، فكلما تصرف فيه بها ، لكنه لزمه مثله ، وجاز تصرفه فيه من قبل الحكم فاعلم موفقا.

وأما ما ذكره من الصدقة على الأولاد ففيها أجر ، وترك الشيء في يدك أولى ، والقدر الذي لا يستغنى عنه يصح لك تركه في يدك بالتأويل فيكون تصرفه إلى بعض المسلمين أو بعض ولاتنا ، ثم يرده عليك لتعود به على نفسك وأولادك لسببك واستحقاقك وخرج ما يمكنك إخراجه لتخلص من التبعة بينك وبين ربك هذا فيما يتعين ، والله الموفق والهادي إلى الصواب.

* * *

٢٧٠

مسائل أخرى من حلي (١) وردت

فأجاب عنها عليه‌السلام

المسألة الأولى [في الوصية]

عن رجل مات وأوصى بثلث ماله هل تدخل الدار في الوصية أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن الدار تدخل في الوصية ، قلت : وذكر عبيدا له بعد عينه ولم يبين بما ذكرهم ، فإن ذكرهم بالعتق عتقوا ، وإن أوصى لهم بمال يساوي قيمتهم عتقوا ، أو بعض قيمتهم عتق بقدر ذلك وسعوا في باقي قيمتهم ، إن أرادوا وإن لم يقبلوا فلا شيء لهم ، وإن كان أوصى بعتق العبيد أو أعتقهم بعد عينه حسبوا من الثلث إلا أن يجيز الورثة الوصية.

الثانية [في الوصية أيضا]

عن رجل صاحب طين احتاج فقال : سلم من هذه الوصية شيئا أصرفه إلى رجل من المسلمين ويرده عليّ بعد الانتفاع به ويغرم عوضه قال : فصرفت إليه الذهب وقبله وهو غني وسلمه إلى الرجل المسلم وأعطاه الآخر من الذهب أكثر من النصاب وله وكالة من الوصي؟

الجواب : أنه لا يجوز للفقير أخذ أكثر من النصاب ، ولا يجوز أن يقبل

__________________

(١) هو : حلي بن يعقوب بفتح الحاء وسكون اللام ، بلد من تهامة في شماليها جنوبي القنفذة على سبع مراحل من مكة. انظر : مجموع بلدان اليمن وقبائلها ج ١ / ٢٨٠.

٢٧١

الغني للفقير ولا للغني إلا أن يوكله الفقير فإنه يجوز قبوله له ، إلا أن يكون الغني وكيل الإمام أو واليه فإنه يجوز له ذلك بالولاية أو الوكالة إذا رأى فيه صلاحه.

سألت أن يطالب ورثته ولا مطالبة له عليهم لأنه قبضه باختيارك ، وإنما يلزمك أنت الغرامة لأنك في حكم المتعدي. وسألت عن ذهب كان مع والدك وصار إليك بحصتك وشراء وأتى من ادعاه ، وأنه كان رهنا مع والدك وأنك تقدمت إليه وفسخ الرهن وتبارى الراهن والمشتري؟

الجواب عن ذلك : أن ما خلفه الأب الظاهر أنه له ولا يصدق قول من ادعاه وإن فسخ الراهن ، والمشترى لا يبطل أحكام الرهن والشراء ، وما ذكره القاضي رحمه‌الله فمن شرى الذهب وهو مرهون يبطله موت أحد المتعاقدين ولا شك أن شراء الذهب مصارفة فلا يكون إلا يدا بيد ، والرهن فيه صحيح وبيعه ممن هو في يده صحيح ، ولا يجوز بيعه بنسيئة بذهب ولا فضة ولم يعلم كيف كان.

الجواب الأول وما معنى السؤال لأن الأشغال كثيرة والسؤال يأتي بغير تفصيل وإنما شراء الذهب يجوز عندي في الأطيان وسائر الأملاك مما لا يكون فيه معنى الصرف فإن بيعه وهو مرهون يكون غبنا في المبيع إذا رضي به المشتري جاز وإلا كان له الفسخ إذا علم.

تمّ بحمد الله ومنّه وكرمه

وصلّى الله على سيدنا محمّد وعلى آله وسلّم.

* * *

٢٧٢

مسائل أخر وجوابه عليها عليه‌السلام

الأولى [في صلاة الجمعة]

في صلاة الجمعة هل يتيمم لها مع عدم الماء إذا خشي فواتها أم لا؟

الجواب عن ذلك وبالله التوفيق : أن القياس كان يقضي بذلك لو لا انعقاد الإجماع أن عادم الماء يتلوم إلى آخر الوقت ، فحال الصحيح في هذا يشابه المريض وكان عدم الماء له عذر في الجمعة ، قال عليه‌السلام وكتبه بخطه : رأيت بعد ذلك التيمم لها على من خشي فواتها واجبا ، ولا يتلوم لأن وقتها مضيق وهي واجب معين.

المسألة الثانية [في الجنازة]

إذا حضرت جنائز الرجال وليس معهم إلا النساء هل يصلين على جنائز الرجال بمنزلة صلاتهن بهم وصلات النساء بالرجال لا تجوز وإنما قلنا ذلك لأنهن متصرفات فيهم حكما في الحالين ويناط أمورهن بهم فلم يثبت ذلك ، وعليهن لا يتمحض فيه العبادة لأن النية لو عدمت قبل دفن الميت لا تجب الإعادة فخالف الغسل الصلاة.

المسألة الثالثة [في استبراء الأمة]

في استبراء الأمة هل هو واجب من الماء فقط أم لا؟ قال : قال : فإن كان

٢٧٣

واجبا من الماء فكيف يجب على الرجل إذا اشترى الأمة من المرأة ومن ولي الصبي الصغير الاستبراء.

الجواب عن ذلك : أن ظاهر وجوب الاستبراء وأصله إنما هو من الماء ، وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لعن الله من يسقي زرع غيره» (١) ولا فرق الماء من المالك أو غيره في وجوب الاستبراء ، ويجوز أن يقع الماء في المملوكة للمرأة والصبي من زنا وغيره ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم سبايا أوطاس : «ألا لا توطأ حامل حتى تضع ، ولا حائل حتى تحيض» (٢) وفي حديث : «لا يحل لعبد يؤمن بالله واليوم الآخر فيطأ امرأة حتى يستبريها» ولا يتعلق الأشكال إلا في ملك الصغيرة هل يجب الاستبراء لها أم لا؟ إن قلنا : لا يسقي الزرع ، قيل : فلا زرع هناك لأن الزرع ما ينبت ولا نبات ولا هي حامل ، كما قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا حائل لأن هذا لا يكون إلا بعد البلوغ ، ولا هي امرأة حقيقة لأن اللفظ إذا أطلق لم يسبق إلى الفهم الطفلة وإنما يثبت بالقياس لا غيره بعلة الملك وهي تفتقر إلى النظر وتوفيق الله سبحانه.

__________________

(١) له شاهد بلفظ : «لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره». أخرجه أبو داود برقم (٢١٥٨ ، ٢١٥٩) ، وأحمد بن حنبل ٤ / ١٠٨ ، ٦ / ٣٥٨ ، وهو في موسوعة أطراف الحديث النبوي ٧ / ٣٥٨ وعزاه إلى (إرواء الغليل) ١ / ٢٠١ ، و (شرح السنة) للبغوي ٩ / ٣٢١ ، و (تهذيب تأريخ دمشق) لابن عساكر ٤ / ٣٠ ، و (البداية والنهاية) لابن كثير ٤ / ١٩٢.

(٢) أخرجه أحمد بن حنبل ٣ / ٦٢ ، والبيهقي ٥ / ٣٥٩ ، ٧ / ٤٤٩ ، ٩ / ١٢٤ ، والحاكم في المستدرك ٢ / ١٩٥ ، وابن حجر في تلخيص الحبير ١٧١ ، وهو في التمهيد لابن عبد البر ٣ / ١٤١ ، ١٤٣ ، ١٧٩ ، ومشكاة المصابيح برقم (٣٣٣٨) ، وفي فتح الباري ٤ / ٤٢٤ بلفظ : «لا توطأ حامل حتى تضع» وعند الدارمي ٢ / ١٤١ : «حتى تضع حملها» ، وبلفظ : «لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة» ، أخرجه أبو داود برقم (٢١٥٧) وهو في نصب الراية ٣ / ٢٣٣ ، ٤ / ٢٥٢ ، وانظر موسوعة أطراف الحديث النبوي ٧ / ٢٣٢ ، ٢٣٣.

٢٧٤

المسألة الرابعة [في الطلاق]

في امرأة طلقها زوجها ثلاثا لا تحل له إلا بعد زوج ثان ؛ هل تحل للأول بمجرد العقد أم لا لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» (١) قال فإن مات عنها فهل الموت بمنزلة الدخول أم لا؟

الجواب عن ذلك : أنها لا تحل للزوج الثاني بمجرد العقد وإن كان من قول أصحابنا أن الموت بمنزلة الدخول فليس إلا في حكم المهر والميراث ، ولو خلا بها لاستكملت المهر كله مثلا ، وإن لم يقع وطأ لا تحل للآخر بمجرد الخلوة آكد في حق الزوجة من الموت لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علق الحل بما هو مفقود في الموت وهو ذوق عسيلتها وعسيلته.

المسألة الخامسة [في الحج]

في الولد يحج عن والده بغير وصية ولا وكالة هل يصح عنه الحج أو لا؟ فإن صح الحج هل سائر الواجبات من الصلاة والصوم وغيرهما أم لا؟ وما الفرق بين الحج وسائر الواجبات؟

الجواب : أن الحج للوالد يصح للخبر فيه للمرأة الحاجة عن أبيها وما شاكل ذلك ، والقياس عليه سائر الواجبات من الصلاة والصوم وغيرهما أم لا؟ وما الفرق بين الحج وسائر الواجبات لأن الخبر ورد بخلاف الأصول كخبر

__________________

(١) أخرجه أحمد بن حنبل ٦ / ٣٤ ، ٣٧ ، ١٩٣ ، والبخاري ٧ / ٧٣ ، وعبد الرزاق برقم (١١١٣٥) ، وهو في مجمع الزوائد ٤ / ٣٤٠ ، وفي موسوعة أطراف الحديث النبوي ٧ / ٢٣٧ ، وعزاه إلى نصب الراية ٣ / ٢٣٧ ، ومشكاة المصابيح برقم (٤٢٩٥) ، وفتح الباري ٥ / ٢٤٩ ، ٩ / ٤٦٤ ، ومسند الشافعي ٢٣٥ ، ٢٩٤ وغيرها.

٢٧٥

السلم ، وفي المسألة في الأصول خلاف كثير ، والفرق بين الحج وسائر الفرائض أن الحج تجزي فيه النيابة مع الحياة ولا تجزي في سائر الواجبات ، وصار الولد كالجزء من الوالد وله ولاية على بعض الوجوه فأجزى أن يحج عنه وإن لم يوص ، وإن كان من أصولنا لا يقع الثواب للوالد إلا مع النية والوصية ، فاعلم ذلك موفقا إن شاء الله تعالى.

* * *

٢٧٦

جواب مسائل سأل عنها الشريف الأجل

نور الدين الحسن بن يحيى بن عبد الله بن سليمان

[وهي في الوقف والوصية]

في جمادى الآخرة سنة اثنتين وستمائة بظفار ، حماه الله تعالى

قال عليه‌السلام : المسائل التي سأل عنها جاءت في حال أشغال ، وقد أجبنا على وجه الاختصار.

الأولى

فيمن وقف على أولاده الذكور دون الأنثى قبل هذا الزمان هذا وقد صار أولاد الأولاد الذي في أيديهم الوقف رجالا أيجوز زجره أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن هذا الوقف إن كان قدر الثلث جاز ونفذ ، وإن كان أكثر من ذلك نفذ منه الثلث وكان ما زاد عليه تركة ، وإن اشتمل الوقف على الجملة انتقض لأن من شرطه القربة.

الثانية

فيمن أوقف هكذا ولكنه قد أعطى بناته شيئا والباقي وقف على البنين وبينهم دون الإناث؟

الجواب عن ذلك : أنه إن كان قد أعطا البنات ما يعدل ما أوقف على

٢٧٧

البنين فإنه يجوز الوقف على البنين ، وكذلك إن رضيت البنات بما فعل للبنين جاز ذلك وإلا فالوقف مختل.

الثالثة

فيمن أقرّ بطين في يده أنه وقف من وقت أبيه هكذا ، وعمل فيه منهلا ، وأخرج منه شيئا للمسجد في حياته ثم أوصى في شيء منه في حقوق عليه؟

الجواب عن ذلك : أن إقرار الإنسان بما في يده يصح ، وعمل المنهل في الوقف جائز ممن هو عليه لأنه أحد وجوهه ، والوصية فيه لا تجوز لتعلق حق الوارث به لأن تصرفه في حال حياته جائز ، وبعد وفاته قد انقطع حقه فلا يجوز فيه وصية ، فإن فعل الورثة ذلك جاز ، وكان لهم نفع ذلك ، وللميت إن كان والدا لحقه أجره لأن فعل الولد يلحق الوالدين الوارثين.

الرابعة

في الأوصياء بهذا الموصى إذا أخرجوا هذه الوصية من غير هذا الوقف ، بل من سائر ماله الموروث بفتوى مفتي هل يصح ذلك أو لا؟ ويلزمهم غرم أو لا؟

الجواب : أن فعل الأوصياء جائز وتصرفهم في ماله نافذ ، وفعلهم بفتوى المفتي إذا كان ممن تجوز له الفتوى ، جاز ولا يلزمهم الغرم في ذلك لأنهم أخرجوا ما اعترف بلزومه له إلا أن تكون وصية نفل فإن كانت من الثلث مضت ، وإن كانت من غيره وقفت على إجازة الورثة فاعلم ذلك.

المسألة الخامسة

إذا أخرج بعض الأوصياء من غير إيذان الآخر هل يلزم الجميع الغرم إن كان مما يجب غرمه أو البعض؟

٢٧٨

الجواب عن ذلك : أن الموصي إذا لم يشترط عليهم في عقد وصيته الاجتماع جاز لكل واحد إنفاذها على انفراده ، ويكون ذلك من رأس المال ، ولا يكون متعديا لأنه لم يخالف.

السادسة

إذا امتنع البعض من الغرم إن كان لازما له ما يلزم البعض الآخر؟

الجواب : أن الوصي إذا أخرج العرض أو من ماله ليرجع بمثل ذي المثل وقيمة ذي القيمة وقع عن الموصي ذلك وكان له الرجوع على الورثة ، فإذا رفع البعض من الغرم لم يسقط الحق عن البعض الآخر ويلزم البعض الآخر ما يخصه فيما في يده من تركة الموصى.

السابعة

إذا كان البعض من الأوصياء قد مات تخرج في تركته أم لا؟

الجواب عن هذه المسألة : ذلك إنما بحصته من الأرض إن كان ، وله ما يلزم في تركته ، وإن كان وصيا غير وارث بطلت وصيته ولم يلزمه شيء إلا أن يكون تعدى أو فرط فيلزمه مثلما لزم من فعل ذلك.

الثامنة

إن لم يمتنع ورثة هذا الوصي إن كان الغرم لازما هل يلزم البعض بحصته أم وكل هذا إذا تعذر حكم الحاكم وكان الغرم يلزم ما يلزم البعض الآخر؟

الجواب عن هذه المسألة : قد درج في أثناء المسائل الأول وامتناع بعض

٢٧٩

الورثة لا يسوغ لمن يريد الإصلاح متابعتهم في الامتناع ، ويلزمه ما يخصه وإن لم يتمكن الحاكم من الإنفاذ على الباقين.

التاسعة

إذا كان رجل غير عدل تثبت ولايته على ابنه فيعطي ما يجب لهذا الولد أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن ولايته ثابتة مع فسقه على ولده الصغير ما لم يكن فسقه تهتكا ، ويتعلق بالتدبير في المال فلا يؤمن على مال الصغير فإن ولايته والحال هذه تزول ، وإلا فالظاهر أمانته على ولده الصغير مع الفسق ولم يرجع في صحة الولايات إلا إلى الظن إذ الوصول إلى العلم يتعذر.

العاشرة

إذا أوصى بشيء رجل لعمارة مسجد أو منهل ولم يحتج إلى عمارة ولا وجد الوصي ثقة في الموضع يسلمه إليه فاستلفه ما يلزم في ذلك؟

الجواب : أن إنسانا إذا أوصى لمنهل أو لمسجد فاستغنى عن ذلك تركت الفضلة لأنه لا يؤمن من اختلالهما ، وإذا لم يجد من الشيء في يده إلى من يسلمه كان معذورا في تركه في يده ، فإن استلفه لزمه قضاؤه إلى من يغلب في ظنّه أمانته.

الحادية عشر

إن كانت الوصية من سبيل صرف إلى الموصى به ثم أوصى به لهذا المسجد أو المنهل؟

٢٨٠