مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ٢

المنصور بالله عبدالله بن حمزة

مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ٢

المؤلف:

المنصور بالله عبدالله بن حمزة


المحقق: عبدالسلام بن عباس الوجيه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦٥
الجزء ١ الجزء ٢

المسألة السادسة والثلاثون

عن قوله تعالى : (وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ) [القصص : ٧٦]؟

الجواب عن ذلك : أنه كان حلالا ، ولذلك امتن سبحانه وسبب ماله فقد اختلف فيه وكانت حكايات لسنا نصحح منها إلا أن الله سبحانه قد رزقه رزقا واسعا حتى أن مفاتح خزائن ملكه كانت وقر أربعين رجلا وكل مفتاح مثل الأنملة لأقفال ، فبطر النعمة وقابلها بالمعصية ، فأخذه الله سبحانه أخذا شديدا ، وخسف به وبداره الأرض ، فذهب ماله ، وكان وبالا عليه يوم القيامة وذلك جزاء الكافرين.

المسألة السابعة والثلاثون

عن قوله تعالى : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ ...) الآية [البقرة : ٢٥٧]؟

الجواب عن ذلك : أن هذا نوع من العذاب يختص به أهل الربا لعظم المعصية فيه يبعثون يوم القيامة على هيئة المجانين والمجنون هو الذي يتخبطه الشيطان من المس ، وقد علمنا نفار قلوبنا عن المجنون لما فيه من ذهاب أكمل النعم وهو العقل ، فإذا نفرنا عن ذلك في الدنيا كان نفرنا في الآخرة أشد.

المسألة الثامنة والثلاثون

عن قوله عزوجل : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا) [مريم : ٧١] ، هل يعني بذلك العرض أم النار؟

الجواب عن ذلك : أن المراد العرضة ، ولا بد من ورود جميع الخلق لها

٢٤١

للحساب ، المؤمن يحاسب حسابا يسيرا ، والكافر عسيرا ، فإذا كان ذلك نجى الله الذين اتقوا وترك الظالمين فيها جثيا ؛ لعظم الخطب فيبعث عليهم عنقا من النار مثل السيل فتجترفهم كما يجترف السيل الغثاء فيرمى بهم في النار ؛ روينا ذلك عن ابن عباس رضي الله عنه.

المسألة التاسعة والثلاثون

عن قوله تعالى : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصارَهُمْ) [الأنعام : ١١٠]؟

الجواب عن ذلك : أن يجعل أعلى الفؤاد أسفله نوعا من أنواع النكال ويقلب البصر عن جهة الإصابة لمثل ذلك ، فالمراد به الخذلان لاستحقاقهم ذلك حتى لا يرى رؤية تنفعه فلا ينكر نكرا يصلحه.

المسألة الأربعون

عن الآية التي ذكر فيها : (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) [البقرة : ١٠٢] ، ما يريد بهذه الآية؟ ومن المراد بها؟

الجواب عن ذلك : أن هذه الآية أنها في قصة الملكين ببابل وما حكى الله فيهما ، وقد كثر كلامهم في ذلك ، ولسنا نصححه والمراد بالآية النفي عندنا لما حكاه الناس وكلما ذكره تعالى فهو على وجه الحكاية عمن ذكره ولا صحة لشيء منه ، وحكى سبحانه أن عندهم أن من فعل ذلك فلا نصيب له في الآخرة ولا خلاق.

٢٤٢

المسألة الحادية والأربعون

عن قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها) [البقرة: ٢٦] ، والمعنى في ذلك : إن الكفار ومن ينكر الحكيم ينفي عنه سبحانه خلق المنفرات كالثنوية ومن يقول بقولهم ، فيبين سبحانه أن ذلك خلقه ، وأنه لا يستحي من التمثيل بالبعوضة ؛ لأن فيها من أنواع الخلقة والتوصيل والتفصيل لا يقدر عليه إلا القادر لذاته ومن تجب عبادته.

المسألة الثانية والأربعون [في قراءة القرآن]

هل رأي مولانا عليه‌السلام في قراءة القرآن كرأي السيد المؤيد بالله (١) قدس الله روحه في جواز القراءة والكتابة على غير طهارة أم لا؟

الجواب عن ذلك : أنا كنا فيما تقدم نرى المنع عن ذلك ، ثم صرنا الآن نرى جوازه ولا نمنع منه ، ونحمل قوله تعالى : (لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) [الواقعة : ٧٩] ، من دنس الشرك والحيض والجنابة وعبادة غير الله تعالى فاعلم ذلك موفقا.

__________________

(١) هو : الإمام المؤيد بالله أبو الحسين أحمد بن الحسين بن هارون بن الحسين الهاروني ، الحسيني ، مولده ، بآمل (طبرستان) ، وبها نشأ وترعرع وتأدب في صباه ، وبرع في العلوم وعرفه الناس عالما في النحو واللغة جامعا للحديث ناقدا دراية ورواية ، وبرز في فكر آل البيت وشيعتهم ، إضافة إلى معرفة وإلمام بما عند غيرهم ، وتقدم في علم الكلام وأصول الفقه والأدب والشعر ، وكان قمة في التقوى والورع والزهد والتواضع والحلم والعدل والشجاعة ، نهض داعيا إلى الله خارجا على الظلمة سنة ٣٨٠ ه‍ ، وفشلت حركته فخلصه (الصاحب بن عباد) من انتقام بني بويه ثم عاد مرة أخرى فقام بالإمامة وبايعه أهل الجيل والديلم فاستتب له الأمر فترات ، وخرج من يده فترات ، وخاض حروبا ، وتغلب على (هوسم) ثم عاد إلى (الري) ومكث (بآمل) في كر ، وفر ، وجهاد طويل حتى توفاه الله يوم عرفة سنة ٤١١ ه‍ ، ومناقبه كثيرة ، وقد خلف الكثير من المؤلفات التي تدل على قدم راسخة في العلم ، ومن مؤلفاته (شرح التجريد) في الفقه (خ) ، (كتاب النبوة) (مطبوع) ، كتاب (الإفادة) (خ) في الفقه ، كتاب (الزيادات) (خ) ، (الأمالي الصغرى) طبعت ، و (سياسة المريدين) في الزهد طبع. انظر عن مؤلفاته ومصادر ترجمته : أعلام المؤلفين الزيدية وفهرست مؤلفاتهم ترجمة رقم ٧٢.

٢٤٣

مسألة في القسامة

سأل الإخوان أيدهم الله سبحانه عن طائفتين اقتتلا فيما بينهما ، فجرت امرأة من أحد الفريقين وماتت ، وخلفت أباها وأمها ؛ ولم ندر من قاتلها وأتى أبوها وادعى قتلها على أحد القبيلتين ، ولم يدع على القبيل الثاني وهم أصحابه ؛ هل القسامة تسقط أم لا؟ وإن سقطت وادعت الأم الكل منهم القسامة ، هل لها ذلك أم لا؟ وإن صحت دعواها والحال هذه هل يكون للأب بعد إسقاطه حق القسامة حق في الدية أم لأهله السؤال؟

الجواب وبالله التوفيق : أنا وقفنا على مسألة الإخوان أيدهم الله وهي مسائل دقيقة فيها علم جليل لو وقع خلو خاطر كانت تأصيل وتفصيل ، حتى تثلج الصدور ، ويتضح اتضاح الشموس والبدور ، ولكن نذكر ما تمس الحاجة إليه.

اعلم : أن مسألة القسامة صحتها مبنية على الشبهة ؛ لأن سقوطها يقع باليقين فكيف يحاول إسقاطها بالشبهة لأجل تبرئة الأب لأحد القبيلتين من غير تعيين الشخوص وإلا يبينهم كالتبرئة لنصف أهل القرية غير معين ، فلا يقع البراء بذلك ، ولا تسقط به القسامة لأن الدعوى على الخمسين باليمين ، فيكون التعيين والحال هذه سبب الإلزام ، فإن كان القبل معينا لقلته كالعشرة والخمسة أولاد فلان سقط حق الأب من اليمين وكانت القسامة باقية للأب لأن مرجع القسامة إلى المال دون النفس ، والتبعيض يصح في ذلك ، وكان للإمام تحليف الخمسين من الفريقين ، وكانت الدية تلزم الكل ولا يسقط نصيب الأب منها إلا بالإبراء ، فإن أبرأ سقط حقه ورجع الحكم في بابه إلى

٢٤٤

البينات والأيمان ، ونحن نعتبر تعيينهم في حال الدعوى لا أنه يمكن تعيينهم فيما بعد فذلك يأتي في كل عدد ، وإنما الحكم ساقط عند وقوع اللفظ فإذا سقط عن غير معين له الاستقامة فكان الحق يرجع لأنه لم يتعين مستحقه في تلك الدعوى ، فاعلموا ذلك موفقين والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

مسألة [في الصدقة]

في رجل تصدق على آخر بصدقة في مواضع بعضها معلوم وبعضها مجهول؟

الجواب عن ذلك : أن الذي يحق عندنا في ذلك أن الصدقة إذا كانت بشيء معلوم محدود وانضاف إليه أمر ملتبس علمه على الشهود كانت الصدقة صحيحة ، ولا يظن أن يقع في ذلك خلاف بين من له أدنى مسكة من علم على أن الأمور تحمل على الصحة دون الاختلال ، وإنما يقال لا تصح الصدقة إذا كانت بعضها معلوما وبعضها مجهولا في الجملة الواحدة ، فأما في الجمل المختلفة التي تقوم كل جملة بنفسها وتعلم على انفرادها فذلك يصح في المعلوم دون المجهول ، كقطعتي الزرع المنفصلتين تعلم حدود إحداهما دون حدود الأخرى وتقع الصدقة بكل واحدة منهما ، فذلك مستمر وصحيح فيما نراه والله أعلم ، فلا يمتنع أن يكون كلام الغير غير ذلك ، وعندنا أن حكم الصدقة بخلاف حكم سائر العقود فاعلم ذلك موفقا.

٢٤٥

مسألة [في الوقف]

عن مواضع موقوفة على أهلها وقد مات الشهود ولم يبق إلا غير الشهرة بالوقف ، ثم جاء رجل يريد الميراث وليس من أهل العصبة ولا من أهل الوقف؟

الجواب عن ذلك : أن الشهرة الظاهرة في الوقف تقوم مقام الشهادة ، وطالب الإرث في الوقف لا يصح لحال طلبه الإرث إلا أن يكون من أهل الوقف ويرثه بسبب يصح به الإرث من مثله ، كأن يكون من أهله أو من هو يدلي بهم ، ولم يشرط ترك ذلك.

مسألة [في الشركة]

في بئر نصفين بين قوم فمنهم من يريد المسنى ومنهم من لا يريد ؛ فأما الطين فالكل يعرف نصيبه وحده ، وما يكون في أمر الماء ؛ هل يجب لهم أينما وصل كان لأهل البئر الشرك منه؟

الجواب عن ذلك : أن القوم إذا كان لهم نصيب بعين البئر ونصيبهم من الضيعة معروف وكره أصحابهم المسنى كان لهم أن يسنوا وعليهم أن لا يمنعوا أصحابهم إن كان مما يصح العمل فيه دفعة واحدة ، وإن كانت مما لا يعمل عليهم إلا بالمواجبة ، كان عليهم أن لا يستبدوا بنصيب أصحابهم إلا بإذنهم ، فإن انتفعوا بالماء والحال هذه سلموا لهم الشرك فاعلم ذلك.

٢٤٦

مسألة عن الشفعة

وهي نشطة عقال ويبطلها ترك المواثبة والغفلة عن المرافعة ، وإذا كان لرجل جربة ولها ساقية وله شريك أو كان خليطا لخليط واشترى منه كان أولى بما اشترى ، فإن ادعى عليه رجل شفعة لولده لم يصح إقراره للولد فيما تقع به الشفعة على الرجل لأنه يكون إقرارا بما يضر الغير فهو كالإقرار عليه إلا أن يصح بأنه قد تصدق على ولده قبل شراء من يطلب الشفعة منه ، وإذا كان جماعة شركاء في ساقية وبعضهم أعلى من بعض كانت المشافعة بين الأعلين منهم ، ومن انقطع مشربه بطلت شركته ، ولم [يكن] شريكا إلا حيث يدخل ماؤه.

مسألة [في غيل كثر فيه التظالم]

في غيل كثر فيه التظالم بين أهله وبعضهم يتمكن من استيفاء حقه هل له استيفاء حقه أم لا؟

الجواب عن ذلك : أنه لا شك في جواز استيفائه لحقه لأن ظلم الغير لا يسقط حقه فإذا أخذ حقه ولم يتجاوزه جاز له ذلك.

مسألة [في سكنى المشترك]

في درب بناه رجل وخلفه موروثا ، فتناسل الورثة وكثروا وتفرقوا في البلاد هل يجوز لأحد أن يسكن فيه أم لا؟

الجواب : أن سهامهم إذا قد اختلطت وما بقي يدري كم نصيب كل إنسان

٢٤٧

منهم على انفراده ، فإن ذلك يلحقه ببيت المال ، وإن كانت السهام معروفة لم يجز سكناه إلا برضى أهله إلا أن يكون سكناه ليصلحه لأهله وفيهم يتامى فقد أجزنا له سكناه لمصلحة اليتامى والله الموفق لإصابة الصواب.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

* * *

٢٤٨

مسائل سأل عنها القاضي ركن الدين عمرو بن علي العنسي (١)

[نصب المنجنيق على أهل الشهادتين]

في أمر المنجنيق وجواز نصبه على أهل الشهادتين.

أما ما ذكره من ذلك فنحن نذكره كلمة كلمة على وجه الاختصار لضيق الوقت وسعة الأشغال حتى يقع الاتفاق إن شاء الله تعالى.

أما المنجنيق فالأصل فيه قول الله تعالى : (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ) [الأنفال : ٦٠] ، وقد استطعنا هذا والأمر عام ، وإن كان له سبب فلا يقتصر على سببه ، وما يؤخذ من إطلاق علي عليه‌السلام في أهل القبلة من أن لا ينصب عليهم منجنيق ولا تفتق عليهم الأنهار ، ولا يحرقون بالنار ، ولا يسبون ، ولا تقطع منهم الميرة ، يلتبس معنى هذه الألفاظ على كثير من الناس إنما هذا

__________________

(١) قال ابن أبي الرجال : قاضي القضاة سطر العلماء والحكام بهجة المحافل ، زينة الأماثل ، عمرو بن علي بن سعد العنسي ـ رحمه‌الله ـ هو القاضي المحقق ناصر العلم النصر المحقق ، سطر المجالس ، وبهاء المدارس ، قاضي الحضرة المنصورية وسطر سطورها ، كان مرجوعا إليه في الأحكام والآراء ، مقدما في الفضائل مشارا إليه في العلماء ، وهو أول من اشتهر من أهل بيته بالعلم وكان الغالب عليهم التصدر بغيره ، وتسمى منهم من تسمى بالإمارة ، واستقر فخرهم بهذا القاضي ، وقد صحب المنصور بالله عبد الله بن حمزة ولازمه ولم يزل قاضيه حتى انتقل إلى جوار الله فولي القضاء ولده مسعود وله شعر جيد. وفي سيرة الإمام عبد الله بن حمزة أنه تولى القضاء بحوث وأورد له قصيدة موجهة إلى الإمام ص ٢٨٩ ، انظر عنه سيرة الإمام عبد الله بن حمزة ص ٣٤١ ، ٣٤٨ ، ٣٤٩ ، ٣٥٧ ، ٣٦٢ ، ٦٠١ ، ٦٥١ ، ٧١٩ ، ٧٤٩ ، ٩٧٢ ، ٩٨٤.

٢٤٩

فيمن يمكن إجراء الحكم عليه ، وإنفاذ الأمر فيه بغير ذلك ؛ وإلا فالأئمة عليهم‌السلام قد سبوا العساكر الظلمة ، وقطعوا الميرة من البلاد الفاسقة العاتية وذلك ظاهر وشرحه يطول ، فقد أمر علي عليه‌السلام زياد بن حفصة اليمني رحمه‌الله بقطع الميرة من معاوية ، وقد منع من التعرض لهم في الماء وكان يجري هذا وغيره على حسب اختلاف النظر ، وعلي عليه‌السلام لم يهدم بيوت أهل الجمل وهدم دار جرير بن عبد الله البجلي ، ولم يتعرض لأمتعتهم ، وحرق على المحتكر وأخذ ماله إلى بيت مال المسلمين ، وقد هدم الهادي عليه‌السلام حصن المميص بعلاف في بلد الربيعة ، وانتهب العسكر أمتعته وأمثال كثيرة.

قال : ولم أخذت الأسلحة من درب شاكر والحبوب والأمتعة؟

الجواب عن ذلك : أن الأسلحة والكراع إنما جاز أخذ ذلك للاستعانة به على أهل البغي ولكونه عونا لهم على أهل الحق ، وقد وقع الاتفاق على جواز أخذ الكراع والسلاح ، ومعلوم أن الحبوب والأموال أبلغ في باب الاستعانة وذلك ظاهر.

وأما ما ذكر من التضمين وهل نأخذه ممن لا حق لنا عليه فاعلم أن التضمين إلى الإمام وواليه ، ولا شك أنه لا يجب فيه التحكم ، وقد قال علي عليه‌السلام : لو ثني لي الوساد لقد غيرت أشياء ، وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحالف بعض المشركين ويحارب البعض ويعطي من حالفه من أموال الله عزوجل ، وذلك أظهر من أن يخفى ولا يجوز أن يضمن إلا من لزمته الحقوق.

وأما ما ذكره القاضي من قتل الطفل ، فنبرأ إلى الله من قتل الطفل وقاتله

٢٥٠

والحال اليوم لا يحتمل القيام بمعناه ، وترك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل ذلك في قوم من أهل نجد قتلوا فأضرب عن دمائهم ، ونحن نروي ذلك بالإسناد وأدان آخرين فدل على نظره وأنه يختلف باختلاف الحال.

مسألة [في النكاح]

رجل عقد بنكاح امرأة بشهادة عدل وفاسق ، وماتت المرأة ولم يدخل بها الزوج وقد سمى لها الزوج مهرا وعرف ما سمى ولم يشهد عليها شاهدان بالرضا ، وطولب الزوج بما سمى لها من المهر ، ولم يفسخا النكاح ولا واحد منهما ولا بحكم حاكم؟

الجواب : مسألة النكاح الأصل في العقود الصحة ، وإذا لم يفسخا النكاح وتقع المرافعة ثبت من الأحكام ما وافق اجتهاد المجتهد الواحد والجماعة ويستحق الإرث والمهر على مقتضى الشريعة.

مسألة [في الأروش والديات والقسامة]

في رجل ادعى على ثلاثة نفر أنهم أصابوه بصوائب في بدنه منها الدامية (١) ، والخارصة (٢) ، والواجمة ، ولم يدع على كل واحد منهم من الصوائب شيئا معلوما ؛ لأنه ذكر أنهم ضربوه ليلا ولم يعلم جناية كل واحد منهم على انفراده وأنكروا قوله ، وطلب تحليفهم فردوا عليه اليمين فحلف والتزموا

__________________

(١) الدامية : قال في شرح الأزهار : وهي التي سال منها الدم ، والدامية الكبرى هي التي تقطع الجلد وتسيل الدم ولا تأخذ شيئا من اللحم.

(٢) الخارصة هي التي قشرت ظاهر بشرة الجلد ولم يسل منها دم. انظر الأزهار ٤ / ٤٥٢.

٢٥١

بالصوائب ، وحضروا إلى الحاكم فحكم فيها بأحد عشر مثقالا أحمر ، فضمن أحدهم وتقلد ذلك على الجميع في ذمته وماله ورهنوا بذلك رهونا ، وجعلها الحاكم لثلاثة مناجم ، فسلم الضامن أربعة مثاقيل في النجمة الأولى ، وطلب المدعي النجمة الثانية وادعى الضامن أنه مخير بين أجناس الدية هل تكون له الخيرة بعد حكم الحاكم بالذهب وهو تاجر من أهل الذهب والفضة في تسليم الشاة والإبل أم لا؟ وإذا وجب فمن أي أجناس الإبل والشاء والبقر؟

الجواب الذي تقرر لدينا وفي معرفتنا أن الدعوى لا بد أن تكون معلومة في الأصل وإلا لم تصح ، ولا يقطع على المسألة إجماع ، ولا لأحد من العترة عليهم‌السلام خلاف ، فبعد أن يكون بينهم خلاف فيها على ما تقتضي به أصولهم عليهم‌السلام وضمانة الضمين بما هذه حاله لا تصح تبعا لما تقدم ، وكان رد اليمين فيما هذه حاله غير مستقيم لأنه يتعلق بباب القصاص ، فالحكومة من أصلها فيما نرى مضطربة كما ترى ، وللجاني الخيار في أي جنس شاء من أنواع الدية ولا خلاف فيه يعلم ولا يتصور لزوم التحليف في مثل هذه الصورة.

مسألة بأنه حكم على أهل بلد كذا وكذا بالذهب والفضة ، فيحمل أن ذلك تخفيف عليهم بأن ذلك الجنس عندهم أمكن ، فنظر لهم لا للمجني عليه وإلا فلو قال البدوي صاحب الإبل : أدفع الذهب لم يكن لهم إلزامه الإبل وكذلك صاحب الفضة لو قال : أدفع الذهب ، أو صاحب الذهب لو قال : أدفع الفضة ، أو قال : أدفع الحيوان ؛ والأصول ظاهرة الشواهد ، وقول الحاكم أدفع الذهب لا يتصور فيه معنى الحكم في هذا الباب ، إنما هو فيما يفتي في الواجب المخير ، وإن التزم جنسا لاعتقاده أن لا خيار له ثم علم كان عليه اليمين أنه ما

٢٥٢

علم وقت التزامه أن له الخيار وثبت له الخيار ، فإن سلم جنسا من الأجناس لم يكن له الرجوع فيه بعد ملك المجنى عليه.

وأما قول أصحابنا أيدهم الله تعالى : لا خيار له إلا في حال العلم فما الوجه في ذلك؟ وهل الجهل يسقط الخيار أو يسقط الحقوق هذا يبعد أن يتصوره العلماء وإنما على القاضي أن يحكم على السائل بما أوجبه لفظ السائل ، فإن جدد لفظ آخر يوجب تغيير الحكم غيره في الحال والمال ، كما قال علي عليه‌السلام لمولى العبد فرق بينهما. قال : طلق يا عدو الله. قال : ملكت أيها العبد فإن شئت فطلق ، وإن شئت فأمسك ، وأمثال ذلك كثيرة.

وجواب آخر في معنى السؤال الأول : الأصل في الدعوى ما لم يكن على معين أو معينين فهي فاسدة ما خلا القسامة فهي أيضا على غير معين ولو لا ذلك ما صحت هذا هو الأصل.

وسأل أيده الله عن الأرش : إذا جعله القاضي بالذهب أو الفضة هل يجوز العدول إلى سائر أجناس الدية؟

الجواب عن ذلك : أن الدية مبناها على التخفيف ، ولو لا ذلك لم يستحب أن يجعل على أهل الذهب ذهبا ، وأهل الفضة فضة ، وأهل الماشية ماشية ، فإن اختار من يجب عليه الحق أن يسلم جنسا آخر جاز ذلك ولم يجب عليه غيره لأن صاحب خراسان لو قال : لم جعلتم علي فضة؟ قالوا : للتخفيف عليك. قال : أريد هذا الجنس فهو أخف علي ، لم يتهم في علم نفسه ، ولا يكون ذلك رجوعا ولا من القاضي عليه ، بل يكون قائما بما لزمه.

وأما القاضي المقلد فالذي نختاره له أن يحكم برأي إمام زمانه لأن قاعدة

٢٥٣

الحكم من قبله ، وإذا سلم الذهب من وجب عليه الحق لم يكن له الرجوع به ، وإنما عليه إتمام ما بقي من أي جنس شاء.

وأما أمثال الدية ففي الشاء جذعة الضأن ، وثنية المعز ، وابنة المخاض فما فوقها إلى الجذعة ، والخلفة عند من يرى بالتغليظ ، وتبيع البقر ومسنته ، وإذا التزم إنسان على جماعة بما لا يصح فيه حكم القسامة كانت الضمانة غير صحيحة فيما أرى لأنها بغير معين بالأمر غير مستقرة.

وإذا ادعى على جماعة ما لا يلزم فيه حكم القسامة كان لا بد من الإقرار والتعيين فيما أرى ، ويكون الحكم عليهم التحري والإصلاح ، كل إنسان منهم بما يغلب في ظنه أنه وصل منه إلى خصمه ، والاستحلال لأنه يلحق بالأداء لتعذر إقراره بالدعوى ، وإذا حكم الحاكم بصحة دعوى غير معينة لم يصح الحكم فيما أرى ، ويصح الصلح لأن هناك ما يصح الصلح فيه وهي حياة المصالح عنه وهذا فيما أرى والسلام.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله

وسلم تسليما كثيرا طيبا.

* * *

٢٥٤

جواب مسائل الشريف أبي عزيز قتادة بن إدريس عليه‌السلام

بسم الله الرحمن الرحيم

[في الأرض التي لا بينة في امتلاكها]

سأل السيد الشريف الأمير أبو عزيز قتادة بن إدريس (١) أعزّه الله تعالى عن أرض أجلي أهلها عنها ثم ادّعاها قوم ولا بينة لهم عادلة على صحة دعواهم ،

__________________

(١) الشريف أبو عزيز قتادة بن إدريس بن مطاعن بن عبد الكريم بن عيسى بن حسن بن سليمان بن علي بن محمد بن موسى بن عبد الله بن موسى الجون بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب [٥٢٧ ـ ٦١٧ ه‍] ، قال في (الأعلام) : أبو عزيز الحسني العلوي ، جد الأشراف بني قتادة بمكة ، ولد في ينبع ونشأ ، شجاعا عاقلا وترأس عشيرته ، واستولى على ينبع والصفراء ، وكثرت الفتن بمكة بين المتنازعين على إمارتها فقصدها بجمع قوي فملكها سنة ٥٩٨ ه‍. قال : واتسع ملكه إلى المدينة واليمن. قال ابن أبي الرجال : ودوّخ البلاد وأزال مملكة الهواشم ، واعتصم عن بني العباس ، وكان أيام الناصر العباسي يصرّح بأنه أحق بالخلافة منه ، وهو كذلك وكان في الحقيقة أحد أعضاء الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة عليه‌السلام واستعان به الإمام ، وخرج من معاليه جماعة استقروا بين يدي الإمام للجهاد والمناجزة وأنفذ إليه الإمام أعيانا من أصحابه ، منهم العلامة البليغ الحسام المرهف القاسم بن شبيب. قال في سيرة الإمام عبد الله بن حمزة : إنه أخذ البيعة من المترجم ، وأنه كان حسن السيرة وفي زمنه أذّن المؤذّن في الحرم بحي على خير العمل. قال الزركلي : له شعر جيد ، وأخباره كثيرة ، خنقه ابنه الحسن بمكة وهو مريض ، وقال ابن أبي الرجال : توفي الشريف قتادة في سنة ٦١٧ ه‍ ، بعد موت إمامه المنصور بالله عبد الله بن حمزة وترجم له وذكر له أخبارا طويلة ، وانظر (سيرة المنصور بالله عبد الله بن حمزة) فهو مذكور في صفحات كثيرة. انظر الفهرس ، وانظر عنه أيضا (الأعلام) للزركلي ٥ / ١٨٩ ومنه ابن الأثير ١٢ / ١٥٤ ، وذيل الروضتين ١٢٣ ، وابن الوردي ٢ / ١٤٣ ، وابن خلدون ٤ / ١٠٥ ، وخلاصة الكلام ٢٢ ، والسلوك للمقريزي ١ / ٢٠٦ ، ومرآة الزمان ٨ / ٦١٧ ، والجامع الوجيز للجنداري (خ).

٢٥٥

وقال قوم آخرون : إن في هذه الأرض شيئا من الوقف ولم يتميز له الوقف من غيره وربما يأتي من يدعي الوقف ببينة عادلة تشهد عن شهادة من ليس بعدل؟

الجواب عن ذلك : أن كل أرض التبست الأملاك فيها ولم يتميز بعضها من بعض ولا وقعت لمدعي الملك بينة عادلة إن هذه الأرض تلحق ببيت المال وأمرها إلى إمام المسلمين إن كان ، وإلا فإلى جماعة المسلمين تنصب رجلا يمضي فيها رأيه بما يعود على المسلمين صلاحه.

وأما دعوى من يدّعي الوقف وله بينة عادلة يشهد عن شهادة من ليس بعدل فلا تصح هذه الدعوى ، وتكون الأرض جميعا بيت مال ، فاعلم ذلك موفّقا.

المسألة الثانية [في عين ماء لا بينة في امتلاكها]

في عين استبق إليها رجلان وهي عند حصن وقرية من قرى المسلمين ، وكل واحد منهما يعمل ويريد العين لنفسه ، ثم استولى عليها أحدهما بالقوة وطرد الآخر وكل واحد منهما يدعي أنها له والذي استولى عليها يقول : إن جده كان قد عملها قبل ذلك ، وليس له بينة على ذلك إلا قول من ليس بثقة؟

الجواب عن ذلك : أن العين هذه لا تخلو إما أن تكون إسلامية أو جاهلية فإن كانت جاهلية ، فهي لمن سبق إليها ، وإن كانت إسلامية فليست لواحد منهما إذ مرجعها لبيت المال ، فإن ادّعى مدع أنها لجده كان عليه بيّنة تتصل بجده ، صورة ذلك أن تقوم البينة بأنها لجده مات عنها وخلفها لولده إلى أن انتهى الشهود والبينات متصلة بهذا الحي وإلا فلا حكم له ، فاعلم ذلك موفقا.

٢٥٦

المسألة الثالثة [في قرية أو حصن خراب لا بينة على امتلاكها]

في قرية أو حصن خراب وعمرها رجل ولم يعلم لمن ذلك إلا أنه يسمع بالاسم فقال : هو لبني فلان قد أجلوا عنها ولم يعرف لمن هو ؛ كيف يكون الحكم في ذلك؟

الجواب عن ذلك : أن هذه المسائل في حكم المسألة الواحدة في الحكم وكل أرض هذه صفتها أو قرية أو حصن وقد التبست فيها الأملاك حتى لا يعرف تميز بعضها من بعض فإنها راجعة إلى بيت المال ، ولا حكم لقولهم : كانت تلك لبني فلان ، ولو عرف ذلك أيضا أنها كانت لبني فلان إلا أن الأملاك قد التبست بعضها في بعض كان بيت المال أولى بها.

المسألة الرابعة [في واد لا بينة على امتلاكه]

في واد يدعيه قوم ويقولون هو لنا من غير أن يكون لهم فيه عمل ولا شيء يوجب الملك والوادي أثار العيون القديمة إذا طلب من يعمل فيها شيئا ؛ هل يجوز له أم لا؟ وهل يملكه إذا فعل أم لا؟

الجواب عن ذلك وبالله التوفيق : أن قول القوم : إن الوادي لهم لا حكم له إلا أن تقوم لهم بينة بأنه ملكهم إلى وقت الدعوى ، ولو بينوا أنه كان لجدودهم لم يكن لذلك حكم حتى تتصل البينة بهم ؛ لأن الأملاك تنتقل ولا يجوز لأحد أن يثير هذه العيون إن كانت إسلامية إلا بإذن شرعي من الإمام أو واليه أو قاضيه إن أذن له في ذلك ، أو رجل ينصبه المسلمون إن لم يكن إمام فحينئذ يجوز التصرف فيها بالإثارة والعمل والأرض الإسلامية لا تملك بالإثارة فاعلم ذلك.

٢٥٧

المسألة الخامسة [في الأرض البيضاء]

في أرض بيضاء تداعاها طائفتان من الناس حلفت إحداهما الأخرى ، وعمدت الطائفة التي حلفت إلى بعض الأرض فعملت فيها ، وزارعت هذه الطائفة غيرهم وهي أرض متسعة في الطول والعرض هل يملكونها بذلك إذا لم تكن بينة غير سماع أنها كانت لفلان وأخذها قوم من آخرين بدون بينة لأحد على ما يدعيه؟

الجواب عن ذلك : أن هذا السؤال فيه اضطراب لأن الأرض البيضاء لا تكون ملكا لأحد ولا تكون فيها دعوى تصح إلا لمن يحجرها بأن ينصب عليها من الأعلام ما يميزها عن غيرها ، أو أثار يقطع أشجارها ويصلحها للزرع ، أو ينصب عليها الجدران ، أو حفر عليها الخنادق ؛ فأما إذا كانت إسلامية وتنازع فيها فئتان فلا حكم للتنازع سوى سلمها إحدى الطائفتين للأخرى أو حلفتها ، وإذا أثارت فيها إحدى الطائفتين زرعا بعملها بأنفسها أو باستنابة غيرها فلا يصح ملكها لما عملت ولا لما بقي عامرا بل يكون حكمه ما قدمناه ، فاعلم ذلك موفقا.

المسألة السادسة [العاملون على عين الصدقة]

في عين فيها شيء من الصدقة فعمل بعض أهلها ولم يعمل الآخرون ولم ينهوا عن العمل ولا أمروا به ؛ هل للعامل أن يطالبهم بما عمل ويسلم إليهم نصيبهم من الماء أم يجب عليه تسليم الماء من غير أن يلزمهم شيء ، وأهل الصدقة منهم من يعرف ومنهم من لا يعرف إلا أنهم يعرفون على الجملة؟

الجواب : أن العاملين في هذه العين إن كان عملهم بعد أن سألوا صاحبها

٢٥٨

غرامة ما خسروا فلهم أن يمنعوهم من التصرف في العين حتى يسلموا لهم ما غرموا لهم فيها ومن عرف من أهل هذه الصدقة كان عليه تسليم نصيبه ، وإن غاب الآخرون سلم عنهم الحاكم أو والي الإمام ، وإن لم يكن كان لمن أثار العين أن يستوفي من غلاتها ، فاعلم ذلك ، موفقا إن شاء الله تعالى.

[المسألة السابعة في المعرّة وفي الولاية للإمام]

وسأل السيد أبو عزيز أيده الله بعد ذلك قال مولانا : يعرف أحوال الأعراب وظلمهم وما هم عليه من قبح السيرة وكان فيما مضى وإلى الآن يتكلف الغارة عليهم وقمع مضرتهم لأنهم صاروا قاطعين السبيل فيصيب من أرواحهم وأموالهم ، ما يكون الحكم في ذلك ؛ وربما يكون في حلتهم من لا يسير سيرتهم فتصيبه معرة من غير قصد ولا دراية ولا يعرفه العسكر ، وإن كان ذلك القليل؟

الجواب عن ذلك وبالله التوفيق : يعلم السيد أيده الله أن الأصل في الحروب وإباحة الدماء والأموال الشرع ، وهو على الحظر إلا أن يقع مبيح شرعي ، وقد قال تعالى حاكيا عن المشركين لما نهاهم الباري سبحانه عن الربا : (قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) [البقرة : ٢٧٥] ، فحلّ بالمبيح الشرعي وحظر بعدمه والصورة واحدة ، فاعلم ذلك موفقا.

واعلم : أن الله سبحانه قد آتاك ما لم يؤت غيرك فاحمده كثيرا وذلك أن قيامك في وقت إمام وما بينك وبين أن يحل لك جميع ما تعمل إلا أن يكون أمرك عن أمر إمامك ، ونيتك أنك لا تقدم ولا تحجم إلا عن أمره وطاعته وهذا صعب إن استصعبته ، سهل إن استهونته ، ولو كنت في غير وقت إمام

٢٥٩

كنت بين أمرين إن استمررت على ما أنت عليه أصلحت الدنيا وأفسدت الآخرة ، لأن ليس لكل شخص إقامة الحدود ، وتقويم الأعمال ، وأخذ الأموال ، لا يجوز هذا إلا للأئمة وولاتهم ؛ وإن أمسكت رأيت ما تكره ووقفت عما يجب ، وهذا الوقت الأمر بخلاف ذلك ، إذا اعتقدت طاعة الإمام جاز لك تحارب بمن أطاعك من عصاك ، وجاز لك أخذ الأموال طوعا وكرها ، وجاز لك سفك دماء المفسدين والمحاربين وأخذ أموالهم وقسمها غنيمة ، وأخذ خمسه ، وأخذ الصفي ، وكان لك ما للإمام من جميع التصرف ، ولو كان في القوم من لا يستحق جاز خلطه بمن يستحق إلا أن يمكن التمييز ولم يكن عليك إثم في ذلك ، وإذا كنت تعمل عن رأي نفسك لم يجز لك قصدهم إلى ديارهم فإن قصدوك حل لك قتالهم ، فإن هزمتهم حل لك كراعهم وسلاحهم ، وإن لقيت أموالهم لم يحل لك منها شعرة فما فوقها في ضرب المثال ، فاعلم ذلك موفقا فتفهّمه معانا مؤيدا إن شاء الله تعالى ولا تظن أني أفتيت بهذه الفتوى لأني الإمام وإني أريد كونك في الطاعة فتلك إرادتي ، ولكني لا أفتي إلا بالحق لي وعلي ، فما أفتيت إلا بما أوجبه شرع محمد بن عبد الله عليه وعلى آله السلام.

المسألة الثامنة [في أراضي وعيون داثرة]

عن أراضي وعيون في البلاد إسلامية داثرة لا يعرف أربابها سأل تسويغها؟

الجواب عن ذلك : أن الأملاك التي لا يعرف أربابها تعود بيت المال ومن جمع بيت المال إلى المصالح والأمور ، وإذا كنت قائما بأمور الدين على الوجه الشرعي ، والوجه الشرعي طاعة الإمام ونفاذ الأمور بنيته عن قصد طاعته ، بل يكون الأمر إليك حتى يقبح لغيرك لأنك تصير والحال هذه عاملا من عمال

٢٦٠