مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ٢

المنصور بالله عبدالله بن حمزة

مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ٢

المؤلف:

المنصور بالله عبدالله بن حمزة


المحقق: عبدالسلام بن عباس الوجيه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦٥
الجزء ١ الجزء ٢

يعبر عنه المسلمون ويحكيه حفظته من المجرمين فكلامهم الذي هو الأصوات ، لا يجوز إلغاؤها كما ذكر أيده الله ، والمعنى المعلوم المرتب ترتيبا مخصوصا هو الباقي بشرط بقاء محله إن كان ذكرا فبشرط بقاء الحياة والمحل ، وإن كان مكتوبا فبشرط بقاء الكتاب ، وأما انتقاله فإنما ينتقل بانتقال محله وإن لم يطلق عليه الانتقال على عرف المتكلمين في معنى التفريع والشغل ، وهو في حكمه إن كان كلاما فبانتقال الهواء ، وإن كان كتابة فبانتقال دفترها أو لوحها ، وفي هذا تفسير ما لم يصرح به أصحابنا ، ولو بحثوا لعثروا عليه ، ولا فرق بين قولنا معنى ومعاني ونقول ذلك المعنى والمعاني هو الترتيب المخصوص في الجنس المخصوص ، فهذا ما اتفق على كثرة الاشتغال وتشتيت الخواطر ، ومن الله سبحانه نستمد التوفيق.

[العاصي من أهل البيت]

ومن ذلك في العاصي من أهل البيت عليهم‌السلام. هل يدخل في تفضيلهم فيجب تعظيمه وتشريفه ، مع البراءة منه والاستخفاف به اللذين يلزمان في الفاسق جميعا.

قال أيده الله : وهذا يتنافى ، أم الفضل لا يوجب تعظيمهم وتشريفهم فما هو؟ أم لا يكون إلا لمن أطاع وعمل لزم قول المطرفية ولا سيما وعقاب الشريف أعظم من غيره فيلزم في الذم والاستخفاف كذلك.

الجواب عن ذلك : أن الفضل على وجهين : فضل ابتداء ، وفضل جزاء ؛ ففضل الابتداء يختص بتشريف الجنسية والجوهرية وتعظيمه تعظيم الجنسية كما يقال : إنا نعظم الذهب والياقوت على أجناس الجواهر ، ونعلم من

٢٢١

قصدهم تفضيل ذلك ، وأجلى الأمور ما يعلم من النفوس ، فإذا كان عاصيا أجللناه لنسبته ، وأبعدناه لفعله أو مذهبه ، وإذا تباين الوجهان لم يقع تناف ولا تناقض ، ألا ترى أن رجلا إذا أحسن إلينا ثم أساء إلى غيرنا أليس قد استحق التعظيم منا والذم من غيرنا ولم يكن تناف لما اختلفت الوجوه ، ونحن ندعي في فضل أهل البيت الضرورة لأن منكره يعلم في نفسه أن لهم بالقرابة من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مزية على غيرهم ، ولذلك تستعظم القبائح منهم لمكانهم ، ويشنع عليهم منكر فضلهم ولكنهم في إنكار فضلهم كما حكى الله سبحانه عن آل فرعون : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) [النمل : ١٤] ، فأخبر بإنكارهم ظاهرا ، لما علموه باطنا ، وإذا عظمناهم لوجه واستخففنا بهم بوجه آخر لم يقع تناف ويتضاعف عقابه إلا لفضله ، وكذلك ثوابه لا يتضاعف أيضا إلا لفضله ؛ لأن الأماكن والأزمنة والمناصب لها تأثير في زيادة الثواب ، كما نعلمه في المساجد والحرم شرفه الله تعالى ، وشهر رمضان ، والجمعة ، ورجب ، وأيام مخصوصة ؛ وإجماع أهل البيت عليهم‌السلام منعقد على مضاعفة ثواب مطيعهم ، وعقاب عاصيهم فتفهم ذلك موفقا.

[حول حديث من أبغض أهل البيت]

قال أيده الله : ومن ذلك قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أبغض أهل البيت عليهم‌السلام فهو لغير رشده» هل كون الولد مخلوقا على وجه دون وجه يؤثر في حصول المعصية أو انتفائها فلا جرم حينئذ في تلك المعصية لأنه لو لا خلق الله تعالى له على ذلك الوجه ما اختار المعصية ، ولو خلقه على وجه آخر لما اختارها ، وكان يكون ذلك إزاحة للعلة.

٢٢٢

قال أيده الله : وإن كانت المعصية منه لأجل القبيح الواقع من مائهما وهو المؤثر في وقوع المعصية منه أيضا ، وكان يجب أيضا أن يكون معذورا وإن كان لا تأثير لخلقه على الوجه ولا لفعل القبيح فما فائدة الخبر؟

الجواب عن ذلك وبالله التوفيق : أن الحديث إخبار من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من يختص ببغض أهل البيت الشريف سلام الله عليهم ، وخبره عن خبر الله سبحانه ، ولا يمتنع أن يختص أهل المنابت الردية بالأفعال الردية سواء اختيارهم ، ولا يمتنع أن يندر منهم من يخالف طريقتهم ، ولكن لا حكم للنادر والإطلاقات على الأغلب ، والأغلب بمن يكون لغير رشده بغضه أهل بيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا إخبار عن المعلوم في الأعم ، فسقطت الأسئلة ؛ لأنها أثبتت على أن المؤثر الخلق على وجه دون وجه فاعلم ذلك.

[استئجار المطرفي في الحج ومن هو المطرفي المرتد]

ومن ذلك قوله أيده الله : تعالى فيمن استأجر المطرفي للحج ، وأخرج إليه شيئا من الحقوق قبل وقت الإمام ظانا أنه على اعتقاد حق. هل يلزمه غرامة أم لا يلزمه؟

الجواب عن ذلك : أن المطرفي لا يقطع على كفره وضلالته لأجل الاسم ، كما أن المخترع لا يقطع على نجاته بمثل ذلك ، وإنما التأثير الاعتقاد ؛ فإن كان يعتقد ما هو الظاهر من مذهبهم من نفي الامتحانات عن الله سبحانه ، وكذلك اختصاصه برحمته من يشاء ، وإنزال الغيث بعد ما قنطوا ، وخلقه للموت والحياة في الكبير والصغير ، ورفع عباده فوق بعض درجات ، وتفضيل بعض النبيين على بعض ، وما جانس ذلك ، فهذه ردة عند أهل البيت عليهم

٢٢٣

السلام وعلماء الأمة ، والمرتد لا تصح إجارته ، ولا يجوز تسليم الحقوق إليه بالإجماع ، وإن اغتر مغتر وجب عليه الغرامة ، وقد اتفق ذلك بحي جدي علي بن حمزة رضي الله عنه ، فغرم جملة من المال ، وإن كان من عامة المسلمين وإنما يعتزي إلى المطرفية ولا يعتقد الاعتقاد الفاسد فحكمه حكم المسلمين ، ويجوز استئجاره ودفع الحقوق إليه فاعلم ذلك موفقا.

والكفر يقع برد ظاهر ، وظواهر كتاب الله عزوجل لا تحتمل التأويل ، أو ما يعلم من دين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ضرورة في وجه واحد ، وأهل تلك المقالة ردوا ظواهر لا تنحصر من كتاب الله ، ومعلومات كثيرة لا تعد ، وإن مكن الله سبحانه وضعنا في ذلك كتابا للمسترشدين إن شاء الله تعالى.

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

تسليما كثيرا طيبا

* * *

٢٢٤

مسائل أخرى

سأل أيده الله عن عشرة جواهر في سمت من السماوات تلتوي كالحلقة ، ثم تقدر عشرة أجزاء تحتوي عليها ؛ هذا تقدير يستحيل إلا أن تكون مركبة فوقها جزء سامت جزءا لأن الجارحة تكون أفسح فاعلم ذلك.

الثانية : في قوله تعالى : (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ) [المؤمنون : ١٠١] ، ثم قال : (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) [الطور : ٢٥] ، ترك السؤال في القيامة والسؤال في النار فالأوقات مختلفة.

الثالثة : في فزع الأولاد حتى يكونوا شيبا من أين يجوز إفزاعهم؟

هذا يتوجه على من ينكر الامتحان ، فأما نحن فعندنا أن فزعهم محنة يعيضهم الله عليها.

الرابعة : في صوم الاعتكاف أهو فرض أم شرط؟ وعندنا أنه شرط في صحته.

وأما قوله ما الفرق بين الفرض والشرط؟ فالشرط خاص والفرض عام.

الخامسة : في من قام بتأدية فرض بنية النفل؟ عندنا أن ذلك لا يصح ولا يكون مجزيا للنية إلا أن يقول أصلي مثلا الظهر أربع ركعات نفلا فإن قوله نفلا يجعل لغوا ويصح تأديته الفريضة.

٢٢٥

السادسة : فيمن نذر صيام الدهر إن نوى الدهر الذي هو مدة الدنيا كان النذر باطلا ، وإن نوى مدة حياته صام حتى يموت ، وإن كانت مبهمة كفر يمينا ولم يلزمه الصوم.

السابعة : في الولاء والبراء وهما عندنا من أعمال القلوب من المحبة والرضا ، والبغضة والكراهة دون حسن المعاشرة ، وقد بسطنا القول فيه في الرسالة الناصحة ، والأشغال متراكمة ، والأوقات متضايقة ، فلا ينتقد في الاختصار.

تم ذلك بمن الله وكرمه فلله الحمد كثيرا بكرة وأصيلا

وصلاته على نبيه سيدنا محمد وآله وسلم

تسليما كثيرا طيبا

* * *

٢٢٦

مسائل أخر من القاضي محمد بن أسعد اليمني

بسم الله الرحمن الرحيم

الأولى [في الطلاق]

قال تولى الله توفيقه : فيمن يقول لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق بفتح الهمزة ؛ هل يطلق على كل حال؟ أم حال دون حال؟

الجواب عن ذلك وبالله التوفيق : أنها تطلق وقت الدخول لأنه وقت الطلاق به دون غيره من الأوقات ، وذلك معلول وليس بشرط فيه فيقف عليه.

المسألة الثانية [في النفقة]

فيمن وجبت عليه نفقة قريبة فدفع إليه نفقته لمدة معلومة فتعدت بجناية منه أو من غيره قبل حلول الأجل الذي هي إليه ؛ هل يجب عليه تجديدها ، أم تكون كنفقة الزوجة؟

الجواب عن ذلك : أن القريب بتسليمه إلى قريبه بنفقته لمدة معلومة تبرأ ذمته لأجل ذلك لأنه حق عليه ، والأصل الحياة ؛ فلا فرق بين التفصيل

٢٢٧

والتجميل ، إلا أنه لا يتبعه إذا كانت الجناية منه ، فيبعد عندي أن يلزم قريبه تجديدها.

المسألة الثالثة في النهي عن بيع الملاقيح والمضامين ، ما هي الملاقيح والمضامين؟

الجواب عن ذلك : أن الملاقيح هي الإبل اللقاح ، والنهي يتعلق بما كانت الجاهلية تفعله من بيع أحدهم ما في بطن ناقته ، وذلك نوع من الغرر ، وأما المضامين فهي ماء أصلاب الفحول ، يقول أحدهم : تبيعني ما تضمن ظهر بعيرك هذا من إنتاج لعام أو عامين ، وهو قريب من الأول.

المسألة الرابعة [في الرق]

فيمن كان له عبد فتلف بجناية من الغير ، ثم أقر أنه كان ابنا له ؛ هل تصح هذه الدعوى أم لا؟ قال : وقد التبس كلام أصحابنا في ذلك.

الجواب : أن إقراره لا يقبل لأنه يريد به إلزام الغير حقه ، اللهم إلا أن يكون قد قبض قيمة العبد وهو مال وخلف ولدا ، فإن إقراره يقبل في حق الأولاد ولا يقبل على القاتل لأن إقراره يقبل عليه ولا يقبل له فاعلم ذلك.

المسألة الخامسة [في البيع]

في البائع إذا باع سلعة ثم جنى عليها قبل قبض المشتري لها ؛ هل ينقض البيع من أصله ، أم يقدر المجني عليه ويلزم به؟

الجواب عن ذلك : أن البيع ينتقض ، ويرتفع العقد ، ولا تقدر الجناية.

٢٢٨

المسألة السادسة [في البيع]

في من باع أشجارا أو زرعا ثم اجتيح قبل قبض المشتري ؛ هل يكون من مال البائع أو من مال المشتري؟

الجواب عن ذلك : إذا اجتيح والحال هذه كان من مال البائع دون المشتري ، وهي عندي تجري مجرى التي قبلها.

المسألة السابعة [في تعيين الدنانير والدراهم]

في رأينا في الدنانير والدراهم هل تتعين عندنا أم لا؟

الجواب عن ذلك : أنها عندنا لا تتعين ، والدليل على ذلك أن التعيين لا يعلم من قصود المسلمين ، وبذلك جرت عوائدهم والعوائد أصل في ثبوت الأحكام.

المسألة الثامنة [في الإقالة]

في الإقالة هي بيع أم فسخ؟

الجواب عن ذلك : أنها عندنا بفسخ أشبه لأنها تبطل بالزيادة والنقصان.

المسألة التاسعة [في أفعال السكران]

السكران هل يصح طلاقه وبيعه وشراؤه في حال دون حال أم لا يصح ذلك؟

الجواب عن ذلك : إن السكران إن انتهى حاله إلى زوال عقله فلا حكم

٢٢٩

لأفعاله إلا الطلاق فإنه عقوبة له يلزمه حكمه لأن زوال العقل كان بجنايته فلزمه ذلك.

المسألة العاشرة [في ربح المغصوب]

في ربح المغصوب والبيع الفاسد هل يكون لمن ربحه أو لبيت المال؟

الجواب عن ذلك : أن ربح المغصوب لبيت المال ، وربح البيع الفاسد لمن ربحه ، إذ ذلك لا يملك بحال ، وهذا يملك على حال.

المسألة الحادية عشر

عن قوله تعالى : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ) [إبراهيم : ٤٨] ، ما معنى التبديل؟

الجواب عن ذلك : أن معنى التبديل عندنا أن تنتقض بنيتها وتبنى بنية أخرى على شكل آخر وصورة ، وفي الحديث «أنها تبدل بأرض بيضاء كالفضة لم يعص الله على ظهرها» ، وفي غريب الحديث «كقرصة النقي».

المسألة الثانية عشر

قوله تعالى : (وَنادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النَّارِ ...) .. الآية [الأعراف : ٤٤] ، هل يسمع الصوت؟ أم أهل النار يرون أهل الجنة أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن الصوت يسمع وأنهم يتراءون ، وبذلك ورد السمع ، ومعناه أن يرهف الحكيم سبحانه السمع ، ويحد البصر ، ويقوي الصوت حتى يبلغ ذلك كله ، وإلا فالمسافة بعيدة كما ورد السمع الشريف.

٢٣٠

المسألة الثالثة عشر

عن قوله تعالى : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) [يس : ٣٨]؟

الجواب عن ذلك : عندنا والله أعلم : أن مستقرها يوم القيامة يبطل حركتها ويسكنها من حركاتها لإزالة التكليف ، وإعادة الخلق للحساب.

المسألة الرابعة عشر

عن قوله تعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ...) الآية [الشورى : ٢٣] ، ما يريد بالأجر؟

الجواب عن ذلك : أن هذه الآية خاصة لآل محمد صلوات الله عليهم ، والخطاب من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأجره مودة أهل بيته عليه وعليهم‌السلام ؛ لأن كل نبي قوله : لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على رب العالمين إلا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فمن الناس من أوفاه أجره ، ومنهم من ظلمه ، وفي الحديث : أنه سئل صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قرابتك الذين أمر الله سبحانه بمودتهم؟ قال : «فاطمة وولدها» فخصت الآية وبين الحكمة.

المسألة الخامسة عشر

عن قوله تعالى : (لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَلا زَمْهَرِيراً) [الإنسان : ١٣] ، ما يرون بعد ذلك؟

الجواب عن ذلك : أن الشمس تزول والقمر وهو الزمهرير كما قال الراجز :

وليلة ظلامها قد اعتكر

سريتها والزمهرير ما زهر

٢٣١

وأما ما يرون بعد ذلك فأهل الجنة في نور يتلألأ ، وأهل النار في ظلمة طخياء ، نعوذ بالله منها فاعلم ذلك.

المسألة السادسة عشر

في قوله تعالى : (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى) [النساء : ٨] ، هل ذلك واجب أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن هذا كان واجبا في بدء الإسلام ثم نسخ ، وصورته أن المواريث كانت إذا قسمت على الحاضرين بشيء غير مقدر يزيد وينقص ، ورضح المساكين وصنع لهم الطعام فنسخ وجوب ذلك وبقي استحسانه كما نقول في صيام يوم عاشوراء فاعلم ذلك.

المسألة السابعة عشر

عن قوله : (فَساهَمَ فَكانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ) [الصافات : ١٤١] ، ما سببه؟

الجواب عن ذلك : أن هذه في قصة يونس عليه‌السلام وذلك أن قومه لما كذبوه ضاق ذرعه ودعا عليهم بلا إذن من الله سبحانه له بذلك ، ثم خرج منهم كعادة الأنبياء عليهم‌السلام ، فلقي سفينة فركب فيها فلما توسطوا لجة تغطط بهم البحر واصطكت أمواجه واحلكت عليهم الظلمة فقالوا : هذا لأن فينا مذنب. فقال عليه‌السلام : أنا ذلك المذنب فامروا بي ولا تهلكوا بسبي. وقد كانوا شاهدوا صلاحه عليه‌السلام فقالوا : ما نرجو النجاة إلا بك ، ولكنا نساهم بيننا فمن خرج سهمه كان إياه فساهم عليه‌السلام فخرج سهمه فرموا به في البحر ، فالتقمه الحوت ، وكان من أمره ما قصه الله سبحانه

٢٣٢

وتعالى ، وذلك بإذن من الله سبحانه ، أو كان يجوز في شرعه عليه‌السلام [أن] يعرض الإنسان نفسه للهلاك عند المعصية فاعلم ذلك.

المسألة الثامنة عشر

في قوله تعالى : (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ ...) الآية [النور : ٦١] (١) ، ما المراد بذلك؟ وهل يجوز أن تدخل بيوت من ذكر تعالى من غير إذن الرجال ، وأن يؤكل من طعامهم بغير إذنهم ، أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن معنى هذه الآية أنه لما نزل قوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) [البقرة : ١٨٨] ، فكان الرجل يدخل بيت أبيه وأخيه وأقاربه الذين ذكر الله ، فيمتنعوا من المأكل ، ويقول هذا من الباطل ، بأي شيء آكل طعام صاحبي ، فحرج الناس من ذلك واشتد عليهم التكليف به حتى نزلت الآية ، فاختلطوا وأكلوا على جاري العادة ، وجاز دخول البيت وإن لم يأذن الرجل إذا أذن الابن ، أو المرأة في غير الريبة إلا أن يعلم من الرجال كراهة فحينئذ يتغير الحكم ، وعادة المسلمين هذه جارية ، وقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدخل المنزل بطائفة من أصحابه ، ثم يأمرون لصاحبه يأتي إليهم في حق التحكم ، وهذا معنى إخوة المؤمنين.

__________________

(١) في الأصل : ليس عليكم جناح أن تأكلوا من بيوتكم ، ونص الآية في سورة النور : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ).

٢٣٣

فأما الآيات فقد خصت الأرحام والأقارب ومن لا يكره ما ذكر الله سبحانه في أغلب الأحوال ، قال تعالى : (أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ) [النور : ٦١] ، يريد به بيوت عبيدكم لأنكم مالكون لملكهم ، وأكل الطعام جائز في بيوت من تقدم ذكره وإن لم يأذن إذا أذن أهله إلا أن يعلم منه كراهة فحينئذ لا يجوز فاعلم ذلك.

المسألة التاسعة عشر

عن قوله تعالى : (وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ) [المائدة : ٣] ما هي؟ وما معنى الاستقسام؟

الاستقسام هي القسمة ، والأزلام : هي قداح الميسر ، وهي عشرة قداح : الفذ ، والتوأم ، والرقيب ، والحلس ، والنافس ، والمسبل ، والمعلى ، والسفيح ، والمنيح ، والوغد ؛ فالأول منها واحد ، والثاني اثنين ، والثالث ثلاثة ، والرابع أربعة ، والخامس خمسة ، والسادس ستة ، والسابع سبعة ، والآخر لا حظ لها ، وكان عشرة رجال يجتمعون فيدفعون ثمن الجزور ، ثم يقسمونها ثمانية وعشرين جزءا ، ثم يضربون بالقداح فربما خرج لواحد واحد وأكثر كما قدمنا ، وواحد دفع الثمن ، ثم خرج بحكم هذه القداح الظالمة بغير شيء ، فنهاهم الله سبحانه عن ذلك وردهم إلى الحق والصواب فله الحمد.

المسألة العشرون

عن قوله تعالى حاكيا عن أم مريم : (رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً) [آل عمران : ٣٥] ، ما معنى هذا النذر؟ وعن قولها : (رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى) [آل عمران: ٣٦]؟

٢٣٤

الجواب عن ذلك : أنها نذرت أن الله عزوجل إذا رزقها ولد جعلته محررا في الرق ، والتحرير هو التكرير والترديد فكأنها أكدت ذلك النذر وكانت تنذر به لخدمة البيعة ، فلما وضعتها حرجت بذلك ـ إذ المرأة لا تصلح لذلك ـ فقالت ما حكى الله عنها ، وكان النذر بذلك جائزا في شرعهم فاعلم ذلك.

المسألة الحادية والعشرون

عن من ذبح إلى غير قبلة وسمى ؛ هل تحل ذبيحته أم لا؟

الجواب عن ذلك : أنه إن تعمد ذلك لن تحل ذبيحته ، وإن كان غير متعمد حلت.

المسألة الثانية والعشرون [عن العوام المقلدين لأهل مذاهب الباطل]

عن العوام المقلدين لأهل مذاهب الباطل ولا يرون إلا بقولهم ولا يسمعون إلا كلامهم ؛ هل تحرم رطوبتهم كما تحرم رطوبة الملحدين أم لا؟

الجواب عن ذلك : أنهم إذا كانوا من فرق الإسلام كان حكمهم حكم المسلمين في جواز الرطوبة ، وإن أخطئوا وفسقوا بتقليد علمائهم وقبول قولهم دون قول غيرهم.

المسألة الثالثة والعشرون [في شهادة الأعمى]

في الأعمى يعرف الرجل ؛ هل تجوز شهادته على صورته أم لا يجوز ذلك؟

٢٣٥

الجواب عن ذلك : أن الشهادة مشدد فيها ، وقد أرى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشمس الشهادة وقال : «على مثلها فاشهد وإلا فدع» ، وقد يجوز تلبيس الصوت على الأعمى ، وإن وجد فيهم من لا يكاد يتغابى عليه صوت بعض الناس من بعض لشدة فطنته ، وإنما ذلك نادر لا حكم له.

المسألة الرابعة والعشرون [في الضمان]

عن رجل مضى ومعه قدح فيه زيت أو غيره من الأدهان فسقط القدح ، فتطاير الذي فيه في دقيق رجل آخر ؛ هل يضمن صاحب الدقيق لصاحب الدهن شيئا أم لا يضمن؟

الجواب عن ذلك : أنه يتقوى عندنا أن صاحب الزيت ملك الدقيق بالاستهلاك ، ولزمه لصاحب الدقيق غرامة دقيقه ، وكان أولى بالدقيق بزيته ، فإن لم يسلم له عوض دقيقه كان صاحب الدقيق أولى به مزيتا ولا شيء عليه فاعلم ذلك.

المسألة الخامسة والعشرون [في الوصية]

فيمن أشرف على الموت فأوصى بشيء من ماله أن يخرج عما يجب عليه ، فسلم من ذلك المرض ولم يخرج ما أوصى به ؛ هل للإمام أو واليه أن يأخذ منه ذلك المال منه أم لا؟

الجواب عن ذلك : أنه إن كان عين الواجب عليه ، وكان من مال للإمام المطالبة به كان له ذلك ولواليه ، وإن لم يعين لم يلزم ذلك لأنه يوصي عند خشية الموت ؛ فأما إذا حي لم يجزه إلا القيام به بنفسه ، كالحج ، والصيام ،

٢٣٦

والصلاة ، على رأي من جوز الكفارة فيها إلى غير ذلك ، وقد يتوهم في حال المرض أن شيئا يجب عليه ، ثم يبرأ فيكشف له الحال أنه غير واجب.

المسألة السادسة والعشرون [في الردة]

في أحد الزوجين إذا ارتد عن الإسلام بما تقع به البينونة ، فقد كثر الخلاف في ذلك بين أهل البيت عليهم سلام رب العالمين؟

الجواب عن ذلك : أن أحد الزوجين إذا ارتد وقعت البينونة بالردة بشرط انقضاء العدة ، وانفسخ النكاح ؛ فإن تاب المرتد وهي في العدة فهما على نكاحهما وإلا فإن تعذر ذلك ثبت الانفساخ من الخطاب.

المسألة السابعة والعشرون [في الخراج بالضمان]

عن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الخراج بالضمان» (١)؟

[الجواب] : هذا الخبر في عبد استغله رجل لزمه ضمانه ببيع فاسد وأنه يرده ولا يزد عليه وهو في ضمانه في ملك.

__________________

(١) أخرجه ابن حبان برقم (٤٩٢٧) ، وابن ماجه برقم (٢٢٤٣) في التجارات باب الخراج بالضمان ، والشافعي في (بدائع المنن) ٢ / ٧٤ ، وأحمد ٦ / ٨٠ ، ١١٦ ، وأبو داود ٣٥١٠ ، والترمذي تعليقا بأثر حديث رقم (١٢٨٥) ، والدار قطني ٣ / ٥٣ ، والطحاوي ٤ / ٢١ ، ٢٢ ، والحاكم ٢ / ١٤ ، ١٥ والبغوي ٢١١٨ ، وهو في موسوعة أطراف الحديث النبوي ٤ / ٦٦٧ ، وعزاه إلى مصادر كثيرة منها البيهقي ٥ / ٣٢١ ، ٣٢٢ ، وابن حبان ١١٢٦ ، وأبو داود برقم (٣٥٠٨ ، ٣٥٠٩ ، ٣٥١٠) ، وتلخيص الحبير ٣ / ٢٢ ، وكنز العمال بأرقام (١٢٦٥ ، ١٢٦٧ ، ٩٦٩٨) وغيرها.

٢٣٧

المسألة الثامنة والعشرون [في الردة أيضا]

قال : هل مولانا يعتبر انفساخ النكاح في الردة اختلاف الدار مع الدين ، كما روي عن محمد ابن عبد الله رضي الله عنه؟

الجواب عندنا : أنه لا اعتبار باختلاف الدار وإنما اعتبارنا اختلاف الدين.

المسألة التاسعة والعشرون [في الوصية بالحج]

عن الرجل يوصي بحج عنه حجة الإسلام بمائة دينار مثلا ، وكان أجرة من يحج خمسين ؛ هل يكون الباقي على أجرة المثل للورثة أم للذي حج؟ وهل بين أن يعين من يحج عنه وبين أن يطلق فرق في استحقاق المال أم لا؟

الجواب : أن الحج من الثلث فإذا أوصى أن يحج بمائة دينار وكانت ثلث المال أو أقل لم يجز أن ينقص منها شيء ، وإن نقص غرم الوصي أو المحجج للمخالفة وإن كانت مثل الثلث ، وكذلك إن كانت أكثر رد إلى الثلث ، ولا فرق بين التعيين وغير التعيين.

المسألة الثلاثون [في الهدي]

إذا كان الهدي بدنة ركبها صاحبها أو غيره حتى ينقص أو لم ينقص ؛ هل يلزم الكرى وفي النقصان شيء أم لا؟ وهل إذا ركبت الناقة فرق بين أن تركب بإذنه أم بغير إذنه ، أو لا فرق بين ذلك؟

الجواب : أن صاحبها لا يركبها ، ويجوز أن يركبها غيره إذا قرحه المشي ركوبا غير مجحف ، ولا يلزمه بذلك شيء ، فإن أجحف بها جبر بالدم على قدره ، وإن

٢٣٨

احتاج إلى ركوبها حاجة ملحة كان عليه جبران ذلك ، ولا يجوز لغيره أن يركبها بغير إذنه فإنها وإن كانت لله سبحانه فله عليها ولاية فإن كان ذلك جبر.

المسألة الحادية والثلاثون [في الشفعة]

في رجل ناقل في أرض هل في ذلك شفعة؟

الجواب : أن الشفعة في ذلك واقعة ؛ لأنه بيع أرض بأرض وعلى الشفيع قيمة الأرض التي نوقل بها بحكم ذوي عدل.

المسألة الثانية والثلاثون [في العرايا]

عن العرايا التي رويت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما معناها؟

الجواب عن ذلك : أنها النخلات والنخل إلى العشر ، والواحدة يعريها الرجل أخاه معناه يهبه ثمرها لحاجة تمسه فيحتاج إلى بيعها ثانيا ، فيرخص له في بيع ذلك بالثمن ، ويكره في أكثر من ذلك.

المسألة الثالثة والثلاثون

عن قوله تعالى : (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ ...) الآية [البقرة : ١٧٧]؟

الجواب عن ذلك : أن اليهود ومن تابعهم لما حول الله تعالى قبلة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بيت المقدس حرسه الله إلى البيت الحرام حماه الله وزاده جلالة وعزا عظم ذلك عليهم واستهزءوا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه ، فرد الله تعالى

٢٣٩

عليهم ذلك بما بين أن البر التقوى ، وطاعة الملك الأعلى ، واتباع أمره ، وليس هو في جهة مخصوصة جزء من مشرق أو مغرب.

المسألة الرابعة والثلاثون

عن قوله تعالى : (لَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها ...) الآية [البقرة : ١٨٩]؟

الجواب عن ذلك : أن قريشا ومن تابعها كانت قد أحدثت في الحج أمورا غير شرع إبراهيم عليه‌السلام منها : أنهم لا يقفون في عرفة ، ولا يطوفون إلا في باب الحرم ، ولا يدخلون البيوت في وقت الإحرام من أبوابها بل يتسورون من ظهورها ، ويسمون نفوسهم الحمس والحمس الشدة وربما خطب الرجل إليهم فيقولون : لا نزوجك إلا أن يكون ولدك من أنبت حمسيا فيعقدون على ذلك ، فلما جاء الإسلام شرفه الله سبحانه أبطل ذلك ، فكان رجل بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من الأنصار ، أمه قرشية في الحج ، فقال له الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أدخل تريد بيتا. فقال : يا رسول الله إني حميس. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وأنا حمسي يريد قرشيا ، ثم دخل من يديه فتبعه الرجل ، ونزل القرآن الكريم بإبطال ذلك.

المسألة الخامسة والثلاثون

عن قوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً) [البقرة : ٢٣٤ ، ٢٤٠]؟

الجواب عن ذلك : أن هذه الآية منسوخة بأربعة أشهر وعشرا.

٢٤٠