مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ٢

المنصور بالله عبدالله بن حمزة

مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ٢

المؤلف:

المنصور بالله عبدالله بن حمزة


المحقق: عبدالسلام بن عباس الوجيه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦٥
الجزء ١ الجزء ٢

سأل أيده الله : عن العذر الذي يجب معه العفو ما حقيقته؟

الجواب عن ذلك : أنه الذي يعلم الإنسان أو يغلب على الظن صحته ، فأما الجواز فإنه يجوز قبوله وإن لم يغلب على الظن صحته ، بل يغلب خلافه إذا كان في ذلك مصلحة دينية كما كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفعل مع المعذرين من الأعراب ، والمنافقين يقبل عذرهم وإن علم الله سبحانه اختلافه.

قال أيده الله وأيد به : ما المانع من سكون الجن في الهواء كما يدعيه ناس أنهم جن هوائيون؟

الجواب عن ذلك : أنه لا مانع من ذلك لأن الأصل في إثبات خلق غير المشاهدة من ملائكة أو جن هو السمع ، فإن ورد السمع بذلك قبل ؛ إلا أنا لم نعلم إلا ما وصلنا من أخبار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فسكونهم الأرض وتناسلهم أيده القرآن الكريم بقوله : (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً) [الجن : ١٢] ، ولم يقل في الهواء ، ولو كان لا يصح قولهم كونهم في الأرض تعرت الآية عن المعنى وذلك لا يجوز لأنه لا يقول : لن نعجزه حيث يستحيل أن نكون فيه ، وفيهم رجال ، كما قال تعالى : (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِ) [الجن : ٦] ، وقال : (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ) [الذاريات : ٤٩] ، ذكر أهل العلم الأشياء وهم من معظمها ، وقد روينا بالإسناد الموثوق به إلى الإمام المرشد بالله عليه‌السلام بالإسناد له ، رفعه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ذكره في (باب النبوءة) قال : كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جبل من جبال تهامة ، إذ وقف عليه إنسان فقال : السلام عليك يا رسول الله. فرفع صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رأسه وقال : «وعليك السلام ، من أنت؟ نغمة الجن (١) وخنتهم»؟ قال : يا رسول الله أنا هامة بن

__________________

(١) في طبقات المحدثين بأصبهان لابن حيان ج ٣ ص ٢٦٨ ، رفعه إلى عمر بن الخطاب قال : بينما نحن جلوس مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على جبل من تهامة ، إذ أقبل شيخ في يده عصا فسلم على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم قال : نغمة الجن وغنتهم ، من أنت؟ قال : أنا هامة بن الهيثم بن لا قيس بن إبليس ... وذكر بقية الحديث باختلاف طفيف.

١٨١

الهيثم بن لا قيس بن إبليس. قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما بينك وبين إبليس إلا من ذكرت؟» قال : ما بيني وبينه إلا من ذكرت. قال : «فكم مضى لك من السنين؟» قال : أفنيت الدنيا عمرها إلا القليل ، وإني كنت وأنا ابن أعوام أمر بفعل الحرام ، وارتكاب الآثام ، وقطع الأرحام ، وشركت في قتل الشهيد هابيل بن آدم. قال : فأعرض عنه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : «بئس ـ لعمر الله ـ فعل الشيخ المتوسم!! والشاب المتلوم!!» قال : يا رسول الله ، دعني من استعاذك (١) ، فإني تبت إلى الله ، إني أتيت إلى نوح فقلت : يا نبي الله ، إني شركت في دم الشهيد هابيل بن آدم ، فهل لي من توبة؟ فقال : ما وجدت في ما أنزل الله ذنبا إلا وعفو الله أكبر منه ، قم فتوضأ ، وصل ركعتين. فتوضأت وصليت ركعتين. فقال : ارفع رأسك فقد غفر الله لك ، وإني كنت معه في مسجده مع من آمن به من قومه فلم أزل أعاتبه في دعوته على قومه حتى بكى وأبكاني وقال : اللهم ، إني إليك من التائبين ، وأعوذ بك أن أكون من الجاهلين ، وإني كنت مع هود في مسجده مع من أمر به من قومه فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومه حتى بكى وأبكاني ، وقال : اللهم ، إني إليك من التائبين ، وأعوذ بك أن أكون من الجاهلين ، وإني كنت مع صالح في مسجده مع من آمن به من قومه فلم أزل أعاتبه على دعوته على قومه حتى بكى وأبكاني ، وقال : اللهم إني إليك من التائبين ، وأعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ، وإني كنت دوّارا ليوسف عليه‌السلام ، وكنت من يعقوب بالمكان المبين ، وإني أتيت موسى فقلت : يا كليم الله ، علمني مما علمك الله فعلمني مما علمه الله ، وقال : إذا لقيت أخي عيسى فأقرئه مني السلام. فأتيت عيسى فقلت : يا روح الله ، إن أخاك موسى يقرئك السلام فعلمني مما علمك الله. فقال : وعلى أخي موسى السلام ، وعلمني مما علمه الله ، وقال : إذا لقيت أخي محمدا فأقرئه مني السلام ، يا رسول الله إن أخاك عيسى يقرئك السلام ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «وعلى أخي عيسى السلام ما دامت

__________________

(١) في الأصل : من استعاذك ، وفي طبقات المحدثين بأصبهان : من استعدادك.

١٨٢

الدنيا ، وعليك يا هامة لتأديتك الأمانة» فقال : يا رسول الله ، علمني مما علمك [الله] فعلمه الحمد وذوات قل. فقال : «ارفع حوائجك إلينا ، وزرنا في الحين بعد الحين» (١) ، فما جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعدها ، وإنما ينكر هذه الأمور الباطنية (٢) ومن تابعهم من المطرفية (٣) تكذيبا لظاهر القرآن ، وإلحادا في الإيمان ، وهذه المسألة مما يهون الخطب فيها ، فمن لم تبلغ سمعه ، وسعه الجهل لأنها ليست من أصول الدين ، وإنما ذكرنا لك طرفا مما بلغنا لكونك ممن يهتدي بالهدى.

سأل أيده الله : عن العقوبة بالهرم ، قال : وهل يكون العبد معاقبا مكلفا معا؟

الجواب عن ذلك : أن الهرم إن انتهى إلى زوال العقل سقط السؤال لانتفاء التكليف ، وإن كان العقل باقيا كان ذلك من طريق الامتحان والتأديب ، ويسمى عقوبة توسعا ، كما قال تعالى : (وَلَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ) [الأعراف : ١٣٠] ، والأخذ في كتابه العقوبة ، كما قال تعالى : (وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ) [هود : ١٠٢] ، فهذا سائغ لأنه إن لم يضطر وأنه مؤد إلى العقوبة ، فسمي باسم ما يؤدي إليه.

__________________

(١) الحديث في طبقات المحدثين بأصبهان ج ٣ ص ٢٦٨ ، قال : عبد الرزاق بن منصور بن أبان ، قدم أصبهان بغدادي لم أر أحدا يحدث عنه غير أبي العباس الجمال حدثنا عنه أبو العباس الجمال قال حدثنا عبد الرزاق بن منصور بن أبان قال : حدثنا إسحاق بن بشر الكاهلي. قال : حدثنا أبو معشر المدني عن نافع عن ابن عمر عن عمر بن الخطاب ... الحديث.

وفي تهذيب الكمال للمزني ٢٥ / ٤٨١ ، في ترجمة محمد بن عبد الله بن الزبير قال بعد كلام عنه وأنه منكر الحديث ؛ قيل إنه مات وقد زاد على مائة سنة روى له ابن ماجه في التفسير عن مالك بن دينار عن أنس بن مالك حديث هامة بن الهيثم بن لا قيس بن إبليس. وانظر ميزان الاعتدال ٣ ترجمة ٧٧٦٤.

(٢) الباطنية : فرقة منسوبة إلى الشيعة يقولون لكل شيء ظاهر وباطن ، ولهذا السبب يؤلون الآيات القرآنية والأحاديث ولا يعتبرون ظاهرها صحيحا بل ينظرون إلى باطنها ويطلق لقب الباطنية على الإسماعيلية بشكل خاص ومنهم القرامطة والمزدكية. نسبوا إليهم الكثير من العقائد الباطلة وهم فرقة غامضة لا تكاد تعرف مؤلفاتهم. انظر موسوعة الفرق ١٤٨ ـ ١٥٠.

(٣) المطرفية : سبق الحديث عنهم في رسائل المؤلف السابقة وقد بين مبادئهم.

١٨٣

قال أيده الله في السدل : ما هو؟

[الجواب عن ذلك :] هو الالتحاف بالثوب وإرخاء أطرافه ويد لابسه من تحته.

سأل أيده الله : عن أكل أمير المؤمنين عليه‌السلام ثلاث لقم كل ليلة من شهر رمضان الذي قتل فيه وهو خلاف العادة؟

الجواب عن ذلك : أن أكثر أموره عليه‌السلام كان خلاف العادة ، ومن ذلك [اختصاصه] بالفضل ، وفي الحديث : «من أحب أن ينظر إلى نوح في علمه ، وإلى موسى في بطشه ، فلينظر إلى علي بن أبي طالب» (١) ، وقد صار موسى عليه‌السلام من مصر إلى الشام بغير زاد وذلك خلاف العادة ، وكان مراده عليه‌السلام أن يلقى الله خميصا لأنه قد كان أحس بالانتقال إلى الله عزوجل فلقي الله تعالى على ما أراد.

__________________

(١) أخرجه الإمام المرشد بالله في الأمالي الخميسية ١ / ١٣٣ ، بلفظ : «من أراد أن ينظر إلى موسى في شدة بطشه وإلى نوح في حلمه فلينظر إلى علي بن أبي طالب». وأورده ابن عساكر في ترجمة الإمام علي من تاريخ دمشق ٢ / ٢٨٠ ، بلفظ : «من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه وإلى نوح في فهمه وإلى إبراهيم في حلمه وإلى يحيى بن زكريا في زهده وإلى موسى بن عمران في بطشه فلينظر إلى علي بن أبي طالب». قال السيد المحمودي : ورواه أيضا الحسكاني في الحديث ١١٦ من شواهد التنزيل ١ / ٧٨ ط (١) وذكر لفظا مقاربا وقال أيضا : رواه أبو الخير الطالقاني في الباب (٢٩) من كتاب الأربعين المنتقى بسنده عن الحاكم ورواه الحموي في الحديث ١٣١ في الباب (٣٥) من فرائد السمطين ١ / ١٧٠ طبعة (٢). والخوارزمي في الحديث (٢٣) من الفصل الرابع من مقتله ١ / ٤٤ طبعة (١). وفي الفصل سبعة من مناقبه ـ طبعة الغري ص ٤٠ ـ ، وفي الحديث (٣١) فصل ١٩ من مناقبه ص ٢١٩ طبعة الغري. كما أورده المحمودي أيضا بألفاظ أخر عزاها إلى شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني في ١ / ١٠٦ طبعة (١) ، وابن المغازلي في الحديث ٢٥٦ من مناقبه ص ٢١٢ طبعة (١) ، والرياض النضرة ٢ / ٢١٧ ، وذخائر العقبى ص ٩٣ ، والبداية والنهاية ٧ / ٣٥٦ ، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ، المختار (١٥٤) ج ٩ / ص ١٦٨ طبعة الحديث بمصر. قال : ورواه أحمد بن حنبل في مسنده والبيهقي في صحيحه.

١٨٤

سأل أيده الله عن قول عبد الله بن عمرو أمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطاعة عمرو ، من عمرو هذا؟

الجواب عن ذلك : أن عمرو هذا هو عمرو بن العاص ، وولده هو عبد الله بن عمرو أحد الفقهاء والصلحاء ولكن خذل فنعوذ بالله من الخذلان ، ومن خذله مشايعته أباه على حرب علي عليه‌السلام ، فنعى ذلك عليه العلماء وهو لا يشك في خطأ معاوية وخطأ أبيه وقال : أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بطاعة عمرو ؛ ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمره بطاعته كما يؤمر الولد بطاعة الوالد ولم يرد طاعته في معصية الله ، وقد قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» (١) وعبد الله بن عمرو الذي روى لأهل الشام في قتل عمار رضي الله عنه «تقتلك الفئة الباغية» (٢) حتى طلب معاوية وأهل الشام ، وعتب على أبيه في ذلك في قصص طوال.

__________________

(١) أخرجه ابن أبي شيبة في مسنده ١٢ / ٥٤٦ ، والسيوطي في الدر المنثور ٢ / ١٧٧ ، والخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ٣ / ٤٢ ، ١٠ / ٢٣ وهو بلفظ : «لا طاعة لمخلوق في معصية الله» عن الإمام علي عليه‌السلام عند أحمد بن حنبل ١ / ١٣١ ، ٤٠٩ ، ٥ / ٦٦ ، والطبراني ١٨ / ١٦٥ ، ١٧٠ ، ١٧٧ ، ١٨٥ ، وعبد الرزاق برقم (٣٧٨٨) ، وهو في التمهيد لابن عبد البر ٨ / ٥٨ ، ومصباح السنة للبغوي ١٠ / ٤٤ ، كنز العمال بأرقم (١٤٤٠١ ، ١٤٤١٣ ، ١٤٨٧٥) ، وفي مشكاة المصابيح ٣٦٩٦ ، وأخرجه ابن حبان عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب برقم (٤٥٦٨ ، ٤٥٦٩) ، وأبو يعلى برقم (٢٧٩) وهو بألفاظ متقاربة في مصادر كثيرة. انظر موسوعة أطراف الحديث النبوي ٧ / ٢٦٥.

(٢) الحديث ورد بألفاظ متقاربة أخرجه ابن حبان برقم (٧٠٧٧) وبرقم (٦٧٣٦) بلفظ : «تقتل عمار الفئة الباغية» قال محقق الإحسان : حديث صحيح وأخرجه الطبراني في الكبير ٢٣ / ٨٥٨ ، ٨٥٣ ، ٨٥٤ ، ٨٥٦ ، ومسلم برقم (٢٩١٦) (٧٣) في الفتن ، والطيالسي برقم (١٥٩٨) وأحمد ٦ / ٢٨٩ ، ٣٠٠ ، ٣١٥ ، وابن سعد ٣ / ٢٥٢ ، والبيهقي في السنن ٨ / ١٨٩ ، وفي الدلائل ٦ / ٤٢٠ ، والبغوي ٣٩٥٢ ، وفي الباب عن غير واحد من الصحابة بلغ عددهم قريبا من ثلاثين نفسا وقد نص على تواتر هذا الحديث ابن عبد البر في الاستيعاب ٢ / ٤٧٤ ، وابن حجر في الإصابة ٢ / ٥٠٦. وانظر الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان برقم (٧٠٧٧ ، ٧٠٧٨ ، ٧٠٧٩) تجد الكثير من المصادر. وانظر مسند أحمد ٥ / ٢١٤ ، ٢١٥ ، ٣٠٦ ، ٣٠٧ ، ٦ / ٣٠٠ ، ٣١١ ، ٢ / ١٦١ ، والمستدرك ٢ / ١٥٥ ، ٣٨٧ ، ومصادر الحديث كثيرة (انظر عنها موسوعة أطراف الحديث النبوي ٤ / ٤٠٣ ، ١١ / ٢٠٥).

١٨٥

سأل أيده الله في حد النوم؟

والنوم : استرخاء المفاصل لزوال العقل ، وسهو يعتري الإنسان.

سأل أيده الله : عن حد الجوع؟

وحدّه : توفر الداعي إلى تناول المأكول.

سأل أيده الله : عن حد الشبع؟

وحدّه : زوال الداعي إلى تناول المأكول ، لأن المريض تزول دواعيه ولا يوصف بشبع لما كان زوالها بأمر غير تناول المأكول ، والنوم والجوع والشبع من الله سبحانه موقوفة على أسباب اعتيادية من فعل العباد ، وقد منّ سبحانه بالنوم علينا في آي كثيرة مبينا ومجملا ، وكذلك الشبع ، وقال في قصة قريش : (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) [قريش : ٣ ، ٤].

سأل أيده الله : عن عذاب المناقشة ، ومشقة المطالبة للمؤمن طالب الحال لأحسن الحلال ، كيف والله عز من قائل يقول : (لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ) [الحجر : ٤٨] و (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ) [الأنبياء : ١٠٣] و (وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) [البقرة : ٢٧٧]؟

الجواب عن ذلك : أن الآثار قد وردت بالوجل في موقف الحساب والمحاسبة والانتقال في المواقف ، والسؤال عن النعيم وعن شكره إلى غير ذلك مما لا ينكره عارف ، والحجة عليه قولهم : لا يحزنهم الفزع الأكبر ، لأن الفزع مواقعة النار ، فلو أن هناك أصغر لم يأمنوا منه لما كان لتخصيصه معنى ، ولا يمسهم فيها نصب الهاء عائدة إلى الجنة وهذا قبلها في عرصات الحساب ، ولا خوف

١٨٦

عليهم كما يخاف الفساق والكفار ، ولا يحزنون كما يحزنون ، أو يكون المراد به في الجنة ، فهناك تنقطع أسباب الشر ، وتتصل أسباب الخير.

قال أيده الله في تأثير العلة في المعلول : هل يجوز تقدم العلة ؛ فكيف ألزمتم الفلاسفة استحالة تراخي المعلول على علته وإن كان لا يتقدم على المعلول ، ووجودها على حد واحد ، فلم صار أحدهما علة والثاني معلولا أولى من العكس؟

الجواب عن ذلك : أنه لا يجوز تراخي المعلول عن علته ووجودهما في وقت واحد ، إلا أنا نعقل أن أحدهما المؤثر في الآخر بالدليل فنجعله علة للآخر ، كما نعلم في المشاهدة تقدم حركة الأصبع على حركة الخاتم بالذات دون الزمان وأنها العلة في حركة الخاتم ؛ لكون المؤثر دون الحصول في وقت واحد ، والفلاسفة لا تجد سبيلا إلى المخالفة في ذلك ، ونحن نبطل عليهم أن يكون حدوث العالم لعلة لأنا نراه يتراخى في الوجود ؛ فلو كان لعلة وجب حصوله دفعة واحدة.

سأل أيده الله : عن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن رزق الله لا يجره حرص حريص ، ولا يرده كراهة كاره» (١).

قال أيده الله : والرزق مشروط في غيره أليس المشروط يقف على فعل فاعل الشرط فإن فعله كان جزاء ، وإن تركه كان ردا.

الجواب عن ذلك : أن الأمر كما ذكر أيده الله في الرزق ، ولكن الشرط ليس بموجب للرزق وإنما هو شرط اعتيادي ، ثم الحكيم بالخيار إن شاء فعل

__________________

(١) حديث : «إن رزق الله لا يجره حرص حريص ...» الخ. له شاهد حديث عن جابر في ابن حبان برقم (٣٢٣٩) لفظه : «لا تستبطئوا الرزق فإنه لن يموت العبد حتى يبلغه آخر رزق هو له فأجملوا في الطلب : حد الحلال وترك الحرام».

١٨٧

وإن شاء لم يفعل ؛ فما أراد الباري سبحانه أن لا يحصل لم يجره الحرص ، وما أراد أن يحصل لا يرده كراهة كاره ، بل يحصل ؛ فلو كان يحصل بجره على كل حال توجه السؤال ، وقد تكون الكراهة هاهنا لغير المرزوق.

سأل أيده الله : عن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن الرزق ليطلب الرجل كما يطلبه أجله» (١) ، هل شمل المشروط وغيره أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن هذا عام في المشروط وغيره ؛ لأن ما قسم الله سبحانه للعبد في الذكر الحكيم لا بد من وصوله إليه ، فإن كان مشروطا قوى سبحانه دواعيه في الإتيان بشرطه ، وإن كان غير مشروط سهل طريقه وهيأ سببه حتى يصل إليه ، كما في الآجال واختلافها ، كذلك الأرزاق ، حتى أنه إذا قدر موته في بلد هيأ له إليها حاجة ، كذلك الرزق.

سأل أيده الله : عن انقطاع التكليف عند قيام الساعة أو عند الآيات قبلها؟

الجواب عن ذلك : أنه ينقطع عند ظهور الآيات (لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً) [الأنعام : ١٥٨] ، ويأكلون ويشربون ، ويطلبون نفع الدنيا ؛ لأن ارتفاع حكم التكليف لا يرفع ذلك ، ولهذا يطلب أهل النار المأكل والمشروب وهم غير مكلفين ، وكذلك الأطفال والمجانين يطلبون المتاع مع زوال التكليف.

وسأل أيده الله : عن كلام الهادي عليه‌السلام في كتاب الأحكام في فضل

__________________

(١) الحديث أخرجه ابن حبان في الإحسان في تقريب صحيح ابن حبان برقم (٣٢٣٨) ، قال محققه وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة برقم (٢٦٤) والقضاعي في مسنده ٢٤١ والبزار برقم (١٢٥٤) وأبو نعيم في الحلية ج ٦ / ٨٦ والمناوي في فيض القدير ٢ / ٣٤١ ونسبه إلى البيهقي في الشعب وأبي الشيخ في الثواب والعسكري في الأمثال وهو في مجمع الزوائد ٤ / ٧٢ ، وعزاه في موسوعة أطراف الحديث إلى ابن حبان برقم (١٠٨٧) ومشكاة المصابيح برقم (٥٣١٢) وجمع الجوامع برقم (٥٥٦٣ ، ٥٥٦٤) ، وكنز العمال برقم (١٦٦٠٩) ، إتحاف السادة المتقين برقم ٩ / ٤٧٧ وانظر موسوعة أطراف الحديث ٣ / ٨٠.

١٨٨

يوم الجمعة وأن قيام الساعة فيه وأنه عليه‌السلام كان يأخذه كل يوم جمعة وجل ، وكان قاطعا على ظهور المهدي عليه‌السلام ، وليس ذلك إلا قبل قيام الساعة أعني ظهوره (١)؟

الجواب عن ذلك : إنما ذكره عن الهادي عليه‌السلام مأثور عن السلف الصالح عليهم‌السلام ، وكان علي بن الحسين ، وجعفر بن محمد عليهم‌السلام يبكون لظهور أشراط الساعة وعلامتها ، المراد بذلك إشعار الخلق وقوعها ، إذ هو كائن لا محالة ، ووجله يوم الجمعة لأنه يوم وقوعه فوجل لذكر حصولها فيه لا أنها تحصل في وقته عليه‌السلام ؛ لأن قبلها أمور نقطع بكونها لم تكن بعد ، كانهدام السد ، وخروج يأجوج ومأجوج ، والمهدي عليه‌السلام ، والدجال لعنه الله ، والدابة وغير ذلك.

وسأل أيده الله : عن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لا مهدي إلا مهدي عيسى عليه‌السلام» (٢) ما هذه الإضافة؟

الجواب عن ذلك : أن [الأحاديث في أن] المهدي في أهل البيت عليهم‌السلام كثيرة والذي يكون بين يدي الساعة هو : مهدي عيسى الذي يحارب

__________________

(١) قال الامام الهادي في الأحكام ٢ / ٥٣٣ قال يحي بن الحسين رضي الله عنه : من أكثر الصلاة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثرت رحمة الله له ورفع درجته ومحا سيئته ، وأن أفضل أوقات الصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليوم الجمعة وأن أفضل ساعات الجمعة لوقت الزوال ، وأن يوم الجمعة لأفضل الأيام وأعظمها عند ذي الجلال والإكرام ، وأن ليلة الجمعة لأفضل الليالي ، وأن الأعمال لتضاعف في يوم الجمعة وليلتها وإنما سمي يوم الجمعة لاجتماع الناس فيه لأداء فرض الصلاة كما أمرهم الله حين يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) ، قال يحيى بن الحسين صلوات الله عليه : ومن تعظيم الله لذلك اليوم أن جعله للمسلمين عيدا. وفيه ما بلغنا عن النبي (ص) عن جبريل أنه قال : إن يوم الجمعة يوم القيامة وفيه تقوم الساعة.

(٢) الحديث لم أجده بلفظه وفي المستدرك حديث بلفظ : «لا يزداد الأمر إلا شدة ، ولا الدين إلا إدبارا ، ولا الناس إلا شحا ، ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس ، ولا مهدي إلا عيسى بن مريم» ويظهر أن هنا تسقط كلمة «إلا مهدي» ولكنه بهذا اللفظ في موسوعة أطراف الحديث ٧ / ٢٨٤ وعزاه إلى عدة مصادر.

١٨٩

الدجال وينصره عيسى عليه‌السلام هذا معنى قوله : «لا مهدي تعقبه الساعة إلا مهدي عيسى» (١) ، وقد سئل إبراهيم بن عبد الله عليه‌السلام هل أخوك المهدي الذي بشر الله به؟ قال : المهدي عدة من الله وعد بها نبيه أي : يجعل من ذريته رجلا لم يسمه بعينه ، ولم يوقت زمانه؛ فإن كان أخي المهدي الذي بشر الله به فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، وإن لم يكن أخي المهدي الذي بشر الله به لم يضع أخي فريضة الله في عنقه لانتظار أمر لم يؤمر بانتظاره(٢).

وسأل أيده الله عن قوله تعالى : (فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ) [الشرح : ٧] هل الباء مشددة أم مخففة؟

[الجواب عن ذلك :] وهي مخففة معناه إذا فرغت من الصلاة فانصب بالدعاء بالقبول والمثوبة ، ومثل ذلك في سائر الطاعات يقع الدعاء عقبها شرعا كما نعلمه في الحج وغيره.

وسأل أيده الله عن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لكنهم كانوا إذا لاح شيء من الدنيا وثبوا عليه» ، هل تناول الوثبة الحلال نصا أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن الوثبة على الحرام هي التي في مقابلتها الوعيد ، والوثبة على الحلال مكروهة ؛ لأن الدنيا لا تحتمل الوثوب لهوانها ، حلالها فضلا عن حرامها.

__________________

(١) حديث لا مهدي : انظر التخريج السابق.

(٢) انظر عن الإمام إبراهيم بن عبد الله عليه‌السلام وأخيه النفس الزكية. (الحدائق الوردية في تاريخ أئمة الزيدية) ، و (اللآلئ المضيئة) ، خ و (الإفادة في تاريخ الأئمة السادة) ، و (مآثر الأبرار) للزحيف ، و (أعلام المؤلفين الزيدية) ، و (معجم رجال الاعتبار وسلوة العارفين) ، وفيهما مصادر ترجمتهما ، وانظر (التحف في شرح الزلف) للسيد مجد الدين المؤيدي ، وسبقت ترجمتهما في حواشي رسائل الإمام السابقة.

١٩٠

وسأل أيده الله عن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فيأخذ ليعطى» وإنما ذكرنا أن ذلك في بلوى الامتحان لا في بلوى التكليف ، وقد قال تعالى : (وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) [التوبة : ١٠٤] وهي في بلوى التعبد.

الجواب عن ذلك : أنا قد بينا في الشرح مستقصي على قدر احتماله ، وقوله : (وَيَأْخُذُ الصَّدَقاتِ) [التوبة : ١٠٤] ، لا ينافي ما قلناه ؛ لأنه إن شمل الأمرين لم يتنافيا لأنه يبتلي بالتكليف لثواب الآخرة ، ونفعه العائد علينا ، ويبتلي بالامتحان لمنفعة الآخرة على الصبر ، وفائدة العوض الجزيل الموفى أضعافا ، وإنما آثرنا به لفظ العطاء لكونه استيفاء العوض ، وذكر الجزاء في مقابلة بلوى التكليف ، فلكل واحد وجه ، وكل محتمل.

وسأل أيده الله عن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أقلل من الشهوات يسهل عليك الفقر» أنا ذكرنا في الشرح تناول المشتهى بالثمن ما هو الثمن؟

الجواب : أن الثمن كل أمر سلمه قابض البيع نقدا كان أو عرضا ، وأصله النقد ، والشهوات المشتهيات ؛ لأن الشهوات لا تدخل تحت مقدوره فيتناولها النهي ولا الأمر.

وسأل أيده الله عن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما فوق الإزار حساب إن لم يعمل بطاعة»(١)؟

__________________

(١) لم أجده بلفظه وأورده في موسوعة أطراف الحديث النبوي بلفظ : «ما فوق الإزار وظل الحائط وجد الماء فضلا يحاسب» وعزاه إلى مجمع الزوائد ١٠ / ٢٦٧ ، والترغيب والترهيب ٤ / ١٦٥ ، وبلفظ : «ما فوق الإزار وظل الحائط وخبر يحاسب» وعزاه إلى الدر المنثور ١ / ٣٩١ ، وتفسير ابن كثير ٨ / ٤٩٨ ، وانظر موسوعة أطراف الحديث ٩ / ١٨٢.

١٩١

[الجواب :] ومراده أن المستحق من الدنيا ستر العورة وما سوى ذلك فضلا من نعم الله يجب الشكر عليها.

وسأل أيده الله عن الخبر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في مجيء الحسن والحسين عليهما‌السلام وهما يعثران ، ونزوله من المنبر وما شعر بشيء من ذلك ، وقال : «إنما الولد فتنة لقد نزلت وما شعرت» (١).

قال أيده الله : كيف يكون سهوا وهو أفعال كثيرة؟

الجواب عن ذلك : أنه لا يمتنع أن يكون ذلك من قبل الله سبحانه ، وإرادة الحكيم تعظيما لحالهما ، تنبيها لمن أساء إليهما بعده بسوء حاله ؛ لأن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا بلغ من الأشغال بأمرهما هذا المبلغ في مثل تلك الحال العظيم وهو صعود المنبر ، فما حال من آذاهما وعاداهما ، وإذا أراد الله سبحانه أمرا أخرج الأمر عن بابه المعتاد ، كما أن عادة النوم يوم أو ليلة ، فلما تعلق به الصلاح أنام أهل الكهف ثلاثمائة سنة وزيادة ؛ فلا يمتنع أن يجعل في ذلك زوال علوم الذكر إليها.

الجواب عن ذلك : أن هذا الافتتان ، افتتان التعظيم لحالهما عند الله سبحانه لا افتتان الهوى ؛ لأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منزه عن فتنة الاغترار.

قال أيده الله : يجوز إثبات أبوتهما من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والله عز من قائل يقول : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) [الأحزاب : ٤٠]؟

__________________

(١) أورده في مجمع الزوائد ٨ / ١٥٥ عن عبد الله بن عمرو وعزاه إلى الطبراني وهو في الطبراني في الكبير عن عبد الله بن عمر ج ٣ / ص ٤٢. وفي الباب أحاديث كثيرة انظرها في ترجمة الإمام الحسين وترجمة الإمام الحسن من تاريخ ابن عساكر.

١٩٢

الجواب عن ذلك : هذا من وجوه :

أحدها : تظاهر النصوص من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بدعائهما بالبنوة ، وثانيها : بإجماع الصحابة على نسبتها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وثالثها : إجماع العترة عليهم‌السلام على ذلك ، وقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لكل نبي أبناء منتسبون إلى أبيهم إلا الحسن والحسين فهما ابناي وأنا أبوهما» (١) وعادة أئمة الهدى من عبد الله أمير المؤمنين فلان بن فلان بن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بغير مناكرة من الأمة ولا إنكار من بعضهم على بعض.

وأما قوله تعالى : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) [الأحزاب : ٤٠] ، فذلك في قصة زيد بن حارثة ، والخطاب لعامة المسلمين دون أهل البيت عليهم‌السلام ، وهما طفلان يوم نزول هذه الآية ؛ والطفل لا يطلق عليه اسم الرجل ، فظاهر الآية مستقيم فاعلم ذلك.

وسأل أيده الله : عن آصف وزير سليمان عليه‌السلام.

[والجواب :] والذي علمناه على وزن فاعل ، فاعلم ذلك.

وسأل أيده الله : عما في الشرح عن معنى قوله تعالى : (قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ

__________________

(١) الحديث يوجد بألفاظ متقاربة في أغلب كتب الحديث ومنها بلفظ : «لكل بني أنثى عصبة ينتمون إليه إلا أولاد فاطمة فأنا وليهم وأنا عصبتهم» ، وبلفظ : «كل بني أنثى فإن عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فإني أنا عصبتهم وأنا أبوهم» ، وبلفظ : «كل بني أم ينتمون إلى عصبة إلا ولد فاطمة فأنا عصبتهم وأنا أبوهم». انظر في ذلك شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني وترجمة أمير المؤمنين والحسن والحسين وفاطمة من تأريخ ابن عساكر بتحقيق المحمودي ومناقب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام لمحمد بن سليمان الكوفي وغيرها من كتب الفضائل. وانظر الحديث النبوي معزو إلى الخطيب البغدادي ١١ / ٢٨٥ ومجمع الزوائد ٩ / ١٧٢ ، ٤ / ٢٢٤ ، ٦ / ٣٠١ ، والطبراني ٣ / ٣٥ ، وكنز العمال ٣٤٢٦٧ وقد اجتهد القوم في تضعيف هذا الحديث وأمثاله من أحاديث الفضائل ويأبى الله إلا أن يتم نوره.

١٩٣

مِنَ الْكِتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) [النمل : ٤٠] ، قيل : إنه آصف. فهل كان ذلك في مقدور البشر؟

الجواب عن ذلك : أنه قيل : دعا إلى الله سبحانه بأن يأتي بالعرش فأتى به سبحانه إجابة لدعوته ، وذلك مقدوره سبحانه فلا يتوجه السؤال على هذا التأويل.

وسأل أيده الله : عن قصة عبد الله بن رواحة لما أغمي عليه ثلاثة أيام ، ورأى الملك هل تجوز رؤية الملائكة قبل الموت؟

الجواب عن ذلك : أن مشاهدة المؤمنين للملائكة قبل الموت غير ممتنعة وقد كان ذلك ؛ فإن عليا عليه‌السلام يوم بدر سلمت عليه الملائكة وعدهم بأصابعه ، وجاء وأخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : «استعد للوصية فما أحصى عدد الملائكة إلا وصي» وقيل في عده لهم بأصابعه : فظل يعقد بالكفين معتمدا ، كأنه حاسب من آل دارانا. وقيل في مثل ذلك أعني الذي سلّم في ليلة عليه : ميكائيل وجبريل ، ميكائيل في ألف ، وجبريل في ألفين ، يتلوهم إسرافيل وعدهم خمسة آلاف. وكانت الملائكة تزور رجلا من خزاعة وتسلّم عليه دائما ، وكانت فيه جراحة في سبيل الله فكتمها فلما شكاها على بعض أصحابه انقطع عنه ما كان يرى ، فأتى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : تلك الملائكة كانت تزورك لكتمانك جراحتك في سبيل الله ، فلو استمررت لم تنقطع عنك إلى أن تموت ، فاشتد أسفه على الكتمان ولأن رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يشاهد الملائكة في الحياة ؛ فما المانع لغيره من ذلك إن شاء الله إلا أن يخشى أن يرفع التكليف ، فقد لم يرتفع بذلك تكليف الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

١٩٤

وسأل أيده الله : في قصة الخنساء (١) وكلامها لعائشة ، وقول عائشة لها : نهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن لبس الصدار للمرأة فهل يكون لبسها محظورا؟

الجواب عن ذلك : أنهم كانوا يتخذون عند نزول المصائب بهم صدارا من شعر الماعز سوداء يسمونه الحداد ، ولبسها محظور لذلك ، فإن لبست لحاجة جاز ، وإن لبست لعادة فخبر كثير.

وسأل أيده الله : عن منام الرجل الأنصاري الذي حكى فيه الأذان وأن الهادي عليه‌السلام أنكر ذلك كيف الكلام فيه (٢)؟

الجواب عن ذلك : أن رؤية الرجل الأنصاري للأذان مروي رواية صحيحة ، وإنكار الهادي عليه‌السلام مستقيم لأن أصول الدين وقواعد الشريعة لا تكون مناما ، وعندنا أن منام ذلك الأنصاري وافق الوحي ، فكان الحكم للوحي دونه ، كما في حديث تحريم مكة حرسها الله ، أن لا يعضد شجرها ، ولا ينفر صيدها ، ولا يختلى خلاها ، فلما بلغ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا الحد قال عمه العباس : يا رسول الله إلا الإذخر فإنه للأحياء وقبورنا وبيوتنا ، فقال : «إلا الإذخر» ، فعندنا أن رأي العباس رضي الله عنه وافق الوحي لأن الوحي رجع إليه.

__________________

(١) تماضر بنت عمرو بن الحارث بن الشريد ، الرباحية ، السلمية ، (الخنساء) توفيت سنة (٤٢ ه‍) وهي من بني سلم بن قيس بن غيلان ، من مضر ، أشعر شواعر العرب ، وأشهر هن على الإطلاق ، من أهل نجد ، عاشت أكثر عمرها في العصر الجاهلي ، وأدركت الإسلام فأسلمت ، وفدت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع قومها فكان يستنشدها ، ويعجبه شعرها ، أكثر شعرها وأجوده رثائها لأخويها معاوية ، وصخر ، وكانا قد قتلا في الجاهلية ، وكان لها أربعة أولاد شهدوا حرب القادسية سنة ١٦ ه‍ ، فجعلت تحرضهم على الثبات حتى قتلوا جميعا. فقالت : الحمد لله الذي شرفني بقتلهم ، لها ديوان شعر مطبوع فيه ما بقي محفوظا من شعرها.

المصادر / الأعلام ٢ / ٨٦ ، ومنه الشعر والشعراء ١٤٣ ، وأعلام النساء ١ / ٣٠٥ ، وخزانة البغدادي ١ / ٢٠٨ ، جمهرة الأنساب ٤٩.

(٢) قال الإمام الهادي يحيى بن الحسين في الأحكام ١ / ٨٤ : والأذان فأصله أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علمه ليلة المسرى أرسل الله إليه ملكا فعلمه إياه فأما ما يقول به الجهال من أنه رؤيا رآها بعض الأنصار فأخبر بها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأمره أن يعلمه بلالا فهذا من القول محال لا تقبله العقول ، لأن الأذان من أصول الدين وأصول الدين لا يعلمها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على لسان بشر من العالمين.

١٩٥

[في أذان الوالي]

وسأل أيده الله عن قول عمر : لو لا الحليفا لأذنت. هل يكون ذلك محرما عليه أو ما معناه؟

الجواب عن ذلك : أنه يقول لو لا العادة الجارية من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومن يقوم مقامه فإن المؤذن غيره لأذنت ، ترغيبا في الأذان لما فيه من الثواب ، ولا شك أن العادات في الأمور الشرعية شرع ، كما جرى من عوائده في صلاة الجمعة في المساجد ، وكان مستمرا ، وفي القرى والمناهل ، والأمثال في هذا الباب كثيرة ؛ فلما جرت عادة ولاة الأمر أن المؤذن غيرهم واعتقد في نفسه أنه ولي الأمر ، علم امتناع ذلك عليه ، ولا يمتنع كونه محظورا على الإمام إلا لضرورة ، كما أن العادة لما جرت بأن يخطب قائما متقلدا للسلاح ، أو معتمدا عليه ، اعتمد الناس ذلك ، ويجوز أن يخطب جالسا ، والسنة خلافه ، فلو خطب مضطجعا بطلت ، لأن العادة لم تجر بذلك ، وإن كان السماع يحصل.

[في ترك حي على خير العمل]

سأل أيده الله عن معنى كلام الهادي عليه‌السلام من أن حي على خير العمل اطرح في وقت عمر ، وقال : أخاف أن يتكل الناس عليها ، هل من تركها يفسق أم لا (١)؟

الجواب عن ذلك : أنا نروي ما رواه عليه‌السلام ، وهل يفسق تاركها ففيه

__________________

(١) قال الإمام الهادي في الأحكام ج ١ / ص ٨٤ وقد صح لنا أن حي على خير العمل كانت على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يؤذن بها ، ولم تطرح إلا في زمن عمر بن الخطاب ؛ فإنه أمر بطرحها وقال : أخاف أن يتكل الناس عليها وأمر بإثبات الصلاة خير من النوم مكانها.

١٩٦

كلام ؛ لأن الفسق لا يكون بالقياس وإنما يكون بالنص ، لأن الفسق والكفر مما يثبت بالأصول الشرعية ، وأصول الشرع ليس إلا بالنص ، فأما القياس فلا يمتنع ذلك ولكن الفسق لمن فعل كبيرة ، والكبيرة هي التي يكون عقاب صاحبها في كل وقت أكثر من ثوابه في كل وقت ، ولا يعلم مقادير الثواب والعقاب مفصلا إلا الله ، وهذه المسألة بعد النصوص فما نص الحكيم سبحانه على أنه كبيرة أو رسوله إلا وإلا وكّلناه إلى علمه تعالى.

[التصرف في المؤلفات]

سأل أيده الله : عمن رد في كتاب شيئا قوى في ظنه أنه غلط فحكمه بغير إذن مصنفه ما يجب عليه في هذا إن كان فعله؟

الجواب عن ذلك : أنه لا يخلو : إما أن يكون المصنف قد أذن أو لا يكون ؛ إن كان المصنف قد أذن فلا كلام في جوازه ، وإن لم يخلو بإذن فلا يخلو : إما أن يغلب في ظنه أنه لا يكره وأن ذلك الخلل مما طواه السهو ، أو لا يعلم هذه الحال ، فإن علم هذه الحال جاز تصليحه مظننا ، وإن لم يعلمها لم يجز ، وإن كان لا يعلم حاله تركه على حاله ، لأنه لا يمتنع أن يكون قصد وجها صحيحا لم ينته فهم صاحب الكتاب إليه.

[فأما ما يتعلق بتصانيفي فقد أجزت للإخوان إصلاح ما يخل فيها مما يطويه السهو].

والكتاب الذي لا يدخله الخلل ، هو كتاب الله عزوجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.

١٩٧

فأما كتب المخلوقين فجهلهم أكثر من علمهم ، والنسيان هو الأغلب من حالهم ، فنسأل الله التوفيق لنا ولك.

وهذا ما أمكن من الجواب على كثرة الأشغال وتراكمها ومن الله نستمد التوفيق ، والسلام.

وصلى الله على رسوله سيدنا محمد وآله وسلم

* * *

١٩٨

هذه مسائل وردت من الأمير نور الدين على الرسالة الناصحة فأجاب عنها

الإمام عبد الله بن حمزة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي جعل الحمد تاج عبادته ، وأجرى المقادير على مقتضى حكم إرادته ، وسد تصافي نعمه كل خلل كل فاقة ، وكلف عبيده دون الجهد والطاقة ، وصلى الله على نبيه المختار ، وآله الأخيار وسلم.

[ابني الخالة من هما]

سأل أرشده الله تعالى الشريف الأمير نور الدين ولي أمير المؤمنين عن مسائل تضمنها شرح (الرسالة الناصحة) أولها عن ابني الخالة من هما الذين جعلهما أفضل من سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين عليهم‌السلام.

الجواب : أنهما عيسى عليه‌السلام ، ويحيى بن زكريا عليهما‌السلام.

[العلة والمعلول]

ثانيها : عن العلة قال في موضع لا يجوز تراخي معلولها عنها ، وفي موضع أوجب تقدمها عليه وإلا لم تكن علة؟

١٩٩

الجواب عن ذلك : أن نقول مستقيم ؛ أما أنه لا يجوز تراخي معلولها عليها فلأنه لو جاز خرجت عن كونها علة فيه وذلك لا يجوز ، وكان لا ينفصل وجودها عن عدمها لأن دليل وجودها ظهور معلولها ، وما أدى إلى أن لا ينفصل وجود الشيء عن عدمه قضى ببطلانه ، وأما وجوب تقدمها عليه وإلا لم تكن علة فيه فمستقيم ، والمراد تقدم الذات لتكون مؤثرة في الحكم لا تقدم الزمان ، فيجوز التراخي ، فيتناقض القول كما ذكرت في حركة الأصبع وحركة الخاتم فإن حركة الأصبع متقدمة على حركة الخاتم ، تقدم الذات لا الزمان.

[الرياح]

وثالثها سأل أيده الله : عن الرياح حركات متداركة فعلى هذا هي عرض لا جسم؟

الجواب عن ذلك : أنها حركات في أجسام الهواء ما كان كذلك سمي رياحا ، والحركة وحدها لا تكون رياحا ، والأسماء لا ينكر تعلقها بالأمور على وجوه ، ألا ترى أن الإنسان مجموع أجزاء كل جزء منه على الانفراد لا يسمى إنسان فإذا اجتمع أطلق عليه اسم الإنسان ، ألا ترى أنك لو وجدت أعضاء متفرقة لأضفتها إلى الإنسان ، فما الإنسان والحال هذه نقول : هذا رأس إنسان ويد إنسان حتى تأتي على جميع الأعضاء ، فما الإنسان والحال هذه إلا مجموع هذه الأعضاء ، كذلك الرياح اجتماع الحركات في الهواء فإن سكن رجع إلى الاسم الأول وقيل هواء.

٢٠٠