مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ٢

المنصور بالله عبدالله بن حمزة

مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ٢

المؤلف:

المنصور بالله عبدالله بن حمزة


المحقق: عبدالسلام بن عباس الوجيه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦٥
الجزء ١ الجزء ٢

وأما قوله لو تكلم عليه المتكلمون في الصلوات أكان يتركها لقولهم أم يصبر كما صبر الصالحون.

وأما قوله وقسمه أنه مولع بحب آل محمد صلوات الله عليه وعليهم أجمعين فقد وفق إن صدق قوله بفعله ولم يرفض الآخر ويدعي التمسك بالأول كما فعلت اليهود الملاعين لأن المفرق بين الأئمة الهادين كالمفرق بين النبيين وذكر أنا سببناه في كتابنا والسب أهون عقوبة المجرمين ونكال المعتدين وإن وقع في التوبة ، والله تعالى يقبل توبة التائب ويبدل الله سيئاته حسنات ويبدل سبه حمدا وتعظيما كما يجب علينا أن نفعل للمؤمنين.

وأما ما ذكره من أنه همّ أن يرسل بمسائل فتركها إجلالا لنا فلا شك في وجوب تعظيم الأمة لنا لقرابتنا من خاتم المرسلين صلوات الله عليه وعلى آله الطيبين ولكن من أعظم إجلالنا سؤال السائلين واسترشاد الضالين [٤٩٠] كما ورد عن جدنا خاتم المرسلين وسيد الأولين والآخرين صلوات الله عليه وآله فينا : «قدموهم ولا تقدموهم وتعلموا منهم ولا تعلموهم ولا تخالفوهم فتضلوا ولا تشتموهم فتكفروا» فقضى بالضلال على من خالفنا والكفر على من شتمنا وكفى بذلك زجرا لأهل البصائر وحربا ونكالا لأهل الكبائر ، ونحن نورد المسائل ونجيب عنها على وجه الاختصار وكثرة الأشغال ، فإن كان يريد البصيرة وصل وأورد لفظا وسمع الجواب شفاها ولم يقبل إلا ما يقوم به البرهان وصريح السنة ومحكم القرآن وأدلة العقول وآثار السلف الصالح من آبائنا الأئمة السابقين سلام الله عليهم أجمعين فإن في ذلك ما يشفي غليل الصدور ويوضح ملتبسات الأمور وهذا حين نبتدي بذكر المسائل وبالله التوفيق.

١٦١

المسألة الأولى [هل يجب على القائم أن يخاطب الخلق بالصلاة قبل الزكاة]

قال أرشده الله : هل يجب على القائم أن يخاطب الخلق بالصلاة قبل الزكاة؟

الجواب عن ذلك : أن معنى هذا الكلام ملتبس على الجهال والواضح عند المستحفظين من العترة الطاهرة ابتداء التكليف في أول الشريعة على جدنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت بالصلاة ثم بعد ذلك الصيام ثم بعد ذلك الزكاة ثم تتابعت الفرائض فالجهاد سنامها وأساسها وبه تنوعت أجناسها وسمع بقرارها وأساسها مقاما في وقتنا هذا فقد تكاملت وتمت لقوله تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً) [المائدة : ٣] ، فالحمد لله على ذلك فمن كان غنيا وهو صغير أو مجنون خوطب وليه بالزكاة قبل الصلاة ومن كان عاقلا فقيرا خوطب بالصلاة دون الزكاة ومن كملت فيه شرائط التكليف بالوجهين خوطب بهما معا والإمام يجب عليه مخاطبة الخلق بجميع الفرائض الصلاة والزكاة والحج والجهاد ولم يقم إلا لذلك وإنما يقع الكلام وأحسب أنه الذي يركب في نفسه ولم يتمكن من تعبيره بلسانه هل له أن يطالبهم بأحد الفرضين مع إصرارهم على ترك أحدهما أم لا مع مطالبتنا بالزكاة مع إصرارهم على ترك الصلاة وهذا أرشدك الله يجوز عندنا لأن الإكراه على الزكاة يصح ولا يصح على الصلاة لأن الإمام إذا [٤٩١] أكره على الزكاة لم يجب غرامتها وإن لم ينو المزكي فنية الإمام كافية في سقوط القضاء وإذا أكره على الصلاة فصلى وترك النية لم تجزه الصلاة ووجب عليه القضاء فافهم الفرق بين الأمرين.

وقد منع أهل برط والي الإمام الهادي إلى الحق عليه‌السلام من الصلاة وأنكروها رأسا عليه فكيف على نفوسهم حتى حاربهم الهادي عليه‌السلام على أن يتركوا وإليه يصلي وكانت معه عليه‌السلام الجفاتم ، وحالهم مشهور

١٦٢

عند أهل المعرفة وقد ترك علي عليه‌السلام أشرف الفرائض الجهاد في سبيل السلام فلم يمنعه ذلك من أخذ الزكاة منهم ولم يعلم من أحد من المسلمين أنه امتنع من أخذ الزكاة من قاطع الصلاة بل رأيناهم يتلطفون بهم ويتواضعون لهم لأخذها وتحصيلها ويدعون لهم سمعنا بعض ذلك ونحن نأخذ ذلك منهم على وجه الاستخفاف والقهر.

وأما قتالهم على سائر الفرائض فلم نتمكن من حربهم على ذلك مع قرب العدو وقوته ولم نغفل تذكيرهم ووعظهم في كل أسبوع مرتين وفي أثناء المحاورات فمن آخذ وتارك والله من ورائهم محيط فإن أثني الوساد ومكن الله سبحانه في البلاد لم نعذرهم من الجميع ، وإن كانت الأخرى لم نترك المطالبة بفريضة لتعذر المطالبة بأخرى.

المسألة الثانية هل يجب أخذ أكثر من الواجب؟

الجواب عن ذلك : أن هذا لفظ مختل في قوله : هل يجب أخذ أكثر من الواجب ، ولكنا نسامحه ونصحح سؤاله ومراده : هل يجب أخذ أكثر من الزكاة والعشور والفروض المعينة أم لا؟

وعندنا أن ذلك يجوز إن دعت إليه الضرورة للاستعانة على جهاد الظالمين ، وقد استعان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد فعل ذلك الهادي عليه‌السلام ونفذ عليه كما نفذ علينا وأجاب عنه في مسائل الطبري بما يشفي غليل الصدور وقد استعان رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بفوق الواجب واستعان من اليهود حتى همّوا فيه بما أطلعه الله عليه فكان سبب هلاكهم وهمّ أن يدفع الأحزاب بثلث مال المدينة حتى أخبره السعدان رحمة الله عليهما بأنهم يدفعون القوم بالسيف دون المال فعلم صدقهما ، ولو أخبرنا من نعلم صدقه أنهم يكفون قتال الظالمين بدون

١٦٣

العسكر ما طلبتهم درهما فردا والله بذلك شهيد ، ولم يعلم أحد أنا أخذنا منهم إلا ما نرجو [٤٩٢] أن يدفع الله به عنهم من الشر ما فيه من تمكن العدو ومن الجلاء والبلاء الذي لا ينكره أحد من العقلاء.

المسألة الثالثة هل يؤخذ مما يجب عليه؟

وهذا لفظ مختل كما ذكرنا أولا ، وهي تؤخذ من اليتيم والطفل والمجنون لأنها متعلقة بالمال وإن لم تتوجه عليه الواجبات.

وإن أراد ممن معه دون النصاب فإن الذي يؤخذ منه لا يكون زكاة وإنما يكون معونة كما قدمنا أو تضمين بما قد سلف من الحقوق ومن المعلوم فمن لم يعم الجهل عين بصيرته أن الناس لو ضمنوا الفطرة لخرج أكثرهم من ماله وإن كان جليلا ، والأفعال محتملة وتحسين الظن من دون الأئمة واجب فكيف بهم.

المسألة الرابعة هل يجب كفاية المسلمين والأيتام؟

الجواب عن ذلك : أن المسلمين هم المجاهدون ومن خذل الإمام ولم يجاهد بين يديه فهو فاسق وإن قام بجميع الفرائض لا يخالف في ذلك أحد من العلماء.

وأما الأيتام والضعفاء والمساكين والسؤال ، فالإمام موكول في ذلك إلى رأيه فإن رأى أنّ إعطاءهم لا يخل بالمجاهدين أعطاهم وإن كان يخل بالمجاهدين منعهم وقد كان الهاديعليه‌السلام قسم لهم الربع في أول أيامه ثم منعهم

١٦٤

بعد ذلك فعاب عليه مرّاق عصره كما عابوا علينا فأجابهم عليه‌السلام بجواب يطول شرحه ومن جملته ومعناه : أرأيت لو أن ولي الأيتام معه لهم غلة ولهم زروع وعنوب فاجترفتها السيول فإن أصلحها ضاعوا في عامهم وصلحت أموالهم وإن أعطاهم الغلة عاشوا في عامهم وطاحت أموالهم ما الواجب عليه في ذلك ، وضرب مثالا آخر وكلاما طويلا هو عندنا موجود وأشرنا إليه لضيق الوقت ، وكل السؤال من اليتامى على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحتاجون ويطلبون والأموال فيها كثيرة ، أتاه من البحرين سبعون ألفا دفعة واحدة ، وكان يحمل الدراهم إلى قريش وهم مشركون يتألفهم بها وبالمسلمين إليها حاجة شديدة ، فأي عيب على من اقتفى آثارهم ينكر إن كنت من المنكرين فما يعلمها إلا العالمون.

المسألة الخامسة هل يجوز عمالة بني هاشم وعمالة من لا يد له في الإسلام على أولياء الله وأمواله؟

الجواب [٤٩٣] عن ذلك : أن ولاية بني هاشم تكره وقد كرهها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لهم لما سألوه ذلك ، فإن احتاج إليهم صاحب الأمر جاز استعمالهم كما فعل علي عليه‌السلام فإنه استعمل عبد الله بن العباس على البصرة ، وقثم على مكة ، وعبيد الله على اليمن وكل هؤلاء صميم بني هاشم لا ينكر ذلك أحد ، وأخذ عبد الله مال البصرة وشرح ذلك يطول وإنما الكلام هل يجوز لهم أخذ الزكاة ، لا يجوز ذلك ولا يحل لأحد منهم ولا أحللناه ولا أظهر لنا أحد أخذه ولا استحلاله ولا يجوز أن يخونوا كما خان عبد الله وغيره.

١٦٥

وأما قوله : ولاية من لا يد له في الإسلام ، فإن أراد من كان من العصاة ثم أظهر التوبة وليس من أهل العلم والعبادة فعندنا أن ذلك جائز وقد فعله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولى أبا سفيان بن حرب على نجران وخالد بن سعد على اليمن وعتاب بن أسد على مكة وسعيد بن أبان على البحرين هؤلاء أربعة من بني أمية وبعضهم ليس لهم سابقة في الإيمان ومنهم من له ظاهرة ضعيفة لو كشف بان خلله ، وولى عمرو بن العاص وحاله ما علمه الناس على عمان وولى خالد بن الوليد على العساكر وأمره عند أهل المعرفة ظاهر ، فإن عرض بذلك إلى الولاة من قبلنا فما ولينا إلا من أظهر التوبة والإنابة وإن كان باطنه خلاف ظاهره فالله تعالى له بالمرصاد وليس علينا فيه تكليف وقد ولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل على أولياء الله ومن أفعاله في تلك الغزوة أنه صلّى بالمسلمين وهو جنب.

المسألة السادسة : [هل تجوز الضيفة والهدية بالإكراه]

قال أرشده الله : وهل تجوز الضيفة والهدية على طريق القهر والغلبة؟

الجواب عن ذلك أن ضيفة المجاهدين إن ألجأت إليها ضرورة جاز إكراه الرعية عليها وقد تعوذ أمير المؤمنين عليه‌السلام من معرة العسكر إلا من جوعة المضطر ، وفي حديث : «من جوعة إلى شبعة» ذكره في نهج البلاغة.

وأما الهدية للوالي فلا تحل له ، فإن أجازها الإمام جازت وإلا فهي حرام وإن صرفها إلى بيت المال جاز ذلك وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «هدايا الأمراء غلول» والغلول هو الحرام.

١٦٦

المسألة السابعة : هل يجوز أخذ الوصايا [٤٩٤] المعينة للمساجد أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن عندنا أن ذلك لا يجوز إلا للأئمة إن رأوا أن صرف صدقة المسجد إلى الجهاد صوابا جاز ذلك فإن لم يجزه الإمام لم يجز ، وقد ورد أن الحسين بن علي الفخي عليه‌السلام أخذ أستار مسجد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عملها خفاش لأصحابه وكانت من الديباج ، وكذلك إبراهيم أخذ أستار الكعبة لمثل ذلك ، فأما نحن فلم نر ذلك صوابا في وقتنا ولا وقع بعلمنا ولو ألجأنا لفعلنا ونرجو من الله تعالى أن لا نلجأ بل ننفق الأموال الجليلة في عمارتها ولو سلمنا من نفاق الجهاد لأغنينا الفقراء وعمرنا المدارس والمناهل والسبل ونرجو أن يكون ذلك إن شاء الله تعالى.

المسألة الثامنة : هل يجوز الحجاب دون الرعية؟

الجواب عن ذلك : أن الحجاب الغليظ لا يجوز والحجاب الغليظ هو أن يكون مثل حال الظلمة من بني أمية وبني العباس فأما الحجاب للحاجة وقضاء الوطر والخلوة مع الأهل فقد كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يفعل ذلك وقد قال تعالى : (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) [الأحزاب : ٥٣] ، وكان عليه الإذن والحجاب ولم ينقصه ذلك وكان يخرج في الحين بعد الحين فذلك جائز لا نعلم فيه خلافا لأحد من العلماء.

المسألة التاسعة [في أموال الأشراف]

قال أرشده الله عن هذه الأموال في يد الأشراف من أين هي؟

الجواب عن ذلك : أنها من الجهة التي صارت في يد الأشراف على عهد

١٦٧

علي عليه‌السلام وحلالها حلال وحرامها حرام ولا يجب علينا البحث كما يجب عليه عليه‌السلام فلأن المعلوم أنهم كانوا في وقت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقراء وكانوا في وقت علي عليه‌السلام أغنياء فلم يطعن عليه بذلك إلا الخوارج لعنهم الله وكذلك لا ينقده علينا في عصرنا إلا الروافض أخزاهم اللهعزوجل بأيدينا إن شاء الله فما ذلك عليه بعزيز.

المسألة العاشرة [في قتل الأسير]

قال أرشده الله تعالى : وقتل الأسير بعد ما أوثق وأثخن؟

الجواب عن ذلك : أن قتله جائز إذا كانت الحرب قائمة وقد قتل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم النضر بن الحارث أسيرا موثقا بالأغلال ، وقتل عقبة بن أبي معيط بالصفراء أسيرا موثقا وعلي عليه‌السلام قتل المدبر يوم صفين وأجهز على الجريح وقتل ابن البنوني أسيرا موثقا يوم الجمل ، وشرح هذا يطول لو أوردناه [٤٩٥].

المسألة الحادية عشر : في أخذ بلاد الأفراد قبل أن تبلغهم الدعوة وهل فيهم سبيا؟

الجواب عن ذلك : أنه لا بد من بلوغ الدعوة إلى الكفار والمسلمين وقد قال الله تعالى: (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) [الإسراء : ١٥].

فإن أراد بذلك أمرنا والطعن والإنكار علينا فلم يبق بلد في ديار الإسلام حتى بلغتها دعوتنا تعدت إلى مرباط ثم من مرباط إلى بلاد الهند وجزيرة قيس وجازت العراق ثم صدرت من مكة حرسها الله ثلاثة عشر نسخة فانتشرت

١٦٨

في أقطار الأرض شرقا وغربا ، فأما جزيرة اليمن فالأمر فيها أظهر وأشهر وهي اليوم في تهامة تنسخ وفي اليمن والحجاز لا ينكر هذا إلا مكابر ولا يجوز سبيهم ويجوز أخذ أموالهم وتملك عبيدهم وإمائهم وسفك دمائهم وهذا نكال لهم في الدنيا إن قدر عليهم وإن فاتوا كبهم الله على مناخرهم في نار جهنم.

المسألة الثانية عشر عن السيرة في الأراضي الصلحية والخراجية والعشرية؟

الجواب عن ذلك : أن هذه مسألة طويلة الفروع واسعة الشسوع وإنما نذكر منها طرفا.

الصلح على وجهين ، صلح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصلح القائم بعده ، فصلح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كصلح نجران بمائتي أوقية وعشرين أوقية من الذهب ومائتي حلة كل حلة ثوبان ، أربعمائة ثوب ، قيمة كل ثوب عشرون درهما وعارة ثلاثين درعا وثلاثين بعيرا وثلاثين فرسا إلى والي اليمن ونزل الرسل عشرين يوما وقد تغير ذلك لضعف أهلها واستحالة حالها وقد صالحهم الهادي عليه‌السلام في عصره في زرائعهم وثمارهم صلحا رأينا إقراره لأنا أنزلناه منزلة الحكم ولم ننزله منزلة الفتوى بالتسع ونصف التسع على ما ذلك معروف وأرض العشر وبلاد الأعاجم وهي نصفية قياسا على فعل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في خيبر فيما خلا السيف والنطاة والكتيبة وناعم والسلم (١) ، وبلاد العرب كلها عشرية من جعر أبي موسى إلى عمان إلى المشارق إلى صدر آيلة فإنها عشرية منّة من الله ورسوله على العرب برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن نجمع بين الخراج والعشر على المسلمين وصلح القائم من عترة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على قدر ما يوجبه الحال يزيد وينقص وليس فيه تقدير معلوم بل على ما يوجبه الحال

__________________

(١) حصون في خيبر.

١٦٩

وصلح بني تغلب في الجزيرة ضعفي ما على المسلمين وقد نقضوا شروطه فإن مكننا الله منهم سفكنا دماءهم وسبينا ذراريهم وغنمنا أموالهم لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شرط عليهم أن لا يصبغوا أولادهم في النصرانية فصبغوا ونقضوا شرطهم قبل صلحهم.

المسألة الثالثة عشر : عن قائم آل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم؟

لا يخالف الشريعة لأن الإمام هو الإمام السابق مبين الأحكام الملتبسة فإن جوزنا خلافه الشريعة فليس بقائم لآل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكنه لا يخالف الشريعة بقول من قال : الأئمة المتنسكين المتعبدين المتفقهين ؛ لأن الخوارج لعنهم الله قالوا : إن عليا عليه‌السلام خالف الشريعة ، وكذلك الروافض في عصر زيد بن علي عليه‌السلام قالوا : خالف الشريعة ، وفي عصر كل إمام من أئمة الهدى عليهم‌السلام قوم من المتنسكين بالدين يدعون أنهم أولى بالحق من عترة خاتم المرسلين سلام الله عليه وعلى آله الطيبين ولكن لا يكون كلامهم حجة على المستحفظين الذين يقضون بالحق وبه يعدلون فالواجب على الطاعن عليهم أن يتهم نفسه ويستجيز عمله ويرجع إليهم ما التبس عليه من أمره وقد قال تعالى : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء : ٨٣] ، وقال تعالى : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء : ٥٩].

المسألة الرابعة عشر : هل يجب قتال من تشكك فيه؟

الجواب عن ذلك : أن قتاله موقوف على اجتهاد الإمام فإن أراه اجتهاده أن تشككه وتأخره عن الطاعة يفسد التدبير ويخذل الأمة جاز قتله وقتاله لأنه من

١٧٠

المفسدين ، وكما يجوز أن يتشكك واحد ، يجوز أن يتشكك جماعة ، وأهل مخاليف ، فيسألهم الإمام الطاعة فيقولون : نحن متشككون فلا يخلصهم ذلك عند أهل العلم لأن الشك ليس بدين بل يسفك دماءهم ويهتك أستارهم ولا يصح أن يحتج بمحمد بن سلمة وعبد الله بن عمر وسعد بن أبي وقاص فإنهم تشككوا في قتال أهل الصلاة دون الإمامة بل بايعوا عليا عليه‌السلام واعتقدوا إمامته وإنما اعتذروا بأعذار يطول شرحها منها ما يصح ومنها ما يفسد ولو جوزنا ترك المتشككين لفسد الدين ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «من سمع واعيتنا أهل البيت ولم يجبها كبه الله على منخره في نار [٤٩٧] جهنم» ولم يستثن المتشككين.

وعن المؤيد بالله عليه‌السلام حكاية أداه اجتهاده إليها ويجوز أن يخالفه غيره من العترة ويكون خلافه حقا كما كان له فيمن قبله ومن بعده فيه وكما في كلام القاسم والهاديعليهما‌السلام في مسائل مشهورة.

المسألة الخامسة عشر : [هل يجوز قتال من شهد أن الله حق ورسوله]

قال أرشده الله تعالى : هل يجوز قتال من شهد أن الله حق ورسوله؟

الجواب عن ذلك : أن هذه مسألة جاهل بأمر الناس جملة فوا رحمتا لمن حمل نفسه فوق طاقتها ما أبين خسارته وأكسد تجارته أفليس طلحة والزبير وعائشة ومن كان معهم وأهل صفين والنهر يشهدون أن الله حق ورسوله وقاتلهم علي عليه‌السلام وسفك دماءهم في ثلاث ساعات ثلاثون ألفا.

١٧١

المسألة السادسة عشر : [عن قوله : أمان لأهل الأرض]

[ما ذا] عن قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أمان لأهل الأرض إذا أمسى المسلم خائفا».

الجواب عن ذلك : أن المراد بأهل الأرض الصالحون من المسلمين دون المتسمين باسم الدين المتشككين في عترة سيدي خاتم المرسلين لأن عليا عليه‌السلام أفضل أهل البيت فكان أهل صفين والنهروان والجمل منه على أشد خوف وأعظم وجل ولم ينتقض معنى الخبر لأنه من الصادق الذي لا يكذب صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والذي سميته مسلما وهو نافر عن إمام الهدى هو باسم المجرم أولى منه باسم المسلم فإن أردت أنه يصلي فكم من مصل لا يزاد بها من الله إلا بعدا.

المسألة السابعة عشر : عن قوله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) [التوبة : ١٠٣].

معنى هذه الآية أمر من الله لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأخذ الزكاة من الأمة فبينها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنواعها وقد ذكرها من قبلنا من آبائنا عليهم‌السلام وذكرناها في مواضع عدة مفصلة.

المسألة الثامنة عشر : [عن الفرق بين الجهاد بالمال وبالنفس]

عن قوله سبحانه : (جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) [التوبة : ٤١] ، ما الفرق بين الاثنين؟

الجواب عن ذلك : أن الأولة المراد بها الزكاة وهذه الآية المراد بها الإنفاق

١٧٢

في الجهاد في سبيل الله فإنه يجب إنفاق المال في الجهاد في سبيل الله تعالى والنفس والكل قليل في حق الله أعني النفس والمال وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اجعل مالك دون دينك فإن تجاوزك البلاء فاجعل مالك ودمك دون دينك» فأوجب الجهاد لإظهار الدين بالمال والنفس كما ترى.

المسألة التاسعة عشر [هل المعصية تسقط الإمامة]

قال أرشده الله : هل المعصية تسقط الإمامة أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن المعصية لا تخلو إما أن تكون [٤٩٨] صغيرة أو كبيرة فإن كانت صغيرة لم تسقط الإمامة لأنها لم تسقط النبوة فكيف الإمامة وقد قال تعالى : (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) [طه : ١٢١] ، وقال في يونس : (فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) [الأنبياء : ٨٧] ، وقال في داود : (وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ) [ص : ٢٤].

وإن كانت كبيرة أسقطت الإمامة فإن تاب رجعت إمامته ووجبت طاعته ، هذا مذهب الزيدية ، ونص الهادي عليه‌السلام.

المسألة العشرون عن أهل الإقرار إذا امتنعوا من الصلاة والصيام وغيرها هل يجبرون عليها كما يجبرون على الزكاة أم لا؟

الجواب عن ذلك : أنهم يجبرون على ما يصح عليه الإجبار من ذلك دون ما يتعذر ويجب قتالهم فيما أمكن دون غيره وصاحب الأمر يدبر في ذلك لأن الاجتهاد إليه وهو متعبد بغلبة ظنه وليس لغيره أن يقول : هذا يمكنك ؛ لأنه أعرف بنفسه كما يقول في المريض إذا صلى قاعدا وقال : لا يمكنني القيام ،

١٧٣

أو متيمما قال : لا يمكنني الوضوء ، ولو ظننا فيه بخلاف ذلك والذنب على الأعوان لا على الإمام لأنهم لو حضروا وقالوا : ها نحن بين يديك مرنا نمضي أمرك ، وظاهرهم يقضي بصحة قولهم لم يسعه الإمساك ، فأما إذا شغلهم الطعن مع الخذلان فأولئك حزب الشيطان وكان عليه أن يزيل من المنكر ما أمكنه ، ويأمر من الحق بما أمكنه ، ولا تسقط إمامته كما يعلم في علي عليه‌السلام والأئمة من ولده سلام الله عليهم أجمعين.

المسألة الحادية والعشرون عن الراعي هل هو مسئول عن رعيته؟

الجواب عن ذلك : أن الراعي مسئول عن رعيته وهي رعاة وهي مسئولة عن إجابته فإذا كانت نافرة فهي صيد وليست برعية وحل له قتلها ورميها وإرسال الكلاب عليها وضرب الحبائل لها والاجتهاد في هلاكها بكل وجه.

المسألة الثانية والعشرون عن الوكيل هل يده يد الموكل أم لا؟

الجواب عن ذلك : أن يد الوكيل يد الموكل إلا أن يخالفه فيما وكله فيه فإن يده تكون يد نفسه دون الموكل.

المسألة الثالثة والعشرون في الاعتقاد في فضل الشرف والرفعة من الله ابتداء أم جزاء؟

الجواب عن ذلك : أنه على نوعين ابتداء وجزاء ، فأما فضل القرابة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهذا ابتداء وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، وأما ما في مقابلته على الأعمال فهو جزاء وقد ذكر القاسم عليه‌السلام [٤٩٩] في كتاب تثبيت الإمامة وصرح بفضل الله الابتداء.

١٧٤

المسألة الرابعة والعشرون عن الأجسام هل تسمع وترى أم لا تسمع وترى إلا الأعراض؟

الجواب عن ذلك : أن كل ما يصح أن يسمع يسمع ، وما يصح أن يرى يرى ، فالمسموعات الأصوات وطريقها حاسة الأذن ، والمرئيات الأجسام والألوان من بين الأعراض البياض والسواد والحمرة والصفرة والخضرة والأجسام تسمع أصوات وما لا صوت له لا يصح أن يسمع ؛ لأنك لو ألصقت أذنك بالجبل ولا صوت لم تسمع شيئا وهو أكبر الأجسام ، وأما الرؤية فهي تدرك النوعين اللون والجسم دون سائر المحدثات فهذا ما اتفق من الجواب على وجه العجلة وما أمكن كتابه إلا والحوائج تقضى والأشغال متراكمة فنسأل الله تعالى التوفيق ، فإن أراد البصيرة في الدين والخروج عن دائرة الملحدين والتمسك بعترة خاتم المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وترك التعرض لشعار المحقين عند خمود نار المبطلين فليصل أمننا بأمان الله عزوجل وأمان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى يسأل عن كل أمر عرض في نفسه ثم لا يقبل الجواب فيه إلا بآية محكمة وسنة واضحة أو برهان عقلي يلجي إلى الضرورة ، فإن قبل هذه الثلاثة وإلا رجع إلى منامه بعد سماعه كلام الله عزوجل وكان من جملة المطالبين ، وإن كره ذلك لم يضر إلا نفسه ، والسلام ، والحمد لله وحده ، وصلاة على سيدنا محمد وآله وسلامه ، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، أجاب عليه‌السلام بيده عن هذه المسائل أول النهار من يوم السبت لإحدى عشرة ليلة خلت من ذي القعدة من سنة ستمائة بحصن ظفار حماه الله تعالى في ابتداء عمارته مع كثرة الأشغال وسعة الأعمال ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وصلى الله على محمد وآله وسلم [٥٠٠].

* * *

١٧٥
١٧٦

مسائل وردت من الشريف الفاضل نور الدين

محمد بن يحيى بن عبد الله بن سليمان بن محمد بن المطهر بن علي بن الناصر

أحمد بن يحيى الهادي إلى الحق عليهم‌السلام

بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم

الحمد لله الذي نوّر بالعلم قلوب العارفين ، وأسكن النفوس إلى برد اليقين ، وصلى الله على محمد الأمين ، وعلى أهل بيته الطيبين.

أما بعد .. فإن مسائل الشريف الأمير الطاهر نور الدين أيّده الله وأيّد به ، جاءت والأشغال متراكمة ، والقلوب بتظاهر التكليف وقلة الأعوان واجمة ، فلم نر بدا من إجابة سؤاله ، لما يجب من تعظيمه وإجلاله ، وتعرضا لثواب الله سبحانه في معونة مثله ، إذ هو من ورثة الكتاب وأهله ، ومن الله سبحانه نستمد التوفيق ، وعلى نهاية الاختصار يقع الجواب ، لما حققنا من العذر.

سأل أيده الله عن التوبة ، أي فعل القلب هي؟

الجواب عن ذلك : أنها الندم على فعل ما فات لأجل قبحه ، والعزم على أن لا يعود أبدا إلى مثله ، طاعة لربه.

قال أيده الله تعالى : وذكر صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الإيمان ، ولم يذكر من القلب إلا المعرفة؟

الجواب عن ذلك : أن ذكر الشيء لا يدل على نفي ما عداه ، ولم يذكر الخبر

١٧٧

مفصلا ، فنجيب على معنى محقق إلا أن ذلك على وجه الجملة كاف إن شاء الله تعالى.

سأل عن النميمة؟

الجواب عن ذلك : أنه ترديد الحديث بين الاثنين لإيجاب العداوة بينهما ، وهي من الكبائر ، ونعوذ بالله منه.

الكلام في الغيبة : وحدّها : أن يذكر الإنسان صاحبه بما فيه على وجه الانتقاص والاستخفاف.

الكلام في البهتان : وحدّه : أن يرمي الإنسان صاحبه بما لا حقيقة له مواجهة ، ويظهر دعوى صحة قوله.

الكلام في العجب : وهو الاستعظام للنفس وإعطاؤها فوق حقها من الإجلال.

الكلام في الكبر : وحدّه : التجافي عن سبل الحق واستصغار الناس.

قال أيده الله في الآية الشريفة وهي قوله تعالى : (وَاعْبُدُوا اللهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً) [النساء : ٣٦].

عبادته : نهاية الذل والاستكانة له ، لأن العبادة التذلل ، والتعبد التذلل ، طريق معبد أي : مذلل ، ولا يشرك شيئا في عبادته لا يعبد من دونه أحدا ، ولا يعتقد النفع والضر إلا من قبله ، فإن أضفنا أحدهما إلى غيره جعلنا له شريكا في ملكه ، تعالى عن ذلك.

قوله : (وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً) ، معناه : يوصيكم الله أن تحسنوا إلى الوالدين

١٧٨

إحسانا تاما ، والإحسان إليهما أن لا تشبع ويجوعان ، ولا تكتسي ويعريان ، وإن كانا مشركين صاحبهما في الدنيا بحسن العشرة دون المساعدة في المعصية.

قوله تعالى : (وَبِذِي الْقُرْبى) ، معناه : يوصيكم بذي القربى ، أن تصلوا رحمه ، وترعوا ذممه.

قوله تعالى : (وَالْيَتامى) : وهم الذين مات آباؤهم وإن حيت الأم ، فإن ماتت الأم فأعظم في باب اليتم ، قوموا بحقهم وأحسنوا مواساتهم ، (وَالْمَساكِينِ) : هم الطوافون للّقمة والكف ، أوصى سبحانه بهم.

قوله : (وَالْجارِ ذِي الْقُرْبى) ، معناه : قريب الدار والنسب ، وقوله تعالى : (وَالْجارِ الْجُنُبِ) يريد : قريب الدار بعيد النسب ، وقد حدّ الجوار بأربعين دارا من الجهات ، والأولى أن لا يحدد إلا بما يجري به العرف في المعاشرة.

قوله تعالى : (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) ، معناه : من يصطحبك في السفر فإن له حرمة ، ولهذا يجب عليك شرعا القيام بحاله ، وحفظ ماله إن جرى عليه تلف.

قوله تعالى : (وَابْنِ السَّبِيلِ) ، وهو : المسافر ، يلزم القيام بحقه لبعده عن أهله ورحله ، ومساس الحاجة ، والإسلام رحمه ، وصل الله سبحانه بها ما قطعت جفوة الكفر وغلظة الشرك ، وجعل تعالى قواعده مكارم الأخلاق ، فله الحمد كثيرا.

قوله تعالى : (وَما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) ، معناه : وأوصاكم بما ملكت أيمانكم ، والإحسان إليهم والرفق بهم وأن لا تكلفهم ما لا يطيقون ، وأن لا تمنعهم من عبادة الله سبحانه.

سأل أيده الله : عن رضا الله سبحانه وغضبه؟

الجواب عن ذلك : أن الرضا يرجع إلى الإرادة فما أراده فقد رضيه ،

١٧٩

والغضب يرجع إلى الكراهة فما كرهه فقد غضبه ، وقد تقدمت إرادته للطاعة من فعلنا ، بل ربما يريد الطاعة ممن لا يفعلها أصلا ، فأما في فعله نفسه تعالى فتقديم الإرادة عزم ؛ والعزم لا يجوز عليه لأنه إنما يكون بتوطين النفس على احتمال الفعل ، وهو يتعالى عن ذلك.

قال أيده الله : في تقديم الأهل لله سبحانه كيف هو؟ ولم يعلم قصده في ذلك ، فإن كان يريد ما نقول من أنا أهل الله فذلك مستقيم ، ومعناه أهل ولاية الله واختصاصه بفعله وتشريفه بولادة أنبيائه ، وإن كان المراد كيف تقديم الأهل لله في الاحتساب؟ فمعناه أن من قدم أهله معنى موتهم قبله أحرز من الثواب ما لا يعلم حقيقته إلا هو سبحانه ، وفيه آثار كثيرة ضاق الوقت عن ذكرها.

سأل أيده الله : عن عداوة النفس ولا تعقل المعاداة إلا بين اثنين؟

الجواب عن ذلك : أن العقل لما صار يريد الحسن ويقود إليه ، وهوى النفس تريد المشتهى وإن [أدّى] إلى التلف ، وكان من حق العدوين المخالفة في المقاصد ، وأن يريد أحدهما بعض مراد صاحبه صار من يدل هوى نفسه لمتابعة دليل عقله كأنه عادى نفسه فصار في التمثيل كأن هناك مضاددة بين اثنين ، وإن رجع إلى واحد في المشاهدة ، فساغ ذلك وهو أسلوب العرب في لسانهم ، فقلت لنفسي ، وقالت لي ، وليس هناك إلا واحد.

سأل أيده الله : عن العفو عن عدو الله إن لم يتب؟

الجواب عن ذلك : لا يجوز إلا لغرض صحيح من رجاء توبة ، وإيثار جلب مودة ، أو تأليف لغيره ممن يعظم حاله ، والأغراض كثيرة ، وإلا فإنزال حكم الله به هو الواجب.

١٨٠