مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ٢

المنصور بالله عبدالله بن حمزة

مجموع رسائل الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزه - ج ٢

المؤلف:

المنصور بالله عبدالله بن حمزة


المحقق: عبدالسلام بن عباس الوجيه
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
الطبعة: ١
الصفحات: ٦٦٥
الجزء ١ الجزء ٢

فصل

قال أرشده الله : فإن قيل : إنهم إنما أخذوا لتخلفهم على الإمام بعد انتشار الدعوة بغير إذن منه ، قال أرشده الله : وقد تخلف عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن علي عليه‌السلام قوم فلم يعرضوهم ولم يجيزوا أخذهم.

الجواب عن ذلك : أن أكثر ما يتعلق بهذا اللفظ قد تقدم جوابه ، ونزيد بيانا وهو أن ليس في تركهم لهم ما يدل على حرمة الأخذ لهم ، بأنّا قد بيّنا أن أمر هذا إلى الإمام فإن رأى هلاكهم وأخذ أموالهم فعل ولا حرج ، وإن رأى إلى الترك ترك ولا حرج ، فلا معنى للاعتراض بمجرد الإمساك ، فأما أنهم تركوهم لأنهم لم يستجيزوا أخذهم ، فمن أين ذلك؟ وما الطريق إليه؟

قال : فالسؤال بحاله لأنهم أخرجوه إلى غير إمام العصر وهو لا يجزيهم.

فصل

قال أرشده الله : قال : فإن قيل : ما أخذه من أهل العصر على سبيل التضمين على ما ذكره الشريفان الأميران عماد الدين يحيى بن حمزة ، ومحيي الدين سليمان بن حمزة تولى الله توفيقهما وذكر أن أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على شدة ما بينهم لم يتركوا حقا واجبا إلا أخرجوه إلى غير إمام العصر لم يجزهم ذلك ، والمعلوم إخراج الحقوق إلى غير علي عليه‌السلام بل يخرجونها في خيرته.

الجواب عن ذلك : أن المأخوذ على وجهين : تضمين ، وعقوبة ، ولا يخرج عنهما إلا المسلم المحقق فسقط قوله في باب التضمين وما يتعلق به.

١٤١

فصل

فإن قيل : إن ظاهر أهل ذلك العصر براءة الذمة من الحقوق الواجبة على ما قرره الأميران ، قال : قلنا كذلك ظاهر الزيدية في هذا العصر.

الجواب : عن هذه تقدم ، وأن محاربة أهل العصر وأخذ أموالهم ليس إلا لعنادهم عن الحق ، وأنهم لم يقفوا على رأي إمام الهدى في الفعل والترك فأخذ مال البريء من الضمان ، وقتله يكون عقوبة ونكالا ، وصاحب الضمان تضمينا وإذلالا.

فصل

قال أرشده الله : وهب أن عليهم حقوقا واجبة من زكاة ، وكفارة ، وبيت مال ، وخمس ، فلما حكم فيما أخذ منهم بحكم الغنيمة؟ وهلا صرف كل شيء من ذلك في مصرفه ، ووضعه في موضعه؟ كما ذلك معلوم في دين أئمة الهدى عليهم‌السلام كأحمد بن الحسين المؤيد بالله (١) فقد روي عنه أنه قال في الأموال

__________________

(١) هو أبو الحسين أحمد بن الحسين بن هارون بن محمد الحسيني الآملي ، الإمام المؤيد بالله الكبير ، كان بحرا لا ينزف ، قال السيد الحافظ : إبراهيم بن القاسم عليه‌السلام : برز في علم النحو واللغة ، وأحاط بعلوم القرآن والشعر ، وأنواع الفصاحة مع المعرفة التامة بعلم الحديث وعلله والجرح والتعديل ، وهو إمام علم الكلام وإمام أئمة الفقه ، وبالجملة فلم يبق علم من علوم الدنيا والدين إلا ضرب فيه بنصيب ، روى عن أبي العباس وقاضي القضاة وغيرهما ، وعنه السيد مانكديم والموفق بالله والقاضي يوسف وغيرهما ، ومن مصنفاته : (شرح التجريد) و (البلغة) و (الهوسميات) و (الإفادة) و (الزيادات) و (التفريعات) في الفقه و (التبصرة) كتاب لطيف ، وكتاب (إثبات النبوة) (مطبوع) وتعليق على شرح السيد مانكديم ، و (إعجاز القرآن) في الكلام ، و (الأمالي الصغرى) (مطبوع بتحقيقنا ـ منشورات دار التراث الإسلامي) و (سياسة المريدين) تحت الطبع. ولد بآمل طبرستان سنة ٣٣٣ ه‍ ، وبويع له بالخلافة سنة ٣٨٠ ه‍ ، وتوفي يوم عرفة سنة ٤١١ ه‍ ، وصلى عليه السيد مانكديم ، ودفن بلنجا ، قال السيد محمد بن قاسم الهاشمي : وهي قرية متفرعة من عباس آباد ، وقد من الله علينا بزيارته سنة ١٤١٣ ه‍ ، وكان قد كتب على ضريحه ـ ابن تاروه ـ وصححنا الخطأ وعليه قبة جميلة.

١٤٢

التي تؤخذ من أهل بلدة أنها تفرق في سائر الفقراء ، وإن فرق على فقراء تلك البلد كان أولى.

الجواب عن ذلك : أن الجواب في هذا قد سبق أولا فما بقينا نعيد إلا تكريرا ، لأنّا قد بيّنا أنّا لم نجعل ذلك مجردا التضمين ، وإنما هو عقوبة على جرم الإخلال بالواجب كما فعله علي عليه‌السلام في طعام المحتكر ؛ فكان ذلك أصلا يرد إليه جواز العقوبة بالمال ، ولأنه لا وجه لأخذ كراع أهل البغي ، وسلاحهم ، وما حوت عساكرهم إلا عصيانهم ، وكون ذلك مقوما لهم فكان أخذه عقوبة ونكالا ، وبقي الكلام هل العقوبة بالكل أو بالبعض ـ أعني المال ـ فهذا يرجع فيه إلى اجتهاد الإمام ، وإمام الزمان قد رأى أن عقوبة أموالهم التي في البيوت تقوم مقام معونة أموال العساكر لأنه إذا أخذ فرسه وكان في البيت ألف دينار أمكنه شراء فرس آخر للشقاق ومنابذة المحقين ، فالرأي أخذ ما في البيت.

وأما المستضعفون في بلاد الظلمة فهم للظلمة كالمادة والآلة ، فإذا لم يمكن هلاك الظالمين إلا بهلاكهم جاز ذلك ، كما نقول إذا تترس الفساق بالأطفال أو المؤمن جاز هلاك الأطفال والمؤمن ليوصل إلى المفسدين ، وكذلك هذا فتفهّمه موفقا ، ولا تلبس على نفسك الهدى فتضل وتشقى.

وأما قول المؤيد بالله عليه‌السلام فهو قول مليح ولكنه لا يأتي على هذا ، ويجوز أن يختلف الاجتهاد بين المؤيد عليه‌السلام وبين إمام الزمان كما كان بين المؤيد وغيره من أئمة الهدى ، وكل ذلك حق يعرفه أهل المعرفة والحجى.

١٤٣

مسألة [في مصير أموال من قتلته سرايا الإمام]

فيمن قتل من المسلمين قتله سرايا الإمام في بلدة ثم انتهوا إلى بلدة وأخذوها ولا نعلم على المقتول شيئا من الحقوق الواجبة هل يحل أخذ ماله ، أو يكون لورثته ، أو لا يحل؟

قال : فإن قيل بجوازه فكيف وقد انتقل المال إلى غيره من الأيتام الصغار الذين لم يشهدوا الحرب ولا أعانوا ظالما ، وقد قال تعالى : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) [النساء : ١٠] ، وإن قيل : إنه لم ينتقل من ملك الميت ، واحتج محتج بما ذكره الهادي عليه‌السلام في أبواب الزكاة فإنما ذلك لانتظار حمل أو دين على وجه الحيطة ، والمشهور عن أمير المؤمنين ما رواه المؤيد بالله في أبواب الزكاة من انتقاله إلى الورثة ، وأمره التجارة في أموال الأيتام لأن لا تأكله الزكاة ، فصح انتقال المال إلى الأيتام.

الجواب عن ذلك : إن العسكر إذا قتل قوما كما جوّز السائل أن المال ينتقل إلى الوارث لا مانع من انتقاله إلى العسكر دون الوارث ؛ كما أن ولد الكافر بمنزلة ولد المسلم في أنه لا ذنب له ، ولا أخذه بجرم والده عقوبة عند أهل العلم والتحصيل ، لأن استرقاقنا لولد الكافر محنة له وعقوبة لأبيه ، فكذلك أخذ مال الفاسق عقوبة له ومحنة لولده.

وأما قول تعالى : (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً) [النساء : ١٠] ، فحق لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ولكنه والحال هذه لا يكون ظلما وإنما هو مستحق للمسلمين المحقين ، وإن رأى الإمام أو أمير العسكر تركه للأيتام جاز ذلك ، وإن رأى ترك أموال العصاة لهم فكذلك فأي ذلك فعل فلا حرج ولا ضير ، والكلام في انتقال الملك وما بنى عليه قد تقدم جواب ذلك فتفهّمه موفقا ، وخلاف المسألة في أنه هل ينتقل إلى الوارث بالموت أو الحكم على ما قدمنا.

١٤٤

فصل

قال أرشده الله : هب أن الأيتام أخذوا بجريرة من عصى هل يجب التودية إليهم أم لا؟

اعلم أرشدك الله أن هذا السؤال متناقض لا يجوز أخذ الأيتام بجريرة الآباء ، وهذا من مذهب إبراهيم الذي وفى ، ولكن ما يلحقهم من ضرر لمحنة يقضيها عليهم رب السماوات ، فإذا كان لا يجوز أخذهم فلا وجه لأن يؤخذوا وتقع التودية بعده.

مسألة [في الزكاة]

قال أرشده الله : ما يقول أمير المؤمنين في أخذ من كان في بلاد الجبر وهو يصلي ويزكي ويسلم زكاة ماله إلى الفقراء وإلى الشيعة ، ولم يعلموا بتسليمها إلى الإمام وهو يعتقد إمامته ويفرح بنصره واستعلاء أمره على الظلمة ، ولا معرفة له بالشريعة في تسليم الزكاة إلى من تكون من قبل الإمام أم إلى غيره ، ثم أخذه عمال الإمام هل يصح أم لا؟

الجواب عن ذلك : أنه لا فرق بين أن يكون المسئول عنه في بلاد الزيدية أو المجبرة إذ الحق على الجميع واجب ؛ فإذا دعا الإمام وجب على كافة الأمة النهوض إليه والإحاطة بعقوتة واستيراد الأوامر من قبله فما أمر به لزم ، وما نهى عنه حرم ، ولا ينفع المحبة لنصر إمام دون امتثال أوامره ، وما يأخذه منه الفقراء لا يخلصه إلا بإذن الإمام أو الوالي من قبله أن يعذر وينذر ويبلغ الدعوة من كانت لم تبلغه حتى تقوم الحجة فإذا فعل ذلك جاز له الغزو وإن لم يجدد الدعوة ثانيا ، فإن جدد فهو آكد وأحسن إلا أن لا يرى ذلك صاحب الأمر صلاحا.

١٤٥

فصل

قال أرشده الله : في الناحية التي نحن فيها قوم من الزيدية ، وقوم من المجبرة ، وهي بلاد الغز فمرة يعطون الغز ومرة لا يعطونه كأهل العرش ، وأهل سهلة زبيد ، وليسوا بمسلّمين إلينا شيئا من الحقوق ، وقد كثرت الحقوق وكثرت مطاعن الشيعة والفقهاء علينا في أخذهم وأخذ سواهم ، فإن كان أخذهم صوابا فأشبع الفصل في الرد على أهل الطعن بالأدلة والبراهين القاطعة فإنها لا تقبل إلا من جهتك واذكر إن كان ذلك أن من طعن على المشايخ في غزو بلاد الغز عادى أمير المؤمنين ويرى من والا آل محمد وفسق ، وحرمت عليه الحقوق الواجبة وإن كان ذلك حراما زجر بنا عنه.

اعلم : أن الجواب عن هذا الفصل قد اندرج في أثناء المسائل المتقدمة فلا يعاد إلا تأكيدا.

اعلم : أن البلاد التي لا ينقاد أهلها لأمر الإمام ولا أمر الوالي من قبله ، ويسلمون الحقوق إلى من أرادوا تسليمها إليه بغير أمر الإمام ولا أمر الوالي من قبله ، فمن كانت هذه صفته فإنه يجوز لوالي الإمام غزوه ، وحربه ، وأخذ ماله ، وسفك دمه لو امتنع على درهم واحد ورفع عنه فاعلم ذلك ، ومن طعن على المشايخ من الشيعة أو غيرهم فهو أحد رجلين: إما جاهل أو متجاهل ، ومن كانت هذه حاله فلا معتد بشيء من كلامه ، لأن الله سبحانه قد أغناه وأغنى سواه عن التكلف والتعسف ، فلو قيل هداه الله سبحانه ورد الأمر إلى أهله أراح واستراح وخلص فيما بينه وبين الله تعالى ، وكان كما أمر الله سبحانه بقوله : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [الأنبياء : ٧] ، فمن وفق لذلك

١٤٦

سعد في دنياه وآخرته ، ومن وكل على نفسه أوبقها من رحمة الله ، نسأل الله قلوبا متقلبة مع الحق ، ونفوسا مؤيدة للرشد ، وبصائر نافذة في حنادس ظلم الألباس ، لنا ولكم ، ولكافة المسلمين.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

* * *

١٤٧

يتلوه جواب مسائل سأل عنها الشيخ المكين

موسى بن إبراهيم الحجلم بصعدة في ذي الحجة آخر سنة تسع وتسعين وخمسمائة

بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم.

الحمد لله الذي جعل الحمد سبب للمزيد ، والمزيد موجبا للحمد ، وأعد على ذلك ثوابا جزيلا لا نهاية له ولا حد ، ولا حصر ولا عد ، الذي أنعم علينا بمعرفته ، وغمرنا بأنواع رحمته ، لم تقف الحكمة على مراد خلقه ، ولا جعل العدل مشروطا بموافقة أغراض عباده ، محنته نعمة آجلة ، ورحمته نعمة عاجلة ، لا مانع لما أعطى ، ولا معطي لما منع ، ولا رافع لمن وضع ، ولا واضع لمن رفع ، ولا ينفع ذا الجد منه الجد ، تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا ، وصلى الله على رسوله المستخرج من عنصر الطهارة والمجد ، صاحب نهر الكوثر ولواء الحمد ، وعلى آله الطيبين الأبرار ، المصطفين الأخيار ، الذي أذهب الله عنهم الرجس وفضلهم على كافة الثقلين من الجن والإنس ، فتح بهم وختم ، وأعطى وحرم ، وأثاب وانتقم ، وجعلهم أعلاما للدين شامخة الذوائب ، وأنوارا للهدى واسعة المذاهب ، بحبهم يعرف الأبرار ، ويميز بين الأخيار والأشرار وسلم وكرم.

أما بعد .. فإن المسائل وردت من الشيخ المكين أيده الله ونحن في أشغال تقيد الفهم وتحير الوهم وبندوحة المذهب في تكدر صفو المشرب ، فلم نر إلا فتح ما استثقل ، وحل ما أشكل ، ومن الله سبحانه نستمد المعونة والتوفيق وإنما نورد السؤال مجردا ثم نجيب عنه على وجه الاختصار والإيجاز.

١٤٨

قال أرشده الله :

المسألة الأولى في كرسي الله وعرشه؟

الجواب عن ذلك : أن الكرسي والعرش خلقان من خلق الله عظيمان ، جاء في الحديث عن رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «الكرسي في جنب العرش كحلقة ملقاة في فلاة ، والسماوات والأرض في جنب الكرسي كالكرسي في جنب العرش» وقد قال تعالى : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [البقرة : ٢٥٥] ، وقال تعالى : (الرَّحْمنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوى) [طه : ٥] ، معنى استوى استولى [٤٨١] ، فإذا استولى على هذا الأمر العظيم فما دونه أقرب إلى الاستيلاء والاستظهار وقد قيل : إن العرش الملك ، والكرسي العلم وذلك شائع في اللغة العربية وله شواهد وميلنا إلى الاختصار ولا هو مناف للمعنى الأول ، وليس علينا في ذلك تكليف إلا ما ورد به السمع.

المسألة الثانية في الصراط والميزان؟

الجواب عن ذلك : أن الصراط في الأصل هو الطريق فجاء في الحديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إن الصراط جسر موضوع بين الجنة والنار جعله الله علامة لكرامة المؤمنين ومقدمة لعقوبة الفاسقين يضيقه الله على المجرمين حتى تدحض عنه أقدامهم ويكون كحد السيف ، ويوسعه على المؤمنين فيكون عن يمين المؤمن ثمانية أذرع وعن يساره ثمانية أذرع ويجوز الناس على قدر منازلهم في الثواب ومنزلتهم عند الله سبحانه في البطء والسرعة» وهو قول عظيم ، نسأل الله أن يثبت أقدامنا ونسقى من حوض نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

١٤٩

وأما الميزان فقسطاس يوزن به الحق والباطل فيتضح الراجح من الشائل فتعظم لذلك حسرة المجرمين وتتعاظم مسرة المسلمين.

فإن قيل : وما الموزون؟ والأعمال أعراض لا يصح وزنها.

قلت : الموزون إنما توزن صحائف الأعمال كما روينا عن النبي المفضال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «يؤتى بطوامير كأمثال الجبال ويؤتى بصحيفة توازي إصبعين فتوضع تلك الطوامير في كفة وتلك الصحيفة في كفة فترجح بها الصحيفة التي توازي إصبعين ، فقيل : يا رسول الله ما فيها؟ قال : فيها شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم» ، وآيات القرآن مصرحة بالوزن يوم القيامة وثقل الموازين وخفتها فلا وجه لصرفه عن الظاهر لغير موجب لأن الواجب اتباع ظاهر كتاب الله سبحانه وسنة نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلا ما منع منه الدليل وقد قيل : إنه العدل ، وما قلنا هو الأولى عندنا لمطابقة السنة للكتاب فيه.

المسألة الرابعة في عذاب القبر [٤٨٢]

الجواب عن ذلك : أن المخالف في عذاب القبر من العدلية هم البغدادية ومن طابقهم ، ومذهبنا أن عذاب القبر صحيح ، والدليل عليه السمع الشريف والآثار الزكية قال تعالى : (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) [غافر : ١١] ، والموت الحقيقي لا يكون إلا بعد حياة حقيقية فماتوا في الدنيا وحيوا في القبر وماتوا في القبر وحيوا في البعث ، وقال تعالى في آل فرعون : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) [غافر : ٤٦] ، وقال تعالى في قوم نوح : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً) [نوح : ٢٥].

١٥٠

ووجه الاستدلال بهاتين الآيتين أن الله سبحانه صرح بأن آل فرعون يعرضون على النار غدوا وعشيا ولا وجه لقول من يقول : تعرض الأرواح ؛ لأنها لا تخلو إما أن تعقل أو لا تعقل ، فإن عقلت كانت مكلفا آخر ، وإن لم تعقل فلا وجه للعرض فلم يبق إلا أن يعرض المكلف العاقب.

ووجه الاستدلال في آية قوم نوح أنه تعالى عقب الغرق بدخول النار وليس ذلك إلا عذاب القبر ، فإن كان المعذب غير مقبور لأن أكثر الموتى يقبر فجعل الكلام في عذاب القبر الأعم والأكثر وإلا فلا فرق بين أن يكون مقبورا أو غير مقبور ، وفي الحديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن الميت يقعد في قبره وترد إليه روحه ويأتيه ملكان من صفتهما كذا وكذا فيقولان له : ما دينك؟ ومن ربك؟ وما كنت تعبد؟ فإن كان شقيا قال : لا أدري ، فيقولان : لا دريت يا عدو الله ولا تليت ، ثم يضربانه بمقامعهما من صفتها كذا وكذا ، ثم يفتحان له بابا إلى الجنة فيهش إليهما فيضربانه ويقولان : يا عدو الله لو أتيت على غير ما أتيت لكان إلى هذه مصيرك ، ثم يفتحان له بابا إلى النار فيصد عنها فيضربانه ويقولان : يا عدو الله أما إذا أتيت على ما أتيت فإلى هذه مصيرك» قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فو الذي نفسي بيده إنه ليصل إلى قلبه حسرة لا ترتد أبدا ، وإن كان سعيدا قالا له بعد رجوع الروح فيه : من ربك؟ وما دينك؟ وما كنت تعبد؟ فيقول : ربي الله وديني الإسلام ، وكنت أعبد الله وحده لا شريك له ، فيفتحان له بابا إلى النار فيصد عنها ويقولان له : يا ولي [٤٨٣] الله أما إذا أتيت على غير ما أتيت لكان إلى هذه مصيرك ، ثم يفتحان له بابا إلى الجنة فيهش إليها فيقولان : يا ولي الله أما إذا أتيت على ما أتيت فإلى هذه مصيرك ، ثم يقولان له : نم نومة العروس غير المؤرق» قال : «فو الذي نفسي بيده إنه ليصل إلى قلبه فرحة لا

١٥١

ترتد أبدا» فقال له أصحابه أو بعض أصحابه : يا رسول الله ومن يقدر على الكلام مع ما وصفت من عظم الملكين فقال : «(يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ ما يَشاءُ) [إبراهيم : ٢٧].

وعن علي عليه‌السلام أنه قال في أحد مواعظه : حتى إذا عاد المشيع ورجع المنفجع أقعد في حفرته حيا لعثرة السؤال وبهتة الامتحان.

فاعلم : أيدك الله أن الأصل في إثبات العذاب السمع إذ العقل كان لحوز العفو فإذا ثبت بالسمع جملة ثبت به تفضله فلا وجه لإنكاره ولو لا الاختصار لأوردنا ما يكثر تعداده من الآثار.

المسألة الخامسة فيما ذكر من اختلاف الناس في الإمامة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتقدم من تقدم على علي بن أبي طالب عليه‌السلام؟

اعلم : أن الأمة مختلفة في الإمامة ، فمنهم من أثبتها في أعيان مخصوصة بالنص من أهل بيت النبوة عليهم‌السلام وهم الإمامية ومن حذا حذوهم مختلفون في أصل النص وفي صورته وكيفيته اختلافا كثيرا.

ومنهم من اعتبر منصبا مخصوصا وأجازها في قريش وهم الزيدية والمعتزلة ، فقالت الزيدية : هي في ولد الحسن والحسين عليهما‌السلام تشريفا ، وقالت المعتزلة : هي في قريش بشرائط ، واختلفوا في طريقها ، فقالت الزيدية : طريقها الدعوة ، وقالت المعتزلة : طريقها العقد ، ولم يختلفوا في الشرائط ، وذهبت الخوارج إلى أن الإمامة في الناس كلهم ما صلحوا لذلك عربهم وعجمهم في

١٥٢

ذلك سواء ، وطابقهم النظام وطوائف ، فهذا أصل الاختلاف في الإمامة وله فروع يطول شرحها ولا يمكن في الحال ذكرها.

ومذهبنا أنها في ولد الحسن والحسين عليهما‌السلام محصورة.

والدليل على ذلك أنها شرعية فدليلها شرعي وهو الإجماع على جوازها [٤٨٤] فيهم ولا دليل في الشرع على جوازها فيمن سواهم فوجب حصرها فيهم وقول أهل النص باطل لأنه غير معلوم والتعبد بالإمامة عام فلو صح لعلم ، ولا تجوز الإمامة في الناس كلهم لأنه لا دليل عليه وما لا دليل عليه لا يكون مذهبا صحيحا لأن المذهب دعوى فلا يصح بغير دليل.

وأما الإمامة في علي عليه‌السلام فهي ثابتة بالنص فيه وفي ولديه عليهما‌السلام والنص عليهم معلوم ، والأمة بين محتج به ومتأول له ، وتقدم من تقدم على علي عليه‌السلام من جملة الأحداث بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي أخطأ راكبها ولسنا نعلم قدر عقوبة ذلك الخطأ عند الله سبحانه لأن الخطيئة الكبيرة قد تصغر لقدر عظم صاحبها وتقدم إحسانه كما يعلم من وجوب إقالة أهل الكرم الهفوات والعثرات والتجاوز من فارط السيئات بخلاف من لا حق له ولا مكان ، وقد كان المتقدم على علي عليه‌السلام من أعظم الناس على الرسول عليه وعلى آله السلام بعد أهل بيته حقا وأقفاهم لآثارهم وهم جلة الصحابة وخيارهم ومنهم صاحبه ومنهم ناصره ومنهم صهره ولهم حرمة وقد ارتكبوا فيما لم يوسع لهم في ارتكابه ولا قام لهم دليل بجوازه فإن عفى الله عنهم فأهل العفو وهم أفهم الناس به ، وإن عاقبهم فما ربك بظلام للعبيد.

فهذا ما عندنا في هذه المسألة مجملا فتفهمه موفقا.

١٥٣

المسألة السادسة [في الأجسام والأعراض]

قال أرشده الله : فيما تختلف فيه الزيدية في خلق الأجسام والأعراض الضروريات وما تفرع منها وما يحدث من الأمراض والأسقام وغير ذلك ، أيكون بالقصد أم بالفطرة؟ وما الفرق بين القصد والفطرة؟

الجواب عن ذلك : أنه أرشده الله بيّن الخلاف في هذه المسألة بين الزيدية ولا أصل لذلك ؛ لأن الزيدية لا تختلف في أنه لا خالق للأجسام والأعراض الضرورية إلا الله سبحانه لأنها محدثة ولا بد لها من محدث ومحدثها لا يجوز أن يكون قادرا بقدرة وأنه لا يخلق إلا ما يريد خلافا للمجبرة وأنه إذا خلق فقد قصد وأراد واعتمد ؛ إذ لا يجوز عليه السهو والغفلة خلافا لبعض الملاحدة وإنما الخلاف في هذه المسألة بين مثبت الصانع والطبائعية وبين الموحدة والثنوية [٤٨٥] ولا خلاف بين الزيدية أن الأسقام ضرورية وأن الأجسام الحادثة على وجهين منها ما يحب حدوثها وتلائم طباعها ومنها ما ينفر عنه ولا تشتهيه والكل فعل الله تعالى خلافا للثنوية من الديصانية والمانوية ومن نحى نحوهم من المرخبوتية فإنهم أثبتوا أكثر من واحدة وقالوا : الشر من فاعل والخير فاعل ، وجعلوا المحبوب خيرا كله والمكروه شرا كله ، ورب مكروه حسن ومحبوب قبيح ولكن أكثر الناس لا يعقلون.

ومنهم من جعل الأفعال من صانعين وهم المجوس ، أحدهما (يزدان) والثاني (أهرمن) فيزدان عندهم الله عزوجل ومنه المشتهيات والحيوانات ، وأهرمن عندهم الشيطان ومنه المكروهات كالمرض وغيره من المنفرات من الحيوانات والجمادات.

١٥٤

وقال أصحاب الطبائع بالإحالة والاستحالات وانحراف الأمزجة مما يتناول من المطعومات والمشروبات والأهوية والحركات وكل هؤلاء أرشدك الله خارجون عن فرق الإسلام فكيف الاختلاف في هذه المسألة ضمن المسلمين من الزيدية.

وأما ما ذكره من الفرق بين القصد والفطرة ، فالفطرة إخراج الشيء من العدم إلى الوجود وأصله الخروج ومنه فطر ناب البعير إذا خرج فكبر فصار للفعل على حال لا فرق بين فطر وخلق ، فاطر السماوات والأرض خالقها ، وفطر إذا شق ، والفطور الشقوق ، و (هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ) [الملك : ٣] ، أي من شقوق ، ولا يفطر إلا ما قصد ومعنى القصد والإرادة واحد ، وقول من انتسب إلى الزيدية في زماننا هذا وما قبله أن معنى فطر خلق بغير قصد ولا إرادة لا يستقيم لأنه يجوز أن يقع من فعله ما لا يريد وقوعه وإن كره سببه فكراهة السبب لا تؤثر في الفعل وإلا دقت عليهم المسألة فلوثوا وجه الحكمة بغير بينة وقد قال تعالى: (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ ، لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) [الحديد : ٢٢ ، ٢٣].

المسألة السابعة [في العوض]

وسألت عن العوض هل يكون من الله للإنسان على ما يصيبه من الآلام أم على الصبر؟

اعلم أيدك الله : أن العوض على الآلام لأنه في مقابلة فعل الله سبحانه وهو الألم والصبر فعل للعبد في مقابلته الثواب وإنما قلنا بالعوض لأن الألم شاق فلولا [٤٨٦] العوض لكان ظلما ولا بد فيه من الاعتبار ليخرج عن

١٥٥

كونه عبثا وقد ذكرنا ذلك في الرسالة الناصحة وموضعه كتب علم الكلام وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سببا وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضا فيأخذ ليعطي ويبتلي ليجزي» والآثار في هذا كثير وأدلة العقول به شاهدة.

المسألة الثامنة في الرزق

قال أرشده الله : هل هو مقسوم من الله سبحانه أم هو بالحيلة والنظر؟

الجواب عن ذلك : أن الرزق مقسوم وهو من الله سبحانه وبذلك نطق الكتاب قال تعالى : (نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) [الزخرف : ٣٢] ، وقال تعالى : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [هود : ٦] ، وقال تعالى : (كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً ، انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) [الإسراء : ٢٠ ، ٢١] ، إلى غير ذلك من الآيات ، وفي الحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن الرزق مقسوم لن يعدو امرئ ما كتب له فأجملوا في الطلب» وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام : وخلق الأرزاق فكثرها وقللها وقسمها على الضيق والسعة فعدل فيها ليمتحن من أراد في ذلك بميسورها ومعسورها ، ويختبر بذلك الصبر والشكر بين غنيها وفقيرها ، ثم قرن بسعتها عقابيل فاقتها ، وبسلامتها طوارق آفاقها ، ويفرج أفراحها غصص أتراحها ... في كلام فيه بعض طول.

١٥٦

المسألة التاسعة في الفضل

يقع لأجل السبب أم للعمل؟ أو السبب والعمل جميعا؟

الجواب عن ذلك : أن الفضل يقع بمجموع الأمرين وبكل واحد منهما على انفراده لأنك قد تعظم الرجل لمجرد نسبه وإن لم تكشف عن علمه ولا تعلمه ولأنا نجد في نفوسنا مزية لأولاد الرؤساء على أولاد أهل المهر الخسيسة والأجناس الرديئة وإن لم نعلم عمل كل واحد ، فإن وافق السبب العمل وقع الكمال ، فإن وقع العمل [٤٨٧] ممن لا سبب له شريف وقعت النجاة وكان له فضل العمل ، وقد فسرنا ذلك في الرسالة الناصحة تفصيلا شافيا في غير موضع فمن أحب الاطلاع عليه فذلك موضعه وقد قال تعالى : (وَلَقَدْ فَضَّلْنا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلى بَعْضٍ) [الإسراء : ٥٥] ، فالمراد بذلك فضل الأنساب لأن النبي ابن النبي ابن النبي أفضل في النسب من النبي ابن الكافر أو العبد الصالح ، ولو كان فعل العمل كان التفضيل مضافا إليهم لأنهم المفضلون لأنفسهم فتفهم ذلك لأن العامل يضع نفسه حيث يشاء ولا كذلك النسب لأنه لا يتمكن أن يضع نفسه إلا حيث وضعه الله من دناءة أو شرف.

المسألة العاشرة في الأعراض

أتقع عليها الحواس السمع والبصر وغير ذلك أم لا تقع إلا على الأجسام؟

الجواب عن ذلك : أن الحواس تقع على الأجسام وما يصح وقوعها عليه من الأعراض هو الذي يصح وقوعها عليه من الأعراض هي المدركات من الأصوات تدركها حاسة السمع وهي الآذان ، والطعوم وتدركها آلة الطعم

١٥٧

وهي اللسان واللهوات ، والروائح تدركها آلة الشم وهي الأنف والخياشيم ، والحرارة والبرودة وما شاكلها تدرك بمحل الحياة ، والألوان بحاسة البصر وهي العين ، وهذه أمور مشاهدة فبرهانها الإدراك وإحالتها عدمه.

المسألة الحادية عشر [في أفعال البهائم]

قال أرشده الله فيما يحدث من الحيوان والبهائم أيكون فعل الله سبحانه أم ينسب إلى البهائم؟

الجواب عن ذلك : أن أفعال البهائم منسوبة إليها والله تعالى منزه عنها وقد قال تعالى: (إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) [لقمان : ١٩] ، فأضاف الصوت إلى الحمير ووصفه بالإنكار وفعله غير مستنكر ويحدث من الكلاب والسباع أفعال تنافي الحكمة كعضال الكلاب وعبث الحيوان ولعبه وهي حية قادرة يصح منها الفعل وإن كانت فاقدة العلم وإنما معها إلهام ينفع العباد ويسره في ذوات الشر منها لمحنتهم وشرها وخيرها مضاف إليها قال تعالى : (وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) [النحل : ٧] ، فمنّ [٤٨٨] علينا بإقرارها وتذليلها فله الحمد ، وقال تعالى في الذم : (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) [الأعراف : ١٧٦] ، وقال في فقد العلم : (كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً) [الجمعة : ٥] ، إلى غير ذلك.

فاعلم أيدك الله : أن هذه الأمة أتيت من الاكتفاء بنفوسها وعدولها عن عترة نبيهاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخبطوا العشواء وتفرقوا التفرق الأهوى فصاروا كالأعمى ينقاد للأعمى لا تدري أيها أهدى ، وقد قال تعالى : (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النحل : ٤٣] ، وقال تعالى : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ

١٥٨

لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) [النساء : ٨٣] ، وأولو الأمر هم آل محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام هم بحار العلم ، وجبال الحلم ، وسفينة النجاة ، وماء الحياة ، وعصمة اللاجئين ، ونور الحكمة ، ومنهاج الرحمة ، وسبيل الهدى ، وعروة الله الوثقى ، وحبل الله المتين ، وصراطه المستقيم ، وورثة النبيين ، وأهل التأويل والتنزيل والتحريم والتحليل ، لا تنال السعادة إلا بهم ، ولا تكتب الشقاوة إلا ببغضهم ، على الناس جميعا اتباعهم ، وعليهم اتباع سلفهم ، فالويل لمن حاربهم وأنكر فضلهم وطعن في أمرهم ورام الاستئثار بالأمر دونهم لقد ارتكب عظيما ، وامتطى خطأ جسيما وكان من الأخسرين أعمالا (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) [الكهف : ١٠٤] ، فعليك باقتفاء آثارهم واحتذاء أمثالهم وترك التفريق بينهم لا تفرق بين أحد منهم.

اعلم : أن المفرق بين الأئمة الهادين كالمفرق بين النبيين ، وأن علمك لإمام عصرك من أهل بيت الذكر كما كان على سلفك لسلفه حذو المنتعل بالنعل والقذة بالقذة.

ونسأل الله لنا ولك ولكافة المسلمين حسن الخاتمة ، والحمد لله وصلاة على نبيه سيدنا محمد وآله وسلم تسليما يا كريم يا رحمن يا رحيم يا الله.

* * *

١٥٩

جواب مسائل العلم الرجوي المرشد لكل ضال غوي

بسم الله الرحمن الرحيم ، وصلى وسلم على سيدنا محمد وآله

سلام عليك ، فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ونسأله لنا ولك التوفيق إلى سبيل الرشاد.

أما بعد .. فقد بلغنا كتابك وفهمنا مضمونه وما ذكرت أنك أول من بايع فلعمري أن السابق إلى الله عزوجل ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإمام الهدى وعترة نبيه سلام الله عليهم من الفائزين المغبوطين المكتوبين في زمرة السابقين (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) [الحديد: ٢١] ، وقد بقيت الاستقامة المحمودة ، قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) [فصلت : ٣٠] فجعل الاستقامة خاتمة العمل وملاكه وقد قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ملاك العمل خواتمه».

وأما أمر الجمعة وقيامه بها وتركها قال : من قال إنه من المنافقين فهي من الفرائض التي لا تترك لقول القائلين وتركها من الكبائر التي تحبط الحسنات عند علماء العترة الطيبين وأتباعهم من علماء المسلمين ولا تقبل لتاركها شهادة ولا يعد في زمرة الصالحين ولا فرق بينها وبين سائر الصلوات في الوجوب وقد ميزت بوجوب السعي إليها والمحافظة عليها عند المستبصرين.

١٦٠