نظرة في كتاب منهاج السنّة النبويّة لابن تيميّة الحرّاني

العلامة الأميني

نظرة في كتاب منهاج السنّة النبويّة لابن تيميّة الحرّاني

المؤلف:

العلامة الأميني


الموضوع : العقائد والكلام
الطبعة: ٠
الصفحات: ٢٠٠

ولعمر الحقِّ لو لم يكن الإنسان منهيّاً عن الكذب ولغو الحديث لما يأتي منهما فوق ما أتى به الرَّجل.

ليت شعري كيف يكون هذا الحديث متَّفقاً على بطلانه وكذبه وقد اخرجته جماعةٌ من الحفّاظ وصحَّحه غير واحدٍ من أهل المعرفة بالحديث ، وليته أوعز إلى مَن شذَّ منهم بالحكم بكذبه ، ودلَّنا على تآليفهم وكلماتهم ، غير أنّه لم يجد أحداً منهم فكوَّن الاتِّفاق بالإرادة كما قلناه.

وقد خرَّجه :

الحاكم.

الخطيب البغدادي.

البزّار.

ابو يعلى.

العقيلي.

الطبراني.

ابن شاهين.

ابو نعيم.

المحبُّ الطبري.

ابن حجر.

السيوطي.

١٠١

المتّقي الهندي.

الهيثمي.

الزرقاني.

الصبّان.

البدخشي.

إذا ثبتت صحة الحديث فأيُّ وزن يُقام للمناقشة فيه بأوهام وتشكيكات ، واستحسانات واهية ، واستبعادات خيالية ، كما هو دأب الرجل في كلِّ ما لا يرتضيه من فضائل أهل البيت عليهم‌السلام ، وأيّ ملازمة بين إحصان الفرج وتحريم الذريّة على النّار؟! حتّى يُردّ بالنقض بمثل سارة وصفيّة والمؤمنات ، غير أنَّ هذه فضيلةٌ اختصّت بها سيِّدة النساء فاطمة ، وكم لها من فضائل تخصّ بها ولم تحظ بمثلها فُضْلَيات النساء من سارة الى مريم الى حواء وغيرهنَّ ، فلا غضاضة إذا تفرَّد ذريَّتها بفضيلة لم يحوها غيرهم ، وكم لهم من أمثالها.

وقال العلّامة الزرقاني المالكي في شرح المواهب ٣ / ٢٠٣ في نفي هذه الملازمة : الحديث أخرجه ابو يعلى ، والطبراني ، والحاكم وصححه عن ابن مسعود ، وله شواهد ، وترتيب التحريم على الإحصان من باب إظهار مزيّة شأنها في ذلك الوصف مع الإلماح ببنت عمران ولمدح وصف الإحصان ، وإلّا فهي محرَّمةٌ على النّار

١٠٢

بنصّ روايات اخر (١).

ويؤيّد هذا الحديث بأحاديث اخرى منها حديث ابن مسعود : إنَّما سُمِّيت فاطمة لأنَّ الله قد فطمها وذريَّتها عن النّار يوم القيامة (٢).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لفاطمة إنَّ الله غير معذِّبك ولا أحد من ولدِك (٣).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليٍّ : إنَّ الله قد غفر لك ولذريّتك. راجع ص ٧٨ (٤).

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : وعدني ربّي في أهل بيتي : من أقرَّ منهم بالتوحيد ولي بالبلاغ انَّه لا يُعذِّبهم (٥).

[علي مع الحق]

١٩ ـ قال : حديث انَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «عليٌّ مع

__________________

(١) يأتي تمام كلام الزرقاني في النقد على كتاب الصراع بين الإسلام والوثنية «المؤلف رحمه‌الله».

ذكر المؤلف رحمه‌الله تمام الكلام في المجلد الثالث من كتابه الغدير عند تعرضه لبعض الكتب بالنقد والاصلاح ، ومنها كتاب القصيمي هذا.

(٢) تاريخ ابن عساكر ، الصواعق ٩٦ ، المواهب اللدنية كما في شرحه للزرقاني ٣ ص ٢٠٣ ، «المؤلف رحمه‌الله».

(٣) أخرجه الطبراني بسند رجاله ثقات ، وابن حجر صححه في الصواعق ٩٦ ، ١٤٠ ، «المؤلف رحمه‌الله».

(٤) الصواعق : ٩٦ ، ١٣٩ ، ١٤٠ «المؤلف رحمه‌الله».

(٥) أخرجه الحاكم في المستدرك ٣ ص ١٥٠ وجمع آخرون نظراء الحافظ السيوطي «المؤلف رحمه‌الله».

١٠٣

الحقِّ ، والحقُّ يدور معه حيث دار ، ولن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض» من أعظم الكلام كذباً وجهلاً ، فإنَّ هذا الحديث لم يروه أحدٌ عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لا بإسناد صحيح ولا ضعيف ، وهل يكون أكذب ممّن يروي ـ يعني العلّامة الحلّي ـ عن الصحابة والعلماء أنَّهم رووا حديثاً والحديث لا يُعرف عن أحد منهم أصلاً بل هذا من أظهر الكذب.

ولو قيل : رواه بعضهم وكان يمكن صحّته لكان ممكناً وهو كذبٌ قطعاً على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فإنَّه كلامٌ ينزَّه عنه رسول الله. ١٦٧ ، ١٦٨ (١).

ج ـ أمّا الحديث فأخرجه جمعٌ من الحفّاظ والأعلام منهم :

الخطيب في التاريخ ج ١٤ ص ٣٢١ من طريق يوسف بن محمّد المؤدّب قال : حدّثنا الحسن بن أحمد بن سليمان السرّاج : حدّثنا عبد السلام بن صالح : حدّثنا عليُّ بن هاشم بن البريد ، عن ابيه ، عن ابي سعيد التميمي ، عن ابي ثابت مولى ابي ذرّ قال : دخلت على امِّ سلمة فرأيتها تبكي وتذكر عليّاً وقالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «عليٌّ مع الحقِّ والحقُّ مع عليٍّ ولن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض يوم القيامة».

__________________

(١) منهاج السنة ٤ / ٢٣٨.

١٠٤

هذه امّ المؤمنين امّ سلمة سيّدةٌ صحابيَّةٌ ، وقد نفى الرجل أن يكون أحد الصحابة قد رواه ، كما نفى أن يكون أحدٌ من العلماء يرويه.

إلّا أن يقول : إنّ الخطيب ـ وهو هو ـ ليس من العلماء ، أو لم يعتبر أمَّ المؤمنين صحابيّة ، وهذا أقرب إلى مبدإ ابن تيمية لأنَّها علويّة النزعة ، علويّة الروح ، علويّة المذهب.

وحديث امّ سلمة سمعه سعد بن أبي وقّاص في دارها قال سمعت : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : عليٌّ مع الحقِّ.

أو : الحقُّ مع عليٍّ حيث كان.

قاله في بيت امّ سلمة فأرسل أحدٌ إلى امِّ سلمة فسألها.

فقالت : قد قاله رسول الله في بيتي.

فقال الرجل لسعد : ما كنت عندي قطُّ ألوم منك الآن.

فقال وَلِمَ؟!

قال : لو سمعتُ من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله لم أزل خادماً لعليٍّ حتّى أموت.

اخرجه الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ٧ ص ٢٣٦ وقال : رواه البزّار وفيه سعد بن شعيب ولم أعرفه وبقيَّة رجاله رجال الصحيح.

قال الأميني :

الرجل الذي لم يعرفه الهيثمي هو سعيد بن شعيب الحضرمي

١٠٥

قد خفي عليه لمكان التصحيف ، ترجمه غير واحد بما قال شمس الدين إبراهيم الجوزجاني : إنّه كان شيخاً صالحاً صدوقاً ، كما في خلاصة الكمال : ١١٨ ، وتهذيب التهذيب ٤ ص ٤٨.

وكيف يحكم الرجل بأنَّ الحديث لم يروه أحدٌ من الصَّحابة والعلماء أصلاً وهذا الحافظ ابن مردويه في المناقب ، والسمعاني في فضائل الصحابة ، أخرجا بالإسناد عن محمّد بن ابي بكر عن عائشة أنّها قالت : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «عليٌّ مع الحقِّ والحقُّ مع عليٍّ لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض».

وأخرج ابن مردويه في المناقب ، والديلمي في الفردوس : انّه لما عقر جمل عائشة ، ودخلت داراً بالبصرة ، أتى إليها محمّد بن ابي بكر فسلّم عليها فلم تُكلّمه فقال لها : انشدك الله أتذكرين يوم حدَّثتيني عن النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إنَّه قال : «الحقُّ لن يزال مع عليٍّ وعليٌّ مع الحقِّ لن يختلفا ولن يفترقا».

فقالت : نعم.

وروى ابن قُتيبة في الإمامة والسياسة ١ ص ٦٨ عن محمّد بن ابي بكر : انّه دخل على اخته عائشة رضي الله عنها قال لها : أما سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «عليٌّ مع الحقِّ ، والحقُّ مع علىٍّ ثمّ خرجت تُقاتلينه».

وروى الزمخشري في ربيع الأبرار قال : استأذن ابو ثابت مولى

١٠٦

عليّ على امّ سلمة رضي الله عنها فقالت : مرحباً بك يا ابا ثابت ، أين طار قلبك حين طارت القلوب مطائرها؟

قال : تبع عليَّ بن ابي طالب.

قالت : وُفّقت والذي نفسي بيده لقد سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «عليٌّ مع الحقِّ والقرآن ، والحقُّ والقرآن مع عليٍّ ، ولن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض».

وبهذا اللفظ اخرجه اخطب الخطباء الخوارزمي في المناقب من طريق الحافظ ابن مردويه ، وكذا شيخ الإسلام الحمّويي في فرائد السمطين في الباب ٣٧ من طريق الحافظين ابي بكر البيهقي ، والحاكم ابي عبد الله النيسابوري.

وأخرج ابن مردويه في المناقب عن ابي ذرّ : أنّه سُئل عن اختلاف النّاس فقال : عليك بكتاب الله والشيخ عليِّ بن ابي طالب عليه‌السلام ، فإنّي سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول : «عليٌّ مع الحقِّ والحقُّ معه وعلى لسانه ، والحقُّ يدور حيثما دار عليٌّ».

ويوقف القارئ على شهرة الحديث عند الصحابة احتجاج أمير المؤمنين به يوم الشورى بقوله : انشدكم بالله أتعلمون أنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «الحقُّ مع عليٍّ وعليٌّ مع الحقِّ يزول الحقُّ مع عليٍّ كيفما زال».

١٠٧

قالوا : اللهمَّ نعم (١).

__________________

(١) مرّ الكلام في حديث المناشدة ج ١ ص ١٥٩ ـ ١٦٣. «المؤلف رحمه‌الله».

وإليك نص ما جاء هناك مع اختصار وتهذيب :

قال أخطب الخطباء الخوارزمي الحنفي في المناقب ص ٢١٧ : أخبرني الامام شهاب الدين سعد بن عبد الله بن الحسن الهمداني المعروف بالمروزي فيما كتب اليّ من همدان ، اخبرني ابو علي الحسن بن احمد بن الحسين فيما اذن لي في الرواية عنهُ ، اخبرني الاديب ابو يعلى عبد الرزاق بن عمر بن ابراهيم الهمداني سنة ٤٣٧ ، اخبرني الحافظ طراز المحدثين ابو بكر احمد بن موسى بن مردويه.

وقال الامام شهاب الدين سعد بن عبد الله : واخبرنا بهذا الحديث عالياً الامام الحافظ سليمان ابن محمد بن احمد ، حدثني يعلى بن سعد الرازي ، حدثني محمد بن حميد ، حدثني زافر بن سليمان ، حدثني الحارث بن محمد عن ابي الطفيل عامر بن واثله قال : كنت على الباب يوم الشورى مع علي عليه‌السلام في البيت وسمعته يقول لهم لاحتجن عليكم بما لا يستطيع عربيكم ولا عجميكم تغيير ذلك (ثمّ ذكر حديث المناشدة).

وأخرجه الامام الحمويني في فرائد السمطين : ب ٥٨ ، قال : أخبرني الامام تاج الدين علي ابن الحب بن عبد الله الخازن البغدادي قال : أنبأنا الامام برهان الدين ناصر بن ابي المكارم المطرزي الخوارزمي قال : انبأنا اخطب خوارزم ابو المؤيد الموفق بن احمد المكي ... الى آخر السند بطريقيه المذكورين. ورواه ابن حاتم الشامي في الدر النظيم من طريق الحافظ ابن مردويه بسند آخر له. واخرجه الحافظ الدار قطني. ونقل بعض فصوله ابن حجر في الصواعق : ٧٥.

ونقله الحافظ ابن عقدة باسناده الى أبي الطفيل كما عن امالي الشيخ الطوسي : ٧ و ٢١٢ ، وأخرجه الحافظ العقيلي وحكاه عنه الذهبي في ميزانه ١ / ٢٠٥ ، وابن حجر في لسانه ٢ / ١٥٧. وذكر شطراً منه ابن عبد البر في الاستيعاب ٣ /

١٠٨

وهنا نسائل الرجل عن أنَّ هذا الكلام لِما ذا لا يُمكن صحّته؟ أفيه شيءٌ من المستحيلات العقلية كاجتماع النقيضين أو ارتفاعهما؟ أو اجتماع الضدّين أو المثلين؟ وكأنَّ الرجل يزعم أنَّ الحقيقة العلوية غير قابلةٍ لأن تدور مع الحقِّ وأن يدور الحقُّ معها.

كبرت كلمة تخرج من أفواههم.

وقد مرَّ ج ١ ص ٣٠٥ ، ٣٠٨ من طريق الطبراني وغيره بإسناده صحيح قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خمّ : اللهمَّ وال من والاه ، وعاد من عاداه ـ الى قوله ـ : وأدر الحقَّ معه حيث دار (١).

__________________

٣٥ هامش الاصابة.

وقال ابن ابي الحديد في شرح نهج البلاغة ٢ / ٦١ : نحن نذكر في هذا الموضع ما استفاض في الروايات من مناشدة أصحاب الشورى وتعديد فضائله ...

ومن ذلك كلّه تعرف قيمة ما جنح اليه السيوطي في اللآلي المصنوعة ١ / ١٨٧ من الحكم بوضع الحديث لمكان زافر ورجل مجهول في اسناد العقيلي ، وقد اوقفناك على اسانيد ليس فيها زافر ولا مجهول. وهب انا غاضيناه على الضعف في زافر فهل الضعف بمجرده يحدو الى الحكم البات بالوضع.

على ان زافراً وثقه احمد وابن معين. وقال ابو داود : ثقةٌ كان رجلاً صالحاً ، وقال ابو حاتم : محلّه الصدق. راجع تهذيب التهذيب ٣ / ٣٠٤ «المؤلف رحمه‌الله».

(١) قال الزرقاني المالكي في شرح المواهب ٧ / ١٣ : وللطبراني وغيره باسناد صحيح : انهُ صلى‌الله‌عليه‌وآله خطب بغدير خم وهو موضع بالجحفة برجعه من حجة الوداع (فذكر الحديث) وفيه : يا ايها الناس ، ان الله مولاي وانا مولى المؤمنين وانا

١٠٩

وصحَّ عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قوله : رحم الله عليّاً اللهمَّ أدر الحقَّ معه حيث دار (١).

وقال الرازي في تفسيره ١ ص ١١١ :

وأمّا أنَّ عليَّ بن ابي طالب رضى الله عنه كان يجهر بالتّسمية فقد ثبت بالتواتر ، ومَن اقتدى في دينه بعليِّ بن ابي طالب فقد اهتدى ، والدليل عليه قوله عليه‌السلام : اللهمَّ أدر الحقَّ مع عليٍّ حيث دار.

وحكي الحافظ الكنجي في الكفاية : ١٣٥ ، وأخطب خوارزم في المناقب : ٧٧ عن مسند زيد قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لعليٍّ : «إنَّ الحقَّ معك والحقُّ على لسانك وفي قلبك وبين عينيك ، والايمان مخالطٌ لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي».

__________________

اولى بهم من انفسهم ، فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ... وادر الحق معهُ حيث دار.

وبهذا اللفظ رواه الشهرستاني في نهاية الاقدام : ٤٩٣ ، «المؤلف رحمه‌الله».

(١) مستدرك الحاكم ٣ / ١٢٥ ، جامع الترمذي ٢ / ٢١٣ ، الجمع بين الصحاح لابن الاثير ، كنز العمال ٦ / ١٥٧ ، نزل الابرار : ٢٤ ، «المؤلف رحمه‌الله».

انظر جامع الاصول لابن الاثير ٩ / ٤٢٠.

وراجع ايضاً : المناقب للخوارزمي : ٥٦ ، ترجمة الامام علي من تاريخ دمشق ٣ / ٧١٧ ح ١١٥٩ و ١١٦٠ ، غاية المرام : ٥٣٩ ب ٤٥ (ط ايران) ، شرح النهج ١٠ / ٢٧٠ ، منتخب كنز العمال بهامش مسند احمد ٥ / ٦٢ ، الفتح الكبير للنبهاني ٢ / ١٣١ ، فرائد السمطين ١ / ١٧٦ ، احقاق الحق ٥ / ٦٢٦ عن المحاسن والمساوي للبيهقي : ٤١ ، الانصاف للباقلاني ٥٨ ، تاريخ الاسلام للذهبي ٢ / ١٩٨.

١١٠

وأخرج غير واحد عن ابي سعيد الخدري عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله إنَّه قال مشيراً إلى عليٍّ : «الحقُّ مع ذا ، الحقُّ مع ذا» (١).

وفي لفظ ابن مردويه عن عائشة عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله : «الحقُّ مع ذا يزول معه حيثما زال».

وأخرج ابن مردويه ، والحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ ص ١٣٤ عن امِّ سلمة أنّها كانت تقول : كان عليٌّ على الحقِّ ، من اتَّبعه اتَّبع الحقَّ ، ومَن تركه ترك الحقَّ ، عهداً معهوداً قبل يومه هذا (٢).

ومرَّ في ج ١ ص ١٦٦ من طريق شيخ الإسلام الحمّويي قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله في أوصيائه : فإنَّهم مع الحقِّ ، والحقُّ معهم لا يُزايلونه ولا يُزايلهم (٣).

__________________

(١) مسند ابي يعلى ، سنن سعيد بن منصور ، مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي ٧ / ٣٥ وقال : رواه ابو يعلى ورجاله ثقات. «المؤلف رحمه‌الله».

انظر : مسند ابي يعلى الموصلي ٢ / ٣١٨ ح ١٠٥٢ (تحقيق حسين سليم أسد ، ط ١ ، ١٩٨٤).

(٢) في لفظ الهيثمي : عهد معهود «المؤلف رحمه‌الله».

(٣) من مناشدة طويلة للامام أمير المؤمنين عليه‌السلام ايام عثمان بن عفان ، رواها شيخ الاسلام ابو اسحاق ابراهيم بن سعد الدين ابن الحمويه باسناده في فرائد السمطين في السمط الاول في الباب الثامن والخمسين عن التابعي الكبير سليم بن قيس الهلالي.

ونقلها المؤلف رحمه‌الله بطولها في كتابه الغدير ١ / ١٦٣ ـ ١٦٦.

١١١

وليت شعري هذا الكلام لماذا يُنزَّه عنه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله؟! ألاشتماله على كلمة إلحاديَّة؟!

أو إشراك بالله العظيم؟!

أو أمر خارج عن نواميس الدِّين المبين؟!.

أنا أقول عنه لِما ذا : لأنَّه في فضل مولانا أمير المؤمنين ، والرجل لا يروقه شيءٌ من ذلك.

ونعم الحَكَم الله ، والخصيم محمّد.

ولا يذهب على القارئ أنَّ هذا الحديث عبارةٌ اخرى لما ثبتت صحته عن امّ سلمة من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «عليٌّ مع القرآن والقرآن معه لا يفترقان حتّى يردا عليَّ الحوض» (١).

وكلا الحديثين يرميان إلى مغزى الصحيح المتواتر الثابت

__________________

(١) مستدرك الحاكم ٣ / ١٢٤ وصححه هو واقره الذهبي ، المعجم الاوسط للطبراني وحسن سنده ، الصواعق : ٧٤ ، ٧٥ ، الجامع الصغير ٢ و ١٤٠ ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : ١١٦ ، فيض القدير ٤ / ٣٥٨. «المؤلف رحمه‌الله».

وانظر : المناقب للخوارزمي : ١١٠ ، كفاية الطالب للكنجي : ٣٩٩ ، مجمع الزوائد ٩ / ١٣٤ ، اسعاف الراغبين بهامش نور الابصار : ١٥٧ ، نور الابصار للشبلنجي : ٧٣ ، ينابيع المودة للقندوزي ١ / ٣٨ و ٨٨ ، ٢ / ١٠ ، ٦١ و ١٠٨ و ١١٠ ، غاية المرام : ٥٤٠ ب ٤٥ ، عبقات الانوار ١ / ٢٧٧ ، فرائد السمطين ١ و ١٧٧ ح ١٤٠ ، احقاق الحق ٥ / ٦٤٠ ، منتخب كنز العمال بهامش مسند احمد ٥ / ٣١ ، اسنى المطالب : ١٣٦ ، ارجح المطالب لعبيد الله الحنفي : ٥٩٧ و ٥٩٨ ، الفتح الكبير للنبهاني ٢ / ٢٤٢.

١١٢

عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله من قوله : «إنّي تارك أو : مخلّفٌ فيكم الثقلين ، أو : الخليفتين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض».

فإذا كان ما يراه ابن تيميّة غير ممكن الصدور عن مبدأ الرسالة فهذه الأحاديث كلّها ممّا يغزو مغزاه يجب أن ينزَّه صلى‌الله‌عليه‌وآله عنها ، ولا أحسب أنَّ أحداً يقتحم ذلك الثغر المخوف إلّا مَن هو كمثل ابن تيميّة لا يُبالي بما يتهوَّر فيه ، فدعه وتركاضه ، ولا تتّبع أهواء الذين لا يعلمون.

[ان الله يغضب لغضب فاطمة]

٢٠ ـ قال : حديث إنَّ النبيَّ صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : «يا فاطمة إنّ الله يغضب لغضبك ويرضى لرضاك». فهذا كذبٌ منه ، ما رووا هذا عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ولا يُعرف هذا في شيء من كتب الحديث المعروفة ، ولا الإسناد معروفٌ عن النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله لا صحيح ولا حسن ٢ ص ١٧٠ (١).

ج ـ ليتني عرفت هل المقحم للرجل في أمثال هذه الورطة جهله المطبق وضيق حيطته عن الوقوف على كتب الحديث.

__________________

(١) منهاج السنة ٤ / ٢٤٨.

١١٣

ثمَّ إنَّ الرعونة تحدوه إلى تكذيب ما لم يجده تكذيباً باتّاً ، أو : أنّ حقده المحتدم لآل بيت الوحي يتدهور به إلى هوَّة المناوءة لهم بتفنيد فضائلهم ومناقبهم.

أحسب أنَّ كلا الداءين لا يعدوانه.

أمّا الحديث فله إسنادٌ معروفٌ عند الحفّاظ والأعلام ، صحّحه بعضهم وحسّنه آخر ، وأنهوه إلى النبيِّ الأقدس صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وممّن أخرجه :

١ ـ الإمام ابو الحسن الرِّضا سلام الله عليه في مسنده كما في الذخائر : ٣٩ (١).

٢ ـ الحافظ ابو موسى ابن المثنى البصري المتوفّى ٢٥٢ كما في معجمه (٢).

٣ ـ الحافظ ابو بكر بن ابي عاصم المتوفّى ٢٨٧ كما في الإصابة وغيره (٣).

٤ ـ الحافظ ابو يعلى الموصلي المتوفّى ٣٠٧ في سننه (٤).

__________________

(١) أخرجهُ الشيخ الصدوق باسناده الى الامام ابو الحسن الرضا عليه‌السلام في عيون اخبار الرضا ٢ / ٤٦ ح ١٧٦.

وانظر ايضاً مسند الامام الرضا ١ / ١٤٣ ح ١٨٦ (جمع عزيز الله العطاردي).

(٢) ونقله عنهُ القندوزي الحنفي في ينابيع المودة ١ / ١٧٠.

(٣) الاصابة ٤ / ٣٧٨.

(٤) ونقله عنهُ المتقي في كنز العمال ١٢ / ١١١ ح ٣٤٢٣٨.

١١٤

٥ ـ الحافظ ابو القاسم الطبراني المتوفّى ٣٦٠ في معجمه (١).

٦ ـ الحافظ ابو عبد الله الحاكم النيسابوري المتوفّى ٤٠٥ في المستدرك ٣ ص ١٥٤ وصحّحه.

٧ ـ الحافظ ابو سعيد الخركوشي المتوفّى ٤٠٦ في مؤلّفه (٢).

٨ ـ الحافظ ابو نعيم الأصبهاني المتوفّى ٤٣٠ في فضائل الصحابة (٣).

٩ ـ الحافظ ابو القاسم ابن عساكر المتوفّى ٥٧١ في تاريخ الشام (٤).

١٠ ـ الحافظ ابو المظفّر سبط ابن الجوزي المتوفّى ٦٥٤ في تذكرته ص ١٧٥.

١١ ـ الحافظ ابو العبّاس محبُّ الدين الطبري المتوفّى ٦٩٤ في الذخائر : ٣٩.

__________________

(١) المعجم الكبير ١ / ١٠٨ ح ١٨٢ ، ٢٢ / ٤٠١ ح ١٠٠١.

(٢) رواه في كتابه شرف النبوة كما عن ذخائر العقبى : ٣٩ وفيه ابو سعد وهو تصحيف.

(٣) انظر كنز العمال ١٢ / ١١١ ح ٣٤٢٣٨.

(٤) انظر مختصر تاريخ دمشق لابن عساكر ٢ / ٢٦٩ (تحقيق روحية النحاس ، ط ١ ، ١٩٨٤.

١١٥

١٣ ـ الحافظ ابو الفضل ابن حجر العسقلاني المتوفّى ٨٥٢ في الإصابة ٤ ص ٣٧٨.

١٣ ـ الحافظ شهاب الدين ابن حجر الهيثمي المتوفّى ٩٥٤ في الصواعق : ١٠٥.

١٤ ـ ابو عبد الله الزرقاني المالكي المتوفّى ١١٢٢ في شرح المواهب ٣ ص ٢٠٢.

١٥ ـ ابو العرفان الصبّان المتوفّى ١٢٠٦ في إسعاف الرَّاغبين : ١٧١ وقال : رواه الطبراني وغيره بإسناد حسن.

١٦ ـ البدخشي صاحب مفتاح النجا في نزل الأبرار ص ٤٧.

[معرفة المنافقين ببغضهم علياً]

٢١ ـ قال : حديث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في عليٍّ : هذا فاروق امتي يفرق بين أهل الحقِّ والباطل.

وقول ابن عمر : ما كنّا نعرف المنافقين على عهد النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا ببغضهم عليّاً.

فلا يستريب أهل المعرفة بالحديث انّهما حديثان موضوعان مكذوبان على النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يُرو واحدٌ منهما في كتب العلم المعتمدة ، ولا لواحد منهما إسنادٌ معروفٌ ٢ ص ١٧٩ (١).

__________________

(١) منهاج السنة ٤ / ٢٨٦.

١١٦

ج ـ إنَّ أجمع كلمة تنطبق على هذا المغفَّل هو ما قيل في غيره قبل زمانه : اعطي مقولاً ولم يعطي معقولاً. فتراه في أبحاث كتابه يقول ولا يعقل ما يقول ، ويردّ غير القول الذي قد قيل له ، فهذا آية الله العلّامة الحلّي يروي عن ابن عمر قوله : ما كنّا نعرف المنافقين ... وهذا يقول : انّه حديثٌ مكذوبٌ على النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ولم يعقل أنَّ راويه لم يعزه إلى النبيِّ صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فكان الحق المقام أن يفنَّد نسبته إلى ابن عمر.

على أنَّ ابن عمر لم يتفرَّد بهذا القول ، وإنّما أصفق معه على ذلك لفيفٌ من الصّحابة منهم :

١ ـ ابو ذرّ الغفاري فإنّه قال : ما كنّا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا بثلاث : بتكذيبهم الله ورسوله ، والتخلّف عن الصّلاة ، وبغضهم عليَّ بن أبي طالب.

أخرجه الخطيب في المتّفق ، محبُّ الدين الطبري في الرِّياض ٢ ص ٢١٥ ، الجزري في أسنى المطالب ص ٨ وقال : وحُكي عن الحاكم تصحيحه ، السيوطي في الجامع الكبير كما في ترتيبه ٦ ص ٣٩٠ (١).

__________________

قال محقق الكتاب في الهامش : «لم اجد الحديثين لا في كتب الاحاديث الصحيحة ولا كتب الاحاديث الموضوعة.

(١) وراجع ايضاً شرح نهج البلاغة لابن ابي الحديد ٤ و ٨٣ ، تاريخ الاسلام

١١٧

٢ ـ ابو سعيد الخدري قال : كنّا نعرف المنافقين نحن معشر الأنصار ببغضهم عليّاً.

وفي لفظ الزرندي : ما كنّا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إلّا ببغضهم عليّاً.

جامع الترمذي ٢ ص ٢٩٩ ، حلية الأولياء ٦ ص ٢٩٥ ؛ الفصول المهمّة ص ١٢٦ ، اسنى المطالب للجزري ص ٨ ، مطالب السئول ص ١٧ ، نظم الدرر للزرندي ، الصواعق ٧٣.

٣ ـ جابر بن عبد الله الأنصاري قال : ما كنّا نعرف المنافقين إلّا ببغض ـ أو : ببغضهم ـ عليِّ بن أبي طالب.

أخرجه أحمد في المناقب (١) ، ابن عبد البر في الاستيعاب ٣ ص ٤٦ هامش الإصابة ، الحافظ محبّ الدين في الرِّياض ٢ ص ٢١٤ ، الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ ص ١٣٢.

٤ ـ ابو سعيد محمّد بن الهيثم قال : إن كنّا لنعرف المنافقين نحن معشر الأنصار إلّا ببغضهم عليَّ بن أبي طالب.

أخرجه الحافظ الجزري في أسنى المطالب ص ٨.

__________________

للذهبي : عهد الخلفاء الراشدين ص ٦٣٤ ، المعجم لابن الاعرابي : ق ٤٥ «ب باسناد آخر» وفي الباب عن ابي ذر ، اخرجه الخطيب في المتفق.

(١) فضائل الامام امير المؤمنين لأحمد بن حنبل ١٤٣ ح ٢٠٨ ، ورواه عن ابي سعيد الخدري : ٦٨ ح ١٠٣.

١١٨

٥ ـ ابو الدرداء قال : إن كنّا نعرف المنافقين معشر الأنصار إلّا ببغضهم عليَّ بن ابي طالب.

أخرجه الترمذي كما في تذكرة سبط ابن الجوزي ص ١٧.

ولم تكن هذه الكلمات دعاوي مجرّدة من القوم وإنَّما هي مدعومةٌ بما وعوه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في عليٍّ عليه‌السلام وإليك نصوصه :

١ ـ عن امير المؤمنين انّه قال : والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة إنّه لعهد النبيُّ الأمِّيُّ إليَّ : أنَّه لا يُحبّني إلّا مؤمنٌ ، ولا يُبغضني إلّا منافق.

مصادره :

أخرجه مسلم في صحيحه (١) كما في الكفاية ، الترمذي في جامعه ٢ ص ٢٩٩ من غير قَسَم وقال : حسنٌ صحيحٌ ، أحمد في مسنده ١ ص ٨٤ ، ابن ماجة في سننه ١ ص ٥٥ ، النسائي في سننه ٨ ص ١١٧ ، وفي خصائصه ٢٧ ، أبو حاتم في مسنده (٢) ، الخطيب في تاريخه ٢ ص ٢٥٥ ، البغوي في المصابيح ٢ ص ١٩٩ ، محبُّ الدين الطبري في رياضه ٢ ص ٢١٤ ، ابن عبد البرّ في الاستيعاب

__________________

(١) صحيح مسلم ١ / ٨٦ : ك الايمان ب الدليل على ان حب الانصار وعلي من الايمان ح ١٣١.

(٢) لم أجده في المسند ووجدته في علل الحديث ٢ / ٤٠٠.

١١٩

٣ ص ٣٧ ، ابن الأثير في جامع الاصول (١) كما في تلخيصه تيسير الوصول ٣ ص ٢٧٢ عن مسلم والترمذي والنسائي ، سبط ابن الجوزي في تذكرته ١٧ ، ابن طلحة في مطالب السئول ١٧ ، ابن كثير في تاريخه ٧ ص ٣٥٤ عن الحافظ عبد الرزّاق وأحمد ومسلم وعن سبعة اخرى وقال : هذا هو الصحيح ، شيخ الإسلام الحمّويي في فرائده في الباب ال ٢٢ بطرق أربعة ، الجزري في أسنى المطالب ٧ وصحَّحه ، ابن الصبّاغ المالكي في الفصول ١٢٤ ، ابن حجر الهيثمي في الصواعق ٧٣ ، ابن حجر العسقلاني في فتح الباري ٧ ص ٥٧ ، السيوطي في جمع الجوامع كما في ترتيبه ٦ ص ٣٩٤ عن الحميدي ، وابن ابي شيبة ، وأحمد ، والعدني ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ، وابن حبّان في صحيحه (٢) ، وابي نعيم في الحلية (٣). وابن ابي عاصم في سننه (٤) ، القرماني في تاريخه هامش الكامل ١ ص ٢١٦ ، الشنقيطي في الكفاية : ٣٥ وصحّحه.

والعجلي في كشف الخفاء ٢ ص ٣٨٢ عن مسلم ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجة ، وقد صدَّقه بدر الدين بن جماعة حين قاله ابن حيّان ابو حيّان الأندلسي : قد روى عليٌّ قال : عهد إليّ النبيُّ ...

__________________

(١) جامع الاصول ٨ / ٦٥٦ ح ٦٥٠٠.

(٢) الاحسان بترتيب صحيح ابن حبان ٩ / ٤٠.

(٣) حلية الاولياء ٤ / ١٨٥.

(٤) السنة لابن ابي عاصم : ١٣٢٥.

١٢٠