الوهابية بين المباني الفكرية والنتائج العملية

الشيخ جعفر السبحاني

الوهابية بين المباني الفكرية والنتائج العملية

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-202-1
الصفحات: ٥١٢

فما الحياة سوى الرضوان تغدقه

على البرية في شتى نواحيها

يا موئل الفضل قد لذنا بساحتكم

وما الرعية إلّا فضل راعيها

إن لم تكن لجميع الخلق ملتجأ

بعد الإله ومعواناً يواليها

فمن يكون ومن ترجى معونته

عند الشدائد في أدجى لياليها

فأنت أولى بنا منا وقد نزلت

بذلك الآي تعظيماً وتنويها

إليك جاءت وفود الأرض قاطبة

الوجد سائقها والشوق حاديها

تمشي على نورك الهادي وما عهدت

نوراً لغيرك يسعى بين أيديها

تسائل الله غفراناً وتسألكم

لها الشفاعة من شتى معاصيها

ومن يجيب دعاها عند حيرتها

يوم الحساب سواكم أو ينجِّيها

وأنتم الرحمة الكبرى لأُمتكم

دنيا وأُخرى وعند الهول تحميها

٣٢١

شفاعة أنت معطاها وقد وجبت

للزّائرين وهذا القدر يكفيها

يا واهب القلب عرفاناً ومعرفة

ومانح الروح أسراراً تزكيها

كيف السبيل وقد بتنا على سفر

وأعين الخلق قد جفَّت مآقيها

إنّ الحجيج إذا ما ودعوا تركوا

قلوبهم عند هاديها وكافيها

وما نودع إذ قمنا نودعكم

إلّا الفضائل في أجلى معانيها

نفسي فداك وروحي في تحسُّرها

من الفراق تعاني من مآسيها

حياتنا كلّها في حبكم هبة

مبرورة حينما جئنا لنهديها

منّا إليك تحيات نقدمها

من القلوب وفاء في قوافيها

صلّى عليك إله الخلق ما بزغت

شموس فضلك في الدنيا وما فيها (١)

__________________

(١) التوسل والزيارة : ١٩٩ ـ ٢٠١.

٣٢٢

سيرة الأُمم في توسّلهم بالذوات الطاهرة

إنّ من يطالع التاريخ البشري يجد أنّه يشهد وبوضوح تام بأنّ التوسّل بالصالحين والمعصومين والمخلصين من عباد الله كان شائعاً في أوساط بني الإنسان قبل بزوغ شمس الإسلام ، وكان الموحّدون يدركون بفطرتهم النقية أنّ التوسّل بالشخصيات الطاهرة والنفوس الزاكية أمرٌ مطلوب ومرغوب فيه ، ولذلك تجدهم يعتمدون هذه الوسيلة للتقرّب إلى الله وطلب إجابة الدعاء وإنجاح الطلبات ، ونحن نشير إلى قسم من هذه التوسّلات ليكون القارئ على علم بأنّ الفطرة السليمة تدعو الإنسان إلى التوسّل بالموجودات الطاهرة لجلب رحمته تعالى.

١. استسقاء عبد المطلب بالنبي وهو رضيع

يحدّثنا التاريخ أنّ مكة المكرمة وأطرافها قد أصابها قحط وجفاف وجدب كاد أن يهلك الحرث والنسل ويقضي على كلّ شيء ، فلم يجد عبد المطلب بُدّاً إلّا أن أمسك بيد حفيده المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وهو يومذاك طفل رضيع ـ واستسقى بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طالباً من الله أن ينزل عليهم الغيث ويخلّصهم من تلك الشدة والعسر ، حتّى قال ابن حجر : إنّ أبا طالب يشير بقوله :

وابيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصْمةٌ للأرامل

٣٢٣

إلى ما وقع في زمن عبد المطلب حيث استسقى لقريش والنبي معه غلام. (١)

٢. استسقاء أبي طالب بالنبي وهو غلام

لقد تكرّرت الحالة في فترة زعامة أبي طالب رضي‌الله‌عنه حيث أُصيبت قريش مرّة أُخرى بقحط وجدب ، فهرع القريشيون إلى أبي طالب طالبين منه الاستسقاء ، فقرر أن يتوسّل بابن أخيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وكان حينذاك غلاماً ـ وقد نقل ابن عساكر تلك الحادثة عن أبي عرفة ، قال :

قدمت مكة وهم في قحط فقالت قريش : يا أبا طالب أقحط الوادي ، وأجدب العيال ، فهلم فاستسق ، فخرج أبو طالب ومعه غلام ـ يعني النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ كأنّه شمس دجى تجلّت عن سحابة قتماء ، وحوله أُغيلمة ، فأخذ النبي أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة ، ولاذَ إلى الغلام ، وما في السماء قزعة ، فأقبل السحاب من هاهنا وهاهنا ، وأغدق وأغدودق ، وانفجر له الوادي ، وأخصب النادي والبادي. (٢)

وفي ذلك يقول أبو طالب :

وابيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل (٣)

٣. التوسّل بالأطفال والشيوخ في صلاة الاستسقاء

إنّ التوسّل بالأطفال في الاستسقاء أمرٌ ندب إليه الشارع ، قال الدكتور

__________________

(١ و ٢) فتح الباري : ٢ / ٣٩٨ ؛ دلائل النبوة : ٢ / ١٢٦.

(٣) فتح الباري : ٢ / ٤٩٤ ؛ السيرة الحلبية : ١ / ١١٦.

٣٢٤

عبد الملك السعدي : من السنّة أن نخرج معنا إلى الصحراء الشيوخ والصبيان والبهائم لعلّ الله يسقينا بسببهم. (١)

وهذا هو الإمام الشافعي يقول في آداب صلاة الاستسقاء : «وأُحبّ أن يخرج الصبيان ويتنظفوا للاستسقاء ، وكبار النساء ، ومن لا هيبة منهنّ ، ولا أُحبّ خروج ذات الهيبة». (٢)

ولا ريب أنّ الهدف من إخراج الصبية المطهّرين من الذنوب والشيوخ الذين أنهكهم الدهر ، والحيوانات العجماء ، يعني أنّ المستسقين يخاطبون الله تعالى بقولهم :

اللهمّ إن كنّا ـ لذنوبنا وقسوتنا ـ غير جديرين بإنزال الرحمة ، والغيث علينا ، فارحمنا يا لله بهؤلاء.

أو يقولون : ربّنا وسيدنا!! الصغير معصوم من الذنب ، والكبير الطاعن في السن أسيرك في أرضك ، وهما أحقّ بالرحمة والمرحمة ، فلأجلهم أنزل رحمتك علينا ، حتّى تعمّنا في ظلهم.

هذه الحوادث وغيرها تعرب عن كون التوسّل بالموجودات الصالحة أمراً فطرياً ، كان رائجاً قبل بزوغ فجر الإسلام ، ولمّا بعث الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقرّ تلك الوسيلة ، وأمضاها.

٤. توسّل الخليفة بالعباس عمّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

روى البخاري في صحيحه قال : كان عمر بن الخطاب إذا قحطوا

__________________

(١) البدعة : ٤٩.

(٢) كتاب الأُمّ : ١ / ٢٣٠.

٣٢٥

استسقى بالعباس بن عبد المطلب رضي‌الله‌عنه وقال : اللهمّ إنّا كنّا نتوسّل إليك بنبيّنا فتسقينا ، وإنّا نتوسّل إليك بعمّ نبيّنا فاسقنا ، قال : فيسقون. (١)

والحديث صحيح السند ، فما ظنك برواية رواها الإمام البخاري؟! لكن من لا يروق له التوسّل بالذوات الطاهرة أخذ يؤوّل الحديث بأنّ الخليفة توسّل بدعاء العباس لا بشخصه ومنزلته عند الله ، وأضاف على ذلك أنّه لو كان قصده ذات العباس لكانت ذات النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أفضل وأعظم وأقرب إلى الله من ذات العباس ، بلا شكّ ولا ريب ، فثبت أنّ القصد كان الدعاء. (٢)

لا أظنّ أنّ أحداً يحمل شيئاً من الإنصاف. يسوغ لنفسه أن يفسر الحديث بما ذكره ـ أي التوسّل بالدعاء ـ لأنّ في الموضوع نصوصاً تردُّ ذلك ، وإليك الإشارة إليها :

١. قول الخليفة عند الدعاء ... قال : «اللهمّ إنّا كنّا نتوسّل إليك بنبيّنا فتسقينا ، وإنّا نتوسل إليك بعمّ نبيّنا فاسقنا». وهذا ظاهر في أنّ الخليفة قام بالدعاء في مقام الاستسقاء ، وتوسّل بعمّ الرسول في دعائه ، ولو كان المقصود هو التوسّل بدعائه كان عليه أن يقول : يا عمّ رسول الله كنّا نطلب الدعاء من الرسول فيسقينا الله والآن نطلب منك الدعاء فادع لنا.

٢. روى ابن الأثير كيفية الاستسقاء فقال : استسقى عمر بن الخطاب بالعباس عام الرمادة لمّا اشتدّ القحط فسقاهم الله تعالى به ، وأخصبت الأرض ، فقال عمر : هذا والله الوسيلة إلى الله والمكان منه.

__________________

(١) صحيح البخاري : ٢ / ٣٢ ، باب صلاة الاستسقاء.

(٢) التوصل إلى حقيقة التوسّل : ٢٥٣.

٣٢٦

وقال حسّان :

سأل الإمام وقد تتابع جدبنا

فسقى الغمام بغُرة العباس

عمّ النبي وصنو والده الذي

ورث النبي بذاك دون الناس

أحيا الإله به البلاد فأصبحت

مخضرّة الأجناب بعد الياس

ولما سُقي طفقوا يتمسّحون بالعباس ويقولون : هنيئاً لك ساقي الحرمين. (١)

أمعن النظر في قول الخليفة : هذا والله الوسيلة.

٣. ويظهر من شعر حسّان أنّ المستسقي كان هو نفس الخليفة وهو الداعي حيث قال : «سأل الإمام ...» وكان العباس وسيلته لاستجابة الدعاء.

قال الدكتور عبد الملك السعدي : وقد أوّلوا حديث العباس بأنّ عمر طلب من العباس أن يدعو ، لأنّهم كانوا إذا أجدبوا طلبوا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يدعو لهم ، فكذا هنا طلب الدعاء من العباس ، وهذا التأويل غير مقبول لوجهين :

الوجه الأوّل : إنّ السنّة أن يدعو الإمام نفسه والقوم يؤمنون ، وهذا ما حصل حيث كان الداعي هو سيدنا عمر لا العباس.

الوجه الثاني : إنّ نص الحديث لا يدلّ على أنّ عمر طلب الدعاء من العباس ، بل كان هو الداعي ، بدليل قوله : «اللهمّ إنّا كنّا نتوسّل ...» وهذا عين الدعاء ، ولم يرد أيّ لفظ يشير إلى أنّه قال للعباس : ادع لنا بالسقيا. ومع ذلك

__________________

(١) أُسد الغابة : ٣ / ١١١.

٣٢٧

فأيّ خلل يحصل في الدين أو العقيدة إذا أجرينا النص على ظاهره وتركنا العناد والتعصّب؟

قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : ويستبين من قصة العباس استحباب الاستسقاء بأهل الخير والصلاح وأهل بيت النبوة وفيه فضل العباس ، وفضل عمر لتواضعه للعباس ومعرفته بحقّه. (١)

وأظنّ أنّ هذه الروايات الصحيحة لا تبقي شكّاً ولا ريباً يدور في خلد أحد حول جواز التوسّل بالصالحين.

وأمّا ما ذكره من أنّه لو كان المقصود التوسّل بذات العباس لكان النبي بذلك أفضل وأعلم ، فيلاحظ عليه : أنّ الهدف من إخراج عمّ النبي إلى المصلّى وضمّه إلى الناس هو استنزال الرحمة. فكأنّ المصلّين يقولون : ربّنا إذا لم نكن مستحقّين لنزول الرحمة ، فإنّ عمّ النبي مستحقّ لها ، فأنزل رحمتك إليه لتريحه من أزمة القحط والغلاء وعندئذ تعمّ الرحمة غير العباس أيضاً ، ومن المعلوم أنّ هذا لا يتحقّق إلّا بالتوسّل بإنسان حيّ يكون شريكاً مع الجماعة في المصير وفي هناء العيش ورغده لا مثل النبي الراحل الخارج عن الدنيا والنازل في الآخرة ، نعم يجوز التوسّل بشخصه أيضاً ولكن لا بهذا الملاك ، بل بملاك آخر لم يكن مطروحاً للخليفة في المقام.

ولو افترضنا صحّة ما يُدعى من أنّ الخليفة توسّل بدعاء عمّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فهو عبارة أُخرى عن التوسّل بذات النبيّ لبّاً ، إذ لو لا صلته به لما قُدِّم للدعاء.

__________________

(١) البدعة : ٤٦.

٣٢٨

التوسّل بحقّ الصالحين في الأحاديث الإسلامية

هناك الكثير من الروايات التي رواها مشايخ أهل السنّة أنفسهم ، والتي تشير إلى التوسّل إلى الله تعالى بحقّ الصالحين من عباده.

والعجيب أنّه بالرغم من كثرة هذه الروايات التي تملأ العين وفي مصادرهم المعتبرة نجد المخالفين للتوسّل يصرّون على المنع ، وما ذلك إلّا بسبب تقليدهم لابن تيمية وانصياعهم للأفكار التي أثارها ، فكانوا ينظرون إلى الروايات بأحكام مسبقة وقناعات مبيّتة ، ولم ينطلقوا في منعهم هذا ونهيهم من بحث وتحقيق وإمعان نظر.

وها نحن نشير إلى بعض تلك الروايات ، وهي :

١. التوسّل بحقّ السائلين

روى عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من خرج من بيته إلى الصلاة ، فقال : «اللهمّ إنّي أسألك بحقّ السائلين عليك ، وأسألك بحقّ ممشاي هذا ، فإنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا رياءً ولا سُمعة ، إنّما خرجت اتّقاء سخطك وابتغاء مرضاتك ، أن تعيذني من النار وأن تغفر ذنوبي إنّه لا يغفر الذنوب إلّا أنت» إلّا أقبل الله بوجهه واستغفر له سبعون ألف ملك». (١)

إنّ دلالة الحديث واضحة لا يمكن لأحد التشكيك فيها ، وسند الحديث صحيح ورجاله كلّهم ثقات ، نعم اشتمل السند على عطية العوفي وقد وثّقه

__________________

(١) سنن ابن ماجة : ١ / ٢٥٦ برقم ٧٨٧ ؛ مسند أحمد : ٣ / ٢١.

٣٢٩

لفيف من أهل الجرح والتعديل.

قال أبو حاتم : يكتب حديثه. وقال ابن معين : صالح. وقال ابن حجر : عطية بن سعيد بن جنادة العوفي الجدلي الكوفي أبو الحسن ، صدوق. قال ابن عدي : قد روى عن جماعة من الثقات ، توفّي سنة إحدى عشرة ومائة. قال ابن سعد : خرج عطية مع ابن الأشعث فكتب الحجّاج إلى محمد بن القاسم أن يعرض عليه سبّ علي ـ إلى أن قال : ـ كان ثقة ، وله أحاديث صالحة ، وكان أبو بكر البزاز يعدّه في التشيّع روى عن جلّة الناس. (١)

نعم هناك من ضعّفه لا لأنّه غير صدوق ، بل لأنّه كان يتشيّع ، وليس تشيّعه إلّا ولاءه لعلي وأهل بيته ، وهل هذا ذنب؟!

ثمّ إنّ إتقان الحديث يعرب عن كونه صادراً من مشكاة أهل بيت العصمة والطهارة ، ويوجد مثل هذا الحديث الكثير من الأحاديث الإسلامية الأُخرى.

٢. التوسّل بحقّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبحقّ من سبقه من الأنبياء

روى الطبراني بسنده عن أنس بن مالك رضي‌الله‌عنه أنّه لمّا ماتت فاطمة بنت أسد أُمّ علي () دخل عليها رسول الله فجلس عند رأسها ، فقال : «رحمك الله يا أُمّي ، كنتِ أُمّي بعد أُمّي ، تجوعين وتشبعيني ، وتعرين وتكسينني ، وتمنعين نفسك طيب الطعام وتطعمينني ، تريدين بذلك وجه الله والدار الآخرة».

ثمّ أمر أن تغسل ثلاثاً ثلاثاً ، فلمّا بلغ الماء الذي فيه الكافور سكبه رسول الله بيده ، ثمّ خلع رسول الله قميصه فألبسها إيّاه وكفّنها ببرد فوقها ، ثمّ دعا رسول

__________________

(١) تقريب التهذيب : ٢ / ٢٤ برقم ٢١٦ ؛ تهذيب التهذيب : ٧ / ٢٢٧ برقم ٤١٣.

٣٣٠

الله أُسامة بن زيد وأبا أيوب الأنصاري وعمر بن الخطاب وغلاماً أسود يحفرون فحفروا قبرها ، فلمّا بلغوا اللحد حفره رسول الله بيده وأخرج ترابه بيده ، فلمّا فرغ دخل رسول الله فاضطجع فيه وقال : «الله الذي يحيي ويميت وهو حي لا يموت اغفر لأُمّي فاطمة بنت أسد ولقّنها حجتها ، ووسّع عليها مدخلها بحقّ نبيّك والأنبياء الذين من قبلي فإنّك أرحم الراحمين» وكبّر عليها أربعاً وأدخلها اللحد. (١)

والاستدلال بالرواية يتوقّف على تمامية الرواية سنداً ومضموناً.

أمّا المضمون فلا مجال للخدشة فيه ، وأمّا السند فصحيح ، رجاله كلّهم ثقات ، لا يغمز في حقّ أحد منهم ، نعم فيه روح بن صلاح وثّقه ابن حبّان والحاكم. (٢)

نكتفي هنا بذكر هذا المقدار من الروايات الواردة في مصادر أهل السنّة بالرغم من كثرتها.

وأمّا التوسل بحقّ الأولياء والشخصيات الإلهية ففي أدعية أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام نماذج كثيرة موزّعة في الصحيفة العلوية ، ودعاء عرفة للإمام الحسين عليه‌السلام ، والصحيفة السجادية للإمام علي بن الحسين عليهما‌السلام ، وغير ذلك من كتب الدعاء. إليك مقتطفات من تلك الأدعية.

١. يقول الإمام علي أمير المؤمنين عليه‌السلام في دعاء له :

__________________

(١) حلية الأولياء : ٣ / ١٢١ ؛ المستدرك للحاكم : ٣ / ١٠٨ ؛ الاستيعاب في حاشية الإصابة : ٤ / ٣٨٢ ؛ سير أعلام النبلاء : ٢ / ١١٨ برقم ٧ ؛ مجمع الزوائد : ٩ / ٢٥٦ ؛ كنز العمال : ١٣ / ٦٣٦ برقم ٣٧٦٠٨.

(٢) لاحظ للوقوف على حال روح بن صلاح المصري ، ميزان الاعتدال : ٢ / ٨٥ برقم ٢٨٠١.

٣٣١

«... بحقّ محمّد وآل محمد عليك ، وبحقّك العظيم عليهم أن تصلّي عليهم كما أنت أهله ، وأن تعطيني أفضل ما أعطيت السائلين من عبادك الماضين من المؤمنين وأفضل ما تعطي الباقين من المؤمنين ...». (١)

٢. ويقول الإمام سيد الشهداء الحسين عليه‌السلام في دعاء عرفة :

«... اللهم إنّا نتوجه إليك ـ في هذه العشية التي فرضتها وعظمتها ـ بمحمد نبيك ورسولك وخيرتك من خلقك».

٣. ويقول الإمام زين العابدين عليه‌السلام في دعائه بمناسبة حلول شهر رمضان :

«... اللهم إنّي أسألك بحقّ هذا الشهر وبحقّ من تعبّد فيه». (٢)

إلى هنا تمت الإشارة إلى بعض الأدلّة على جواز التوسّل بالشخصيات الطاهرة التي لها منزلة ومكانة.

نعم هناك بعض الإشكالات لا بدّ من التعرّض إليها بصورة مختصرة في البحث التالي.

__________________

(١) الصحيفة العلوية : ٥١.

(٢) الصحيفة السجادية : دعاء رقم ٤٤.

٣٣٢

شبهات وردود :

الشبهة الأُولى : انّ هذا النوع من التوسّل لم يكن معهوداً في أوساط الصحابة

يقول المستشكل : إنّ هذا النوع من التوسّل لو كان جائزاً لاستفاد منه الصحابة والتابعون ، والحال أنّنا لم نعهد منهم الاستفادة منه.

جواب الشبهة

من القواعد الأُصولية الثابتة انّ فعل المعصوم دليل على الجواز ، وأمّا ترك الفعل فلا دلالة فيه على الحرمة.

فلنفرض جدلاً انّ الصحابة والتابعين مصونون من الخطأ والاشتباه وانّهم وصلوا إلى درجة العصمة ، مع ذلك لا يدلّ تركهم للفعل وعدم استفادتهم من تلك الوسيلة للتوسّل إلى الله سبحانه على حرمة ذلك النوع من التوسّل.

أضف إلى ذلك انّ المعيار في تحديد ومعرفة الجائز من غير الجائز هو كلام الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمّة المعصومين ، ومن حسن الحظ انّ هناك الكثير من الروايات الصادرة عنهم ـ سواء التي في كتب الحديث أو كتب الأدعية ـ كلّها تدلّ على جواز التوسّل المذكور بصورة شفافة وجلية.

الشبهة الثانية : ليس لمخلوق ـ مهما كان ـ حقّ على الله تعالى

تقوم هذه الشبهة على أساس انّ هذا النوع من التوسّل يتضمن القسم على

٣٣٣

الله تعالى بحقّ المخلوقين عليه سبحانه والحال أنّه لا يوجد لمخلوق ـ مهما كان ـ حقّ عليه سبحانه وتعالى ، فكيف يدّعي المتوسّل وجود هذا الحق؟! وبعبارة أُخرى : كيف يكون للإنسان حقّ على الله؟!

جواب الشبهة

إنّ حقوق المخلوق على الخالق يمكن أن تتصوّر بصورتين ، هما :

الف : ينشأ هذا الحقّ من خلال ما يقوم به الإنسان من أعمال حسان ، وأفعال بر ، ونحو ذلك ، فيقع الحقّ بسبب تلك الأفعال الصادرة منه على الله تعالى كحقّ الدائن على المدين ، ولا ريب انّه لا يمكن ، بل يستحيل تصوّر مثل هذا الحقّ الذاتي للإنسان على الله تعالى ، وذلك لأنّ العبد ـ مهما كان ـ لا يملك شيئاً حتّى يستطيع من خلاله أن يثبت له من خلاله حقّ على الله تعالى.

ب : انّ هذا الحقّ نابع في الحقيقة من لطفه وكرمه ومنّه سبحانه ، فهو الذي تفضل على خيار عباده. فمنحهم المقام والمنزلة تكريماً لهم ، وفي الحقيقة ليس لأحد على الله حقّ إلّا ما جعله سبحانه حقاً على ذمّته تفضلاً وتكريماً.

ولا ريب انّ هذا النوع من الحقّ ـ بالإضافة إلى إمكان تصوّره ـ هناك آيات قرآنية تشير وترشد إليه.

بل نجد بعض الآيات تصفه سبحانه وتعالى بالمستلف والمقترض من عباده حيث يقول عزّ من قائل :

(مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً). (١)

__________________

(١) البقرة : ٢٤٥.

٣٣٤

وهناك آيات كثيرة تشير إلى أنّه سبحانه بكرمه وفضله ولطفه قد جعل بعض عباده أصحاب حقوق عليه سبحانه ، منها :

١. قوله تعالى : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ). (١)

٢. وقوله تعالى : (وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ). (٢)

٣. وقوله سبحانه : (كَذلِكَ حَقًّا عَلَيْنا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ). (٣)

٤. وقوله تعالى : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ). (٤)

هذه بعض النماذج من آيات الذكر الحكيم ، وهناك الكثير من الروايات والأحاديث الشريفة التي تدعم ذلك وتؤكّده ، منها :

١. قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «حقّ على الله عون من نكح التماس العفاف ممّا حرّم الله». (٥)

٢. روى مسلم عن معاذ بن جبل رضي‌الله‌عنه قال : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «هل تدري ما حقّ الله على العباد؟!!» ، قال : قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : «فإنّ حقّ الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً» ، ثمّ سار ساعة ، قال : «يا معاذ» قلت : لبيك رسول الله وسعديك ، قال : «هل تدري ما حقّ العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟!!» قال : قلت : الله ورسوله أعلم ، قال : «أن لا يعذبهم». (٦)

__________________

(١) الروم : ٤٧.

(٢) التوبة : ١١١.

(٣) يونس : ١٠٣.

(٤) النساء : ١٧.

(٥) كنز العمال : ١٦ / ٢٧٦ ، رقم الحديث ٤٤٤٤٣ ، الجامع الصغير للسيوطي : ١ / ٥٧٩.

(٦) الترغيب والترهيب : ٣ / ٤٣ ؛ وشرح النووي على صحيح مسلم : ١ / ٢٣١.

٣٣٥

الشبهة الثالثة : انّ هذا التوسّل يتضمن دعوة غير الله سبحانه

تقوم هذه الشبهة على أنّ هناك الكثير من الآيات التي تنهى الإنسان المسلم عن دعوة غير الله سبحانه ، منها قوله تعالى : (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) (١) ، وقوله عزّ من قائل : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ). (٢) وحينئذ كيف يجوز للإنسان المؤمن أن يدعو غيره سبحانه وأن يتوسّل بمقام ومنزلة غير الله سبحانه؟

جواب الشبهة

إنّ من أوهن الإشكالات التي أُثيرت حول التوسّل هو هذا الإشكال والذي تمسّك به المخالفون ، وحاولوا تطبيق تلك الآيات ـ التي وردت في ذم عبدة الأوثان والمشركين ـ على المؤمنين الصالحين!! والحال انّ الإمعان في الآيات يكشف وبوضوح أنّ المشركين وعبدة الأوثان كانوا يعتقدون أنّ أصنامهم آلهة مدبّرة للعالم ومتصرفة فيه ، في الوقت الذي نرى فيه المؤمنين يرون أنّ الرسول الأكرم عبداً من عباد الله سبحانه وداعياً إلى توحيد الله والإيمان به وربط الناس به سبحانه وتعالى.

ومن هنا لا بدّ من دراسة تلك الآيات وتسليط الضوء عليها ، ومن تلك الآيات :

قوله تعالى : (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً). (٣)

__________________

(١) الجن : ١٨.

(٢) الأعراف : ١٩٤.

(٣) الجن : ١٨.

٣٣٦

إنّ هذه الآية في الحقيقة في مقام النهي عن الدعوة المقترنة بالعبادة والخضوع للمدعو ، ولذلك نهت الآية عن هذا النوع من الدعوة ، وأمّا الدعوة المجرّدة من الاعتقاد بكون المدعو إلهاً أو فوض إليه فعل الإله فلا تدل الآية على النهي عنه أبداً.

ولو كانت الآية في مقام النهي عن مطلق الدعاء حتى المجرّد من الاعتقاد المذكور لكانت مخالفة لأمره تعالى ، حيث أمر سبحانه المؤمنين بالحضور عند الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطلب الاستغفار منه ، كما في قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً). (١)

وحينئذ يمكن للإنسان أن يدعو الله ويطلب منه المغفرة والتوبة ، وفي نفس الوقت يدعو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويطلب منه أن يستغفر الله له.

وبالنتيجة يكون قوله تعالى : (فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ) النهي عن جعل الشريك له سبحانه ودعوة ذلك الشريك على أنّه ربّ قادر على القيام بالعمل وتلبية الطلب بصورة مستقلة ، أو أنّه قد فوّض إليه فعل الرب.

ونفس هذا الكلام يجري في خصوص الآية الثانية ، وهي قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) بقرينة قوله تعالى : (عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) فيكون معنى الآية : لا تعبدوا تلك الآلهة المزيفة ولا تخضعوا لها ، لأنّهم (عِبادٌ أَمْثالُكُمْ) ليس لهم امتياز وتفوّق عليكم فما هو المبرر للخضوع لهم وعبادتهم؟!

وعلى هذا الأساس يكون الهدف من نفي دعوة غير الله إلى جنبه تعالى

__________________

(١) النساء : ٦٤.

٣٣٧

(فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ) أو دعوتهم بصورة مستقلة ، هو نفي الدعوة المقترنة باعتقاد الألوهية للمدعو ، وأمّا الدعوة المجردة عن هذا الاعتقاد فلا بأس بها ، بل انّها تشكّل الأساس لحركة الحياة البشرية ، قال تعالى : (نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ). (١)

وفي آية أُخرى يقول سبحانه : (لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً). (٢)

وعلى هذا الأساس لا يكون المراد من الآيات السابقة النهي عن مطلق الدعاء والنداء ، بل المراد الدعاء الحاكي عن الخضوع والخشوع أمام من يعتقد أنّه الله ، أو على أقلّ تقدير فوّض إليه فعل الله.

ومن هنا نعرف أنّه لا علاقة بين هاتين الآيتين ونظائرها من الآيات ، وبين دعوة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باعتباره عبداً من عباد الله المكرمين ، ليس بإله ولا فوّض إليه فعل الإله.

ومع شديد الأسف نجد المخالفين لفكرة التوسّل قد جمعوا تلك الآيات الواردة في حقّ المشركين والآلهة المزيفة من الأوثان والأصنام ، وحاولوا تطبيقها على جميع المسلمين المتوسّلين بالأرواح المقدّسة. والحال انّ هذه الآيات خارجة عن محط النزاع من جهتين :

١. انّ مصبّها المشركون وليس الموحّدين.

٢. إنّما اتّسم فعل المشركين بالعبادة باعتبار أنّهم قد اعتقدوا بألوهية الأوثان ودعوها وخضعوا لها من هذا المنطلق ، والحال أنّ خضوع المسلمين

__________________

(١) آل عمران : ٦١.

(٢) النور : ٦٣.

٣٣٨

منزّه من تلك الوسمة ، بل هو نوع تكريم واحترام ، وتوسّل بالسبب الذي جعله الله تعالى وسيلة للتقرب إليه.

فالخلاصة : انّ الدعوة المنهي عنها هي الدعوة بمعنى العبادة ، أي المقترنة باعتقاد ألوهية المدعو ، وأمّا الدعوة المجرّدة فلا يشملها النهي أبداً ، ولكي تتضح مغالطة المخالفين ولفّهم ودورانهم وتحريفهم الموضوعي حيث جاءوا بالآيات الواردة في حقّ المشركين وعبدة الأوثان وطبقوها ـ زوراً وبهتاناً ـ على عمل المسلمين ، ومن هذه الآيات :

(وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ). (١)

وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلا أَنْفُسَهُمْ يَنْصُرُونَ). (٢)

وفي آية أُخرى : (إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ). (٣)

وقوله سبحانه : (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ). (٤)

وقوله تعالى : (قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا). (٥)

وقوله تعالى : (وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ). (٦)

لقد استدلّ المخالفون للتوسّل ـ على منابرهم وفي رسائلهم وكتبهم ـ بهذه الآيات لإثبات حرمة التوسّل وكونه شركاً ، وطبقوا تلك الآيات ـ بلا تورع ـ على عمل المسلمين. والحال أنّ هذه الآيات لا علاقة لها بعمل المسلمين لا من بعيد ولا من قريب أبداً ، ومن أراد المزيد من التوضيح فعليه بمراجعة

__________________

(١) الرعد : ١٤.

(٢) الأعراف : ١٩٧.

(٣) الأعراف : ١٩٤.

(٤) فاطر : ١٣.

(٥) الأنعام : ٧١.

(٦) يونس : ١٠٦.

٣٣٩

الموسوعات التفسيرية ليرى وبوضوح ما ذا يراد من تلك الآيات وما هو المقصود منها؟ وسوف يجد بما لا ريب فيه أنّ الآيات في صدد الرد على المشركين الذين يعتقدون اعتقاداً راسخاً انّ العزّ والذل ، والنفع والضرر ، والنصر والهزيمة في الحرب و ... كلّ ذلك بيد آلهتهم المزيّفة والباطلة ، ومن هنا يدعونهم لكسب العزّ والنفع والنصر و ... وأين هذا من عمل المتوسّلين المؤمنين الّذين يعتقدون أنّ كلّ ذلك بيد الله سبحانه ومن خصائصه عزّ اسمه ، وانّ أقصى ما يعتقدونه هو أنّ لهؤلاء الصالحين ـ الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسائر الأنبياء والأولياء ـ منزلة وكرامة عند الله ، وأنّهم عباد مكرمون قد منحهم الله تعالى هذا المقام وأرشد المؤمنين إلى الاستفادة منه للتقرّب إليه سبحانه ونيل رحمته وغفرانه.

ونحن غالباً ما نردد في الدعاء قولنا : «اللهم بجاه محمد وآل محمّد» والجاه هنا يعني المنزلة التي وهبها الله تعالى لهم ، وقد ورد هذا الاصطلاح في بعض آيات الذكر الحكيم كقوله تعالى : (وَكانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهاً) (١) ، ويقول سبحانه في حقّ السيد المسيح عليه‌السلام : (وَجِيهاً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ). (٢)

الشبهة الرابعة : انّ التوسّل يعني الاستعانة بغير الله

إنّ هذه الشبهة تقوم على فرضية كون المتوسّل يستعين بغير الله في الشدائد والمحن التي تحيط به ، والمفروض أن يستعين بالله تعالى وحده ، كما في قوله : (وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ).

__________________

(١) الأحزاب : ٦٩.

(٢) آل عمران : ٤٥.

٣٤٠