الوهابية بين المباني الفكرية والنتائج العملية

الشيخ جعفر السبحاني

الوهابية بين المباني الفكرية والنتائج العملية

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-202-1
الصفحات: ٥١٢

مسبقاً ، ثمّ محاولة تفسير الآيات وفقاً لهذا الرأي وانسجاماً مع هذا المعتقد بشتّى أنواع التأويل والتحريف ، وبما أنّ صاحب هذا التفسير قد أنكر مسبقاً وجود الصّلة بين الحياتين الدنيوية والبرزخية ، حينئذ لجأ إلى هذا التأويل البارد للفرار من الحرج الذي وقع فيه أمام هذه الآيات وأمثالها التي تثبت وجود هذه الصلة والعلاقة.

يقول الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حقّ هؤلاء :

«من فسّر القرآن برأيه فليتبوّأ مقعده من النار». (١)

السؤال الثاني : وهناك سؤال آخر يمكن أن يطرح وهو : يمكن القول بأنّه عليه‌السلام كان يخاطب من بقي من قومه على قيد الحياة ، أي أنّه كان يخاطب الثلّة المؤمنة من قومه التي بقيت معه والتي لم يمسّها العذاب الإلهي الذي أصاب الكافرين ، وحينئذ لا دلالة للآية على وجود الصلة بين الحياتين.

والجواب : انّ هذا الاحتمال هو الآخر ضعيف جداً ، بل لا أساس له من الصحّة ، إذ لو كان المراد من الآية المباركة نفس ما ورد في متن السؤال وانّ الخطاب كان موجّهاً للمؤمنين من قوم صالح ، فلما ذا ورد في ذيل الآية قوله تعالى : (وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ)؟! فهل يوجد عاقل يحتمل أنّ هذا الوصف ينطبق على ثلّة من المؤمنين آمنت بربها وأذعنت لدعوة رسوله وانصاعت لأوامره ونواهيه؟!

إذاً المخاطب بالآية على نحو القطع والبت ، هم قوم صالح الذين عمّهم العذاب وشملهم الهلاك.

__________________

(١) انظر كشف القناع للبهوي : ١ / ٥٢٥ ؛ وتوحيد الصدوق : ٩١.

٢٦١

٢. النبي شعيب عليه‌السلام يخاطب قومه الهالكين

لقد استعرض لنا القرآن الكريم وفي آيات أُخرى قصة نبي آخر خاطب قومه بعد أن عمّهم الهلاك ، وذلك النبي هو شعيب عليه‌السلام ، فقد جاءت القصة بالنحو التالي :

قال تعالى : (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ). (١)

ثمّ قال سبحانه في آية أُخرى : (الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا الَّذِينَ كَذَّبُوا شُعَيْباً كانُوا هُمُ الْخاسِرِينَ). (٢)

ثمّ أردفها سبحانه وتعالى بقوله : (فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالاتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسى عَلى قَوْمٍ كافِرِينَ). (٣)

ووجه الاستدلال بهذه الآيات هو نفس الاستدلال الذي ذكرناه في قصة النبي صالح عليه‌السلام وخطابه مع قومه.

٣. النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يؤمر بالتكلّم مع الأنبياء

جاء في الذكر الحكيم قوله تعالى مخاطباً نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا أَجَعَلْنا مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ). (٤)

والظاهر من الآية الشريفة أنّ النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان باستطاعته الاتّصال مع الأنبياء الذين بعثوا قبله وسؤالهم عن ذلك ، وما لم يرد دليل عقلي قاطع على

__________________

(١) الأعراف : ٩١.

(٢) الأعراف : ٩٢.

(٣) الأعراف : ٩٣.

(٤) الزخرف : ٤٥.

٢٦٢

استحالة ذلك ومنعه ، لا يحق لنا رفع اليد عن هذا الظهور أبداً.

وقد يثار التساؤل التالي : أليس من الممكن تأويل الآية بإرجاعها إلى سؤال علماء أهل الكتاب من اليهود والنصارى استظهاراً من قوله تعالى : (فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) (١) ، وحينئذ لا يكون في الآية السابقة أيّة دلالة على إمكانية الاتّصال بالعالم الآخر فضلاً عن وقوعه.

والجواب : انّ هذا الاحتمال باطل جداً ، والدليل على بطلانه هو :

أوّلاً : انّ تفسير آية بآية أُخرى إنّما يصحّ إذا كانت الآية الأُولى مبهمة وتحتاج إلى نوع من البيان والتوضيح ، فحينئذ تكون الاستعانة بآية أُخرى لرفع هذا الإبهام أمراً ضرورياً وموضوعياً ، وأمّا إذا كانت الآية الأُولى خالية من الإبهام والتعقيد فلا معنى لرفع اليد عن ظهورها وتأويلها بنحو ينسجم مع آية أُخرى ، إذ لا منافاة بين الآيتين فمن الممكن للرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يسأل كلا الطائفتين ، خاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار انّ هذه الآية الواردة في سورة يونس راجعة إلى سؤال الأُمّة من علماء بني إسرائيل وقرّاء كتبهم ، وهذا بخلاف قوله تعالى : (وَسْئَلْ مَنْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنا) فإنّها خطاب للنبي حقيقة.

وأمّا الآية الأُولى فهي وإن كان الخطاب فيها موجّهاً إلى الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلّا أنّ الخطاب موجّه إلى الأُمّة لتسأل هي بدورها علماء بني إسرائيل.

والشاهد على هذا المدّعى وانّه سبحانه قد وضع تحت اختيار الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طريقين ، هو قوله تعالى في الآية التالية :

__________________

(١) يونس : ٩٤.

٢٦٣

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً). (١)

فقد جاء الحديث في هذه الآية عن بني إسرائيل لا العلماء منهم والذين يقرءون الكتاب ، ومن هنا لا يحق لنا تأويل الآية الثالثة بلا دليل أو برهان.

ثانياً : انّ الآية الأُولى تحكي عن أنّ المراد من السؤال هو سؤال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جميع الأنبياء الذين بعثوا قبله مثل : نوح وإبراهيم و ... ، والحال أن الآية الثانية يراد منها السؤال من علماء بني إسرائيل عن خصوص المفاهيم والأحكام الواردة في «العهدين» وما أنزله الله تعالى على أنبيائهم فقط ووضعه تحت اختيار الأُمّة الإسلامية.

ومن الواضح أنّه لا وجه لتضييق وتحديد المفهوم الواسع للآية الأُولى وحصره في علماء بني إسرائيل من اليهود والنصارى.

ثالثاً : أطبق المفسّرون على أنّ الآية مورد البحث ـ آية سورة الزخرف ـ من الآيات المكّية ، ومن الواضح للجميع أنّه لا يوجد في المجتمع المكي أيّ أثر يذكر ووجود بارز لعلماء أهل الكتاب ومن اتّبعهم من اليهود والنصارى حتى يؤمر الرسول بسؤالهم.

السنّة الشريفة والصلة بين الحياتين

بعد أن تبيّنت لنا الرؤية القرآنية بخصوص الصلة بين الحياتين ، وأثبتنا بما لا مزيد عليه أنّ القرآن الكريم يؤكّد هذه الصلة وتلك العلاقة بأدلّة محكمة

__________________

(١) الإسراء : ١٠١.

٢٦٤

وشواهد قوية ، وأنّ الأنبياء كانوا يتكلّمون مع البرزخيين ، فقد حان الوقت لنسلّط الأضواء على السنّة الشريفة لنرى موقفها من هذه المسألة.

ومن حسن الحظّ انّ هناك الكثير من الروايات الواردة في هذا المجال والتي تؤكّد وجود الصلة بين الحياتين ، نكتفي بذكر نماذج منها :

١. النبيّ الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكلّم أهل القليب

حينما وضعت معركة بدر الكبرى أوزارها وانهزم المشركون مخلّفين وراءهم سبعين قتيلاً من صناديدهم وساداتهم ومثلهم من الأسرى ، أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإلقاء القتلى في إحدى الآبار ، ثمّ وقف صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخاطب القتلى واحداً واحداً ويقول :

«يا أهل القليب ، يا عتبة بن ربيعة ، ويا شيبة بن ربيعة ، ويا أُميّة بن خلف ، ويا أبا جهل ـ وهكذا عدّد من كان منهم في القليب ـ هل وجدتم ما وعدكم ربّكم حقّاً فإنّي وجدت ما وعدني ربّي حقّاً؟».

فقال له بعض أصحابه : يا رسول الله أتنادي قوماً موتى؟!

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ، ولكنّهم لا يستطيعون أن يجيبوني».

وكتب ابن هشام يقول : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أضاف بعد هذه المقالة وقال : «يا أهل القليب ، بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم ، كذبتموني وصدّقني الناس ، وأخرجتموني وآواني الناس ، وقاتلتموني ونصرني الناس».

ثمّ قال : «هل وجدتم ما وعدكم ربّي حقّاً». (١)

__________________

(١) السيرة النبوية : ١ / ٦٤٩ ؛ السيرة الحلبية : ٢ / ١٧٩ و ١٨٠ وغيرهما.

٢٦٥

الشعر يضفي على القضية طابعاً خالداً

تعد قصة حديث الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع قتلى معركة بدر من المسلّمات الحديثية والتاريخية ، حيث رواها المؤرّخون والمحدّثون من العامّة والخاصّة. وقد أدلى الشعراء بدلوهم في هذه الواقعة حيث سجّلتها الدواوين الشعرية.

وكان في طليعة الشعراء الشاعر حسان بن ثابت شاعر عصر الرسالة ، إذ أنشد قصيدة بائية رائعة سجّل فيها أحداث تلك الواقعة ، ومن حسن الحظّ أنّ ديوان حسان بن ثابت عامّة وهذه القصيدة خاصة من الدواوين التي استطاعت أن تفلت من يد الدهر وتبقى حيّة ماثلة أمام الجميع ، ولم تتعرض كغيرها إلى الضياع والاندثار والتلف ، نقتطف من تلك القصيدة بعض الأبيات والتي جاء فيها :

يناديهم رسول الله لمّا

قذفناهم كباكب (١) في القليب

ألم تجدوا كلامي كان حقاً؟!

وأمر الله يأخذ بالقلوب

فما نطقوا ولو نطقوا لقالوا

صدقت وكنت ذا رأي مصيب (٢)

على أنّه لا توجد عبارة أشدّ صراحة ممّا قاله رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المقام حيث قال : «ما أنتم بأسمع منهم» وهل ثمة بيان أكثر إيضاحاً وأشدّ تقريراً لهذه الحقيقة من مخاطبته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لواحد واحد من أهل القليب ، ومناداتهم بأسمائهم وتكليمهم كما لو كانوا على قيد الحياة؟!

فلا يحق لأيّ مسلم مؤمن بالرسالة والرسول أن يسارع إلى إنكار هذه

__________________

(١) الكباكب : الجماعات.

(٢) ديوان حسان : ١٣ ـ ١٤.

٢٦٦

القضية التاريخية الإسلامية المسلّمة ويبادر قبل التحقيق ويقول : إنّ هذه القضية غير صحيحة ، ومن أنكر هذه الواقعة فليس إنكاره إلّا لأنّها لا تنطبق مع عقليته المادية المحدودة.

وقد نقلنا هنا نص الخطاب ، لكي يرى المسلمون الناطقون باللغة العربية ، كيف أنّ حديث النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يصرّح بهذه الحقيقة بحيث لا يوجد فوق عبارته في الصراحة والدلالة على هذه الحقيقة عبارة.

ومن أراد الوقوف على مصادر هذه القصة فعليه أن يراجع المصادر التالية. (١)

٢. مراسم تلقين الميت

إنّ مراسم التلقين التي يؤدّيها المسلمون عند الدفن تدلّ ـ بالإضافة إلى خلود الروح ودوامها ـ على وجود الصلة بين النشأتين والارتباط بين الأموات والأحياء ، ولقد كانت هذه القضية بدرجة من الوضوح في أوساط المسلمين حيث ينقل البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك أنّه حدّثهم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إنّ العبد إذا وضع في قبره وتولّى عنه أصحابه حتّى أنّه يسمع قرع نعالهم ...». (٢)

فإذا كان الميت يسمع قرع النعال كما ورد في حديثه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلا بدّ أنّه يسمع الكلام من باب أولى.

__________________

(١) صحيح البخاري : ٥ / ٩٧ ـ ٩٨ و ١١٠ معركة بدر ؛ صحيح مسلم : ٤ / ٧٧ ، كتاب الجنة ؛ سنن النسائي : ٤ / ٨٩ ـ ٩٠ ؛ مسند أحمد : ٢ / ١٣١ ؛ سيرة ابن هشام : ١ / ٦٣٩ ؛ مغازي الواقدي : الجزء الأوّل ، معركة بدر ؛ بحار الأنوار : ١٩ / ٣٤٦.

(٢) صحيح البخاري : ٢ / ٩٠ ، باب الميت يسمع خفق النعال.

٢٦٧

وقد تعرّض الفقه السنّي هو الآخر لمسألة التلقين فقال الجزيري في كتابه «الفقه على المذاهب الأربعة» : ويستحب تلقينه أيضاً بعد الفراغ من دفنه وتسوية التراب عليه ، والتلقين هنا هو أن يقول الملقّن مخاطباً للميت : يا فلان ابن فلانة ، إن كان يعرفه ، وإلّا نسبه إلى حواء عليها‌السلام ، ثمّ يقول بعد ذلك : اذكر العهد الذي خرجت عليه من الدنيا ، شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله ، وأنّ الجنة حق ، وأنّ النار حق ، وأنّ البعث حق ، وأنّ الساعة آتية لا ريب فيها ، وأنّ الله يبعث من في القبور ، وانّك رضيت بالله ربّاً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبياً ، وبالقرآن إماماً ، وبالكعبة قبلة ، وبالمؤمنين إخواناً. وهذا التلقين مستحب عند الشافعية والحنابلة ، وخالف المالكية والحنفية ، حيث قالت الحنفية : التلقين بعد الفراغ من الدفن لا ينهى عنه ولا يؤمر به ، وظاهر الرواية يقضي النهي عنه.

وقالت المالكية : التلقين بعد الدفن وحاله مكروه ، وإنّما يندب حال الاحتضار فقط. (١)

روى الغزالي في «إحياء علوم الدين» والشوكاني في «نيل الأوطار» بعد قولهم «ويستحب التلقين» : قال سعد بن عبد الله : لما احتضر أبو أُمامة الباهلي ، قال لي : لقني بالنحو الذي أمر به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال : «أُذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة أن لا إله إلّا الله وأنّ محمّداً رسول الله ، وانّك رضيتَ بالله ربّاً ، وبالإسلام ديناً ، وبمحمد نبيّاً ، وبالقرآن إماماً». (٢)

__________________

(١) الفقه على المذاهب الأربعة : ١ / ٥٠١.

(٢) إحياء العلوم : ٤ / ٤٧٦ ؛ نيل الأوطار : ٤ / ١٣٩.

٢٦٨

٣. أمير المؤمنين عليه‌السلام يخاطب الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حين غسله

إنّ من يطالع كتاب «نهج البلاغة» لسيد الفصاحة وإمام البيان علي بن أبي طالب عليه‌السلام يجد فيه أنّه عليه‌السلام حينما كان يتولّى غسل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاطبه بقوله عليه‌السلام : «بأبي أنت وأُمّي يا رسول الله! لقد انقطع بموتك ما لم ينقطع بموت غيرك من النبوة والإنباء وأخبار السماء ، خصصت حتى صرت مُسلياً عمّن سواك ، وعممت حتى صار الناسُ فيك سواء. ولو لا أنّك أمرت بالصبر ، ونهيت عن الجزع لأنفدنا عليك ماء الشئون ، ولكان الداءُ مماطلاً ، والكمدُ محالفاً ، وقلّا لك! ولكنّه ما لا يملك ردُّه ، ولا يُستطاع دفعه! بأبي أنت وأُمّي! اذكرنا عند ربّك ، واجعلنا من بالك». (١)

وأيّ عبارة أبلغ وأصرح وأدلّ على المطلوب من قوله عليه‌السلام :

«اذكرنا عند ربّك ، واجعلنا من بالك».

٤. أبو بكر يخاطب الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد موته

قال ابن هشام في سيرته : وأقبل أبو بكر حتى نزل على باب المسجد حين بلغه الخبر ـ خبر وفاة الرسول ـ حتّى دخل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسجّى في ناحية البيت عليه بُرد حبراً ، فأقبل حتى كشف عن وجه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ قال :

بأبي أنت وأُمّي أمّا الموتة التي كتب الله عليك فقد ذقتها ثمّ لن تصيبك بعدها موتة أبداً. (٢)

__________________

(١) نهج البلاغة : الخطبة ٢٣٥ ، ط صبحي الصالح.

(٢) سيرة ابن هشام : ٢ / ٦٥٦.

٢٦٩

هذه الأحاديث والعشرات من نظائرها تدلّ بما لا ريب فيه على وجود الصلة بين الحياتين ، فمن أراد المزيد من التفصيل عليه مراجعة تلك الأحاديث في مظانّها.

الحياة البرزخية في كلمات العلماء

إنّ وجود الحياة البرزخية من الأُصول المسلّمة لدى جميع المسلمين في العالم ، حيث صرّح بها كبار العلماء والشخصيات المعروفة في الأوساط الإسلامية ، وأدرجوها في رسائلهم ومدوّناتهم التي بيّنوا فيها العقائد الإسلامية وعدّوها من ضمن معتقداتهم المسلّمة ، وها نحن نكتفي هنا بذكر بعض الكلمات لبعض علماء أهل السنّة ، منهم :

١. الإمام أحمد بن حنبل (المتوفّى ٢٤١ ه‍)

قال : والأعور الدجّال خارج لا شكّ في ذلك ولا ارتياب ، وهو أكذب الكذّابين ، وعذاب القبر حقّ ، ويسأل العبد عن دينه وعن ربّه ويرى مقعده من النار والجنة ، ومنكر ونكير حق ، وهما فتّانا القبور ، نسأل الله تعالى الثبات. (١)

٢. أبو جعفر الطحاوي (المتوفّى ٣٢١ ه‍)

قال : (نؤمن) بعذاب القبر لمن كان له أهلاً ، وسؤال منكر ونكير في قبره عن ربّه ودينه ونبيّه ، على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله وعن الصحابة رضوان الله عليهم ، والقبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران. (٢)

__________________

(١) السنّة : ٥٠.

(٢) شرح الرسالة الطحاوية لابن أبي العز ، قسم المتن : ٣٩٦.

٢٧٠

٣. الإمام الأشعري : (٢٦٠ ـ ٣٢٤ ه‍ ـ)

قال : ونؤمن بعذاب القبر ، وبالحوض ، وأنّ الميزان حق ، والصراط حق ، والبعث بعد الموت حق ، وأنّ الله عزوجل يُوقِفُ العباد في الموقف يحاسب المؤمنين. (١)

٤. البغدادي

قال : أنكرت الجهميّة والضرارية سؤال القبر ، وزعم بعض القدرية أنّ سؤال الملكين في القبر إنّما يكون بين النفختين في الصور وحينئذ يكون عذاب قوم في القبر.

وقالت السالمية بالبصرة : إنّ الكفّار لا يحاسبون في الآخرة.

وزعم قوم يقال لهم الوزنية : أن لا حساب ولا ميزان.

وأقرّت الكرامية بكلّ ذلك كما أقرّ به أصحابنا ، غير أنّهم زعموا أنّ منكراً ونكيراً هما الملكان اللّذان وكّلا بكلّ إنسان في حياته ، وعلى هذا القول يكون منكر ونكير كلّ إنسان غير منكر ونكير صاحبه.

وقال أصحابنا : إنّهما ملكان غير الحافظين على كلّ إنسان. (٢)

٥. أبو اليسر محمد البزدوي (٤٢١ ـ ٤٩٣ ه‍ ـ) (وهو من الماتريدية)

قال : سؤال منكر ونكير في القبر حقّ عند «أهل السنّة والجماعة» ، وهما ملكان يسألان من مات بعد ما حُيِّي : مَن ربّك ، وما دينُك ، ومَن نبيّك؟ فيقدر المؤمن على الجواب ولا يقدر الكافر.

__________________

(١) الإبانة : ٢٦.

(٢) أُصول الدين : ٢٤٥.

٢٧١

وفيه أحاديث كثيرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا الباب أنّ الملكين يجيئان في القبر إلى الميت ويحيي الله تعالى الميت فيسألان عمّا ذكرنا. (١)

٦. ابن تيمية

قال ابن قيم الجوزية ناقلاً عن ابن تيمية : الأحاديث الصحيحة المتواترة تدلّ على عود الروح إلى البدن وقت السؤال ، وسؤال البدن بلا روح قول قاله طائفة من الناس ، وأنكره الجمهور ، قابلهم آخرون بأنّ السؤال للروح بلا بدن ، وهذا ما قاله ابن مرة وابن حزم ، وكلاهما غلط ، والأحاديث الصحيحة تردّه ، ولو كان ذلك على الروح فقط لم يكن للقبر بالروح اختصاص. (٢)

٧. التفتازاني

قال : ويدلّ على الحياة بعد الموت قوله تعالى : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) (٣) ، وقوله : (أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) (٤) ، وقوله : (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ). (٥)

وليست الثانية إلّا في القبر ، وقوله : (يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ). (٦)

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «القبر روضة من رياض الجنة ، أو حفرة من حفر النيران» والأحاديث في هذا الباب متواترة المعنى.

__________________

(١) أُصول الدين : ١٦٥ ، المسألة ٤٩.

(٢) الروح : ٥٠ معبّراً عن ابن تيمية ب ـ «شيخ الإسلام».

(٣) غافر : ٤٦.

(٤) نوح : ٢٥.

(٥) غافر : ١١.

(٦) آل عمران : ١٦٩ ـ ١٧٠.

٢٧٢

وقال في موضع آخر :

اتّفق الإسلاميون على حقية سؤال منكر ونكير في القبر ، وعذاب الكفّار وبعض العصاة فيه ، ونسب خلافه إلى بعض المعتزلة. قال بعض المتأخرين منهم : حُكي إنكار ذلك عن ضرار بن عمرو ، وإنّما نسب إلى المعتزلة ، وهم براء منه لمخالطة ضرار إيّاهم ، وتبعه قوم من السفهاء المعاندين للحق.

لنا : الآيات ، كقوله تعالى في آل فرعون : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا) (١) ، أي قبل القيامة ، وذلك في القبر ، بدليل قوله تعالى : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) (٢). وكقوله تعالى في قوم نوح : (أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) (٣) ، والفاء للتعقيب ، وكقوله تعالى : (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) (٤) وإحدى الحياتين ليست إلّا في القبر ، ولا يكون إلّا نموذج ثواب أو عقاب بالاتّفاق ، وكقوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللهُ).

والأحاديث (٥) المتواترة المعنى كقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النيران» وكما روي أنّه مرّ بقبرين فقال : «إنّهما ليعذبان». (٦)

وكالحديث المعروف في الملكين اللّذين يدخلان القبر ومعهما مرزبتان ، فيسألان الميت عن ربّه وعن دينه وعن نبيه ... إلى غير ذلك من الأخبار والآثار

__________________

(١) غافر : ٤٦.

(٢) غافر : ٤٦.

(٣) نوح : ٢٥.

(٤) غافر : ١١.

(٥) آل عمران : ١٦٩ ـ ١٧٠.

(٦) أخرجه الإمام البخاري في كتاب الوضوء : ١ / ٦١ وكتاب الجنائز : ص ٨٩.

٢٧٣

المسطورة في الكتب المشهورة ، وقد تواترت عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استعاذته من عذاب القبر ، واستفاض ذلك في الأدعية المأثورة. (١)

هذه طائفة من كلمات علماء أهل السنّة ، وأمّا علماء الشيعة فالقضية عندهم من المسلّمات ويكفي في ذلك أن يعدها كلّ من العلمين الكبيرين : الشيخ الصدوق والشيخ المفيد من عقائد المذهب الشيعي. (٢)

__________________

(١) شرح المقاصد : ٥ / ١١٢ ـ ١١٤. والمرزية : عصاة كبيرة من حديد تتخذ لكسير المدر.

(٢) انظر شرح عقائد الصدوق : ٤٤ ؛ وأوائل المقالات : ٤٩.

٢٧٤

الفصل العاشر

التوسّل بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأولياء الإلهيّين

٢٧٥
٢٧٦

لقد أُرسيت قواعد الخلق على أساس «قانون العليّة والمعلولية» : فكلّ ظاهرة في هذا العالم تنشأ من علّة وسبب خاص ، وفي الوقت نفسه تكون تلك الظاهرة سبباً لنشوء ظاهرة أُخرى ، ولا ريب أنّ تأثير الأسباب في مسبباتها خاضع للإرادة والمشيئة الإلهية ، فكلّ ظاهرة تعمل عملها وفقاً لإرادته سبحانه ، لأنّه تعالى خلق العالم وجعله قائماً على أساس هذا القانون وجعل بين الأسباب والمسببات علاقة العلّة والمعلول.

فلا شكّ أنّ الشمس تمنح الطاقة ، والقمر يمنح النور ، والنار تمنح الحرارة و ....

فكلّ واحدة من هذه الظواهر والعلل المادية تؤثر في ما يصدر عنها وانّه توجد رابطة وعلاقة بين الشمس والطاقة والنار والحرارة و ... وانّ مجموع الأثر والمؤثر هما من خلقه وإيجاده سبحانه ، فهو الذي أوجد تلك العلاقة بينهما ، ولذلك نجد في بعض الأحيان أنّه تعالى يلغي تلك السببيّة والعلّية في الأُمور الطبيعية فيجعل من النار التي أحاطت بإبراهيم عليه‌السلام برداً وسلاماً ، ليتبيّن للجميع أنّ السبب الأصلي والحقيقي يكمن في إرادته سبحانه.

من هنا نصل إلى النتيجة التالية : انّ كلّ ظاهرة أو حادثة في العالم صحيح انّ لها علّة وسبباً ماديّاً بحيث تنسب إلى تلك العلّة وتلحق بها ، ولكن في نفس الوقت تكون تلك الظاهرة هي من فعله سبحانه ، ولا توجد أدنى منافاة بين

٢٧٧

الأمرين ، لأنّه سبحانه وتعالى مؤثر «مستقل» وفاعل ومبدع غني لا يحتاج في فعله وصنعه إلى غيره مهما كان ذلك الغير والحال انّ الظواهر الأُخرى المؤثرة في العالم ، يكون تأثيرها وفاعليتها بالتبع وانّها جميعاً «غير مستقلة» ذاتاً وانّها تابعة في تأثيرها له سبحانه ومحتاجة إليه تعالى.

وفي حقيقة الأمر أنّ صدور الظواهر الطبيعية منه سبحانه ، ولكن شاءت إرادته تعالى أن يكون هذا الصدور قائماً على أساس الأسباب والمسببات أي أن تجري الأُمور وفقاً لمجراها الطبيعي.

ثمّ إنّنا جميعاً نعلم أنّ من مراتب التوحيد «التوحيد في الخالقية» بمعنى أنّه لا يوجد خالق إلّا الله سبحانه ولكن التوحيد في الخالقية لا يعني نفي تأثير الأسباب والعلل المادية والطبيعية في العالم ، بل المراد منه هو : انّ الخالق المستقل والغني هو الله سبحانه ، وهو الذي يمنح الأسباب والعلل الأُخرى تأثيرها وفاعليتها ، بحيث تعمل ضمن إرادته وتؤثر في إطار مشيئته سبحانه وتعالى.

ولقد أشارت آيات الذكر الحكيم إلى كلا النوعين من العلّية والفاعلية والتأثير ، فترى أنّ فعلاً واحداً في الوقت الذي ينسب إلى الإنسان ينسب إلى الله كذلك ، والحال أنّ الفعل لا يحتاج إلّا إلى فاعل واحد ، ولكن الذي يصحّح هذا الاستعمال وتلك النسبة هو الاختلاف بين الفاعلين ، فإنّ الفاعل المادي هنا في طول الفاعلية الإلهية. وبعبارة أُخرى : أحد الفاعلين أصيل بالذات ، والآخر فقير وتابع في فاعليته إلى فاعلية الآخر. فلا منافاة في نسبة الفعل إلى كلا الفاعلين بلحاظ الاعتبار الذي ذكرناه.

لقد خاطب القرآن الكريم النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله :

٢٧٨

(وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللهَ رَمى). (١)

فمن الملاحظ أنّ الآية تنسب الرمي إلى فاعلين في آن واحد.

١. تنسبه إلى الرسول الأكرم : (إِذْ رَمَيْتَ).

٢. تنسبه إلى الله تعالى : (وَلكِنَّ اللهَ رَمى).

ولا ريب أنّ النسبتين صحيحتان وفي محلّهما ، لأنّ فاعلية الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورميه إنّما تكون بحول الله وقوته ، ولذلك يكون الرمي فعل الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفعل الله في آن واحد.

وهناك آيات كثيرة وردت في هذا المعنى حيث نسبت الفعل تارة إلى الله وأُخرى إلى فاعل آخر ، نكتفي بذكر نموذجين من تلك الآيات :

١. نجد القرآن الكريم ينسب كتابة الأعمال إلى الملائكة حيث يقول سبحانه : (بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) (٢) وفي نفس الوقت ينسب ذلك العمل إليه سبحانه حيث قال عزّ من قائل : (وَاللهُ يَكْتُبُ ما يُبَيِّتُونَ). (٣)

٢. وفي آية أُخرى ينسب سبحانه قبض الأرواح وتوفّي الأنفس إلى الملائكة كما في قوله تعالى : (حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) (٤) ولكن في آية أُخرى ينسب ذلك الفعل إليه تعالى حيث قال : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها). (٥)

__________________

(١) الأنفال : ١٧.

(٢) الزخرف : ٨٠.

(٣) النساء : ٨١.

(٤) الأنعام : ٦١.

(٥) الزمر : ٤٢.

٢٧٩

فهذه الطائفة من الآيات تحكي عن أنّ نظام الخلق قائم على أساس سلسلة من العلل والمعاليل ، أو الأسباب والمسبّبات ، وانّ الظواهر يؤثر بعضها في البعض الآخر ولكن في نفس الوقت يكون مجموع هذا النظام مرتبطاً به سبحانه وانّه إنّما يعمل في إطار مشيئته وإرادته ، وبعبارة أُخرى : انّ جميع العلل والأسباب هي جنود لله سبحانه تمتثل أوامره وتعمل وفقاً لإرادته ومشيئته (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ). (١)

ومع ملاحظة هذا البيان ، يتّضح أنّه لا منافاة ولا تضاد بين صريح الوحي الإلهي الذي يحصر عالم الخلق والإنشاء بالله سبحانه ، وبين النظريات العلمية والنتاجات التجريبية ، التي أثبتت أنّ للأسباب والعلل دورها في حدوث الظواهر الكونية ، وانّ من ذهبوا إلى القول بالتعارض بين العلم والوحي الإلهي ، أمّا انّهم لم يفسّروا الوحي الإلهي تفسيراً صحيحاً ، أو أنّ فهمهم للنتاجات العلمية الحديثة غير صحيح.

وبعبارة أُخرى : انّ كلا الأصلين صحيح وثابت.

١. التوحيد في الخالقية ، وانّه لا مؤثر ولا فاعل ـ في عالم الوجود الواسع ـ بالاستقلال إلّا الله سبحانه وحده.

٢. انّ العلل المادية سبب لنشوء سلسلة من المعاليل والمسببات ، وانّها انّما تفعل فعلها وتؤثر أثرها بمشيئته وإرادته سبحانه ووفقاً لأوامره.

وإذا ما وجدنا من يذهب إلى وجود التنافي والتعارض بين الأصلين المذكورين ، فإنّ ذلك في حقيقة الأمر ناشئ من عدم الفهم الصحيح لأصل

__________________

(١) المدثر : ٣١.

٢٨٠