الوهابية بين المباني الفكرية والنتائج العملية

الشيخ جعفر السبحاني

الوهابية بين المباني الفكرية والنتائج العملية

المؤلف:

الشيخ جعفر السبحاني


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
المطبعة: مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام
الطبعة: ١
ISBN: 964-357-202-1
الصفحات: ٥١٢

المعاصرة لهم والآتية فيما بعد الكم الهائل والمخزون الكبير من المعارف والعلوم التي تأخذ بيد الإنسان للرقي الروحي والمعنوي والتطوّر المادي والاجتماعي و ... ، وعلى رأس هؤلاء العلماء والمفكّرون الإسلاميون الذين ينتهجون منهج القرآن الكريم والسنّة المطهرة.

من هنا يُعدّ الحضور إلى جنب قبور هؤلاء العلماء وإقامة مراسم التكريم وإهداء الثواب إلى أرواحهم الطاهرة ، نوع تكريم ، وردّاً للجميل ، ووفاءً لحقّهم الكبير على الأُمّة ، كما يعتبر في نفس الوقت ترويجاً للعلم والمعرفة وتشجيعاً للآخرين لمواصلة طريق كسب العلم والمعرفة.

ولا ريب أنّ الأُمّة التي تبجّل علماءها وتحترم شخصياتها العلمية والفكرية وتكنّ لهم وافر الاحترام أحياءً وأمواتاً ، أُمّة حيّة تجري في عروقها دماء الحياة النابضة ، ولا يمكن لمثل هكذا أُمّة أن تصاب بالفقر العلمي والجدب المعرفي أبداً.

زيارة مراقد الشهداء وقبورهم

إنّ هنا طائفة أُخرى من الناس لهم منزلتهم الخاصة في المجتمع ، وذلك من خلال الدور الفاعل الذي قاموا فيه في إحياء الأُمّة وإعادة كرامتها المهدورة ، وهي طبقة الثائرين والمجاهدين الذين ضاقوا ذرعاً بما يعيشه المجتمع من الظلم وهضم الحقوق وسحق الكرامة.

والتمييز العنصري والقومي ، فثاروا أمام الظلم والطغيان ، وطالبوا بإعادة الحقوق المهدورة ، والكرامة المسحوقة إلى الأُمّة ، وبذلوا في هذا الطريق أثمن ما يملكون ، وجادوا بأغلى شيء لديهم ، ألا وهو نفوسهم الكريمة ، ودماؤهم

١٤١

الطاهرة.

نعم انّ لهذه الطبقة من أفراد المجتمع منزلة خاصة ومكانة متميّزة ، تقتضي أن يؤدّي إليها الجمهور حقّها ـ على أقلّ تقدير بعد رحيلها من هذه الدنيا ـ وذلك من خلال الوقوف على تربتهم الزكية وإحياء ذكراهم ، أضف إلى ما في ذلك العمل من المردودات التربوية والروحية السامية. فإنّ الزائر حينما يقف على قبور هؤلاء الأبطال يجدّد بهذا الوقوف العهد معهم للمضي على نهجهم والسير على طريقهم ، والوفاء للمبادئ التي ضحّى من أجلها الشهداء ، والحفاظ على الراية التي رفعوها خفاقة في ربوع المجتمع ، إذ لا ريب أنّ كلّ ثورة أو تغيير اجتماعي لا يقدّر له النجاح ، إلّا بدفع الثمن الباهض ، وانّ ثمن الثورة ضد الظالمين وتقويض أركان حكمهم هو دماء الشهداء الزاكية ونفوس الأحرار الآبية ، ولا شكّ أنّ هذا الطريق يحتاج إلى ديمومة واستمرار ، وأنّ من الطرق المهمّة لهذه الديمومة والاستمرار وقوف الشباب على قبور هؤلاء الأبطال والتزوّد من معنوياتهم ، والاستلهام من بطولاتهم وأفعالهم الخالدة.

وبعبارة أُخرى : انّ زيارة مراقد هذه الشخصيات هي نوع من الشكر والتقدير لتضحياتهم ، وإعلام للجيل الحاضر بأنّ هذا هو جزاء الذين يسلكون طريق الحق والهدى والفضيلة والدفاع عن المبدأ والعقيدة.

ولننطلق هنا إلى ذكر مثال حي يعيشه المسلمون ، وهو :

إنّ زائري بيت الله الحرام يقبّلون الحجر الأسود ويمسحون أكفّهم به قبل الطواف ، وهذا في حقيقته تجديد للبيعة مع إبراهيم عليه‌السلام في الثبات على القيم والأهداف السامية التي وقف إبراهيم عليه‌السلام مدافعاً عنها ، وعلى رأس تلك الأهداف «كلمة التوحيد» فيبايع الحاج إبراهيم عليه‌السلام بأن يبقى وفياً لهذا المبدأ ، مدافعاً عنه

١٤٢

ساعياً إلى نشره في بقاع المعمورة. وبما أنّ الحاج لا تصل يده إلى يد إبراهيم عليه‌السلام ليبايعه ، يجعل من الأثر الذي تركه إبراهيم عليه‌السلام وهو الحجر الأسود رمزاً لهذه البيعة والعهد على السير على نفس النهج واعتماد نفس الطريق.

ولقد أشارت الأحاديث الإسلامية إلى هذا المفهوم العظيم والمعنى السامي حيث ورد أنّ الحاج حينما يستلم الحجر الأسود يردّد تلك الكلمات التي يفوح منها شذى الوفاء والاستقامة على طريق الحق فيقول : «أمانتي أدّيتها وميثاقي تعاهدته ، لتشهد لي بالموافاة». (١)

والنموذج الحي الآخر زيارة قبر الإمام الحسين عليه‌السلام وقبور الشهداء الأوفياء الذين سقوا بدمائهم الزاكية شجرة الإسلام التي أراد أعداء الدين عامّة وبنو أُميّة خاصة اجتثاثها من الأرض والقضاء عليها. من هنا يقف الزائر أمام تلك القبور الزاكية مجدّداً العهد مع أصحابها بأن يبقى وفيّاً للمبادئ ، محافظاً على الأمانة ، حارساً لحدود الدين والشريعة ، رافعاً لنفس الراية محافظاً عليها من السقوط.

من هنا تكتسب الزيارة أهميتها الاجتماعية والتربوية والسياسية في حركة الفرد والمجتمع ، فإنّ الأُمّة التي تحافظ على مبادئها وتبقى وفية لرجالاتها وعظمائها وراعية للمسيرة التي ساروا عليها ، أُمّة حيّة لا يمكن أن تفنى على مرّ القرون والأيام.

زيارة مرقد الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

إنّ الوقوف على قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام ـ بالإضافة إلى الشكر والثناء والامتنان للجهود الكبيرة والدور العظيم الذي لعبه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو وأهل

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٠ / ٤٠٠ ، الباب ١٢ من أبواب الطواف ، الحديث ١.

١٤٣

بيته في هداية الأُمّة ، وإنقاذها من الضلال والانحراف ، والأخذ بيدها إلى شاطئ الأمان في بحر الظلمات المتلاطم ـ بيعة وعهد معهم للسير على نفس النهج والثبات على المبادئ والقيم التي جاءوا بها.

يقول الإمام الرضا عليه‌السلام في معرض حديثة عن زيارة مراقد المعصومين عليهم‌السلام :

«إنّ لكلّ إمام عهداً في عنق أوليائه وشيعته ، وإنّ من تمام الوفاء بالعهد زيارة قبورهم». (١)

إذاً الزيارة تمثّل في الحقيقة ميثاقاً وتعهداً يبرمه الزائر مع النبيّ الأكرم والأئمّة الطاهرين عليهم‌السلام ، بأن يبقى على العهد ويسير على النهج ويحتفظ بالمبادئ ويراعي القيم التي جاء بها هؤلاء العظام.

وكأنّ الزائر يردّد في زيارته للرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكلمات التالية : يا رسول الله يا نبي الإنسانية ويا أعظم إنسان وطأت قدماه هذا الكوكب ، إن كان المهاجرون والأنصار قد بايعوك في الحديبية ووضعوا أكفّهم في كفّك المبارك (٢) ، وإذا كانت النسوة المؤمنات قد بايعنك في مكة المكرمة على أن لا يشركن ولا يزنين (٣) ، وإذا كان المؤمنون ـ الذين قد زلّت بهم قدمهم واقترفوا بعض الذنوب وارتكبوا بعض المعاصي ـ قد جاءوك طالبين منك الاستغفار لهم وحطّ ذنوبهم (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (٤) ، فها أنا أقف بين يديك وإلى جوار قبرك الطاهر مجدداً البيعة التي

__________________

(١) وسائل الشيعة : ١٠ / ٣٤٦ ، الباب ٤٤ من أبواب المزار ، الحديث ٢.

(٢) إشارة إلى قوله تعالى : (لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشَّجرة) (الفتح : ١٨).

(٣) إشارة إلى قوله تعالى : (إِذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله) (الممتحنة : ١٢).

(٤) النساء : ٦٤.

١٤٤

بايعوك عليها ، ومعاهداً لك على أن أبقى وفيّاً للمبادئ ، ومحامياً عن حريم القيم التي جئت بها ، متجنّباً السيئات والمعاصي طالباً منك أن تدعو الله لي بالتوفيق والسداد ، وأن يأخذ الله بيدي لما فيه الخير والصلاح ، وأن يتجاوز عمّا بدر مني من الذنوب والمعاصي.

نعم هذا هو لسان حال الزائر ، وهذه هي المفاهيم التي تنطوي عليها الزيارة.

وهناك نكتة جديرة بالاهتمام ، وهي أنّنا لا بدّ أن نفرّق تفريقاً جوهرياً بين زيارة المسلم المؤمن لتلك المراقد الطاهرة وما يقوم به بعض السوّاح (Tourism) من الأقطار الأُخرى ، أو بعض المسلمين الذين لا يدركون معنى الزيارة ، فإنّ هدف هؤلاء السوّاح هو الاطّلاع على المعالم والتعرّف على الآثار التاريخية والنتاجات الهندسية والمعمارية ، وما تنطوي عليه تلك الأماكن من لذّات وفوائد مادية. ولا ريب أنّ هذه الأُمور إذا تجرّدت عن المحرمات الثانوية كاللعب واللهو وما شابه ذلك ، تعدّ في حدّ ذاتها أُموراً مباحة ، بل قد تُعدّ أُموراً ممدوحة ، فممّا لا ريب فيه أنّ الإسلام قد حثّ على العلم والمعرفة ، وهذه السياحة والتعرّف على تلك الشخصيات العظيمة ومعرفة آثارهم ممّا له دوره في زيادة معارف الإنسان ، بل قد يكون ذلك سبباً لهداية الإنسان ، ولكن يبقى الفرق بينها وبين زيارة المؤمنين جوهرياً. فهؤلاء يتحرّكون في تلبية وإشباع الحاجات والغرائز المادية ، وانّ حركتهم وتعاملهم المادّي مع البناء والآثار فحسب ، وأمّا المؤمن فهدفه أكبر وغايته أسمى ، لأنّهم انّما يشدّون الرحال للقاء الأرواح الزكية ، والنفوس الطاهرة ، والمبادئ العالية ، والقيم السامية ، وتجديد البيعة للسير على ذلك الطريق المهيع والمنهج القويم. إنّ الزائر المؤمن يبحث عن معشوقه في تلك الديار والآثار فلا

١٤٥

يهمّه إلّا اللقاء بها ، ولا يروي غليله إلّا وصال الحبيب ولسان حاله يردّد :

أمرّ على الديار ديار ليلى

أُقبّل ذا الجدار وذا الجدارا

وما حب الديار شغفن قلبي

ولكن حبُّ من سكن الديارا (١)

ولقد نقل لنا المؤرّخون قصص الزيارة والزائرين بعد رحيل الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد روى سفيان بن عنبر عن العتبي ـ وكلاهما من مشايخ الشافعي ـ أنّه قال : كنت جالساً عند قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فجاء أعرابي ـ من خارج المدينة ووقف على قبره الشريف صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فقال : السلام عليك يا رسول الله ، سمعت الله يقول : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (٢) وقد جئتك مستغفراً من ذنبي ، مستشفعاً بك إلى ربّي. ثمّ بكى وأنشأ يقول :

يا خير من دُفنت بالقاع أعظمه

فطاب من طيبهن القاع والأكم

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه

فيه العفاف وفيه الجود والكرم

ثمّ استغفر وانصرف. (٣)

إنّ هذا الأعرابي قد أدرك بذهنه الوقّاد ، وسريرته الصافية ، وفطرته السليمة ما تنطوي عليه زيارة النبي الأكرم من فوائد جمّة ، فجاءه زائراً لقبره الشريف.

نعم انّ الزيارة لقبور ذوي الرحم والصالحين والشهداء والعلماء ، وزيارة المراقد الطاهرة لأعظم خلق الله الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته الطاهرين عليهم‌السلام ،

__________________

(١) شعر عربي مشهور منسوب إلى مجنون ليلى.

(٢) النساء : ٦٤.

(٣) وفاء الوفا : ٤ / ١٣٦١ ؛ الدرر السنيّة : ٧٥.

١٤٦

تنطوي على فوائد جمّة ، ومنافع وافرة : اجتماعية وتربوية وأخلاقية و ... ، ومن هنا لا بدّ من تسليط الضوء على موضوع الزيارة وبحثه من زوايا مختلفة ، فلنعالج الموضوع من خلال الأُمور التالية :

١. زيارة قبور المؤمنين في الكتاب والسنّة.

٢. النساء وزيارة القبور.

٣. أعلام الأُمّة (الفقهاء والمتكلّمون) وزيارة قبر النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٤. زيارة مرقد النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الكتاب والسنّة.

١٤٧

١

زيارة قبور المؤمنين في الكتاب والسنّة

لقد ذكرنا في البحوث السابقة أنّ زيارة الإنسان لقبر أحبته وأهله ومن تربطه به صلة رحم أو قرابة يُعدّ سجية إنسانية وطبيعة فطرية تدعو إليها جميع النفوس السليمة في كافة بقاع المعمورة ، وأنّها من الأُمور التي أطبق الجميع على العمل بها ، أو على أقلّ تقدير عدم رفضها والوقوف في وجهها ، ويمكن استنتاج ذلك من الآية المباركة التالية :

(وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ). (١)

إنّ الآية المباركة تنطوي على أمرين موجّهين للنبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هما :

١. (لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً).

٢. (وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ).

ولا بدّ من تركيز البحث على النهي الثاني الوارد في الآية لنرى ما ذا يراد من قوله تعالى :

__________________

(١) التوبة : ٨٤.

١٤٨

(وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) وما هو معناه؟

فهل معناه أنّها تنهى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الوقوف على قبره حال الدفن فقط ، فلا يجوز ذلك في حقّ المنافق ويستحب في حقّ المؤمن؟ أو معناها أعمّ من وقت الدفن وغيره؟

إنّ بعض المفسّرين خصّوا القيام نفياً وإثباتاً بوقت الدفن فقط ، ولكن البعض الآخر من المفسّرين من ذهب إلى إطلاق الآية وفسّر النهي في كلا المجالين الأعم من حال الدفن وغيره ، وها نحن ننقل بعضاً من كلماتهم في هذا المجال :

فممّن ذهب إلى الإطلاق البيضاوي في تفسيره حيث قال : ولا تقف على قبره للدفن أو الزيارة. (١)

وقد تبنّى هذه النظرية جلال الدين السيوطي في «تفسير الجلالين» حيث قال : ولا تقم على قبره لدفن أو زيارة. (٢)

وكذلك الشيخ إسماعيل حقّي البروسوي فقد جاء في تفسيره : (وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) : أي لا تقف عند قبره للدفن أو للزيارة. (٣)

والحقّ مع من أخذ بإطلاق الآية المباركة ، ومن هنا يتّضح انّ الله سبحانه قد نهى نبيّه الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن كلّ أنواع الوقوف على قبر المنافق ، سواء كان ذلك حال الدفن ، أو بعد ذلك. وهذا يحكي أنّ للرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقف على قبور المؤمنين والصالحين وأن يدعو لهم في حال دفنهم ، أو بعد ذلك ، وإلّا لكان النهي

__________________

(١) تفسير البيضاوي (أنوار التنزيل) : ١ / ٤١٦.

(٢) تفسير الجلالين : سورة التوبة ، تفسير الآية.

(٣) روح البيان : ٣ / ٣٧٨.

١٤٩

الموجّه إلى النبي عن الوقوف على قبور المنافقين لغواً لا طائل فيه.

وعلى هذا الأساس ندرك أنّ الآية المباركة أرادت أن تهدم شخصية المنافق ، وأن تحرمه من الفيض الإلهي الوارد عن طريق دعاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستغفاره ، وأن يختص هذا اللطف وتلك الرحمة بالمؤمنين الصالحين ، فللرسول أن يقف على قبورهم في حال دفنهم أو بعد ذلك ، وأن يطلب من ربّه أن ينزل فيض رحمته وغفرانه على تلك الأرواح المؤمنة.

زيارة القبور في السنّة المطهّرة

بالإضافة إلى الروايات التي ذكرناها في مجال تحليل المفهوم الفلسفي والاجتماعي والتربوي للزيارة ، قام الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه وبصورة عملية بزيارة القبور ، فقد حدّثنا التاريخ أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يزور قبور المؤمنين في البقيع ويدعو لهم ، وها نحن نذكر بعضاً من هذه الروايات في هذا المجال :

١. روى مسلم عن عائشة أنّها قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّما كان ليلتها من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخرج آخر الليل إلى البقيع فيقول : «السلام عليكم دار قوم مؤمنين ، وأتاكم ما توعدون ، غداً مؤجّلون ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون ، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد». (١)

٢. وعن عائشة في حديث طويل أنّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لها : «أتاني جبرئيل فقال : إنّ ربّك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم». قالت : قلت : كيف أقول لهم يا رسول الله؟ فقال : قولي : السلام على أهل الديار من المؤمنين

__________________

(١) صحيح مسلم : ٣ / ٦٣ ، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها ، من كتاب الجنائز.

١٥٠

والمسلمين ، ورحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون». (١)

٣. وروى مسلم أيضاً عن بريدة أنّ الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علّم أصحابه كيفية زيارة القبور فقال : قولوا : «السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون ، أسأل الله لنا ولكم العافية». (٢)

__________________

(١) صحيح مسلم : ٣ / ٦٤ ، باب ما يقال عند دخول القبور من كتاب الجنائز ؛ سنن النسائي : ٤ / ٩١.

(٢) صحيح مسلم : ٣ / ٦٥.

١٥١

٢

النساء وزيارة القبور

إنّ المرأة تشارك الرجل في زيارة قبور الأهل والأحبّة والصالحين من أولياء الله سبحانه ، ولا فرق بين الرجل والمرأة في هذه المسألة ، وذلك لأنّ الأحكام الإلهية والمفاهيم الإسلامية شاملة وعامّة للرجال والنساء ، إلّا إذا دلّ الدليل على الاختصاص بأحدهما.

ونحن إذا أمعنّا النظر في خطاب الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للمجتمع الإسلامي في هذا المجال نجده عامّاً وموجّهاً للجنسين الذكور والإناث ، حيث قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«زوروا القبور فإنّها تذكّركم الآخرة». (١)

وفي رواية أُخرى :

«زوروا القبور فإنّ لكم فيها عبرة». (٢)

صحيح أنّ الخطاب في هذين الحديثين موجّه إلى الرجال بشهادة تذكير الضمير ، ولكن وكما قلنا : إنّ جميع الخطابات القرآنية والحديثية التي يوجّه فيها

__________________

(١) سنن ابن ماجة : ١ / ٥٠٠ ، الحديث ١٥٦٩.

(٢) كنز العمال : ١٥ / ٦٤٧ ، الحديث ٤٢٥٥٨.

١٥٢

الخطاب إلى الرجال تعمّ في نفس الوقت النساء ، إلّا إذا كان هناك دليل خاص يدلّ على عدم الشمول واختصاص الحكم بالرجال فقط. ومن هنا نجد الآيات التي تأمر بالصلاة أو الزكاة أو الحجّ أو الصيام قد جاء الخطاب فيها موجّهاً إلى جنس الرجال ، ومع ذلك لا يوجد عالم أو متعلّم يقول باختصاص تلك الأحكام بالرجال ، بل أطبق الجميع على شمولية الخطاب للرجال والنساء على السواء ، ومن ذلك قوله تعالى :

(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ). (١)

صحيح انّ الخطاب حسب قواعد اللغة العربية متوجّه إلى الرجال ، ولكن الحكم عام يشمل الجنسين ، كما هو واضح.

ومن هنا نعرف أنّ الخطاب في الأحاديث الماضية «زوروا» وإن كان موجّهاً إلى الرجال حسب القواعد ، إلّا أنّه لا توجد دلالة على الانحصار ، بل الحكم يعمّ الجميع.

ثمّ بالإضافة إلى الروايات السابقة هناك روايات أُخرى ، تبيح للنساء زيارة القبور ، ومن هذه الروايات :

١. روى مسلم في صحيحه عن عائشة قالت : «لمّا كانت ليلتي التي كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيها عندي انقلب فوضع رداءه وخلع نعليه ... فأخذ رداءه رويداً وانتعل رويداً وفتح الباب ، فخرج ، ثمّ أجافه رويداً ، فجعلت درعي في رأسي واختمرت وتقنعت أزراري ، ثمّ انطلقت على أثره حتّى جاء البقيع فقام فأطال القيام ثمّ رفع

__________________

(١) البقرة : ١١٠.

١٥٣

يديه ثلاث مرات ... إلى أن قالت : قال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «فإنّ جبرئيل أتانى فقال : إنّ ربّك يأمرك أن تأتي أهل البقيع فتستغفر لهم».

قالت عائشة : قلت : كيف أقول لهم يا رسول الله ...؟ قال : «قولي : السلام على أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ، ويرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين ، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون». (١)

ومحور الاستدلال يقوم على الفقرة الأخيرة من الحديث حيث نجد السيدة عائشة تطلب من الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعلّمها كيفية الزيارة وما ذا تقول إذا زارت ، ولو كانت الزيارة محرّمة على النساء ، فكيف يقوم الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتعليم زوجته أمراً محرّماً ويقول لها صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «قولي ...».

أضف إلى ذلك انّ السيدة عائشة حينما نقلت هذه الحادثة إلى نساء المسلمين تلقّين القضية على أنّه مباح للنساء زيارة القبور ، وأنّه لا فرق بينهنّ وبين الرجال في هذه القضية أبداً.

٢. وهذه فاطمة الزهراء بنت الرسول الأكرم وسيدة نساء العالمين وأحد أصحاب الكساء عليهم‌السلام كانت تخرج إلى زيارة قبر عمّها حمزة كلّ جمعة ، فتصلّي وتبكي عنده.

قال الحاكم النيسابوري بعد نقل هذا الحديث : هذا الحديث رواته عن آخرهم ثقات. ثمّ قال : وقد استقصيت في الحث على زيارة القبور تحرّياً للمشاركة في الترغيب ، وليعلم الشحيح بذنبه انّها سنّه مسنونة وصلى الله على محمد وآله أجمعين. (٢)

__________________

(١) صحيح مسلم : ٣ / ٦٤ ، باب ما يقال عند دخول القبور والدعاء لأهلها من كتاب الجنائز.

(٢) مستدرك الحاكم : ١ / ٣٧٧.

١٥٤

٣. روى الترمذي عن عبد الله بن أبي مليكة قال : إنّه لمّا مات عبد الرحمن ابن أبي بكر ـ شقيق عائشة ـ في «الجُنتى» حملوا جثمانه إلى مكة ودفنوه فيها ، ولمّا جاءت عائشة إلى مكة ـ من المدينة ـ خرجت لزيارة قبر أخيها وأنشدت بيتين من الشعر». (١)

٤. روى البخاري عن أنس أنّه قال :

مرّ النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بامرأة تبكي عند قبر فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اتّق الله واصبري». (٢)

ولم ينقل البخاري تتمة الحديث ، إلّا أنّ أبا داود نقل ذلك في سننه بالصورة التالية :

فقالت المرأة للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إليك عنّي فإنّك لم تُصب ولم تعرفه.

فقيل لها : إنّه النبي! فأتت باب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : لم أعرفك!

فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّما الصبر عند الصدمة الأُولى». (٣)

فلو كانت زيارة القبور محرّمة على النساء لنهاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولما اكتفى بالموعظة والحثّ على الصبر وتحمّل المصاب ، ولكنّنا نجده صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اكتفى بالوصية بالتقوى والصبر عند المصيبة فقط دون أن يتعرّض لذكر الحكم الشرعي فيها.

سؤال وإجابة

لقد تمسّك المانعون للنساء عن زيارة القبور بالحديثين التاليين :

__________________

(١) سنن الترمذي : ٣ / ٣٧١ ، ح ١٠٥٥.

(٢) صحيح البخاري : ٢ / ٩٣ ، باب قول الرجل للمرأة عند القبر اصبري ، من كتاب الجنائز.

(٣) سنن أبي داود : ٣ / ١٩٢ ، الحديث ٣١٢٣.

١٥٥

الحديث الأوّل : «لعن الله زوّارات القبور». (١) متذرّعين بأنّ ذلك صريح في المنع ، لأنّ اللعن لا يجتمع مع الإباحة.

وجوابه

إنّ هذا الحديث لا يصح مستنداً للمنع ، لأنّه لا تتوفر فيه شروط الاستدلال ، وذلك لأنّه منسوخ وفقاً للأدلّة السابقة ، والملاحظ أنّ بعض المحدّثين من أهل السنّة ذهبوا إلى أنّ الحديث منسوخ ، منهم : الترمذي ـ ناقل الحديث ـ حيث يقول : وقد رأى بعض أهل العلم أنّ هذا كان قبل أن يرخّص النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في زيارة القبور ، فلمّا رخّص دخل في رخصته الرجال والنساء. (٢)

قال القرطبي : هذا اللعن إنّما هو للمكثرات من الزيارة لما تقتضيه الصفة من المبالغة ، ولعلّ السبب ما يفضي إليه ذلك من تضييع حق الزوج والتبرّج ، وما ينشأ منهنّ من الصياح ونحو ذلك. (٣)

الحديث الثاني :

روى ابن ماجة عن علي عليه‌السلام : قال : خرج رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإذا نسوةٌ جُلُوس. فقال : «ما يجلسكنّ؟» قلنَ : ننتظر الجنازة. قال : «هل تغسِلنَ؟» قُلْنَ : لا. قال : «هَلْ تَحْمِلنَ؟» قُلْنَ : لا. قال : «هل تدلين فيمن يُدلي؟» قلن : لا. قال : فَارْجعنَ

__________________

(١) سنن ابن ماجة : ١ / ٥٠٣ ، الحديث ١٥٧٦ ؛ سنن أبي داود : ٣ / ٢١٨ ، الحديث ٣٢٣٦ وفيه بدل «زوارات» : «زائرات».

(٢) سنن الترمذي : ٣ / ٣٧١ ـ ٣٧٢ ، باب ما جاء من الرخصة في زيارة القبور.

(٣) فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني : ٣ / ١٤٩.

١٥٦

مأزورات ، غير مأجورات». (١)

الجواب

إنّ هذا الحديث لا يمكن الاستدلال به لوجود المناقشة فيه سنداً ودلالة.

أمّا السند فهو ضعيف لوجود عمرو بن دينار في سلسلة السند ، وقد وصفه أصحاب الجرح والتعديل بالصفات التالية : مجهول ، كذّاب ، متروك ، يخطأ!!!

ومع كلّ هذه النعوت الذامّة للرجل كيف يركن لحديث يمثّل هو أحد حلقات سنده؟!

وأمّا الدلالة : لو سلمنا بصحّة السند وأغمضنا النظر عن ضعفه ، فإنّ الحديث من ناحية الدلالة فيه مناقشة واضحة ، وذلك لأنّ الحديث وارد في خصوص النساء المتجمعات للتفرّج على الجنازة ومن دون أن يكون لهنّ مهمة تذكر في خدمة الجنازة. وهذا لا علاقة له بمسألة زيارة القبور ، فإنّ التفرّج على الجنازة شيء وزيارة القبور شيء آخر ، ولا يمكن إسراء حكم أحدهما إلى الآخر ، لوجود الفارق الجوهري بين المسألتين.

وهنا نكتة جديرة بالاهتمام ، وهي أنّ الدين الإسلامي هو دين الفطرة ، والشريعة الإسلامية هي الشريعة السهلة السمحة كما ورد عن الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو الدين القائم على الرفق والرأفة والرحمة ، فلو فرضنا أنّ امرأة مؤمنة فقدت ولدها العزيز ، فإنّ الشيء الوحيد الذي يسلّي هذه المرأة ويخفّف من حزنها وآلامها هو أن تأتي إلى قبر عزيزها وتذرف الدموع الساخنة عليه ، وتدعو الله له بالرحمة والمغفرة ، وتهدي إلى روحه أنواع الثواب من قراءة القرآن أو الإطعام وما شاكل

__________________

(١) سنن ابن ماجة : ١ / ٥٠٢ ـ ٥٠٣.

١٥٧

ذلك ، فلو فرضنا أنّ الإسلام يقف أمام هذه المرأة في عملها ـ الذي هو عمل عقلائي ـ فلا ريب أنّه سيوجّه إليها ضربة روحية ، ويحمّل هذه المرأة الثكلى أمراً يصعب تحمّله ، فهل يا ترى يجتمع هذا النهي بما فيه من القسوة والشدّة مع كون الرسالة سهلة وسمحة؟!

ثمّ إنّنا قد عرفنا من خلال البحوث السابقة أنّ في زيارة القبور منافع جمّة تربوية وروحية ، وفيها من العبر والدروس الشيء الكثير ، وانّها «تذكّر الآخرة» كما ورد في الحديث ، وانّها تعتبر الوسيلة للارتباط الروحي بين الميت وأهله وذويه من خلال قراءة القرآن والفاتحة و ....

فكيف يمكن أن نتصوّر أنّ الإسلام الحنيف يحرم المرأة من هذه المنافع الكبيرة والفيض الإلهي العظيم؟!

وبعبارة أُخرى : انّ فلسفة زيارة القبور والتي تذكّر الآخرة وتعتبر سبباً أساسياً للاتّعاظ والاعتبار ، غير قابلة للتخصيص أبداً.

نعم لا بدّ أن تكون هذه الزيارة منزّهة عن كلّ ما يشين الإنسان أو يجرّه إلى ارتكاب الإثم والمعصية ، ولعلّ النهي الذي ادّعي وجوده في هذا المجال ناظر إلى النساء اللواتي لا يلتزمن بمراعاة تلك الشروط التي ينبغي الالتزام بها عند زيارة القبور.

١٥٨

٣

أعلام الأُمّة وزيارة قبر النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

إنّ علماء الأُمّة ـ الفقهاء منهم والمحدّثون ـ أولو مسألة الزيارة اهتماماً كبيراً ، وبالخصوص زيارة النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي بعث رحمة للعالمين وبذل في طريق هداية الأُمّة الغالي والنفيس وتحمّل جميع أنواع العناء والعذاب ، ولذلك نجدهم قد أفتوا باستحباب زيارة قبره الشريف ، ودعوا الناس إلى زيارته والتزوّد من بركة ونعم هذه الزيارة ، والتعرض للفيض الإلهي عند قبره الشريف صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. ومن هؤلاء الأعلام الذين أولو الزيارة أهمية خاصة :

١. الإمام تقي الدين السبكي الشافعي (المتوفّى عام ٧٥٦ ه‍ ـ) تغمّده الله بالرحمة والرضوان ، فقد ألّف في هذا المجال كتاباً تحت عنوان «شفاء السقام في زيارة خير الأنام» حقّق فيه جميع الأبعاد والزوايا التي تتعلّق ببحث الزيارة ، وأثبت فيه بالدليل القاطع والبرهان الساطع استحباب زيارة قبر النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّها من مسلّمات الفقه الإسلامي ، أضف إلى ذلك أنّه عقد باباً خاصاً نقل فيه نصوص كبار العلماء المسلمين على استحباب زيارة قبر سيدنا

١٥٩

ومولانا الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد بيّن أنّ الاستحباب أمر مجمع عليه بين المسلمين. (١)

٢. الشخصية الأُخرى التي خاضت غمار هذا البحث العلّامة الكبير والمحقّق البارع آية الله الأميني (١٣٢٠ ـ ١٣٩٠ ه‍ ـ) في موسوعته القيّمة «الغدير» فقد جاء بكلمات أعلام المذاهب الأربعة من الفقهاء والمحدّثين ، فذكر ما يتجاوز الأربعين كلمة من كلمات هؤلاء الأعلام والتي فات العلّامة السبكي الوقوف عليها. (٢)

ولقد كانت لنا في هذا المضمار جولة استدركنا فيها ما فات العلمين المذكورين من الكلمات في هذا الخصوص ، وقد أوردنا الجميع في رسالة خاصة ألّفناها في هذا الخصوص تحت عنوان «الزيارة في الكتاب والسنّة».

ومن الواضح أنّ استعراض جميع الكلمات يعد إطناباً لا طائل من ورائه ، لذلك سنكتفي بذكر بعض تلك الكلمات ، وهي :

١. قال أبو الحسن أحمد بن محمد المحاملي الشافعي (المتوفّى ٤٢٥ ه‍ ـ) : ويستحب للحاج إذا فرغ من مكة أن يزور قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم. (٣)

٢. وأمّا أبو الحسن الماوردي (المتوفّى ٤٥٠ ه‍ ـ) فقد قال : فإذا عاد (ولي الحاج) سار بهم إلى طريق المدينة لزيارة قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ليجمع لهم بين حج بيت الله عزوجل وزيارة قبر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، رعاية لحرمته ، وقياماً بحقوق طاعته ،

__________________

(١) شفاء السقام : ٦٥ ـ ٧٩.

(٢) الغدير : ٥ / ١٠٩ ـ ١٢٥.

(٣) شفاء السقام : ٦٥ ، نقلاً عن المنهاج في شعب الإيمان.

١٦٠