لأكون مع الصادقين

الدكتور محمّد التيجاني السماوي

لأكون مع الصادقين

المؤلف:

الدكتور محمّد التيجاني السماوي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: افق
الطبعة: ١٠
ISBN: 978-964-438-265-9
الصفحات: ٢٤٨

واحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ) (١) ويقول : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا) (٢) ويقول : (وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ) (٣).

فأي نزاع وأية تفرقة هي أكبر من تقسيم الأمة الواحدة إلى مذاهب وأحزاب وفرق يخالف بعضهم بعضاً ويسخر بعضهم من بعض بل ويكفّر بعضهم بعضاً حتى يستحل بعضهم دم البعض الآخر ، وهو ما وقع بالفعل على مر العصور ، والتاريخ أكبر شاهد على ذلك ، هذا وقد حذّرنا سبحانه من النتائج الوخيمة التي تصير إليها أمتنا إذا تفرقت فقال سبحانه : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ) (٤) (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) (٥) (وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً ، كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (٦).

وتجدر الإشارة هنا بأن معنى شيعاً لا علاقة لها بالشيعة كما توهّم بعض البسطاء عند ما جاءني ينصحني على زعمه قائلاً : يا أخي بالله عليك دعنا من الشيعة فإن الله يمقتهم وحذر رسوله أن يكون منهم! قلت وكيف ذلك؟ قال : (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) وحاولت إقناعه بأن شيعا معناها أحزاباً ولا علاقة لها بالشيعة ولكنه ومع الأسف الشديد لم يقتنع لأن سيده إمام المسجد هكذا علّمه وحذّره من الشيعة فلم يعد يتقبل غير ذلك.

أعود إلى الموضوع فاقول بأني كنت في حيرة قبل استبصاري عند ما أقرأ حديث «إختلاف أمتي رحمة» وأقارنه مع حديث :

__________________

(١) سورة المؤمنون آية ٥٢.

(٢) سورة آل عمران آية ١٠٣

(٣) سورة الانفال آية ٤٦

(٤) سورة آل عمران آية ١٠٥

(٥) سورة الأنعام آية ١٥٩.

(٦) سورة الروم آية ٢١ ٢٢.

٢١

«ستفترق أمتي إلى اثنين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة» (١).

وأتساءل كيف يكون إختلاف الأمة رحمة وفي نفس الوقت يوجب دخول النار؟؟

وبعد قراءتي لتفسير الإمام جعفر الصادق (عليه‌السلام) لهذا الحديث زالت الحيرة وانحل اللغز وعرفت بعد ذلك بأن الأئمة من أهل البيت ، هم أئمة الهدى ومصابيح الدجى وهم بحق ترجمان القرآن والسنة وحقيق بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقول في حقهم :

«مثل اهل بيتي فيكم كسفينة نوح ، من ركبها نجا ومن تخلف عنها غرق ، لا تتقدموهم فتهلكوا ولا تتخلفوا عنهم فتهلكوا ، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم» (٢)

وكان حقيق بالإمام علي (عليه‌السلام) أن يقول :

«انظروا أهل بيت نبيكم فالزموا سمتهم واتبعوا أثرهم فلن يخرجوكم من هدى ، ولن يعيدوكم في ردى ، فإن لبدوا فالبدوا ، وإن نهضوا فانهضوا ، ولا تسبقوهم فتضلوا ، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا» (٣).

وقال (عليه‌السلام) في خطبة أخرى يعرف بها قدر اهل البيت (عليهم‌السلام) :

«هم عيش العلم وموت الجهل ، يخبركم حلمهم عن علمهم ، وظاهرهم

__________________

(١) سنن ابن ماجة كتاب الفتن ج ٢ رقم الحديث ٣٩٩٣ مسند أحمد ج ٣ ص ١٢٠ والترمذي في كتاب الإيمان.

(٢) الصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٣٦ وص ٢٢٧ الجامع الصغير للسيوطي ج ٢ ص ١٣٢ مسند أحمد بن حنبل ج ٣ ص ١٧ وج ٤ ص ٣٦٦ حلية الأولياء ج ٤ ص ٣٠٦ مستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٥١ تلخيص الذهبي المعجم الصغير للطبراني ج ٢ ص ٢٢.

(٣) نهج البلاغة للإمام علي ج ٢ ص ١٩٠.

٢٢

عن باطنهم ، وصمتهم عن حكم منطقهم ، لا يخالفون الحق ولا يختلفون فيه هم دعائم الإسلام ، وولائج الاعتصام ، بهم عاد الحق إلى نصابه ، وانزاح الباطل عن مقامه ، وانقطع لسانه عن منبته ، عقلوا الدين عقل وعاية ورعاية لا عقل سماع ورواية. فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل» (١).

نعم ، صدق الإمام علي فيما بيّنه فهو باب مدينة العلم ، فهناك فرق كبير بين من عقل الدين عقل وعاية ورعاية وبين من عقله عقل سماع ورواية.

والذين يسمعون ويروون كثيرون ، فكم كان عدد الصحابة الذين يجالسون رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويسمعون منه الأحاديث وينقلونها بغير فهم أو علم فيتغير معنى الحديث وقد يؤدّي إلى العكس الذي قصده الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد يؤدّي بعض الأحيان إلى الكفر لصعوبة إدراك الصحابي للمعنى الحقيقي (٢).

أما الذين يعون العلم ويرعونه فقليلون جداً وقد يفني الانسان عمره في طلب العلم ولا يحصل منه إلا على اليسير ، وقد يتخصص في باب من أبواب العلم أو فنّ من فنونه ولا يمكنه أن يحيط بكل أبوابه ، ولكن المعروف أن أئمة أهل البيت (عليهم‌السلام) كانوا ملمّين وعارفين بشتى العلوم ، وهذا ما أثبته الإمام علي كما يشهد المؤرخون وكذلك محمد الباقر وجعفر الصادق الذي تتلمذ على يديه آلاف الشيوخ في شتى العلوم والمعارف من فلسفة وطب وكيميا وعلوم طبيعية وغيرها.

__________________

(١) نهج البلاغة للإمام علي ج ٣ ص ٤٣٩.

(٢) مثال ذلك ما رواه أبو هريرة من «أن الله خلق آدم على صورته» ولكن الإمام جعفر الصادق عليه‌السلام أوضح الأمر فقال إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سمع رجلين يتسابان فقال أحدهما للآخر قبح الله وجهك ووجه من يشبهك فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم «إن الله خلق آدم على صورته» أي أنك بسبك من يشبهه قد سببت آدم لأنه يشبهه.

٢٣

العقائد عند الشيعة وعند

أهل السنة والجماعة

مما زاد قناعتي بأن الشيعة الإمامية هي الفرقة الناجية هو أن عقائدهم سمحة وسهلة القبول لكل ذي عقل حكيم وذوق سليم ، ونجد عندهم لكل مسألة من المسائل ولكل عقيدة من العقائد تفسيراً شافياً كافياً لأحد أئمة أهل البيت (عليهم‌السلام) ، قد لا نجد لها حلا عند اهل السنة وعند الفرق الأخرى.

وسأتتبّع في هذا الفصل بعض العقائد وأهمها عند الفريقين ، وأحاول إبراز ما اقتنعت به ، وأترك للقارئ حرية الفكر والاختيار والنقد والتجريح.

والفت النظر إلى ان العقيدة الأساسية هي بالنسبة للمسلمين كافة عقيدة واحدة ، وهي الإيمان بالله تعالى وملائكته وكتبه ورسله ، لا يفرّقون بين أحد من رسله كما يتفقون في أن النار حق والجنة حق وأن الله يبعث من في القبور ويحشرهم جميعاً ليوم الحساب.

كما أنهم يتفقون على القرآن ويؤمنون بأن نبيهم محمد رسول الله ، وقبلتهم واحدة ولكن وقع الاختلاف في مفهوم هذه العقائد ، فأصبحت مسرحاً للمدارس الكلامية يرون فيها شتّى الآراء والمذاهب.

٢٤

العقيدة في الله تعالى

(عند الطرفين)

وأهم ما يذكر في هذا الموضوع هي رؤية الله تعالى فقد أثبتها أهل السنة والجماعة لكل المؤمنين في الآخرة وعند ما نقرأ صحاح السنة والجماعة كالبخاري ومسلم مثلاً نجد روايات تؤكد الرؤية حقيقة لا مجازاً (١). بل نجد فيها تشبيهاً لله سبحانه ، وأنه يضحك (٢) ويأتي ويمشي وينزل إلى سماء الدنيا (٣) بل ويكشف عن ساقه التي بها علامة يعرف بها (٤). ويضع رجله في جهنم فتمتلئ وتقول قط قط إلى غير ذلك من الأشياء والأوصاف التي يتنزه الله جل وعلا عن أمثالها (٥).

وأذكر أنني مررت بمدينة لامو في كينيا بشرق إفريقيا ووجدت إماماً من الوهابية يحاضر المصلين داخل المسجد ويقول لهم بأن لله يدين ورجلين وعينين ووجهاً ، ولما استنكرت عليه ذلك قام يستدل بآيات من القرآن قائلاً (وَقالَتِ

__________________

(١) صحيح البخاري ج ٢ ص ٤٧ ج ٥ ص ١٧٩ وج ٦ ص ٣٣.

(٢) صحيح البخاري ج ٤ ص ٢٢٦ وج ٥ ص ٤٧ ٤٨ صحيح مسلم ج ١ ص ١١٤ ١٢٢.

(٣) صحيح البخاري ج ٨ ص ١٩٧.

(٤) صحيح البخاري ج ٨ ص ١٨٢.

(٥) صحيح البخاري ج ٨ ص ١٨٧ وفي صفحة ٢٠٢ يثبت أن لله يد وأصابع

٢٥

الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبْسُوطَتانِ ...) (١) وقال أيضاً (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا ...) (٢) وقال : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ...) (٣).

قلت : يا أخي ، كل هذه الآيات التي أدليت بها وغيرها إنما هي مجاز وليست حقيقة!

أجاب قائلاً : كل القرآن حقيقة وليس فيه مجازاً قلت : إذن ما هو تفسيركم للآية التي تقول : (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى ...) (٤) فهل تحملون هذه الآية على المعنى الحقيقي؟ فكل أعمى في الدنيا يكون أعمى في الآخرة؟ أجاب الشيخ نحن نتكلم عن يد الله وعين الله ووجه الله ، ولا دخل لنا في العميان!

قلت : دعنا من العميان فما هو تفسيركم في الآية التي ذكرتها : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ...) التفت إلى الحاضرين وقال لهم : هل فيكم من لم يفهم هذه الآية؟ إنها واضحة جلية كقوله سبحانه (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) (٥) قلت : أنت زدت الطين بلّة! يا أخي نحن إنما اختلفنا في القرآن ، ادعيت أنت بأن القرآن ليس فيه مجازا وكله حقيقة! وادعيت أنا بأن في القرآن مجازاً وبالخصوص الآيات التي فيها تجسيم لله تعالى أو تشبيه ، وإذا أصررت على رأيك فيلزمك أن تقول ، بأن كل شيء هالك لو لا وجهه معناه يداه ورجلاه وكل جسمه يفنى ويهلك ولا يبقى منه إلا الوجه ، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً! ثمّ التفت إلى الحاضرين قائلاً : فهل ترضون بهذا التفسير؟ سكت

__________________

(١) سورة المائدة آية ٦٤

(٢) سورة هود آية ٣٧.

(٣) سورة الرحمن آية ٢٧

(٤) سورة الإسراء آية ٧٢.

(٥) سورة القصص آية ٨٨.

٢٦

الجميع ولم يتكلم شيخهم المحاضر بكلمة فودّعتهم وخرجت داعياً لهم بالهداية والتوفيق.

نعم هذه عقيدتهم في الله في صحاحهم وفي محاضراتهم ولأقول أن بعض علمائنا ينكر ذلك ولكن الأغلبية يؤمنون برؤية الله سبحانه في الآخرة وأنهم سوف يرونه كما يرون القمر ليلة البدر ليس دونها سحاب ويستدلون بالآية (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (١).

وبمجرد اطلاعك على عقيدة الشيعة الإمامية في هذا الصدد يرتاح ضميرك ويسلّم عقلك بقبول تأويل الآيات القرآنية التي فيها تجسيم أو تشبيه لله تعالى وحملها على المجاز والاستعارة ، لا على الحقيقة ولا على ظواهر الألفاظ ، كما توهّمه البعض.

يقول الإمام علي (عليه‌السلام) في هذا الصدد :

«لا يدركه بعد الهمم ولا يناله غوص الفطن ، الذي ليس لصفته حد محدود ولا نعت موجود ولا وقت محدود ولا أجل ممدود ...» (٢).

ويقول الإمام محمد الباقر (عليه‌السلام) في الرد على المشبّهة :

«بل كل ما ميّزناه بأوهامنا في أدق معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلنا مردود إلينا ...» (٣).

ويكفينا في هذا رد الله سبحانه في محكم كتابه قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) وقوله (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) وقوله لرسوله وكليمه موسى (عليه‌السلام) لما طلب

__________________

(١) سورة القيامة آية ٢٣ هذه الآية فسّرها أئمة أهل البيت (عليهم‌السلام) بأن الوجوه تكون يومئذ ناضرة بمعنى الحسن والبهجة وإلى رحمة ربها ناظرة.

(٢) نهج البلاغة شرح محمد عبده ج ١ الخطبة عدد ١.

(٣) عقائد الإمامية.

٢٧

رؤيته (قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ : قالَ : لَنْ تَرانِي) ولن «الزمخشرية» تفيد التأبيد كما يقول النحاة.

كل ذلك دليل قاطع على صحة أقوال الشيعة الذين يعتمدون فيها على أقوال الأئمة من أهل البيت ، معدن العلم وموضع الرسالة ، ومن أورثهم الله علم الكتاب.

ومن أراد التوسع في هذا البحث فما عليه إلا الرجوع إلى الكتب المفصلة لهذا الموضوع ككتاب «كلمة حول الرؤية» للسيد شرف الدين صاحب المراجعات (١).

__________________

(١) كتاب المراجعات من الكتب التي يجب أن يقرأها كل من يريد التعرف على عقائد الشيعة الإمامية وأفكارهم.

٢٨

العقيدة في النبوّة

(عند الطرفين)

والخلاف الواقع بين الشيعة وأهل السنة في هذا الباب هو موضوع العصمة ، فالشيعة يقولون بعصمة الأنبياء (عليهم‌السلام) قبل البعثة وبعدها ، ويقول أهل السنة والجماعة بأنهم معصومون في ما يبلّغونه من كلام الله فقط ، أما فيما عدا ذلك فهم كسائر البشر يخطئون ويصيبون. وقد رووا في ذلك عدة روايات في صحاحهم تثبت بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخطأ في عدة مناسبات وكان بعض الصحابة يصوّبه ويصلحه ، كما في قضية أسرى بدر التي أخطأ فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصاب عمر ، ولولاه لهلك رسول الله ... (١) ومنها أنه لما قدم المدينة وجد أهلها يؤبرون النخل فقال لهم : «لا تؤبروه وسيكون تمراً» ولكنه جاء شيصا ، فجاءوه وشكوا له ذلك فقال لهم «أنتم أعلم بأمور دنياكم مني» وفي رواية أخرى قال لهم :

«إنما أنا بشر إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوه ، وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا بشر» (٢).

__________________

(١) البداية والنهاية لابن كثير نقل عن الإمام أحمد ومسلم وأبي داود والترمذي.

(٢) صحيح مسلم في كتاب الفضائل ج ٧ ص ٩٥ ومسند الإمام أحمد ج ١ ص ١٦٢ وج ٣ ص ١٥٢.

٢٩

ومرة يروون أنه سحر وبقي أياماً مسحوراً لا يدري ما يفعل ، حتى أنه كان يخيّل إليه أنه كان يأتي النساء ولا يأتيهن (١) أو يخيّل إليه أنه صنع شيئاً ولم يصنعه (٢).

ومرة يروون أنه سها في صلاته فلم يدر كم صلّى من ركعة (٣) وأنه نام واستغرق في نومه حتى سمعوا غطيطه ثمّ استيقظ فصلى بدون وضوء (٤) ويروون أنه يغضب ويسب ويلعن من لا يستحق ذلك فيقول :

«اللهم إنما أنا بشر فأي المسلمين لعنته ، أو سببته فاجعله له زكاة وحمة ...» (٥).

ويروون انه كان مضطجعاً في بيت عائشة كاشفاً عن فخذيه ودخل عليه أبو بكر وتحدّث معه وهو على تلك الحال ، ثمّ دخل عمر وتحدّث معه وهو على تلك الحال ، ولما استاذن عثمان جلس وسوّى ثيابه ، ولما سألته عائشة عن ذلك ، قال لها :

«ألا أستحي من رجل تستحي منه الملائكة» (٦).

ويروون أنه كان يصبح جنبا في رمضان (٧) فتفوته صلاة الفجر إلى غير ذلك من الأحاديث التي لا يقبلها عقل ، ولا دين ، ولا مروءة (٨).

أما الشيعة استناداً إلى أئمة أهل البيت فهم ينزهون الأنبياء عن هذه

__________________

(١) صحيح البخاري ج ٧ ص ٢٩.

(٢) صحيح البخاري ج ٤ ص ٦٨

(٣) صحيح البخاري ج ١ ص ١٢٣ وج ٢ ص ٦٥.

(٤) صحيح البخاري ج ١ ص ٣٧ وص ٤٤ وص ١٧١.

(٥) سنن الدارمي كتاب الرقاق.

(٦) صحيح مسلم باب فضائل عثمان ج ٧ ص ١١٧.

(٧) صحيح البخاري ج ٢ ص ٢٣٢ وص ٢٣٤.

(٨) صحيح البخاري ج ٣ ص ١١٤ وج ٧ ص ٩٦.

٣٠

الترّهات وخصوصاً نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام ، ويقولون بأنه منزّه عن الذنوب والخطايا والمعاصي صغيرة كانت أم كبيرة ، وهو معصوم عن الخطأ والنسيان والسهو السحر وكل ما يخالط العقل ، بل هو منزّه حتى عما يتنافى مع المروءة والأخلاق الحميدة كالأكل في الطريق ، أو الضحك بصوت عال أو المزاح بغير حق ، أو أي فعل يستهجن عمله عند العرف العام ، فضلاً عن أن يضع خده على خدّ زوجته أمام الناس ويتفرج معها على رقص السودان (١) أو أن يخرج زوجته في غزوة فيتسابق معها فيغلبها مرة وتغلبه أخرى فيقول لها «هذه بِتِيكِ» (٢).

والشيعة يعتبرون الروايات التي رويت في هذا المعنى والتي تتناقض مع عصمة الأنبياء كلها موضوعة من قبل الأمويين وأنصارهم أولا. للحط من قيمة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وثانياً. لكي يلتمسوا عذراً لأعمالهم القبيحة وأخطائهم الشنيعة التي سجّلها لهم التاريخ ، فإذا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخطئ ويميل مع الهوى ، كما رووا ذلك في قصة «عشقه زينب بنت جحش لما رآها تمشط شعرها وهي زوجة لزيد بن حارثة فقال : سبحان الله مقلب القلوب» (٣) أو قصة ميله إلى عائشة وعدم عدله مع بقية زوجاته حتى بعثن له مرة مع فاطمة ومرة مع زينب بنت جحش ينشدنه العدل (٤) فإذا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على هذا الحالة فلا لوم بعد ذلك على معاوية بن أبي سفيان ومروان بن الحكم وعمرو بن العاص ويزيد بن معاوية وكل الخلفاء الذين فعلوا الموبقات واستباحوا الحرمات وقتلوا الأبرياء.

والأئمة من أهل البيت (عليهم‌السلام) الذين هم أئمة الشيعة يقولون

__________________

(١) صحيح البخاري ج ٣ ص ٢٢٨ وج ٢ ص ٣ كتاب العيدين.

(٢) مسند الإمام أحمد بن حنبل ج ٦ ص ٧٥.

(٣) تفسير الجلالين في تفسير قوله تعالى (وتخفي في نفسك ما الله مبديه)

(٤) صحيح مسلم ج ٧ ص ١٣٦ باب فضائل عائشة.

٣١

بعصمته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويؤولون الآيات القرآنية التي يفهم ظاهرها أن الله سبحانه عاتب نبيه مثل «عبس وتولى» أو التي في بعضها إقرار الذنوب عليه كقوله (لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ ما تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ) أو قوله (لَقَدْ تابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ) و (عَفَا اللهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ.)

وكل هذه الآيات لا تخدش في عصمته صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فبعضها لم يكن هو المقصود بها ، وبعضها الآخر يحمل على المجاز لا على ظواهر الألفاظ ، وهو كثير الاستعمال في لغة العرب وقد استعمله سبحانه في القرآن الكريم.

ومن أراد التفصيل والوقوف على حقيقة الأشياء فما عليه إلا الرجوع إلى كتب التفسير عند الشيعة أمثال الميزان في تفسير القرآن للعلامة الطباطبائي وتفسير الكاشف لمحمد جواد مغنية والاحتجاج للطبرسي وغيرهم لأنني رمت الاختصار وإبراز عقيدة الفريقين بصفة عامة وليس هذا الكتاب إلا لغرض بيان قناعاتي الشخصية التي اقتنعت بها ، واختياري الشخصي لمذهب يقول بعصمة الأنبياء والأوصياء من بعدهم ويريح فكري ، ويقطع عني طريق الشك والحيرة

والقول بأنه معصوم فقط في تبليغ كلام الله قول هراء لا حجة فيه لأنه ليس هناك دليل على أن هذا القسم من كلامه هو من عند الله ، وذاك القسم هو من عند نفسه ، فيكون في الأول معصوماً ويكون في الثاني غير معصوم ويحتمل فيه الخطأ.

أعوذ بالله من هذا القول المتناقض الذي يبعث على الشك والطعن في قداسة الأديان

وهذا يذكرني بمحاورة دارت بيني وبين جماعة من الأصدقاء بعد استبصاري ، وكنت أحاول إقناعهم بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معصوم ، وكانوا يحاولون إقناعي بأنه معصوم فقط في تبليغ القرآن ، وكان من بينهم أستاذ من توزر «منطقة الجريد» (١) وهم مشهورون بالذكاء والعلم والنكتة

__________________

(١) منطقة الجريد بالجنوب التونسي تبعد عن قفصة ٩٢ كلم وهي مسقط رأس أبو القاسم

٣٢

الطريفة ، ففكر قليلاً ثمّ قال : «يا جماعة أنا عندي رأي في هذه المسألة» فقلنا جميعاً : تفضل هات ما عندك! قال :

إن ما يقوله أخونا التيجاني على لسان الشيعة هو الحق الصحيح ، ويجب علينا الاعتقاد بعصمة الرسول المطلقة ، وإلا داخلنا الشك في القرآن نفسه!

قالوا : ولم ذلك؟ أجاب على الفور :

هل وجدتم أي سورة من سور القرآن تحتها إمضاء الله تعالى؟؟

ويقصد بالإمضاء : الختم الذي يختم به العقود والرسائل للدلالة على هوية صاحبها وأنها صادرة عنه. وضحك الجميع لهذه النكتة الطريفة ، ولكنها ذات معنى عميق ، فأي إنسان غير متعصّب يتمعّن بعقله ستصدمه هذه الحقيقة ألا وهي : الاعتقاد بأن القرآن كلام الله هو الاعتقاد بعصمة مبلّغه المطلقة بدون تجزئه لأنه لا يمكن لأحد أن يدعي بأنه سمع الله يتكلم ولا يدعي أحد بأنه رأى جبرائيل عند ما ينزل بالوحي.

والخلاصة أن قول الشيعة في العصمة قول سديد يطمئن إليه القلب ويقطع وساوس النفس والشيطان ، ويقطع الطريق على كل المشاغبين وخصوصاً أعداء الدين من اليهود والنصارى والملحدين الذين يبحثون عن ثغرات ينفذون منها لنسف معتقداتنا وديننا ، والطعن في نبينا ، فتراهم كثيراً ما يحتجون علينا بما أورده صحيح البخاري ومسلم من أفعال وأقوال تنسب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو منها بريء (١).

__________________

الشابي الشاعر المعروف والخضر حسين الذي ترأس الأزهر الشريف والكثير من علماء تونس مولودون في هذه المنطقة.

(١) أخرج البخاري في صحيحه ج ٣ ص ١٥٢ في باب شهادة الأعمى من كتاب الشهادات قال : حدثنا ابن عبيد بن ميمون أخبرنا عيسى ... عن عائشة قالت : سمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجلاً يقرأ في المسجد فقال : رحمه‌الله لقد أذكرني كذا وكذا أية اسقطتهن من سورة كذا وكذا ...

٣٣

وكيف لنا أن نقنعهم بأن كتاب البخاري وكتاب مسلم فيهما بعض الأكاذيب ، وهذا الكلام خطير طبعاً ، لأن أهل السنة والجماعة لا يقبلونه فالبخاري عندهم أصح كتاب بعد كتاب الله!

__________________

اقرأ واعجب أيها القارئ من هذا الرسول الذي يسقط الآيات ، ولو لا هذا الأعمى الذي ذكره بهنّ لكنّ في خبر كان أستغفر الله من هذا الهذيان.

٣٤

العقيدة في الإمامة (عند الطرفين)

والقصد من الإمامة في هذا البحث هي الإمامة الكبرى للمسلمين ، أعني الخلافة والحكم ، والقيادة والولاية.

وبما أن كتابي اعتمد في أبحاثه على المقارنة بين مذهب أهل السنة والجماعة ، والشيعة الإمامية لا بد لي من إبراز مبدأ الإمامة عند الفريقين ، حتى يتبين للقارئ والباحث ما هي الأسس والمعالم التي يرتكز عليها كل من الفريقين ، ويعرف بالتالي القناعات التي ألزمتني بقبول التحوّل وترك ما كنت عليه.

فالإمامة عند الشيعة ، هي أصل من أصول الدين لما لها من الأهمية الكبرى والخطورة العظمى وهي قيادة خير أمة أخرجت للناس وما تقوم عليه القيادة من فضائل عديدة وخصائص فريدة أذكر منها ، العلم والشجاعة والحلم والنزاهة والعفة والزهد والتقوى والصلاح الخ.

فالشيعة يعتقدون بأن الإمامة منصب إلهي يعهد به الله سبحانه إلى من يصطفيه من عباده الصالحين ليقوم بذلك الدور الخطير ألا وهو قيادة العالم بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وعلى هذا كان الإمام علي بن أبي طالب إماماً للمسلمين باختيار الله له ،

٣٥

وقد أوحى لرسوله لكي ينصّبه علماً للناس ، وقد نصبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودل عليه بعد حجة الوداع في غدير خم ، فبايعوه «هذا ما يقوله الشيعة».

أما أهل السنة والجماعة فيقولون أيضاً بوجوب الإمامة لقيادة الأمة ، ولكنهم يجعلون للأمة حق اختيار إمامها وقائدها ، فكان أبو بكر بن أبي قحافة إماماً للمسلمين باختيار المسلمين انفسهم له بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي سكت عن أمر الخلافة ولم يبيّن للأمة شيئاً منها وترك الأمر شورى بين الناس

أين الحقيقة

إذا تأمل الباحث في أقوال الطرفين وتمعّن في حجج الفريقين بدون تعصب فسوف يقترب من الحقيقة بدون شك. وها أنا سوف أستعرض وإياكم الحقيقة التي وصلت إليها على النحو التالي :

الإمامة في القرآن الكريم :

قال الله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِماماً ، قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (١).

في هذه الآية الكريمة يبيّن الله لنا بأن الإمامة منصب إلهي يعطيه الله لمن يشاء من عباده لقوله : جاعلك للناس إماماً كما توضّح الآية بأن الإمامة هي عهد من الله لا ينال إلا العباد الصالحين الذين اصطفاهم الله لهذا الغرض لانتفائه عن الظالمين الذين لا يستحقون عهده سبحانه وتعالى.

وقال تعالى : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ وَإِقامَ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَكانُوا لَنا عابِدِينَ) (٢).

__________________

(١) سورة البقرة آية ١٢٤.

(٢) سورة الأنبياء آية ٧٣.

٣٦

وقال سبحانه وتعالى : (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ) (١).

وقال أيضاً : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) (٢).

وقد يتوهّم البعض بأن مدلول الآيات المذكورة يفهم منها بأن الإمامة المقصودة هنا هي النبوة والرسالة وهو خطأ في المفهوم العام للإمامة ، لأن كل رسول هو نبي وإمام وليس كل إمام رسول أو نبي!

ولهذا الغرض أوضح الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بأن عباده الصالحين يمكن لهم أن يسألوه هذا المنصب الشريف ليتشرفوا بهداية الناس وينالوا بذلك الأجر العظيم قال تعالى : (وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً ، وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا هَبْ لَنا مِنْ أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً) (٣).

كما أن القرآن الكريم استعمل لفظ الإمامة للتدليل على القادة والحكام الظالمين الذين يضلون أتباعهم وشعوبهم ويقودونهم إلى الفساد والعذاب في الدنيا والآخرة ، فقد جاء في ذكر الحكيم ، حكاية عن فرعون وجنوده ، قوله تعالى : (فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ، وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ ، وَأَتْبَعْناهُمْ فِي هذِهِ الدُّنْيا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ) (٤).

وعلى هذا الأساس فقول الشيعة هو الأقرب لما أقره القرآن الكريم لأن الله

__________________

(١) سورة السجدة آية ٢٤

(٢) سورة القصص آية ٥.

(٣) سورة الفرقان آية ٧١ ٧٤.

(٤) سورة القصص آية ٤١ ٤٢.

٣٧

سبحانه وتعالى أوضح بما لا يدع مجالاً للشك بأن الإمامة منصب إلهي يجعله الله حيث يشاء وهو عهد الله الذي نفاه عن الظالمين وبما أن غير علي من صحابة النبي قد أشركوا فترة ما قبل الإسلام فإنهم بذلك يصبحون من الظالمين ، فلا يستحقون عهد الله لهم بالإمامة والخلافة ، ويبقى قول الشيعة بأن الإمام علي بن أبي طالب استحق وحده دون سائر الصحابة عهد الله بالإمامة لأنه لم يعبد إلا الله وكرّم الله وجهه دون الصحابة لأنه لم يسجد لصنم ، وإذا قيل بأن الإسلام يجبّ ما قبله ، قلنا نعم ولكن يبقى الفرق كبيراً بين من كان مشركاً وتاب ، ومن كان نقياً خالصاً لم يعرف إلا الله.

الإمامة في السنة النبوية :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الإمامة أقوالاً متعددة رواها كل من الشيعة والسنة في كتبهم ومسانيدهم فمرة تحدث عنها بلفظ الإمامة ومرة بلفظ الخلافة وأخرى بلفظ الولاية أو الإمارة.

جاء في الإمامة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم».

قالوا يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف فقال «لا ما أقاموا فيكم الصلاة» (١).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله سلم :

«يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان إنس» (٢).

__________________

(١) صحيح مسلم ج ٦ ص ٢٤ باب خيار الأئمة وشرارهم.

(٢) صحيح مسلم ج ٦ ص ٢٠ باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن

٣٨

وجاء في الخلافة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش» (١).

وعن جابر بن سمرة قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «لا يزال الإسلام عزيزاً إلى اثني عشر خليفة ثمّ قال كلمة لم أفهمها فقلت لأبي ، ما قال؟ فقال كلهم من قريش» (٢)

وجاء في الإمارة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن عرف برئ ومن أنكر سلم ولكن من رضي وتابع قالوا : أفلا نقاتلهم قال : لا ما صلوا» (٣).

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في لفظ الإمارة أيضاً :

«يكون اثنا عشر أميراً كلهم من قريش» (٤).

وجاء عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم محذراً أصحابه :

«ستحرصون على الإمارة وستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئست الفاطمة» (٥).

وجاء الحديث أيضاً بلفظ الولاية.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«ما من وال يلي رعية من المسلمين فيموت وهو غاش لهم إلا حرّم الله عليه

__________________

(١) صحيح مسلم ج ٦ ص ٤ باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش.

(٢) صحيح مسلم ج ٦ ص ٣ وصحيح البخاري ج ٨ ص ١٠٥ وص ١٢٨.

(٣) صحيح مسلم ج ٦ ص ٢٣ باب وجوب الإنكار على الأمراء.

(٤) صحيح البخاري ج ٨ ص ١٢٧ باب الاستخلاف.

(٥) صحيح البخاري ج ٨ ص ١٠٦ باب ما يكره من الحرص على الإمارة.

٣٩

الجنة» (١).

كما حدّث صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلفظ الولاية :

«لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً كلهم من قريش» (٢).

وبعد هذا العرض الوجيز عن مفهوم الإمامة أو الخلافة التي استعرضتها من القرآن الكريم ومن السنة النبوية الصحيحة بدون تفسير ولا تأويل ، بل اعتمدت على صحاح أهل السنة دون غيرهم من الشيعة لأن هذا الأمر (أعني الخلافة في اثني عشر كلهم من قريش) عندهم من المسلمات التي لا غبار عليها ، ولا يختلف فيها اثنان منهم ، مع العلم بأن بعض علماء أهل السنة والجماعة يصرحون بأن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

«يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من بني هاشم» (٣).

وعن الشعبي عن مسروق قال بينما نحن عند ابن مسعود نعرض مصاحفنا عليه إذ قال له فتى : هل عهد إليكم نبيكم كم يكون من بعده خليفة قال : إنك لحديث السن وإن هذا الشيء ما سألني عنه أحد قبلك ، نعم عهد إلينا نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه يكون بعده اثنا عشر خليفة بعدد نقباء بني إسرائيل ...» (٤).

وبعد هذا فلنستعرض أقوال الفريقين على صحة ادعاء كل منهما من خلال النصوص الصريحة ، كما نناقش تأويل كل منهما في هذه المسألة الخطيرة التي فرّقت المسلمين من يوم وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى يومنا هذا ، وقد نشأ من ذلك إختلاف المسلمين إلى مذاهب وفرق ومدارس كلامية وفكرية ، بعد أن كانوا أمة واحدة. فكل خلاف وقع بين المسلمين سواء في الفقه أو في التفسير

__________________

(١) صحيح البخاري ج ٨ ص ١٠٦ باب ما يكره من الحرص على الامارة.

(٢) صحيح مسلم ج ٦ ص ٣ باب الخلافة في قريش.

(٣) ينابيع المودة ج ٣ ص ١٠٤.

(٤) ينابيع المودة ج ٣ ص ١٠٥.

٤٠