لأكون مع الصادقين

الدكتور محمّد التيجاني السماوي

لأكون مع الصادقين

المؤلف:

الدكتور محمّد التيجاني السماوي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: افق
الطبعة: ١٠
ISBN: 978-964-438-265-9
الصفحات: ٢٤٨

الرجعة

(العودة إلى الحياة)

هذه المسألة مما اختصت الشيعة بالقول بها ، وأنا بحثت في كتب السنة فلم أجد لها أثر يذكر.

وهم يعتمدون في ذلك على أخبار وروايات رووها عن الأئمة الأطهار سلام الله عليهم في أن الله سبحانه وتعالى سيحيي بعض المؤمنين وبعض المجرمين المفسدين لينتقم المؤمنون من أعدائهم أعداء الله في الدنيا قبل الآخرة.

ولو صحت هذه الروايات وهي صحيحة ومتواترة عند الشيعة فلا تلزم أهل السنة والجماعة إذا لم يثقوا بصحتها ، ومن ثمّ فإنهم غير ملزمين بوجوب الاعتقاد بها ، لأن أئمة أهل البيت حدثوا بها عن جدهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم! كلا لأنا ألزمنا أنفسنا بالإنصاف في البحث وعدم التعصب ، فلا نكلفهم إلا ما ألزموا به أنفسهم وأخرجوه في صحاحهم ، ولأن روايات الرجعة لم ترد عندهم ، فهم أحرار في عدم الأخذ بها ، ورفضها هذا في صورة ما إذا أراد أحد الشيعة أن يفرض عليهم تلك الروايات.

أما وأن الشيعة لم يفرضوا على أحد أن يقول بالرجعة ولا أنهم يقولون بكفر من يكذبها ، فلا داعي لكل هذا التشنيع والتهويل على الشيعة سيما وأنهم

٢٢١

يفسرون بعض الآيات بنحو يوافق ذلك ، وذلك كما في قوله تعالى : (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ) (١).

فقد جاء في تفسير القمي عن ابن أبي عمير عن حماد عن أبي عبد الله جعفر الصادق عليه‌السلام قال : ما يقول الناس في هذه الآية (وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً)؟) قلت : يقولون إنه في يوم القيامة ، قال : ليس كما يقولون إنها في الرجعة ، أيحشر الله في القيامة من كل أمة فوجاً ويدع الباقين؟ إنما آية القيامة (وَحَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً) (٢).

كما جاء في كتاب عقائد الإمامية للشيخ محمد رضا المظفر قوله : إن الذي تذهب إليه الإمامية أخذاً بما جاء عن آل البيت عليهم‌السلام أن الله تعالى يعيد قوماً من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها ، فيعز فريقا ويذل فريقاً آخر ويديل المحقين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين ، وذلك عند قيام مهدي آل محمد عليه وعليهم أفضل الصلاة والسلام.

ولا يرجع إلا من علت درجته في الإيمان أو من بلغ الغاية من الفساد ، ثمّ يصيرون من بعد ذلك إلى الموت ، ومن بعده إلى النشور وما يستحقونه من الثواب أو العقاب ، كما حكى الله تعالى في قرآنه الكريم تمني هؤلاء المرتجعين الذين لم يصلحوا بالارتجاع فنالوا مقت الله ، أن يخرجوا ثالثاً لعلهم يصلحون : (قالُوا رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنا بِذُنُوبِنا فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) (سورة المؤمن آية ١١) (٣)

أقول إذا كان أهل السنة والجماعة لا يؤمنون بالرجعة فلهم كامل الحق : ولكن ليس من حقهم أن يشنعوا على من يقول بها ، لثبوت النصوص عنده : فليس لمن لا يعلم حجة على من يعلم ولا حجة للجاهل على العالم وليس عدم

__________________

(١) سورة النمل آية ٨٣

(٢) سورة الكهف آية ٤٧.

(٣) كتاب عقائد الإمامية للمظفر ص ٨٠ (العقيدة الثانية والثلاثون).

٢٢٢

الإيمان بالشيء دليل على بطلانه فكم من حجة دامغة عند المسلمين لا يؤمن بها أهل الكتاب من يهود ونصارى.

وكم من اعتقادات وروايات عند أهل السنة والجماعة بخصوص الأولياء والصالحين وأصحاب الطرق الصوفية تبدوا مستحيلة ومنكرة ولكن لا تستدعي التشنيع والتهويل على عقيدة أهل السنة والجماعة.

وإذا كانت الرجعة لها سند في القرآن والسنة النبوية وهي ليست مستحيلة على الله الذي ضرب لنا أمثلة منها في القرآن كقوله تعالى :

(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلى قَرْيَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها ، قالَ : أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِها فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ) (١).

أو كقوله سبحانه وتعالى :

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْياهُمْ) (٢).

وقد أمات الله قوماً من بني إسرائيل ثمّ أحياهم قال تعالى

(وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ ، ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٣).

وقال في أصحاب الكهف الذين لبثوا في كهفهم موتى أكثر من ثلاثمائة عام (ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً) (٤)

فهذا كتاب الله يحكي أن الرجعة وقعت في الامم السابقة فلا يستحيل وقوعها في أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخصوصاً إذا روى ذلك أئمة أهل

__________________

(١) سورة البقرة آية ٢٥٩.

(٢) سورة البقرة آية ٢٤٣.

(٣) سورة البقرة آية ٥٦.

(٤) سورة الكهف آية ١٢.

٢٢٣

البيت سلام الله عليهم. فهم الصادقون ، العالمون.

أما قول بعض المتطفلين بأن القول بالرجعة هو القول بالتناسخ الذي يقول به بعض الملحدين.

فهو قول ظاهر الفساد والبطلان ، ويقصدون من ورائه التشنيع والتهويل على الشيعة.

إذ أن القائلين بالتناسخ لا يقولون بأن الإنسان يرجع إلى الدنيا بجسمه وروحه وصورته وكنهه

إنما يقولون بأن الروح تنتقل من إنسان مات إلى جسد إنسان آخر يولد من جديد أو حتى إلى حيوان.

وهذا كما نعلم بعيد كل البعد عن عقيدة المسلمين القائلين بأن الله يبعث من في القبور بأجسامهم وأرواحهم.

فليست الرجعة من التناسخ في شيء وهو قول الجهلة الذين لا يفقهون أو المغرضين غير الورعين.

٢٢٤

الغلو

(في حب الأئمة)

لا نقصد بالغلو هنا هو الخروج عن الحق واتباع الهوى حتى يصبح المحبوب هو الإله المعبود فهذا كفر وشرك لا يقول به أي مسلم يعتقد برسالة الإسلام ونبوة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وقد وضع الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حدودا لهذا الحب عند ما قال للإمام علي عليه‌السلام :

«هلك فيك اثنان محب غال ومبغض قال».

وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«يا علي إن فيك مثلا من عيسى بن مريم أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه ، وأحبه النصارى حتى انزلوه بالمنزلة التي ليس بها» (١).

__________________

(١) مستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٢٣ تاريخ دمشق لابن عساكر ج ٢ ص ٢٣٤.

التاريخ الكبير للبخاري ج ٢ ص ٢٨١ تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ١٧٣.

خصائص النسائي ص ٢٧ ذخائر العقبى ص ٩٢ الصواعق المحرقة لابن بحر ص ٧٤.

٢٢٥

وهو المعنى المرفوض للغلو أن يطغى الحب حتى يؤلّه المحبوب وينزله منزلة ليس فيها أو أن يطغى البغض حتى يصل إلى درجة البهت والاتهام الباطل.

والشيعة في حب علي والأئمة من ولده لم يغالوا بل أنزلوهم المنزلة المعقولة التي بوأهم فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهي أنهم أوصياء النبي وخلفاؤه ولم يقل أحد بنبوتهم فضلا عن ألوهيتهم ، ودع عنك قول المشاغبين الذين يدّعون بأن الشيعة ألّهوا علياً وقالوا بربوبيته ، فهؤلاء إن صح الخبر لم يكونوا فرقة ولا مذهباً ولا شيعة ولا خوارج.

وما هو ذنب الشيعة إذا كان رب العزة والجلالة يقول : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) والمودة كما هو معلوم أكبر من الحب وإذا كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :

«لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه فإن المودة تفرض عليك أن تحرم نفسك من شيء لتود به غيرك».

وما هو ذنب الشيعة إذا كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :

«يا علي أنت سيد في الدنيا وسيد في الآخرة من أحبك فقد أحبني ومن أبغضك فقد أبغضني وحبيبك حبيب الله وبغيضك بغيض الله والويل لمن أبغضك» (١).

ويقول أيضاً :

«حب علي إيمان وبغضه نفاق» (٢).

ويقول :

«من مات على حب آل محمد مات شهيداً ، ألا ومن مات على حب

__________________

(١) مستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٢٨ قال حديث صحيح على شرط الشيخين نور الأبصار للشبلنجي ص ٧٣ ينابيع المودة ص ٢٠٥ الرياض النضرة ج ٢ ص ١٦٥.

(٢) صحيح مسلم ج ١ ص ٤٨ الصواعق المحرقة ص ٧٣ كنز العمال ج ١٥ ص ١٠٥

٢٢٦

آل محمد مات مغفوراً له ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائباً ، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمناً مستكمل الإيمان ألا ومن مات على حب آل محمد بشّره ملك الموت بالجنة ..» (١)

وما هو ذنب الشيعة إذا كانوا يحبون رجلا قال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«غداً لأعطين رايتي إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله» (٢).

فحبيب علي هو حبيب الله ورسوله وهو مؤمن وبغيض علي هو بغيض الله ورسوله وهو منافق.

وقد قال الإمام الشافعي في حبهم :

يا أهل بيت رسول الله حبكم

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم الفضل أنكم

من لم يصل عليكم لا صلاة له

وقد قال فيهم وفي حبهم الفرزدق في ميميته المشهورة.

من معشر حبهم دين وبغضهم

كفر وقربهم منجى ومعتصم

إن عدّ أهل التقى كانوا أئمتهم

أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم

فالشيعة أحبوا الله ورسوله ، وحبهم لله ورسوله هو الذي فرض حب أهل البيت فاطمة وعلي والحسن والحسين والأحاديث في هذا المعنى كثيرة لا تحصى وقد أخرجها علماء أهل السنة والجماعة في صحاحهم وقد ذكرنا البعض منها روماً للاختصار.

وإذا كان حب علي وأهل البيت بصفة عامة هو حب لرسول الله صلى الله

__________________

(١) تفسير الثعلبي «الكبير» في آية المودة وكذلك تفسير الزمخشري «الكشاف» تفسير الفخر الرازي ج ٧ ص ٤٠٥ إحقاق الحق للتستري ج ٩ ص ٤٨٦.

(٢) صحيح البخاري ج ٤ ص ٢٠ وج ٥ ص ٧٦.

صحيح مسلم ج ٧ ص ١٢٠ (باب فضائل علي بن أبي طالب)

٢٢٧

عليه وآله وسلم ، فعلينا أن نعرف مدى هذا الحب المطلوب من المسلمين حتى نعرف إن كان هناك غلو كما يزعمون.

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين» (١).

وعلى هذا الأساس فلا بد ان يحب المسلم علياً وأولاده الأئمة الطاهرين أكثر من الناس أجمعين بما في ذلك الأهل والأولاد ولا يتم الإيمان إلا بذلك لأن رسول الله قال : لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه .. الحديث.

فالشيعة إذن لا يغالون وإنما يعطون كل ذي حق حقه وقد أمرهم رسول الله أن ينزلوا علياً بمنزلة الرأس من الجسد وبمنزلة العينين من الرأس فهل هناك من الناس من يتنازل عن عينيه أو عن رأسه؟

ولكن في المقابل هناك مغالات عند أهل السنة والجماعة في حب الصحابة وتقديسهم في غير محله ، وإنما يبدوا رد فعل على الشيعة الذين لم يقولوا بعدالة الصحابة أجمعين فكان الأمويون يرفعون من شأن الصحابة ويحطون من قيمة وشأن أهل البيت النبوي حتى إذا صلوا على محمد وآله أضافوا إليهم ، وعلى أصحابه أجمعين لأن في الصلاة على أهل البيت فضل لم يسبقه سابق ولا يلحقه لاحق فأرادوا ان يرفعوا الصحابة إلى تلك الدرجة العلية وغفلوا عن أن الله سبحانه أمر المسلمين وعلى رأسهم الصحابة أجمعين أن يصلوا على محمد وعلي وفاطمة والحسنين ومن لم يصل عليهم فصلاته مردودة لا يقبلها الله إذا اقتصرت على محمد وحده كما هو ثابت في صحيح البخاري ومسلم.

وإذا قلنا بأنه غلو في الصحابة ذلك لأن أهل السنة يتعدون حدود المنطق

__________________

(١) صحيح البخاري ج ١ ص ٩ (باب حب الرسول من الإيمان)

صحيح مسلم ج ١ ص ٤٩ (باب وجوب محبة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر من الأهل والولد والوالد والناس أجمعين) وكذلك في صحيح الترمذي

٢٢٨

عند ما يقولون بعدالتهم أجمعين وقد شهد الله ورسوله بأن فيهم الفاسقين والمارقين والقاسطين والمنافقين.

والغلو ظاهر عند ما يقولون بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخطئ ويصوّبه صحابي. أو أن الشيطان يلعب ويمرح بحضرة النبي ولكنه يهرب من عمر ، والغلو واضح في قولهم لو أصاب الله المسلمين بمصيبة بما فيهم رسول الله ، لم يكن ينج منها إلا ابن الخطاب ، والغلو أوضح في إلغائهم لسنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأتباع سنه الصحابة وبالخصوص الخلفاء الراشدين وقد أوقفناك على البعض من ذلك وإذا أردت المزيد فعليك بالبحث والتأمل للوقوف على مزيد من هذه المفارقات.

٢٢٩
٢٣٠

المهدي المنتظر

وهو أيضاً من المواضيع التي يشنع بها أهل السنة والجماعة على الشيعة. وذهب البعض منهم إلى حد السخرية والاستهزاء ، إذ أنهم يستبعدون أو قل يعتقدون استحالة أن يبقى بشر طيلة اثني عشر قرناً حيا ومخفياً عن أنظار الناس. حتى قال بعض الكتاب المعاصرين «بأن الشيعة اختلقوا فكرة الإمام الغائب الذي سينقذهم وذلك لكثرة ما لاقوه من ظلم الحكام وجورهم على مر الأزمان ، فسلوا أنفسهم بأمنية المهدي المنتظر الذي يملأ الأرض عدلاً وقسطاً وينتقم لهم من أعدائهم».

وقد كثر الحديث في السنوات الأخيرة وبعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران عن المهدي المنتظر فأصبح المسلمون وبالخصوص الشباب المثقف في كل مكان يتساءلون عن حقيقة المهدي ، وهل هي حقيقة وله وجود في العقائد الإسلامية أم هو من مختلقات الشيعة؟

ورغم ما كتبه علماء الشيعة قديماً وحديثاً (١) بخصوص المهدي من موسوعات وأبحاث ، ورغم اتصال كثير من السنيين بإخوانهم من الشيعة في مؤتمرات عديدة ومحادثاتهم في شتى المواضيع العقائدية ، يبقى هذا الموضوع من

__________________

(١) كالشهيد محمد باقر الصدر في كتابه «بحث حول المهدي».

٢٣١

الألغاز عند الكثير منهم ، لأنهم ما تعودوا سماع أمثال هذه الروايات.

فما هي حقيقة المهدي المنتظر في العقائد الإسلامية؟ والبحث في هذا الموضوع ينقسم إلى قسمين :

القسم الأول يتعلق بالبحث عن المهدي من خلال الكتاب والسنة.

والقسم الثاني يتعلق بالبحث عن حياته وغيبته وظهوره.

أما في البحث الأول : فالشيعة والسنة متفقون على أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشّر به وأعلم أصحابه بأنه سيظهره الله سبحانه وتعالى في آخر الزمان وقد أخرج أحاديث المهدي عليه‌السلام كل من الشيعة والسنة في صحاحهم ومسانيدهم.

وأنا بدوري وكالعادة حسبما تعهدت به في كل أبحاث الكتاب لا أستدل إلا بما هو ثابت وصحيح عند اهل السنة والجماعة.

فقد جاء في سنن أبي داود (١)

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث رجلا من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطاً وعدلا كما ملئت ظلما وجورا».

وجاء في سنن ابن ماجة (٢) :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء شديداً ، وتطريداً ، حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات

__________________

(١) سنن أبي داود ج ٢ ص ٤٢٢.

(٢) سنن ابن ماجة ج ٢ رقم الحديث ٤٠٨٢ و ٤٠٨٧.

٢٣٢

سود فيسألون الخير فلا يعطونه فيقاتلون فينتصرون ، فيعطون ما سألوا : فلا يقبلونه ، حتى يدفعونها إلى رجل من أهل بيتي فيملؤها قسطا كما ملئت جورا»

وقال ابن ماجة في سننه :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«المهدي منا أهل البيت ، المهدي من ولد فاطمة»

وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«يكون في أمتي المهدي ، إن قصر فسبع ، وإلا فتسع تنعم فيها أمتي نعمة لم تنعم مثلها قط تأتي أكلها ، ولا تدخر منه شيئاً ، والمال يومئذ كدوس ، فيقوم الرجل فيقول : يا مهدي أعطني فيقول : خذ» (١)

وجاء في صحيح الترمذي (٢) :

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«يلي رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي ، ولو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يلي».

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي»

وأخرج الإمام البخاري في صحيحه (٣)

قال حدثنا بن بكير حدثنا الليث عن يونس عن ابن شهاب عن نافع

__________________

(١) سنن ابن ماجة ج ٢ رقم الحديث ٤٠٨٦.

(٢) الجامع الصحيح للترمذي ج ٩ ص ٧٤ ٧٥

(٣) صحيح البخاري ج ٤ ص ١٤٣ (باب نزول عيسى بن مريم).

٢٣٣

مولى أبي قتادة الأنصاري أن أبا هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم.

وقال صاحب غاية المأمول : اشتهر بين العلماء سلفا وخلفا أنه لا بد من ظهور رجل من أهل البيت في آخر الزمان يسمى المهدي ، وقد روي أحاديث المهدي جماعة من خيار الصحابة وخرّجها أكابر المحدثين : كأبي داود والترمذي ، وابن ماجة والطبراني وأبي يعلي ، والبزاز ، والإمام أحمد بن حنبل والحاكم رضي الله عنهم أجمعين ، ولقد أخطأ من ضعّف أحاديث المهدي كلها.

قال الحافظ في فتح الباري : تواترت الأخبار بأن المهدي من هذه الأمة وأن عيسى بن مريم سينزل ويصلي خلفه» (١)

وقال ابن حجر الهيثمي في الصواعق المحرقة : والأحاديث التي جاء فيها ذكر ظهور المهدي كثيرة متواترة (٢)

وقال الشوكاني في رسالة المسماة «التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح» وبعد سرده أحاديث المهدي قال : «وجميع ما سقناه بالغ حد التواتر كما لا يخفى على من له فضل اطلاع»

وقال الشيخ عبد الحق في اللمعات :

«قد تظافرت الأحاديث البالغة حد التواتر في كون المهدي من أهل البيت من أولاد فاطمة» (٣)

وقال الصبان في كتابه إسعاف الراغبين :

«وقد تواترت الأخبار عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بخروجه وانه من

__________________

(١) فتح الباري ج ٥ ص ٣٦٢

(٢) الصواعق المحرقة لابن حجر ج ٢ ص ٢١١

(٣) حاشية صحيح الترمذي ج ٢ ص ٤٦.

٢٣٤

أهل البيت وأنه يملأ الأرض عدلا» (١)

وقال السويدي في كتابه المسمى «سبائك الذهب» :

«الذي اتفق عليه العلماء أن المهدي هو القائم في آخر الوقت وانه يملأ الأرض عدلا ، والأحاديث في ظهوره كثيرة» (٢)

وقال ابن خلدون في مقدمته :

«اعلم أن المشهور بين الكافة من أهل الإسلام على مر الأعصار أنه لا بد في أخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت يؤيد الدين ويظهر العدل ويسمى بالمهدي» (٣)

كما أخرج أحاديث المهدي من المعاصرين مفتي الإخوان المسلمين السيد سابق في كتابه «العقائد الإسلامية» واعتبر أن فكرة المهدي من العقائد الإسلامية التي يجب التصديق بها

وكتب الشيعة ايضا أخرجت أحاديث المهدي على كثرتها حتى قيل أنه لم يرو عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اكثر مما روي عنه في احاديث المهدي

وقد استخرج الباحث لطف الله الصافي في موسوعته «منتخب الأثر» أحاديث المهدي عليه‌السلام من أكثر من ستين مصدرا من كتب الشيعة من ضمنها الكتب الأربعة

أما بخصوص البحث الثاني والذي يتعلق بولادة المهدي وحياته وغيبته وعدم وفاته عليه‌السلام فهذا القسم أيضا لم ينكره بعض علماء أهل السنة الذين لا يستهان بهم ، والذين يعتقدون بأن المهدي هو محمد بن الحسن العسكري

__________________

(١) إسعاف الراغبين ج ٢ ص ١٤٠

(٢) سبائك الذهب ص ٧٨

(٣) مقدمة ابن خلدون ص ٣٦٧

٢٣٥

الإمام الثاني عشر من أئمة أهل البيت ، ولد ، وأنه لا يزال حيّاً وسيظهر في آخر الزمان فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً وينصر الله به دينه ، وهم بذلك يوافقون أقوال الشيعة الإمامية ، ومن هؤلاء :

١ ـ محي الدين بن العربي في فتوحاته المكية.

٢ ـ سبط ابن الجوزي في كتابه تذكرة الخواص.

٣ ـ عبد الوهاب الشعراني في كتابه عقائد الأكابر.

٤ ـ ابن الخشاب في كتابه تواريخ مواليد الأئمة ووفياتهم.

٥ ـ محمد البخاري الحنفي في كتابه فصل الخطاب.

٦ ـ أحمد بن إبراهيم البلاذري في كتابه الحديث المتسلسل.

٧ ـ ابن الصباغ المالكي في كتابه الفصول المهمة.

٨ ـ العارف عبد الرحمن في كتابه مرآة الأسرار.

٩ ـ كمال الدين بن طلحة في كتابه مطالب السئول في مناقب آل الرسول.

١٠ ـ القندوزي الحنفي في كتابه ينابيع المودة.

ولو تتبّع الباحث لوجد في علماء السنة والجماعة أضعاف من ذكرنا يقولون بولادة المهدي وبقائه حيّاً حتى يظهره الله تعالى.

وبعد هذا لم يبق معنا من أهل السنة والجماعة إلا المنكرون لولادته وبقائه حيّاً ، بعد اعترافهم بصحة الأحاديث. وهؤلاء ليسوا حجة على غيرهم من القائلين بها.

والقرآن الكريم لا ينفي مثل هذا الافتراض ، وكم ضرب الله مثل على ذلك لأهل العقول الجامدة لكي يتحرروا ويطلقوا العنان لأفكارهم وعقولهم حتى تستيقن وتسلّم بأن الله سبحانه قادر على كل شيء.

لذا فإن المسلم الذي ملأ الإيمان قلبه فلا يستغرب أن يميت الله عزيراً مائة عام ، ثمّ يبعثه فينظر إلى طعامه وشرابه لم يتسنه ، وإلى حماره كيف ينشز الله عظامه ويكسوها لحماً فيرجع كما كان بعد أن كانت عظامه رميماً فلما تبيّن له قال :

٢٣٦

أعلم أن الله على كل شيء قدير. سبحان الله ما أسرع تحوّله ، بينما قبل الحادثة استغرب واستبعد عند مروره على قرية خاوية على عروشها. قال أنى يحيي الله هذه بعد موتها؟؟

والمسلم الذي يصدّق القرآن الكريم لا يستغرب أن يقطّع سيدنا إبراهيم الطير ويبعثر أجزاءه وأشلاءه على الجبال ثمّ يدعوهنّ فيأتينه سعياً.

والمسلم لا يستغرب أن تصبح النار باردة فلا تحرق ولا تؤذي سيدنا إبراهيم عند ما ألقي فيها فقال لها الله يا نار كوني برداً وسلاماً

والمسلم لا يستغرب بأن سيدنا عيسى ولد من غير نطفة الذكر أي من غير أب. وأنه حي لم يمت وسيعود إلى الأرض.

والمسلم لا يستغرب بأن سيدنا عيسى كان يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص والأعمى ولا يستغرب أن ينغلق البحر لسيدنا موسى ولبني إسرائيل فيمشوا فيه بدون بلل وتنقلب عصاه ثعباناً ويحوّل ماء النيل إلى دم.

كذلك فإن المسلم لا يستغرب أن سيدنا سليمان كان يتكلم مع الطير ومع الجن ومع النمل ويحمل عرشه على بساط الريح. ويستقيم عرش بلقيس في لحظات.

ولا يستغرب بأن الله أمات أصحاب الكهف ثلاثة قرون وازدادوا تسعاً ثمّ بعثهم فكان حفيد الحفيد أكبر سناً من جد الجد.

ولا يستغرب بأن سيدنا الخضر عليه‌السلام حي لم يمت وقد التقى مع سيدنا موسى عليه‌السلام.

ولا يستغرب بأن إبليس لعنه الله حي لم يمت وهو مخلوق قبل آدم عليه‌السلام ، وما زال يواكب مسيرة البشر من أول خلقته إلى يوم فنائه ، ومع ذلك فهو مخفي لم ولن يراه أحد رغم أعماله الشنيعة وأفعاله الذميمة ، وهو يرى كل الناس.

٢٣٧

إن المسلم يؤمن بكل هذا ولا يستغرب وقوعه ، أفيستغرب وجود المهدي مخفيا لفترة من الزمان لحكمة يريدها الله سبحانه

فكل ما ذكره القرآن وهو أضعاف ما ذكرنا في هذه العجالة ليس هو مما جرت به العادة ولا هو معهود لدى الناس ، ولا يقدرون عليه ولو اجتمعوا له.

وإنما هو من صنع الله الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء ، ويصدق به المسلمون لأنهم آمنوا بكل ما جاء في القرآن الكريم وبدون استثناء وبدون تحفظ.

على أن الشيعة هم أدرى بأمور المهدي عليه‌السلام لأنه إمامهم وقد عاصروه وعاشوا معه ومع آبائه ، واهل مكة أدرى بشعابها.

والشيعة يحترمون أئمتهم ويعظّمونهم وقد اتخذوا لأئمة أهل البيت قبوراً شيدوها والتزموا بزيارتها والتبرك بها ، فلو كان الإمام الثاني عشر وهو المهدي سلام الله عليه قد توفّي لكان له قبر معروف ، ولأمكنهم أن يقولوا بجواز بعثه بعد الموت ما دام هذا الأمر ممكنا كما ذكره القرآن الكريم وخاصة أنهم يقولون «بالرجعة»

بل تراهم يصرّون على ان المهدي سلام الله عليه حي يرزق وهو مخفي لحكمة أرادها سبحانه وتعالى قد يعرفها الراسخون في العلم وأولياءهم.

وهم يدعون في صلواتهم أن يعجل الله فرجه الشريف لأن في ظهوره عز المسلمين وسعادتهم وانتصارهم ولأن به يتم الله نوره ولو كره الكافرون.

على ان الخلاف بين السنة والشيعة في أمر المهدي عليه‌السلام ليس هو خلاف جوهري ما داموا يعتقدون بظهوره في آخر الزمان ، وأن عيسى عليه‌السلام يصلي خلفه وأنه سيملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا ، ويملك المسلمون الأرض كلها في زمانه ويعم الرخاء حتى لا يبقى فقير.

ويبقى الخلاف فقط في قول الشيعة بولادته وفي قول السنة بأنه سيولد ،

٢٣٨

ويجتمع قول الفريقين على ظهوره آخر الزمان

فليتوحد السنة والشيعة على كلمة الحق وعلى جمع شمل الأمة الممزقة ولمّ شتاتها وليدعوا الله جميعا مخلصين في دعائهم وفي كل صلواتهم بأن يعجل ظهوره لأن في ظهوره الفرج والنصر لأمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين سيدنا ومولانا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

محمد التيجاني السماوي

٢٣٩
٢٤٠