لأكون مع الصادقين

الدكتور محمّد التيجاني السماوي

لأكون مع الصادقين

المؤلف:

الدكتور محمّد التيجاني السماوي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: افق
الطبعة: ١٠
ISBN: 978-964-438-265-9
الصفحات: ٢٤٨

أن نحمّل أهل السنة والجماعة مسئولية ما كتبه وزير الثقافة المصري وعميد الأدب العربي الدكتور طه حسين بخصوص القرآن والشعر الجاهلي؟

أو ما رواه البخاري وهو صحيح عندهم ، من نقص في القرآن وزيادة ، وكذلك صحيح مسلم ، وغيره (١).

ولكن لنضرب عن ذلك صفحاً ونقابل السيئة بالحسنة ولنعم ما قاله في هذا الموضوع الأستاذ محمد المديني عميد كلية الشريعة بالجامعة الأزهرية إذ كتب يقول :

«وأما أن الإمامية يعتقدون نقص القرآن فمعاذ الله وإنما هي روايات رويت في كتبهم ، كما روي مثلها في كتبنا ، وأهل التحقيق من الفريقين قد زيفوها ، وبينوا بطلانها وليس في الشيعة الإمامية أو الزيدية من يعتقد ذلك ، كما أنه ليس في السنة من يعتقده.

ويستطيع من شاء أن يرجع إلى مثل كتاب الإتقان للسيوطي ليرى فيه أمثال هذه الروايات التي نضرب عنها صفحاً

وقد ألف أحد المصريين في سنة ١٤٩٨ م كتاباً اسمه «الفرقان» حشاه بكثير من أمثال هذه الروايات السقيمة المدخولة المرفوضة ، ناقلاً لها عن الكتب والمصادر عند أهل السنة ، وقد طلب الأزهر من الحكومة مصادرة هذا الكتاب بعد ان بيّن بالدليل والبحث العلمي اوجه البطلان والفساد فيه. فاستجابت الحكومة لهذا الطلب وصادرت الكتاب ، فرفع صاحبه دعوى يطلب فيها تعويضاً ، فحكم القضاء الإداري في مجلس الدولة برفضها.

أفيقال أن أهل السنة ينكرون قداسة القرآن؟ أو يعتقدون نقص القرآن لرواية رواها فلان؟ أو لكتاب ألّفه فلان؟

__________________

(١) إذ إن كتاب (فصل الخطاب) لا يعد شيئاً عند الشيعة ، بينما روايات نقص القرآن والزيادة فيه أخرجها صحاح أهل السنة والجماعة أمثال البخاري ومسلم ومسند الإمام أحمد.

٢٠١

فكذلك الشيعة الإمامية ، إنما هي روايات في بعض كتبهم كالروايات التي في بعض كتبنا ، وفي ذلك يقول الإمام العلامة السعيد أبو الفضل بن الحسن الطبرسي من كبار علماء الإمامية في القرن السادس الهجري في كتاب «مجمع البيان لعلوم القرآن».

«فأما الزيادة فيه فمجمع على بطلانها ، وأما النقصان منه فقد روي جماعة من أصحابنا وقوم من حشوية أهل السنة أن في القرآن تغييراً ونقصاناً ، والصحيح من مذهب أصحابنا خلافه ، وهو الذي نصره المرتضى قدس الله روحه ، واستوفى الكلام فيه غاية الاستيفاء في جواب «مسائل الطرابلسيات» وذكر في مواضع : أن العلم بصحة نقل القرآن كالعلم بالبلدان والحوادث الكبار والوقائع العظام ، والكتب المشهورة ، وأشعار العرب ، فإن العناية اشتدت والدواعي توفرت على نقله وحراسته ، وبلغت إلى حد لم تبلغه فيما ذكرناه لأن القرآن معجزة النبوة ، ومأخذ العلوم الشرعية ، والأحكام الدينية ، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية حتى عرفوا كل شيء أختلف فيه من إعرابه. وقراءته ، وحروفه وآياته ، فكيف يجوز أن يكون مغيّرا أو منقوصاً مع العناية الصادقة والضبط الشديد» (١).

وحتى يتبين لك أيها القارئ أن هذه التهمة (نقص القرآن والزيادة فيه) هي أقرب لأهل السنة منها إلى الشيعة ، وذلك من الدواعي التي دعتني إلى أن أراجع كل معتقداتي لأني كلما حاولت انتقاد الشيعة في شيء والاستنكار عليهم إلا وأثبتوا براءتهم منه وإلصاقه بي ، وعرفت أنهم يقولون صدقا وعلى مرّ الأيام ومن خلال البحث اقتنعت والحمد لله ، وها أنا مقدم لك ما يثبت ذلك في هذا الموضوع :

__________________

(١) مقال الأستاذ محمد المديني عميد كلية الشريعة في الجامع الأزهر مجلة رسالة الإسلام العدد الرابع من السنة الحادية عشر ص ٣٨٢ و ٣٨٣.

٢٠٢

أخرج الطبراني والبيهقي

إن من القرآن سورتين إحداهما هي :

بسم الله الرحمن الرحيم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير كله ولا نكفرك ونخلع ونترك من يفجرك.

والسورة الثانية هي :

بسم الله الرحمن الرحيم اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد وإليك نسعى ونحفد ، نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجد إن عذابك بالكافرين ملحق.

وهاتان السورتان سماهما الراغب في المحاضرات سورتي القنوت وهما مما كان يقنت بهما سيدنا عمر بن الخطاب وهما موجودتان في مصحف ابن عباس ومصحف زيد بن ثابت (١).

أخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده.

عن أبي بن كعب قال : كم تقرءون سورة الأحزاب؟ قال : بضعاً وسبعين آية ، قال : لقد قرأتها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل البقرة أو أكثر منها وإن فيها أية الرجم (٢).

وأنت ترى أيها القارئ اللبيب ، أن السورتين المذكورتين في كتابي الإتقان والدر المنثور للسيوطي واللتين أخرجهما الطبراني والبيهقي والتين تسميان بسورتي القنوت لا وجود لهما في كتاب الله تعالى.

وهذا يعني أن القرآن الذي بين أيدينا ينقص هاتين السورتين الثابتتين في مصحف ابن عباس ومصحف زيد بن ثابت كما يدل أيضاً بأن هناك مصاحف أخرى غير التي عندنا ، وهو يذكرني أيضاً بالتشنيع على أن للشيعة مصحف فاطمة ، فافهم!

__________________

(١) جلال الدين السيوطي في الإتقان وكذلك في الدر المنثور.

(٢) مسند الإمام أحمد بن حنبل ج ٥ ص ١٣٢.

٢٠٣

وإن أهل السنة والجماعة يقرءون هاتين السورتين في دعاء القنوت كل صباح ، وكنت شخصياً أحفظهما وأقرأ بهما في قنوت الفجر.

أما الرواية الثانية التي أخرجها الإمام أحمد في مسنده والتي تقول بأن سورة الأحزاب ناقصة ثلاثة أرباع ، لأن سورة البقرة فيها ٢٨٦ آية بينما لا تتعدى سورة الأحزاب ٧٣ آية وإذا اعتبرنا عد القرآن بالحزب فإن سورة البقرة فيها أكثر من خمسة أحزاب بينما لا تعد سورة الأحزاب إلا حزباً واحداً.

وقول ابي بن كعب : «كنت أقرأها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مثل البقرة أو أكثر» وهو من أشهر القراء الذين كانوا يحفظون القرآن على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو الذي اختاره عمر (١) ليصلي بالناس صلاة التراويح. فقوله هذا يبعث الشك والحيرة كما لا يخفى.

وأخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده (٢) عن أبي بن كعب قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

«إن الله تبارك وتعالى أمرني أن أقرأ عليك القرآن فقال فقرأ : لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب ، فقرأ فيها «ولو أن ابن آدم سأل وادياً من مال فأعطيه لسأل ثانياً فلو سأل ثانياً فأعطيه لسأل ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب وإن ذلك الدين القيم عند الله الحنفية غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية ومن يفعل خيراً فلن يكفره».

ـ وأخرج الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي بن كعب أن أبا الدرداء ركب إلى المدينة في نفر من أهل دمشق فقرأ فيها على عمر بن الخطاب هذه الآية :

(إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام) فقال عمر بن الخطاب من أقرأكم هذا القراءة؟ فقالوا :

__________________

(١) البخاري ج ٢ ص ٢٥٢.

(٢) مسند الإمام أحمد بن حنبل ج ٥ ص ١٣١.

٢٠٤

أبي بن كعب ، فدعاه فقال لهم عمر اقرءوا ، فقرءوا : (ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام) فقال أبي بن كعب لعمر بن الخطاب ، نعم أنا أقرأتهم فقال عمر لزيد بن ثابت اقرأ يا زيد ، فقرأ زيد قراءة العامة فقال عمر : اللهم لا أعرف إلا هذا! فقال أبي بن كعب :

والله يا عمر إنك لتعلم أني كنت أحضر ويغيبون وأدنو ويحجبون ، وو الله لئن أحببت لألزمن بيتي فلا أحدّث أحداً ولا أقرئ أحداً حتى أموت ، فقال عمر اللهم غفراً ، إنك لتعلم أن الله قد جعل عندك علماً فعلّم الناس ما علمت.

قال ومر عمر بغلام وهو يقرأ في المصحف :

(النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم وهو أب لهم) فقال : يا غلام حكها ، فقال هذا مصحف أبي بن كعب فذهب إليه فسأله فقال له : إنه كان يلهيني القرآن ويلهيك الصفق بالأسواق (١)

وروى مثل هذا ابن الأثير في جامع الأصول وأبو داود في سننه ، والحاكم في مستدركه.

وأترك لك أخي القارئ أن تعلق في هذه المرة بنفسك على أمثال هذه الروايات التي ملأت كتب أهل السنة والجماعة ، وهم غافلون عنها ويشنعون على الشيعة الذين لا يوجد عندهم عشر هذا.

ولكن لعل بعض المعاندين من أهل السنة والجماعة ينفر من هذه الروايات فيرفضها كعادته وينكر على الإمام أحمد تخريجه مثل هذه الخرافات فيضعّف أسانيدها ويعتبر أن مسند الإمام أحمد وسنن أبي داود ليسا عند أهل السنة بمستوى صحيحي البخاري ومسلم ، ولكن مثل هذه الروايات موجودة في صحيح البخاري وصحيح مسلم أيضاً.

__________________

(١) تاريخ دمشق للحافظ بن عساكر ج ٢ ص ٢٢٨.

٢٠٥

فقد أخرج الإمام البخاري في صحيحه (١) في باب مناقب عمار وحذيفة رضي الله عنهما عن علقمة قال : قدمت الشام فصليت ركعتين ثمّ قلت : اللهم يسّر لي جليساً صالحاً ، فأتيت قوماً فجلست إليهم فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي قلت من هذا؟ قالوا : أبو الدرداء ، قلت إني دعوت الله أن ييسر لي جليساً صالحاً فيسّرك لي ، قال ممن أنت ، فقلت من أهل الكوفة ، قال : أوليس عندكم ابن أم عبد صاحب النعلين والوساد والمطهرة ، وفيكم الذي أجاره الله من الشيطان على لسان نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أوليس فيكم صاحب سر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي لا يعلم أحد غيره ، ثمّ قال كيف يقرأ عبد الله (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى) فقرأت عليه (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى) قال والله لقد أقرأنيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من فيه إلى في.

ثمّ زاد في رواية أخرى قال ما زال بي هؤلاء حتى كادوا يستنزلوني عن شيء سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٢).

وفي رواية أخرى قال : (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى) قال : أقرأنيها النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاه إلى في فما زال هؤلاء حتى كادوا يردوني (٣)

فهذه الروايات كلها تفيد بأن القرآن الذي عندنا زيد فيه كلمة (وَما خَلَقَ).

ـ وأخرج البخاري في صحيحه بسنده عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب قال : إن الله بعث محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها ، فلذا رجم رسول الله

__________________

(١) صحيح البخاري ج ٤ ص ٢١٥

(٢) صحيح البخاري ج ٤ ص ٢١٦.

(٣) صحيح البخار ج ٤ ص ٢١٨ (باب مناقب عبد الله بن مسعود)

٢٠٦

صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان أين يقول قائل : والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ، والرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل والاعتراف ، ثمّ إنا كنا نقرأ فيما نقرأ من كتاب الله أن لا ترغبوا عن آبائكم فإنه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم أو إن كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم (١).

ـ وأخرج الإمام مسلم في صحيحه (٢) (في باب لو أن لابن آدم واديين لابتغى ثالثاً).

قال : بعث أبو موسى الأشعري إلى قراء أهل البصرة فدخل عليه ثلاثمائة رجل قد قرءوا القرآن فقال : أنتم خيار أهل البصرة وقراءهم فاتلوه ولا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم ، وإنا كنا نقرأ سورة كنا نشبهها في الطول والشدة ببراءة فأنسيتها غير أني قد حفظت منها (لو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى وادياً ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب).

وكنا نقرأ سورة كنا نشبهها بإحدى المسبحات فأنسيتها غير أني حفظت منها (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون فتكتب شهادة في أعناقكم فتسألون عنها يوم القيامة) (٣).

وهاتان السورتان المزعومتان اللتان نسيهما أبو موسى الأشعري إحداهما تشبه براءة يعني ١٢٩ آية والثانية تشبه إحدى المسبحات يعني عشرون آية. لا وجود لهما إلا في خيال أبي موسى ، فاقرأ واعجب فإني أترك لك الخيار أيها الباحث المنصف.

فإذا كانت كتب أهل السنة والجماعة ومسانيدهم وصحاحهم مشحونة بمثل

__________________

(١) صحيح البخاري ج ٨ ص ٢٦ (باب رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت).

(٢ و ٣) صحيح مسلم ج ٣ ص ١٠٠ (باب لو أن لابن آدم واديان لابتغى ثالثا)

٢٠٧

هذه الروايات التي تدعي بأن القرآن ناقص مرة ، وزائد أخرى ، فلما ذا هذا التشنيع على الشيعة الذين أجمعوا على بطلان هذا الادعاء.

وإذا كان الشيعي صاحب كتاب «فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الارباب» وهو المتوفى سنة ١٣٢٠ هجرية كتب كتابه منذ ما يقرب مائة عام ، فقد سبقه السني في مصر صاحب كتاب «الفرقان» بما يقارب أربعة قرون كما أشار إلى ذلك الشيخ محمد المدني عميد كلية الشريعة بالأزهر (١).

والمهم في كل هذا أن علماء السنة وعلماء الشيعة من المحققين قد أبطلوا مثل هذه الروايات واعتبروها شاذة وأثبتوا بالادلة المقنعة بأن القرآن الذي بين أيدينا هو نفس القرآن الذي أنزل على نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس فيه زيادة ولا نقصان ولا تبديل ولا تغيير.

فكيف يشنّع أهل السنة والجماعة على الشيعة من أجل روايات ساقطة عندهم ، ويبرءون أنفسهم بينما صحاحهم تثبت صحة تلك الروايات؟

وإني إذ أذكر مثل هذه الروايات بمرارة كبيرة وأسف شديد ، فما أغنانا اليوم عن السكوت عنها وطيّها في سلة المهملات ، لو لا الحملة العشواء التي شنها بعض الكتّاب والمؤلفين ممن يدعون التمسك بالسنة النبوية ومن ورائهم دوائر معروفة تموّلهم وتشجّعهم على الطعن وتكفير الشيعة خصوصاً بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران ، فإلى هؤلاء أقول : اتقوا الله في إخوانكم ، واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ، واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً.

__________________

(١) رسالة الإسلام العدد الرابع من السنة الحادية عشر ص ٣٨٢ و ٣٨٣.

٢٠٨

الجمع بين الصلاتين

ومما يشنّع به على الشيعة أيضاً جمعهم بين صلاة الظهر والعصر وبين صلاة المغرب والعشاء.

وأهل السنة والجماعة إذ يشنعون على الشيعة فإنهم يؤكدون في المقابل بأنهم يحافظون على الصلاة لأن الله سبحانه وتعالى يقول : (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً.)

وقبل أن نحكم لهم أو عليهم يجب علينا أن نبحث في الموضوع من جميع جوانبه ونرى أقوال الطرفين :

أما أهل السنة والجماعة فهم متفقون على جواز الجمع يعرفه بين الظهر والعصر ويسمى جمع تقديم ، وجواز الجمع بالمزدلفة وقت العشاء بينها وبين فريضة المغرب ويسمى جمع تأخير ، وهذا ما يتفق عليه كل المسلمون شيعة وسنة بل كل الفرق الإسلامية بدون استثناء.

والخلاف بين الشيعة واهل السنة هو في جواز الجمع بين الفريضتين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء في كل أيام السنة بدون عذر السفر.

أما الحنفية فيقولون بعدم الجواز حتى في السفر وذلك مع وجود النصوص

٢٠٩

الصريحة بجوازه لا سيما في السفر وخالفوا بذلك إجماع الأمة سنة وشيعة.

وأما المالكية والشافعية والحنبلية فيقولون بجواز الجمع بين الفريضتين في السفر ، ويختلفون بينهم في جوازه لعذر الخوف والمرض والمطر والطين.

وأما الشيعة الإمامية فمتفقون على جوازه مطلقاً في غير سفر ولا مطر ولا مرض ولا خوف ، وذلك اقتداء بما رووه عن أئمة أهل البيت من العترة الطاهرة (عليهم‌السلام)

وهنا يجب علينا أن نقف منهم موقف الاتهام والتشكيك ، لأنه كلما أحتج أهل السنة والجماعة عليهم بحجة ، إلا ويردونها بأن الأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام علموهم وبينوا لهم كل ما أشكل عليهم ويفتخرون بأنهم يقتدون بأئمة معصومين يعلمون القرآن والسنة!

وانا أتذكر بأن أول صلاة جمعت فيها بين الظهر والعصر كانت بإمامة الشهيد محمد باقر الصدر عليه رضوان الله إذ كنت وأنا في النجف أفرّق بين الظهر والعصر حتى كان ذلك اليوم السعيد الذي خرجت فيه مع السيد محمد باقر الصدر من بيته إلى المسجد الذى يؤم فيه مقلديه الذين احترموني وتركوا لي مكاناً خلفه بالضبط ولما انتهت صلاة الظهر وأقيمت صلاة العصر حدثتني نفسي بالانسحاب ولكن بقيت لسببين أولهما هيبة السيد الصدر وخشوعه في الصلاة حتى تمنيت أن تطول وثانيهما وجودي في ذلك المكان وأنا أقرب المصلين إليه وأحسست بقوة قاهرة تشدني إليه ولما فرغنا من أداء فريضة العصر وانهال عليه الناس يسألونه بقيت خلفه أسمع الأسئلة والإجابة عليها إلا ما كان خفياً ، ثمّ أخذني معه إلى بيته للغذاء وهناك وجدت نفسي ضيف الشرف ، واغتنمت فرصة ذلك المجلس وسألته عن الجمع بين الصلاتين.

ـ سيدي! أيمكن للمسلم أن يجمع بين الفريضتين في حالة الضرورة؟

قال : يمكن له أن يجمع بين الفريضتين في جميع الحالات وبدون ضرورة

قلت : وما هي حجتكم؟

٢١٠

قال : لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بين الفريضتين في المدينة في غير سفر ولا خوف ولا مطر ولا ضرورة ، وإنها فقط لدفع الحرج عنا ، وهذا بحمد الله ثابت عندنا من طريق الأئمة الأطهار وثابت أيضاً عندكم.

ـ استغربت كيف يكون ثابتاً عندنا ولم أسمع به قبل ذلك اليوم ولا رأيت أحداً من اهل السنة والجماعة يعمل به بل بل بالعكس يقولون ببطلان الصلاة إذا وقعت حتى دقيقة قبل الأذان فكيف بمن يصليها قبل ساعات مع الظهر ، أو يصلي صلاة العشاء مع المغرب فهذا يبدوا عندنا منكراً وباطلاً.

وفهم السيد محمد باقر الصدر حيرتي واستغرابي وهمس إلى بعض الحاضرين فقام مسرعاً وجاءه بكتابين عرفت بأنهما صحيح البخاري وصحيح مسلم ، وكلف السيد الصدر ذلك الطالب بأن يطلعني على الأحاديث التي تتعلق بالجمع بين الفريضتين. وقرأت بنفسي في صحيح البخاري كيف جمع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فريضة الظهر والعصر وكذلك فريضة المغرب والعشاء كما قرأت في صحيح مسلم بابا كاملاً في الجمع بين الصلاتين في الحضر في غير خوف ولا مطر ولا سفر.

ولم أخف تعجّبي ودهشتي وإن كان الشك داخلني بأن البخاري ومسلم اللذين عندهم قد يكونان محرفين وأخفيت في نفسي أن اراجع هذين الكتابين في تونس.

وسألني السيد محمد باقر الصدر عن رأيي بعد هذا الدليل.

ـ قلت : أنتم على الحق ، وأنتم صادقون في ما تقولون ، وبودي أن أسألكم سؤالا آخر

قل : تفضل.

قلت : هل يجوز الجمع بين الصلوات الأربع كما يفعل كثير من الناس عندنا لما يرجعوا في الليل يصلون الظهر والعصر والمغرب والعشاء قضاء.

قال : هذا لا يجوز.

٢١١

قلت : إنك قلت لي فيما سبق بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرّق وجمع وبذلك فهمنا مواقيت الصلاة التي ارتضاها الله سبحانه.

ـ قال : إن لفريضتي الظهر والعصر وقت مشترك ويبتدئ من زوال الشمس إلى الغروب ، ولفريضتي المغرب والعشاء أيضاً وقت مشترك ويبتدئ من غروب الشمس إلى منتصف الليل ولفريضة الصبح وقت واحد يبتدئ من طلوع الفجر إلى شروق الشمس فمن خالف هذه المواقيت يكون خالف الآية الكريمة (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) فلا يمكن لنا مثلاً ان نصلي الصبح قبل الفجر ولا بعد شروق الشمس كما لا يمكن لنا أن نصلي فريضتي الظهر والعصر قبل الزوال أو بعد الغروب كما لا يجوز لنا أن نصلي فريضتي المغرب والعشاء قبل الغروب ولا بعد منتصف الليل.

وشكرت السيد محمد باقر الصدر وإن كنت اقتنعت بكل أقواله غير أني لم أجمع بين الفريضتين بعد مغادرته إلا عند ما رجعت إلى تونس وانهمكت في البحث واستبصرت.

هذه قصتي مع الشهيد الصدر رحمة الله عليه في خصوص الجمع بين الفريضتين أرويها ليتبين إخواني من أهل السنة والجماعة أولا ، كيف تكون أخلاق العلماء الذين تواضعوا حتى كانوا بحق ورثة الأنبياء في العلم والأخلاق.

وثانياً : كيف نجهل ما في صحاحنا ونشنع على غيرنا بأمور نعتقد نحن بصحتها ، وقد وردت في صحاحنا.

فقد أخرج الإمام أحمد بن حنبل في مسنده (١) عن ابن عباس قال : صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المدينة مقيماً غير مسافر سبعاً وثمانياً

وأخرج الإمام مالك في الموطأ (٢) عن ابن عباس قال : صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف

__________________

(١) مسند الإمام أحمد بن حنبل ج ١ ص ٢٢١.

(٢) موطأ الإمام مالك (شرح الحوالك) ج ١ ص ١٦١.

٢١٢

ولا سفر.

وأخرج الإمام مسلم في صحيحه (١) في باب الجمع بين الصلاتين في الحضر قال : عن ابن عباس قال : صلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الظهر والعصر جميعاً ، والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر.

كما أخرج عن ابن عباس أيضاً قال : جمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر قال قلت لابن عباس لم فعل ذلك قال : كي لا يحرج أمته (٢)

ومما يدلك أخي القارئ أن هذه السنة النبوية كانت مشهورة لدى الصحابة ويعملون بها ، ما رواه مسلم أيضاً في صحيحه في نفس الباب قال : خطبنا ابن عباس يوماً بعد العصر حتى غربت الشمس وبدت النجوم وجعل الناس يقولون الصلاة الصلاة ، قال فجاءه رجل من بني تميم لا يفتر ولا يثني الصلاة الصلاة ، فقال ابن عباس : أتعلمني بالسنة لا أم لك ثمّ قال رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء. وفي رواية أخرى قال ابن عباس للرجل : لا أم لك أتعلمنا بالصلاة وكنا نجمع بين الصلاتين على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

وأخرج الإمام البخاري في صحيحه (٤) في باب المغرب قال : حدثنا آدم قال حدثنا شعبة قال حدثنا عمرو بن دينار قال سمعت جابر بن زيد عن ابن عباس قال : صلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبعاً جميعاً وثمانياً جميعاً.

كما أخرج البخاري في صحيحه (٥) في باب وقت العصر قال سمعت أبا

__________________

(١) صحيح مسلم ج ٢ ص ١٥١ (باب الجمع بين الصلاتين في الحضر)

(٢) صحيح مسلم ج ٢ ص ١٥٢.

(٣) صحيح مسلم ج ٢ ص ١٥٣ (باب الجمع بين الصلاتين في الحضر)

(٤) صحيح البخاري ج ١ ص ١٤٠ (باب وقت المغرب)

(٥) صحيح البخاري ج ١ ص ١٣٨ (باب وقت العصر).

٢١٣

أمامة يقول : صلينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثمّ خرجنا حتى دخلنا على أنس بن مالك فوجدناه يصلي العصر فقلت يا عم ما هذه الصلاة التي صليت قال العصر وهذه صلاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي كنا نصلي معه.

ومع وضوح هذه الأحاديث فإنك لا تزال تجد من يشنع بذلك على الشيعة ، وقد حدث ذلك مرة في تونس ، فقد قام الإمام عندنا في مدينة قفصة ليشنّع علينا ويشهر بنا وسط المصلين قائلاً : أرأيتم هذا الدين الذي جاءوا به إنهم بعد صلاة الظهر يقومون ويصلون العصر ، إنه دين جديد ليس هو دين محمد رسول الله ، هؤلاء يخالفون القرآن الذي يقول (إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً) وما ترك شيئاً إلا وشتم به المستبصرين.

وجاءني أحد المستبصرين وهو شاب على درجة كبيرة من الثقافة وحكي لي ما قاله الإمام بألم ومرارة ، فأعطيته صحيح البخاري وصحيح مسلم وطلبت منه أن يطلعه على صحة الجمع وهو من سنة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنني لا أريد الجدال معه فقد سبق لي أن جادلته بالتي هي أحسن فقابلني بالشتم والسب والتهم الباطلة والمهم أن صديقي لم ينقطع من الصلاة خلفه فبعد انتهاء الصلاة جلس الإمام كعادته للدرس فتقدم إليه صديقي بالسؤال عن الجمع بين الفريضتين فقال : إنها من بدع الشيعة ، فقال له صديقي : ولكنها ثابتة في صحيح البخاري ومسلم ، فقال له : غير صحيح فأخرج له صحيح البخاري وصحيح مسلم وأعطاه فقرأ باب الجمع بين الصلاتين يقول صديقي فلما صدمته الحقيقة أمام المصلين الذين يستمعون لدروسه ، أغلق الكتب وأرجعها إلي قائلا : هذه خاصة برسول الله وحتى تصبح أنت رسول الله فبإمكانك أن تصليها ، يقول هذا الصديق فعرفت أنه جاهل متعصب وأقسمت من يومها أن لا أصلي خلفه (١).

__________________

(١) يحكى أن رجلين خرجا للصيد ولقيا سوادا بعيدا فقال الأول إنه غراب وعانده الثاني بأنه عنزة وتعاندا وأصر كل منهما على رأيه ولكنهما عند ما اقتربا من السواد فإذا به غراب انزعج وطار هارباً. فقال الأول ألم أقل لك بأنه غراب هل اقتنعت الآن ولكن صديقه أصر على رأيه وقال : سبحان الله عنزة تطير؟

٢١٤

بعد ذلك طلبت من صديقي بأن يرجع إليه ليطلعه على أن ابن عباس كان يصلي تلك الصلاة كذلك أنس بن مالك وكثير من الصحابة فلما ذا يريد هو تخصيصها برسول الله ، أولم يكن لنا في رسول الله أسوة حسنة؟ ولكن صديقي اعتذر لي قائلا : لا داعي لذلك وإنه لا يقتنع ولو جاءه رسول الله صلى الله عليه آله وسلم.

وإنه والحمد لله بعد أن عرف كثير من الشباب هذه الحقيقة وهي الجمع بين الصلاتين رجع أغلبهم إلى الصلاة بعد تركها لأنهم كانوا يعانون من فوات الصلاة في وقتها ويجمعون الأوقات الأربعة في الليل فتمل قلوبهم ، وأدركوا الحكمة في الجمع بين الفريضتين لأن كل الموظفين والطلبة وعامة الناس يقدرون على أداء الصلوات في أوقاتها وهم مطمئنون ، وفهموا قول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كي لا أحرج أمتي.

٢١٥
٢١٦

السجود على التربة

أجمع علماء الشيعة على القول بأفضلية السجود على الأرض لما يروونه عن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام قول جدهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«افضل السجود على الأرض».

وفي رواية أخرى :

«لا يجوز إلا على الأرض أو ما انبتت الأرض غير مأكول ولا ملبوس».

وقد روى صاحب وسائل الشيعة عن محمد بن علي بن الحسين بإسناده عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : السجود على الأرض أفضل لأنه ابلغ في التواضع ، والخضوع لله عزوجل وفي رواية أخرى عن محمد بن الحسن بإسناده عن إسحاق بن الفضل : أنه سأل أبا عبد الله عليه‌السلام عن السجود على الحصر والبواري المنسوجة من القصب فقال : لا بأس ، وأن يسجد على الأرض أحب إلي ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سلم كان يحب ذلك ، أن يمكّن جبهته من الأرض ، فأنا أحب لك ما كان يحبه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

٢١٧

أما علماء أهل السنة والجماعة فلا يرون بأساً في السجود على الزرابي والفرش وإن كان عندهم أفضلية في الحصر.

وهناك بعض الروايات التي يخرجها البخاري ومسلم في صحيحيهما تؤكد أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كانت له خمرة مصنوعة من سعف يسجد عليها فقد أخرج مسلم في صحيحه في كتاب الحيض عن يحيى بن يحيى وأبو بكر بن أبي شيبة عن أبي معاوية عن الأعمش عن ثابت بن عبيد عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت : قال لي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ناوليني الخمرة من المسجد قالت فقلت إني حائض فقال : إن حيضتك ليست في يدك (١) (يقول مسلم : والخمرة هي السجادة الصغيرة مقدار ما يسجد عليها)

ومما يدلنا على أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يحب السجود على الأرض ، ما أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعتكف في العشر الأواسط من رمضان فاعتكف عاماً حتى إذا كان ليلة إحدى وعشرين وهي الليلة التي يخرج صبيحتها من اعتكافه قال : من كان اعتكف معي فليعتكف العشر الأواخر وقد رأيت هذه الليلة ثمّ أنسيتها وقد رأيتني أمجد في ماء وطين من صبيحتها فالتمسوها في العشر الأواخر والتمسوها في كل وتر ، فمطرت السماء تلك الليلة وكان المسجد على عريش فوكف المسجد فبصرت عيناي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على جبهته أثر الماء والطين من صبح إحدى وعشرين (٢)

ومما يدلنا أيضاً على أن الصحابة كانوا يفضلون السجود على الأرض وذلك بحضرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ما أخرجه الإمام النسائي في سننه في باب تبريد الحصى للسجود عليه قال : أخبرنا قتيبة قال حدثنا عباد عن

__________________

(١) صحيح مسلم ج ١ ص ١٦٨ (باب جواز غسل الحائض رأس زوجها)

سنن ابن داود ج ١ ص ٦٨ (باب الحائض تناول من المسجد)

(٢) صحيح البخاري ج ٢ ص ٢٥٦ (باب الاعتكاف في العشر الأواخر)

٢١٨

محمد بن عمرو عن سعيد بن الحرث عن جابر بن عبد الله قال : كنا نصلي مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الظهر فأخذ قبضة من حصى في كفي أبرده ثمّ أحوّله في كفي الآخر فإذا سجدت وضعته لجبهتي (١).

أضف إلى كل ذلك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :

«جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً» (٢)

وقال أيضاً :

«جعلت لنا الأرض كلها مسجداً وجعلت تربتها لنا طهوراً» (٣)

فكيف يتعصب المسلمون ضد الشيعة لأنهم يسجدون على الأرض بدلاً من السجود على الزرابي.

وكيف يصل بهم الأمر إلى تكفيرهم والتشنيع عليهم وقذفهم زوراً وبهتاناً بأنهم عبّاد الأصنام.

وكيف يضربونهم في السعودية لمجرد وجود التربة في جيوبهم أو في حقائبهم.

أهذا هو الإسلام الذي يأمرنا باحترام بعضنا وعدم إهانة المسلم الموحد الذي يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويصوم رمضان ويحج البيت وهل يعقل عاقل بأن الشيعي يتكبّد تلك الأتعاب ويخسر تلك الخسائر ويأتي لحج بيت الله الحرام وزيارة قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يعبد الحجارة كما يحلو للبعض أن يصوروه؟

أفلا يقتنع أهل السنة والجماعة بقول الشهيد محمد باقر الصدر الذي نقلته في كتابي الأول «ثمّ اهتديت» عند ما سألته عن التربة فقال : نحن نسجد لله على

__________________

(١) سنن الإمام النسائي ج ٢ ص ٢٠٤ (باب تبريد الحصى للسجود عليه)

(٢) صحيح البخاري ج ١ ص ٨٦ (كتاب التيمم)

(٣) صحيح مسلم ج ٢ ص ٦٤ (كتاب المساجد ومواضع الصلاة).

٢١٩

الأرض ، فهناك فرق بين السجود على التراب والسجود للتراب!

وإذا كان الشيعي يحتاط ليكون سجوده طاهراً ومقبولا عند الله فيمتثل أوامر رسول الله والأئمة الأطهار من أهل البيت وخصوصا في زماننا هذا الذي أصبحت في كل المساجد مفروشة بالزرابي الوثيرة وفي البعض بما يسمى (moquette) وهي مادة مجهولة الصنع لدى عامة المسلمين ولم تصنع في بلاد إسلامية ولعل البعض منها فيها ما لا يجوز السجود عليه ، أفيحق لنا أن ننبذ هذا الشيعي الذي يهتم بصحة صلاته ، ونتهمه بالكفر والشرك لمجرد شبهة زائفة؟

والشيعي الذي يهتم بأمور دينه وخصوصاً بصلاته التي هي عمود الدين فتراه ينزع حزامه وينزع ساعته لأن فيها حزاماً من الجلد الذي لا يعلم منشأه وفي بعض الأوقات ينزع سرواله الإفرنجي ليصلي في سروال فضفاض كل ذلك احتياطا واهتماما بتلك الوقفة العظيمة بين يدي الله لكي لا يقابل ربه بشيء يكرهه ، أيستحق هذا منا الاستهزاء والنفور أم يستحق الاحترام والإكبار؟ لأنه عظم شعائر الله (وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ.)

يا عباد الله اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً.

(وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِيما أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذابٌ عَظِيمٌ ، إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ) (١)

__________________

(١) سورة النور آية ١٥.

٢٢٠