لأكون مع الصادقين

الدكتور محمّد التيجاني السماوي

لأكون مع الصادقين

المؤلف:

الدكتور محمّد التيجاني السماوي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: افق
الطبعة: ١٠
ISBN: 978-964-438-265-9
الصفحات: ٢٤٨

قولهم بأن الله سبحانه يبدو له فيغيّر ويبدّل الحكم خمس مرات في فريضة واحدة وفي ليلة واحدة وهي ليلة المعراج

لعن الله التعصب الأعمى والعناد المقيت الذي يغطي الحقائق ويقلبها ظهر على عقب ، فيتحامل المتعصب على من يخالفه في الرأي وينكر عليه الأمور الواضحة ويقوم بالتشنيع عليه وبث الإشاعات ضده ، والتهويل في أبسط القضايا ، التي يقول هو بأكثر منها.

وهذا يذكرني بما قاله سيدنا عيسى عليه‌السلام لليهود عند ما قال لهم :

«أنتم تنظرون إلى التبنة في أعين الناس. ولا تنظرون إلى الخشبة في أعينكم».

أو بالمثل القائل : «رمتني بدائها وانسلت» ولعل البعض يعترض بأنه لم يرد لفظ البداء عند أهل السنة ، وبأن هذه القصة وأن كان معناها التغيير والتبديل في الحكم ولكن لا تقطع بانه بدا لله فيها.

وأقول هذا لأنه كثيراً ما كنت أستعرض قصة المعراج للاستدلال بها على القول بالبداء عند أهل السنة ، فاعترض عليّ بعضهم بهذا الرأي ولكنهم سلموا بعدها عند ما أوقفتهم على رواية أخرى من صحيح البخاري تذكر البداء بلفظة صراحة لا لبس فيها.

فقد روى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إن ثلاثة من بني إسرائيل أبرص واعمى وأقرع بدا لله أن يبتليهم ، فبعث إليهم ملكاً فأتى الأبرص ، فقال : أي شيء أحب إليك؟ فقال لون حسن وجلد حسن ، قد قذرني الناس فمسحه فذهب عنه ، فأعطي لوناً حسناً وجلداً حسناً ، ثمّ قال له : أي المال أحب إليك ، فقال : الإبل ، فأعطى ناقة عشراء ، وأتى الأقرع فقال : أي شيء ، أحب إليك ، قال : شعر حسن ويذهب عني هذا قد قذرني الناس ، فمسحه فذهب عنه وأعطي شعراً حسناً ، ثمّ قال له : أي المال أحب إليك فقال : البقر ، فأعطاه بقرة حاملاً ، وأتى الأعمى فقال : أي شيء

١٨١

أحب إليك قال : يرد الله بصري ، فمسحه فرد الله إليه بصره ، قال : فأي المال أحب إليك ، قال : الغنم ، فأعطاه شاة ولوداً ...

ثمّ رجع الملك بعد أن تكاثرت عند هؤلاء الإبل والبقر والغنم حتى أصبح يملك كل منهم قطيعاً فأتى الأبرص والأقرع والأعمى كل على صورته ، وطلب من كل واحد منهم أن يعطيه مما عنده فرده الأقرع والأبرص فأرجعهما الله إلى ما كانا عليه ، وأعطاه الأعمى فزاده الله وأبقاه مبصراً» (١)

ولهذا أقول لإخواني قول الله تعالى :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ ، وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٢).

كما أتمنى من كل قلبي أن يثوب المسلمون إلى رشدهم وينبذوا التعصب ويتركوا العاطفة لتحل العقل محلها في كل بحث ، حتى مع أعدائهم وليتعلموا من القرآن الكريم أسلوب البحث والنقاش والمجادلة بالتي هي أحسن ، فقد أوحى إلى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأن يقول للمعاندين (وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٣) فرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يرفع من قيمة هؤلاء المشركين ويتنازل هو ليعطيهم النصف حتى يدلوا ببرهانهم وأدلتهم إن كانوا صادقين فأين نحن من هذا الخلق العظيم.

__________________

(١) صحيح البخاري ج ٢ ص ٢٥٩.

(٢) سورة الحجرات آية ١١.

(٣) سورة سبأ آية ٢٤.

١٨٢

التقية

وكما قدمنا بالنسبة إلى القول بالبداء فإن التقية هي أيضاً من الأمور المستنكرة عند أهل السنة والجماعة وهم ينبزون بها إخوانهم الشيعة ويعتبرونهم منافقين إذ يظهرون ما لا يبطنون!!

وكثيراً ما حاورت البعض منهم وحاولت إقناعهم بأن التقية ليست نفاقاً ، ولكنهم لم يقتنعوا بل إنك تجد السامع لهذا يشمئز أحياناً ، ويتعجب أحياناً أخرى ، وهو يظن أن هذه العقائد مبتدعة في الإسلام وكأنها من مختلقات الشيعة وبدعهم.

ولكن إذا بحث الباحث وأنصف المنصف سيجد ان هذه العقائد كلها من صلب الإسلام وهي وليدة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة ، بل لا تستقيم المفاهيم الإسلامية السمحاء والشريعة القويمة إلا بها.

والأمر العجيب في أهل السنة والجماعة ، أنهم يستنكرون عقائد يقولون بها ، وكتبهم وصحاحهم ومسانيدهم مليئة بذلك وتشهد عليهم.

فاقرأ معي ما يقوله أهل السنة والجماعة في مسألة التقية :

ـ أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله

١٨٣

تعالى : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) (١) قال : التقية باللسان ، من حمل على أمر يتكلم به وهو معصية لله فيتكلم به مخافة الناس ، وقلبه مطمئن بالإيمان ، فإن ذلك لا يضره ، إنما التقية باللسان (٢).

ـ وأخرج الحاكم وصححه ، والبيهقي في سننه من طريق عطاء عن ابن عباس في قوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) قال : التقاة هي التكلم باللسان والقلب مطمئن بالإيمان (٣).

ـ واخرج عبد بن حميد عن الحسن قال : التقية جائزة إلى يوم القيامة (٤)

ـ واخرج عبد بن أبي رجاء أنه كان يقرأ : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) (٥).

ـ واخرج عبد الرزاق وابن سعد وابن جرير ، وابن أبي حاتم وابن مردويه ، وصححه الحاكم في المستدرك ، والبيهقي في الدلائل : قال : أخذ المشركون عمار بن ياسر فلم يتركوه حتى سب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ما وراءك شيء؟ قال : شر ، ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير قال : كيف تجد قلبك؟ قال : مطمئن بالإيمان ، قال : إن عادوا فعد ، فنزلت (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ.) (٦)

ـ واخرج ابن سعد عن محمد بن سيرين : أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقي عماراً وهو يبكي ، فجعل يمسح عن عينيه ويقول : «أخذك الكفار فغطوك في الماء فقلت كذا وكذا فإن عادوا فقل لهم ذلك» (٧)

__________________

(١) سورة آل عمران آية ٢٨.

(٢) الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي.

(٣) سنن البيهقي مستدرك الحاكم.

(٤) جلال الدين السيوطي في الدر المنثور ج ٢ ص ١٧٦.

(٥) جلال الدين السيوطي في الدر المنثور ج ٢ ص ١٧٦.

(٦) سورة النحل آية ١٠٦.

(٧) الطبقات الكبرى لابن سعد.

١٨٤

ـ وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه من طريق علي عن ابن عباس في قوله تعالى : (مَنْ كَفَرَ بِاللهِ ...) الآية قال : أخبر الله سبحانه : أن من كفر بالله من بعد إيمانه فعليه غضب من الله وله عذاب عظيم ، فأما من أكره ، فتكلم بلسانه وخالفه قلبه بالإيمان لينجو بذلك من عدوه ، فلا حرج عليه ، لأن الله سبحانه إنما يؤاخذ العباد بما عقدت عليه قلوبهم (١).

ـ وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال : نزلت هذه الآية في أناس من أهل مكة آمنوا ، فكتب إليهم بعض الصحابة بالمدينة ، أن هاجروا فإنا لا نرى أنكم منا حتى تهاجروا إلينا ، فخرجوا يريدون المدينة فأدركتهم قريش في الطريق ففتنوهم ، فكفروا مكرهين ، ففيهم نزلت هذه الآية (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) (٢).

ـ وأخرج البخاري في صحيحه في باب المداراة مع الناس ويذكر عن أبي الدرداء قال : «إنا لنكشر في وجوه أقوام وأن قلوبنا لتلعنهم». (٣)

ـ وأخرج الحلبي في سيرته قال : لما فتح رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مدينة خيبر ، قال له حجاج بن علاط : يا رسول الله إن لي بمكة مالاً وإن لي بها أهلاً ، وأنا اريد أن آتيهم فأنا في حل إن أنا نلت منك ، وقلت شيئاً؟ فأذن له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقول ما يشاء» (٤).

ـ وجاء في كتاب إحياء العلوم للإمام الغزالي قوله : «إن عصمة دم المسلم واجبة ، فمهما كان القصد سفك دم مسلم قد اختفى من ظالم فالكذب فيه واجب (٥).

__________________

(١) سنن البيهقي.

(٢) الدر المنثور في التفسير بالمأثور لجلال الدين السيوطي ج ٢ ص ١٧٨.

(٣) صحيح البخاري ج ٧ ص ١٠٢.

(٤) السيرة الحلبية ج ٣ ص ٦١.

(٥) إحياء علوم الدين لحجة الإسلام أبي حامد الغزالي.

١٨٥

ـ وأخرج جلال الدين السيوطي في كتاب الأشباه والنظائر. قال : «ويجوز أكل الميتة في المخمصة ، وإساغة اللقمة في الخمر والتلفظ بكلمة الكفر ، ولو عم الحرام قطراً بحيث لا يوجد فيه حلال إلا نادراً فإنه يجوز استعمال ما يحتاج إليه».

ـ وأخرج أبو بكر الرازي في كتابه أحكام القرآن في تفسيره قوله تعالى «إلا أن تتقوا منهم تقاة» قال يعني أن تخافوا تلف النفس أو بعض الأعضاء ، فتتقوهم بإظهار الموالاة من غير اعتقاده لها ، وهذا ظاهر ما يقتضيه اللفظ ، وعليه الجمهور من اهل العلم ، كما جاء عن قتادة في قوله تعالى : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) قال : لا يحل لمؤمن أن يتخذ كافراً ولياً في دينه ، وقوله تعالى : (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) يقتضي جواز إظهار الكفر عند التقية» (١).

ـ وأخرج البخاري في صحيحه عن قتيبة بن سعيد عن سفيان عن ابن المكندر حدثه عن عروة بن الزبير ان عائشة أخبرته أنه استأذن على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رجل ، فقال : ائذنوا له فبئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة ، فلما دخل ألان له الكلام فقلت : يا رسول الله قلت ما قلت ثمّ ألنت له في القول؟ فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«أي عائشة إن شر الناس منزلة عند الله من تركه أو ودعه الناس اتقاء فحشه» (٢).

وهذا يكفينا دلالة بعد استعراض ما سبق على أن أهل السنة والجماعة يؤمنون بجواز التقية إلى أبعد حدودها من أنها جائزة إلى يوم القيامة كما مر عليك ومن وجوب الكذب كما قال الغزالي ، ومن إظهار الكفر وهو مذهب الجمهور من أهل العلم كما اعترف بذلك الرازي ومن جواز الابتسام في الظاهر واللعن في

__________________

(١) أحكام القرآن للرازي ج ٢ ص ١٠

(٢) صحيح البخاري ج ٧ ص ٨١ (باب لم يكن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاحشاً ولا متفحشاً).

١٨٦

الباطن كما اعترف بذلك البخاري ومن جواز أن يقول الإنسان ما يشاء وينال من رسول الله خوفاً على ماله كما صرح بذلك صاحب السيرة الحلبية ، وأن يتكلم بما فيه معصية الله مخافة الناس كما أعترف به السيوطي.

فلا مبرر لأهل السنة والجماعة في التشنيع والإنكار على الشيعة من أجل عقيدة يقولون بها هم أنفسهم ويروونها في صحاحهم ومسانيدهم بأنها جائزة بل واجبة ، ولم يزد الشيعة على ما قاله أهل السنة شيئاً ، سوى أنهم اشتهروا بالعمل بها أكثر من غيرهم لما لاقوه من الأمويين والعباسيين من ظلم واضطهاد ، فكان يكفي في تلك العصور أن يقال : هذا رجل يتشيع لأهل البيت ليلاقي حتفه ويقتل شر قتلة على يد أعداء أهل البيت النبوي.

فكان لا بد لهم من العمل بالتقية اقتداء بما أشار عليهم أئمة أهل البيت عليهم‌السلام ، فقد روي عن الإمام جعفر الصادق أنه قال «التقية ديني ودين آبائي» وقال : «من لا تقية له لا دين له» وقد كانت التقية شعاراً لأئمة أهل البيت أنفسهم دفعا للضرر عنهم وعن أتباعهم ومحبيهم ، وحقناً لدمائهم واستصلاحاً لحال المسلمين الذين فتنوا في دينهم كما فتن عمار بن ياسر رضي الله عنه وحتى أكثر.

أما أهل السنة والجماعة فقد كانوا بعيدين عن ذلك البلاء لأنهم كانوا في معظم عهودهم على وفاق تام مع الحكام فلم يتعرضوا لا لقتل ولا لنهب ولا لظلم ، فكان من الطبيعي جداً أن ينكروا التقية ويشنعون على العاملين بها وقد لعب الحكام من بني أمية وبني العباس دوراً كبيراً في التشهير بالشيعة من أجل التقية.

وبما أن الله سبحانه أنزل فيها قرآنا يتلى وأحكاماً تقضى وبما أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عمل هو نفسه بها كما مر عليك في صحيح البخاري ، وانه أجاز لعمار بن ياسر أن يسبه ويكفر إذا عاوده الكفار بالتعذيب ، وبما أن علماء المسلمين أجازوا ذلك اقتداء بكتاب الله وسنة رسوله فأي تشنيع وأي استنكار بعد هذا يصح أن يوجه إلى الشيعة؟!

١٨٧

وقد عمل بالتقية الصحابة الكرام في عهد الحكام الظالمين أمثال معاوية الذي كان يقتل كل من امتنع عن لعن علي بن أبي طالب ، وقصة حجر بن عدي الكندي وأصحابه مشهورة وأمثال يزيد وابن زياد والحجاج وعبد الملك بن مروان وأضرابهم ولو شئت جمع الشواهد على عمل الصحابة بالتقية لاستوجب كتاباً كاملاً ، ولكن ما أوردته من أدلة أهل السنة والجماعة كاف بحمد الله.

ولا أترك هذه الفرصة تفوت لأروي قصة طريفة وقعت لي شخصياً مع عالم من علماء أهل السنة التقينا في الطائرة وكنا من المدعوين لحضور مؤتمر إسلامي في بريطانيا وتحادثنا خلال ساعتين عن الشيعة والسنة وكان من دعاة الوحدة وأعجبت به غير أنه ساءني قوله بأن على الشيعة الآن أن تترك بعض المعتقدات التي تسبب إختلاف المسلمين والطعن على بعضهم البعض ، وسألته مثل ما ذا؟ وأجاب على الفور : مثل المتعة والتقية ، وحاولت جهدي إقناعه بأن المتعة هي زواج مشروع والتقية رخصة من الله ، ولكنه أصر على رأيه ولم يقنعه قولي ولا أدلتي مدّعياً أن ما أوردته كله صحيح ولكن يجب تركه من أجل مصلحة أهم ألا وهي وحدة المسلمين.

واستغربت منه هذا المنطق الذي يأمر بترك أحكام الله من أجل وحدة المسلمين وقلت له مجاملة : لو توقفت وحدة المسلمين على هذا الأمر لكنت أول من أجاب.

ونزلنا في مطار لندن وكنت أمشي خلفه ولما تقدمنا إلى شرطة المطار سئل عن سبب قدومه إلى بريطانيا فأجابهم بأنه جاء للمعالجة ، وادعيت أنا بأني جئت لزيارة بعض أصدقائي ، ومررنا بسلام وبدون تعطيل إلى قاعة استلام الحقائب ، عند ذلك همست له : أرأيت كيف أن التقية صالحة في كل زمان؟ قال كيف؟ قلت لأننا كذبنا على الشرطة ، أنا بقولي جئت لزيارة أصدقائي ، وأنت بقولك جئت للعلاج ، في حين أننا قدمنا للمؤتمر.

ابتسم وعرف بأنه كذب على مسمع مني فقال : أليس في المؤتمرات الإسلامية علاج لنفوسنا؟ ضحكت قائلاً أوليس فيها زيارة لإخواننا؟

١٨٨

أعود إلى الموضوع فأقول بأنّ التقية ليست كما يدعي أهل السنة بأنها ضرب من النفاق ، فالعكس هو الصحيح ، لأن النفاق هو إظهار الإيمان وكتمان الكفر بينما التقية إظهار الكفر وكتمان الإيمان وشتان ما بين الموقفين ، هذا الموقف أعني النفاق الذي قال في شأنه سبحانه وتعالى :

(وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا ، وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) فهذا يعني إيمان ظاهر+ كفر باطن / نفاق.

أما الموقف الثاني أعني التقية التي قال في شأنها سبحانه وتعالى :

(وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ) فهذا يعني كفر ظاهر+ إيمان باطن = تقية.

فإن مؤمن آل فرعون كان يكتم في الباطن إيمانه ولا يعلم به إلا الله ويتظاهر لفرعون وللناس جميعاً أنه على دين فرعون (وقد ذكره الله في محكم كتابه تعظيماً لقدره).

وتعالى معي الآن أيها القارئ الكريم لتعرف قول الشيعة في التقية حتى لا تغترّ بما يقال فيهم كذبا وبهتانا

يقول الشيخ محمد رضا المظفر في كتابه (عقائد الإمامية) ما هذا نصه :

«وللتقية أحكام من حيث وجوبها وعدم وجوبها بحسب إختلاف مواقع خوف الضرر ، مذكورة في أبوابها في كتب العلماء الفقهية ، وليست هي بواجبه على كل حال ، بل قد يجوز أن يجب خلافها في بعض الأحوال ، كما إذا كان في إظهار الحق والتظاهر به نصرة للدين وخدمة للإسلام وجهاد في سبيله ، فإنه عند ذلك يستهان بالأموال ولا تعز النفوس. وقد تحرم التقية في الأعمال التي تستوجب قتل النفوس المحترمة أو رواجاً للباطل ، أو فساداً في الدين أو ضررا بالغاً على المسلمين. بإضلالهم أو إفشاء الظلم والجور فيهم.

وعلى كل حال ليس معنى التقية عند الإمامية أنها تجعل منهم جمعية سرية

١٨٩

لغاية الهدم والتخريب كما يريد أن يصورها بعض أعدائهم غير المتورعين في إدراك الأمور على وجهها ولا يكلفون أنفسهم فهم الرأي الصحيح عندنا.

كما أنه ليس معناها أنها تجعل الدين وأحكامه سراً من الأسرار لا يجوز أن يذاع لمن لا يدين به ، كيف وكتب الإمامية ومؤلفاتهم فيما يخص الفقه والأحكام ومباحث الكلام والمعتقدات قد ملأت الخافقين وتجاوزت الحد الذي ينتظر من أية أمة تدين بدينها» انتهى كلامه.

وأنت ترى أنه ليس هناك نفاق ولا غش ولا دس ولا كذب ولا خداع كما يدعيه أعداؤهم.

١٩٠

المتعة

(أو الزواج المؤقت)

والمقصود بها نكاح المتعة ، أو الزواج المنقطع ، أو الزواج المؤقت إلى أجل مسمى ، وهي كالزواج الدائم لا تصح إلا بعقد يشتمل على قبول وإيجاب ، كأن تقول المرأة للرجل زوجتك نفسي بمهر قدره كذا ولمدة كذا فيقول الرجل قبلت.

ولهذا الزواج شروطه المذكورة في كتب الفقه عند الإمامية كوجوب تعيين المهر والمدة ، فيصح بكل ما يتراضى عليه الطرفان ، وكحرمة التمتع بذات محرم كما في الزواج الدائم.

وعلى المرأة المتمتع بها أن تعتد بعد انتهاء الأجل بحيضتين وبأربعة أشهر وعشرة أيام في حالة وفاة زوجها.

وليس بين المتمتعين إرث ولا نفقة فلا ترثه ولا يرثها والولد من الزواج المؤقت كالولد من الزواج الدائم تماماً في حقوق الميراث والنفقة وكل الحقوق الأدبية والمادية ، ويلحق بأبيه.

هذه هي المتعة بشروطها وحدودها وهي كما ترى ليست من السفاح في شيء كما يدعيه الناس.

وأهل السنة والجماعة كإخوانهم الشيعة متفقون على تشريع هذا الزواج من الله سبحانه وتعالى في الآية ٢٤ من سورة النساء بقوله : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ ، إِنَ

١٩١

اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً.)

كما أنهم متفقون في أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أذن بها واستمتع الصحابة على عهده.

إلا أنهم يختلفون في نسخها أو عدم نسخها فأهل السنة والجماعة يقولون بنسخها وأنها حرّمت بعد أن كانت حلالاً ، وأن النسخ وقع بالسنة. لا بالقرآن.

والشيعة يقولون بعدم النسخ وأنها حلال إلى يوم القيامة.

إذن فالبحث يتعلق فقط في نسخها أو عدمه والنظر في أقوال الفريقين حتى يتبين للقارئ جلية الأمر وأين يوجد الحق فيتبعه بدون تعصب ولا عاطفة.

أما من ناحية الشيعة القائلين بعدم النسخ وحليتها إلى يوم القيامة فحجتهم هي : لم يثبت عندنا أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عنها ، وأئمتنا من العترة الطاهرة يقولون بحليتها ولو كان هناك نسخ من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلمه الأئمة من أهل البيت وعلى رأسهم الإمام علي فأهل البيت أدرى بما فيه ، ولكن الثابت عندنا أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب هو الذي نهى عنها وحرمها اجتهادا منه كما يشهد بذلك علماء السنة أنفسهم ، ونحن لا نترك أحكام الله ورسوله لرأي واجتهاد عمر بن الخطاب! هذا ملخص ما يقوله الشيعة في حلية المتعة ، وهو قول سديد ورأي رشيد ، لأن كل المسلمين مطالبون باتباع أحكام الله ورسوله ورفض ما سواهما مهما علت مكانته إذا كان في اجتهاده مخالفة للنصوص القرآنية أو النبوية.

أما أهل السنة والجماعة فيقولون بأن المتعة كانت حلالاً ، ونزل فيها القرآن ورخص فيها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفعلها الصحابة ، ثمّ بعد ذلك نسخت. ويختلفون في الناسخ لها. فمنهم من يقول بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عنها قبل موته ، ومنهم من يقول بأن عمر بن الخطاب هو الذي حرّمها ، وقوله حجة عندنا لقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

١٩٢

«عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين بعدي عضوا عليها بالنواجذ».

أما القائلين بتحريمها لأن عمر بن الخطاب حرمها وان فعله سنة ملزمة فهؤلاء لا كلام لنا معهم ولا بحث لأنه محض التعصب والتكلف ، وإلا كيف يترك المسلم قول الله وقول الرسول ويخالفهما ويتبع قول بشر مجتهد يخطئ ويصيب هذا إذا كان اجتهاده في مسألة ليس فيها نص من الكتاب والسنة أما إذا كان هناك نص (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (١)

ومن لا يتفق معي على هذه القاعدة فعليه بمراجعة معلوماته في مفاهيم التشريع الإسلامي ودراسة القرآن الكريم والسنة النبوية فالقرآن دل بذاته في الآية المذكورة أعلاه ومثلها في القرآن كثير يدل على كفر وضلال من لا يتمسك بالقرآن والسنة النبوية.

أما الدليل من السنة النبوية الشريفة فكثير أيضاً ، ولكن نكتفي بقول الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة».

فليس من حق أحد أن يحلل أو يحرم في مسالة ثبت فيها نص وحكم من الله أو من رسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

ولكل ذلك نقول لهؤلاء الذين يريدون إقناعنا بأن أفعال الخلفاء الراشدين واجتهاداتهم ملزمة لنا ، نقول : (أَتُحَاجُّونَنا فِي اللهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ) (٢).

على أن هؤلاء القائلين بهذا الدليل يوافقون الشيعة على دعواهم ويكونون حجة على إخوانهم من أهل السنة والجماعة.

__________________

(١) سورة الأحزاب آية ٣٦.

(٢) سورة البقرة آية ١٣٩.

١٩٣

فبحثنا يتعلق فقط مع الفريق القائل بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي حرمها ونسخ القرآن بالحديث.

وهؤلاء مضطربون في أقوالهم وحجتهم واهية لا تقوم على أساس متين ولو روى النهي عنه مسلم في صحيحه لأنه لو كان هناك نهي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما غاب عن الصحابة الذين تمتعوا في عهد أبي بكر وشطر من عهد عمر نفسه كما روى ذلك مسلم في صحيحه (١)

قال عطاء قدم جابر بن عبد الله معتمراً فجئناه في منزله فسأله القوم عن أشياء ثمّ ذكروا المتعة : فقال نعم استمتعنا على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله سلم وأبي بكر وعمر

فلو كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عن المتعة لما جاز للصحابة أن يتمتعوا على عهد أبي بكر وعمر كما سمعت.

فالواقع أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم ينه عنها ولا حرّمها وإنما وقع النهي من عمر بن الخطاب كما جاء ذلك في صحيح البخاري.

عن مسدد حدثنا يحيى عن عمران ابي بكر حدثنا أبو رجاء عن عمران بن حصين رضي الله تعالى عنه قال : نزلت أية المتعة في كتاب الله ففعلناها مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم ينزل قرآن يحرمه ولم ينه عنها حتى مات قال رجل برأيه ما شاء قال محمد يقال إنه عمر (٢).

فأنت ترى أيها القارئ أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم ينه عنها حتى مات كما صرح به هذا الصحابي وتراه ينسب التحرّم إلى عمر صراحة وبدون غموض ويضيف أنه قال برأيه ما شاء.

__________________

(١) صحيح مسلم ج ٤ ص ١٥٨.

(٢) صحيح البخاري ج ٥ ص ١٥٨.

١٩٤

وها هو جابر بن عبد الله الانصاري يقول بصراحة : كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأبي بكر حتى نهى عنه عمر في شأن عمرو بن حريث (١).

ومما يدلنا على أن بعض الصحابة كانوا على رأي عمر وهذا ليس غريب إذ تقدم في بحثنا خلال رزية يوم الخميس أن بعض الصحابة كانوا على رأي عمر في قوله بأن رسول الله يهجر وحسبنا كتاب الله! وإذا ساندوه في مثل ذلك الموقف الخطير بما فيه من طعن على الرسول فكيف لا يوافقوه في بعض اجتهاداته ، فلنستمع إلى قول أحدهم : كنت عند جابر بن عبد الله فأتاه آت فقال : ابن عباس وابن الزبير اختلفا في المتعتين ، فقال جابر : فعلناهما مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ نهانا عنهما عمر فلم نعد لهما (٢).

ولذلك أعتقد شخصياً بأن بعض الصحابة نسب النهي عن المتعة وتحريمها إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله سلم لتبرير موقف عمر بن الخطاب وتصويب رأيه.

وإلا فما يكون لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يحرم ما أحل القرآن لأنا لا نجد حكماً واحداً في كل الأحكام الإسلامية أحله الله سبحانه وحرّمه رسوله ، ولا قائل بذلك إلا معانداً ومتعصبا ، ولو سلمنا جدلاً بأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نهى عنها فما كان للإمام علي وهو أقرب الناس للنبي وأعلمهم بالأحكام أن يقول :

«إن المتعة رحمة رحم الله بها عباده. ولو لا نهي عمر ما زنا إلا شقي» (٣).

على أن عمر بن الخطاب نفسه لم ينسب التحريم إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل قال قولته المشهورة بكل صراحة :

__________________

(١) صحيح مسلم ج ٤ ض ١٣١.

(٢) صحيح مسلم ج ٤ ص ١٣١.

(٣) الثعلبي في التفسير الكبير والطبري عند تفسير آية المتعة في تفسيره الكبير أيضاً

١٩٥

«متعتان كانتا على عهد رسول الله وأنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما ، متعة الحج ومتعة النساء» (١).

وهذا مسند الإمام أحمد بن حنبل خير شاهد على أن أهل السنة والجماعة مختلفون في هذه المسألة اختلافاً كبيراً فمنهم من يتبع قول الرسول فيحللها ، ومنهم من يتبع قول عمر بن الخطاب فيحرمها ، أخرج الإمام أحمد :

عن ابن عباس قال : تمتع النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال عروة ابن الزبير : نهى أبو بكر وعمر عن المتعة ، فقال ابن عباس : ما يقول عرية؟ (تصغير لعروة) قال : يقول نهى أبو بكر وعمر عن المتعة ، فقال ابن عباس : أراهم سيهلكون أقول : قال النبي ويقولون نهى أبو بكر وعمر (٢).

وجاء في صحيح الترمذي أن عبد الله بن عمر سئل عن متعة الحج ، قال : هي حلال. فقال له السائل إن أباك قد نهى عنها. فقال : أرأيت إن كان أبي نهى عنها وصنعها رسول الله أأمر أبي اتبع أم أمر رسول الله؟ فقال الرجل بل أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣).

وأهل السنة والجماعة أطاعوا عمر في متعة النساء وخالفوه في متعة الحج على أن النهي عنهما وقع منه في موقف واحد كما قدمنا.

والمهم في كل هذا أن الأئمة من أهل البيت وشيعتهم خالفوه وانكروا عليه وقالوا بحليتهما إلى يوم القيامة. وهناك من علماء أهل السنة والجماعة من تبعهم في ذلك أيضاً وأذكر من بينهم عالم تونس الجليل وزعيم الجامع الزيتوني فضيلة الشيخ الطاهر بن عاشور رحمة الله عليه ، فقد قال بحليتها في تفسيره المشهور عند ذكره آية (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً) (٤).

__________________

(١) التفسير الكبير للفخر الرازي في تفسير قوله تعالى (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ)

(٢) مسند الإمام أحمد بن حنبل ج ١ ص ٣٣٧.

(٣) صحيح الترمذي ج ١ ص ١٥٧.

(٤) التحرير والتنوير للطاهر بن عاشور ج ٣ ص ٥.

١٩٦

وهكذا يجب أن يكون العلماء أحراراً في عقيدتهم لا يتأثرون بالعاطفة ولا بالعصبية ولا تأخذهم في الله لومة لائم

وبعد هذا البحث الموجز ، لا يبقى لتشنيع أهل السنة والجماعة وطعنهم على الشيعة في إباحتهم نكاح المتعة مبرر ولا حجة ، فضلاً عن أن الدليل القاطع والحجة الناصعة مع الشيعة

وللمسلم أن يتصور قول الإمام علي عليه‌السلام : بأن المتعة رحمة رحم الله بها عباده ، وفعلاً أية رحمة هي أكبر منها وهي تطفي نار شهوة جامحة قد تطغى على الإنسان ذكراً كان أم أنثى فيصبح كالحيوان المفترس.

وللمسلمين عامة وللشبان خاصة أن يعرفوا بأن الله سبحانه أوجب على الزاني عقوبة القتل رجماً بالحجارة على المحصنين ذكوراً وإناثاً ، فلا يمكن أن يترك عباده بغير رحمة وهو خالقهم وخالق غرائزهم ويعرف ما يصلحهم ، وإذا كان الله الرحمن الرحيم رحم عباده بأن رخص لهم في المتعة فلا يدخل في الزنا بعدها إلا الشقي تماماً كالحكم بقطع يد السارق ، فما دام هناك بيت مال للمعوزين والمحتاجين ، فلا يسرق إلا الشقي.

١٩٧
١٩٨

القول بتحريف القرآن

هذا القول في حد ذاته شنيع لا يتحمله مسلم آمن برسالة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، سواء كان شيعياً أم سنياً

لأن القرآن الكريم تكفل رب العزة والجلالة بحفظه فقال عز من قائل (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) فلا يمكن لأحد أن ينقص منه أو يزيد فيه حرفاً واحداً وهو معجزة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخالدة ، والذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.

والواقع العملي للمسلمين يرفض تحريف القرآن لأن كثيراً من الصحابة كانوا يحفظونه عن ظهر قلب ، وكانوا يتسابقون في حفظه وتحفيظه إلى أولادهم على مر الأزمنة حتى يومنا الحاضر ، فلا يمكن لإنسان ولا لجماعة ولا لدولة أن يحرفوه أو يبدلوه

ولو جبنا بلاد المسلمين شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً وفي كل بقاع الدنيا فسوف نجد نفس القرآن بدون زيادة ولا نقصان. وإن اختلف المسلمون إلى مذاهب وفرق ، وملل ونحل فالقرآن هو الحافز الوحيد الذي يجمعهم ولا يختلف فيه من الأمة اثنان ، إلا ما كان من التفسير أو التأويل فكل حزب بما لديهم

١٩٩

فرحون.

وما ينسب إلى الشيعة من القول بالتحريف هو مجرد تشنيع وتهويل وليس له في معتقدات الشيعة وجود.

وإذا ما قرأنا عقيدة الشيعة في القرآن الكريم ، فسوف نجد إجماعهم على تنزيه كتاب الله من كل تحريف.

يقول صاحب كتاب عقائد الإمامية الشيخ المظفر : «نعتقد أن القرآن هو الوحي الإلهي المنزل من الله تعالى على لسان نبيه الأكرم فيه تبيان كل شيء ، وهو معجزته الخالدة التي أعجزت البشر عن مجاراتها في البلاغة والفصاحة وفيما احتوى من حقائق ومعارف عالية ، لا يعتريه التبديل والتغيير والتحريف ، وهذا الذي بين أيدينا نتلوه هو نفس القرآن المنزل على النبي ، ومن ادّعى فيه غير ذلك فهو مخترق أو مغالط أو مشتبه ، وكلهم على غير هدى ، فإنه كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه (انتهى كلامه).

وبعد هذا فكل بلاد الشيعة معروفة وأحكامهم في الفقه معلومة لدى الجميع ، فلو كان عندهم قرآن غير الذي عندنا لعلمه الناس ، وأتذكر أني عند ما زرت بلاد الشيعة للمرة الأولى كان في ذهني بعض هذه الإشاعات ، فكنت كلما رأيت مجلدا ضخماً تناولته علّني أعثر على هذا القرآن المزعوم ، ولكن سرعان ما تبخر هذا الوهم ، وعرفت فيما بعد أنها إحدى التشنيعات المكذوبة لينفروا الناس من الشيعة ولكن يبقى هناك دائماً من يشنع ويحتج على الشيعة بكتاب اسمه «فصل الخطاب في إثبات تحريف كتاب رب الارباب» ومؤلفه محمد تقي النوري الطبرسي المتوفي سنة ١٣٢٠ هجري وهو شيعي ويريد هؤلاء المتحاملون أن يحمّلوا الشيعة مسئولية هذا الكتاب! وهذا مخالف للإنصاف.

فكم من كتب كتبت وهي لا تعبّر في الحقيقة إلا عن رأي كاتبها ومؤلفها ، ويكون فيها الغث والسمين وفيها الحق والباطل وتحمل في طيها الخطأ والصواب ونجد ذلك عند كل الفرق الإسلامية ولا يختص بالشيعة دون سواها. أفيجوز لنا

٢٠٠