لأكون مع الصادقين

الدكتور محمّد التيجاني السماوي

لأكون مع الصادقين

المؤلف:

الدكتور محمّد التيجاني السماوي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مؤسسة أنصاريان للطباعة والنشر
المطبعة: افق
الطبعة: ١٠
ISBN: 978-964-438-265-9
الصفحات: ٢٤٨

واتبعتم سنة عمر في بدعته للتراويح خلافاً للسنة النبوية التي أمرت المسلمين بصلاة النافلة في بيوتهم فرادى لا جماعة كما أثبت ذلك البخاري في صحيحه (١) وكما اعترف عمر نفسه بأنها بدعة (٢) ابتدعها مع أنه لم يصلها لأنه لا يؤمن بها ، فقد جاء في البخاري عن عبد الرحمن بن عبد القارئ أنه قال خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه ليلة في رمضان إلى المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون يصلي الرجل لنفسه ويصلي الرجل فيصلّى بصلاته الرهط فقال عمر إني أرى لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل ، ثمّ عزم فجمعهم على أبي بن كعب ، ثمّ خرجت معه ليلة أخرى والناس يصلون بصلاة قارئهم ، قال عمر نعم البدعة هذه ... (٣)

ومن المستغرب عدها نعمة بعد نهي الرسول عنها؟ وذلك عند ما رفعوا أصواتهم وحصبوا بابه ليصلي بهم نافلة رمضان ، فخرج إليهم مغضباً فقال لهم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«ما زال بكم صنيعكم حتى ظننت أنه سيكتب عليكم ، فعليكم بالصلاة في بيوتكم فإن خير صلاة المرء في بيته إلا الصلاة المكتوبة» (٤).

كما اتبعتم سنة عثمان بن عفان وهي إتمام صلاة السفر خلافاً لسنة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي صلاها قصراً (٥).

ولو أردت أن أحصي ما خالفتم به سنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لاستوجب ذلك كتاباً خاصاً ولكن تكفي شهادتكم فيما أقررتم به على أنفسكم وتكفي شهادتكم أيضاً بإقراركم بأن الشيعة الروافض هو الذين اتخذوا سنة النبي شعاراً لهم.

__________________

(١) صحيح البخاري ج ٧ ص ٩٩ (باب ما يجوز من الغصب والشدة لأمر الله عزوجل).

(٢ و ٣) صحيح البخاري ج ٢ ص ٢٥٢ (كتاب صلاة التراويح).

(٤) صحيح البخاري : ج ٧ ص ٩٩ (باب ما يجوز من الغصب والشدة لأمر الله عزوجل)

(٥) صحيح البخاري ج ٢ ص ٣٥ وكذلك تأولت عائشة فصلت أربعاً ص ٣٦.

١٦١

أفبعد هذا يبقى دليل على قول الجهلة الذين يدعون بأن الشيعة اتبعوا علي بن أبي طالب ، أما أهل السنة فإنهم اتبعوا رسول الله؟ أيريد هؤلاء أن يثبتوا بأن علياً خالف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وابتدع ديناً جديداً؟ كبرت كلمة تخرج من أفواههم ، فعلي هو محض السنة النبوية وهو مفسرها والقائم عليها وقد قال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«علي مني بمنزلتي من ربي» (١).

أي كما أن محمد هو الوحيد الذي يبلغ عن ربه ، فعلي هو الوحيد الذي يبلغ عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولكن ذنب علي هو أنه لم يعترف بخلافة من قبله وذنب شيعته أنهم اتبعوه في ذلك فرفضوا أن ينضووا تحت خلافة أبي بكر وعمر وعثمان ولذلك سموهم «الروافض».

فإذا أنكر هؤلاء السنة على معتقدات الشيعة وأقوالهم فهو لسببين ، أولهما العداء الذي أجج ناره حكام بني أمية بالأكاذيب والدعايات واختلاف الروايات المزوّرة.

وثانيهما : لأن معتقدات الشيعة تتنافى وما ذهبوا إليه من تأييد الخلفاء وتصحيح أخطائهم واجتهاداتهم مقابل النصوص خصوصاً حكام بني أمية وعلى رأسهم معاوية بن أبي سفيان.

ومن هنا يجد الباحث المتتبع أن الخلاف بين الشيعة وأهل السنة نشأ يوم السقيفة ، وتفاقم ، وكل خلاف جاء بعده فهو عيال عليه ، وأكبر دليل على ذلك أن العقائد التي يشنع أهل السنة على إخوانهم من الشيعة ، ترتبط ارتباطاً وثيقاً بموضوع الخلافة وتتفرع منه ، كعدد الأئمة والنص على الإمام ، والعصمة ، وعلم الأئمة ، والبداء ، والتقية والمهدي المنتظر وغير ذلك.

__________________

(١) الصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٠٦ ذخائر العقبى ص ٦٤.

الرياض النضرة ج ٢ ص ٢١٥ إحقاق الحق ج ٧ ص ٢١٧.

١٦٢

ونحن إذا بحثنا في أقوال الطرفين مجردين عن العاطفة فسوف لا نجد بعداً شاسعاً بين معتقداتهم ، ولا نجد مبرراً لهذا التهويل وهذا التشنيع ، لأنك عند ما تقرأ كتب السنة الذي يشتمون الشيعة ، يخيل إليك بأن الشيعة ناقضوا الإسلام وخالفوه في مبادئه وتشريعه ، وابتدعوا دينا آخر.

بينما يجد الباحث المنصف في كل عقائد الشيعة أصلاً ثابتاً في القرآن والسنة وحتى في كتب من يخالفهم في تلك العقائد ويشنع بما عليهم.

ثمّ ليس هناك في تلك العقائد ما يخالف العقل أو النقل أو الأخلاق وليتبيّن لك أيها القارئ اللبيب صحة ما أدعيه سأستعرض معك تلك العقائد.

١٦٣
١٦٤

العصمة

يقول الشيعة : ونعتقد أن الإمام كالنبي يجب أن يكون معصوماً من جميع الرذائل والفواحش ما ظهر منها وما بطن ، من سن الطفولة إلى الموت ، عمداً وسهواً.

كما يجب أن يكون معصوماً من السهو والخطأ والنسيان ، لأن الأئمة حفظة الشرع والقوامين عليه حالهم في ذلك حال النبي والدليل الذي اقتضانا ان نعتقد بعصمة الأنبياء هو نفسه يقتضينا أن نعتقد بعصمة الأئمة بلا فرق (١).

نعم هذا كما نرى هو رأي الشيعة في موضوع العصمة فهل فيه ما ينافي القرآن والسنة؟ أو ما يقول العقل باستحالته؟ أو ما يشين الإسلام ويسيء إليه ، أو ما ينقص قدر النبي أو الإمام؟

حاشا وكلا ، لم نجد في هذا القول إلا التأييد لكتاب الله وسنة نبيه ، وما يتماشى مع العقل السليم ولا يناقضه ، وما يرفع من قيمة النبي والإمام ويشرفه.

ولنبدأ بحثنا في استقراء القرآن الكريم.

__________________

(١) عقائد الإمامية ص ٦٧ العقيدة رقم ٢٤.

١٦٥

قال تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً ...) (١).

فإذا كان إذهاب الرجس الذي يشمل كل الخبائث ، والتطهير من كل الذنوب ، لا يفيد العصمة ، فما هو المعنى إذاً؟؟

يقول الله تعالى :

(إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ) (٢).

فإذا كان المؤمن التقي يعصمه الله من مكايد الشيطان إذا حاول استفزازه وإضلاله ، فيتذكر ويبصر الحق فيتبعه ، فما بالك بمن اصطفاهم الله سبحانه وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.؟

ويقول تعالى :

(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) (٣) والذي يصطفيه الله سبحانه يكون بلا شك معصوما من الخطأ وهذه الآية بالذات هي التي احتج بها الإمام الرضا من أئمة أهل البيت (عليهم‌السلام) على العلماء الذين جمعهم الخليفة العباسي المأمون ابن هارون الرشيد وأثبت لهم بأنهم (أي أئمة أهل البيت) هم المقصودون بهذه الآية وبأن الله اصطفاهم وأورثهم علم الكتاب واعترفوا له بذلك (٤).

هذه بعض الأمثلة مما جاء في القرآن الكريم وهناك آيات أخرى تفيد العصمة للأئمة كقوله (أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا) وغيرها ولكن نكتفي بهذا القدر روماً للاختصار دائماً.

__________________

(١) سورة الأحزاب آية ٣٣.

(٢) سورة الأعراف آية ٢٠١.

(٣) سورة فاطر آية ٣٢.

(٤) العقد الفريد لابن عبد ربه ج ٣ ص ٤٢.

١٦٦

وبعد القرآن الكريم فإليك ما ورد في السنة النبوية

قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«يا أيها الناس إني تارك فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي (١).

وهو كما ترى صريح بأن الأئمة من أهل البيت معصومون أولاً لأن كتاب الله معصوم لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو كلام الله ، ومن شك فيه كفر.

ثانياً : لأن المتمسك بهما «الكتاب والعترة» يأمن من الضلالة فدل هذا الحديث على أن الكتاب والعترة لا يجوز فيهما الخطأ.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق» (٢).

وهو كما ترى صريح في أن الأئمة من أهل البيت عليهم‌السلام معصومون ، عن الخطأ ولذلك يأمن وينجو كل من ركب سفينتهم وكل من تأخر عن ركوب سفينتهم غرق في الضلالة.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«من أحب أن يحيا حياتي ويموت ميتتي ويدخل الجنة التي وعدني ربي ، وهي

__________________

(١) صحيح الترمذي ج ٥ ص ٣٢٨.

الحاكم في المستدرك ج ٣ ص ١٤٨.

الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ج ٥ ص ١٨٩.

(٢) مستدرك الحاكم ج ٢ ص ٣٤٣.

كنز العمال ج ٥ ص ٩٥.

الصواعق المحرقة لابن حجر ص ١٨٤.

١٦٧

جنة الخلد ، فليتول علياً وذريته من بعده فإنهم لن يخرجوكم باب هدى ولن يدخلوكم باب ضلالة» (١).

وهو كما ترى صريح في أن الأئمة من أهل البيت وهم علي وذريته معصومون عن الخطأ لأنهم لن يدخلوا الناس الذين يتبعوهم في باب ضلالة ، ومن البديهي أن الذي يجوز عليه الخطأ لا يمكن له هداية الناس.

وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«أنا المنذر وعلي الهادي ، وبك يا علي يهتدي المهتدون من بعدي» (٢).

وهذا الحديث هو الآخر صريح في عصمة الإمام كما لا يخفى على أولي الألباب.

والإمام علي نفسه أثبت العصمة لنفسه وللأئمة من ولده عند ما قال : «فأين تذهبون وأنى تؤفكون؟ والأعلام قائمة والآيات واضحة ، والمنار منصوبة فأين يتاه بكم ، بل كيف تعمهون وبينكم عترة نبيكم وهم أزمة الحق ، وأعلام الدين ، وألسنة الصدق ، فأنزلوهم بأحسن منازل القرآن وردوهم ورود الهيم العطاش ، أيها الناس خذوها من خاتم النبيين صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنه يموت

__________________

(١) كنز العمال ج ٦ ص ١٥٥. ومجمع الزوائد للهيثمي ج ٩ ص ١٠٨.

الإصابة لابن حجر العسقلاني الطبراني في الجامع الكبير. تاريخ ابن عساكر ج ٢ ص ٩٩.

مستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٢٨ حلية الأولياء ج ٤ ص ٣٤٩ إحقاق الحق ج ٥ ص ١٠٨.

(٢) تفسير الطبري ج ١٣ ص ١٠٨ تفسير الرازي ج ٥ ص ٢٧١ تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٥٠٢.

تفسير الشوكاني ج ٣ ص ٧٠ تفسير السيوطي الدر المنثور ج ٤ ص ٤٥ نور الأبصار ص ٧١.

مستدرك الحاكم ج ٣ ص ١٢٩ تفسير ابن الجوزي ج ٤ ص ٣٠٧. شواهد التنزيل ج ١ ص ٢٩٣ الفصول المهمة ينابيع المودة.

١٦٨

من مات منا وليس بميت ، ويبلى من بلي منا وليس ببال ، فلا تقولوا بما لا تعرفون فإن أكثر الحق فيما تنكرون ، واعذروا من لا حجة لكم عليه وأنا هو ، ألم أعمل فيكم بالثقل الأكبر وأترك فيكم الثقل الأصغر ، وركزت فيكم راية الإيمان ...» (١).

وبعد هذا البيان من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وأقوال الإمام علي الدالة كلها على عصمتهم سلام الله عليهم.

هل يرفض العقل عصمة من يصطفيه الله سبحانه للهداية؟ والجواب : كلا لا يرفض ذلك ، بالعكس ، العقل يقول : بوجوب تلك العصمة ، لأن توكل إليه مهمة القيادة وهداية البشرية لا يمكن أن يكون إنساناً عادياً يعتريه الخطأ والنسيان وتثقل ظهره الذنوب والأوزار فيكون عرضه لانتقاص الناس ونقدهم.

بل العقل يفرض أن يكون أعلم الناس في زمانه وأعدلهم وأشجعهم وأتقاهم ، وهي صفات ترفع من شأن القائد وتعظمه في أعين الناس وتجلب له احترام الجميع وتقديرهم وبالتالي طاعتهم له بدون تحفظ ولا تملق.

وإذا كان الأمر كذلك ، فلما ذا كل هذا التشنيع والتهويل على من يعتقد بذلك؟

ويخيل إليك وأنت تسمع وتقرأ انتقاد أهل السنة على موضوع العصمة بأن الشيعة ، هم الذين يقلدون وسام العصمة لمن أحبوا ، أو أن القائل بالعصمة يقول منكراً وكفراً ، فلا هذا ولا ذاك ، إنما العصمة عند الشيعة هي أن يكون المعصوم محاطاً بعناية إلهية ورعاية ربانية فلا يتمكن الشيطان من إغوائه ، ولا تتمكن النفس الأمارة بالسوء من التغلب على عقله فتجره للمعصية وهذا الأمر لم

__________________

(١) نهج البلاغة للإمام علي ج ١ ص ١٥٥.

وقد علق الشيخ محمد عبده في شرحه لهذه الخطبة بقوله : إنه يموت الميت من أئمة أهل البيت وهو في الحقيقة غير ميت. لبقاء روحه ساطعة النور في عالم الظهور.

١٦٩

يحرم الله منه عباده المتقين كما تقدم في أية (الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ.)

وهذه العصمة الموقوتة لعباد الله في حالة معينة ، قد تزول لفقد سببها ألا وهي التقوى ، فالعبد إذا كان بعيداً عن تقوى الله لا يعصمه الله ، أما الإمام الذي اصطفاه الله سبحانه فلا يحيد ولا يتزحزح عن التقوى وخشية الله سبحانه وتعالى.

وقد جاء في القرآن الحكيم حكاية عن سيدنا يوسف عليه‌السلام (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ ، كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ) (١).

ولأن سيدنا يوسف لم يهم بالزنا كما فسره بعض المفسرين فحاشا أنبياء الله من هذا الفعل القبيح ، ولكنه هم بدفعها وضربها إذا اقتضت الحال ولكن الله سبحانه عصمه من ارتكاب مثل هذا الخطأ لأنه لو فعله لكان سبباً في اتهامه بالفاحشة وتكون حجتها قوية ضده فيلحقه منهم عند ذلك السوء.

__________________

(١) سورة يوسف آية ٢٤.

١٧٠

عدد الأئمة (الاثني عشر)

يقول الشيعة بأن عدد الأئمة المعصومون بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو اثنا عشر إماماً لا يزيدون ولا ينقصون ، وقد ذكرهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأسمائهم وعددهم (١) وهم :

١ ـ الإمام علي بن أبي طالب.

٢ ـ الإمام الحسن بن علي.

٣ ـ الإمام الحسين بن علي.

٤ ـ الإمام علي بن الحسين (زين العابدين).

٥ ـ الإمام محمد بن علي (الباقر).

٦ ـ الإمام جعفر بن محمد (الصادق).

٧ ـ الإمام موسى بن جعفر (الكاظم).

٨ ـ الإمام علي بن موسى (الرضا)

٩ ـ الإمام محمد بن علي (الجواد)

١٠ ـ الإمام علي بن محمد (الهادي)

__________________

(١) ينابيع المودة للقندوزي الحنفي ص ٩٩ الجزء الثالث.

١٧١

١١ ـ الإمام الحسن بن علي (العسكري).

١٢ ـ الإمام محمد بن الحسن (المهدي المنتظر).

فهؤلاء هم الأئمة الاثنا عشر الذين تقول الشيعة بعصمتهم ، حتى لا ينطلي المكر على بعض المسلمين.

فالشيعة لا يعترفون قديماً وحديثاً بالعصمة إلا لهؤلاء الأئمة الذين سماهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يولدوا بعد ، وقد أخرج بعض علماء السنة أسماءهم كما مر علينا وأخرج البخاري ومسلم في صحيحيهما حديث الأئمة بعددهم وهم اثنا عشر كلهم من قريش (١)

وهذه الأحاديث لا تصح ولا تستقيم إلا إذا فسرناهم على أئمة أهل البيت الذين تقول بهم الشيعة الإمامية وأهل السنة والجماعة هم المطالبون بحل هذا اللغز إذ أن عدد الأئمة الاثني عشر الذي أخرجوه في صحاحهم بقي حتى الآن لغزاً لا يجدون له جواباً.

__________________

(١) صحيح البخاري ج ٨ ص ١٢٧.

صحيح مسلم ج ٦ ص ٣.

١٧٢

علم الأئمة

ومما يشنع به أهل السنة والجماعة على الشيعة قولهم : بأن الأئمة من أهل البيت سلام الله عليهم قد خصهم الله سبحانه بعلم لم يشاركهم فيه أحد من الناس ، ومن أن الإمام يكون أعلم أهل زمانه فلا يمكن أن يسأله أحد فيعجز عن الجواب!

فهل لهذا الادعاء من دليل؟

ولنبدأ كما هي عادتنا في كل بحث بالقرآن الكريم.

يقول الله سبحانه وتعالى في محكم تنزيله :

(ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا) (١) فالآية تدل دلالة واضحة بأن الله سبحانه اصطفى عباداً من بين الناس وأورثهم علم الكتاب ، فهل لنا أن نعرف هؤلاء العباد المصطفين؟

ذكرنا في ما تقدم بأن الإمام الثامن من أئمة أهل البيت علي بن موسى الرضا استدل بنزول هذه الآية فيهم ، وذلك لما جمع المأمون أربعين قاضياً من

__________________

(١) سورة فاطر آية ٣٢.

١٧٣

مشاهير القضاة ، وأعد له كل واحد منهم أربعين مسألة ، فأجاب عليها وأفحمهم وأقرّوا له بالأعلمية (١)

وإذا كان هذا الإمام الثامن ولما يبلغ من العمر أربعة عشر عاماً عند ما وقعت هذه المحاورة بينه وبين الفقهاء الذين أقروا له بالأعلمية فكيف يستغرب بعدها قول الشيعة بأعلميتهم ما دام أن علماء السنة وأئمتهم يعترفون لهم بذلك.

أما إذا أردنا تفسير القرآن بالقرآن فسوف نجد العديد من الآيات ترمي إلى معنى واحد وتبيّن بأنه سبحانه ولحكمة بالغة اختص الأئمة من أهل البيت النبوي بعلم من لدنه موهوب حتى يكونوا أئمة الهدى ومصابيح الدجى.

قال تعالى : (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ) (٢).

وقال أيضاً : (فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ ، وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ) (٣).

أقسم سبحانه في هذه الآية بقسم عظيم بأن القرآن الكريم له أسرار ومعان باطنية مكنونة ، لا يدرك معانيها وحقائقها إلا المطهرون ، وهم أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.

دلت الآية أيضاً على أن للقرآن باطناً اختص الله سبحانه به أئمة أهل البيت ولا يمكن لغيرهم معرفتها إلا عن طريقهم.

ولذلك أشار رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى هذه الحقيقة فقال :

«لا تتقدموهم فتهلكوا ولا تقصروا عنهم فتهلكوا ، ولا تعلّموهم فإنهم

__________________

(١) العقد الفريد لابن عبد ربه ج ٣ ص ٤٢.

(٢) سورة البقرة آية ٢٦٩.

(٣) سورة الواقعة آية ٧٥ ٧٩.

١٧٤

أعلم منكم» (١).

وكما قال الإمام علي نفسه :

«أين الذين زعموا أنهم الراسخون في العلم دوننا كذباً وبغياً علينا أن رفعنا الله ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم ، بنا يستعطي الهدى ويستجلي العمى .. إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم لا تصلح على سواهم ولا تصلح الولاة من غيرهم» (٢).

وقال تعالى (فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (٣) وهذه الآية أيضاً نزلت في أهل البيت (عليهم‌السلام) (٤).

وتفيد بأن الأمة لا بد لها بعد فقد نبيها أن ترجع إلى الأئمة من أهل البيت لمعرفة الحقائق ، وقد رجع الصحابة رضي الله عنهم إلى الإمام علي بن أبي طالب ليبيّن لهم ما أشكل عليهم ، كما رجع الناس على مر السنين إلى الأئمة من أهل البيت لمعرفة الحلال والحرام ولينهلوا من معارفهم وعلومهم واخلاقهم.

وإذا كان أبو حنيفة يقول : لو لا السنتان لهلك النعمان يقصد بذلك العامين الذين قضاهما في التعلم من الإمام جعفر الصادق.

وإذا كان الإمام مالك بن أنس يقول : ما رأت عين ، ولا سمعت أذن ، ولا خطر على قلب بشر أفضل من جعفر الصادق فضلاً وعلماً وعبادة وورعاً (٥).

__________________

(١) الصواعق المحرقة لابن حجر الشافعي ص ١٤٨ الدر المنثور للسيوطي ج ٢ ص ٦٠.

كنز العمال ج ١ ص ١٦٨ أسد الغابة في معرفة الصحابة ج ٣ ص ١٣٧

(٢) نهج البلاغة ج ٢ ص ١٤٣ شرح محمد عبده الخطبة رقم ١٤٣.

(٣) سورة النحل آية ٤٣ وسورة الأنبياء آية ٧.

(٤) تفسير الطبري ج ١٤ ص ١٣٤ تفسير ابن كثير ج ٢ ص ٥٧٠ تفسير القرطبي ج ١١ ص ٢٧٢ شواهد التنزيل للحسكاني ج ١ ص ٣٣٤ ينابيع المودة إحقاق الحق للتستري ج ٣ ص ٤٨٢.

(٥) كتاب مناقب آل أبي طالب في احوال الإمام الصادق.

١٧٥

إذا كان الأمر كذلك باعتراف أئمة أهل السنة والجماعة فلما ذا كل هذا التشنيع وهذا الاستنكار بعد هذه الأدلة وبعد ما أثبت تاريخ المسلمين كافة بأن أئمة أهل البيت عليهم‌السلام كانوا أعلم أهل زمانهم ، فأي غرابة في أن يخص الله سبحانه وتعالى أولياءه «الذين اصطفاهم» بالحكمة والعلم اللدني ويجعلهم قدوة المؤمنين وأئمة المسلمين.

ولو تتبع المسلمون أدلة بعضهم بعضاً ، لاقتنعوا بقول الله ورسوله ، ولكانوا أمة واحدة يشد بعضها بعضاً ، ولم يكن هناك إختلاف ولا مذاهب متعددة!

ولكن لا بد من كل ذلك ليقضي الله أمراً كان مفعولاً (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) (١).

__________________

(١) سورة الأنفال آية ٤٢.

١٧٦

البداء

وهو أن يبدو له شيء في أمر ما يريد فعله ثمّ يتغيّر رأيه في ذلك الشيء فيفعل فيه غير ما عزم على فعله سابقاً.

وأما قول الشيعة بالبداء ونسبته إلى الله تعالى والتشنيع عليهم بأنه يستوجب نسبة الجهل والنقص إلى الله سبحانه وتعالى كما يريد أهل السنة والجماعة حمله على هذا المعنى ، فهذا التفسير باطل ولا تقول به الشيعة أبداً ومن ينسب ذلك إليهم فقد افترى عليهم ، وهذه أقوالهم قديماً وحديثاً تشهد لهم.

قال الشيخ محمد رضا المظفر في كتابه عقائد الإمامية : «والبداء بهذا المعنى يستحيل على الله تعالى لأنه من الجهل والنقص وذلك محال عليه تعالى ولا تقول به الإمامية.

قال الإمام الصادق عليه‌السلام : «من زعم أن الله تعالى بدا له في شيء بداء ندامة فهو عندنا كافر بالله العظيم» وقال أيضاً : «من زعم أن الله بدا له في شيء ولم يعلمه أمس فأبرأ منه».

إذاً فالبداء الذي تقول به الشيعة ، لا يتعدى حدود القرآن في قوله سبحانه

١٧٧

وتعالى : (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) (١)

وهذا القول يقول به أهل السنة والجماعة كما يقول به الشيعة ، فلما ذا يشنع على الشيعة ولا يشنع على اهل السنة والجماعة القائلين بأن الله سبحانه يبدل الأحكام ويغير الآجال والأرزاق.

فقد أخرج ابن مردويه وابن عساكر عن علي رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن هذه الآية (يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ) فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«لأقرن عينيك بتفسيرها ، ولأقرن عين أمتي بعدي بتفسيرها ، الصدقة على وجهها وبر الوالدين ، واصطناع المعروف ، يحوّل الشقاء سعادة ويزيد في العمر ويقي مصارع السوء».

وأخرج ابن المنذر وابن حاتم والبيهقي في الشعب عن قيس بن عباد رضي الله عنه قال : لله أمر في كل ليلة العاشر من أشهر الحرم ، أما العاشر من رجب ففيه يمحو الله ما يشاء ويثبت.

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال وهو يطوف بالبيت

«اللهم إن كنت كتبت علي شقاوة أو ذنباً فامحه ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت ، وعندك أم الكتاب ، فاجعله سعادة ومغفرة» (٢).

وأخرج البخاري في صحيحه (٣) قصة عجيبة وغريبة تحكي معراج النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولقاءه مع ربه ، وفيما يقول الرسول صلى الله عليه آله وسلم :

__________________

(١) سورة الرعد : آية ٣٩.

(٢) جلال الدين السيوطي في الدر المنثور في التفسير بالمأثور ج ٤ ص ٦٦١.

(٣) صحيح البخاري ج ٤ ص ٧٨ (كتاب بدء الخلق باب ذكر الملائكة).

١٧٨

«ثمّ فرضت علي خمسون صلاة فأقبلت حتى جئت موسى ، فقال : ما صنعت؟ قلت : فرضت علي خمسون صلاة. قال : أنا أعلم بالناس منك عالجت بني إسرائيل أشد المعالجة وإن أمتك لا تطيق ، فارجع إلى ربك فسله ، فرجعت فسألته فجعلها أربعين ، ثمّ مثله ، ثمّ ثلاثين ثمّ مثله فجعل عشرين ، ثمّ مثله فجعل عشراً فأتيت موسى فقال : مثله فجعلها خمساً ، فأتيت موسى فقال : ما صنعت؟ قلت جعلها خمساً فقال مثله ، قلت : فسلمت فنودي إني قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي وأجزي الحسنة عشرا» (١)

وفي رواية أخرى نقلها البخاري أيضاً ، وبعد مراجعة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ربه عديد المرات وبعد فرض الخمس صلوات ، طلب موسى (عليه‌السلام) من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يراجع ربه للتخفيف لأن أمته لا تطيق حتى خمس صلوات ، ولكن محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجابه : قد استحييت من ربي (٢).

نعم اقرأ واعجب من هذه العقائد التي يقول بها رواة أهل السنة والجماعة ومع ذلك فهم يشنعون على الشيعة أتباع أهل البيت في القول بالبداء.

وهم في هذه القصة يعتقدون بأن الله سبحانه فرض على محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسين صلاة ، ثمّ بدا له بعد مراجعة محمد إياه أن جعلها أربعين ، ثمّ بدا له بعد مراجعة ثانية أن جعلها ثلاثين ، ثمّ بدا له بعد مراجعة ثالثة أن جعلها عشرين ثمّ بدا له بعد مراجعة رابعة أن جعلها عشراً ، ثمّ بدا له بعد مراجعة خامسة أن جعلها خمساً

وبغض النظر عن قبولنا لهذه الرواية وعدمه فإن القول بالبداء عقيدة سليمة

__________________

(١) صحيح البخاري ج ٤ ص ٢٥٠ (باب المعراج)

(٢) صحيح مسلم ج ١ ص ١٠١ (باب الإسراء برسول الله وفرض الصلوات).

١٧٩

تتماشى ومفاهيم الدين الإسلامي وروح القرآن (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) ولو لا اعتقادنا سنة وشيعة بأن الله سبحانه يبدل ويغير ، لما كان لصلاتنا ودعائنا من فائدة ولا تعليل ولا تفسير ، كما أننا نؤمن جميعاً بأن الله سبحانه يبدل الأحكام ، وينسخ الشرائع من نبي لآخر بل وحتى في شريعة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هناك ناسخ ومنسوخ ، فالقول بالبداء ليس كفراً ولا خروجاً على الدين ، وليس لأهل السنة أن يشنعوا على الشيعة من أجل هذا الاعتقاد ، كما أنه ليس للشيعة أن يشنعوا على أهل السنة أيضاً.

والحقيقة أني أرى رواية المعراج هذه مستوجبة لنسبة الجهل إلى الله عزوجل ، وموجبة لانتقاص شخصية أعظم إنسان عرفه تاريخ البشرية ، وهو نبينا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إذ تقول الرواية بأن موسى قال لمحمد : إنا أعلم بالناس منك ، وتجعل هذه الرواية الفضل والمزية لموسى الذي لولاه لما خفف الله عن أمة محمد.

ولست أدري كيف يعلم موسى بأن أمة محمد لا تطيق حتى خمس صلوات في حين أن الله لا يعلم ذلك ويكلف عباده بما لا يطيقون فيفرض عليهم خمسين صلاة؟!

وهل تتصور معي أخي القارئ كيف تكون خمسين صلاة في اليوم الواحد ، فلا شغل ولا عمل ، ولا دراسة ولا طلب رزق ولا سعي ولا مسئولية ، فيصبح الإنسان كالملائكة مكلف بالصلاة والعبادة ، وما عليك إلا بعملية حسابية بسيطة لتعرف كذب الرواية ، فإذا ضربت عشر دقائق وهو الوقت المعقول لأداء فريضة واحدة للصلاة جماعة في الخمسين فسيكون الوقت المفروض بمقدار عشر ساعات ، وما عليك إلا بالصبر ، أو انك ترفض هذا الدين الذي يكلف أتباعه فوق ما يتحملون ويفرض عليهم ما لا يطيقون.

فإذا كان أهل السنة والجماعة يشنعون على الشيعة قولهم بالبداء ، وأن الله سبحانه وتعالى يبدوا فيغير ويبدل كيف شاء فلما ذا لا يشنعون على أنفسهم في

١٨٠