تفسير القرآن العظيم - ج ٨

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي

تفسير القرآن العظيم - ج ٨

المؤلف:

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2221-5

الصفحات: ٥٢٠

ليس بعدك شيء وأنت الظاهر فليس فوقك شيء ، وأنت الباطن فليس دونك شيء ، اقض عنا الدين وأغننا من الفقر» السري بن إسماعيل هذا هو ابن عم الشعبي وهو ضعيف جدا والله أعلم.

وقال أبو عيسى الترمذي (١) عند تفسير هذه الآية : حدثنا عبد بن حميد وغير واحد المعنى واحد قالوا حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا شيبان بن عبد الرّحمن عن قتادة قال حدث الحسن عن أبي هريرة قال : بينما نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جالس وأصحابه إذ أتى عليهم سحاب فقال نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : هل تدرون ما هذا؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : هذا العنان (٢) هذه روايا (٣) الأرض تسوقه إلى قوم لا يشكرونه ولا يدعونه (٤). ثم قال : هل تدرون ما فوقكم؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : فإنها الرقيع (٥) سقف محفوظ وموج مكفوف (٦). ثم قال : هل تدرون كم بينكم وبينها؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : بينكم وبينها خمسمائة سنة. ثم قال : هل تدرون ما فوق ذلك؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : فإن فوق ذلك سماء بعد ما بينهما مسيرة خمسمائة سنة ـ حتى عد سبع سماوات ـ ما بين كل سماءين كما بين السماء والأرض ثم قال : هل تدرون ما فوق ذلك؟ قالوا : الله ورسوله أعلم قال : فإن فوق ذلك العرش وبينه وبين السماء مثل بعد ما بين السماءين ، ثم قال : هل تدرون ما الذي تحتكم؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. قال فإنها الأرض. ثم قال : هل تدرون ما الذي تحت ذلك. قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : فإن تحتها أرضا أخرى بينهما مسيرة خمسمائة سنة ـ حتى عد سبع أرضين ـ بين كل أرضين مسيرة خمسمائة سنة ، ثم قال : والذي نفس محمد بيده لو أنكم دليتم حبلا إلى الأرض السفلى لهبط على الله ثم قرأ : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

ثم قال الترمذي : هذا حديث غريب من هذا الوجه ، ويروى عن أيوب ويونس يعني ابن عبيد وعلي بن زيد وقالوا : لم يسمع الحسن من أبي هريرة. وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقالوا : إنما هبط على علم الله وقدرته وسلطانه ، وعلم الله وقدرته وسلطانه في كل مكان وهو على العرش كما وصف في كتابه ، انتهى كلامه.

وقد روى الإمام أحمد (٧) هذا الحديث عن سريج عن الحكم بن عبد الملك عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فذكره وعنده بعد ما بين الأرضين مسيرة سبعمائة عام

__________________

(١) كتاب التفسير ، تفسير سورة ٥٧ ، باب ١.

(٢) العنان : السحاب.

(٣) الروايا : جمع راوية ، والروايا من الإبل : الحوامل للماء.

(٤) لا يدعونه : أي لا يعبدونه.

(٥) الرقيع : اسم لسماء الدنيا.

(٦) موج مكفوف : أي ممنوع من الاسترسال.

(٧) المسند ٢ / ٣٧٠.

٤١

وقال : لو دليتم أحدكم بحبل إلى الأرض السفلى السابعة لهبط على الله ثم قرأ (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) ورواه ابن أبي حاتم والبزار من حديث أبي جعفر الرازي عن قتادة عن الحسن عن أبي هريرة فذكر الحديث ولم يذكر ابن أبي حاتم آخره ، وهو قوله لو دليتم بحبل وإنما قال حتى عد سبع أرضين بين كل أرضين مسيرة خمسمائة عام ، ثم تلا (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ). وقال البزار : لم يروه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا أبو هريرة.

ورواه ابن جرير (١) عن بشر عن يزيد عن سعيد عن قتادة (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ). وذكر لنا أن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينما هو جالس في أصحابه إذ مر عليهم سحاب فقال : هل تدرون ما هذا؟ وذكر الحديث مثل سياق الترمذي سواء ، إلا أنه مرسل من هذا الوجه ، ولعل هذا هو المحفوظ والله أعلم. وقد روي من حديث أبي ذر الغفاري رضي الله عنه وأرضاه ، رواه البزار في مسنده والبيهقي في كتاب الأسماء والصفات ، ولكن في إسناده نظر وفي متنه غرابة ونكارة ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

وقال ابن جرير (٢) عند قوله تعالى : (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَ) [الطلاق : ١٢] : حدثنا ابن عبد الأعلى ، حدثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة قال : التقى أربعة من الملائكة بين السماء والأرض فقال بعضهم لبعض : من أين جئت؟ قال أحدهم : أرسلني ربي عزوجل من السماء السابعة وتركته ثمّ. قال الآخر : أرسلني ربي عزوجل من الأرض السابعة وتركته ثمّ. قال الآخر : أرسلني ربي من المشرق وتركته ثمّ. قال الآخر : أرسلني ربي من المغرب وتركته ثمّ. وهذا حديث غريب جدا ، وقد يكون الحديث الأول موقوفا على قتادة كما روي هاهنا من قوله ، والله أعلم.

(هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَما يَخْرُجُ مِنْها وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ وَما يَعْرُجُ فِيها وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٤) لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (٥) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٦)

يخبر تعالى عن خلقه السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ، ثم أخبر تعالى باستوائه على العرش بعد خلقهن ، وقد تقدم الكلام على هذه الآية وأشباهها في سورة الأعراف بما أغنى عن إعادته هاهنا.

وقوله تعالى : (يَعْلَمُ ما يَلِجُ فِي الْأَرْضِ) أي يعلم عدد ما يدخل فيها من حب وقطر (وَما يَخْرُجُ مِنْها) من نبات وزرع وثمار كما قال تعالى : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ

__________________

(١) تفسير الطبري ١١ / ٦٧٠.

(٢) تفسير الطبري ١٢ / ١٤٦.

٤٢

وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [الأنعام : ٥٩].

وقوله تعالى : (وَما يَنْزِلُ مِنَ السَّماءِ) أي من الأمطار. والثلوج والبرد والأقدار. والأحكام مع الملائكة الكرام. وقد تقدم في سورة البقرة أنه ما ينزل من قطرة من السماء إلا ومعها ملك يقررها في المكان الذي يأمر الله به حيث يشاء الله تعالى. وقوله تعالى ، (وَما يَعْرُجُ فِيها) أي من الملائكة والأعمال كما جاء في الصحيح «يرفع إليه عمل الليل قبل النهار وعمل النهار قبل الليل» (١).

وقوله تعالى : (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) أي رقيب عليكم شهيد على أعمالكم حيث كنتم وأين كنتم برا أو بحرا ، في ليل أو نهار في البيوت أو القفار ، الجميع في علمه على السواء وتحت بصره وسمعه فيسمع كلامكم ويرى مكانكم ، ويعلم سركم ونجواكم كما قال تعالى : (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) [هود : ٥].

وقال تعالى : (سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ) [الرعد : ١٠] فلا إله غيره ولا رب سواه ، وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لجبريل لما سأله عن الإحسان : «أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» (٢) وروى الحافظ أبو بكر الإسماعيلي من حديث نصر بن خزيمة بن جنادة بن محفوظ بن علقمة : حدثني أبي عن نصر بن علقمة عن أخيه عن عبد الرّحمن بن عائذ قال : قال عمر : جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال زودني حكمة أعيش بها فقال : «استح الله كما تستحي رجلا من صالحي عشيرتك لا يفارقك» هذا حديث غريب ، وروى أبو نعيم من حديث عبد الله بن معاوية الغاضري مرفوعا «ثلاث من فعلهن فقد طعم الإيمان إن عبد الله وحده وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه في كل عام ، ولم يعط الهرمة ولا الدرنة (٣) ولا الشّرط اللئيمة ولا المريضة (٤) ، ولكن من أوسط أموالكم وزكى نفسه» وقال رجل : يا رسول الله ما تزكية المرء نفسه؟ فقال : «يعلم أن الله معه حيث كان».

وقال نعيم بن حماد رحمه‌الله : حدثنا عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار الحمصي عن محمد بن مهاجر عن عروة بن رويم ، عن عبد الرّحمن بن غنم عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت» غريب ، وكان الإمام أحمد

__________________

(١) أخرجه مسلم في الإيمان حديث ٢٩٣.

(٢) أخرجه البخاري في الإيمان باب ١ ، ومسلم في الإيمان حديث ١ ، ٥ ، ٧ ، وأبو داود في السنة باب ١٦ ، والترمذي في الإيمان باب ٤ ، والنسائي في الإيمان باب ٥ ، ٦ ، وابن ماجة في المقدمة باب ٩ ، وأحمد في المسند ٢ / ١٠٧ ، ١٣٢.

(٣) الدرنة : الجرباء.

(٤) الشرط اللئيمة والمريضة : أي رذال المال.

٤٣

رحمه‌الله تعالى ينشد هذين البيتين : [الطويل]

إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل

خلوت ولكن قل عليّ رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة

ولا أن ما تخفي عليه يغيب

وقوله تعالى : (لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) أي هو المالك للدنيا والآخرة كما قال تعالى : (وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى) [الليل : ١٣] وهو المحمود على ذلك كما قال تعالى : (وَهُوَ اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولى وَالْآخِرَةِ) [القصص : ٧٠] وقال تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) [سبأ : ١] ، فجميع ما في السموات والأرض ملك له ، وأهلهما عبيد أرقاء أذلاء بين يديه كما قال تعالى : (إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) [مريم : ٩٣ ـ ٩٥] ولهذا قال : (وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) أي إليه المرجع يوم القيامة فيحكم في خلقه بما يشاء وهو العادل الذي لا يجور ولا يظلم مثقال ذرة بل إن يكن عمل أحدهم حسنة واحدة يضاعفها إلى عشرة أمثالها (وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) [النساء : ٤٠] وكما قال تعالى : (وَنَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَكَفى بِنا حاسِبِينَ) [الأنبياء : ٤٧] وقوله تعالى : (يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَيُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ) أي هو المتصرف في الخلق يقلب الليل والنهار ويقدرهما بحكمته كما يشاء ، فتارة يطول الليل ويقصر النهار وتارة بالعكس ، وتارة يتركهما معتدلين ، وتارة يكون الفصل شتاء ثم ربيعا ثم صيفا ثم خريفا ، وكل ذلك بحكمته وتقديره لما يريده بخلقه (وَهُوَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي يعلم السرائر وإن دقت وإن خفيت.

(آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (٧) وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٩) وَما لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (١٠) مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) (١١)

أمر تبارك وتعالى بالإيمان به وبرسوله على الوجه الأكمل ، والدوام والثبات على ذلك والاستمرار ، وحث على الإنفاق مما جعلكم مستخلفين فيه أي مما هو معكم على سبيل العارية ، فإنه قد كان في أيدي من قبلكم ثم صار إليكم ، فأرشد الله تعالى إلى استعمال ما استخلفتم فيه من المال في طاعته ، فإن تفعلوا وإلا حاسبكم عليه وعاقبكم لترككم الواجبات فيه ، وقوله تعالى : (مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) فيه إشارة إلى أنه سيكون مخلفا عنك ، فلعل وارثك أن يطيع الله فيه فيكون أسعد بما أنعم الله به عليك منك ، أو يعصي الله فيه فتكون قد

٤٤

سعيت في معاونته على الإثم والعدوان.

قال الإمام أحمد (١) : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، سمعت قتادة يحدث عن مطرف يعني ابن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال : انتهيت إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقول : «ألهاكم التكاثر ، يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت؟» ورواه مسلم من حديث شعبة به وزاد : «وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس» (٢).

وقوله تعالى : (فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) ترغيب في الإيمان والإنفاق في الطاعة ثم قال تعالى : (وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ) أي وأي شيء يمنعكم من الإيمان والرسول بين أظهركم يدعوكم إلى ذلك ويبين لكم الحجج والبراهين على صحة ما جاءكم به ، وقد روينا في الحديث من طرق في أوائل شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال يوما لأصحابه : «أي المؤمنين أعجب إليكم إيمانا؟ قالوا : الملائكة. قال : وما لهم لا يؤمنون وهم عند ربهم؟ قالوا : فالأنبياء. قال : وما لهم لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم؟ قالوا : فنحن. قال : وما لكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم؟ ولكن أعجب المؤمنين إيمانا قوم يجيئون بعدكم يجدون صحفا يؤمنون بما فيها» وقد ذكرنا طرفا من هذه الرواية في أول سورة البقرة عند قوله تعالى : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) [البقرة : ٣].

وقوله تعالى : (وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ) كما قال تعالى : (وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا) [المائدة : ٧] ويعني بذلك بيعة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وزعم ابن جرير (٣) أن المراد بذلك الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم وهو مذهب مجاهد فالله أعلم.

وقوله تعالى : (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلى عَبْدِهِ آياتٍ بَيِّناتٍ) أي حججا واضحات ودلائل باهرات وبراهين قاطعات (لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) أي من ظلمات الجهل والكفر والآراء المتضادة إلى نور الهدى واليقين والإيمان (وَإِنَّ اللهَ بِكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) أي في إنزاله الكتب وإرساله الرسل لهداية الناس وإزاحة العلل وإزالة الشبه ، ولما أمرهم أولا بالإيمان والإنفاق ثم حثهم على الإيمان وبين أنه قد أزال عنهم موانعه حثهم أيضا على الإنفاق فقال : (وَما لَكُمْ أَلَّا تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي أنفقوا ولا تخشوا فقرا وإقلالا فإن الذي أنفقتم في سبيله هو مالك السموات والأرض وبيده مقاليدهما وعنده خزائنهما ، هو مالك العرش بما حوى ، وهو القائل (وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) [سبأ : ٣٩].

__________________

(١) المسند ٤ / ٢٤.

(٢) أخرجه مسلم في الزهد حديث ٣ ، ٤.

(٣) تفسير الطبري ١١ / ٦٧٢.

٤٥

وقال : (ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَما عِنْدَ اللهِ باقٍ) [النحل : ٩٦] فمن توكل على الله أنفق ولم يخش من ذي العرش إقلالا ، وعلم أن الله سيخلفه عليه ، وقوله تعالى : (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ) أي لا يستوي هذا ومن لم يفعل كفعله ، وذلك أن قبل فتح مكة كان الحال شديدا فلم يكن يؤمن حينئذ إلا الصديقون ، وأما بعد الفتح فإنه ظهر الإسلام ظهورا عظيما ودخل الناس في دين الله أفواجا. ولهذا قال تعالى : (أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) والجمهور على أن المراد بالفتح هاهنا فتح مكة ، وعن الشعبي وغيره أن المراد بالفتح هاهنا صلح الحديبية ، وقد يستدل لهذا القول بما قال الإمام أحمد (١) : حدثنا أحمد بن عبد الملك ، حدثنا زهير ، حدثنا حميد الطويل عن أنس قال : كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرّحمن بن عوف كلام ، فقال خالد لعبد الرّحمن : تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها ، فبلغنا أن ذلك ذكر للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «دعوا لي أصحابي ، فو الذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد أو مثل الجبال ذهبا ما بلغتم أعمالهم».

ومعلوم أن إسلام خالد بن الوليد المواجه بهذا الخطاب كان بين صلح الحديبية وفتح مكة ، وكانت هذه المشاجرة بينهما في بني جذيمة الذين بعث إليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خالد بن الوليد بعد الفتح ، فجعلوا يقولون : صبأنا صبأنا ، فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا ، فأمر خالد بقتلهم وقتل من أسر منهم ، فخالفه عبد الرّحمن بن عوف وعبد الله بن عمر وغيرهما ، فاختصم خالد وعبد الرّحمن بسبب ذلك (٢) ، والذي في الصحيح عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «لا تسبوا أصحابي فو الذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه» (٣).

وروى ابن جرير (٤) وابن أبي حاتم من حديث ابن وهب ، أخبرنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أنه قال : خرجنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عام الحديبية ، حتى إذا كنا بعسفان قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يوشك أن يأتي قوم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم» فقلنا من هم يا رسول الله؟ أقريش؟ قال : «لا ولكن أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبا» فقلنا : أهم خير منا يا رسول الله؟ قال : «لو كان لأحدهم جبل من ذهب فأنفقه ما أدرك مد أحدكم ولا نصيفه ألا إن هذا فضل ما بيننا وبين الناس (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) وهذا الحديث غريب بهذا السياق والذي في الصحيحين من رواية جماعة عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد ذكر الخوارج : «تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع

__________________

(١) المسند ٣ / ٢٦٦.

(٢) أخرجه البخاري في الأحكام باب ٣٥.

(٣) أخرجه البخاري في فضائل أصحاب النبي باب ٥ ، ومسلم في فضائل الصحابة حديث ٢٢١ ، ٢٢٢.

(٤) تفسير الطبري ١١ / ٦٧٤.

٤٦

صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية» (١). الحديث ، ولكن روى ابن جرير (٢) هذا الحديث من وجه آخر فقال : حدثني ابن البرقي حدثني ابن أبي مريم ، أخبرنا محمد بن جعفر، أخبرني زيد بن أسلم عن أبي سعيد التمار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يوشك أن يأتي قوم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم» قلنا : من هم يا رسول الله؟ قريش؟ قال : «لا ولكن أهل اليمن لأنهم أرق أفئدة وألين قلوبا» وأشار بيده إلى اليمن فقال : «هم أهل اليمن ألا إن الإيمان يمان والحكمة يمانية» فقلنا : يا رسول الله هم خير منا؟ قال : «والذي نفسي بيده لو كان لأحدهم جبل من ذهب ينفقه ما أدى مد أحدكم ولا نصيفه» ثم جمع أصابعه ومد خنصره وقال : «ألا إن هذا فضل ما بيننا وبين الناس (لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).

فهذا السياق ليس فيه ذكر الحديبية ، فإن كان ذلك محفوظا كما تقدم فيحتمل أنه أنزل قبل الفتح إخبارا عما بعده كما في قوله تعالى في سورة المزمل وهي مكية من أوائل ما نزل (وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) [المزمل : ٢٠] الآية. فهي بشارة بما يستقبل وهكذا هذه والله أعلم.

وقوله تعالى : (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) يعني المنفقين قبل الفتح وبعده ، كلهم لهم ثواب على ما عملوا ، وإن كان بينهم تفاوت في تفاضل الجزاء كما قال تعالى : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى وَفَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) [النساء : ٩٥] وهكذا الحديث الذي في الصحيح «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كل خير» (٣) وإنما نبه بهذا لئلا يهدر جانب الآخر بمدح الأول دون الآخر ، فيتوهم متوهم ذمه ، فلهذا عطف بمدح الآخر والثناء عليه مع تفضيل الأول عليه ، ولهذا قال تعالى : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) أي فلخبرته فاوت بين ثواب من أنفق من قبل الفتح وقاتل ومن فعل ذلك بعد ذلك وما ذاك إلا لعلمه بقصد الأول وإخلاصه التام وإنفاقه في حال الجهد والقلة والضيق ، وفي الحديث «سبق درهم مائة ألف» (٤) ولا شك عند أهل الإيمان أن الصديق أبا بكر رضي الله عنه له الحظ الأوفر من هذه الآية ، فإنه سيد من عمل بها من سائر أمم الأنبياء ، فإنه

__________________

(١) أخرجه البخاري في المناقب باب ٢٥ ، وفضائل القرآن باب ٣٦ ، ومسلم في الزكاة حديث ١٤٧ ، ١٤٨.

(٢) تفسير الطبري ١١ / ٦٧٤.

(٣) أخرجه مسلم في القدر حديث ٣٤ ، وابن ماجة في المقدمة باب ١٠ ، والزهد باب ١٤ ، وأحمد في المسند ٢ / ٣٦٦ ، ٣٧٠.

(٤) أخرجه النسائي في الزكاة باب ٤٩.

٤٧

أنفق ماله كله ابتغاء وجه الله عزوجل ، ولم يكن لأحد عنده نعمة يجزيه بها.

وقد قال أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي عند تفسير هذه الآية : أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي ، أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي ، أخبرنا عبد الله بن حامد بن محمد ، أخبرنا أحمد بن إسحاق بن أيوب ، أخبرنا محمد بن يونس ، حدثنا العلاء بن عمرو الشيباني ، حدثنا أبو إسحاق الفزاري ، حدثنا سفيان بن سعيد عن آدم بن علي عن ابن عمر قال : كنت عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعنده أبو بكر الصديق وعليه عباءة قد خلها في صدره بخلال ، فنزل جبريل فقال : ما لي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلها في صدره بخلال؟ فقال : «أنفق ماله علي قبل الفتح» قال : فإن الله يقول : اقرأ عليه‌السلام وقل له أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا أبا بكر إن الله يقرأ عليك السّلام ويقول لك : أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط؟» فقال أبو بكر رضي الله عنه : أسخط على ربي عزوجل؟ إني عن ربي راض. هذا الحديث ضعيف الإسناد من هذا الوجه والله أعلم.

وقوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) قال عمر بن الخطاب : هو الإنفاق في سبيل الله ، وقيل : هو النفقة على العيال ، والصحيح أنه أعم من ذلك ، فكل من أنفق في سبيل الله بنية خالصة ، وعزيمة صادقة دخل في عموم هذه الآية ، ولهذا قال تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ) كما قال في الآية الأخرى : (أَضْعافاً كَثِيرَةً وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) [البقرة : ٢٤٥] أي جزاء جميل ورزق باهر ، وهو الجنة يوم القيامة.

قال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن عرفة ، حدثنا خلف بن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن مسعود قال : لما نزلت هذه الآية (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ) قال أبو الدحداح الأنصاري : يا رسول الله ، وإن الله ليريد منا القرض؟ قال : «نعم يا أبا الدحداح» قال : أرني يدك يا رسول الله. قال : فناوله يده. قال : فإني قد أقرضت ربي حائطي ، وله حائط فيه ستمائة نخلة ، وأم الدحداح فيه وعيالها. قال : فجاء أبو الدحداح فناداها يا أم الدحداح. قالت : لبيك ، قال : اخرجي فقد أقرضته ربي عزوجل ، وفي رواية أنها قالت له : ربح بيعك يا أبا الدحداح. ونقلت منه متاعها وصبيانها وإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «كم من عذق رداح في الجنة لأبي الدحداح» وفي لفظ «رب نخلة مدلاة عروقها در وياقوت لأبي الدحداح في الجنة».

(يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ (١٣) يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قالُوا بَلى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ

٤٨

الْأَمانِيُّ حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ (١٤) فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْواكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ)(١٥)

يقول تعالى مخبرا عن المؤمنين المتصدقين أنهم يوم القيامة يسعى نورهم بين أيديهم في عرصات القيامة ، بحسب أعمالهم كما قال عبد الله بن مسعود في قوله تعالى : (يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) قال : على قدر أعمالهم يمرون على الصراط ، منهم من نوره مثل الجبل ، ومنهم من نوره مثل النخلة ومنهم من نوره مثل الرجل القائم ، وأدناهم نورا من نوره في إبهامه يتّقد مرة ويطفأ مرة ، ورواه ابن أبي حاتم وابن جرير (١) ، وقال قتادة : ذكر لنا أن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقول «من المؤمنين من يضيء نوره من المدينة إلى عدن أبين وصنعاء فدون ذلك حتى أن من المؤمنين من يضيء نوره موضع قدميه» (٢) وقال سفيان الثوري عن حصين ، عن مجاهد ، عن جنادة بن أبي أمية قال : إنكم مكتوبون عند الله بأسمائكم وسيماكم وحلالكم ونجواكم ومجالسكم ، فإذا كان يوم القيامة ، قيل : يا فلان هذا نورك ، يا فلان لا نور لك ، وقرأ (يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ).

وقال الضحاك : ليس أحد إلا يعطى نورا يوم القيامة ، فإذا انتهوا إلى الصراط طفئ نور المنافقين ، فلما رأى ذلك المؤمنون أشفقوا أن يطفأ نورهم كما طفئ نور المنافقين فقالوا : ربنا أتمم لنا نورنا ، وقال الحسن : (يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) يعني على الصراط وقد قال ابن أبي حاتمرحمه‌الله : حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب ، أخبرنا عمي عن يزيد بن أبي حبيب عن سعيد بن مسعود أنه سمع عبد الرّحمن بن جبير يحدث ، أنه سمع أبا الدرداء وأبا ذر يخبران عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أنا أول من يؤذن له يوم القيامة بالسجود ، وأول من يؤذن له برفع رأسه ، فأنظر من بين يدي ومن خلفي وعن يميني وعن شمالي فأعرف أمتي من بين الأمم» فقال له رجل : يا نبي الله كيف تعرف أمتك من بين الأمم ما بين نوح إلى أمتك؟ فقال : أعرفهم محجلون من أثر الوضوء ولا يكون لأحد من الأمم غيرهم ، وأعرفهم يؤتون كتبهم بأيمانهم ، وأعرفهم بسيماهم في وجوههم ، وأعرفهم بنورهم يسعى بين أيديهم».

وقوله (وَبِأَيْمانِهِمْ) قال الضحاك أي وبأيمانهم كتبهم كما قال : (فَمَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ) [الإسراء : ٧١] وقوله : (بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي يقال لهم : (بُشْراكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ) أي لكم البشارة بجنات تجري من تحتها الأنهار (خالِدِينَ فِيها) أي ماكثين فيها أبدا (ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) وقوله : (يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) وهذا إخبار منه تعالى عما يقع يوم القيامة في العرصات من الأهوال

__________________

(١) تفسير الطبري ١١ / ٦٧٦.

(٢) انظر تفسير الطبري ١١ / ٦٧٦.

٤٩

المزعجة والزلازل العظيمة ، والأمور الفظيعة ، وأنه لا ينجو يومئذ إلا من آمن بالله ورسوله وعمل بما أمر الله به وترك ما عنه زجر.

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا عبدة بن سليمان ، حدثنا ابن المبارك ، حدثنا صفوان بن عمرو ، حدثني سليم بن عامر قال : خرجنا على جنازة في باب دمشق ومعنا أبو أمامة الباهلي ، فلما صلّى على الجنازة وأخذوا في دفنها قال أبو أمامة أيها الناس إنكم قد أصبحتم وأمسيتم في منزل تقتسمون فيه الحسنات والسيئات ، وتوشكون أن تظعنوا منه إلى منزل آخر وهو هذا ـ يشير إلى القبر ـ بيت الوحدة وبيت الظلمة وبيت الدود وبيت الضيق إلا ما وسع الله ، ثم تنتقلون منه إلى مواطن يوم القيامة ، فإنكم في بعض تلك المواطن حتى يغشى الناس أمر من الله ، فتبيض وجوه وتسود وجوه ، ثم تنتقلون منه إلى منزل آخر فيغشى الناس ظلمة شديدة ، ثم يقسم النور فيعطى المؤمن نورا ، ويترك الكافر والمنافق فلا يعطيان شيئا ، وهو المثل الذي ضربه الله تعالى في كتابه فقال: (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) [النور : ٤٠] فلا يستضيء الكافر والمنافق بنور المؤمن كما لا يستضيء الأعمى ببصر البصير ، ويقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً) وهي خدعة الله التي يخدع بها المنافقين حيث قال : (يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) فيرجعون إلى المكان الذي قسم فيه النور فلا يجدون شيئا ، فينصرفون إليهم وقد ضرب بينهم (بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ)

يقول سليم بن عامر : فما يزال المنافق مغترا حتى يقسم النور ويميز الله بين المنافق والمؤمن ، ثم قال : حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن عثمان ، حدثنا ابن حيوة ، حدثنا أرطاة بن المنذر ، حدثنا يوسف بن الحجاج عن أبي أمامة قال : يبعث الله ظلمة يوم القيامة فما من مؤمن ولا كافر يرى كفه حتى يبعث الله بالنور إلى المؤمنين بقدر أعمالهم فيتبعهم المنافقون فيقولون (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) وقال العوفي والضحاك وغيرهما عن ابن عباس : بينما الناس في ظلمة إذ بعث الله نورا ، فلما رأى المؤمنون النور توجهوا نحوه ، وكان النور دليلا من الله إلى الجنة ، فلما رأى المنافقون المؤمنين قد انطلقوا اتبعوهم فأظلم الله على المنافقين فقالوا حينئذ (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) فإنا كنا معكم في الدنيا قال المؤمنون (ارْجِعُوا وَراءَكُمْ) من حيث جئتم من الظلمة فالتمسوا هنالك النور.

وقال أبو القاسم الطبراني : حدثنا الحسن بن عرفة بن علوية العطار ، حدثنا إسماعيل بن عيسى العطار ، حدثنا إسحاق بن بشر بن حذيفة ، حدثنا ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله تعالى يدعو الناس يوم القيامة بأسمائهم سترا منه على

٥٠

عباده ، وأما عند الصراط فإن الله تعالى يعطي كل مؤمن نورا وكل منافق نورا ، فإذا استووا على الصراط سلب الله نور المنافقين والمنافقات ، فقال المنافقون (انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ) وقال المؤمنون (رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا) [التحريم : ٨] فلا يذكر عند ذلك أحد أحدا».

وقوله تعالى : (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) قال الحسن وقتادة : هو حائط بين الجنة والنار ، وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم هو الذي قال الله تعالى : (وَبَيْنَهُما حِجابٌ) [الأعراف : ٤٦] وهكذا روي عن مجاهد رحمه‌الله وغير واحد وهو الصحيح (باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ) ـ أي الجنة وما فيها ـ (وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) أي النار قاله قتادة وابن زيد وغيرهما ، قال ابن جرير (١) وقد قيل إن ذلك السور سور بيت المقدس عند وادي جهنم. ثم قال : حدثنا ابن البرقي ، حدثنا عمرو بن أبي سلمة عن سعيد بن عطية بن قيس عن أبي العوام مؤذن بيت المقدس قال : سمعت عبد الله بن عمرو يقول : إن السور الذي ذكره الله في القرآن (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ) هو السور الشرقي باطنه المسجد وما يليه وظاهره وادي جهنم (٢).

ثم روي عن عبادة بن الصامت وكعب الأحبار وعلي بن الحسين زين العابدين نحو ذلك ، وهذا محمول منهم على أنهم أرادوا بهذا تقريب المعنى ومثالا لذلك ، لا أن هذا هو الذي أريد من القرآن هذا الجدار المعين نفسه ونفس المسجد ، وما وراءه من الوادي المعروف بوادي جهنم ، فإن الجنة في السموات في أعلى عليين والنار في الدركات أسفل سافلين ، وقول كعب الأحبار إن الباب المذكور في القرآن هو باب الرحمة الذي هو أحد أبواب المسجد فهذا من إسرائيلياته وترهاته ، وإنما المراد بذلك سور يضرب يوم القيامة ليحجز بين المؤمنين والمنافقين فإذا انتهى إليه المؤمنون دخلوه من بابه ، فإذا استكملوا دخولهم أغلق الباب وبقي المنافقون من ورائه في الحيرة والظلمة والعذاب كما كانوا في الدار الدنيا في كفر وجهل وشك وحيرة.

(يُنادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) أي ينادي المنافقون المؤمنين أما كنا معكم في الدار الدنيا نشهد معكم الجمعات ونصلي معكم الجماعات ، ونقف معكم بعرفات ، ونحضر معكم الغزوات ونؤدي معكم سائر الواجبات؟ (قالُوا بَلى) أي فأجاب المؤمنون المنافقين قائلين : بلى قد كنتم معنا (وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُ) قال بعض السلف : أي فتنتم أنفسكم باللذات والمعاصي والشهوات (وَتَرَبَّصْتُمْ) أي أخرتم التوبة من وقت إلى وقت.

__________________

(١) تفسير الطبري ١١ / ٦٧٨.

(٢) انظر تفسير الطبري ١١ / ٦٧٨.

٥١

وقال قتادة : (تَرَبَّصْتُمْ) بالحق وأهله (وَارْتَبْتُمْ) أي بالبعث بعد الموت (وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُ) أي قلتم سيغفر لنا وقيل غرتكم الدنيا (حَتَّى جاءَ أَمْرُ اللهِ) أي ما زلتم في هذا حتى جاءكم الموت (وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ) أي الشيطان قال قتادة : كانوا على خدعة من الشيطان والله ما زالوا عليها حتى قذفهم الله في النار : ومعنى هذا الكلام من المؤمنين للمنافقين أنكم كنتم معنا أي بأبدان لا نية لها ولا قلوب معها ، وإنما كنتم في حيرة وشك فكنتم تراؤون الناس ولا تذكرون الله إلا قليلا ، قال مجاهد : كان المنافقون مع المؤمنين أحياء يناكحونهم ويغشونهم ويعاشرونهم ، وكانوا معهم أمواتا ويعطون النور جميعا يوم القيامة ، ويطفأ النور من المنافقين إذا بلغوا السور ويماز بينهم حينئذ.

وهذا القول من المؤمنين لا ينافي قولهم الذي أخبر الله تعالى به عنهم حيث يقول ، وهو أصدق القائلين (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ) [المدثر : ٣٨ ـ ٤٧] فهذا إنما خرج منهم على وجه التقريع لهم والتوبيخ. ثم قال تعالى : (فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) [المدثر : ٤٨] كما قال تعالى هاهنا (فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) أي لو جاء أحدكم اليوم بملء الأرض ذهبا ومثله معه ليفتدي به من عذاب الله ما قبل منه. وقوله تعالى : (مَأْواكُمُ النَّارُ) أي هي مصيركم وإليها منقلبكم ، وقوله تعالى : (هِيَ مَوْلاكُمْ) أي هي أولى بكم من كل منزل على كفركم وارتيابكم وبئس المصير.

(أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (١٦) اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (١٧)

يقول تعالى : أما آن للمؤمنين أن تخشع قلوبهم لذكر الله ، أي تلين عند الذكر والموعظة وسماع القرآن فتفهمه وتنقاد له وتسمع له وتطيعه. قال عبد الله بن المبارك : حدثنا صالح المري عن قتادة عن ابن عباس أنه قال : إن الله استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة من نزول القرآن فقال : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) الآية ، رواه ابن أبي حاتم عن الحسن بن محمد بن الصباح عن حسين المروزي عن ابن المبارك به.

ثم قال هو ومسلم : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال ، يعني الليثي ، عن عون بن عبد الله عن أبيه عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ

٥٢

تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) الآية ، إلا أربع سنين (١) ، كذا رواه مسلم في آخر الكتاب ، وأخرجه النسائي عند تفسير هذه الآية عن هارون بن سعيد الأيلي عن ابن وهب به. وقد رواه ابن ماجة من حديث موسى بن يعقوب الزمعي عن أبي حازم عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه مثله ، فجعله من مسند ابن الزبير ، لكن رواه البزار في مسنده من طريق موسى بن يعقوب عن أبي حازم عن عامر عن ابن الزبير عن ابن مسعود فذكره.

وقال سفيان الثوري عن المسعودي عن القاسم قال : ملّ أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ملة فقالوا : حدثنا يا رسول الله ، فأنزل الله تعالى : (نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ) [يوسف : ٣] قال : ثم ملوا ملة فقالوا : حدثنا يا رسول الله فأنزل الله تعالى (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ) [الزمر : ٢٣] ثم ملوا ملة فقالوا : حدثنا يا رسول الله ، فأنزل الله تعالى : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) وقال قتادة (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ) ذكر لنا أن شداد بن أوس كان يروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن أول ما يرفع من الناس الخشوع» (٢).

وقوله تعالى : (وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ فَطالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ) نهى الله تعالى المؤمنين أن يتشبهوا بالذين حملوا الكتاب من قبلهم من اليهود والنصارى ، لما تطاول عليهم الأمد بدلوا كتاب الله الذي بأيديهم واشتروا به ثمنا قليلا ونبذوه وراء ظهورهم ، وأقبلوا على الآراء المختلفة والأقوال المؤتفكة ، وقلدوا الرجال في دين الله واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ، فعند ذلك قست قلوبهم فلا يقبلون موعظة ولا تلين قلوبهم بوعد ولا وعيد (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) أي في الأعمال فقلوبهم فاسدة وأعمالهم باطلة كما قال تعالى : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ) [المائدة : ١٣] أي فسدت قلوبهم فقست وصار من سجيتهم تحريف الكلم عن مواضعه وتركوا الأعمال التي أمروا بها ، وارتكبوا ما نهوا عنه ، ولهذا نهى الله المؤمنين أن يتشبهوا بهم في شيء من الأمور الأصلية والفرعية.

وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا شهاب بن خراش ، حدثنا حجاج بن دينار عن منصور بن المعتمر عن الربيع بن عميلة الفزاري قال : حدثنا عبد الله بن مسعود حديثا ما سمعت أعجب إلي منه إلا شيئا من كتاب الله أو شيئا قاله النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد فقست قلوبهم اخترعوا كتابا من عند أنفسهم استهوته قلوبهم واستحلته ألسنتهم واستلذته ، وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم فقالوا تعالوا ندع بني إسرائيل إلى كتابنا هذا ، فمن تابعنا عليه تركناه ومن كره أن يتابعنا قتلناه ، ففعلوا ذلك وكان

__________________

(١) أخرجه مسلم في التفسير حديث ٢٤.

(٢) انظر تفسير الطبري ١١ / ٦٨١.

٥٣

فيهم رجل فقيه.

فلما رأى ما يصنعون عمد إلى ما يعرف من كتاب الله فكتبه في شيء لطيف ثم أدرجه ، فجعله في قرن ثم علق ذلك القرن في عنقه ، فلما أكثروا القتل قال بعضهم لبعض : يا هؤلاء إنكم قد أفشيتم القتل في بني إسرائيل فادعوا فلانا فأعرضوا عليه كتابكم ، فإنه إن تابعكم فسيتابعكم بقية الناس وإن أبى فاقتلوه ، فدعوا فلانا ذلك الفقيه فقالوا : أتؤمن بما في كتابنا هذا ، قال : وما فيه؟ اعرضوه علي فعرضوه عليه إلى آخره ، ثم قالوا : أتؤمن بما في كتابنا هذا؟ قال : نعم آمنت بما في هذا وأشار بيده إلى القرن فتركوه فلما مات فتشوه فوجدوه معلقا ذلك القرن ، فوجدوا فيه ما يعرف من كتاب الله فقال بعضهم لبعض : يا هؤلاء ما كنا نسمع هذا أصابه فتنة ، فافترقت بنو إسرائيل على اثنتين وسبعين ملة ، وخير مللهم ملة أصحاب ذي القرن» قال ابن مسعود : وإنكم أوشك بكم إن بقيتم أو بقي من بقي منكم أن تروا أمورا تنكرونها لا تستطيعون لها غيرا ، فبحسب المرء منكم أن يعلم الله من قلبه أنه لها كاره.

وروى أبو جعفر الطبري (١) حدثنا ابن حميد ، حدثنا جرير عن مغيرة عن أبي معشر عن إبراهيم قال : جاء عتريس بن عرقوب إلى ابن مسعود فقال : يا عبد الله هلك من لم يأمر بالمعروف وينه عن المنكر ، فقال عبد الله : هلك من لم يعرف قلبه معروفا ولم ينكر قلبه منكرا. إن بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد وقست قلوبهم اخترعوا كتابا من بين أيديهم وأرجلهم استهوته قلوبهم واستحلته ألسنتهم ، وقالوا نعرض بني إسرائيل على هذا الكتاب ، فمن آمن به تركناه ، ومن كفر به قتلناه ، قال فجعل رجل منهم كتاب الله في قرن ثم جعل القرن بين ثندوتيه ، فلما قيل له أتؤمن بهذا؟ قال آمنت به ويومئ إلى القرن بين ثندوتيه (٢) ، وما لي أؤمن بهذا الكتاب؟ فمن خير مللهم اليوم ملة صاحب القرن.

وقوله تعالى : (اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) فيه إشارة إلى أن الله تعالى يلين القلوب بعد قسوتها ويهدي الحيارى بعد ضلتها ، ويفرج الكروب بعد شدتها ، فكما يحيي الأرض الميتة المجدبة الهامدة بالغيث الهتان الوابل ، كذلك يهدي القلوب القاسية ببراهين القرآن والدلائل ، ويولج إليها النور بعد أن كانت مقفلة لا يصل إليها الواصل ، فسبحان الهادي لمن يشاء بعد الضلال ، والمضل لمن أراد بعد الكمال ، الذي هو لما يشاء فعال ، وهو الحكيم العدل في جميع الفعال ، اللطيف الخبير الكبير المتعال.

(إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (١٨) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا

__________________

(١) تفسير الطبري ١١ / ٦٨١.

(٢) الثندوتان للرجل كالثديين للمرأة.

٥٤

وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) (١٩)

يخبر تعالى عما يثيب به المصدقين والمصدقات بأموالهم على أهل الحاجة والفقر والمسكنة (وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً) أي دفعوه بنية خالصة ابتغاء مرضاة الله لا يريدون جزاء ممن أعطوه ولا شكورا ، ولهذا قال : (يُضاعَفُ لَهُمْ) أي يقابل لهم الحسنة بعشر أمثالها ، ويزاد على ذلك إلى سبعمائة ضعف ، وفوق ذلك (وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ) أي ثواب جزيل حسن ومرجع صالح ومآب كريم. وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ) هذا تمام الجملة وصف المؤمنين بالله ورسله بأنهم صديقون ، قال العوفي عن ابن عباس في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ) هذه مفصولة (وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) وقال أبو الضحى (أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ) ثم استأنف الكلام فقال : (وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) وهكذا قال مسروق والضحاك ومقاتل بن حيان وغيرهم.

وقال الأعمش عن أبي الضحى عن مسروق عن عبد الله بن مسعود في قوله تعالى ، (أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) قال : هم ثلاثة أصناف : يعني المصدقين والصديقين والشهداء ، كما قال تعالى : (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ) [النساء : ٦٩] ففرق بين الصديقين والشهداء فدل على أنهما صنفان ولا شك أن الصديق أعلى مقاما من الشهيد.

كما رواه الإمام مالك بن أنس رحمه‌الله في كتابه الموطأ عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار ، عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن أهل الجنة ليتراؤون أهل الغرف من فوقهم كما تتراؤون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاضل ما بينهم» قالوا : يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم قال «بلى والذي نفسي بيده رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين» (١) اتفق البخاري ومسلم على إخراجه من حديث مالك به ، وقال آخرون : بل المراد من قوله تعالى : (أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) فأخبر عن المؤمنين بالله ورسله بأنهم صديقون وشهداء ، حكاه ابن جرير عن مجاهد.

ثم قال ابن جرير (٢) : حدثني صالح بن حرب أبو معمر ، حدثنا إسماعيل بن يحيى ، حدثنا ابن عجلان عن زيد بن أسلم عن البراء بن عازب قال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «مؤمنو أمتي شهداء» قال : ثم تلا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذه الآية (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) هذا حديث غريب. وقال أبو إسحاق عن عمرو بن ميمون في قوله

__________________

(١) أخرجه الترمذي في الجنة باب ١٩ ، وأحمد في المسند ٣ / ٣٣٩ ، وأخرجه البخاري في بدء الخلق باب ٨ ، والرقاق باب ٥١ ، ومسلم في الجنة حديث ١١.

(٢) تفسير الطبري ١١ / ٦٨٣.

٥٥

تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) قال : يجيئون يوم القيامة معا كالأصبعين.

وقوله تعالى : (وَالشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ) أي في جنات النعيم كما جاء في الصحيحين «إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل فاطلع عليهم ربك اطلاعة فقال : ماذا تريدون؟! فقالوا : نحب أن تردنا إلى الدار الدنيا فنقاتل فيك فنقتل كما قتلنا أول مرة ، فقال : إني قد قضيت أنهم إليها لا يرجعون» (١).

وقوله تعالى : (لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ) أي لهم عند الله أجر جزيل ونور عظيم يسعى بين أيديهم وهم في ذلك يتفاوتون بحسب ما كانوا في الدار الدنيا من الأعمال كما قال الإمام أحمد (٢) ، حدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا ابن لهيعة ، عن عطاء بن دينار عن أبي يزيد الخولاني قال : سمعت فضالة بن عبيد يقول : سمعت عمر بن الخطاب يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «الشهداء أربعة رجل مؤمن جيد الإيمان لقي العدو فصدق الله فقتل فذاك الذي ينظر الناس إليه هكذا» ورفع رأسه حتى سقطت قلنسوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أو قلنسوة عمر «والثاني مؤمن لقي العدو فكأنما يضرب ظهره بشوك الطلح جاءه سهم غرب فقتله فذاك في الدرجة الثانية ، والثالث رجل مؤمن خلط عملا صالحا وآخر سيئا لقي العدو فصدق الله حتى قتل فذاك في الدرجة الثالثة ، والرابع رجل مؤمن من أسرف على نفسه إسرافا كثيرا لقي العدو فصدق الله حتى قتل فذاك في الدرجة الرابعة» وهكذا رواه علي بن المديني عن أبي داود الطيالسي عن ابن المبارك عن ابن لهيعة ، وقال هذا إسناد مصري صالح ، ورواه الترمذي من حديث ابن لهيعة وقال : حسن غريب.

وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) لما ذكر السعداء ومآلهم عطف بذكر الأشقياء وبين حالهم.

(اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاَّ مَتاعُ الْغُرُورِ (٢٠) سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (٢١)

يقول تعالى موهنا أمر الحياة الدنيا ومحقرا لها : (أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) أي إنما حاصل أمرها عند أهلها هذا ، كما قال تعالى : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ

__________________

(١) أخرجه مسلم في الإمارة حديث ١٢١ ، وأبو داود في الجهاد باب ٢٥ ، وأحمد في المسند ١ / ٢٦٦.

(٢) المسند ١ / ٢٣.

٥٦

وَالْأَنْعامِ وَالْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ) [آل عمران : ١٤] ثم ضرب تعالى مثل الحياة الدنيا في أنها زهرة فانية ونعمة زائلة فقال : (كَمَثَلِ غَيْثٍ) وهو المطر الذي يأتي بعد قنوط الناس كما قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا) [الشورى : ٢٨].

وقوله تعالى : (أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَباتُهُ) أي يعجب الزراع نبات ذلك الزرع الذي نبت بالغيث ، وكما يعجب الزراع ذلك كذلك تعجب الحياة الدنيا الكفار ، فإنهم أحرص شيء عليها وأميل الناس إليها (ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً) أي يهيج ذلك الزرع فتراه مصفرا بعد ما كان خضرا نضرا ، ثم يكون بعد ذلك كله حطاما أي يصير يبسا متحطما ، هكذا الحياة الدنيا تكون أولا شابة ثم تكتهل ثم تكون عجوزا شوهاء ، والإنسان يكون كذلك في أول عمره وعنفوان شبابه غضا طريا لين الأعطاف ، بهي المنظر ، ثم إنه يشرع في الكهولة فتتغير طباعه وينفد بعض قواه ، ثم يكبر فيصير شيخا كبيرا ضعيف القوى ، قليل الحركة يعجزه الشيء اليسير كما قال تعالى : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) [الروم : ٥٤].

ولما كان هذا المثل دالا على زوال الدنيا وانقضائها وفراغها لا محالة ، وأن الآخرة كائنة لا محالة ، حذر من أمرها ورغب فيما فيها من الخير فقال : (وَفِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرِضْوانٌ وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) أي وليس في الآخرة الآتية القريبة إلا إما هذا وإما هذا : إما عذاب شديد ، وإما مغفرة من الله ورضوان.

وقوله تعالى : (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) أي هي متاع فان غارّ لمن ركن إليه ، فإنه يغتر بها وتعجبه حتى يعتقد أنه لا دار سواها ولا معاد وراءها ، وهي حقيرة قليلة بالنسبة إلى دار الآخرة. قال ابن جرير (١) : حدثنا علي بن حرب الموصلي ، حدثنا المحاربي ، حدثنا محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها ، اقرءوا (وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلَّا مَتاعُ الْغُرُورِ) (٢) وهذا الحديث ثابت في الصحيح بدون هذه الزيادة والله أعلم.

وقال الإمام أحمد (٣) : حدثنا ابن نمير ووكيع كلاهما عن الأعمش عن شقيق عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «للجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله والنار مثل ذلك» انفرد بإخراجه البخاري (٤) في الرقاق من حديث الثوري عن الأعمش به.

__________________

(١) تفسير الطبري ١١ / ٦٨٥.

(٢) أخرجه البخاري في الرقاق باب ٢.

(٣) المسند ١ / ٣٨٧ ، ٤٤٢.

(٤) كتاب الرقاق باب ٢٩.

٥٧

ففي هذا الحديث دليل على اقتراب الخير والشر من الإنسان ، وإذا كان الأمر كذلك فلهذا حثه الله تعالى على المبادرة إلى الخيرات من فعل الطاعات وترك المحرمات التي تكفر عنه الذنوب والزلات وتحصل له الثواب والدرجات فقال تعالى : (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) والمراد جنس السماء والأرض كما قال تعالى في الآية الأخرى : (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران : ١٣٣] وقال هاهنا : (أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) أي هذا الذي أهلهم الله له هو من فضله ومنه عليهم وإحسانه إليهم ، كما قدمناه في الصحيح أن فقراء المهاجرين قالوا : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالأجور بالدرجات العلى والنعيم المقيم قال «وما ذاك؟» قالوا : يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ويتصدقون ولا نتصدق ، ويعتقون ولا نعتق. قال : «أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه سبقتم من بعدكم ولا يكون أحد أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين» قال : فرجعوا فقالوا : سمع إخواننا أهل الأموال ما فعلنا ففعلوا مثله ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) (١).

(ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ (٢٢) لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ (٢٣) الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)(٢٤)

يخبر تعالى عن قدره السابق في خلقه قبل أن يبرأ البرية فقال : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) أي في الآفاق وفي أنفسكم (إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) أي من قبل أن نخلق الخليقة ونبرأ النسمة. وقال بعضهم : من قبل أن نبرأها عائد على النفوس ، وقيل : عائد على المصيبة ، والأحسن عوده على الخليقة والبرية لدلالة الكلام عليها كما قال ابن جرير (٢) : حدثني يعقوب ، حدثني ابن علية عن منصور بن عبد الرّحمن قال : كنت جالسا مع الحسن فقال رجل سله عن قوله تعالى : (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها) فسألته عنها فقال : سبحان الله ومن يشك في هذا؟ كل مصيبة بين السماء والأرض ففي كتاب الله من قبل أن يبرأ النسمة. وقال قتادة : ما أصاب من مصيبة في الأرض قال : هي السنون يعني الجدب (وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ) يقول : الأوجاع والأمراض ، قال : وبلغنا أنه ليس أحد يصيبه خدش عود ولا نكبة قدم ولا خلجان عرق إلا بذنب ، وما يعفو الله عنه أكثر.

وهذه الآية الكريمة العظيمة من أدل دليل على القدرية نفاة العلم السابق ـ قبحهم الله ـ وقال

__________________

(١) أخرجه البخاري في الأذان باب ١٥٥ ، والدعوات باب ١٧ ، ومسلم في المساجد حديث ١٤٢.

(٢) تفسير الطبري ١١ / ٦٨٦.

٥٨

الإمام أحمد (١) : حدثنا أبو عبد الرّحمن ، حدثنا حيوة وابن لهيعة قالا : حدثنا أبو هانئ الخولاني أنه سمع أبا عبد الرّحمن الحبلي يقول : سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «قدر الله المقادير قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة». ورواه مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن وهب وحيوة بن شريح ونافع بن زيد وثلاثتهم عن أبي هانئ به ، وزاد ابن وهب «وكان عرشه على الماء» (٢) ورواه الترمذي وقال حسن صحيح.

وقوله تعالى : (إِنَّ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ) أي إن علمه تعالى الأشياء قبل كونها وكتابته لها طبق ما يوجد في حينها سهل على الله عزوجل ، لأنه يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف كان يكون.

وقوله تعالى : (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) أي أعلمناكم بتقدم علمنا وسبق كتابتنا للأشياء قبل كونها ، وتقديرنا الكائنات قبل وجودها ، لتعلموا أن ما أصابكم لم يكن ليخطئكم وما أخطأكم لم يكن ليصيبكم ، فلا تأسوا على ما فاتكم لأنه لو قدر شيء لكان (وَلا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ) أي جاءكم ، وتفسير (آتاكُمْ) أي أعطاكم وكلاهما متلازم أي لا تفخروا على الناس بما أنعم الله به عليكم ، فإن ذلك ليس بسعيكم ولا كدكم ، وإنما هو عن قدر الله ورزقه لكم فلا تتخذوا نعم الله أشرا وبطرا تفخرون بها على الناس ، ولهذا قال تعالى : (وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) أي مختال في نفسه متكبر فخور أي على غيره. وقال عكرمة : ليس أحد إلا هو يفرح ويحزن ولكن اجعلوا الفرح شكرا والحزن صبرا. ثم قال تعالى : (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) أي يفعلون المنكر ويحضون الناس عليه (وَمَنْ يَتَوَلَ) أي عن أمر الله وطاعته (فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) كما قال موسى عليه‌السلام (إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) [إبراهيم : ٨].

(لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ)(٢٥)

يقول تعالى : (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ) أي بالمعجزات ، والحجج الباهرات ، والدلائل القاطعات (وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ) وهو النقل المصدق (وَالْمِيزانَ) وهو العدل ، قاله مجاهد وقتادة وغيرهما ، وهو الحق الذي تشهد به العقول الصحيحة المستقيمة المخالفة للآراء السقيمة كما قال تعالى : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) [هود : ١٧] وقال تعالى : (فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) [الروم : ٣٠] وقال تعالى : (وَالسَّماءَ رَفَعَها وَوَضَعَ الْمِيزانَ)

__________________

(١) المسند ٢ / ١٦٩.

(٢) أخرجه مسلم في القدر حديث ٣٤ ، والترمذي في القدر باب ١٨.

٥٩

[الرّحمن : ٧] ولهذا قال في هذه الآية : (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) أي بالحق والعدل وهو اتباع الرسل فيما أخبروا به وطاعتهم فيما أمروا به ، فإن الذي جاءوا به هو الحق الذي ليس وراءه حق كما قال : (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً) [الأنعام : ١١٥] أي صدقا في الأخبار وعدلا في الأوامر والنواهي ، ولهذا يقول المؤمنون إذا تبوءوا غرف الجنات ، والمنازل العاليات ، والسرر المصفوفات (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَما كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللهُ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ) [الأعراف : ٤٣].

وقوله تعالى : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) أي وجعلنا الحديد رادعا لمن أبى الحق وعانده بعد قيام الحجة عليه ، ولهذا أقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة بعد النبوة ثلاث عشرة سنة توحى إليه السور المكية ، وكلها جدال مع المشركين وبيان وإيضاح للتوحيد وبينات ودلالات ، فلما قامت الحجة على من خالف ، شرع الله الهجرة وأمرهم بالقتال بالسيوف وضرب الرقاب والهام لمن خالف القرآن وكذب به وعانده.

وقد روى الإمام أحمد وأبو داود من حديث عبد الرّحمن بن ثابت بن ثوبان عن حسان بن عطية عن أبي المنيب الجرشي الشامي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم» (١) ولهذا قال تعالى : (فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) يعني السلاح كالسيوف والحراب والسنان والنصال والدروع ونحوها (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) أي في معايشهم كالسكة والفأس والقدوم والمنشار والإزميل والمجرفة والآلات التي يستعان بها في الحراثة والحياكة والطبخ والخبز ، وما لا قوام للناس بدونه وغير ذلك. قال علباء بن أحمد عن عكرمة عن ابن عباس قال : ثلاثة أشياء نزلت مع آدم : السندان والكلبتان والميقعة يعني المطرقة ، ورواه ابن جرير (٢) وابن أبي حاتم ، وقوله تعالى : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ) أي من نيته في حمل السلاح نصرة الله ورسله (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) أي هو قوي عزيز ينصر من نصره من غير احتياج منه إلى الناس ، وإنما شرع الجهاد ليبلو بعضكم ببعض.

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ (٢٦) ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ)(٢٧)

يخبر تعالى أنه منذ بعث نوحا عليه‌السلام لم يرسل بعده رسولا ولا نبيا إلا من ذريته وكذلك

__________________

(١) أخرجه أبو داود في اللباس باب ٤ ، وأحمد في المسند ٢ / ٥٠.

(٢) تفسير الطبري ١١ / ٦٨٩.

٦٠