تفسير القرآن العظيم - ج ٨

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي

تفسير القرآن العظيم - ج ٨

المؤلف:

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2221-5

الصفحات: ٥٢٠

يسار عن ابن عمر قال : أنزلت هذه السورة (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أوسط أيام التشريق ، فعرف أنه الوداع فأمر براحلته القصواء فرحلت ، ثم قام فخطب الناس فذكر خطبته المشهورة وقال الحافظ البيهقي : أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان ، أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار ، حدثنا الأسفاطي ، حدثنا سعيد بن سليمان ، حدثنا عباد بن العوام عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما نزلت (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) دعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فاطمة وقال : «إنه قد نعيت إلي نفسي» فبكت ثم ضحكت وقالت : أخبرني أنه نعيت إليه نفسه فبكيت ثم قال : «اصبري فإنك أول أهلي لحاقا بي» فضحكت ، وقد رواه النسائي كما سيأتي بدون ذكر فاطمة.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ (١) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً (٢) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً)(٣)

قال البخاري (١) : حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر ، فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال :

لم يدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله؟ فقال عمر : إنه ممن قد علمتم ، فدعاهم ذات يوم فأدخلني معهم فما رأيت أنه دعاني فيهم يومئذ إلا ليريهم ، فقال : ما تقولون في قول الله عزوجل : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ)؟ فقال بعضهم : أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا ، وسكت بعضهم فلم يقل شيئا ، فقال لي : أكذلك تقول يا ابن عباس؟ فقلت : لا ، فقال : ما تقول؟ فقلت : هو أجل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعلمه له ، قال : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) فذلك علامة أجلك (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) فقال عمر بن الخطاب : لا أعلم منها إلا ما تقول ، تفرد به البخاري. وروى ابن جرير عن محمد بن حميد عن مهران عن الثوري عن عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس ، فذكر مثل هذه القصة أو نحوها.

وقال الإمام أحمد (٢) : حدثنا محمد بن فضيل ، حدثنا عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لما نزلت (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نعيت إلي نفسي» فإنه مقبوض في تلك السنة ، تفرد به أحمد : وروى العوفي عن ابن عباس مثله وهكذا قال مجاهد وأبو العالية والضحاك وغير واحد إنها أجل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نعي إليه.

__________________

(١) كتاب التفسير ، تفسير سورة ١١٠ ، باب ١.

(٢) المسند ١ / ٢١٧.

٤٨١

وقال ابن جرير (١) : حدثني إسماعيل بن موسى ، حدثنا الحسن بن عيسى الحنفي ، عن معمر عن الزهري عن أبي حازم عن ابن عباس قال : بينما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في المدينة إذ قال : «الله أكبر! الله أكبر! جاء نصر الله والفتح! جاء أهل اليمن ـ قيل يا رسول الله وما أهل اليمن؟ قال ـ قوم رقيقة قلوبهم ، لينة طباعهم ، الإيمان يمان ، والفقه يمان ، والحكمة يمانية» ثم رواه عن الأعلى عن ابن ثور عن معمر عن عكرمة مرسلا.

وقال الطبراني : حدثنا زكريا بن يحيى ، حدثنا أبو كامل الجحدري ، حدثنا أبو عوانة عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما نزلت (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) حتى ختم السورة قال : نعيت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نفسه حين نزلت ، قال : فأخذ بأشد ما كان قط اجتهادا في أمر الآخرة ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد ذلك «جاء الفتح ونصر الله ، وجاء أهل اليمن» فقال رجل : يا رسول الله وما أهل اليمن؟ قال : «قوم رقيقة قلوبهم ، لينة طباعهم ، الإيمان يمان ، والفقه يمان».

وقال الإمام أحمد (٢) : حدثنا وكيع عن سفيان عن عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس قال: لما نزلت (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قد نعيت إليه نفسه ، فقيل إذا جاء نصر الله والفتح السورة كلها ، حدثنا وكيع عن سفيان عن عاصم عن أبي رزين أن عمر سأل ابن عباس عن هذه الآية (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) قال : لما نزلت نعيت إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم نفسه (٣).

وقال الطبراني : حدثنا إبراهيم بن أحمد بن عمر الوكيعي ، حدثنا أبي ، حدثنا جعفر بن عون عن أبي العميس ، عن أبي بكر بن أبي الجهم عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال : آخر سورة نزلت من القرآن جميعا (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ).

وقال الإمام أحمد (٤) أيضا : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي البختري الطائي ، عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : لما نزلت هذه السورة (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) قرأها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى ختمها فقال : «الناس حيّز وأنا وأصحابي حيّز ـ وقال ـ لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية» فقال له مروان : كذبت ، وعنده رافع بن خديج وزيد بن ثابت قاعدان معه على السرير ، فقال أبو سعيد : لو شاء هذان لحدثاك ، ولكن هذا يخاف أن تنزعه عن عرافة قومه. وهذا يخشى أن تنزعه عن الصدقة. فرفع مروان عليه الدرة

__________________

(١) تفسير الطبري ١٢ / ٧٢٩.

(٢) المسند ١ / ٣٤٤.

(٣) أخرجه أحمد في المسند ١ / ٣٥٦.

(٤) المسند ٣ / ٢٢ ، ٥ / ١٨٧.

٤٨٢

ليضربه فلما رأيا ذلك قالا : صدق. تفرد به أحمد.

وهذا الذي أنكره مروان على أبي سعيد ليس بمنكر ، فقد ثبت من رواية ابن عباس أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال يوم الفتح : «لا هجرة ولكن جهاد ونية ، ولكن إذا استنفرتم فانفروا» (١) أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما.

فالذي فسر به بعض الصحابة من جلساء عمر رضي الله عنهم أجمعين من أنه قد أمرنا إذا فتح الله علينا المدائن والحصون أن نحمد الله ونشكره ونسبحه ، يعني نصلي له ونستغفره. معنى مليح صحيح وقد ثبت له شاهد من صلاة النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوم فتح مكة وقت الضحى ثماني ركعات ، فقال قائلون : هي صلاة الضحى ، وأجيبوا بأنه لم يكن يواظب عليها فكيف صلاها ذلك اليوم ، وقد كان مسافرا لم ينو الإقامة بمكة ، ولهذا أقام فيها إلى آخر شهر رمضان قريبا من تسع عشر يوما ، يقصر الصلاة ويفطر هو وجميع الجيش ، وكانوا نحوا من عشرة آلاف ، قال هؤلاء : وإنما كانت صلاة الفتح.

قالوا : فيستحب لأمير الجيش إذا فتح بلدا أن يصلي فيه أول ما يدخله ثماني ركعات ، وهكذا فعل سعد بن أبي وقاص يوم فتح المدائن ، ثم قال بعضهم : يصليها كلها بتسليمة واحدة ، والصحيح أنه يسلم من كل ركعتين كما ورد في سنن أبي داود أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يسلم يوم الفتح من كل ركعتين.

وأما ما فسر به ابن عباس وعمر رضي الله تعالى عنهما من أن هذه السورة نعي فيها إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم روحه الكريمة ، واعلم أنك إذا فتحت مكة وهي قريتك التي أخرجتك ودخل الناس في دين الله أفواجا ، فقد فرغ شغلنا بك في الدنيا فتهيأ للقدوم علينا والوفود إلينا ، فالآخرة خير لك من الدنيا ، ولسوف يعطيك ربك فترضى ، ولهذا قال : (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً).

قال النسائي أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا محمد بن محبوب ، حدثنا أبو عوانة عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما نزلت (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) إلى آخر السورة قال : نعيت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم نفسه حين أنزلت فأخذ في أشد ما كان اجتهادا في أمر الآخرة ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد ذلك : «جاء الفتح وجاء نصر الله وجاء أهل اليمن ، فقال رجل : يا رسول الله وما أهل اليمن؟ قال : «قوم رقيقة قلوبهم لينة قلوبهم ، الإيمان يمان والحكمة يمانية والفقه يمان».

وقال البخاري : حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده «سبحانك

__________________

(١) أخرجه البخاري في الجهاد باب ١ ، ٢٧ ، ومسلم في الإمارة حديث ٨٥.

٤٨٣

اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي» يتأول القرآن (١) وأخرجه بقية الجماعة إلا الترمذي من حديث منصور به.

وقال الإمام أحمد (٢) : حدثنا محمد بن أبي عدي عن داود عن الشعبي عن مسروق قال : قالت عائشة كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يكثر في آخر أمره من قوله : «سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه» وقال : «إن ربي كان أخبرني أني سأرى علامة في أمتي وأمرني إذا رأيتها أن أسبح بحمده وأستغفره إنه كان توابا ، فقد رأيتها (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْواجاً فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً) ورواه مسلم (٣) من طريق داود بن أبي هند به.

وقال ابن جرير (٤) : حدثنا أبو السائب حدثنا حفص حدثنا عاصم عن الشعبي ، عن أم سلمة قالت كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في آخر أمره لا يقوم ولا يقعد ولا يذهب ولا يجيء إلا قال : «سبحان الله وبحمده» فقلت : يا رسول الله رأيتك تكثر من سبحان الله وبحمده ، لا تذهب ولا تجيء ولا تقوم ولا تقعد إلا قلت : سبحان الله وبحمده قال : «إني أمرت بها ـ فقال : (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) إلى آخر السورة ، غريب ، وقد كتبنا حديث كفارة المجلس من جميع طرقه وألفاظه في جزء مفرد فيكتب هاهنا.

وقال الإمام أحمد (٥) : حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله قال لما نزلت على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (إِذا جاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ) كان يكثر إذا قرأها وركع أن يقول : «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرّحيم» ثلاثا تفرد به أحمد. ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن عمرو بن مرة عن شعبة عن أبي إسحاق به ، والمراد بالفتح هاهنا فتح مكة قولا واحدا ، فإن أحياء العرب كانت تتلوم بإسلامها فتح مكة يقولون إن ظهر على قومه فهو نبي ، فلما فتح الله عليه مكة دخلوا في دين الله أفواجا ، فلم تمض سنتان حتى استوسقت جزيرة العرب إيمانا ، ولم يبق في سائر قبائل العرب إلا مظهر للإسلام ولله الحمد والمنة.

وقد روى البخاري (٦) في صحيحه عن عمرو بن سلمة قال : لما كان الفتح بادر كل قوم

__________________

(١) أخرجه البخاري في تفسير سورة ١١٠ ، باب ٢ ، ومسلم في الصلاة حديث ٢١٧ ، وأبو داود في الصلاة باب ١٤٨ ، والنسائي في التطبيق باب ٦٤ ، ٦٥ ، وابن ماجة في الإقامة باب ٢٠ ، وأحمد في المسند ٦ / ٤٣ ، ٤٩ ، ١٩٠.

(٢) المسند ٦ / ٣٥.

(٣) كتاب الصلاة حديث ٢٢٠.

(٤) تفسير الطبري ١٢ / ٧٣١.

(٥) المسند ١ / ٣٨٨.

(٦) كتاب المغازي باب ٥٣.

٤٨٤

بإسلامهم إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكانت الأحياء تتلوم بإسلامها فتح مكة ، يقولون دعوه وقومه فإن ظهر عليهم فهو نبي الحديث ، وقد حررنا غزوة الفتح في كتابنا «السيرة» فمن أراده فليراجعه هناك ولله الحمد والمنة.

وقال الإمام أحمد (١) : حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا أبو إسحاق عن الأوزاعي ، حدثني أبو عمار حدثني جار لجابر بن عبد الله قال قدمت من سفر فجاءني جابر بن عبد الله فسلّم علي ، فجعلت أحدثه عن افتراق الناس وما أحدثوا ، فجعل جابر يبكي ثم قال سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إن الناس دخلوا في دين الله أفواجا وسيخرجون منه أفواجا».

آخر تفسير سورة النصر ، ولله الحمد والمنة.

تفسير سورة المسد

وهي مكية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١) ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (٢) سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ (٣) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (٤) فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) (٥)

قال البخاري (٢) : حدثنا محمد بن سلام ، حدثنا أبو معاوية ، حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج إلى البطحاء فصعد الجبل فنادى : «يا صباحاه» فاجتمعت إليه قريش فقال : «أرأيتم إن حدثتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أكنتم تصدقوني؟ ـ قالوا : نعم ، قال : ـ فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد» فقال أبو لهب : ألهذا جمعتنا؟ تبّا لك فأنزل الله : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ) إلى آخرها وفي رواية فقام ينفض يديه وهو يقول : تبا لك سائر اليوم ألهذا جمعتنا؟ فأنزل الله : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَ) (٣) الأول دعاء عليه والثاني خبر عنه ، فأبو لهب هذا هو أحد أعمام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، واسمه عبد العزى بن عبد المطلب ، وكنيته أبو عتيبة وإنما سمي أبا لهب لإشراق وجهه ، وكان كثير الأذية لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم والبغضة له والازدراء به والتنقص له ولدينه.

قال الإمام أحمد (٤) : حدثنا إبراهيم بن أبي العباس ، حدثنا عبد الرّحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال : أخبرني رجل يقال له ربيعة بن عباد من بني الديل وكان جاهليا فأسلم قال : رأيت

__________________

(١) المسند ٣ / ٣٤٣.

(٢) كتاب التفسير ، تفسير سورة ١١١ ، باب ١ ، ٢ ، ٣.

(٣) أخرجه البخاري في الجنائز باب ٩٨ ، وتفسير سورة ٢٦ ، باب ٢ ، وتفسير سورة ٣٤ ، باب ٢.

(٤) المسند ٤ / ٣٤١.

٤٨٥

النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في الجاهلية في سوق ذي المجاز وهو يقول : «يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا» والناس مجتمعون عليه ووراءه رجل وضيء الوجه أحول ذو غديرتين يقول : إنه صابئ كاذب ، يتبعه حيث ذهب ، فسألت عنه فقالوا هذا عمه أبو لهب ، ثم رواه عن سريج عن ابن أبي الزناد عن أبيه فذكره قال أبو الزناد قلت لربيعة كنت يومئذ صغيرا؟ قال : لا والله إني يومئذ لأعقل أني أزفر القربة ، تفرد به أحمد (١).

وقال محمد بن إسحاق (٢) : حدثني حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس قال : سمعت ربيعة بن عباد الديلي يقول : إني لمع أبي رجل شاب أنظر إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتبع القبائل ووراءه رجل أحول وضيء الوجه ذو جمة ، يقف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم على القبيلة فيقول : «يا بني فلان إني رسول الله إليكم آمركم أن تعبدوا الله لا تشركوا به شيئا وأن تصدقوني وتمنعوني حتى أنفذ عن الله ما بعثني به» وإذا فرغ من مقالته قال الآخر من خلفه : يا بني فلان هذا يريد منكم أن تسلخوا اللات والعزى ، وحلفاءكم من الجن من بني مالك بن أقيش إلى ما جاء به من البدعة والضلالة ، فلا تسمعوا له ولا تتبعوه ، فقلت لأبي : من هذا؟ قال : عمه أبو لهب ، رواه أحمد (٣) أيضا والطبراني بهذا اللفظ ، فقوله تعالى : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) أي خسر وخاب وضل عمله وسعيه (وَتَبَ) أي وقد تب تحقق خسارته وهلاكه.

وقوله تعالى : (ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ) قال ابن عباس وغيره (وَما كَسَبَ) يعني ولده ، وروي عن عائشة ومجاهد وعطاء والحسن وابن سيرين مثله ، وذكر عن ابن مسعود أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لما دعا قومه إلى الإيمان ، قال أبو لهب : إن كان ما يقول ابن أخي حقا فإني أفتدي نفسي يوم القيامة من العذاب الأليم بمالي وولدي فأنزل الله تعالى (ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ).

وقوله تعالى : (سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ) أي ذات لهب وشرر وإحراق شديد (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) وكانت زوجته من سادات نساء قريش وهي أم جميل ، واسمها أروى بنت حرب بن أمية ، وهي أخت أبي سفيان وكانت عونا لزوجها على كفره وجحوده وعناده. فلهذا تكون يوم القيامة عونا عليه في عذابه في نار جهنم ، ولهذا قال تعالى : (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) يعني تحمل الحطب فتلقي على زوجها ليزداد على ما هو فيه ، وهي مهيأة لذلك مستعدة له (فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) قال مجاهد وعروة : من مسد النار ، وعن مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة والثوري والسدي (حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) كانت تمشي بالنميمة واختاره ابن جرير.

__________________

(١) المسند ٤ / ٣٤١ ، ٣٤٢.

(٢) سيرة ابن هشام ١ / ٤٢٣.

(٣) المسند ٣ / ٤٩٢.

٤٨٦

وقال العوفي عن ابن عباس وعطية الجدلي والضحاك وابن زيد : كانت تضع الشوك في طريق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. قال ابن جرير : كانت تعير النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالفقر ، وكانت تحتطب فعيرت بذلك ، كذا حكاه ولن يعزه إلى أحد ، والصحيح الأول والله أعلم. قال سعيد بن المسيب : كانت لها قلادة فاخرة فقالت لأنفقنها في عداوة محمد يعني فأعقبها الله بها حبلا في جيدها من مسد النار. وقال ابن جرير : حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن سليم مولى الشعبي عن الشعبي قال : المسد الليف ، وقال عروة بن الزبير : المسد سلسلة ذرعها سبعون ذراعا ، وعن الثوري : هي قلادة من نار طولها سبعون ذراعا ، وقال الجوهري : المسد الليف ، والمسد أيضا حبل من ليف أو خوص وقد يكون من جلود الإبل أو أوبارها ، ومسدت الحبل أمسده مسدا إذا أجدت فتله.

وقال مجاهد (فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) أي طوق من حديد ، ألا ترى أن العرب يسمون البكرة مسدا؟ وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي وأبو زرعة قالا حدثنا عبد الله بن الزبير الحميدي ، حدثنا سفيان حدثنا الوليد بن كثير عن أبي بدوس عن أسماء بنت أبي بكر قالت : لما نزلت (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب ، ولها ولولة وفي يدها فهر وهي تقول : [رجز]

مذمما أبينا

ودينه قلينا

وأمره عصينا

ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جالس في المسجد ، ومعه أبو بكر ، فلما رآها أبو بكر قال : يا رسول الله لقد أقبلت وأنا أخاف عليك أن تراك. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنها لن تراني» وقرأ قرآنا اعتصم به كما قال تعالى : (وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً) [الإسراء : ٤٥] فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر ولم تر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت : يا أبا بكر إني أخبرت أن صاحبك هجاني ، فقال : لا ورب هذا البيت ما هجاك ، فولت وهي تقول : قد علمت قريش أني ابنة سيدها قال : وقال الوليد في حديثه أو غيره : فعثرت أم جميل في مرطها وهي تطوف بالبيت فقالت : تعس مذمم ، فقالت أم حكيم بنت عبد المطلب: إني لحصان فما أكلم ، وثقاف فما أعلم ، وكلتانا من بني العم ، وقريش بعد أعلم.

وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا إبراهيم بن سعيد وأحمد بن إسحاق قالا : حدثنا أبو أحمد ، حدثنا عبد السّلام بن حرب ، عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لما نزلت (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) جاءت امرأة أبي لهب ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جالس ومعه أبو بكر ، فقال له أبو بكر : لو تنحيت لا تؤذيك بشيء فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إنه سيحال بيني وبينها» فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر فقالت : يا أبا بكر هجانا صاحبك ، فقال أبو بكر ، لا ورب هذه البنية ما ينطق بالشعر ولا يتفوه به ، فقالت : إنك لمصدق ، فلما ولّت قال أبو بكر: ما رأتك؟ قال : «لا ، ما زال ملك يسترني حتى ولت».

٤٨٧

ثم قال البزار : لا نعلمه يروى بأحسن من هذا الإسناد عن أبي بكر رضي الله عنه. وقد قال بعض أهل العلم في قوله تعالى : (فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) أي في عنقها حبل من نار جهنم ترفع به إلى شفيرها ثم ترمى إلى أسفلها ، ثم كذلك دائما ، قال أبو الخطاب بن دحية في كتاب التنوير ، وقد روى ذلك وعبر بالمسد عن حبل الدلو ، كما قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب النبات : كل مسد رشاء ، وأنشد في ذلك : [رجز]

وبكرة ومحورا صرارا

ومسدا من أبق مغارا

قال : والأبق القنب. وقال الآخر : [رجز]

يا مسد الخوص تعوّذ مني

إن تك لدنا لينا فإني (١)

ما شئت من أشمط مقسئنّ

قال العلماء : وفي هذه السورة معجزة ظاهرة ودليل واضح على النبوة ، فإنه منذ نزل قوله تعالى : (سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) فأخبر عنهما بالشقاء وعدم الإيمان لم يقيض لهما أن يؤمنا ولا واحد منهما لا باطنا ولا ظاهرا ، لا مسرا ولا معلنا ، فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة الباطنة على النبوة الظاهرة ، آخر تفسير السورة ، ولله الحمد والمنة.

تفسير سورة الإخلاص

وهي مكية

(ذكر سبب نزولها وفضلها)

قال الإمام أحمد (٢) : حدثنا أبو سعيد محمد بن ميسر الصاغاني ، حدثنا أبو جعفر الرازي ، حدثنا الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب أن المشركين قالوا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : يا محمد «انسب لنا ربك ، فأنزل الله تعالى : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) وكذا رواه الترمذي (٣) وابن جرير (٤) عن أحمد بن منيع ، زاد ابن جرير ومحمود بن خداش عن أبي سعيد محمد بن ميسر به زاد ابن جرير والترمذي قال (الصَّمَدُ)

__________________

(١) الرجز بلا نسبة في لسان العرب (مسد) (قسن) ، وتاج العروس (مسد) ، (قسن) ، وجمهرة اللغة ص ١٠٨٩ ، ١٢٢٠ ، وكتاب العين ٥ / ٧٩ ، ومقاييس اللغة ٥ / ٨٧ ، والمخصص ٢ / ٩٥ ، وتهذيب اللغة ٨ / ٤٠٩ ، ١٢ / ٣٨٠.

(٢) المسند ٥ / ١٣٣ ، ١٣٤.

(٣) كتاب التفسير ، تفسير سورة ١١٢ ، باب ١.

(٤) تفسير الطبري ١٢ / ٧٤٠.

٤٨٨

الذي لم يلد ولم يولد لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت ، وليس شيء يموت إلا سيورث ، وإن اللهعزوجل لا يموت ولا يورث (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) ولم يكن له شبيه ولا عدل وليس كمثله شيء.

ورواه ابن أبي حاتم من حديث أبي سعيد محمد بن ميسر به ، ثم رواه الترمذي عن عبد بن حميد عن عبيد الله بن موسى عن أبي جعفر عن الربيع عن أبي العالية ، فذكره مرسلا ثم لم يذكر حدثنا ، ثم قال الترمذي : وهذا أصح من حديث أبي سعيد.

[حديث آخر في معناه] قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا سريج بن يونس حدثنا إسماعيل بن مجالد ، عن مجالد عن الشعبي عن جابر رضي الله عنه أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : انسب لنا ربك ، فأنزل الله عزوجل (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) إلى آخرها إسناد متقارب ، وقد رواه ابن جرير عن محمد بن عوف عن سريج فذكره ، وقد أرسله غير واحد من السلف ، وروى عبيد بن إسحاق العطار عن قيس بن الربيع عن عاصم ، عن أبي وائل ، عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قالت قريش لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : انسب لنا ربك فنزلت هذه السورة (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) قال الطبراني : ورواه الفريابي وغيره عن قيس عن أبي عاصم ، عن أبي وائل مرسلا ، ثم روى الطبراني من حديث عبد الرّحمن بن عثمان الطائفي ، عن الوازع بن نافع عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لكل شيء نسبة ونسبة الله (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ. اللهُ الصَّمَدُ) والصمد ليس بأجوف».

[حديث آخر في فضلها] قال البخاري (١) : حدثنا محمد هو الذهلي ، حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا ابن وهب ، أخبرنا عمرو عن ابن أبي هلال أن أبا الرّجال محمد بن عبد الرّحمن ، حدثه عن أمه عمرة بنت عبد الرّحمن ، وكانت في حجر عائشة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعث رجلا على سرية ، وكان يقرأ لأصحابه في صلاتهم فيختم بقل هو الله أحد ، فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «سلوه لأي شيء يصنع ذلك» فسألوه فقال لأنها صفة الرّحمن وأنا أحب أن أقرأ بها فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أخبروه أن الله تعالى يحبه» هكذا رواه في كتاب التوحيد ، ومنهم من يسقط ذكر محمد الذهلي ويجعله من روايته عن أحمد بن صالح ، وقد رواه مسلم (٢) والنسائي (٣) أيضا من حديث عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث ، عن سعيد بن أبي هلال به.

[حديث آخر] قال البخاري (٤) في كتاب الصلاة ، وقال عبيد الله عن ثابت عن أنس رضي الله

__________________

(١) كتاب التوحيد باب ١.

(٢) كتاب صلاة المسافرين حديث ٩٨.

(٣) كتاب الافتتاح باب ٣٩.

(٤) كتاب الأذان باب ١٠٦.

٤٨٩

عنه قال : كان رجل من الأنصار يؤمهم في مسجد قباء ، فكان كلما افتتح سورة يقرأ بها لهم في الصلاة مما يقرأ به افتتح بقل هو الله أحد ، حتى يفرغ منها ثم كان يقرأ سورة أخرى معها ، وكان يصنع ذلك في كل ركعة : فكلمه أصحابه فقالوا : إنك تفتتح بهذه السورة ثم لا ترى أنها تجزئك حتى تقرأ بالأخرى ، فإما أن تقرأ بها ، وإما تدعها وتقرأ بأخرى ، فقال : ما أنا بتاركها ، إن أحببتم أن أؤمكم بذلك فعلت ، وإن كرهتم تركتكم ، وكانوا يرون أنه من أفضلهم وكرهوا أن يؤمهم غيره ، فلما أتاهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أخبروه الخبر فقال : «يا فلان ما يمنعك أن تفعل ما يأمرك به أصحابك وما حملك على لزوم هذه السورة في كل ركعة» قال إني أحبها ، قال : «حبك إياها أدخلك الجنة».

هكذا رواه البخاري تعليقا مجزوما به. وقد رواه أبو عيسى الترمذي (١) في جامعه عن البخاري عن إسماعيل بن أبي أويس عن عبد العزيز بن محمد الدراوردي ، عن عبيد الله بن عمر فذكر بإسناده مثله سواء ، ثم قال الترمذي : غريب من حديث عبيد الله عن ثابت. قال : وروى مبارك بن فضالة عن ثابت عن أنس أن رجلا قال : يا رسول الله إني أحب هذه السورة (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) قال : «إن حبك إياها أدخلك الجنة» وهذا الذي علقه الترمذي قد رواه الإمام أحمد(٢) في مسنده متصلا ، فقال : حدثنا أبو النضر ، حدثنا مبارك بن فضالة عن ثابت عن أنس رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إنّي أحب هذه السورة (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «حبك إياها أدخلك الجنة».

[حديث في كونها تعدل ثلث القرآن] قال البخاري (٣) : حدثنا إسماعيل ، حدثنا مالك عن عبد الرّحمن بن عبد الله بن عبد الرّحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن أبي سعيد أن رجلا سمع رجلا يقرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) يرددها ، فلما أصبح جاء إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فذكر ذلك له ، وكأن الرجل يتقالها فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن» زاد إسماعيل بن جعفر عن مالك عن عبد الرّحمن بن عبد الله عن أبيه عن أبي سعيد قال : أخبرني أخي قتادة بن النعمان عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقد رواه البخاري (٤) أيضا عن عبد الله بن يوسف والقعنبي ، ورواه أبو داود (٥) عن القعنبي والنسائي عن قتيبة كلهم عن مالك به ، وحديث قتادة بن النعمان أسنده النسائي من طريقين عن إسماعيل بن جعفر عن مالك به.

__________________

(١) كتاب ثواب القرآن باب ١٠.

(٢) المسند ٣ / ١٤١.

(٣) كتاب التوحيد باب ١.

(٤) كتاب فضائل القرآن باب ١٣.

(٥) كتاب الوتر باب ٤ ، ١٨.

٤٩٠

[حديث آخر] قال البخاري (١) : حدثنا عمر بن حفص ، حدثنا أبي حدثنا الأعمش ، حدثنا إبراهيم والضحاك المشرقي عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأصحابه: «أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة» فشق ذلك عليهم وقالوا : أينا يطيق ذلك يا رسول الله. فقال : «الله الواحد الصمد ثلث القرآن» تفرد بإخراجه البخاري من حديث إبراهيم بن يزيد النخعي والضحاك بن شرحبيل الهمداني المشرقي ، كلاهما عن أبي سعيد ، قال الفربري : سمعت أبا جعفر محمد بن أبي حاتم وراق أبي عبد الله قال : قال أبو عبد الله البخاري عن إبراهيم مرسل وعن الضحاك مسند.

[حديث آخر] قال الإمام أحمد (٢) : حدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا ابن لهيعة عن الحارث بن يزيد عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، قال : بات قتادة بن النعمان يقرأ الليل كله بقل هو الله أحد ، فذكر ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «والذي نفسي بيده إنها لتعدل نصف القرآن ـ أو ثلثه ـ».

[حديث آخر] قال الإمام أحمد (٣) : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرّحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو أن أبا أيوب الأنصاري كان في مجلس وهو يقول : ألا يستطيع أحدكم أن يقوم بثلث القرآن كل ليلة»؟ فقالوا : وهل يستطيع ذلك أحد؟ قال : فإن (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ثلث القرآن. قال : فجاء النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يسمع أبا أيوب فقال : «صدق أبو أيوب».

[حديث آخر] قال أبو عيسى الترمذي (٤) : حدثنا محمد بن بشار حدثنا يحيى بن سعيد حدثنا يزيد بن كيسان ، أخبرني أبو حازم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «احشدوا فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن» فحشد من حشد ثم خرج نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ثم دخل فقال بعضنا لبعض : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فإني سأقرأ عليكم ثلث القرآن» إني لأرى هذا خبرا جاء من السماء ، ثم خرج نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «إني قلت سأقرأ عليكم ثلث القرآن الا وإنها تعدل ثلث القرآن» وهكذا رواه مسلم (٥) في صحيحه عن محمد بن بشار به. وقال الترمذي : حسن صحيح غريب ، واسم أبي حازم سلمان.

[حديث آخر] قال الإمام أحمد (٦) : حدثنا عبد الرّحمن بن مهدي عن زائدة بن قدامة عن

__________________

(١) كتاب فضائل القرآن باب ١٤.

(٢) المسند ٣ / ١٥.

(٣) المسند ٢ / ١٧٣.

(٤) كتاب ثواب القرآن باب ١١.

(٥) كتاب صلاة المسافرين حديث ٢٥٩.

(٦) المسند ٥ / ٤١٨ ، ٤١٩.

٤٩١

منصور ، عن هلال بن يساف ، عن الربيع بن خثيم عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى عن امرأة من الأنصار عن أبي أيوب ، عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أيعجز أحدكم أن يقرأ ثلث القرآن في ليلة؟ فإنه من قرأ (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ اللهُ الصَّمَدُ) في ليلة فقد قرأ ليلتئذ ثلث القرآن» هذا حديث تساعي الإسناد للإمام أحمد ورواه الترمذي (١) والنسائي (٢) كلاهما عن محمد بن بشار بندار زاد الترمذي وقتيبة كلاهما عن عبد الرّحمن بن مهدي به فصار لهما عشاريا ، وفي رواية الترمذي عن امرأة أبي أيوب عن أبي أيوب به ، وحسنه ثم قال وفي الباب عن أبي الدرداء وأبي سعيد وقتادة بن النعمان وأبي هريرة وأنس وابن عمر وأبي مسعود ، وهذا حديث حسن ولا نعلم أحدا روى هذا الحديث أحسن من رواية زائدة ، وتابعه على روايته إسرائيل والفضيل بن عياض ، وقد روى شعبة وغير واحد من الثقات هذا الحديث عن منصور واضطربوا فيه.

[حديث آخر] قال أحمد : حدثنا هشيم عن حصين عن هلال بن يساف ، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى عن أبي بن كعب أو رجل من الأنصار قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قرأ بقل هو الله أحد فكأنما قرأ بثلث القرآن» ورواه النسائي في اليوم والليلة من حديث هشيم عن حصين عن ابن أبي ليلى به. ولم يقع في روايته هلال بن يساف.

[حديث آخر] قال الإمام أحمد (٣) : حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي قيس ، عن عمرو بن ميمون عن أبي مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن» وهكذا رواه ابن ماجة (٤) عن علي بن محمد الطنافسي عن وكيع به. ورواه النسائي في اليوم والليلة من طرق أخر عن عمرو بن ميمون مرفوعا وموقوفا.

[حديث آخر] قال الإمام أحمد (٥) : حدثنا بهز ، حدثنا بكير بن أبي السميط حدثنا قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أيعجز أحدكم أن يقرأ كل يوم ثلث القرآن؟» قالوا : نعم يا رسول الله نحن أضعف من ذلك وأعجز ، قال : «فإن الله جزأ القرآن ثلاثة أجزاء فقل هو الله أحد ثلث القرآن» ورواه مسلم (٦) والنسائي من حديث قتادة به.

__________________

(١) كتاب ثواب القرآن باب ١١.

(٢) كتاب الافتتاح باب ٦٧.

(٣) المسند ٤ / ١٢٢.

(٤) كتاب الأدب باب ٥٢.

(٥) المسند ١ / ٤٤٧.

(٦) كتاب صلاة المسافرين حديث ٢٦٣.

٤٩٢

[حديث آخر] قال الإمام أحمد (١) : حدثنا أمية بن خالد ، حدثنا محمد بن عبد الله بن مسلم ابن أخي ابن شهاب عن عمه الزهري ، عن حميد بن عبد الرّحمن هو ابن عوف ، عن أمه وهي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ، قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) ، تعدل ثلث القرآن» وكذا رواه النسائي في اليوم والليلة عن عمرو بن علي عن أمية بن خالد به ، ثم رواه من طريق مالك عن الزهري ، عن حميد بن عبد الرّحمن قوله. ورواه النسائي أيضا في اليوم والليلة من حديث محمد بن إسحاق عن الحارث بن الفضيل الأنصاري عن الزهري ، عن حميد بن عبد الرّحمن أن نفرا من أصحاب محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم حدثوه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن لمن صلّى بها».

[حديث آخر في كون قراءتها توجب الجنة] قال الإمام مالك بن أنس (٢) عن عبيد الله بن عبد الرّحمن عن عبيد بن حنين قال : سمعت أبا هريرة يقول : أقبلت مع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسمع رجلا يقرأ قل هو الله أحد ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وجبت ـ قلت وما وجبت قال ـ الجنة» ورواه الترمذي (٣) والنسائي من حديث مالك ، وقال الترمذي : حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من حديث مالك ، وتقدم حديث «حبك إياها أدخلك الجنة».

[حديث في تكرار قراءتها] قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا قطر بن نسير ، حدثنا عيسى بن ميمون القرشي ، حدثنا يزيد الرقاشي عن أنس رضي الله عنه قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «ألا يستطيع أحدكم أن يقرأ قل هو الله أحد ثلاث مرات في ليلة فإنها تعدل ثلث القرآن» هذا إسناد ضعيف وأجود منه.

[حديث آخر] قال عبد الله ابن الإمام أحمد : حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ، حدثنا الضحاك بن مخلد ، حدثنا ابن أبي ذئب عن أسيد بن أبي أسيد ، عن معاذ بن عبد الله بن خبيب عن أبيه قال : أصابنا عطش وظلمة فانتظرنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلي بنا ، فخرج فأخذ بيدي فقال: «قل» فسكت. قال «قل» قلت : ما أقول؟ قال «قل هو الله أحد والمعوذتين حين تمسي وحين تصبح ثلاثا ، تكفيك كل يوم مرتين» (٤) ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث ابن أبي ذئب به. وقال الترمذي : حسن صحيح غريب من هذا الوجه. وقد رواه النسائي من طريق أخرى عن معاذ بن عبد الله بن خبيب عن أبيه عن عقبة بن عامر فذكره ولفظه «تكفك كل شيء».

__________________

(١) المسند ٦ / ٤٠٣ ، ٤٠٤.

(٢) الموطأ ، كتاب القرآن حديث ١٧ ـ ١٩.

(٣) كتاب ثواب القرآن باب ١٠.

(٤) أخرجه أبو داود في الوتر باب ١٩ ، والنسائي في الاستعاذة باب ١ ، وأحمد في المسند ٥ / ٣١٢.

٤٩٣

[حديث آخر في ذلك] قال الإمام أحمد (١) : حدثنا إسحاق بن عيسى ، حدثني ليث بن سعد ، حدثني الخليل بن مرة عن الأزهر بن عبد الله عن تميم الداري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قال لا إله إلا الله واحدا أحدا صمدا لم يتخذ صاحبة ولا ولدا ولم يكن له كفوا أحد ، عشر مرات كتب الله له أربعين ألف ألف حسنة» تفرد به أحمد والخليل بن مرة ، ضعفه البخاري وغيره بمرة.

[حديث آخر] قال الإمام أحمد (٢) أيضا : حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا زبان بن فائد عن سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه ، عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من قرأ قل هو الله أحد حتى يختمها عشر مرات بنى الله له قصرا في الجنة» فقال عمر : إذا نستكثر يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الله أكثر وأطيب» تفرد به أحمد.

ورواه أبو محمد الدارمي في مسنده فقال : حدثنا عبد الله بن يزيد ، حدثنا حيوة ، حدثنا أبو عقيل زهرة بن معبد ، قال الدارمي : وكان من الأبدال أنه سمع سعيد بن المسيب يقول : إن نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : من قرأ قل هو الله أحد عشر مرات بنى الله له قصرا في الجنة ، ومن قرأها. عشرين مرة بنى الله له قصرين في الجنة ، ومن قرأها ثلاثين مرة بنى الله له ثلاثة قصور في الجنة» فقال عمر بن الخطاب : إذا نكثر قصورنا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الله أوسع من ذلك» (٣) وهذا مرسل جيد.

[حديث آخر] قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا نصر بن علي ، حدثني نوح بن قيس ، أخبرني محمد العطار ، أخبرتني أم كثير الأنصارية عن أنس بن مالك عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من قرأ قل هو الله أحد خمسين مرة غفر الله له ذنوب خمسين سنة» إسناده ضعيف.

[حديث آخر] قال أبو يعلى : حدثنا أبو الربيع : حدثنا حاتم بن ميمون ، حدثنا ثابت عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قرأ قل هو الله أحد في يوم مائتي مرة كتب الله له ألفا وخمسمائة حسنة إلا أن يكون عليه دين» ، إسناد ضعيف ، حاتم بن ميمون ضعفه البخاري وغيره ، ورواه الترمذي (٤) عن محمد بن مرزوق البصري عن حاتم بن ميمون به. ولفظه : «من قرأ كل يوم مائتي مرة قل هو الله أحد محي عنه ذنوب خمسين سنة إلا أن يكون عليه دين».

__________________

(١) المسند ٤ / ١٠٣.

(٢) المسند ٣ / ٤٣٧.

(٣) أخرجه الدارمي في فضائل القرآن باب ٢٤.

(٤) كتاب ثواب القرآن باب ١١ ، أخرجه الترمذي في الدعوات باب ٦٣ ، وابن ماجة في الدعاء باب ٩٠ ، وأبو داود في الوتر باب ١٨.

٤٩٤

قال الترمذي : وبهذا الإسناد عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من أراد أن ينام على فراشه فنام على يمينه ، ثم قرأ قل هو الله أحد مائة مرة ، فإذا كان يوم القيامة يقول له الرب عزوجل : يا عبدي ادخل على يمينك الجنة» ثم قال غريب من حديث ثابت ، وقد روي من غير هذا الوجه عنه ، وقال أبو بكر البزار : حدثنا سهل بن بحر ، حدثنا حبان بن أغلب ، حدثنا أبي ، حدثنا ثابت عن أنس قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قرأ قل هو الله أحد مائتي مرة حط الله عنه ذنوب مائتي سنة» ثم قال : لا نعلم رواه عن ثابت إلا الحسن بن أبي جعفر والأغلب ابن تميم ، وهما متقاربان في سوء الحفظ.

[حديث آخر] في الدعاء بما تضمنته من الأسماء. قال النسائي عند تفسيرها : حدثنا عبد الرّحمن بن خالد ، حدثنا زيد بن الحباب ، حدثني مالك بن مغول ، حدثنا عبد الله بن بريدة عن أبيه أنه دخل مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المسجد ، فإذا رجل يصلي يدعو يقول : اللهم إني أسألك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد. قال : «والذي نفسي بيده لقد سأله باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب» وقد أخرجه بقية أصحاب السنن من طرق عن مالك بن مغول عن عبد الله بن بريدة عن أبيه به ، وقال الترمذي : حسن غريب.

[حديث آخر] في قراءتها عشر مرات بعد المكتوبة. قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا عبد الأعلى ، حدثنا بشر بن منصور عن عمر بن شيبان عن أبي شداد عن جابر بن عبد الله : قال قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ثلاث من جاء بهن مع الإيمان دخل من أي أبواب الجنة شاء ، وزوج من الحور العين حيث شاء ، من عفا عن قاتله ، وأدى دينا خفيا ، وقرأ في دبر كل صلاة مكتوبة عشر مرات : قل هو الله أحد» قال : فقال أبو بكر : أو إحداهن يا رسول الله ، قال «أو إحداهن».

[حديث] في قراءتها عند دخول المنزل. قال الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا محمد بن عبد الله بن بكر السراج العسكري ، حدثنا محمد بن الفرج ، حدثنا محمد بن الزبرقان عن مروان بن سالم عن أبي زرعة عن عمرو بن جرير ، عن جرير بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قرأ قل هو الله أحد حين يدخل منزله نفت الفقر عن أهل ذلك المنزل والجيران» إسناده ضعيف.

[حديث] في الإكثار من قراءتها في سائر الأحوال. قال الحافظ أبو يعلى : حدثنا محمد بن إسحاق المسيبي ، حدثنا يزيد بن هارون عن العلاء أبي محمد الثقفي. قال : سمعت أنس بن مالك يقول : كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بتبوك فطلعت الشمس بضياء وشعاع ونور ، لم نرها طلعت فيما مضى بمثله ، فأتى جبريل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «يا جبريل مالي أرى الشمس طلعت اليوم بضياء وشعاع ونور لم أرها طلعت بمثله فيما مضى؟» قال : إن ذلك معاوية بن معاوية الليثي ،

٤٩٥

مات بالمدينة اليوم فبعث الله إليه سبعين ألف ملك يصلون عليه. قال : «وفيم ذلك؟» قال : كان يكثر قراءة قل هو الله أحد في الليل وفي النهار وفي ممشاه وقيامه وقعوده فهل لك يا رسول الله أن أقبض لك الأرض فتصلي عليه؟ قال : «نعم» فصلى عليه ، وكذا رواه الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب دلائل النبوة من طريق يزيد بن هارون عن العلاء أبي محمد وهو متهم بالوضع ، والله أعلم.

[طريق أخرى] قال أبو يعلى : حدثنا محمد بن إبراهيم الشامي أبو عبد الله حدثنا عثمان بن الهيثم مؤذن مسجد الجامع بالبصرة عندي عن محمود أبي عبد الله عن عطاء بن أبي ميمونة عن أنس قال : نزل جبريل على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال مات معاوية بن معاوية الليثي ، فتحب أن تصلي. عليه؟ قال : «نعم» فضرب بجناحه الأرض فلم تبق شجرة ولا أكمة إلا تضعضعت ، فرفع سريره فنظر إليه فكبر عليه وخلفه صفان من الملائكة في كل صف سبعون ألف ملك ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا جبريل بم نال هذه المنزلة من الله تعالى؟» قال : بحبه قل هو الله أحد ، وقراءته إياها ذاهبا وجائيا قائما وقاعدا وعلى كل حال. ورواه البيهقي من رواية عثمان بن الهيثم المؤذن عن محبوب بن هلال عن عطاء بن أبي ميمونة عن أنس فذكره ، وهذا هو الصواب ومحبوب بن هلال قال أبو حاتم الرازي ليس بالمشهور ، وقد روي هذا من طرق أخر تركناها اختصارا وكلها ضعيفة.

[حديث آخر] في فضلها مع المعوذتين. قال الإمام أحمد (١) : حدثنا أبو المغيرة حدثنا معاذ بن رفاعة ، حدثني علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عن عقبة بن عامر قال لقيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فابتدأته فأخذته بيده فقلت : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بم نجاة المؤمن؟ قال : يا عقبة أخرس لسانك وليسعك بيتك وابك على خطيئتك» قال : ثم لقيني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فابتدأني فأخذ بيدي فقال : «يا عقبة بن عامر ألا أعلمك خير ثلاث سور أنزلت في التوراة والإنجيل والزبور والقرآن العظيم»؟ قال : قلت بلى جعلني الله فداك. قال : فأقرأني (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ثم قال : «يا عقبة لا تنسهن ولا تبت ليلة حتى تقرأهن» قال : فما نسيتهن منذ قال لا تنسهن وما بت ليلة قط حتى أقرأهن ، قال عقبة : ثم لقيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فابتدأته فأخذت بيده ، فقلت يا رسول الله أخبرني بفواضل الأعمال فقال : «يا عقبة صل من قطعك وأعط من حرمك وأعرض عمن ظلمك» روى الترمذي (٢) بعضه في الزهد من حديث عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد ، فقال : هذا حديث حسن وقد رواه أحمد من طريق آخر : حدثنا حسين بن محمد حدثنا ابن عياش عن أسيد بن عبد الرّحمن الخثعمي عن فروة بن مجاهد اللخمي عن عقبة بن عامر عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فذكر مثله سواء تفرد به أحمد.

__________________

(١) المسند ٤ / ١٥٨ ، ١٥٩.

(٢) كتاب الزهد باب ٦١.

٤٩٦

[حديث آخر] في الاستشفاء بهن قال البخاري : حدثنا قتيبة حدثنا المفضل عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما ، وقرأ فيهما قل هو الله أحد ، وقل أعوذ برب الفلق ، وقل أعوذ برب الناس ، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده ، يفعل ذلك ثلاث مرات» (١) وهكذا رواه أهل السنن من حديث عقيل به.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ (١) اللهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ)(٤)

قد تقدم ذكر سبب نزولها ، وقال عكرمة. لما قالت اليهود نحن نعبد عزيرا ابن الله ، وقالت النصارى : نحن نعبد المسيح ابن الله ، وقالت المجوس : نحن نعبد الشمس والقمر ، وقالت المشركون : نحن نعبد الأوثان ، أنزل الله على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) يعني هو الواحد الأحد الذي لا نظير له ولا وزير ولا نديد ولا شبيه ولا عديل ، ولا يطلق هذا اللفظ على أحد في الإثبات إلا على الله عزوجل لأنه الكامل في جميع صفاته وأفعاله.

وقوله تعالى : (اللهُ الصَّمَدُ) قال عكرمة عن ابن عباس : يعني الّذي يصمد إليه الخلائق في حوائجهم ومسائلهم قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : هو السيد الذي قد كمل في سؤدده ، والشريف الذي قد كمل في شرفه ، والعظيم الذي قد كمل في عظمته ، والحليم الذي قد كمل في حلمه ، والعليم الذي قد كمل في علمه ، والحكيم الذي قد كمل في حكمته. وهو الذي قد كمل في أنواع الشرف والسؤدد ، وهو الله سبحانه هذه صفته لا تنبغي إلا له ليس له كفء وليس كمثله شيء سبحان الله الواحد القهار ، وقال الأعمش عن شقيق عن أبي وائل (الصَّمَدُ) السيد الذي قد انتهى سؤدده ، ورواه عاصم عن أبي وائل عن ابن مسعود مثله.

وقال مالك عن زيد بن أسلم (الصَّمَدُ) السيد ، وقال الحسن وقتادة : هو الباقي بعد خلقه ، وقال الحسن أيضا (الصَّمَدُ) الحي القيوم الذي لا زوال له وقال عكرمة : (الصَّمَدُ) الذي لم يخرج منه شيء ولا يطعم وقال الربيع بن أنس هو الذي لم يلد ولم يولد كأنه جعل ما بعده تفسيرا له وهو قوله : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) وهو تفسير جيد ، وقد تقدم الحديث من رواية ابن جرير عن أبي بن كعب في ذلك وهو صريح فيه ، وقال ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن المسيب ومجاهد وعبد الله بن بريدة وعكرمة أيضا ، وسعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح وعطية

__________________

(١) أخرجه البخاري في فضائل القرآن باب ١٤ ، وأبو داود في الأدب باب ٩٨ ، والترمذي في الدعاء باب ٢١ ، وأحمد في المسند ٦ / ١١٦ ، ١٥٤.

٤٩٧

العوفي والضحاك والسدي (الصَّمَدُ) الذي لا جوف له.

وقال سفيان عن منصور عن مجاهد (الصَّمَدُ) المصمت الذي لا جوف له (١) ، وقال الشعبي : هو الذي لا يأكل الطعام ، ولا يشرب الشراب. وقال عبد الله بن بريدة أيضا (الصَّمَدُ) نور يتلألأ ، روى ذلك كله وحكاه ابن أبي حاتم والبيهقي والطبراني ، وكذا أبو جعفر بن جرير ساق أكثر ذلك بأسانيده ، وقال : حدثني العباس بن أبي طالب ، حدثنا محمد بن عمرو بن رومي عن عبيد الله بن سعيد قائد الأعمش ، حدثنا صالح بن حبان عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : لا أعلم إلا قد رفعه قال : «الصمد الذي لا جوف له» وهذا غريب جدا والصحيح أنه موقوف على عبد الله بن بريدة.

وقد قال الحافظ أبو القاسم الطبراني في كتاب السنة له بعد إيراده كثيرا من هذه الأقوال في تفسير الصمد : وكل هذه صحيحة وهي صفات ربنا عزوجل ، هو الذي يصمد إليه في الحوائج وهو الذي قد انتهى سؤدده ، وهو الصمد الذي لا جوف له ولا يأكل ولا يشرب ، وهو الباقي بعد خلقه. وقال البيهقي نحو ذلك. وقوله تعالى : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) أي ليس له ولد ولا والد ولا صاحبة. قال مجاهد (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ) يعني لا صاحبة له وهذا كما قال تعالى : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) [الأنعام : ١٠١] أي هو مالك كل شيء وخالقه فكيف يكون له من خلقه نظير يساميه أو قريب يدانيه تعالى وتقدس وتنزه.

قال الله تعالى : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدًّا تَكادُ السَّماواتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمنِ وَلَداً وَما يَنْبَغِي لِلرَّحْمنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً) [مريم : ٨٨ ـ ٩٥].

وقال تعالى : (وَقالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمنُ وَلَداً سُبْحانَهُ بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ) [الأنبياء : ٢٦ ـ ٢٧] وقال تعالى : (وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً ، وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ) [الصافات : ١٥٨ ـ ١٥٩] وفي صحيح البخاري «لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله إنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم» (٢) وقال البخاري : حدثنا أبو اليمان حدثنا شعيب حدثنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «قال الله عزوجل كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك ، وشتمني ولم يكن له ذلك ، فأما تكذيبه

__________________

(١) انظر تفسير الطبري ١٢ / ٧٤٣.

(٢) أخرجه البخاري في التوحيد باب ٣ ، والأدب باب ٧١ ، ومسلم في المنافقين حديث ٤٩ ، ٥٠ ، وأحمد في المسند ٤ / ٤٠١ ، ٤٠٥.

٤٩٨

إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني ، وليس أول الخلق بأهون علي من إعادته ، وأما شتمه إياي فقوله : «اتخذ الله ولدا وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوا أحد» (١) ورواه أيضا من حديث عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة مرفوعا بمثله تفرد بهما من هذين الوجهين. آخر تفسير سورة الإخلاص ، ولله الحمد والمنة.

تفسير سورة الفلق

وهي مدنية

قال الإمام أحمد (٢) : حدثنا عفان ، حدثنا حماد بن سلمة ، أخبرنا عاصم بن بهدلة عن زر بن حبيش قال : قلت لأبي بن كعب إن ابن مسعود لا يكتب المعوذتين في مصحفه فقال : أشهد أن رسول الله أخبرني أن جبريل عليه‌السلام قال له : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) فقلتها ، قال : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ، فقلتها ، فنحن نقول ما قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

ورواه أبو بكر الحميدي في مسنده عن سفيان بن عيينة ، حدثنا عبدة بن أبي لبابة وعاصم بن بهدلة أنهما سمعا زر بن حبيش قال : سألت أبي بن كعب عن المعوذتين فقلت : يا أبا المنذر إن أخاك ابن مسعود يحكي المعوذتين من المصحف ، فقال : إني سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال لي : «قيل لي قل فقلت» فنحن نقول كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم. وقال أحمد : حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن عاصم عن زر قال : سألت ابن مسعود عن المعوذتين فقال : سألت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عنهما فقال : «قيل لي فقلت لكم فقولوا» قال أبي : فقال لنا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فنحن نقول.

وقال البخاري : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان ، حدثنا عبدة بن أبي لبابة عن زر بن حبيش ، وحدثنا عاصم عن زر قال : سألت أبي بن كعب فقلت : أبا المنذر إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا ، فقال : إني سألت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : «قيل لي فقلت» فنحن نقول كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (٣). ورواه البخاري أيضا والنسائي عن قتيبة عن سفيان بن عيينة عن عبدة وعاصم بن أبي النجود ، عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب به.

وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا الأزرق بن علي ، حدثنا حسان بن إبراهيم ، حدثنا الصلت بن بهرام عن إبراهيم عن علقمة قال : كان عبد الله يحكي المعوذتين من المصحف ويقول : إنما أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يتعوذ بهما. ولم يكن عبد الله يقرأ بهما ، ورواه عبد الله بن أحمد من حديث الأعمش عن أبي إسحاق عن عبد الرّحمن بن يزيد قال : كان عبد الله يحكي

__________________

(١) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٢ ، باب ٨ ، والنسائي في الجنائز باب ١١٧ ، وأحمد في المسند ٢ / ٣٥١.

(٢) المسند ٥ / ١٢٩.

(٣) أخرجه البخاري في تفسير سورة ١١٢ ، وتفسير سورة ١١٣.

٤٩٩

المعوذتين من مصاحفه ويقول : إنهما ليستا من كتاب الله. قال الأعمش : وحدثنا عاصم عن زر بن حبيش عن أبي بن كعب قال : سألنا عنهما رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «قيل لي فقلت» (١) وهذا مشهور عند كثير من القراء والفقهاء وأن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه ، فلعله لم يسمعهما من النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولم يتواتر عنده ، ثم لعله قد رجع عن قوله ذلك إلى قول الجماعة ، فإن الصحابة رضي الله عنهم أثبتوهما في المصاحف الأئمة ونفذوها إلى سائر الآفاق كذلك ولله الحمد والمنة.

وقد روى مسلم في صحيحه : حدثنا قتيبة ، حدثنا جرير عن بيان عن قيس بن أبي حازم عن عقبة بن عامر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم ير مثلهن قط (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) (٢) ورواه أحمد ومسلم أيضا والترمذي والنسائي من حديث إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن عقبة به ، وقال الترمذي : حسن صحيح.

[طريق أخرى] قال الإمام أحمد (٣) : حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا ابن جابر عن القاسم أبي عبد الرّحمن عن عقبة بن عامر قال : بينا أنا أقود برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في نقب من تلك النقاب إذ قال لي «يا عقبة ألا تركب» قال : فأشفقت أن تكون معصية ، قال : فنزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وركبت هنيهة ثم ركب ثم قال : «يا عقبة ألا أعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس» قلت : بلى يا رسول الله ، فأقرأني (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ثم أقيمت الصلاة فتقدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقرأ بهما ثم مربي فقال : «كيف رأيت يا عقبة اقرأ بهما كلما نمت وكلما قمت» (٤) ورواه النسائي من حديث الوليد بن مسلم وعبد الله بن المبارك كلاهما عن ابن جابر به ، ورواه أبو داود والنسائي أيضا من حديث ابن وهب عن معن بن صالح عن العلاء بن الحارث عن القاسم بن عبد الرّحمن عن عقبة به.

[طريق أخرى] قال أحمد (٥) : حدثنا أبو عبد الرّحمن ، حدثنا سعيد بن أبي أيوب ، حدثني يزيد بن عبد العزيز الرعيني وأبو مرحوم عن يزيد بن محمد القرشي عن علي بن رباح عن عقبة بن عامر قال : أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن أقرأ بالمعوذات في دبر كل صلاة (٦) ، ورواه أبو داود والترمذي والنسائي من طرق عن علي بن رباح ، وقال الترمذي : غريب.

__________________

(١) أخرجه أحمد في المسند ٥ / ١٢٩ ، ١٣٠.

(٢) أخرجه مسلم في المسافرين حديث ٢٦٤ ، والترمذي في تفسير سورة ١١٣ ـ ١١٤ ، باب ٢ ، والنسائي في الاستعاذة باب ١ ، وأحمد في المسند ٤ / ١٤٤.

(٣) المسند ٤ / ١٤٤.

(٤) أخرجه أبو داود في الوتر باب ١٩ ، والنسائي في الاستعاذة باب ١.

(٥) المسند ٤ / ١٥٥.

(٦) أخرجه أبو داود في الوتر باب ١٩ ، والترمذي في ثواب القرآن باب ١٢ ، والنسائي في الاستعاذة باب ١.

٥٠٠