تفسير القرآن العظيم - ج ٨

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي

تفسير القرآن العظيم - ج ٨

المؤلف:

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2221-5

الصفحات: ٥٢٠

عبد الرّحمن المقري به وليس لعبد العزيز عنده سواه.

ثم قال تعالى : (إِلَّا الْمُصَلِّينَ) أي الإنسان من حيث هو متصف بصفات الذم ، إلا من عصمه الله ووفقه وهداه إلى الخير ويسر له أسبابه وهم المصلون.

(الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) قيل : معناه يحافظون على أوقاتها وواجباتها ، قاله ابن مسعود ومسروق وإبراهيم النخعي ، وقيل : المراد بالدوام هاهنا السكون والخشوع كقوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ) [المؤمنون : ١ ـ ٢] قاله عقبة بن عامر : ومنه الماء الدائم وهو الساكن الراكد ، وهذا يدل على وجوب الطمأنينة في الصلاة فإن الذي لا يطمئن في ركوعه وسجوده ليس بدائم على صلاته ، لأنه لم يسكن فيها ولم يدم بل ينقرها نقر الغراب فلا يفلح في صلاته.

وقيل : المراد بذلك الذين إذا عملوا عملا داوموا عليه وأثبتوه كما جاء في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل» وفي لفظ «ما داوم عليه صاحبه» قالت : وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا عمل عملا داوم عليه ، وفي لفظ أثبته (١) ، وقال قتادة في قوله تعالى : (الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ) ذكر لنا أن دانيال عليه‌السلام نعت أمة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يصلون صلاة لو صلّاها قوم نوح ما غرقوا ، أو قوم عاد ما أرسلت عليهم الريح العقيم ، أو ثمود ما أخذتهم الصيحة ، فعليكم بالصلاة فإنها خلق للمؤمنين حسن.

وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) أي في أموالهم نصيب مقرر لذوي الحاجات ، وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة الذاريات. وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ) أي يوقنون بالمعاد والحساب والجزاء فهم يعملون عمل من يرجو الثواب ويخاف العقاب. ولهذا قال تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ) أي خائفون وجلون (إِنَّ عَذابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ) أي لا يأمنه أحد ممن عقل عن الله أمره إلا بأمان من الله تبارك وتعالى.

وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ) أي يكفونها عن الحرام ويمنعونها أن توضع في غير ما أذن الله فيه ولهذا قال تعالى : (إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ) أي من الإماء (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) وقد تقدم تفسير هذا في أول سورة (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) [المؤمنون : ١] بما أغنى عن إعادته هاهنا.

وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) أي إذا اؤتمنوا لم يخونوا ، وإذا عاهدوا لم يغدروا ، وهذه صفات المؤمنين وضدها صفات المنافقين كما ورد في الحديث

__________________

(١) أخرجه البخاري في الإيمان باب ٣٢ ، والرقاق باب ١٨ ، ومسلم في المسافرين حديث ٢١٦ ، ٢١٨ ، وأبو داود في التطوع باب ٢٧.

٢٤١

الصحيح «آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان» (١) وفي رواية «إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر ، وإذا خاصم فجر» (٢) وقوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ) أي محافظون عليها لا يزيدون فيها ولا ينقصون منها ولا يكتمونها (وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ) [البقرة : ٢٨٣].

ثم قال تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ) أي على مواقيتها وأركانها وواجباتها ومستحباتها ، فافتتح الكلام بذكر الصلاة واختتمه بذكرها فدل على الاعتناء بها والتنويه بشرفها كما تقدم في أول سورة (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) [المؤمنون : ١] سواء ولهذا قال هناك : (أُولئِكَ هُمُ الْوارِثُونَ الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيها خالِدُونَ) [المؤمنون : ١٠ ـ ١١] وقال هاهنا : (أُولئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ) أي مكرمون بأنواع الملاذ والمسار.

(فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ (٣٧) أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨) كَلاَّ إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩) فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ (٤٠) عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ (٤١) فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (٤٢) يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ (٤٣) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ)(٤٤)

يقول تعالى منكرا على الكفار الذين كانوا في زمن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهم مشاهدون له ولما أرسله الله به من الهدى وما أيده الله به من المعجزات الباهرات ، ثم هم مع هذا كله فارون منه متفرقون عنه ، شاردون يمينا وشمالا فرقا فرقا ، وشيعا شيعا ، كما قال تعالى : (فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) [المدثر : ٤٩ ـ ٥١] الآية. وهذه مثلها فإنه قال تعالى : (فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ) أي فما لهؤلاء الكفار الذين عندك يا محمد مهطعين أي مسرعين نافرين منك ، كما قال الحسن البصري : مهطعين أي منطلقين (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ) واحدها عزة أي متفرقين ، وهو حال من مهطعين أي في حال تفرقهم واختلافهم كما قال الإمام أحمد في أهل الأهواء فهم مخالفون للكتاب مختلفون في الكتاب متفقون على مخالفة الكتاب.

وقال العوفي عن ابن عباس (فَما لِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ) ، قال قبلك ينظرون (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ) قال : العزين العصب من الناس عن يمين وشمال معرضين

__________________

(١) أخرجه البخاري في الإيمان باب ٢٤ ، والشهادات باب ٢٨ ، ومسلم في الإيمان حديث ١٠٨ ، والترمذي في الأيمان باب ١٤.

(٢) أخرجه البخاري في الإيمان باب ٢٤ ، والمظالم باب ١٧ ، ومسلم في الإيمان حديث ١٠٦ ، وأبو داود في السنة باب ١٥ ، والترمذي في الإيمان باب ١٤ ، والنسائي في الإيمان باب ٢٠ ، وأحمد في المسند ٢ / ١٨٩ ، ١٩٨.

٢٤٢

يستهزئون به ، وقال ابن جرير (١) : حدثنا ابن بشار حدثنا أبو عامر ، حدثنا قرة عن الحسن في قوله : (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ) أي متفرقين يأخذون يمينا وشمالا يقولون : ما قال هذا الرجل؟

وقال قتادة (مُهْطِعِينَ) عامدين (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمالِ عِزِينَ) أي فرقا حول النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يرغبون في كتاب الله ولا في نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال الثوري وشعبة وعبثر بن القاسم وعيسى بن يونس ومحمد بن فضيل ووكيع ويحيى القطان وأبو معاوية ، كلهم عن الأعمش ، عن المسيب بن رافع ، عن تميم بن طرفة ، عن جابر بن سمرة أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج عليهم وهم حلق فقال : «ما لي أراكم عزين؟» (٢) رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن جرير من حديث الأعمش به.

وقال ابن جرير (٣) : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا مؤمل ، حدثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير ، عن أبي سلمة ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خرج على أصحابه وهم حلق فقال : «ما لي أراكم عزين؟» وهذا إسناده جيد ولم أره في شيء من الكتب الستة من هذا الوجه.

وقوله تعالى : (أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ كَلَّا) أي : أيطمع هؤلاء والحالة هذه من فرارهم عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونفارهم عن الحق أن يدخلوا جنات النعيم؟ كلا بل مأواهم جهنم. ثم قال تعالى مقررا لوقوع المعاد والعذاب بهم الذي أنكروا كونه واستبعدوا وجوده مستدلا عليهم بالبداءة التي الإعادة أهون منها ، وهم معترفون بها ، فقال تعالى : (إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ) أي من المني الضعيف ، كما قال تعالى : (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ) [المرسلات : ٢٠] وقال : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا ناصِرٍ) [الطارق : ٥ ـ ١٠] ثم قال تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ) أي الذي خلق السموات والأرض وجعل مشرقا ومغربا وسخر الكواكب تبدو من مشارقها وتغيب في مغاربها. وتقدير الكلام ليس الأمر كما تزعمون أن لا معاد ولا حساب ولا بعث ولا نشور ، بل كل ذلك واقع وكائن لا محالة ، ولهذا أتى بلا في ابتداء القسم ليدل على أن المقسم عليه نفي ، وهو مضمون الكلام وهو الرد على زعمهم الفاسد في نفي يوم القيامة. وقد شاهدوا من عظيم قدرة الله تعالى ما هو أبلغ من إقامة القيامة ، وهو خلق السموات والأرض وتسخير ما فيهما من المخلوقات من الحيوانات والجمادات وسائر صنوف الموجودات ، ولهذا قال تعالى : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ

__________________

(١) تفسير الطبري ١٢ / ٢٤١.

(٢) أخرجه مسلم في الصلاة حديث ١١٩ ، وأبو داود في الأدب باب ١٤ ، وأحمد في المسند ٥ / ٩٣ ، ١٠١ ، ١٠٧.

(٣) تفسير الطبري ١٢ / ٢٤١.

٢٤٣

أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [غافر : ٥٧].

وقال تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) وقال تعالى في الآية الأخرى : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [غافر : ٥٧] وقال هاهنا : (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ إِنَّا لَقادِرُونَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ) أي يوم القيامة نعيدهم بأبدان خير من هذه فإن قدرته صالحة لذلك (وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ) أي بعاجزين كما قال تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) [القيامة : ٣ ـ ٤] وقال تعالى : (نَحْنُ قَدَّرْنا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَما نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ عَلى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثالَكُمْ وَنُنْشِئَكُمْ فِي ما لا تَعْلَمُونَ) [الواقعة : ٦٠ ـ ٦١] واختار ابن جرير (عَلى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْراً مِنْهُمْ) أي : أمة تطيعنا ولا تعصينا وجعلها كقوله : (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ) [محمد : ٣٨] والمعنى الأول أظهر لدلالة الآيات الأخر عليه والله سبحانه وتعالى أعلم.

ثم قال تعالى : (فَذَرْهُمْ) أي يا محمد (يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا) أي دعهم في تكذيبهم وكفرهم وعنادهم (حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) أي فسيعلمون غب ذلك ويذوقون وباله (يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ) أي : يقومون من القبور إذا دعاهم الرب تبارك وتعالى لموقف الحساب ينهضون سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون ، قال ابن عباس ومجاهد والضحاك : إلى علم يسعون ، وقال أبو العالية ويحيى بن أبي كثير إلى غاية يسعون إليها ، وقد قرأ الجمهور إلى نصب بفتح النون وإسكان الصاد وهو مصدر بمعنى المنصوب.

وقرأ الحسن البصري نصب بضم النون والصاد وهو الصنم أي كأنهم في إسراعهم إلى الموقف كما كانوا في الدنيا يهرولون إلى النصب إذا عاينوه ، يوفضون يبتدرون أيهم يستلمه أول. وهذا مروي عن مجاهد ويحيى بن أبي كثير ومسلم البطين وقتادة والضحاك والربيع بن أنس وأبي صالح وعاصم بن بهدلة وابن زيد وغيرهم ، وقوله تعالى : (خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ) أي خاضعة (تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ) أي في مقابلة ما استكبروا في الدنيا عن الطاعة (ذلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ). أخر تفسير سورة سأل سائل ، ولله الحمد والمنة.

تفسير سورة نوح

وهي مكية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(إِنَّا أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (١) قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ

٢٤٤

مُبِينٌ (٢) أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ (٣) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (٤)

يقول تعالى مخبرا عن نوح عليه‌السلام أنه أرسله إلى قومه آمرا له أن ينذرهم بأس الله قبل حلوله بهم ، فإن تابوا وأنابوا رفع عنهم. ولهذا قال تعالى : (أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ قالَ يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي بين النذارة ظاهر الأمر واضحه ، (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاتَّقُوهُ) ، أي اتركوا محارمه واجتنبوا مآثمه (وَأَطِيعُونِ) فيما آمركم به وأنهاكم عنه (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) أي إذا فعلتم ما آمركم به وصدقتم ما أرسلت به إليكم غفر الله لكم ذنوبكم ، ومن هاهنا قيل إنها زائدة ولكن القول بزيادتها في الإثبات قليل ، ومنه قول بعض العرب : قد كان من مطر ، وقيل إنها بمعنى عن تقديره يصفح لكم عن ذنوبكم ، واختاره ابن جرير (١) :

وقيل : إنها للتبعيض ، أي يغفر لكم الذنوب العظيمة التي وعدكم على ارتكابكم إياها الانتقام (وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) أي يمد في أعماركم ويدرأ عنكم العذاب الذي إن لم تجتنبوا ما نهاكم عنه أوقعه بكم ، وقد يستدل بهذه الآية من يقول إن الطاعة والبر وصلة الرحم يزاد بها في العمر حقيقة كما ورد به الحديث : «صلة الرحم تزيد في العمر» وقوله تعالى : (إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أي بادروا بالطاعة قبل حلول النقمة فإنه إذا أمر تعالى يكون ذلك لا يرد ولا يمانع ، فإنه العظيم الذي قد قهر كل شيء ، العزيز الذي دانت لعزته جميع المخلوقات.

(قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً (٥) فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلاَّ فِراراً (٦) وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً(٧) ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً (٨) ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً (٩) فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً (١٠) يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً (١١) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً (١٢) ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً (١٣) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً (١٤) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً (١٥) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً (١٦) وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً (١٧) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً(١٨) وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً (١٩) لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً) (٢٠)

يخبر تعالى عن عبده ورسوله نوح عليه‌السلام أنه اشتكى إلى ربه عزوجل ما لقي من قومه ، وما صبر عليهم في تلك المدة الطويلة التي هي ألف سنة إلا خمسين عاما ، وما بين لقومه ووضح لهم ودعاهم إلى الرشد والسبيل الأقوم ، فقال : (رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً

__________________

(١) تفسير الطبري ١٢ / ٢٤٦ ، ٢٤٧.

٢٤٥

وَنَهاراً) أي لم أترك دعاءهم في ليل ولا نهار امتثالا لأمرك وابتغاء لطاعتك (فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً) أي كلما دعوتهم ليقتربوا من الحق فروا منه وحادوا عنه (وَإِنِّي كُلَّما دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ) أي سدوا آذانهم لئلا يسمعوا ما أدعوهم إليه كما أخبر تعالى عن كفار قريش : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) [فصلت : ٣٦] (وَاسْتَغْشَوْا ثِيابَهُمْ) قال ابن جريج عن ابن عباس : تنكروا له لئلا يعرفهم. وقال سعيد بن جبير والسدي : غطوا رؤوسهم لئلا يسمعوا ما يقول (وَأَصَرُّوا) أي استمروا على ما هم فيه من الشرك والكفر العظيم الفظيع (وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْباراً) أي واستنكفوا عن اتباع الحق والانقياد له (ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً) أي جهرة بين الناس (ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ) أي كلاما ظاهرا بصوت عال (وَأَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً) أي فيما بيني وبينهم ، فنوع عليهم الدعوة لتكون أنجع فيهم.

(فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً) أي ارجعوا إليه وارجعوا عما أنتم فيه وتوبوا إليه من قريب فإنه من تاب إليه تاب عليه ، ولو كانت ذنوبه مهما كانت في الكفر والشرك ، ولهذا قال : (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) أي متواصلة الأمطار ، ولهذا تستحب قراءة هذه السورة في صلاة الاستسقاء لأجل هذه الآية ، وهكذا روي عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه صعد المنبر ليستسقي فلم يزد على الاستغفار وقراءة الآيات في الاستغفار ومنها هذه الآية (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) ثم قال : لقد طلبت لغيث بمجاديح (١) السماء التي يستنزل بها المطر.

وقال ابن عباس وغيره : يتبع بعضه بعضا. وقوله تعالى : (وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً) أي إذا تبتم إلى الله واستغفرتموه وأطعتموه كثر الرزق عليكم أسقاكم من بركات السماء ، وأنبت لكم من بركات الأرض وأنبت لكم الزرع ، وأدر لكم الضرع وأمدكم بأموال وبنين أي أعطاكم الأموال والأولاد وجعل لكم جنات فيها أنواع الثمار وخللها بالأنهار الجارية بينها ، هذا مقام الدعوة بالترغيب ، ثم عدل بهم إلى دعوتهم بالترهيب فقال : (ما لَكُمْ لا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقاراً) أي عظمة ، قاله ابن عباس ومجاهد والضحاك ، وقال ابن عباس : لا تعظمون الله حق عظمته أي لا تخافون من بأسه ونقمته (وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْواراً) قيل معناه من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة ، قاله ابن عباس وعكرمة وقتادة ويحيى بن رافع والسدي وابن زيد.

وقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَماواتٍ طِباقاً) أي واحدة فوق واحدة وهل هذا يتلقى من جهة السمع فقط؟ أو هو من الأمور المدركة بالحس مما علم من التسيير

__________________

(١) المجاديح : جمع مجدح : نجم من النجوم.

٢٤٦

والكسوفات ، فإن الكواكب السبعة السيارة يكسف بعضها بعضا فأدناها القمر في السماء الدنيا ، وهو يكسف ما فوقه ، وعطارد في الثانية ، والزهرة في الثالثة ، والشمس في الرابعة ، والمريخ في الخامسة ، والمشتري في السادسة ، وزحل في السابعة.

وأما بقية الكواكب وهي الثوابت ففي فلك ثامن يسمونه فلك الثوابت ، والمتشرعون منهم يقولون هو الكرسي ، والفلك التاسع وهو الأطلس والأثير عندهم الذي حركته على خلاف حركة سائر الأفلاك ، وذلك أن حركته مبدأ الحركات وهي من المغرب إلى المشرق ، وسائر الأفلاك عكسه من المشرق إلى المغرب ومعها يدور سائر الكواكب تبعا ولكن للسيارة حركة معاكسة لحركة أفلاكها فإنها تسير من المغرب إلى المشرق ، وكل يقطع فلكه بحسبه ، فالقمر يقطع فلكه في كل شهر مرة ، والشمس في كل سنة مرة ، وزحل في كل ثلاثين سنة مرة ، وذلك بحسب اتساع أفلاكها وإن كانت حركة الجميع في السرعة متناسبة ، هذا ملخص ما يقولونه في هذا المقام على اختلاف بينهم في مواضع كثيرة لسنا بصدد بيانها وإنما المقصود أن الله سبحانه وتعالى خلق سبع سموات طباقا (وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً) أي فاوت بينهما في الاستنارة فجعل كلا منهما أنموذجا على حدة ليعرف الليل والنهار بمطلع الشمس ومغيبها ، وقدر للقمر منازل وبروجا وفاوت نوره فتارة يزداد حتى يتناهى ثم يشرع في النقص حتى يستتر ليدل على مضي الشهور والأعوام ، كما قال تعالى : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [يونس : ٥].

وقوله تعالى : (وَاللهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَباتاً) هذا اسم مصدر والإتيان به هاهنا أحسن (ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيها) أي إذا متم (وَيُخْرِجُكُمْ إِخْراجاً) أي يوم القيامة يعيدكم كما بدأكم أول مرة (وَاللهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِساطاً) أي بسطها ومهدها وقررها وثبتها بالجبال الراسيات الشم الشامخات (لِتَسْلُكُوا مِنْها سُبُلاً فِجاجاً) أي خلقها لكم لتستقروا عليها وتسلكوا فيها أين شئتم من نواحيها وأرجائها وأقطارها ، وكل هذا مما ينبههم به نوح عليه‌السلام على قدرة الله وعظمته في خلق السموات والأرض ونعمه عليهم فيما جعل لهم من المنافع السماوية والأرضية ، فهو الخالق الرزاق جعل السماء بناء والأرض مهادا وأوسع على خلقه من رزقه ، فهو الذي يجب أن يعبد ويوحد ولا يشرك به أحد لأنه لا نظير له ولا عديل ولا ند ولا كفء ، ولا صاحبة ولا ولد ولا وزير ولا مشير بل هو العلي الكبير.

(قالَ نُوحٌ رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَساراً (٢١) وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً (٢٢) وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً(٢٣) وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلالاً) (٢٤)

٢٤٧

يقول تعالى مخبرا عن نوح عليه‌السلام أنه أنهى إليه ، وهو العليم الذي لا يعزب عنه شيء ، أنه مع البيان المتقدم ذكره والدعوة المتنوعة المشتملة على الترغيب تارة والترهيب أخرى أنهم عصوه وخالفوه وكذبوه ، واتبعوا أبناء الدنيا ممن غفل عن أمر الله ومتع بمال وأولاد وهي في نفس الأمر استدراج وإنظار لا إكرام ولهذا قال : (وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَساراً) قرئ وولده بالضم وبالفتح وكلاهما متقارب.

وقوله تعالى : (وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً) قال مجاهد : (كُبَّاراً) أي عظيما ، وقال ابن زيد : (كُبَّاراً) أي كبيرا والعرب تقول أمر عجيب وعجاب وعجّاب ، ورجل حسان وحسّان وجمال وجمّال بالتخفيف والتشديد بمعنى واحد (١) ، والمعنى في قوله تعالى : (وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً) أي بأتباعهم في تسويلهم لهم أنهم على الحق والهدى كما يقولون لهم يوم القيامة (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ إِذْ تَأْمُرُونَنا أَنْ نَكْفُرَ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْداداً) [سبأ : ٣٣] ولهذا قال هاهنا : (وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) وهذه أسماء أصنامهم التي كانوا يعبدونها من دون الله.

قال البخاري : حدثنا إبراهيم ، حدثنا هشام عن ابن جريج ، وقال عطاء عن ابن عباس : صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد : أما ود فكانت لكلب بدومة الجندل ، وأما سواع فكانت لهذيل ، وأما يغوث فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ ، وأما يعوق فكانت لهمدان ، وأما نسر فكانت لحمير لآل ذي كلاع وهي أسماء رجال صالحين من قوم نوحعليه‌السلام ، فلما هلكوا اوحى الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون فيها أنصابا وسموها بأسمائهم ففعلوا فلم تعبد حتى إذا هلك أولئك وتنسّخ العلم عبدت (٢). وكذا روي عن عكرمة والضحاك وقتادة وابن إسحاق نحو هذا ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : هذه أصنام كانت تعبد في زمن نوح.

وقال ابن جرير (٣) : حدثنا ابن حميد ، حدثنا مهران عن سفيان عن موسى عن محمد بن قيس (وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) قال : كانوا قوما صالحين بين آدم ونوح وكان لهم أتباع يقتدون بهم ، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم : لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم ، فصوروهم فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال : إنما كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر فعبدوهم.

وروى الحافظ ابن عساكر في ترجمة شيث عليه‌السلام من طريق إسحاق بن بشر قال :

__________________

(١) انظر تفسير الطبري ١٢ / ٢٥٣.

(٢) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٧١.

(٣) تفسير الطبري ١٢ / ٢٥٤.

٢٤٨

أخبرني جويبر ومقاتل عن الضحاك عن ابن عباس أنه قال : ولد لآدم عليه‌السلام أربعون ولدا ، عشرون غلاما وعشرون جارية ، فكان ممن عاش منهم هابيل وقابيل وصالح وعبد الرّحمن والذي كان سماه عبد الحارث ، وود وكان ود يقال له شيث ويقال له هبة الله ، وكان إخوته قد سودوه ، وولد له سواع ويغوث ويعوق ونسر.

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو عمر الدوري ، حدثني أبو إسماعيل المؤدب عن عبد الله بن مسلم بن هرمز عن أبي حزرة عن عروة بن الزبير قال : اشتكى آدم عليه‌السلام وعنده بنوه ود ويغوث وسواع ونسر قال وكان ود أكبرهم وأبرهم به وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن منصور ، حدثنا الحسن بن موسى ، حدثنا يعقوب عن أبي المطهر قال : ذكروا عند أبي جعفر وهو قائم يصلي يزيد بن المهلب ، قال : فلما انفتل من صلاته قال : ذكرتم يزيد بن المهلب أما إنه قتل في أول أرض عبد فيها غير الله ، قال : ثم ذكروا رجلا مسلما وكان محببا في قومه فلما مات اعتكفوا حول قبره في أرض بابل وجزعوا عليه ، فلما رأى إبليس جزعهم عليه تشبه في صورة إنسان ، ثم قال إني أرى جزعكم على هذا الرجل فهل لكم أن أصور لكم مثله فيكون في ناديكم فتذكرونه؟ قالوا نعم ، فصور لهم مثله ، قال : ووضعوه في ناديهم وجعلوا يذكرونه ، فلما رأى ما بهم من ذكره قال : هل لكم أن أجعل في منزل كل رجل منكم تمثالا مثله فيكون له في بيته فتذكرونه؟ قالوا : نعم ، قال : فمثل لكل أهل بيت تمثالا مثله ، فأقبلوا فجعلوا يذكرونه به ، قال : وأدرك أبناؤهم فجعلوا يرون ما يصنعون به ، قال : وتناسلوا ودرس أمر ذكرهم إياه حتى اتخذوه إلها يعبدونه من دون الله أولاد أولادهم ، فكان أول ما عبد من دون الله : الصنم الذي سموه ودا.

وقوله تعالى : (وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً) يعني الأصنام التي اتخذوها أضلوا بها خلقا كثيرا ، فإنه استمرت عبادتها في القرون إلى زماننا هذا في العرب والعجم وسائر صنوف بني آدم ، وقد قال الخليل عليه‌السلام في دعائه (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) [إبراهيم : ٣٥ ـ ٣٦] وقوله تعالى : (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالاً) دعاء منه على قومه لتمردهم وكفرهم وعنادهم كما دعا موسى على فرعون وملئه في قوله : (رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) [يونس : ٨٨] وقد استجاب الله لكل من النبيين في قومه وأغرق أمته بتكذيبهم لما جاءهم به.

(مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً (٢٥) وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً (٢٦) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاَّ فاجِراً كَفَّاراً (٢٧) رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَباراً) (٢٨)

يقول تعالى : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ) وقرئ خطاياهم (أُغْرِقُوا) أي من كثرة ذنوبهم وعتوهم

٢٤٩

وإصرارهم على كفرهم ومخالفتهم رسولهم (أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) أي نقلوا من تيار البحار إلى حرارة النار (فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً) أي لم يكن لهم معين ولا مغيث ولا مجير ينقذهم من عذاب الله كقوله تعالى : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) [هود : ٤٣] (وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) أي لا تترك على وجه الأرض منهم أحدا ولا دومريا وهذه من صيغ تأكيد النفي ، قال الضحاك : (دَيَّاراً) واحدا ، وقال السدي: الديار الذي يسكن الدار ، فاستجاب الله له فأهلك جميع من على وجه الأرض من الكافرين حتى ولد نوح لصلبه الذي اعتزل عن أبيه ، وقال : (سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) [هود : ٤٣].

وقال ابن أبي حاتم : قرأ علي يونس بن عبد الأعلى ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني شبيب بن سعيد عن أبي الجوزاء عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو رحم الله من قوم نوح أحدا لرحم امرأة لما رأت الماء حملت ولدها ثم صعدت الجبل ، فلما بلغها الماء صعدت به منكبها فلما بلغ الماء منكبها وضعت ولدها على رأسها ، فلما بلغ الماء رأسها رفعت ولدها بيدها ، فلو رحم الله منهم أحدا لرحم هذه المرأة» هذا حديث غريب ورجاله ثقات ، ونجى الله أصحاب السفينة الذين آمنوا مع نوح عليه‌السلام وهم الذين أمره الله بحملهم معه.

وقوله تعالى : (إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ) أي إنك إن أبقيت منهم أحدا أضلوا عبادك ، أي الذين تخلقهم بعدهم (وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً) أي فاجرا في الأعمال كافر القلب وذلك لخبرته بهم ومكثه بين أظهرهم ألف سنة إلا خمسين عاما ، ثم قال : (رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً) قال الضحاك : يعني مسجدي ، ولا مانع من حمل الآية على ظاهرها وهو أنه دعا لكل من دخل منزله وهو مؤمن.

وقد قال الإمام أحمد (١) : حدثنا أبو عبد الرّحمن ، حدثنا حيوة أنبأنا سالم بن غيلان أن الوليد بن قيس التجيبي ، أخبره أنه سمع أبا سعيد الخدري أو عن أبي الهيثم ، عن أبي سعيد أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «لا تصحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي» (٢) ورواه أبو داود والترمذي من حديث عبد الله بن المبارك عن حيوة بن شريح به ، ثم قال الترمذي : إنما نعرفه من هذا الوجه.

وقوله تعالى : (وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ) دعاء لجميع المؤمنين والمؤمنات وذلك يعم الأحياء منهم والأموات ، ولهذا يستحب مثل هذا الدعاء اقتداء بنوح عليه‌السلام وبما جاء في الآثار والأدعية المشهورة المشروعة ، وقوله تعالى : (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً) قال السدي :

__________________

(١) المسند ٣ / ٣٨.

(٢) أخرجه أبو داود في الأدب باب ١٦ ، والترمذي في الزهد باب ٥٦.

٢٥٠

إلا هلاكا ، وقال مجاهد : إلا خسارا أي في الدنيا والآخرة. آخر تفسير سورة نوح عليه‌السلام ولله الحمد والمنة.

تفسير سورة الجن

وهي مكية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً (٢) وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً (٣) وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللهِ شَطَطاً (٤) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِباً (٥) وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً (٦) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً)(٧)

يقول تعالى آمرا رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يخبر قومه أن الجن استمعوا القرآن ، فأمنوا به وصدقوه وانقادوا له ، فقال تعالى : (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ) أي إلى السداد والنجاح (فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً) وهذا المقام شبيه بقوله تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) [الأحقاف : ٢٩] وقد قدمنا الأحاديث الواردة في ذلك بما أغنى عن إعادته هاهنا.

وقوله تعالى : (وَأَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى : (جَدُّ رَبِّنا) أي فعله وأمره وقدرته. وقال الضحاك عن ابن عباس : جد الله آلاؤه وقدرته ونعمته على خلقه ، وروي عن مجاهد وعكرمة : جلال ربنا ، وقال قتادة : تعالى جلاله وعظمته وأمره ، وقال السدي : تعالى أمر ربنا : وعن أبي الدرداء ومجاهد أيضا وابن جريج : تعالى ذكره وقال سعيد بن جبير : (تَعالى جَدُّ رَبِّنا) أي تعالى ربنا ، فأما ما رواه ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ ، حدثنا سفيان عن عمرو ، عن عطاء ، عن ابن عباس ، قال : الجد أب ولو علمت الجن أن في الإنس جدا ما قالوا تعالى جد ربنا ، فهذا إسناد جيد ولكن لست أفهم ما معنى هذا الكلام ولعله قد سقط شيء والله أعلم.

وقوله تعالى : (مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَلا وَلَداً) أي تعالى عن اتخاذ الصاحبة والأولاد ، أي قالت الجن : تنزه الرب جل جلاله حين أسلموا وآمنوا بالقرآن عن اتخاذ الصاحبة والولد ثم قالوا (وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا عَلَى اللهِ شَطَطاً) قال مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي (سَفِيهُنا) يعنون إبليس (شَطَطاً) قال السدي عن أبي مالك : (شَطَطاً) أي جورا ، وقال ابن زيد : أي ظلما كبيرا ويحتمل أن يكون المراد بقولهم سفيهنا اسم جنس لكل من زعم أن لله صاحبة أو

٢٥١

ولدا ، ولهذا قالوا (وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا) أي قبل إسلامه (عَلَى اللهِ شَطَطاً) أي باطلا وزورا ، ولهذا قالوا (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى اللهِ كَذِباً) أي ما حسبنا أن الإنس والجن يتمالؤون على الكذب على الله تعالى في نسبة الصاحبة والولد إليه ، فلما سمعنا هذا القرآن وآمنا به علمنا أنهم كانوا يكذبون على الله في ذلك.

وقوله تعالى : (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً) أي كنا نرى أن لنا فضلا على الإنس لأنهم كانوا يعوذون بنا إذا نزلوا واديا أو مكانا موحشا من البراري وغيرها ، كما كانت عادة العرب في جاهليتها يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجان أن يصيبهم بشيء يسوؤهم ، كما كان أحدهم يدخل بلاد أعدائه في جوار رجل كبير وذمامه وخفارته ، فلما رأت الجن أن الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم زادوهم رهقا أي خوفا وإرهابا وذعرا حتى بقوا أشد منهم مخافة وأكثر تعوذا بهم ، كما قال قتادة (فَزادُوهُمْ رَهَقاً) أي إثما وازدادت الجن عليهم بذلك جراءة. وقال الثوري : عن منصور عن إبراهيم : (فَزادُوهُمْ رَهَقاً) : اي ازدادت الجن عليهم جرأة وقال السدي : كان الرجل يخرج بأهله فيأتي الأرض فينزلها فيقول : أعوذ بسيد هذا الوادي من الجن أن أضر أنا فيه أو مالي أو ولدي أو ماشيتي ، قال قتادة : فإذا عاذبهم من دون الله رهقتهم الجن الأذى عند ذلك.

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد يحيى بن سعيد القطان ، حدثنا وهب بن جرير ، حدثنا أبي ، حدثنا الزبير بن الخريت عن عكرمة قال : كان الجن يفرقون من الإنس كما يفرق الإنس منهم أو أشد ، فكان الإنس إذا نزلوا واديا هرب الجن فيقول سيد القوم نعوذ بسيد أهل هذا الوادي ، فقال الجن نراهم يفرقون منا كما نفرق منهم فدنوا من الإنس فأصابوهم بالخبل والجنون ، فذلك قول الله عزوجل : (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً) أي إثما. وقال أبو العالية والربيع وزيد بن أسلم (رَهَقاً) أي خوفا وقال العوفي عن ابن عباس (فَزادُوهُمْ رَهَقاً) أي إثما ، وكذا قال قتادة وقال مجاهد : زاد الكفار طغيانا.

وقال ابن حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا فروة بن أبي المغراء الكندي ، حدثنا القاسم بن مالك ـ يعني المزني ـ عن عبد الرّحمن بن إسحاق عن أبيه عن كردم بن أبي السائب الأنصاري قال : خرجت مع أبي من المدينة في حاجة وذلك أول ما ذكر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بمكة ، فآوانا المبيت إلى راعي غنم ، فلما انتصف الليل جاء ذئب فأخذ حملا من الغنم فوثب الراعي فقال : يا عامر الوادي جارك ، فنادى مناد لا نراه يقول : يا سرحان (١) أرسله. فأتى الحمل يشتد (٢)

__________________

(١) السرحان : الأسد ، وقيل : الذئب.

(٢) يشتدّ : أي يسرع.

٢٥٢

حتى دخل في الغنم لم تصبه كدمة. وأنزل الله تعالى على رسوله بمكة (وَأَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزادُوهُمْ رَهَقاً) ثم قال : وروي عن عبيد بن عمير ومجاهد وأبي العالية والحسن وسعيد بن جبير وإبراهيم النخعي نحوه وقد يكون هذا الذئب الذي أخذ الحمل ، وهو ولد الشاة ، كان جنيا حتى يرهب الإنسي ويخاف منه ، ثم رده عليه لما استجار به ليضله ويهينه ويخرجه عن دينه والله أعلم. وقوله تعالى : (وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ أَحَداً) أي لن يبعث الله بعد هذه المدة رسولا ، قاله الكلبي وابن جرير (١).

(وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً (٨) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً (٩) وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً) (١٠)

يخبر تعالى عن الجن حين بعث الله رسوله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأنزل عليه القرآن ، وكان من حفظه له أن السماء ملئت حرسا شديدا وحفظت من سائر أرجائها ، وطردت الشياطين عن مقاعدها التي كانت تقعد فيها قبل ذلك لئلا يسترقوا شيئا من القرآن ، فيلقوه على ألسنة الكهنة فيلتبس الأمر ويختلط ولا يدري من الصادق ، وهذا من لطف الله تعالى بخلقه ، ورحمته بعباده ، وحفظه لكتابه العزيز ، ولهذا قال الجن (وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) أي من يروم أن يسترق السمع يجد له شهابا مرصدا له لا يتخطاه ولا يتعداه بل يمحقه اليوم ويهلكه.

(وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً) أي ما ندري هذا الأمر الذي قد حدث في السماء ، لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا ، وهذا من أدبهم في العبارة حيث أسندوا الشر إلى غير فاعل والخير أضافوه إلى الله عزوجل.

وقد ورد في الصحيح «والشر ليس إليك» (٢) وقد كانت الكواكب يرمى بها قبل ذلك ، ولكن ليس بكثير بل في الأحيان بعد الأحيان ، كما في حديث ابن عباس : بينما نحن جلوس مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا رمي بنجم فاستنار فقال : «ما كنتم تقولون في هذا؟» فقلنا : كنا نقول يولد عظيم ، يموت عظيم فقال : «ليس كذلك ، ولكن الله إذا قضى الأمر في السماء» (٣) وذكر تمام الحديث وقد أوردناه في سورة سبأ بتمامه ، وهذا هو السبب الذي حملهم على تطلب السبب في ذلك فأخذوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها ، فوجدوا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ بأصحابه في الصلاة ، فعرفوا أن هذا هو الذي حفظت من أجله السماء ، فآمن من آمن منهم وتمرد في طغيانه من بقي كما تقدم حديث ابن عباس في ذلك عند قوله في سورة الأحقاف : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ

__________________

(١) تفسير الطبري ١٢ / ٢٦٥.

(٢) أخرجه مسلم في المسافرين حديث ٢٠١ ، والنسائي في الافتتاح باب ١٧.

(٣) أخرجه الترمذي في تفسير سورة ٣٤ ، باب ٣.

٢٥٣

نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) [الأحقاف : ٢٩] الآية.

ولا شك أنه لما حدث هذا الأمر ، وهو كثرة الشهب في السماء والرمي بها ، هال ذلك الإنس والجن وانزعجوا له وارتاعوا لذلك ، وظنوا أن ذلك لخراب العالم ، كما قال السدي : لم تكن السماء تحرس إلا أن يكون في الأرض نبي أو دين لله ظاهر ، فكانت الشياطين قبل محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم قد اتخذت المقاعد في السماء الدنيا ، يستمعون ما يحدث في السماء من أمر ، فلما بعث الله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم نبيا رسولا رجموا ليلة من الليالي ففزع لذلك أهل الطائف فقالوا : هلك أهل السماء لما رأوا من شدة النار في السماء واختلاف الشهب ، فجعلوا يعتقون أرقاءهم ويسيبون مواشيهم ، فقال لهم عبد يا ليل بن عمرو بن عمير : ويحكم يا معشر أهل الطائف أمسكوا عن أموالكم وانظروا إلى معالم النجوم ، فإن رأيتموها مستقرة في أمكنتها فلم يهلك أهل السماء ، إنما هذا من أجل ابن أبي كبشة يعني محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وإن نظرتم فلم تروها فقد هلك أهل السماء.

فنظروا فرأوها فكفوا عن أقوالهم وفزعت الشياطين في تلك الليلة ، فأتوا إبليس فحدثوه بالذي كان من أمرهم فقال : ائتوني من كل أرض بقبضة من تراب أشمها ، فأتوه فشم فقال : صاحبكم بمكة ، فبعث سبعة نفر من جن نصيبين فقدموا مكة فوجدوا نبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قائما يصلي في المسجد الحرام يقرأ القرآن ، فدنوا منه حرصا على القرآن حتى كادت كلاكلهم (١) تصيبه ، ثم أسلموا فأنزل الله تعالى أمرهم على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقد ذكرنا هذا الفصل مستقصى في أول البعث من (كتاب السيرة) المطول ، والله أعلم ، ولله الحمد والمنة.

(وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً (١١) وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً (١٢) وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً (١٣) وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً (١٤) وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً (١٥) وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً (١٦) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً) (١٧)

يقول تعالى مخبرا عن الجن أنهم قالوا مخبرين عن أنفسهم (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ) أي غير ذلك (كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً) أي طرائق متعددة مختلفة وآراء متفرقة ، قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد (كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً) أي منا المؤمن ومنا الكافر. وقال أحمد بن سليمان النجاد في أماليه : حدثنا أسلم بن سهل بحشل ، حدثنا علي بن الحسن بن سليمان وهو أبو الشعثاء الحضرمي شيخ مسلم ، حدثنا أبو معاوية قال : سمعت الأعمش يقول تروح إلينا جني فقلت له : ما أحب الطعام إليكم؟ فقال الأرز ، قال : فأتيناهم به فجعلت أرى اللقم ترفع ولا أرى أحدا ، فقلت فيكم من هذه الأهواء التي فينا؟ قال : نعم فقلت فما الرافضة فيكم؟

__________________

(١) الكلاكل : الصدور.

٢٥٤

قال : شرنا. عرضت هذا الإسناد على شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزّي فقال هذا إسناد صحيح إلى الأعمش ، وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة العباس بن أحمد الدمشقي قال : سمعت بعض الجن وأنا في منزل لي بالليل ينشد : [الطويل]

قلوب براها الحب حتى تعلقت

مذاهبها في كل غرب وشارق

تهيم بحبّ الله والله ربها

معلّقة بالله دون الخلائق

وقوله تعالى : (وَأَنَّا ظَنَنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللهَ فِي الْأَرْضِ وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً) أي نعلم أن قدرة الله حاكمة علينا وأنا لا نعجزه في الأرض ، ولو أمعنا في الهرب فإنه علينا قادر لا يعجزه أحد منا (وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنَّا بِهِ) يفتخرون بذلك وهو مفخر لهم وشرف رفيع وصفة حسنة ، وقولهم (فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَلا رَهَقاً) قال ابن عباس وقتادة وغيرهما : فلا يخاف أن ينقص من حسناته أو يحمل عليه غير سيئاته كما قال تعالى : (فَلا يَخافُ ظُلْماً وَلا هَضْماً) [طه : ١١٢] (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقاسِطُونَ) أي منا المسلم ومنا القاسط ، وهو الجائر عن الحق الناكب عنه ، بخلاف المقسط فإنه العادل (فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً) أي طلبوا لأنفسهم النجاة (وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً) أي وقودا تسعر بهم.

وقوله تعالى : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) اختلف المفسرون في معنى هذا على قولين : [أحدهما] وأن لو استقام القاسطون على طريقة الإسلام وعدلوا إليها واستمروا عليها (لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) أي كثيرا ، والمراد بذلك سعة الرزق ، كقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ) [المائدة : ٦٦] وكقوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) [الأعراف : ٩٦] وعلى هذا يكون معنى قوله : (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) أي لنختبرهم ، كما قال مالك عن زيد بن أسلم : (لِنَفْتِنَهُمْ) لنبتليهم من يستمر على الهداية ممن يرتد إلى الغواية.

[ذكر من قال بهذا القول] قال العوفي عن ابن عباس : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) يعني بالاستقامة الطاعة (١) ، وقال مجاهد (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) قال : الإسلام وكذا قال سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وعطاء والسدي ومحمد بن كعب القرظي ، وقال قتادة (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) يقول : لو آمنوا كلهم لأوسعنا عليهم من الدنيا وقال مجاهد : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) أي : طريقة الحق ، وكذا قال الضحاك واستشهد على ذلك بالآيتين اللتين ذكرناهما ، وكل هؤلاء أو أكثرهم قالوا في قوله : (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) أي لنبتليهم به. وقال مقاتل : نزلت في كفار قريش حين منعوا المطر سبع سنين.

__________________

(١) انظر تفسير الطبري ١٢ / ٢٦٨.

٢٥٥

[والقول الثاني] (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) الضلال (لَأَسْقَيْناهُمْ ماءً غَدَقاً) أي لأوسعنا عليهم الرزق استدراجا ، كما قال تعالى : (فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَةً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ) [الأنعام : ٤٤] وكقوله : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَبَنِينَ نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ بَلْ لا يَشْعُرُونَ) [المؤمنون : ٥٥ ـ ٥٦] وهذا قول أبي مجلز لاحق بن حميد ، فإنه قال في قوله تعالى : (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ) أي طريقة الضلالة ، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم ، وحكاه البغوي عن الربيع بن أنس وزيد بن أسلم والكلبي وابن كيسان وله اتجاه ، ويتأيد بقوله لنفتنهم فيه. وقوله : (وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً) أي عذابا مشقا شديدا موجعا مؤلما ، قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة وابن زيد : (عَذاباً صَعَداً) أي مشقة لا راحة معها ، وعن ابن عباس : جبل في جهنم ، وعن سعيد بن جبير : بئر فيها.

(وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً (١٨) وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (١٩) قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً (٢٠) قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً (٢١) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً (٢٢) إِلاَّ بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً (٢٣) حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً) (٢٤)

يقول تعالى آمرا عباده أن يوحدوه في محال عبادته ولا يدعى معه أحد ولا يشرك به ، كما قال قتادة في قوله تعالى : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) قال : كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا بالله ، فأمر الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يوحدوه وحده (١). وقال ابن أبي حاتم : ذكر علي بن الحسين ، حدثنا إسماعيل ابن بنت السدي ، أخبرنا رجل سماه عن السدي ، عن أبي مالك أو أبي صالح ، عن ابن عباس في قوله : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) قال : لم يكن يوم نزلت هذه الآية في الأرض مسجد إلا المسجد الحرام ومسجد إيليا بيت المقدس. وقال الأعمش : قالت الجن : يا رسول الله ائذن لنا فنشهد معك الصلوات في مسجدك ، فأنزل الله تعالى : (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) يقول : صلوا لا تخالطوا الناس.

وقال ابن جرير (٢) : حدثنا ابن حميد حدثنا مهران ، حدثنا سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد عن محمود عن سعيد بن جبير (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً) قال : قالت الجن لنبي الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كيف لنا أن نأتي المسجد ونحن ناؤون؟ أي بعيدون عنك ، وكيف نشهد الصلاة ونحن ناؤون عنك؟ فنزلت (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً).

__________________

(١) انظر تفسير الطبري ١٢ / ٢٧١.

(٢) تفسير الطبري ١٢ / ٢٧١.

٢٥٦

وقال سفيان عن خصيف عن عكرمة : نزلت في المساجد كلها ، وقال سعيد بن جبير : نزلت في أعضاء السجود ، أي هي لله فلا تسجدوا بها لغيره. وذكروا عند هذا القول الحديث الصحيح من رواية عبد الله بن طاوس عن أبيه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أمرت أن أسجد على سبعة أعظم : على الجبهة ـ أشار بيده إلى أنفه ـ واليدين والركبتين وأطراف القدمين» (١) ، وقوله تعالى : (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) قال العوفي عن ابن عباس يقول لما سمعوا النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتلو القرآن كادوا يركبونه من الحرص لما سمعوه يتلو القرآن ودنوا منه ، فلم يعلم بهم حتى أتاه الرسول فجعل يقرئه (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ) يستمعون القرآن هذا قول ، وهو مروي عن الزبير بن العوام رضي الله عنه.

وقال ابن جرير (٢) : حدثني محمد بن معمر ، حدثنا أبو مسلم عن أبي عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : قال الجن لقومهم : (لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) قال : لما رأوه يصلي وأصحابه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده ، قال : عجبوا من طواعية أصحابه له قال : فقالوا لقومهم (لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) وهذا قول ثان وهو مروي عن سعيد بن جبير أيضا ، وقال الحسن : لما قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول لا إله إلا الله ويدعو الناس إلى ربهم كادت العرب تلبد عليه جميعا.

وقال قتادة في قوله : (وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً) قال : تلبدت الإنس والجن على هذا الأمر ليطفئوه ، فأبى الله إلا أن ينصره ويمضيه ويظهره على من ناوأه ، وهذا قول ثالث وهو مروي عن ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وقول ابن زيد ، وهو اختيار ابن جرير وهو الأظهر لقوله بعده : (قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً) أي قال لهم الرسول لما آذوه وخالفوه وكذبوه وتظاهروا عليه ليبطلوا ما جاء به من الحق واجتمعوا على عداوته (إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي) أي إنما أعبد ربي وحده لا شريك له وأستجير به وأتوكل عليه (وَلا أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً).

وقوله تعالى : (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً) أي إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي وعبد من عباد الله ليس إلي من الأمر شيء في هدايتكم ولا غوايتكم ، بل المرجع في ذلك كله إلى الله عزوجل ، ثم أخبر عن نفسه أيضا أنه لا يجيره من الله أحد أي لو عصيته فإنه لا يقدر أحد على إنقاذي من عذابه (وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) قال مجاهد وقتادة والسدي : لا ملجأ. وقال قتادة أيضا (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً) أي

__________________

(١) أخرجه البخاري في المواقيت باب ١١ ، ومسلم في الصلاة حديث ٢٢٧ ، ٢٢٩.

(٢) تفسير الطبري ١٢ / ٢٧٢.

٢٥٧

لا نصير ولا ملجأ وفي رواية : لا ولي ولا موئل.

وقوله تعالى : (إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللهِ وَرِسالاتِهِ) قال بعضهم هو مستثنى من قوله : (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً إِلَّا بَلاغاً) ويحتمل أن يكون استثناء من قوله : (لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ) أي لا يجيرني منه ويخلصني إلا إبلاغي الرسالة التي أوجب أداءها علي ، كما قال تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة : ٦٧] وقوله تعالى : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً) أي إنما أبلغكم رسالة الله فمن يعص بعد ذلك فله جزاء على ذلك نار جهنم ، خالدين فيها أبدا أي لا محيد لهم عنها ولا خروج لهم منها. وقوله تعالى : (حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً) أي حتى إذا رأى هؤلاء المشركون من الجن والإنس ما يوعدون يوم القيامة ، فسيعلمون يومئذ من أضعف ناصرا وأقل عددا ، هم أم المؤمنون الموحدون لله تعالى ، أي بل المشركون لا ناصر لهم بالكلية وهم أقل عددا من جنود اللهعزوجل.

(قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً (٢٥) عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (٢٦) إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً(٢٧) لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً)(٢٨)

يقول تعالى آمرا رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يقول للناس إنه لا علم له بوقت الساعة ولا يدري أقريب وقتها أم بعيد (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً) أي مدة طويلة ، وفي هذه الآية الكريمة دليل على أن الحديث الذي يتداوله كثير من الجهلة من أنه عليه الصلاة والسّلام لا يؤلف تحت الأرض كذب لا أصل له ، ولم نره في شيء من الكتب.

وقد كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم يسأل عن وقت الساعة فلا يجيب عنها ، ولما تبدى له جبريل في صورة أعرابي كان فيما سأله أن قال : يا محمد فأخبرني عن الساعة؟ قال : «ما المسؤول عنها بأعلم من السائل» ولما ناداه ذلك الأعرابي بصوت جهوري فقال : يا محمد متى الساعة؟ قال : «ويحك إنها كائنة فما أعددت لها؟» قال : أما إني لم أعد لها كثير صلاة ولا صيام ولكني أحب الله ورسوله قال : «فأنت مع من أحببت» قال أنس : فما فرح المسلمون بشيء فرحهم بهذا الحديث(١).

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن مصفّى ، حدثنا محمد بن حمير ، حدثني أبو بكر بن أبي مريم عن عطاء بن أبي رباح عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يا بني آدم إن كنتم تعقلون فعدوا أنفسكم من الموتى ، والذي نفسي بيده إنما توعدون لآت».

__________________

(١) أخرجه البخاري في الإيمان باب ٣٧ ، وتفسير سورة ٣١ ، باب ٢ ، ومسلم في الإيمان حديث ١ ، ٥ ، ٧ ، وأبو داود في السنة باب ١٦ ، والترمذي في الإيمان باب ٤ ، والنسائي في الإيمان باب ٥ ، ٦ ، وابن ماجة في المقدمة باب ٩ ، والفتن باب ٢٥ ، وأحمد في المسند ٢ / ٤٢٦.

٢٥٨

وقد قال أبو داود (١) في آخر كتاب الملاحم : حدثنا موسى بن سهل ، حدثنا حجاج بن إبراهيم ، حدثنا ابن وهب ، حدثني معاوية بن صالح عن عبد الرّحمن بن جبير عن أبيه عن أبي ثعلبة الخشني قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لن يعجز الله هذه الأمة من نصف يوم» انفرد به أبو داود ثم قال أبو داود : حدثنا عمرو بن عثمان ، حدثنا أبو المغيرة ، حدثني صفوان عن شريح بن عبيد عن سعد بن أبي وقاص عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إني لأرجو أن لا تعجز أمتي عند ربها أن يؤخرهم نصف يوم» قيل لسعد : وكم نصف يوم؟ قال : خمسمائة عام. انفرد به أبو داود.

وقوله تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) هذه كقوله تعالى : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ) [البقرة : ٢٢٥] وهكذا قال هاهنا إنه يعلم الغيب والشهادة وأنه لا يطلع أحد من خلقه على شيء من علمه إلا مما أطلعه تعالى عليه ، ولهذا قال : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) وهذا يعم الرسول الملكي والبشري.

ثم قال تعالى : (فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) أي يخصه بمزيد معقبات من الملائكة يحفظونه من أمر الله ويساوقونه على ما معه من وحي الله ، ولهذا قال : (لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) وقد اختلف المفسرون في الضمير الذي في قوله : (لِيَعْلَمَ) إلى من يعود؟ فقيل إنه عائد على النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقال ابن جرير (٢) : حدثنا ابن حميد حدثنا يعقوب القمي عن جعفر عن سعيد بن جبير في قوله : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) قال : أربعة حفظة من الملائكة مع جبريل (لِيَعْلَمَ) محمدصلى‌الله‌عليه‌وسلم (أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) ورواه ابن أبي حاتم من حديث يعقوب القمي به. وهكذا رواه الضحاك والسدي ويزيد بن أبي حبيب.

وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة (لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ) قال : ليعلم نبي الله أن الرسل قد بلّغت عن الله وأن الملائكة حفظتها ودفعت عنها ، وكذا رواه سعيد بن أبي عروبة عن قتادة واختاره ابن جرير ، وقيل غير ذلك كما رواه العوفي عن ابن عباس في قوله : (إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً) قال : هي معقبات من الملائكة يحفظون النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم من الشيطان حتى يتبين الذي أرسل به إليهم ، وذلك حين يقول ليعلم أهل الشرك أن قد أبلغوا رسالات ربهم. وكذا قال ابن أبي نجيح عن مجاهد (لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ) قال : ليعلم من كذب الرسل أن قد أبلغوا رسالات ربهم ، وفي هذا

__________________

(١) كتاب الملاحم باب ١٨.

(٢) تفسير الطبري ١٢ / ٢٧٧.

٢٥٩

نظر. وقال البغوي : قرأ يعقوب ليعلم بالضم أي ليعلم الناس أن الرسل قد أبلغوا. ويحتمل أن يكون الضمير عائدا إلى الله عزوجل ، وهو قول حكاه ابن الجوزي في زاد المسير ، ويكون المعنى في ذلك أنه يحفظ رسله بملائكته ليتمكنوا من أداء رسالاته ويحفظ ما ينزله إليهم من الوحي ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم ، ويكون ذلك كقوله تعالى : (وَما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ) [البقرة : ١٤٣] وكقوله تعالى : (وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ) [العنكبوت : ١١] إلى أمثال ذلك مع العلم بأنه تعالى يعلم الأشياء قبل كونها قطعا لا محالة ، ولهذا قال بعد هذا (وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً). آخر تفسير سورة الجن ، ولله الحمد والمنة.

تفسير سورة المزمل

وهي مكية

قال الحافظ أبو بكر بن عمرو بن عبد الخالق البزار : حدثنا محمد بن موسى القطان الواسطي ، حدثنا معلى بن عبد الرّحمن ، حدثنا شريك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر قال : اجتمعت قريش في دار الندوة فقالوا : سموا هذا الرجل اسما يصد الناس عنه ، فقالوا : كاهن. قالوا : ليس بكاهن. قالوا : مجنون. قالوا : ليس بمجنون. قالوا : ساحر. قالوا : ليس بساحر ، فتفرق المشركون على ذلك فبلغ ذلك النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فتزمل في ثيابه وتدثر فيها. فأتاه جبريل عليه‌السلام فقال: (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ) [المدثر : ١] ثم قال البزار : معلى بن عبد الرّحمن قد حدث عنه جماعة من أهل العلم واحتملوا حديثه لكنه تفرد بأحاديث لا يتابع عليها.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (٣) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً (٤) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً (٥) إِنَّ ناشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً (٦) إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً (٧) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً (٨) رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً)(٩)

يأمر تعالى رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يترك التزمل وهو التغطي في الليل وينهض إلى القيام لربه عزوجل كما قال تعالى : (تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) [السجدة : ١٦] وكذلك كان صلى‌الله‌عليه‌وسلم ممتثلا ما أمره الله تعالى به من قيام الليل ، وقد كان واجبا

٢٦٠