تفسير القرآن العظيم - ج ٧

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي

تفسير القرآن العظيم - ج ٧

المؤلف:

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2221-5

الصفحات: ٤٨٠

نيام» (١) ورواه الترمذي (٢) من حديث عبد الرحمن بن إسحاق وقال حسن غريب. وقد تكلم بعض أهل العلم فيه من قبل حفظه وقال الإمام أحمد (٣) حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن يحيى بن أبي كثير عن ابن معانق أو أبي معانق عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن في الجنة لغرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها أعدها لله تعالى لمن أطعم الطعام وألان الكلام وتابع الصيام وصلى والناس نيام» تفرد به أحمد من حديث عبد الله بن معانق الأشعري عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه به.

وقال الإمام أحمد (٤) : حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن أهل الجنة ليتراءون في الغرفة في الجنة كما تراءون الكوكب في أفق السماء» قال فحدثت بذلك النعمان بن أبي عياش فقال سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول : «كما تراءون الكوكب الدّرّي في الأفق الشرقي أو الغربي» (٥) أخرجاه في الصحيحين من حديث أبي حازم وأخرجاه أيضا في الصحيحين من حديث مالك عن صفوان بن سليم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقال الإمام أحمد (٦) : حدثنا فزارة أخبرني فليح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن أهل الجنة ليتراءون في الجنة أهل الغرف كما تراءون الكوكب الدري الغارب في الأفق الطالع في تفاضل أهل الدرجات ـ فقالوا يا رسول الله أولئك النبيون؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بلى والذي نفسي بيده أقوام آمنوا بالله وصدقوا الرسل» ورواه الترمذي عن سويد عن ابن المبارك عن فليح به وقال حسن صحيح.

وقال الإمام أحمد (٧) : حدثنا أبو النضر وأبو كامل قالا حدثنا زهير حدثنا سعد الطائي حدثنا أبو المدله مولى أم المؤمنين رضي الله عنهما أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول : قلنا يا رسول الله إنا إذا رأيناك رقت قلوبنا وكنا من أهل الآخرة فإذا فارقناك أعجبتنا الدنيا وشممنا النساء والأولاد قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو أنكم تكونون على كل حال على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة بأكفهم ولزارتكم في بيوتكم ، ولو لم تذنبوا لجاء الله عزوجل بقوم يذنبون

__________________

(١) مسند أحمد ١ / ١٥٥ ـ ١٥٦.

(٢) كتاب التفسير ، تفسير سورة ٣٨ ، باب ٢ ، ٤.

(٣) المسند ٥ / ٣٤٣.

(٤) المسند ٥ / ٣٤٠.

(٥) أخرجه البخاري في بدء الخلق باب ٨ ، ومسلم في الجنة حديث ١٠ ، ١١.

(٦) المسند ٢ / ٣٣٩.

(٧) المسند ٢ / ٣٠٤ ـ ٣٠٥.

٨١

كي يغفر لهم» قلنا : يا رسول الله حدثنا عن الجنة ما بناؤها؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لبنة ذهب ولبنة فضة وملاطها المسك الأذفر وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران من يدخلها ينعم ولا يبأس ويخلد ولا يموت ، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه ، ثلاث لا ترد دعوتهم : الإمام العادل والصائم حتى يفطر ودعوة المظلوم تحمل على الغمام وتفتح لها أبواب السموات ويقول الرب تبارك وتعالى وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين» (١) وروى الترمذي وابن ماجة بعضه من حديث سعد بن أبي مجاهد الطائي وكان ثقة عن أبي المدله وكان ثقة به.

وقوله تعالى : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) أي تسلك الأنهار من خلال ذلك كما يشاءون وأين أرادوا (وَعْدَ اللهِ) أي هذا الذي ذكرناه وعده الله عباده المؤمنين (لا يُخْلِفُ اللهُ الْمِيعادَ).

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٢١) أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٢٢)

يخبر تعالى أن أصل الماء من السماء كما قال عزوجل : (وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً) [الفرقان : ٤٨] فإذا أنزل الماء من السماء كمن في الأرض ثم يصرفه تعالى في أجزاء الأرض كما يشاء وينبعه عيونا ما بين صغار وكبار بحسب الحاجة إليها ولهذا قال تبارك وتعالى : (فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ) قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين حدثنا عمرو بن علي حدثنا أبو قتيبة عتبة بن يقظان عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ) قال ليس في الأرض ماء إلا نزل من السماء ولكن عروق في الأرض تغيره فذلك قوله تعالى : (فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ) فمن سره أن يعود الملح عذبا فليصعده ، وكذا قال سعيد بن جبير وعامر الشعبي أن كل ماء في الأرض فأصله من السماء ، وقال سعيد بن جبير أصله من الثلج يعني أن الثلج يتراكم على الجبال فيسكن في قرارها فتنبع العيون من أسافلها.

وقوله تعالى : (ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ) أي ثم يخرج بالماء النازل من السماء والنابع من الأرض زرعا مختلفا ألوانه أي أشكاله وطعومه وروائحه ومنافعه (ثُمَّ يَهِيجُ) أي بعد نضارته وشبابه يكتهل فتراه مصفرا قد خالطه اليبس (ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً) أي ثم يعود يابسا يتحطم (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) أي الذين يتذكرون بهذا فيعتبرون إلى أن الدنيا هكذا تكون خضرة نضرة حسناء ثم تعود عجوزا شوهاء والشاب يعود شيخا هرما كبيرا ضعيفا

__________________

(١) أخرجه الترمذي في الجنة باب ٢ ، والدارمي في الرقاق باب ١٠٠.

٨٢

وبعد ذلك كله الموت ، فالسعيد من كان حاله بعده إلى خير ، وكثيرا ما يضرب الله تعالى مثل الحياة الدنيا بما ينزل الله من السماء من ماء وينبت به زروعا وثمارا ثم يكون بعد ذلك حطاما كما قال تعالى : (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِراً) [الكهف : ٤٥].

وقوله تبارك وتعالى : (أَفَمَنْ شَرَحَ اللهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) أي هل يستوي هذا ومن هو قاسي القلب بعيد من الحق كقوله عزوجل : (أَوَمَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَجَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها) [الأنعام : ١٢٢] ولهذا قال تعالى : (فَوَيْلٌ لِلْقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللهِ) أي فلا تلين عند ذكره ولا تخشع ولا تعي ولا تفهم (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ).

(اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) (٢٣)

هذا مدح من الله عزوجل لكتابه القرآن العظيم المنزل على رسوله الكريم. قال الله تعالى : (اللهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ) قال مجاهد يعني القرآن كله متشابه مثاني ، وقال قتادة : الآية تشبه الآية ، والحرف يشبه الحرف وقال الضحاك : (مَثانِيَ) ترديد القول ليفهموا عن ربهم تبارك وتعالى وقال عكرمة والحسن : ثنى الله فيه القضاء زاد الحسن تكون السورة فيها آية وفي السورة الأخرى آية تشبهها (١) ، وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : (مَثانِيَ) مردد ردد موسى في القرآن وصالح وهود والأنبياء عليهم الصلاة والسلام في أمكنة كثيرة.

وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما : (مَثانِيَ) قال القرآن يشبه بعضه بعضا ويرد بعضه على بعض ، وقال بعض العلماء ويروى عن سفيان بن عيينة معنى قوله تعالى :

(مُتَشابِهاً مَثانِيَ) أنّ سياقات القرآن تارة تكون في معنى واحد فهذان من المتشابه وتارة تكون بذكر الشيء وضده كذكر المؤمنين ثم الكافرين وكصفة الجنة ثم صفة النار وما أشبه هذا فهذا من المثاني كقوله تعالى : (إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) [الانفطار : ١٣ ـ ١٤] وكقوله عزوجل : (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ) ـ إلى أن قال ـ (كَلَّا إِنَّ كِتابَ الْأَبْرارِ لَفِي عِلِّيِّينَ) [المطففين : ٧ ـ ١٨] (هذا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ) ـ إلى أن قال ـ (هذا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ) [ص : ٤٩ ـ ٥٥] ونحو هذا من السياقات فهذا كله من المثاني أي في معنيين اثنين وأما إذا كان السياق كله في معنى واحد يشبه بعضه بعضا فهو المتشابه وليس هذا من المتشابه المذكور في قوله تعالى : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) [آل عمران : ٧] ذاك معنى آخر. وقوله تعالى : (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ

__________________

(١) تفسير الطبري ١٠ / ٦٢٨.

٨٣

جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) أي هذه صفة الأبرار ، عند سماع كلام الجبار ، المهيمن العزيز الغفار ، لما يفهمون من الوعد والوعيد ، والتخويف والتهديد تقشعر منه جلودهم من الخشية والخوف (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) لما يرجون ويؤملون من رحمته ولطفه فهم مخالفون لغيرهم من الفجار من وجوه.

[أحدها] أن سماع هؤلاء هو تلاوة الآيات وسماع أولئك نغمات الأبيات من أصوات القينات (١) [الثاني] أنهم إذا تليت عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا بأدب وخشية ورجاء ومحبة وفهم وعلم كما قال تبارك وتعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) [الأنفال : ٢ ـ ٤] وقال تعالى : (وَالَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْها صُمًّا وَعُمْياناً) [الفرقان : ٧٣] أي لم يكونوا عند سماعها متشاغلين لاهين عنها بل مصغين إليها فاهمين بصيرين بمعانيها فلهذا إنما يعملون بها ويسجدون عندها عن بصيرة لا عن جهل ومتابعة لغيرهم.

[الثالث] أنهم يلزمون الأدب عند سماعها كما كان الصحابة رضي الله عنهم عند سماعهم كلام الله تعالى من تلاوة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم تقشعر جلودهم ثم تلين مع قلوبهم إلى ذكر الله. ولم يكونوا يتصارخون ولا يتكلفون بما ليس فيهم بل عندهم من الثبات والسكون والأدب والخشية ما لا يلحقهم أحد في ذلك ولهذا فازوا بالمدح من الرب الأعلى في الدنيا والآخرة. قال عبد الرزاق حدثنا معمر قال تلا قتادة رحمه‌الله (تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) قال هذا نعت أولياء الله ، نعتهم الله عزوجل بأن تقشعر جلودهم وتبكي أعينهم وتطمئن قلوبهم إلى ذكر الله ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم إنما هذا في أهل البدع ، وهذا من الشيطان.

وقال السدي (ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللهِ) أي إلى وعد الله ، وقوله : (ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) أي هذه صفة من هداه الله ومن كان على خلاف ذلك فهو ممن أضله الله (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) [الرعد : ٣٣].

(أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ(٢٤) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (٢٥) فَأَذاقَهُمُ اللهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (٢٦)

يقول تعالى : (أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ) ويقرع فيقال له ولأمثاله من

__________________

(١) القينات : المغنيات.

٨٤

الظالمين (ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) كمن يأتي آمنا يوم القيامة كما قال عزوجل : (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلى وَجْهِهِ أَهْدى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الملك : ٢٢] وقال جل وعلا : (يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ) [القمر : ٤٨] وقال تبارك وتعالى : (أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ) [فصلت : ٤٠] واكتفى في هذه الآية بأحد القسمين عن الآخر. كقول الشاعر : [الوافر]

فما أدري إذا يمّمت أرضا

أريد الخير أيهما يليني (١)

يعني الخير أو الشر. وقوله جلت عظمته : (كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) يعني القرون الماضية المكذبة للرسل أهلكهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق ، وقوله جل وعلا : (فَأَذاقَهُمُ اللهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) أي بما أنزل بهم من العذاب والنكال وتشفي المؤمنين بهم ، فليحذر المخاطبون من ذلك فإنهم قد كذبوا أشرف الرسل وخاتم الأنبياء صلى‌الله‌عليه‌وسلم والذي أعده الله جل جلاله لهم في الآخرة من العذاب الشديد أعظم مما أصابهم في الدنيا ولهذا قال عزوجل : (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ).

(وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٢٧) قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٢٨) ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٢٩) إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) (٣١)

يقول تعالى : (وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ) أي بينا للناس فيه بضرب الأمثال (لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) فإن المثل يقرب المعنى إلى الأذهان كما قال تبارك وتعالى : (ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ) [الروم : ٢٨] أي تعلمونه من أنفسكم ، وقال عزوجل : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) [العنكبوت : ٤٣].

وقوله جل وعلا : (قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ) أي هو قرآن بلسان عربي مبين لا اعوجاج فيه ولا انحراف ولا لبس بل هو بيان ووضوح وبرهان ، وإنما جعله الله تعالى كذلك ، وأنزله بذلك (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أي يحذرون ما فيه من الوعيد ويعملون بما فيه من الوعد. ثم قال : (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ) أي يتنازعون في ذلك العبد المشترك بينهم (وَرَجُلاً سَلَماً) أي سالما (لِرَجُلٍ) أي خالصا لرجل لا يملكه أحد غيره (هَلْ يَسْتَوِيانِ

__________________

(١) البيت للمثقب العبدي في ديوانه ص ٢١٢ ، وخزانة الأدب ١١ / ٨٠ ، وشرح اختيارات المفضل ص ١٢٦٧ ، وشرح شواهد المغني ١ / ١٩١ ، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ١٤٥ ، وخزانة الأدب ٦ / ٣٧.

٨٥

مَثَلاً) أي لا يستوي هذا وهذا. كذلك لا يستوي المشرك الذي يعبد آلهة مع الله والمؤمن المخلص الذي لا يعبد إلا الله وحده لا شريك له؟ فأين هذا من هذا؟ قال ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وغير واحد : هذه الآية ضربت مثلا للمشرك والمخلص ، ولما كان هذا المثل ظاهرا بينا جليا قال : (الْحَمْدُ لِلَّهِ) أي على إقامة الحجة عليهم (بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أي فلهذا يشركون بالله.

وقوله تبارك وتعالى : (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) هذه الآية من الآيات التي استشهد بها الصديق رضي الله عنه عند موت الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم حتى تحقق الناس موته مع قوله عزوجل : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ ماتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلى أَعْقابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشَّاكِرِينَ) [آل عمران : ١٤٤] ومعنى هذه الآية أنكم ستنقلون من هذه الدار لا محالة وستجتمعون عند الله تعالى في الدار الآخرة وتختصمون فيما أنتم فيه في الدنيا من التوحيد والشرك بين يدي الله عزوجل فيفصل بينكم ويفتح بالحق وهو الفتاح العليم ، فينجي المؤمنين المخلصين الموحدين. ويعذب الكافرين الجاحدين المشركين المكذبين. ثم إن هذه الآية وإن كان سياقها في المؤمنين والكافرين وذكر الخصومة بينهم في الدار الآخرة فإنها شاملة لكل المتنازعين في الدنيا فإنه تعاد عليهم الخصومة في الدار الآخرة.

وقال ابن أبي حاتم رحمه‌الله : حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ حدثنا سفيان عن محمد بن عمرو عن أبي حاطب ـ يعني يحيى بن عبد الرحمن ـ عن ابن الزبير رضي الله عنهما قال لما نزلت (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) قال الزبير رضي الله عنه : يا رسول الله أتكرر علينا الخصومة؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نعم» قال رضي الله عنه : إن الأمر إذا لشديد (١) :

وكذا رواه الإمام أحمد (٢) عن سفيان وعنده زيادة ، ولما نزلت (ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) [التكاثر : ٨] قال الزبير رضي الله عنه : أي رسول الله أي نعيم نسأل عنه وإنما يعني هما الأسودان : التمر والماء ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أما إن ذلك سيكون» وقد روى هذه الزيادة الترمذي وابن ماجة من حديث سفيان به وقال الترمذي : حسن وقال الإمام أحمد (٣) أيضا : حدثنا ابن نمير حدثنا محمد ـ يعني ابن عمرو ـ عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن عبد الله بن الزبير عن الزبير بن العوام رضي الله عنه قال : لما نزلت هذه السورة على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) قال الزبير رضي الله عنه : أي رسول الله أيكرر

__________________

(١) أخرجه الترمذي في تفسير سورة ٣٩ ، باب ١.

(٢) المسند ١ / ١٦٤.

(٣) المسند ١ / ١٦٧.

٨٦

علينا ما كان بيننا في الدنيا مع خواص الذنوب؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نعم ليكررن عليكم حتى يؤدى إلى كل ذي حق حقه» قال الزبير رضي الله عنه : والله إن الأمر لشديد ، ورواه الترمذي من حديث محمد بن عمرو به وقال حسن صحيح.

وقال الإمام أحمد (١) : حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا ابن لهيعة عن أبي عشّانة عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أول الخصمين يوم القيامة جاران» تفرد به أحمد.

وقال الإمام أحمد (٢) أيضا : حدثنا حسن بن موسى حدثنا ابن لهيعة حدثنا دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «والذي نفسي بيده إنه ليختصم حتى الشاتان فيما انتطحتا» تفرد به أحمد رحمه‌الله.

وفي المسند (٣) عن أبي ذر رضي الله عنه أنه قال : رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم شاتين تنتطحان فقال : «أتدري فيم تنتطحان يا أبا ذر؟» قلت : لا قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ولكن الله يدري وسيحكم بينهما» وقال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا سهل بن بحر حدثنا حيان بن أغلب حدثنا أبي حدثنا ثابت عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «يجاء بالإمام الجائر الخائن يوم القيامة فتخاصمه الرعية فيفلجون عليه فيقال له سد ركنا من أركان جهنم» ثم قال الأغلب بن تميم ليس بالحافظ.

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) يقول : يخاصم الصادق الكاذب ، والمظلوم الظالم ، والمهتدي الضال ، والضعيف المستكبر (٤) ، وقد روى ابن مندة في كتاب «الروح» عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال : يختصم الناس يوم القيامة حتى تختصم الروح مع الجسد فتقول الروح للجسد أنت فعلت ويقول الجسد للروح أنت أمرت وأنت سولت فيبعث الله ملكا يفصل بينهما فيقول لهما إنّ مثلكما كمثل رجل مقعد بصير والآخر ضرير دخلا بستانا فقال المقعد للضرير إني أرى هاهنا ثمارا ولكن لا أصل إليها فقال له الضرير اركبني فتناولها فركبه فتناولها فأيهما المعتدي؟ فيقولان كلاهما فيقول لهما الملك فإنكما قد حكمتما على أنفسكما ، يعني أن الجسد للروح كالمطية وهي راكبه.

وقال ابن أبي حاتم حدثنا جعفر بن أحمد بن عوسجة حدثنا ضرار حدثنا أبو سلمة الخزاعي منصور بن سلمة حدثنا القمي ـ يعني يعقوب بن عبد الله عن جعفر بن المغيرة عن سعيد بن

__________________

(١) المسند ٤ / ١٥١.

(٢) المسند ٣ / ٢٩.

(٣). ٥ / ١٦٢.

(٤) انظر تفسير الطبري ١١ / ٣.

٨٧

جبير عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : نزلت هذه الآية وما نعلم في أي شيء نزلت (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) قلنا من نخاصم؟ ليس بيننا وبين أهل الكتاب خصومة فمن نخاصم؟ حتى وقعت الفتنة فقال ابن عمر رضي الله عنهما : هذا الذي وعدنا ربنا عزوجل نختصم فيه. ورواه النسائي عن محمد بن عامر عن منصور بن سلمة به ، وقال أبو العالية في قوله تبارك وتعالى : (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ) قال : يعني أهل القبلة ، وقال ابن زيد : يعني أهل الإسلام وأهل الكفر ، وقد قدمنا أن الصحيح العموم والله سبحانه وتعالى أعلم.

(فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ (٣٢) وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (٣٣) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ (٣٤) لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) (٣٥)

يقول عزوجل مخاطبا المشركين الذين افتروا على الله وجعلوا معه آلهة أخرى وادعوا أن الملائكة بنات الله وجعلوا لله ولدا تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا ، ومع هذا كذبوا بالحق إذ جاءهم على ألسنة رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ولهذا قال عزوجل : (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ) أي لا أحد أظلم من هذا لأنه جمع بين طرفي الباطل كذب على الله وكذب رسول الله قالوا الباطل وردوا الحق ولهذا قال جلت عظمته متوعدا لهم : (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ) وهم الجاحدون المكذبون. ثم قال جل وعلا : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) قال مجاهد وقتادة والربيع بن أنس وابن زيد : الذي جاء بالصدق هو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال السدي : هو جبريل عليه‌السلام (وَصَدَّقَ بِهِ) يعني محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ) قال : من جاء بلا إله إلا الله (وَصَدَّقَ بِهِ) يعني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقرأ الربيع بن أنس والذين جاءوا بالصدق يعني الأنبياء وصدقوا به يعني الأتباع. وقال ليث بن أبي سليم عن مجاهد (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) قال : أصحاب القرآن المؤمنون يجيئون يوم القيامة فيقولون هذا ما أعطيتمونا فعملنا فيه بما أمرتمونا. وهذا القول عن مجاهد يشمل كل المؤمنين فإن المؤمنين يقولون الحق ويعملون به والرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم أولى الناس بالدخول في هذه الآية على هذا التفسير فإنه جاء بالصدق وصدق المرسلين وآمن بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله

__________________

(١) تفسير الطبري ١١ / ٦.

٨٨

وملائكته وكتبه ورسله.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ) هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (وَصَدَّقَ بِهِ) المسلمون (أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) قال ابن عباس رضي الله عنهما : اتقوا الشرك (١) (لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) يعني في الجنة مهما طلبوا وجدوا (ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) كما قال عزوجل في الآية الأخرى : (أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ) [الأحقاف : ١٦].

(أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ(٣٦) وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ (٣٧) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ (٣٨) قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣٩) مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ) (٤٠)

يقول تعالى : (أَلَيْسَ اللهُ بِكافٍ عَبْدَهُ) وقرأ بعضهم «عباده» (٢) يعني أنه تعالى يكفي من عبده وتوكل عليه وقال ابن أبي حاتم هاهنا : حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب حدثنا عمي حدثنا أبو هانئ عن أبي علي عمرو بن مالك الجنبي عن فضالة بن عبيد الأنصاري رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «أفلح من هدي إلى الإسلام وكان عيشه كفافا وقنع به» (٣) ورواه الترمذي والنسائي من حديث حيوة بن شريح عن أبي هانئ الخولاني به وقال الترمذي صحيح.

(وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) يعني المشركين يخوفون الرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم ويتوعدونه بأصنامهم وآلهتهم التي يدعونها من دون الله جهلا منهم وضلالا ولهذا قال عزوجل : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقامٍ) أي منيع الجناب لا يضام من استند إلى جنابه ولجأ إلى بابه فإنه العزيز الذي لا أعز منه ولا أشد انتقاما منه ممن كفر به وأشرك وعاند رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وقوله تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ

__________________

(١) تفسير الطبري ١١ / ٦.

(٢) انظر تفسير الطبري ١١ / ٧.

(٣) أخرجه مسلم في الزكاة حديث ١٢٥ ، والترمذي في الزهد باب ٣٥ ، وابن ماجة في الزهد باب ٩ ، وأحمد في المسند ٢ / ١٦٨ ، ١٧٣.

٨٩

لَيَقُولُنَّ اللهُ) يعني المشركين كانوا يعترفون بأن الله عزوجل هو الخالق للأشياء كلها ومع هذا يعبدون معه غيره مما لا يملك لهم ضرا ولا نفعا ولهذا قال تبارك تعالى : (قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ ما تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ أَرادَنِيَ اللهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كاشِفاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكاتُ رَحْمَتِهِ) أي لا تستطيع شيئا من الأمر.

وذكر ابن أبي حاتم هاهنا حديث قيس بن الحجاج عن حنش الصنعاني عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا «احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يضروك ، ولو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله لك لم ينفعوك ، جفت الصحف ورفعت الأقلام واعمل لله بالشكر في اليقين. واعلم أن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا. وأن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسرا» (١) (قُلْ حَسْبِيَ اللهُ) أي الله كافيّ عليه توكلت و (عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) كما قال هود عليه الصلاة والسلام حين قال له قومه (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [هود : ٥٤ ـ ٥٦].

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن عصام الأنصاري حدثنا عبد الله بن بكر السهمي حدثنا محمد بن حاتم عن أبي المقدام مولى آل عثمان عن محمد بن كعب القرظي حدثنا ابن عباس رضي الله عنهما رفع الحديث إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله تعالى ، ومن أحب أن يكون أغنى الناس فليكن بما في يد الله عزوجل أوثق منه بما في يديه ، ومن أحب أن يكون أكرم الناس فليتق الله عزوجل».

وقوله تعالى : (قُلْ يا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) أي على طريقتكم وهذا تهديد ووعيد (إِنِّي عامِلٌ) أي على طريقتي ومنهجي (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) أي ستعلمون غب ذلك ووباله (مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ) أي في الدنيا (وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ) أي دائم مستمر لا محيد له عنه وذلك يوم القيامة ، أعادنا الله منها.

(إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ (٤١) اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٤٢)

__________________

(١) أخرجه أحمد في المسند ١ / ٣٠٧ ـ ٣٠٨.

٩٠

يقول تعالى مخاطبا رسوله محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (إِنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ) يعني القرآن (لِلنَّاسِ بِالْحَقِ) أي لجميع الخلق من الإنس والجن لتنذرهم به (فَمَنِ اهْتَدى فَلِنَفْسِهِ) أي فإنما يعود نفع ذلك إلى نفسه (وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) أي إنما يرجع وبال ذلك على نفسه (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ) أي بموكل أن يهتدوا (إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) [هود : ١٢] (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ) [الرعد : ٤٠]. ثم قال تعالى مخبرا عن نفسه الكريمة بأنه المتصرف في الوجود بما يشاء وأنه يتوفى الأنفس الوفاة الكبرى بما يرسل من الحفظة الذين يقبضونها من الأبدان والوفاة الصغرى عند المنام كما قال تبارك وتعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) [الأنعام : ٦٠ ـ ٦١] فذكر الوفاتين الصغرى ثم الكبرى وفي هذه الآية ذكر الكبرى ثم الصغرى ولهذا قال تبارك وتعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرى إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) فيه دلالة على أنه تجتمع في الملأ الأعلى كما ورد بذلك الحديث المرفوع الذي رواه ابن مندة وغيره.

وفي صحيحي البخاري ومسلم من حديث عبيد الله بن عمر عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا آوى أحدكم إلى فراشه فلينفضه بداخلة إزاره فإنه لا يدري ما خلفه عليه ثم ليقل باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه إن أمسكت نفسي فارحمها وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين» (١). وقال بعض السلف تقبض أرواح الأموات إذا ماتوا وأرواح الأحياء إذا ناموا فتتعارف ما شاء الله تعالى أن تتعارف (فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ) التي قد ماتت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى. قال السدي إلى بقية أجلها ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما يمسك أنفس الأموات ويرسل أنفس الأحياء ولا يغلط (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ شُفَعاءَ قُلْ أَوَلَوْ كانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلا يَعْقِلُونَ (٤٣) قُلْ لِلَّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٤٤) وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (٤٥)

يقول تعالى ذاما للمشركين في اتخاذهم شفعاء من دون الله وهم الأصنام والأنداد التي اتخذوها من تلقاء أنفسهم بلا دليل ولا برهان حداهم على ذلك وهي لا تملك شيئا من الأمر بل

__________________

(١) أخرجه البخاري في الدعوات باب ١٢ ، ومسلم في الذكر حديث ٦٢.

٩١

وليس لها عقل تعقل به ولا سمع تسمع به ولا بصر تبصر به بل هي جمادات أسوأ من الحيوان بكثير ، ثم قال : قل أي يا محمد لهؤلاء الزاعمين أن ما اتخذوه من شفعاء لهم عند الله تعالى أخبرهم أن الشفاعة لا تنفع عند الله إلا لمن ارتضاه وأذن له فمرجعها كلها إليه (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) [البقرة : ٢٥٥].

(لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي هو المتصرف في جميع ذلك (ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) أي يوم القيامة فيحكم بينكم بعدله ويجزي كلا بعمله ، ثم قال تعالى ذاما للمشركين أيضا : (وَإِذا ذُكِرَ اللهُ وَحْدَهُ) أي إذا قيل لا إله إلا الله وحده (اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) قال مجاهد اشمأزت انقبضت وقال السدي نفرت وقال قتادة كفرت واستكبرت وقال مالك عن زيد بن أسلم استكبرت كما قال تعالى : (إِنَّهُمْ كانُوا إِذا قِيلَ لَهُمْ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ يَسْتَكْبِرُونَ) [الصافات : ٣٥] أي عن المتابعة والانقياد لها فقلوبهم لا تقبل الخير ومن لم يقبل الخير يقبل الشر ولذلك قال تبارك تعالى : (وَإِذا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ) أي من الأصنام والأنداد قاله مجاهد (إِذا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) أي يفرحون ويسرون.

(قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٤٦) وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ (٤٧) وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٤٨)

يقول تبارك وتعالى بعد ما ذكر عن المشركين ما ذكر من المذمة لهم في حبهم الشرك ونفرتهم عن التوحيد (قُلِ اللهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أي ادع أنت الله وحده لا شريك له الذي خلق السموات والأرض وفطرها أي جعلها على غير مثال سبق (عالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) أي السر والعلانية (أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) أي في دنياهم ستفصل بينهم يوم معادهم ونشورهم وقيامهم من قبورهم.

قال مسلم (١) في صحيحه : حدثنا عبد بن حميد حدثنا عمر بن يونس حدثنا عكرمة بن عمار حدثنا يحيى بن أبي كثير حدثني أبو سلمة بن عبد الرحمن قال : سألت عائشة رضي الله عنها بأي شيء كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يفتتح صلاته إذا قام من الليل؟ قالت رضي الله عنها كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا قام من الليل افتتح صلاته «اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم».

__________________

(١) كتاب صلاة المسافرين حديث ٢٠٠.

٩٢

وقال الإمام أحمد (١) : حدثنا عفان حدثنا حماد بن سلمة وأخبرنا سهيل بن أبي صالح وعبد الله بن عثمان بن خثيم عن عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «من قال اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة إني أعهد إليك في هذه الدنيا أني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك فإنك إن تكلني إلى نفسي تقربني من الشر وتباعدني من الخير ، وإني لا أثق إلا برحمتك فاجعل لي عندك عهدا توفينيه يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد ، إلا قال عزوجل لملائكته يوم القيامة : إن عبدي قد عهد إلي عهدا فأوفوه إياه فيدخله الله الجنة» قال سهيل : فأخبرت القاسم بن عبد الرحمن أن عونا أخبر بكذا وكذا فقال : ما في أهلنا جارية إلا وهي تقول هذا في خدرها انفرد به الإمام أحمد.

وقال الإمام أحمد (٢) حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة حدثني حيي بن عبد الله أن أبا عبد الرحمن حدثه قال أخرج لنا عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قرطاسا وقال : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يعلمنا يقول : اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت رب كل شيء وإله كل شيء أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك والملائكة يشهدون ، أعوذ بك من الشيطان وشركه ، وأعوذ بك من أن أقترف على نفسي إثما أو أجره إلى مسلم. قال أبو عبد الرحمن رضي الله عنه كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعلمه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن يقول ذلك حين يريد أن ينام ، تفرد به أحمد أيضا.

وقال الإمام أحمد (٣) أيضا : حدثنا خلف بن الوليد حدثنا ابن عياش عن محمد بن زياد الألهاني عن أبي راشد الحبراني قال : أتيت عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما فقلت له حدثنا ما سمعت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فألقى بين يدي صحيفة فقال : هذا ما كتب لي رسول الله فنظرت فيها فإذا فيها أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال : يا رسول الله علمني ما أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «يا أبا بكر قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة لا إله إلا أنت رب كل شيء ومليكه أعوذ بك من شر نفسي وشر الشيطان وشركه أو أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم» ورواه الترمذي (٤) عن الحسن بن عرفة عن إسماعيل بن عياش به وقال حسن غريب من هذا الوجه.

وقال الإمام أحمد (٥) : حدثنا هاشم حدثنا شيبان عن ليث عن مجاهد قال : قال أبو بكر

__________________

(١) المسند ١ / ٤١٢.

(٢) المسند ٢ / ١٧١.

(٣) المسند ٢ / ١٩٦.

(٤) كتاب الدعوات باب ٩٤.

(٥) المسند ١ / ١٤.

٩٣

الصديق : أمرني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن أقول إذا أصبحت وإذا أمسيت وإذا أخذت مضجعي من الليل: اللهم فاطر السموات والأرض إلخ.

وقوله عزوجل : (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا) وهم المشركون (ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ) أي ولو أن جميع ما في الأرض وضعفه معه (لَافْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ) أي الذي أوجبه الله تعالى لهم يوم القيامة ومع هذا لا يقبل منهم الفداء ولو كان ملء الأرض ذهبا كما قال في الآية الأخرى : (وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) أي وظهر لهم من الله من العذاب والنكال بهم ما لم يكن في بالهم ولا في حسابهم (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) أي وظهر لهم جزاء ما اكتسبوا في الدار الدنيا من المحارم والمآثم (وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي وأحاط بهم من العذاب والنكال ما كانوا يستهزئون به في الدار الدنيا.

(فَإِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعانا ثُمَّ إِذا خَوَّلْناهُ نِعْمَةً مِنَّا قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٤٩) قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٥٠) فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (٥١) أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (٥٢)

يقول تبارك وتعالى مخبرا عن الإنسان أنه في حال الضراء يتضرع إلى الله عزوجل وينيب إليه ويدعوه وإذا خوله نعمة منه بغى وطغى وقال (إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ) أي لما يعلم الله تعالى من استحقاقي له ولو لا أني عند الله خصيص لما خولني هذا ، قال قتادة على علم عندي على خير عندي (١) قال الله عزوجل : (بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ) أي ليس الأمر كما زعم بل إنما أنعمنا عليه بهذه النعمة لنختبره فيما أنعمنا عليه أيطيع أم يعصي مع علمنا المقتدم بذلك فهي فتنة أي اختبار (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) فلهذا يقولون ما يقولون ويدعون ما يدعون.

(قَدْ قالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) أي قد قال هذه المقالة وزعم هذا الزعم وادعى هذه الدعوى كثير ممن سلف من الأمم (فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) أي فما صح قولهم ولا منعهم جمعهم وما كانوا يكسبون (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هؤُلاءِ) أي من المخاطبين (سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا) أي كما أصاب أولئك (وَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ) كما قال تبارك وتعالى مخبرا عن قارون أنه قال له قومه (لا تَفْرَحْ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ وَابْتَغِ فِيما آتاكَ اللهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ)

__________________

(١) انظر تفسير الطبري ١١ / ١٢.

٩٤

[القصص : ٧٦ ـ ٧٨] وقال تعالى : (وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالاً وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) [سبأ : ٣٥] وقوله تبارك وتعالى : (أَوَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ) أي يوسعه على قوم ويضيقه على آخرين (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) أي لعبرا وحججا.

(قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣) وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (٥٤) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٥٥) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (٥٦) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (٥٧) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٨) بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) (٥٩)

هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة وإخبار بأن الله تبارك وتعالى يغفر الذنوب جميعا لمن تاب منها ورجع عنها وإن كانت مهما كانت وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر ، ولا يصح حمل هذه على غير توبة لأن الشرك لا يغفر لمن لم يتب منه.

وقال البخاري (١) : حدثنا إبراهيم بن موسى أخبرنا هشام بن يوسف أن ابن جريج أخبرهم قال يعلى أن سعيد بن جبير أخبره عن ابن عباس رضي الله عنهما أن ناسا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا ، وزنوا فأكثروا ، فأتوا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالوا : إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزل (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ) [الفرقان : ٦٨] ونزل (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) (٢) وهكذا رواه مسلم وأبو داود والنسائي من حديث ابن جريج عن يعلى بن مسلم المكي عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما به. والمراد من الآية الأولى قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً) [الفرقان : ٧٠] الآية.

وقال الإمام أحمد (٣) حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة حدثنا أبو قبيل قال : سمعت أبا عبد الرحمن المزني يقول : سمعت ثوبان مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «ما أحب أن لي الدنيا وما فيها بهذه الآية (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) إلى آخر الآية فقال رجل يا رسول الله فمن أشرك؟ فسكت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قال : «ألا ومن أشرك»

__________________

(١) كتاب التفسير ، تفسير سورة ٣٩.

(٢) أخرجه مسلم في الإيمان حديث ١٩٣ ، والنسائي في التحريم باب ٢.

(٣) المسند ٥ / ٢٧٥.

٩٥

ثلاث مرات تفرد به الإمام أحمد.

وقال الإمام أحمد (١) أيضا حدثنا سريج بن النعمان حدثنا نوح بن قيس عن أشعث بن جابر الحداني عن مكحول عن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال : جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم شيخ كبير يدعم على عصا له فقال : يا رسول الله لي غدرات وفجرات فهل يغفر لي؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألست تشهد أن لا إله إلا الله؟» قال : بلى وأشهد أنك رسول الله فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قد غفر لك غدراتك وفجراتك» تفرد به أحمد.

وقال الإمام أحمد (٢) حدثنا يزيد بن هارون حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقرأ : (إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) وسمعته صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) ولا يبالي (إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) ورواه أبو داود والترمذي من حديث ثابت به. فهذه الأحاديث كلها دالة على أن المراد أنه يغفر جميع ذلك مع التوبة ولا يقنطن عبد من رحمة الله وإن عظمت ذنوبه وكثرت فإن باب الرحمة والتوبة واسع قال الله تعالى : (أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) [التوبة : ١٠٤].

وقال عزوجل : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً) [النساء : ١١٠] وقال جل وعلا في حق المنافقين : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا) [النساء : ١٤٥ ـ ١٤٦] وقال جل جلاله : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ثم قال جلت عظمته : (أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المائدة : ٧٣ ـ ٧٤].

وقال تبارك وتعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا) [البروج : ١٠] قال الحسن البصري رحمة الله عليه انظروا إلى هذا الكرم والجود قتلوا أولياءه وهو يدعوهم إلى التوبة والمغفرة والآيات في هذا كثيرة جدا.

وفي الصحيحين عن أبي سعيد رضي الله عنه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حديث الذي قتل تسعا وتسعين نفسا ثم ندم وسأل عابدا من عباد بني إسرائيل هل له من توبة ، فقال : لا فقتله وأكمل به مائة ثم سأل عالما من علمائهم هل له من توبة فقال ومن يحول بينك وبين التوبة. ثم أمره بالذهاب إلى قرية يعبد الله فيها فقصدها فأتاه الموت في أثناء الطريق فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فأمر الله عزوجل أن يقيسوا ما بين الأرضين فإلى أيهما كان أقرب فهو

__________________

(١) المسند ٤ / ٣٨٥.

(٢) المسند ٦ / ٤٥٤.

٩٦

منها فوجدوه أقرب إلى الأرض التي هاجر إليها بشير فقبضته ملائكة الرحمة (١) ، وذكر أنه نأى بصدره عند الموت وأن الله تبارك وتعالى أمر البلدة الخيرة أن تقترب وأمر تلك البلدة أن تتباعد ، هذا معنى الحديث وقد كتبناه في موضع آخر بلفظه.

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله عزوجل : (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) إلى آخر الآية قال قد دعا الله تعالى إلى مغفرته من زعم أن المسيح هو الله ومن زعم أن المسيح هو ابن الله ومن زعم أن عزيزا ابن الله ومن زعم أن الله فقير ومن زعم أن يد الله مغلولة ومن زعم أن الله ثالث ثلاثة يقول الله تعالى لهؤلاء : (أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ثم دعا إلى توبته من هو أعظم قولا من هؤلاء ، من قال أنا ربكم الأعلى وقال : (ما عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرِي) قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من آيس عباد الله من التوبة بعد هذا فقد جحد كتاب الله عزوجل ، ولكن لا يقدر العبد أن يتوب حتى يتوب الله عليه.

وروى الطبراني من طريق الشعبي عن شتير بن شكل أنه قال سمعت ابن مسعود يقول إن أعظم آية في كتاب الله (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) [البقرة : ٢٥٥] وإن أجمع آية في القرآن بخير وشر (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ) [النحل : ٩٠] وإن أكثر آية في القرآن فرجا في سورة الزمر (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) وإن أشد آية في كتاب الله (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) [الطلاق: ٢] فقال له مسروق صدقت. وقال الأعمش عن أبي سعيد عن أبي الكنود قال مر عبد الله يعني ابن مسعود رضي الله عنه على قاص وهو يذكر الناس فقال يا مذكر لم تقنط الناس من رحمة الله؟ ثم قرأ (قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ) رواه ابن أبي حاتمرحمه‌الله.

[ذكر أحاديث فيها نفي القنوط]

قال الإمام أحمد (٢) : حدثنا سريج بن النعمان حدثنا أبو عبيدة عبد المؤمن بن عبيد الله حدثني أخشن السدوسي قال : دخلت على أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه فقال سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «والذي نفسي بيده لو أخطأتم حتى تملأ خطاياكم ما بين السماء والأرض ثم استغفرتم الله تعالى لغفر لكم ، والذي نفس محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيده لو لم تخطئوا لجاء الله عزوجل بقوم يخطئون ثم يستغفرون الله فيغفر لهم» تفرد به أحمد.

__________________

(١) أخرجه البخاري في الأنبياء باب ٥٤ ، ومسلم في التوبة حديث ٤٦ ، ٤٧ ، وابن ماجة في الديات باب ٢ ، وأحمد في المسند ٣ / ٢٠ ، ٧٣.

(٢) المسند ٣ / ٢٣٨.

٩٧

وقال الإمام أحمد (١) : حدثنا إسحاق بن عيسى حدثني ليث حدثني محمد بن قيس قاص عمر بن عبد العزيز عن أبي صرمة عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أنه قال حين حضرته الوفاة قد كنت كتمت منكم شيئا سمعته من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول «لولا أنكم تذنبون لخلق الله عزوجل قوما يذنبون فيغفر لهم» (٢) هكذا رواه الإمام أحمد وأخرجه مسلم في صحيحه والترمذي جميعا عن قتيبة عن الليث بن سعد به. ورواه مسلم من وجه آخر به عن محمد بن كعب القرظي عن أبي صرمة وهو الأنصاري صحابي عن أبي أيوب رضي الله عنهما به.

وقال الإمام أحمد (٣) حدثنا أحمد بن عبد الملك الحراني حدثنا يحيى بن عمرو بن مالك النكري قال سمعت أبي يحدث عن أبي الجوزاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كفارة الذنب الندامة» وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لو لم تذنبوا لجاء الله تعالى بقوم يذنبون فيغفر لهم» تفرد به أحمد. وقال عبد الله ابن الإمام أحمد حدثني عبد الأعلى بن حماد النرسي حدثنا داود بن عبد الرحمن حدثنا أبو عبد الله مسلمة بن عبد الله الرازي عن أبي عمرو البجلي عن عبد الملك بن سفيان الثقفي عن أبي جعفر محمد بن علي عن محمد ابن الحنفية عن أبيه علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله تعالى يحب العبد المفتن التواب» (٤) ولم يخرجوه من هذا الوجه.

وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا حماد حدثنا ثابت وحميد عن عبد الله بن عبيد بن عمير قال : إن إبليس لعنه الله تعالى قال يا رب إنك أخرجتني من الجنة من أجل آدم وإني لا أستطيعه إلا بسلطانك قال فأنت مسلط ، قال يا رب زدني ، قال لا يولد له ولد إلا ولد لك مثله ، قال يا رب زدني قال أجعل صدورهم مساكن لكم وتجرون منهم مجرى الدم قال يا رب زدني قال أجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا ، فقال آدم عليه الصلاة والسلام يا رب قد سلطته علي وإني لا أمتنع إلا بك قال تبارك وتعالى لا يولد لك ولد إلا وكلت به من يحفظه من قرناء السوء ، قال يا رب زدني قال الحسنة عشر أو أزيد والسيئة واحدة أو أمحوها قال يا رب زدني قال باب التوبة مفتوح ما كان الروح في الجسد قال يا رب زدني قال : (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ).

وقال محمد بن إسحاق قال نافع عن عبد الله بن عمر عن عمر رضي الله عنه في حديثه قال وكنا نقول ما الله بقابل ممن افتتن صرفا ولا عدلا ولا توبة ، عرفوا الله ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء

__________________

(١) المسند ٥ / ٤١٤.

(٢) أخرجه مسلم في التوبة حديث ١١ ، ٩٢.

(٣) المسند ١ / ٢٨٩.

(٤) أخرجه أحمد في المسند ١ / ٨٠ ، ١٠٣.

٩٨

أصابهم قال وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم قال فلما قدم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المدينة أنزل الله تعالى فيهم وفي قولنا وقولهم لأنفسهم (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) قال عمر رضي الله عنه فكتبتها بيدي في صحيفة وبعثت بها إلى هشام بن العاص رضي الله عنه قال : فقال هشام لما أتتني جعلت أقرؤها بذي طوى أصعد بها فيه وأصوت ولا أفهمها حتى قلت اللهم أفهمنيها فألقى الله عزوجل في قلبي أنها إنما نزلت فينا وفيما كنا نقول في أنفسنا ويقال فينا قال فرجعت إلى بعيري فجلست عليه فلحقت برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالمدينة.

ثم استحث تبارك وتعالى عباده إلى المسارعة إلى التوبة فقال : (وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ) إلخ ، أي ارجعوا إلى الله واستسلموا له (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ) أي بادروا بالتوبة والعمل الصالح قبل حلول النقمة (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) وهو القرآن العظيم (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) أي من حيث لا تعلمون ولا تشعرون ثم قال عزوجل : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ) أي يوم القيامة يتحسر المجرم المفرط في التوبة والإنابة ويود لو كان من المحسنين المخلصين المطيعين للهعزوجل.

وقوله تبارك وتعالى : (وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) أي إنما كان عملي في الدنيا عمل ساخر مستهزىء غير موقن مصدق (أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) أي تود أن لو أعيدت إلى الدنيا لتحسن العمل.

قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أخبر الله سبحانه وتعالى ما العباد قائلون قبل أن يقولوه وعملهم قبل أن يعملوه. وقال تعالى : (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) [فاطر : ١٤] (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ).

وقد قال الإمام أحمد (١) حدثنا أسود حدثنا أبو بكر عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كل أهل النار يرى مقعده من الجنة فيقول لو أن الله هداني فتكون عليه حسرة ، قال وكل أهل الجنة يرى مقعده من النار فيقول لولا أن الله هداني قال فيكون له الشكر» ورواه النسائي من حديث أبي بكر بن عياش به. ولما تمنى أهل

__________________

(١) المسند ٢ / ٥١٢.

٩٩

الجرائم العود إلى الدنيا وتحسروا على تصديق آيات الله واتباع رسله قال الله سبحانه وتعالى : (بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ) أي قد جاءتك أيها العبد النادم على ما كان منه آياتي في الدار الدنيا وقامت حججي عليك فكذبت بها واستكبرت عن اتباعها وكنت من الكافرين بها الجاحدين لها.

(وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (٦٠) وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (٦١)

يخبر تعالى عن يوم القيامة أنه تسود فيه وجوه وتبيض فيه وجوه ، تسود وجوه أهل الفرقة والاختلاف ، وتبيض وجوه أهل السنة والجماعة قال تعالى هاهنا : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ) أي في دعواهم له شريكا وولدا (وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) أي بكذبهم وافترائهم وقوله تعالى : (أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ) أي أليست جهنم كافية لهم سجنا وموئلا لهم فيها الخزي والهوان بسبب تكبرهم وتجبرهم وإبائهم عن الانقياد للحق.

قال ابن أبي حاتم حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي ابن وهب حدثنا عمي حدثنا عيسى بن أبي عيسى الخياط عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن المتكبرين يحشرون يوم القيامة أشباه الذر في صور الناس يعلوهم كل شيء من الصغار حتى يدخلوا سجنا من النار في واد يقال له بولس من نار الأنيار ويسقون من عصارة أهل النار ومن طينة الخبال». وقوله تبارك وتعالى : (وَيُنَجِّي اللهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ) أي بما سبق لهم من السعادة والفوز عند الله (لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ) أي يوم القيامة (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) أي ولا يحزنهم الفزع الأكبر بل هم آمنون من كل فزع مزحزحون عن كل شر مؤملون كل خير.

(اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (٦٢) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (٦٣) قُلْ أَفَغَيْرَ اللهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ(٦٤) وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (٦٥) بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (٦٦)

يخبر تعالى أنه خالق الأشياء كلها وربها ومليكها والمتصرف فيها وكل تحت تدبيره وقهره وكلاءته ، وقوله عزوجل : (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) قال مجاهد : المقاليد هي المفاتيح بالفارسية ، وكذا قال قتادة وابن زيد وسفيان بن عيينة ، وقال السدي (لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي خزائن السموات والأرض ، والمعنى على كلا القولين أن أزمة الأمور بيده تبارك وتعالى له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ولهذا قال جل وعلا : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ) أي حججه وبراهينه (أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ).

١٠٠