تفسير القرآن العظيم - ج ٧

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي

تفسير القرآن العظيم - ج ٧

المؤلف:

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2221-5

الصفحات: ٤٨٠

والغرض أنه لم يجبه عن وقت الساعة بل أمره بالاستعداد لها.

وقوله تعالى : (أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السَّاعَةِ) أي يجادلون في وجودها ويدفعون وقوعها (لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) أي في جهل بين ، لأن الذي خلق السموات والأرض قادر على إحياء الموتى بطريق الأولى والأخرى ، كما قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الروم : ٢٧].

(اللهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (١٩) مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ(٢٠) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٢١) تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (٢٢)

يقول تعالى مخبرا عن لطفه بخلقه في رزقه إياهم عن آخرهم لا ينسى أحدا منهم ، سواء في رزقه البر والفاجر ، كقوله عزوجل : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [هود : ٦] ولها نظائر كثيرة ، وقوله جل وعلا : (يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ) أي يوسع على من يشاء (وَهُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) أي لا يعجزه شيء ثم قال عزوجل : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ) أي عمل الآخرة (نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ) أي نقويه ونعينه على ما هو بصدده ونكثر نماءه ونجزيه بالحسنة عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى ما يشاء الله (وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) أي ومن كان إنما سعيه ليحصل له شيء من الدنيا وليس له إلى الآخرة هم البتة بالكلية حرمه الله الآخرة والدنيا إن شاء أعطاه منها وإن لم يشأ لم يحصل لا هذه ولا هذه ، وفاز هذا الساعي بهذه النية بالصفقة الخاسرة في الدنيا والآخرة ، والدليل على هذا أن هذه الآية هاهنا مقيدة بالآية التي في سبحان وهي قوله تبارك وتعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً. انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) [الإسراء : ١٨ ـ ٢١].

وقال الثوري عن مغيرة عن أبي العالية عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : قال

__________________

ـ ١٦٥ ، والترمذي في الزهد باب ٥٠ ، والدعوات باب ٩٨ ، والدارمي في الرقاق باب ٧١ ، وأحمد في المسند ١ / ٣٩٢ ، ٣ / ١٠٤ ، ١١٠ ، ١٥٩ ، ١٦٥ ، ١٦٧ ، ١٦٨ ، ١٧٢ ، ١٧٨ ، ١٩٨ ، ٢٠٠ ، ٢٠٢ ، ٢٠٧ ، ٢٠٨ ، ٢١٣ ، ٢٢٢ ، ٢٢٦ ، ٢٢٨ ، ٢٥٥ ، ٢٦٨ ، ٢٧٦ ، ٢٨٣ ، ٢٨٨ ، ٣٣٦ ، ٣٩٤ ، ٤ / ١٠٧ ، ١٦٠ ، ٢٣٩ ، ٢٤١ ، ٣٩٢ ، ٣٩٥ ، ٣٩٨ ، ٤٠٥.

١٨١

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والنصر والتمكين في الأرض فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة من نصيب» (١) وقوله جل وعلا : (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ ما لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللهُ) أي هم لا يتبعون ما شرع الله لك من الدين القويم بل يتبعون ما شرع لهم شياطينهم من الجن والإنس من تحريم ما حرموا عليهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحام ، وتحليل أكل الميتة والدم والقمار إلى نحو ذلك من الضلالات والجهالة الباطلة التي كانوا قد اخترعوها في جاهليتهم من التحليل والتحريم والعبادات الباطلة والأقوال الفاسدة.

وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «رأيت عمرو بن لحي بن قمعة يجر قصبه في النار» (٢) لأنه أول من سيب السوائب ، وكان هذا الرجل أحد ملوك خزاعة وهو أول من فعل هذه الأشياء وهو الذي حمل قريشا على عبادة الأصنام لعنه الله وقبحه ولهذا قال تعالى : (وَلَوْ لا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ) أي لعوجلوا بالعقوبة لولا ما تقدم من الإنظار إلى يوم المعاد (إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي شديد موجع في جهنم وبئس المصير.

ثم قال تعالى : (تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا) أي في عرصات القيامة (وَهُوَ واقِعٌ بِهِمْ) أي الذي يخافون منه واقع بهم لا محالة هذا حالهم يوم معادهم وهم في هذا الخوف والوجل (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ) فأين هذا من هذا؟ أين من هو في العرصات في الذل والهوان والخوف المحقق عليه بظلمه ممن هو في روضات الجنات فيما يشاء من مآكل ومشارب وملابس ومساكن ومناظر ومناكح وملاذ فيما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. قال الحسن بن عرفة : حدثنا عمرو بن عبد الرحمن الآبار ، حدثنا محمد بن سعد الأنصاري عن أبي طيبة قال إن الشرب من أهل الجنة لتظلهم السحابة فتقول ما أمطركم؟ قال فما يدعو داع من القوم بشيء إلا أمطرتهم حتى أن القائل منهم ليقول أمطرينا كواعب أترابا. ورواه ابن جرير عن الحسن بن عرفة به ، ولهذا قال تعالى : (ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) أي الفوز العظيم والنعمة التامة السابغة الشاملة العامة.

(ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (٢٣) أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٢٤)

يقول تعالى لما ذكر روضات الجنات ، لعباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات (ذلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي هذا حاصل لهم كائن لا محالة ببشارة الله

__________________

(١) أخرجه أحمد في المسند ٥ / ١٣٤.

(٢) أخرجه البخاري في المناقب باب ٩ ، ومسلم في الجنة حديث ٥٠.

١٨٢

تعالى لهم به. وقوله عزوجل : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين من كفار قريش لا أسألكم على هذا البلاغ والنصح لكم ما لا تعطونيه وإنما أطلب منكم أن تكفوا شركم عني وتذروني أبلغ رسالات ربي إن لم تنصروني فلا تؤذوني بما بيني وبينكم من القرابة.

قال البخاري : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة قال : سمعت طاوسا يحدث عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن قوله تعالى (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) فقال سعيد بن جبير : قربى آل محمد فقال ابن عباس : عجلت إن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة فقال إلا أن تصلوا ما بيني وبينكم من القرابة (١) ، انفرد به البخاري ، ورواه الإمام أحمد عن يحيى القطان عن شعبة به ، وهكذا روى عامر الشعبي والضحاك وعلي بن أبي طلحة والعوفي ويوسف بن مهران وغير واحد عن ابن عباس رضي الله عنهما مثله ، وبه قال مجاهد وعكرمة وقتادة والسدي وأبو مالك وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم.

وقاله الحافظ أبو القاسم الطبراني : حدثنا هشام بن القاسم بن يزيد الطبراني وجعفر القلانسي قالا : حدثنا آدم بن أبي إياس ، حدثنا شريك عن خصيف عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال لهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودوني في نفسي لقرابتي منكم وتحفظوا القرابة التي بيني وبينكم» وروى الإمام أحمد (٢) عن حسن بن موسى ، حدثنا قزعة يعني ابن سويد وبن أبي حاتم عن أبيه عن مسلم بن إبراهيم عن قزعة بن سويد عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا أسألكم على ما آتيتكم من البينات والهدى أجرا إلا أن توادوا الله وأن تقربوا إليه بطاعته» وهكذا روى قتادة عن الحسن البصري مثله وهذا كأنه تفسير بقول ثان كأنه يقول (إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) أي إلا أن تعملوا بالطاعة التي تقربكم عند الله زلفى. وقول ثالث وهو ما حكاه البخاري وغيره رواية عن سعيد بن جبير ما معناه أنه قال معنى ذلك أن تودوني في قرابتي أي تحسنوا إليهم وتبروهم.

وقال السدي عن أبي الديلم قال : لما جيء بعلي بن الحسين رضي الله عنه أسيرا فأقيم على درج دمشق قام رجل من أهل الشام فقال الحمد لله الذي قتلكم واستأصلكم وقطع قرني الفتنة (٣) فقال له علي بن الحسين رضي الله عنه : أقرأت القرآن؟ قال : نعم ، قال : أقرأت آل حم؟ قال: قرأت القرآن ولم أقرأ آل حم ، قال : ما قرأت (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ

__________________

(١) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٤٢ باب ١ ، وأحمد في المسند ١ / ٢٢٩ ، ٢٨٣.

(٢) المسند ١ / ٢٦٨.

(٣) أي استأصل الفتنة.

١٨٣

فِي الْقُرْبى) قال : وإنكم لأنتم هم؟ قال : نعم ، وقال أبو إسحاق السبيعي : سألت عمرو بن شعيب عن قوله تبارك وتعالى : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) فقال : قربى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم رواهما ابن جرير (١).

ثم قال ابن جرير (٢) : حدثنا أبو كريب ، حدثنا مالك بن إسماعيل ، حدثنا عبد السلام ، حدثني يزيد بن أبي زياد عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : قالت الأنصار : فعلنا وفعلنا وكأنهم فخروا ، فقال ابن عباس أو العباس رضي الله عنهما ـ شك عبد السلام ـ لنا الفضل عليكم فبلغ ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأتاهم في مجالسهم فقال : «يا معشر الأنصار ألم تكونوا أذلة فأعزكم الله بي؟» قالوا بلى يا رسول الله قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألم تكونوا ضلالا فهداكم الله بي؟» قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : «أفلا تجيبوني؟» قالوا : ما نقول يا رسول الله؟ قال : «ألا تقولون ألم يخرجك قومك فآويناك أولم يكذبوك فصدقناك أولم يخذلوك فنصرناك» قال : فما زالصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول حتى جثوا على الركب ، وقالوا : أموالنا في أيدينا لله ولرسوله ، قال : فنزلت (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) وهكذا رواه ابن أبي حاتم عن علي بن الحسين عن عبد المؤمن بن علي ، عن عبد السلام عن يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف بإسناده مثله أو قريبا منه.

وفي الصحيحين في قسم غنائم حنين قريب من هذا السياق ولكن ليس فيه ذكر نزول هذه الآية ، وذكر نزولها في المدينة فيه نظر لأن السورة مكية وليس يظهر بين هذه الآية وبين السياق مناسبة ، والله أعلم.

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا رجل سماه ، حدثنا حسين الأشقر عن قيس عن الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه ، قال : لما نزلت هذه الآية (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) قالوا : يا رسول الله ، من هؤلاء الذين أمر الله بمودتهم؟ قال : «فاطمة وولدها رضي الله عنهما» وهذا إسناد ضعيف فيه مبهم لا يعرف عن شيخ شيعي مخترق وهو حسين الأشقر ولا يقبل خبره في هذا المحل ، وذكر نزول الآية في المدينة بعيد فإنها مكية ولم يكن إذ ذاك لفاطمة رضي الله عنها أولاد بالكلية فإنها لم تتزوج بعلي رضي الله عنه إلا بعد بدر من السنة الثانية من الهجرة والحق تفسير هذه الآية بما فسرها به حبر الأمة وترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما كما رواه عنه البخاري ولا تنكر الوصاة بأهل البيت والأمر بالإحسان إليهم واحترامهم وإكرامهم ، فإنهم من ذرية طاهرة من أشرف بيت وجد على وجه الأرض فخرا وحسبا ونسبا ، ولا سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية

__________________

(١) انظر تفسير الطبري ١١ / ١٤٤.

(٢) تفسير الطبري ١١ / ١٤٤.

١٨٤

الصحيحة الواضحة الجلية ، كما كان عليه سلفهم كالعباس وبنيه وعلي وأهل بيته وذريته رضي الله عنهم أجمعين.

وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في خطبته بغدير خم : «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ، وإنهما لم يفترقا حتى يردا على الحوض» (١) وقال الإمام أحمد (٢) : حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال : قلت : يا رسول الله إن قريشا إذا لقي بعضهم بعضا لقوهم ببشر حسن ، وإذا لقونا لقونا بوجوه لا نعرفها ، قال : فغضب النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم غضبا شديدا وقال «والذي نفسي بيده لا يدخل قلب الرجل الإيمان حتى يحبكم لله ورسوله».

ثم قال أحمد (٣) : حدثنا جرير عن يزيد بن أبي زياد ، عن عبد الله بن الحارث عن عبد المطلب بن ربيعة ، قال : دخل العباس رضي الله عنه على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إنا لنخرج فنرى قريشا تحدث ، فإذا رأونا سكتوا ، فغضب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ودر عرق بين عينيه ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «والله لا يدخل قلب امرئ مسلم إيمان حتى يحبكم لله ولقرابتي» ، وقال البخاري : حدثنا عبد الله بن عبد الوهاب ، حدثنا خالد ، حدثنا شعبة عن واقد قال : سمعت أبي يحدث عن ابن عمر رضي الله عنهما عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : ارقبوا محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم في أهل بيته (٤). وفي الصحيح أن الصديق رضي الله عنه قال لعلي رضي الله عنه : والله لقرابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي (٥) ، وقال عمر بن الخطاب للعباس رضي الله عنهما والله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم ، لأن إسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من إسلام الخطاب. فحال الشيخين رضي الله عنهما هو الواجب على كل أحد أن يكون كذلك ، ولهذا كانا أفضل المؤمنين بعد النبيين والمرسلين رضي الله عنهما وعن سائر الصحابة أجمعين.

وقال الإمام أحمد (٦) رحمه‌الله : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم عن أبي حيان التيمي ، حدثني يزيد بن حيان قال : انطلقت أنا وحصين بن ميسرة وعمر بن مسلم إلى زيد بن أرقم رضي الله عنه ، فلما جلسنا إليه قال حصين : لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا ، رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وسمعت حديثه وغزوت معه وصليت معه ، لقد رأيت يا زيد خيرا كثيرا ، حدثنا يا زيد ما سمعت من

__________________

(١) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة حديث ٣٦ ، ٣٧ ، والدارمي في فضائل القرآن باب ١.

(٢) المسند ١ / ٢٠٧.

(٣) المسند ١ / ٢٠٧ ، ٢٠٨.

(٤) أخرجه البخاري في فضائل الصحابة باب ١٢ ، ٢٢ ، ومسلم في الإيمان حديث ٢٠٥.

(٥) أخرجه البخاري في المغازي باب ٣٨.

(٦) المسند ٤ / ٢٦٦ ، ٢٦٧.

١٨٥

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال : يا ابن أخي والله لقد كبر سني وقدم عهدي ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فما حدثتكم فاقبلوه وما لا فلا تكلفونيه ، ثم قال رضي الله عنه : قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يوما خطيبا فينا بماء يدعى خما بين مكة والمدينة ، فحمد الله تعالى وأثنى عليه وذكر ووعظ ، ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أما بعد ، ألا أيها الناس إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب ، وإني تارك فيكم الثقلين أولهما كتاب الله تعالى فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به» فحث على كتاب الله ورغب فيه وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «وأهل بيتي أذكركم في أهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي» فقال له حصين : ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال : إن نساءه لسن من أهل بيته ولكن أهل بيته من حرم عليه الصدقة بعده ، قال : ومن هم؟ قال : هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل العباس رضي الله عنهم ، قال : أكل هؤلاء حرم عليه الصدقة؟ قال : نعم (١) ، وهكذا رواه مسلم والنسائي من طرق يزيد بن حيّان به.

وقال أبو عيسى الترمذي : حدثنا علي بن المنذر الكوفي ، حدثنا محمد بن فضيل ، حدثنا الأعمش عن عطية عن أبي سعيد والأعمش عن حبيب بن أبي ثابت ، عن زيد بن أرقم رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي : أحدهما أعظم من الآخر : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، والآخر عترة أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما» (٢) تفرد بروايته ثم قال : هذا حديث حسن غريب. وقال الترمذي (٣) أيضا : حدثنا نصر بن عبد الرحمن الكوفي ، حدثنا زيد بن الحسن عن جعفر بن محمد بن الحسن عن أبيه عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب ، فسمعته يقول : «يا أيها الناس إني تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي» تفرد به الترمذي أيضا ، وقال : حسن غريب ، وفي الباب عن أبي ذر وأبي سعيد وزيد بن أرقم وحذيفة بن أسيد رضي الله عنهم.

ثم قال الترمذي (٤) أيضا : حدثنا أبو داود سليمان بن الأشعث ، حدثنا يحيى بن معين ، حدثنا هشام بن يوسف عن عبد الله بن سليمان النوفلي ، عن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس عن أبيه عن جده عبد الله بن عباس رضي الله عنهم ، قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أحبوا الله تعالى لما يغذوكم من نعمه ، وأحبوني بحب الله وأحبوا أهل بيتي بحبي» ثم قال : حسن غريب إنما نعرفه من هذا الوجه ، وقد أوردنا أحاديث أخر عند قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ

__________________

(١) أخرجه مسلم في فضائل الصحابة حديث ٣٧.

(٢) أخرجه الترمذي في المناقب باب ٣١.

(٣) كتاب المناقب باب ٣١.

(٤) كتاب المناقب باب ٣١.

١٨٦

عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب : ٣٣] بما أغنى عن إعادتها هاهنا ، ولله الحمد والمنة. وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا سويد بن سعيد ، حدثنا مفضل بن عبد الله عن أبي إسحاق عن حنش ، قال : سمعت أبا ذر رضي الله عنه وهو آخذ بحلقة الباب يقول : يا أيها الناس من عرفني فقد عرفني ، ومن أنكرني فأنا أبو ذر سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إنما مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح عليه الصلاة والسلام من دخلها نجا ، ومن تخلف عنها هلك» هذا بهذا الإسناد ضعيف.

وقوله عزوجل : (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً) أي ومن يعمل حسنة (نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً) أي أجرا وثوابا ، كقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) [النساء : ٤٠] ، وقال بعض السلف : إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها ، ومن جزاء السيئة السيئة بعدها. وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) أي يغفر الكثير من السيئات ويكثر القليل من الحسنات ، فيستر ويغفر ويضاعف فيشكر ، وقوله جل وعلا : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً فَإِنْ يَشَإِ اللهُ يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ) أي لو افتريت عليه كذبا كما يزعم هؤلاء الجاهلون (يَخْتِمْ عَلى قَلْبِكَ) أي يطبع على قلبك ويسلبك ما كان آتاك من القرآن ، كقوله جل جلاله : (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) [الحاقة : ٤٠ ـ ٤٧] أي لانتقمنا منه أشد الانتقام ، وما قدر أحد من الناس أن يحجز عنه.

وقوله جلت عظمته : (وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ) ليس معطوفا على قوله (يَخْتِمْ) فيكون مجزوما بل هو مرفوع على الابتداء. قاله ابن جرير ، قال : وحذفت من كتابته الواو في رسم مصحف الإمام ، كما حذفت في قوله : (سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ) [العلق : ١٨] وقوله تعالى : (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ) [الإسراء : ١١]. وقوله عزوجل (وَيُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ) معطوف على (وَيَمْحُ اللهُ الْباطِلَ وَيُحِقُّ الْحَقَ) أي يحققه ويثبته ويبينه ويوضحه بكلماته ، أي بحججه وبراهينه (إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي بما تكنه الضمائر وتنطوي عليه السرائر.

(وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ (٢٥) وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ(٢٦) وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ (٢٧) وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) (٢٨)

يقول تعالى ممتنا على عباده بقبول توبتهم إليه إذا تابوا ورجعوا إليه أنه من كرمه وحلمه أن يعفو ويصفح ويستر ويغفر ، وكقوله عزوجل : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُوراً رَحِيماً) [النساء : ١١٠] وقد ثبت في صحيح مسلم رحمة الله عليه ، حيث قال :

١٨٧

حدثنا محمد بن الصباح وزهير بن حرب قالا : حدثنا عمر بن يونس ، حدثنا عكرمة بن عمار ، حدثنا إسحاق بن أبي طلحة ، حدثني أنس بن مالك ، وهو عمه رضي الله عنه. قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لله تعالى أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كانت راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته ، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده ، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي وأنا ربك ـ أخطأ من شدة الفرح» (١). وقد ثبت أيضا في الصحيح من رواية عبد الله بن مسعود رضي الله عنه نحوه.

وقال عبد الرزاق عن معمر ، عن الزهري في قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) إن أبا هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لله أشد فرحا بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته في المكان الذي يخاف أن يقتله فيه العطش» وقال همام بن الحارث : سئل ابن مسعود رضي الله عنه عن الرجل يفجر بالمرأة ثم يتزوجها؟ قال : لا بأس به ، وقرأ (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ) الآية ، رواه ابن جرير (٢) وابن أبي حاتم من حديث شريح القاضي عن إبراهيم بن مهاجر عن إبراهيم النخعي ، عن همام فذكره ، وقوله عزوجل : (وَيَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ) أي يقبل التوبة في المستقبل ، ويعفو عن السيئات في الماضي (وَيَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ) أي هو عالم بجميع ما فعلتم وصنعتم وقلتم ومع هذا يتوب على من تاب إليه.

وقوله تعالى : (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) قال السدي : يعني يستجيب لهم ، وكذا قال ابن جرير (٣) : معناه يستجيب الدعاء لهم ولأصحابهم وإخوانهم ، وحكاه عن بعض النحاة ، وأنه جعلها كقوله عزوجل : (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ) [آل عمران : ١٩٥] ثم روى هو وابن أبي حاتم من حديث الأعمش عن شقيق بن سلمة ، عن سلمة بن سبرة قال : خطبنا معاذ رضي الله عنه بالشام ، فقال : أنتم المؤمنون وأنتم أهل الجنة ، والله إني لأرجو أن يدخل الله تعالى من تسبون من فارس والروم الجنة وذلك بأن أحدكم إذا عمل له ـ يعني أحدهم عملا قال : أحسنت رحمك الله ، أحسنت بارك الله فيك ثم قرأ (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ).

وحكى ابن جرير عن بعض أهل العربية أنه جعل قوله : (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا) كقوله (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ) [الزمر : ١٨] أي هم الذين يستجيبون للحق ويتبعونه كقوله تبارك وتعالى : (إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللهُ) [الأنعام : ٣٦] والمعنى الأول أظهر لقوله تعالى : (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) أي يستجيب دعاءهم ويزيدهم فوق ذلك. ولهذا قال

__________________

(١) أخرجه مسلم في التوبة حديث ٧.

(٢) تفسير الطبري ١١ / ١٤٧.

(٣) تفسير الطبري ١١ / ١٤٧ ، ١٤٨.

١٨٨

ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا محمد بن المصفى ، حدثنا بقية ، حدثنا إسماعيل بن عبد الله الكندي ، حدثنا الأعمش عن شقيق عن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في قوله تعالى : (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) قال «الشفاعة لمن وجبت له النار ممن صنع إليهم معروفا في الدنيا» وقال قتادة عن إبراهيم النخعي اللخمي في قوله عزوجل : (وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) قال : يشفعون في إخوانهم (وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) قال : يشفعون في إخوان إخوانهم. وقوله عزوجل (وَالْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ) لما ذكر المؤمنين وما لهم من الثواب الجزيل ذكر الكافرين وما لهم عنده يوم القيامة من العذاب الشديد الموجع المؤلم يوم معادهم وحسابهم.

وقوله تعالى : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ) أي لو أعطاهم فوق حاجتهم من الرزق لحملهم ذلك على البغي والطغيان من بعضهم على بعض أشرا وبطرا.

وقال قتادة : كان يقال خير العيش ما لا يلهيك ولا يطغيك ، وذكر قتادة حديث «إنما أخاف عليكم ما يخرج الله تعالى من زهرة الحياة الدنيا» وسؤال السائل : أيأتي الخير بالشر؟ الحديث. وقوله عزوجل : (وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) أي ولكن يرزقهم من الرزق ما يختاره مما فيه صلاحهم وهو أعلم بذلك فيغني من يستحق الغنى ويفقر من يستحق الفقر كما جاء في الحديث المروي «إن من عبادي من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه وإن من عبادي من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه».

وقوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا) أي من بعد إياس الناس من نزول المطر ينزله عليهم في وقت حاجتهم وفقرهم إليه كقوله عزوجل : (وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ) [الروم : ٤٩] وقوله جل جلاله : (وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ) أي يعم بها الوجود على أهل ذلك القطر وتلك الناحية. قال قتادة : ذكر لنا أن رجلا قال لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : يا أمير المؤمنين قحط المطر وقنط الناس. فقال عمر رضي الله عنه : مطرتم ثم قرأ (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) أي هو المتصرف لخلقه بما ينفعهم في دنياهم وأخراهم وهو المحمود العاقبة في جميع ما يقدره ويفعله.

(وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَهُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ (٢٩) وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ (٣٠) وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (٣١)

يقول تعالى : (وَمِنْ آياتِهِ) الدالة على عظمته وقدرته العظيمة وسلطانه القاهر (خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما) أي ذرأ فيهما في السموات والأرض (مِنْ دابَّةٍ) وهذا يشمل الملائكة والإنس والجن وسائر الحيوانات على اختلاف أشكالهم وألوانهم ولغاتهم وطباعهم

١٨٩

وأجناسهم وأنواعهم وقد فرقهم في أرجاء أقطار السموات والأرض (وَهُوَ) مع هذا كله (عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ) أي يوم القيامة يجمع الأولين والآخرين وسائر الخلائق في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر فيحكم فيهم بحكمه العدل الحق.

وقوله عزوجل : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) أي مهما أصابكم أيها الناس من المصائب فإنما هي عن سيئات تقدمت لكم (وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) أي من السيئات فلا يجازيكم عليها بل يعفو عنها (وَلَوْ يُؤاخِذُ اللهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ) [فاطر : ٤٥] وفي الحديث الصحيح «والذي نفسي بيده ما يصيب المؤمن من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن إلا كفر الله عنه بها من خطاياه حتى الشوكة يشاكها» (١). وقال ابن جرير (٢) : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن علية ، حدثنا أيوب قال : قرأت في كتاب أبي قلابة قال نزلت (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ) [الزلزلة : ٧ ـ ٨] وأبو بكر رضي الله عنه يأكل فأمسك وقال : يا رسول الله إني أرى ما عملت من خير وشر ، فقال : «أرأيت ما رأيت مما تكره ، فهو من مثاقيل ذر الشر وتدخر مثاقيل الخير حتى تعطاه يوم القيامة» وقال : قال أبو إدريس : فإني أرى مصداقها في كتاب الله تعالى : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) ثم رواه من وجه آخر عن أبي قلابة عن أنس رضي الله عنه قال والأول أصح.

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا محمد بن عيسى بن الطباع ، حدثنا مروان بن معاوية الفزاري ، حدثنا الأزهر بن راشد الكاهلي عن الخضر بن القواس البجلي عن أبي سخيلة عن علي رضي الله عنه قال : ألا أخبركم بأفضل آية في كتاب الله عزوجل ، وحدثنا به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) وسأفسرها لك يا علي : ما أصابكم من مرض أو عقوبة أو بلاء في الدنيا فبما كسبت أيديكم والله تعالى أحلم من أن يثني عليه العقوبة في الآخرة وما عفا الله عنه في الدنيا فالله تعالى أكرم من أن يعود بعد عفوه» وكذا رواه الإمام أحمد (٣) عن مروان بن معاوية وعبدة عن أبي سخيلة قال : قال علي رضي الله عنه فذكر نحوه مرفوعا.

ثم روى ابن أبي من وجه آخر موقوفا فقال : حدثنا أبي ، حدثنا منصور بن أبي مزاحم ، حدثنا أبو سعيد بن أبي الوضاح عن أبي الحسن عن أبي جحيفة قال دخلت على علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال : ألا أحدثكم بحديث ينبغي لكل مؤمن أن يعيه؟ قال : فسألناه فتلا هذه الآية (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) قال ما عاقب الله تعالى به في الدنيا فالله أحلم من أن يثني عليه بالعقوبة يوم القيامة وما عفا الله عنه في الدنيا فالله أكرم

__________________

(١) أخرجه البخاري في المرضى باب ١ ، ومسلم في البر حديث ٥٢.

(٢) تفسير الطبري ١١ / ١٥٠.

(٣) المسند ١ / ٨٥.

١٩٠

من أن يعود عفوه يوم القيامة. وقال الإمام أحمد (١) : حدثنا يعلى بن عبيد ، حدثنا طلحة يعني ابن يحيى عن أبي بردة عن معاوية هو ابن أبي سفيان رضي الله عنهما قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «ما من شيء يصيب المؤمن في جسده يؤذيه إلا كفر الله تعالى عنه به من سيئاته» وقال الإمام أحمد (٢) أيضا : حدثنا حسين عن زائدة عن ليث عن مجاهد عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إذا كثرت ذنوب العبد ولم يكن له ما يكفرها ابتلاه الله تعالى بالحزن ليكفرها».

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي ، حدثنا أبو أسامة عن إسماعيل بن مسلم عن الحسن هو البصري قال في قوله تبارك وتعالى : (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) قال لما نزلت قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «والذي نفس محمد بيده ما من خدش عود ولا اختلاج (٣) عرق ولا عثرة قدم إلا بذنب وما يعفو الله عنه أكثر». وقال أيضا : حدثنا أبي ، حدثنا عمر بن علي ، حدثنا هشيم عن منصور عن الحسن عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : دخل عليه بعض أصحابه وقد كان ابتلي في جسده فقال له بعضهم إنا لنبتئس لك لما نرى فيك ، قال فلا تبتئس بما ترى فإن ما ترى بذنب وما يعفو الله عنه أكثر ثم تلا هذه الآية (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ).

وحدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن عبد الحميد الحماني ، حدثنا جرير عن أبي البلاد قال : قلت للعلاء بن بدر (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ) وقد ذهب بصري وأنا غلام؟ قال فبذنوب والديك. وحدثنا أبي ، حدثنا علي بن محمد الطنافسي ، حدثنا وكيع عن عبد العزيز بن أبي رواد عن الضحاك قال : ما نعلم أحدا حفظ القرآن ثم نسيه إلا بذنب ثم قرأ الضحاك (وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) ثم يقول الضحاك : وأي مصيبة أعظم من نسيان القرآن.

(وَمِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ (٣٢) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَواكِدَ عَلى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣٣) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (٣٤) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) (٣٥)

يقول تعالى ومن آياته الدالة على قدرته الباهرة وسلطانه تسخيره البحر لتجري فيه الفلك بأمره وهي الجواري في البحر كالأعلام أي كالجبال ، قاله مجاهد والحسن والسدي والضحاك : أي هذه في البحر كالجبال في البر (إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ) أي التي تسير في البحر

__________________

(١) المسند ٤ / ٩٨.

(٢) المسند ٦ / ١٥٧.

(٣) اختلاج عرق : أي اضطراب عرق.

١٩١

بالسفن لو شاء لسكنها حتى لا تتحرك السفن بل تبقى راكدة لا تجيء ولا تذهب بل واقفة على ظهره أي على وجه الماء (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ) أي في الشدائد (شَكُورٍ) أي إن في تسخيره البحر وإجرائه الهوى بقدر ما يحتاجون إليه لسيرهم لدلالات على نعمة تعالى على خلقه لكل صبار أي في الشدائد (شَكُورٍ) في الرخاء. وقوله عزوجل (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا) أي ولو شاء لأهلك السفن وغرقها بذنوب أهلها الذين هم راكبون عليها (وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ) أي من ذنوبهم ولو أخذهم بجميع ذنوبهم لأهلك كل من ركب البحر.

وقال بعض علماء التفسير معنى قوله تعالى : (أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِما كَسَبُوا) أي لو شاء لأرسل الريح قوية عاتية فأخذت السفن وأحالتها عن سيرها المستقيم فصرفتها ذات اليمين أو ذات الشمال آبقة لا تسير على طريق ولا إلى جهة مقصد ، وهذا القول يتضمن هلاكها وهو مناسب للأول وهو أنه تعالى لو شاء لسكن الريح فوقفت أو لقواه فشردت وأبقت وهلكت ، ولكن من لطفه ورحمته أنه يرسله بحسب الحاجة كما يرسل المطر بقدر الكفاية ولو أنزله كثيرا جدا لهدم البنيان أو قليلا لما أنبت الزرع والثمار حتى أنه يرسل إلى مثل بلاد مصر سيحا من أرض أخرى غيرها لأنهم لا يحتاجون إلى مطر ولو أنزل عليهم لهدم بنيانهم وأسقط جدرانهم ، وقوله تعالى : (وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ) أي لا محيد لهم عن بأسنا ونقمتنا فإنهم مقهورون بقدرتنا.

(فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٣٦) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) (٣٩)

يقول تعالى محقرا لشأن الحياة الدنيا وزينتها وما فيها من الزهرة والنعيم الفاني بقوله تعالى : (فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا) أي مهما حصلتم وجمعتم فلا تغتروا به فإنما هو متاع الحياة الدنيا وهي دار دنيئة فانية زائلة لا محالة (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى) أي وثواب الله تعالى خير من الدنيا وهو باق سرمدي فلا تقدموا الفاني على الباقي ولهذا قال تعالى : (لِلَّذِينَ آمَنُوا) أي للذين صبروا على ترك الملاذ في الدنيا (وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) أي ليعينهم على الصبر في أداء الواجبات وترك المحرمات.

ثم قال تعالى : (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ) وقد قدمنا الكلام على الإثم والفواحش في سورة الأعراف (وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) أي سجيتهم تقتضي الصفح والعفو عن الناس ليس سجيتهم الانتقام من الناس. وقد ثبت في الصحيح أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ما انتقم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمات الله (١) وفي حديث آخر كان يقول لأحدنا عند المعتبة : «ما له

__________________

(١) أخرجه البخاري في الأدب باب ٨٠ ، ومسلم في الفضائل حديث ٧٧ ، ٧٩.

١٩٢

تربت جبينه» (١) وقال ابن أبي حاتم : حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان عن زائدة عن منصور عن إبراهيم قال : كان المؤمنون يكرهون أن يستذلوا وكانوا إذا قدروا عفوا.

وقوله عزوجل : (وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ) أي اتبعوا رسله وأطاعوا أمره واجتنبوا زجره (وَأَقامُوا الصَّلاةَ) وهي أعظم العبادات لله عزوجل (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) أي لا يبرمون أمرا حتى يتشاوروا فيه ليتساعدوا بآرائهم في مثل الحروب وما جرى مجراها كما قال تبارك وتعالى : (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) [آل عمران : ١٥٩] الآية ولهذا كانعليه‌السلام يشاورهم في الحروب ونحوها ليطيب بذلك قلوبهم وهكذا لما حضرت عمر بن الخطاب رضي الله عنه الوفاة حين طعن جعل الأمر بعده شورى في ستة نفر وهم عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم أجمعين فاجتمع رأي الصحابة كلهم رضي الله عنهم على تقديم عثمان عليهم رضي الله عنهم (وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ) وذلك بالإحسان إلى خلق الله الأقرب إليهم منهم فالأقرب.

وقوله عزوجل : (وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) أي فيهم قوة الانتصار ممن ظلمهم واعتدى عليهم ليسوا بالعاجزين ولا الأذلين بل يقدرون على الانتقام ممن بغى عليهم وإن كانوا مع هذا إذا قدروا عفوا كما قال يوسف عليه الصلاة والسلام لإخوته : (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللهُ لَكُمْ) [يوسف : ٩٢] مع قدرته على مؤاخذتهم ومقابلتهم على صنيعهم إليه وكما عفا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن أولئك النفر الثمانين الذين قصدوه عام الحديبية ونزلوا من جبل التنعيم فلما قدر عليهم منّ عليهم مع قدرته على الانتقام وكذلك عفوه صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن غورث بن الحارث الذي أراد الفتك به حين اخترط سيفه وهو نائم فاستيقظ عليه‌السلام وهو في يده مصلتا فانتهره فوضعه من يده وأخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم السيف من يده ودعا أصحابه ثم أعلمهم بما كان من أمره وأمر هذا الرجل وعفا عنه (٢).

وكذلك عفا صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن لبيد بن الأعصم الذي سحره عليه‌السلام ومع هذا لم يعرض له ولا عاتبه مع قدرته عليه وكذلك عفوه صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن المرأة اليهودية ـ وهي زينب أخت مرحب اليهودي الخيبري الذي قتله محمود بن مسلمة ـ التي سمت الذراع يوم خيبر ـ فأخبره الذراع بذلك فدعاها فاعترفت فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ما حملك على ذلك؟» قالت : أردت إن كنت نبيا لم يضرك وإن لم تكن نبيا استرحنا منك (٣) فأطلقها عليه الصلاة والسلام ولكن لما مات منه بشر بن البراء

__________________

(١) أخرجه البخاري في الأدب باب ٣٨ ، وأحمد في المسند ٣ / ١٢٦ ، ١٤٤ ، ١٥٨.

(٢) أخرجه البخاري في المغازي باب غزوة ذات الرقاع.

(٣) أخرجه أبو داود في الديات باب ٦.

١٩٣

رضي الله عنه قتلها به ، والأحاديث والآثار في هذا كثيرة جدا ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

(وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (٤٠) وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ (٤١) إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (٤٢) وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (٤٣)

قوله تبارك وتعالى : (وَجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها) كقوله تعالى : (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) [البقرة : ١٩٤] وكقوله : (وَإِنْ عاقَبْتُمْ فَعاقِبُوا بِمِثْلِ ما عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) [النحل : ١٢٦] الآية ، فشرع العدل وهو القصاص وندب إلى الفضل وهو العفو كقوله جل وعلا : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) [المائدة : ٤٥] ولهذا قال هاهنا : (فَمَنْ عَفا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللهِ) أي لا يضيع ذلك عند الله كما صح ذلك في الحديث «وما زاد الله تعالى عبدا بعفو إلا عزا» (١) وقوله تعالى : (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) أي المعتدين وهو المبتدئ بالسيئة.

ثم قال جل وعلا : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) أي ليس عليهم جناح في الانتصار ممن ظلمهم. قال ابن جرير (٢) : حدثنا محمد بن عبد الله بن بزيع ، حدثنا معاذ بن معاذ ، حدثنا ابن عون قال : كنت أسأل عن الانتصار في قوله تعالى : (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ) فحدثني علي بن زيد بن جدعان عن أم محمد امرأة أبيه قال ابن عون : زعموا أنها كانت تدخل على أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، قالت : قالت أم المؤمنين رضي الله عنها : دخل علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وعندنا زينب بنت جحش رضي الله عنها ، فجعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصنع بيده شيئا فلم يفطن لها ، فقلت بيده حتى فطنته لها فأمسك ، وأقبلت زينب رضي الله عنها تقحم (٣) لعائشة رضي الله عنها فنهاها ، فأبت أن تنتهي ، فقال لعائشة رضي الله عنها «سبيها» فسبتها فغلبتها ، وانطلقت زينب رضي الله عنها فأتت عليا رضي الله عنه فقالت إن عائشة تقع بكم وتفعل بكم فجاءت فاطمة رضي الله عنها فقالصلى‌الله‌عليه‌وسلم لها «إنها حبة أبيك ورب الكعبة» فانصرفت ، وقالت لعلي رضي الله عنه : إني قلت لهصلى‌الله‌عليه‌وسلم كذا وكذا ، فقال لي كذاو كذا ، فقال لي كذا وكذا ، قال : وجاء علي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكلمه في ذلك ، هكذا أورد هذا السياق ، وعلي بن زيد بن جدعان ، يأتي في رواياته بالمنكرات غالبا ، وهذا فيه نكارة.

والصحيح خلاف هذا السياق ، كما رواه النسائي وابن ماجة من حديث خالد بن سلمة

__________________

(١) أخرجه مسلم في البر حديث ٦٩ ، والترمذي في البر باب ٨٢ ، والدارمي في الزكاة باب ٣٥ ، ومالك في الصدقة حديث ١٢ ، وأحمد في المسند ٢ / ٣٨٦.

(٢) تفسير الطبري ١١ / ١٥٦.

(٣) أي تشتمها من غير روية ولا تثبت.

١٩٤

الفأفاء ، عن عبد الله البهي عن عروة ، قال : قالت عائشة رضي الله عنها ، ما علمت حتى دخلت علي زينب بغير إذن وهي غضبى ، ثم قالت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : حسبك إذا قلبت لك ابنة أبي بكر ذريّعتيها (١) ، ثم أقبلت علي فأعرضت عنها ، حتى قال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «دونك فانتصري» فأقبلت عليها حتى رأيتها وقد يبس ريقها في فمها ما ترد علي شيئا ، فرأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتهلل وجهه (٢) ، وهذا لفظ النسائي.

وقال البزار : حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا أبو غسان ، حدثنا أبو الأحوص عن أبي حمزة عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من دعا على من ظلمه فقد انتصر» ورواه الترمذي (٣) من حديث أبي الأحوص عن أبي حمزة واسمه ميمون ، ثم قال : لا نعرفه إلا من حديثه ، وقد تكلم فيه من قبل حفظه. وقوله عزوجل : (إِنَّمَا السَّبِيلُ) أي إنما الحرج والعنت (عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِ) أي يبدؤون الناس بالظلم ، كما جاء في الحديث الصحيح «المستبان ما قالا فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم» (٤) (أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) أي شديد موجع.

قال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا الحسن بن موسى ، حدثنا سعيد بن زيد أخو حماد بن زيد ، حدثنا عثمان الشحام ، حدثنا محمد بن واسع قال : قدمت مكة فإذا على الخندق منظرة (٥) ، فأخذت حاجتي فانطلق بي إلى مروان بن المهلب ، وهو أمير على البصرة فقال ما حاجتك يا أبا عبد الله؟ قلت : حاجتي إن استطعت أن تكون كما قال أخو بني عدي ، قال : ومن أخو بني عدي؟ قال العلاء بن زياد : استعمل صديقا له مرة على عمل ، فكتب إليه : أما بعد ، فإن استطعت أن لا تبيت إلا وظهرك خفيف ، وبطنك خميص ، وكفك نقية من دماء المسلمين وأموالهم ، فإنك إذا فعلت ذلك ، لم يكن عليك سبيل (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) فقال مروان : صدق والله ونصح ، ثم قال : ما حاجتك يا أبا عبد الله ، قلت : حاجتي أن تلحقني بأهلي ، قال : نعم ، رواه ابن أبي حاتم ، ثم إن الله تعالى ، لما ذم الظلم وأهله وشرع القصاص ، قال نادبا إلى العفو والصفح : (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ) ، أي صبر على الأذى ، وستر السيئة (إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) قال سعيد بن جبير : يعني لمن حق الأمور التي أمر الله بها ، أي لمن الأمور

__________________

(١) الذّريعة : تصغير ذراع.

(٢) أخرجه ابن ماجة في النكاح باب ٥٠ ، وأحمد في المسند ٦ / ٩٣.

(٣) كتاب الدعوات باب ١٠٢.

(٤) أخرجه مسلم في البر حديث ٦٩ ، وأبو داود في الأدب باب ٣٩ ، والترمذي في البر باب ٥١ ، وأحمد في المسند ٢ / ٢٣٥ ، ٤٨٨ ، ٥١٧ ، ٤ / ١٦٢ ، ٢٦٦ ، ٦ / ٢٦٦.

(٥) المنظرة : موضع الحرس ، وتكون في رأس الجبل.

١٩٥

المشكورة ، والأفعال الحميدة التي عليها ثواب جزيل ، وثناء جميل.

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عمران بن موسى الطرسوسي ، حدثنا عبد الصمد بن يزيد خادم الفضيل بن عياض قال : سمعت الفضيل بن عياض يقول : إذا أتاك رجل يشكو إليك رجلا ، فقل : يا أخي اعف عنه فإن العفو أقرب للتقوى ، فإن قال : لا يحتمل قلبي العفو ، ولكن أنتصر كما أمرني الله عزوجل ، فقل له : إن كنت تحسن أن تنتصر وإلا فارجع إلى باب العفو ، فإنه باب واسع ، فإنه من عفا وأصلح فأجره على الله ، وصاحب العفو ينام على فراشه بالليل ، وصاحب الانتصار يقلب الأمور.

وقال الإمام أحمد (١) : حدثنا يحيى يعني ابن سعيد القطان ، عن ابن عجلان ، حدثنا سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : إن رجلا شتم أبا بكر رضي الله عنه والنبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم جالس ، فجعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعجب ويتبسم ، فلما أكثر رد عليه بعض قوله ، فغضب النبي وقام ، فلحقه أبو بكر رضي الله عنه فقال : يا رسول الله إنه كان يشتمني وأنت جالس ، فلما رددت عليه بعض قوله غضبت وقمت ، قال : «إنه كان معك ملك يرد عنك ، فلما رددت عليه بعض قوله حضر الشيطان فلم أكن لأقعد مع الشيطان ـ ثم قال ـ يا أبا بكر : ثلاث كلهن حق : ما من عبد ظلم بمظلمة فيغضي عنها الله ، إلا أعزه الله تعالى بها ونصره ، وما فتح رجل باب عطية يريد بها صلة إلا زاده الله بها كثرة ، وما فتح رجل باب مسألة يريد بها كثرة ، إلا زاده الله عزوجل بها قلة» وكذا رواه أبو داود عن عبد الأعلى بن حماد عن سفيان بن عيينة قال : ورواه صفوان بن عيسى كلاهما عن محمد بن عجلان ، ورواه من طريق الليث عن سعيد المقبري عن بشير بن المحرر عن سعيد بن المسيب مرسلا ، وهذا الحديث في غاية الحسن في المعنى ، وهو مناسب للصديق رضي الله عنه.

(وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِيٍّ مِنْ بَعْدِهِ وَتَرَى الظَّالِمِينَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ يَقُولُونَ هَلْ إِلى مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ (٤٤) وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِّ يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ الْخاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ (٤٥) وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ) (٤٦)

يقول تعالى مخبرا عن نفسه الكريمة أنه ما يشاء كان ولا راد له ، وما لم يشأ لم يكن فلا موجد له ، وأنه من هداه فلا مضل له ، ومن يضلل الله فلا هادي له ، كما قال عزوجل : (وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) [الكهف : ١٧] ثم قال عزوجل مخبرا عن الظالمين وهم المشركون بالله : (لَمَّا رَأَوُا الْعَذابَ) أي يوم القيامة تمنوا الرجعة إلى الدنيا (يَقُولُونَ هَلْ إِلى

__________________

(١) المسند ٢ / ٤٣٦.

١٩٦

مَرَدٍّ مِنْ سَبِيلٍ) كما قال جل وعلا : (وَلَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقالُوا : يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بَلْ بَدا لَهُمْ ما كانُوا يُخْفُونَ مِنْ قَبْلُ وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) [الأنعام : ٢٧ ـ ٢٨]. وقوله عزوجل : (وَتَراهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْها) أي على النار (خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِ) أي الذي قد اعتراهم بما أسلفوا من عصيان الله تعالى (يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍ) قال مجاهد : يعني ذليل أي ينظرون إليها مسارقة خوفا منها والذي يحذرون منه واقع بهم لا محالة ، وما هو أعظم مما في نفوسهم ، أجارنا الله من ذلك.

(وَقالَ الَّذِينَ آمَنُوا) أي يقولون يوم القيامة (إِنَّ الْخاسِرِينَ) أي الخسار الأكبر (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي ذهب بهم إلى النار فعدموا لذتهم في دار الأبد وخسروا أنفسهم ، وفرق بينهم وبين أحبابهم وأصحابهم وأهاليهم وقراباتهم فخسروهم (أَلا إِنَّ الظَّالِمِينَ فِي عَذابٍ مُقِيمٍ) أي دائم سرمدي أبدي لا خروج لهم منها ولا محيد لهم عنها. وقوله تعالى : (وَما كانَ لَهُمْ مِنْ أَوْلِياءَ يَنْصُرُونَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) أي ينقذونهم مما هم فيه من العذاب والنكال (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ سَبِيلٍ) أي ليس له خلاص.

(اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ (٤٧) فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ) (٤٨)

لما ذكر تعالى ما يكون في يوم القيامة من الأهوال والأمور العظام الهائلة ، حذر منه وأمر بالاستعداد له ، فقال : (اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللهِ) أي إذا أمر بكونه فإنه كلمح البصر يكون ، وليس له دافع ولا مانع. وقوله عزوجل : (ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ) أي ليس لكم حصن تتحصنون فيه ولا مكان يستركم وتتنكرون فيه فتغيبون عن بصره تبارك وتعالى ، بل هو محيط بكم بعلمه وبصره وقدرته ، فلا ملجأ منه إلا إليه (يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ كَلَّا لا وَزَرَ إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) [القيامة : ١٠ ـ ١٢] وقوله تعالى : (فَإِنْ أَعْرَضُوا) يعني المشركين (فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) أي لست عليهم بمسيطر ، وقال عزوجل : (لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) [البقرة : ٢٧٢] وقال تعالى : (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ) [الرعد : ٤٠] وقال جل وعلا هاهنا : (إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلاغُ) أي إنما كلفناك أن تبلغهم رسالة الله إليهم.

ثم قال تبارك وتعالى : (وَإِنَّا إِذا أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِها) أي إذا أصابه رخاء ونعمة فرح بذلك (وَإِنْ تُصِبْهُمْ) يعني الناس (سَيِّئَةٌ) أي جدب وبلاء وشدة (فَإِنَّ الْإِنْسانَ كَفُورٌ) أي يجحد ما تقدم من النعمة ولا يعرف إلا الساعة الراهنة ، فإن أصابته نعمة أشر وبطر ، وإن أصابته محنة يئس وقنط ، كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم للنساء : «يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن

١٩٧

أكثر أهل النار» فقالت امرأة : ولم يا رسول الله؟ فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لأنكن تكثرن الشكاية وتكفرن العشير ، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم تركت يوما ، قالت : ما رأيت منك خيرا قط» (١) وهذا حال أكثر الناس ، إلا من هداه الله تعالى وألهمه رشده ، وكان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ، فالمؤمن كما قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له ، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن» (٢).

(لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ ما يَشاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (٥٠)

يخبر تعالى أنه خالق السموات والأرض ومالكهما والمتصرف فيهما ، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، وأنه يعطي من يشأ ويمنع من يشاء ، ولا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ، وأنه يخلق ما يشاء (يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً) أي يرزقه البنات فقط. قال البغوي : ومنهم لوط عليه الصلاة والسلام. (وَيَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ) أي يرزقه البنين فقط ، قال البغوي : كإبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام لم يولد له أنثى (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْراناً وَإِناثاً) أي ويعطي لمن يشاء من الناس الزوجين الذكر والأنثى أي من هذا وهذا ، قال البغوي : كمحمد عليه الصلاة والسلام (وَيَجْعَلُ مَنْ يَشاءُ عَقِيماً) أي لا يولد له.

قال البغوي : كيحيى وعيسى عليهما‌السلام ، فجعل الناس أربعة أقسام : منهم من يعطيه البنات ، ومنهم من يعطيه البنين ، ومنهم من يعطيه من النوعين ذكورا وإناثا ، ومنهم من يمنعه هذا وهذا فيجعله عقيما لا نسل له ولا يولد له. (إِنَّهُ عَلِيمٌ) أي بمن يستحق كل قسم من هذه الأقسام (قَدِيرٌ) أي على من يشاء من تفاوت الناس في ذلك ، وهذا المقام شبيه بقوله تبارك وتعالى عن عيسى عليه الصلاة والسلام (وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ) [مريم : ٢١] أي دلالة لهم على قدرته تعالى وتقدس حيث خلق الخلق على أربعة أقسام ، فآدم عليه الصلاة والسلام مخلوق من تراب لا من ذكر ولا أنثى ، وحواء عليها‌السلام مخلوقة من ذكر بلا أنثى ، وسائر الخلق سوى عيسىعليه‌السلام من أنثى بلا ذكر ، فتمت الدلالة بخلق عيسى ابن مريم عليهما الصلاة والسلام. ولهذا قال تعالى : (وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ) فهذا المقام في الآباء والمقام الأول في الأبناء وكل منهما أربعة أقسام ، فسبحان العليم القدير.

(وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ

__________________

(١) أخرجه البخاري في الإيمان باب ٢١ ، والكسوف باب ٩ ، ومسلم في الكسوف حديث ١٧ ، والنسائي في الكسوف باب ١٧ ، ومالك في الكسوف حديث ٢ ، وأحمد في المسند ١ / ٢٩٨ ، ٣٥٩.

(٢) أخرجه مسلم في الزهد حديث ٦٤ ، وأحمد في المسند ٤ / ٣٣٢ ، ٣٣٣ ، ٦ / ١٥.

١٩٨

إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١) وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ(٥٢) صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) (٥٣)

هذه مقامات الوحي بالنسبة إلى جنات الله عزوجل ، وهو أنه تبارك وتعالى تارة يقذف في روع النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم شيئا لا يتمارى فيه أنه من الله عزوجل ، كما جاء في صحيح ابن حبان عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل رزقها وأجلها ، فاتقوا الله وأجملوا في الطلب». وقوله تعالى : (أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) كما كلم موسى عليه الصلاة والسلام ، فإنه سأل الرؤية بعد التكليم فحجب عنها.

وفي الصحيح أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لجابر بن عبد الله رضي الله عنهما : «ما كلم الله أحدا إلا من وراء حجاب وإنه كلم أباك كفاحا» (١) كذا جاء في الحديث ، وكان قد قتل يوم أحد ، ولكن هذا في عالم البرزخ ، والآية إنما هي في الدار الدنيا. وقوله عزوجل : (أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ) كما ينزل جبريل عليه الصلاة والسلام وغيره من الملائكة على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام (إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ) فهو علي عليم خبير حكيم. وقوله عزوجل : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) يعني القرآن (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) أي على التفصيل الذي شرع لك في القرآن (وَلكِنْ جَعَلْناهُ) أي القرآن (نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) كقوله تعالى : (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) [فصلت : ٤٤] الآية.

وقوله تعالى : (وَإِنَّكَ) أي يا محمد (لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) وهو الخلق القويم ، ثم فسره بقوله تعالى : (صِراطِ اللهِ) أي وشرعه الذي أمر به الله (الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) أي ربهما ومالكهما والمتصرف فيهما والحاكم الذي لا معقب لحكمه (أَلا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) أي ترجع الأمور فيفصلها ويحكم فيها سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون والجاحدون علوا كبيرا.

__________________

(١) أخرجه الترمذي في تفسير سورة ٣ باب ١٨ ، وابن ماجة في المقدمة باب ١٣ ، والجهاد باب ١٦ ، والكفاح : المواجهة ليس بينهما حجاب ولا رسول.

١٩٩

سورة الزخرف

وهي مكية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(حم (١) وَالْكِتابِ الْمُبِينِ (٢) إِنَّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٣) وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ (٤) أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ (٥) وَكَمْ أَرْسَلْنا مِنْ نَبِيٍّ فِي الْأَوَّلِينَ (٦) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٧) فَأَهْلَكْنا أَشَدَّ مِنْهُمْ بَطْشاً وَمَضى مَثَلُ الْأَوَّلِينَ) (٨)

يقول تعالى : (حم وَالْكِتابِ الْمُبِينِ) أي البين الواضح الجلي المعاني والألفاظ ، لأنه نزل بلغة العرب التي هي أفصح اللغات للتخاطب بين الناس ، ولهذا قال تعالى : (إِنَّا جَعَلْناهُ) أي نزلناه (قُرْآناً عَرَبِيًّا) أي بلغة العرب فصيحا واضحا (لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) أي تفهمونه وتتدبرونه ، كما قال عزوجل : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) [الشعراء : ١٩٥].

وقوله تعالى : (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ) بين شرفه في الملأ الأعلى ليشرفه ويعظمه ويطيعه أهل الأرض ، فقال تعالى : (وَإِنَّهُ) أي القرآن (فِي أُمِّ الْكِتابِ) أي اللوح المحفوظ ، قاله ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد (لَدَيْنا) أي عندنا ، قاله قتادة وغيره (لَعَلِيٌ) أي ذو مكانة عظيمة وشرف وفضل قاله قتادة (حَكِيمٌ) أي محكم بريء من اللبس والزيغ. وهذا كله تنبيه على شرفه وفضله ، كما قال تبارك وتعالى : (إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الواقعة : ٧٧ ـ ٨٠] وقال تعالى : (كَلَّا إِنَّها تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ بِأَيْدِي سَفَرَةٍ. كِرامٍ بَرَرَةٍ) [عبس : ١١ ـ ١٦] ولهذا استنبط العلماء رضي الله عنهم من هاتين الآيتين أن المحدث لا يمس المصحف كما ورد به الحديث إن صح ، لأن الملائكة يعظمون المصاحف المشتملة على القرآن في الملأ الأعلى ، فأهل الأرض بذلك أولى وأحرى ، لأنه نزل عليهم ، وخطابه متوجه إليهم ، فهم أحق أن يقابلوه بالإكرام والتعظيم ، والانقياد له بالقبول والتسليم ، لقوله تعالى : (وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتابِ لَدَيْنا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ).

وقوله عزوجل : (أَفَنَضْرِبُ عَنْكُمُ الذِّكْرَ صَفْحاً أَنْ كُنْتُمْ قَوْماً مُسْرِفِينَ) اختلف المفسرون في معناها فقيل معناها أتحسبون أن نصفح عنكم فلا نعذبكم ولم تفعلوا ما أمرتم به ، قاله ابن عباس رضي الله عنهما وأبو صالح ومجاهد والسدي واختاره ابن جرير (١) ، وقال

__________________

(١) تفسير الطبري ١١ / ١٦٧.

٢٠٠