تفسير القرآن العظيم - ج ٧

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي

تفسير القرآن العظيم - ج ٧

المؤلف:

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2221-5

الصفحات: ٤٨٠

إنسي اشغل نفسك بما يعنيك عما لا يعنيك.

(اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهارَ مُبْصِراً إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ (٦١) ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (٦٢) كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ (٦٣) اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً وَالسَّماءَ بِناءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٦٤) هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (٦٥)

بقول تعالى ممتنا على خلقه بما جعل لهم من الليل الذي يسكنون فيه يستريحون من حركات ترددهم في المعايش بالنهار وجعل النهار مبصرا أي مضيئا ليتصرفوا فيه بالأسفار وقطع الأقطار والتمكن من الصناعات (إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ) أي لا يقومون بشكر نعم الله عليهم ، ثم قال عزوجل : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي الذي فعل هذه الأشياء هو الله الواحد الأحد خالق الأشياء الذي لا إله غيره ولا رب سواه (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) أي فكيف تعبدون غيره من الأصنام التي لا تخلق شيئا بل هي مخلوقة منحوتة.

وقوله عزوجل : (كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللهِ يَجْحَدُونَ) أي كما ضل هؤلاء بعبادة غير الله كذلك أفك الذين من قبلهم فعبدوا غيره بلا دليل ولا برهان بل بمجرد الجهل والهوى. وجحدوا حجج الله وآياته وقوله تعالى : (اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَراراً) أي جعلها لكم مستقرا بساطا مهادا تعيشون عليها وتتصرفون فيها وتمشون في مناكبها وأرساها بالجبال لئلا تميد بكم (وَالسَّماءَ بِناءً) أي سقفا للعالم محفوظا (وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ) أي فخلقكم في أحسن الأشكال ومنحكم أكمل الصور في أحسن تقويم (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) أي من المآكل والمشارب في الدنيا فذكر أنه خالق الدار والسكان والأرزاق فهو الخالق الرازق كما قال تعالى في سورة البقرة : (يا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَالسَّماءَ بِناءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة : ٢٠ ـ ٢١].

وقال تعالى هاهنا بعد خلق هذه الأشياء : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَتَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ) أي فتعالى وتقدس وتنزه رب العالمين كلهم ثم قال تعالى : (هُوَ الْحَيُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي هو الحي أزلا وأبدا لم يزل ولا يزال وهو الأول والآخر والظاهر والباطن (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) أي لا نظير له ولا عديل (فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أي موحدين له مقرين بأنه لا إله إلا هو الحمد لله رب العالمين. قال ابن جرير : كان جماعة من أهل العلم يأمرون من قال لا إله إلا الله أن يتبعها

١٤١

بالحمد لله رب العالمين عملا بهذه الآية. ثم روي عن محمد بن علي بن الحسن بن شقيق عن أبيه عن الحسين بن واقد عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عباس قال : من قال لا إله إلا الله فليقل على أثرها الحمد لله رب العالمين وذلك قوله تعالى : (فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ).

وقال أبو أسامة وغيره عن إسماعيل بن أبي خالد عن سعيد بن جبير قال إذا قرأت (فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) فقل لا إله إلا الله وقل على أثرها الحمد لله رب العالمين ثم قرأ هذه الآية (فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ). قال الإمام أحمد : حدثنا ابن نمير حدثنا هشيم يعني ابن عروة بن الزبير عن أبي الزبير محمد بن مسلم بن بدر المكي قال كان عبد الله بن الزبير يقول في دبر كل صلاة حين يسلم لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن ، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون قال وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يهل بهن دبر كل صلاة ورواه مسلم وأبو داود والنسائي من طرق عن هشام بن عروة وحجاج بن أبي عثمان وموسى بن عقبة ثلاثتهم عن أبي الزبير عن عبد الله بن الزبير قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول في دبر كل صلاة «لا إله إلا الله وحده لا شريك له» وذكر تمامه.

(قُلْ إِنِّي نُهِيتُ أَنْ أَعْبُدَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَمَّا جاءَنِي الْبَيِّناتُ مِنْ رَبِّي وَأُمِرْتُ أَنْ أُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ (٦٦) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (٦٧) هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (٦٨)

يقول تبارك وتعالى قل يا محمد لهؤلاء المشركين إن الله عزوجل ينهى أن يعبد أحد سواه من الأصنام والأنداد والأوثان وقد بين تبارك وتعالى أنه لا يستحق العبادة أحد سواه في قوله جلت عظمته : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخاً) أي هو الذي يقلبكم في هذه الأطوار كلها وحده لا شريك له وعن أمره وتدبيره وتقديره يكون ذلك (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى مِنْ قَبْلُ) أي من قبل أن يوجد ويخرج إلى هذا العالم بل تسقطه أمه سقطا ومنهم من يتوفى صغيرا وشابا وكهلا قبل الشيخوخة كقوله تعالى : (لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) [الحج : ٥] وقال عزوجل هاهنا : (وَلِتَبْلُغُوا أَجَلاً مُسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) قال ابن جريج تتذكرون البعث ثم قال تعالى : (هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) أي هو المتفرد بذلك لا يقدر على ذلك أحد سواه (فَإِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) أي لا يخالف ولا يمانع بل ما شاء كان لا محالة.

١٤٢

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ أَنَّى يُصْرَفُونَ (٦٩) الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ (٧٠) إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ (٧١) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (٧٢) ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ (٧٣) مِنْ دُونِ اللهِ قالُوا ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ (٧٤) ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ (٧٥) ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) (٧٦)

يقول تعالى ألا تعجب يا محمد من هؤلاء المكذبين بآيات الله ويجادلون في الحق بالباطل كيف تصرف عقولهم عن الهدى إلى الضلال (الَّذِينَ كَذَّبُوا بِالْكِتابِ وَبِما أَرْسَلْنا بِهِ رُسُلَنا) أي من الهدى والبيان (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ) هذا تهديد شديد ، ووعيد أكيد ، من الرب جل جلاله لهؤلاء كما قال تعالى : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) [المرسلات : ١٥] وقوله عزوجل : (إِذِ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ) أي متصلة بالأغلال بأيدي الزبانية يسحبونهم على وجوههم تارة إلى الحميم وتارة إلى الجحيم ولهذا قال تعالى : (يُسْحَبُونَ فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ) كما قال تبارك وتعالى : (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) [الرحمن : ٤٣ ـ ٤٤] وقال تعالى بعد ذكر أكلهم الزقوم وشربهم الحميم (ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ) [الصافات : ٦٨] وقال : (وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ) ـ إلى أن قال ـ (ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمالِؤُنَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ هذا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ) [الواقعة : ٤١ ـ ٤٤ ـ ٥١ ـ ٥٦] وقال عزوجل : (إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ طَعامُ الْأَثِيمِ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذابِ الْحَمِيمِ ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ إِنَّ هذا ما كُنْتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ) [الدخان : ٤٣ ـ ٥٠] أي يقال لهم ذلك على وجه التقريع والتوبيخ والتحقير والتصغير والتهكم والاستهزاء بهم.

قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين حدثنا أحمد بن منيع حدثنا منصور بن عمار حدثنا بشير بن طلحة الخزامي عن خالد بن دريك عن يعلى بن منبه رفع الحديث إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ينشئ الله عزوجل سحابة لأهل النار سوداء مظلمة ويقال يا أهل النار أي شيء تطلبون؟ فيذكرون بها سحاب الدنيا فيقولون نسأل بارد الشراب فتمطرهم أغلالا تزيد في أغلالهم وسلاسل تزيد في سلاسلهم وجمرا يلهب النار عليهم» هذا حديث غريب.

وقوله تعالى : (ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ تُشْرِكُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) أي قيل لهم أين الأصنام التي كنتم تعبدونها من دون الله هل ينصرونكم اليوم (قالُوا ضَلُّوا عَنَّا) أي ذهبوا فلم ينفعونا (بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُوا مِنْ قَبْلُ شَيْئاً) أي جحدوا عبادتهم كقوله جلت عظمته : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ

١٤٣

إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) (١) [الأنعام : ٢٣] ولهذا قال عزوجل : (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ الْكافِرِينَ). وقوله : (ذلِكُمْ بِما كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِما كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ) أي تقول لهم الملائكة هذا الذي أنتم فيه جزاء على فرحكم في الدنيا بغير حق ومرحكم وأشركم وبطركم (ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) أي فبئس المنزل والمقيل الذي فيه الهوان والعذاب الشديد لمن استكبر عن آيات الله واتباع دلائله وحججه ، والله أعلم.

(فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ(٧٧) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ قُضِيَ بِالْحَقِّ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ) (٧٨)

يقول تعالى آمرا رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالصبر على تكذيب من كذبه من قومه فإن الله تعالى سينجز لك ما وعدك من النصر والظفر على قومك وجعل العاقبة لك ولمن اتبعك في الدنيا والآخرة (فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ) أي في الدنيا وكذلك وقع فإن الله تعالى أقر أعينهم من كبرائهم وعظمائهم أبيدوا في يوم بدر ثم فتح الله عليه مكة وسائر جزيرة العرب في حياتهصلى‌الله‌عليه‌وسلم وقوله عزوجل : (أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا يُرْجَعُونَ) أي فنذيقهم العذاب الشديد في الآخرة.

ثم قال تعالى مسليا له : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) [النساء : ١٦٤] كما قال جل وعلا في سورة النساء سواء أي منهم من أوحينا إليك خبرهم وقصصهم مع قومهم كيف كذبوهم ثم كانت للرسل العاقبة والنصرة (وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) وهم أكثر ممن ذكر بأضعاف أضعاف كما تقدم التنبيه على ذلك في سورة النساء ولله الحمد والمنة. وقوله تعالى : (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) أي ولم يكن لواحد من الرسل أن يأتي قومه بخارق للعادات إلا أن يأذن الله له في ذلك فيدل على صدقه فيما جاءهم به (فَإِذا جاءَ أَمْرُ اللهِ) وهو عذابه ونكاله المحيط بالمكذبين (قُضِيَ بِالْحَقِ) فينجي المؤمنين ، ويهلك الكافرين ولهذا قال عزوجل : (وَخَسِرَ هُنالِكَ الْمُبْطِلُونَ).

(اللهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ (٧٩) وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (٨٠) وَيُرِيكُمْ آياتِهِ فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ) (٨١)

يقول تعالى ممتنا على عباده بما خلق لهم من الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم (فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ) [يس : ٧٢] ، فالإبل تركب وتؤكل وتحلب ويحمل عليها الأثقال في الأسفار والرحال إلى البلاد النائية ، والأقطار الشاسعة والبقر تؤكل ويشرب لبنها وتحرث عليها

__________________

(١) انظر الدر المنثور ٥ / ٦٦٩.

١٤٤

الأرض ، والغنم تؤكل ويشرب لبنها والجميع تجز أصوافها وأشعارها وأوبارها فيتخذ منها الأثاث والثياب والأمتعة كما فصل وبين في أماكن تقدم ذكرها في سورة الأنعام وسورة النحل وغير ذلك ولذا قال عزوجل هاهنا (لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ وَلَكُمْ فِيها مَنافِعُ وَلِتَبْلُغُوا عَلَيْها حاجَةً فِي صُدُورِكُمْ وَعَلَيْها وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ) وقوله جل وعلا : (وَيُرِيكُمْ آياتِهِ) أي حججه وبراهينه في الآفاق وفي أنفسكم (فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ) أي لا تقدرون على إنكار شيء من آياته إلا أن تعاندوا وتكابروا.

(أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْهُمْ وَأَشَدَّ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَما أَغْنى عَنْهُمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (٨٣) فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ) (٨٥)

يخبر تعالى عن الأمم المكذبة بالرسل في قديم الدهر وماذا حل بهم من العذاب الشديد مع شدة قواهم وما آثروه في الأرض وجمعوه من الأموال فما أغنى عنهم ذلك شيئا ولا رد عنهم ذرة من بأس الله وذلك لأنهم لما جاءتهم الرسل بالبينات ، والحجج القاطعات ، والبراهين الدامغات ، لم يلتفتوا إليهم ولا أقبلوا عليهم واستغنوا بما عندهم من العلم في زعمهم عما جاءتهم به الرسل قال مجاهد : قالوا نحن أعلم منهم لن نبعث ولن نعذب (١).

وقال السدي : فرحوا بما عندهم من العلم بجهالتهم فأتاهم من بأس الله تعالى ما لا قبل لهم به (وَحاقَ بِهِمْ) أي أحاط بهم (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أي يكذبون ويستبعدون وقوعه (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا) أي عاينوا وقوع العذاب بهم (قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ) أي وحدوا الله عزوجل وكفروا بالطاغوت ولكن حيث لا تقال العثرات ولا تنفع المعذرة وهذا كما قال فرعون حين أدركه الغرق : (آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) [يونس : ٩٠] قال الله تبارك وتعالى : (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) [يونس : ٩٠ ـ ٩١] أي فلم يقبل الله منه لأنه قد استجاب لنبيه موسى عليه الصلاة والسلام دعاءه حين قال : (وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) [يونس : ٨٨] وهكذا قال تعالى هاهنا : (فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ) أي هذا حكم الله في جميع من تاب عند معاينة العذاب أنه لا يقبل ولهذا جاء في الحديث «إن الله تعالى يقبل توبة العبد ما لم

__________________

(١) تفسير الطبري ١١ / ٨١.

١٤٥

يغرغر» (١) أي فإذا غرغر وبلغت الروح الحنجرة وعاين الملك فلا توبة حينئذ ولهذا قال تعالى : (وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ) آخر سورة غافر ولله الحمد والمنة.

__________________

(١) أخرجه الترمذي في الدعوات باب ٩٨ ، وابن ماجة في الزهد باب ٣٠ ، وأحمد في المسند ٢ / ١٣٢ ، ١٥٣ ، ٣ / ٤٢٥.

١٤٦

سورة فصلت

وهي مكية

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(حم (١) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٢) كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ(٣) بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ (٤) وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ) (٥)

يقول تعالى : (حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) يعني القرآن منزل من الرحمن الرحيم كقوله : (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِ) [النحل : ١٠٢] وقوله : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) [الشعراء : ١٩٢ ـ ١٩٤] وقوله تبارك وتعالى : (كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ) أي بينت معانيه وأحكمت أحكامه (قُرْآناً عَرَبِيًّا) أي في حال كونه قرآنا عربيا بينا واضحا فمعانيه مفصلة وألفاظه واضحة غير مشكلة كقوله تعالى : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) [هود : ١] أي هو معجز من حيث لفظه ومعناه (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت : ٤٢].

وقوله تعالى : (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) أي إنما يعرف هذا البيان والوضوح العلماء الراسخون (بَشِيراً وَنَذِيراً) أي تارة يبشر المؤمنين وتارة ينذر الكافرين (فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) أي أكثر قريش فهم لا يفهمون منه شيئا مع بيانه ووضوحه (وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ) أي في غلف مغطاة (مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ) أي صمم عما جئتنا به (وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ) فلا يصل إلينا شيء مما تقوله (فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ) أي اعمل أنت على طريقتك ونحن على طريقتنا لا نتابعك.

قال الإمام العالم عبد بن حميد في مسنده : حدثني ابن أبي شيبة حدثنا علي بن مسهر عن الأجلح عن الزيال بن حرملة الأسدي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال : اجتمعت قريش يوما فقالوا انظروا أعلمكم بالسحر والكهانة والشعر فليأت هذا الرجل الذي فرق جماعتنا وشتت أمرنا وعاب ديننا فليكلمه ولننظر ماذا يرد عليه فقالوا ما نعلم أحدا غير عتبة بن ربيعة ، فقالوا أنت يا أبا الوليد فأتاه عتبة فقال : يا محمد أنت خير أم عبد الله؟ فسكت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال أنت خير أم عبد المطلب ، فسكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال إن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عبت وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك ، إنا والله ما رأينا سخلة (١) قط أشأم على قومك منك ،

__________________

(١) السخلة : ولد الشاة من المعز والضأن.

١٤٧

فرقت جماعتنا وشتت أمرنا ، وعبت ديننا وفضحتنا في العرب ، حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحرا وأن في قريش كاهنا والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى ، أيها الرجل إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلا واحدا ، وإن كان بك الباءة فاختر أي نساء قريش شئت فلنزوجك عشرا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «فرغت» قال نعم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ـ حتى بلغ ـ (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) فقال عتبة حسبك حسبك ما عندك غير هذا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لا» فرجع إلى قريش فقالوا ما وراءك؟ قال ما تركت شيئا أرى أنكم تكلمونه به إلا كلمته ، قالوا فهل أجابك؟ قال لا والذي نصبها بنية (١) ما فهمت شيئا مما قاله غير أنه أنذركم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود ، قالوا ويلك يكلمك الرجل بالعربية لا تدري ما قال؟ قال لا والله ما فهمت شيئا مما قال غير ذكر الصاعقة.

وهكذا رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده عن أبي بكر بن أبي شيبة بإسناده مثله سواء ، وقد ساقه البغوي في تفسيره بسنده عن محمد بن فضيل عن الأجلح وهو ابن عبد الله الكندي الكوفي وقد ضعف بعض الشيء عن الزيال بن حرملة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه فذكر الحديث إلى قوله : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) فأمسك عتبة على فيه وناشده بالرحم ورجع إلى أهله ولم يخرج إلى قريش واحتبس عنهم ، فقال أبو جهل يا معشر قريش والله ما نرى عتبة إلا قد صبأ إلى محمد وأعجبه طعامه وما ذاك إلا من حاجة أصابته فانطلقوا بنا إليه فانطلقوا إليه فقال أبو جهل : يا عتبة ما حبسك عنا إلا أنك صبأت إلى محمد وأعجبك طعامه فإن كانت بك حاجة جمعنا لك من أموالنا ما يغنيك عن طعام محمد ، فغضب عتبة وأقسم أن لا يكلم محمدا أبدا وقال والله لقد علمتم أني من أكثر قريش مالا ولكني أتيته وقصصت عليه القصة فأجابني بشيء والله ما هو بشعر ولا كهانة ولا سحر وقرأ السورة إلى قوله تعالى : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) فأمسكت بفيه وناشدته بالرحم أن يكف وقد علمتم أن محمدا إذا قال شيئا لم يكذب فخشيت أن ينزل بكم العذاب ، وهذا السياق أشبه من سياق البزار وأبي يعلى والله تعالى أعلم.

وقد أورد هذه القصة الإمام محمد بن إسحاق بن يسار في كتاب السيرة على خلاف هذا النمط فقال حدثني يزيد بن زياد عن محمد بن كعب القرظي قال : حدثت أن عتبة بن ربيعة وكان سيدا قال يوما وهو جالس في نادي قريش ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جالس في المسجد وحده : يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله أن يقبل بعضها فنعطيه أيها

__________________

(١) البنيّة : هي الكعبة ، وكانت تسمى بنيّة إبراهيم عليه‌السلام.

١٤٨

شاء ويكف عنا؟ وذلك حين أسلم حمزة رضي الله عنه ورأوا أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يزيدون ويكثرون ، فقالوا بلى يا أبا الوليد فقم إليه فكلمه ، فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا ابن أخي إنك منا حيث علمت من السّطة (١) في العشيرة والمكان في النسب ، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم وعبت به آلهتهم ودينهم وكفرت به من مضى من آبائهم فاسمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضا. قال : فقال له رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قل يا أبا الوليد أسمع» قال يا ابن أخي إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا ، وإن كنت تريد به شرفا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا ، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الأطباء وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه فإنه ربما غلب التابع (٢) على الرجل حتى يداوى منه أو كما قال له ، حتى إذا فرغ عتبة ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يستمع منه قال : «أفرغت يا أبا الوليد؟» قال نعم. قال «فاستمع مني» قال أفعل. قال : (بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ حم تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ) ثم مضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيها وهو يقرؤها عليه. فلما سمع عتبة أنصت لها وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما يسمع منه حتى انتهى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى السجدة منها فسجد ثم قال «قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت فأنت وذاك» فقام عتبة إلى أصحابه فقال بعضهم لبعض نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به فلما جلس إليهم قالوا ما وراءك يا أبا الوليد قال ورائي أني سمعت قولا والله ما سمعت مثله قط والله ما هو بالسحر ولا بالشعر ولا بالكهانة ، يا معشر قريش أطيعوني واجعلوها لي خلّوا بين الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه فو الله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم وإن يظهر على العرب فملكه ملككم وعزه عزكم وكنتم أسعد الناس به. قالوا سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه ، قال هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم. وهذا السياق أشبه من الذي قبله ، والله أعلم (٣).

(قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (٧) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) (٨)

يقول تعالى : (قُلْ) يا محمد لهؤلاء المكذبين المشركين (إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ

__________________

(١) السّطة : الشرف.

(٢) التابع : ما يتبع الإنسان من الجن.

(٣) انظر سيرة ابن هشام ١ / ٢٩٣ ، ٢٩٤.

١٤٩

أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ) لا كما تعبدونه من الأصنام والأنداد والأرباب المتفرقين إنما الله إله واحد (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ) أي أخلصوا له العبادة على منوال ما أمركم به على ألسنة الرسل (وَاسْتَغْفِرُوهُ) أي لسالف الذنوب (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ) أي دمار لهم وهلاك عليهم (الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يعني الذين لا يشهدون أن لا إله إلا الله وكذا قال عكرمة وهذا كقوله تبارك وتعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) [الشمس : ٩ ـ ١٠] وكقوله جلت عظمته : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) [الأعلى : ١٤ ـ ١٥] وقوله عزوجل : (فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى) [النازعات : ١٨] والمراد بالزكاة هاهنا طهارة النفس من الأخلاق الرذيلة ومن أهم ذلك طهارة النفس من الشرك ، وزكاة المال إنما سميت زكاة لأنها تطهره من الحرام وتكون سببا لزيادته وبركته وكثرة نفعه وتوفيقا إلى استعماله في الطاعات.

وقال السدي (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ) أي لا يدينون بالزكاة ، وقال معاوية بن قرة ليس هم من أهل الزكاة وقال قتادة يمنعون زكاة أموالهم وهذا هو الظاهر عند كثير من المفسرين واختاره ابن جرير وفيه نظر لأن إيجاب الزكاة إنما كان في السنة الثانية من الهجرة إلى المدينة على ما ذكره غير واحد وهذه الآية مكية اللهم إلا أن يقال لا يبعد أن يكون أصل أصل الصدقة والزكاة وكان مأمورا به في ابتداء البعثة كقوله تبارك وتعالى : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) [الأنعام : ١٤١] فأما الزكاة ذات النصب والمقادير فإنما بين أمرها بالمدينة ويكون هذا جمعا بين القولين كما أن أصل الصلاة كان واجبا قبل طلوع الشمس وقبل غروبها في ابتداء البعثة فلما كان ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة ونصف فرض الله تعالى على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الصلوات الخمس وفصل شروطها وأركانها وما يتعلق بها بعد ذلك شيئا فشيئا والله أعلم. ثم قال جل جلاله بعد ذلك : (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ) قال مجاهد وغيره : لا مقطوع ولا مجبوب كقوله تعالى : (ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً) [الكهف : ٣] وكقوله عزوجل : (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) [هود : ١٠٨] وقال السدي (غَيْرُ مَمْنُونٍ) عليهم وقد رد عليه هذا التفسير بعض الأئمة فإن المنة لله تبارك وتعالى على أهل الجنة قال الله تبارك وتعالى : (بَلِ اللهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ) [الحجرات : ١٧] وقال أهل الجنة (فَمَنَّ اللهُ عَلَيْنا وَوَقانا عَذابَ السَّمُومِ) [الطور : ٢٧] ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل»(١).

(قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (١١) فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحى

__________________

(١) أخرجه البخاري في الرقاق باب ١٨ ، ومسلم في المنافقين حديث ٧١ ـ ٧٣.

١٥٠

فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَحِفْظاً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) (١٢)

هذا إنكار من الله تعالى على المشركين الذين عبدوا معه غيره وهو الخالق لكل شيء القاهر لكل شيء المقتدر على كل شيء فقال : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً) أي نظراء وأمثالا تعبدونها معه (ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ) أي الخالق للأشياء هو رب العالمين كلهم. وهذا المكان فيه تفصيل لقوله تعالى : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) [الأعراف : ٥٤] ففصل هاهنا ما يختص بالأرض مما اختص بالسماء فذكر أنه خلق الأرض أولا لأنها كالأساس والأصل أن يبدأ بالأساس ثم بعده بالسقف كما قال عزوجل : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ) [البقرة : ٢٩] الآية فأما قوله تعالى : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها وَأَغْطَشَ لَيْلَها وَأَخْرَجَ ضُحاها وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها وَالْجِبالَ أَرْساها مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ) [النازعات : ٢٧ ـ ٢٣].

ففي هذه الآية أن دحي الأرض كان بعد خلق السماء ، فالدحي هو مفسر بقوله (أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها) وكان هذا بعد خلق السماء فأما خلق الأرض فقبل خلق السماء بالنص وبهذا أجاب ابن عباس رضي الله عنه فيما ذكره البخاري عند تفسير هذه الآية من صحيحه فإنه قال : وقال المنهال عن سعيد بن جبير قال : قال رجل لابن عباس رضي الله عنهما إني لأجد في القرآن أشياء تختلف علي ، قال : (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ) [المؤمنون : ١٠١] (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) [الصافات : ٢٧] (وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) [النساء : ٤٢] (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) [الأنعام : ٢٣] فقد كتموا في هذه الآية وقال تعالى : (أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّماءُ بَناها) ـ إلى قوله ـ (وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذلِكَ دَحاها) [النازعات : ٢٧ ـ ٣٠] فذكر خلق السماء قبل الأرض.

ثم قال تعالى : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) ـ إلى قوله ـ (طائِعِينَ) فذكر في هذه خلق الأرض قبل خلق السماء وقال : (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) [النساء : ٩٦] (عَزِيزاً حَكِيماً) [النساء : ٥٦ ـ ١٥٨] (سَمِيعاً بَصِيراً) [النساء : ٥٨ ـ ١٣٤] فكأنه كان ثم مضى فقال ابن عباس رضي الله عنهما (فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ) [المؤمنون : ١٠١] في النفخة الأولى ، ثم ينفخ في الصور (فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شاءَ اللهُ) [الزمر : ٦٨] فلا أنساب بينهم عند ذلك ولا يتساءلون بينهم ثم في النفخة الأخرى (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَساءَلُونَ) وأما قوله : (ما كُنَّا مُشْرِكِينَ وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) فإن الله تعالى يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم فيقول المشركون تعالوا نقول لم نكن مشركين فيختم على أفواههم فتنطق أيديهم فعند ذلك يعرف أن الله تعالى لا يكتم حديثا ، وعنده (يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا) [النساء : ٤٢ وغيرها] الآية ، وخلق الأرض في يومين ثم

١٥١

خلق السماء ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين ثم دحى الأرض ودحيها أن أخرج منها الماء والمرعى وخلق الجبال والرمال والجماد والآكام وما بينهما في يومين آخرين فذلك قوله تعالى (دَحاها).

وقوله : (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) فخلق الأرض وما فيها من شيء في أربعة أيام وخلق السموات في يومين (وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً) [النساء : ٩٦] سمى نفسه بذلك وذلك قوله أي لم يزل كذلك فإن الله تعالى لم يرد شيئا إلا أصاب به الذي أراد فلا يختلفن عليك القرآن فإن كلا من عند الله عزوجل. قال البخاري حدثنيه يوسف بن عدي حدثنا عبيد الله بن عمرو عن زيد بن أبي أنيسة عن المنهال هو ابن عمرو بالحديث.

وقوله : (خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ) يعني يوم الأحد ويوم الاثنين (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها) أي جعلها مباركة قابلة للخير والبذر والغراس وقدر فيها أقواتها وهو ما ويحتاج أهلها إليه من الأرزاق والأماكن التي تزرع وتغرس يعني يوم الثلاثاء والأربعاء فهما مع اليومين السابقين أربعة ولهذا قال : (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ) أي لمن أراد السؤال عن ذلك ليعلمه وقال عكرمة ومجاهد في قوله عزوجل : (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) جعل في كل أرض ما لا يصلح في غيرها ومنه العصب (١) باليمن والسابوري (٢) بسابور والطيالسة (٣) بالري (٤) وقال ابن عباس وقتادة والسدي في قوله تعالى : (سَواءً لِلسَّائِلِينَ) أي لمن أراد السؤال عن ذلك وقال ابن زيد معناه (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ) أي على وفق مراد من له حاجة إلى رزق أو حاجة فإن الله تعالى قدر له ما هو محتاج إليه وهذا القول يشبه ما ذكروه في قوله تعالى : (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) [إبراهيم : ٣٤] والله أعلم.

وقوله تبارك وتعالى : (ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ) وهو بخار الماء المتصاعد منه حين خلقت الأرض (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) أي استجيبا لأمري وانفعلا لفعلي طائعتين أو مكرهتين قال الثوري عن ابن جريج عن سليمان بن موسى عن مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى : (فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً) قال : قال الله تبارك وتعالى للسموات أطلعي شمسي وقمري ونجومي وقال للأرض شققي أنهارك وأخرجي ثمارك (قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ) واختاره ابن جرير (٥) رحمه‌الله قالتا أتينا طائعين أي بل نستجيب لك مطيعين بما

__________________

(١) العصب : برود يمنية يعصب غزلها. أي يجمع ويشد ثم يصبغ وينسج ، فيأتي موشيا لبقاء ما عصب منه أبيض لم يأخذه صبغ.

(٢) السابوري : نسبة إلى سابور قرية قريبة من أصبهان ، وكل ثوب رقيق يسمى سابري.

(٣) الطيالسة : من لباس العجم ، وقيل هو ثوب يلبس على الكتف.

(٤) انظر تفسير الطبري ١١ / ٩٠.

(٥) تفسير الطبري ١١ / ٩٢.

١٥٢

فينا مما تريد خلقه من الملائكة والجن والإنس جميعا مطيعين لك ، حكاه ابن جرير عن بعض أهل العربية قال وقيل تنزيلا لهن معاملة من يعقل بكلامهما وقيل إن المتكلم من الأرض بذلك هو مكان الكعبة ومن السماء ما يسامته منها والله أعلم وقال الحسن البصري لو أبيا عليه أمره عليه لعذبهما عذابا يجدان ألمه رواه ابن أبي حاتم.

(فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) أي ففرغ من تسويتهن سبع سموات في يومين أي آخرين وهما يوم الخميس ويوم الجمعة (وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها) أي ورتب مقررا في كل سماء ما تحتاج إليه من الملائكة وما فيها من الأشياء التي لا يعلمها إلا هو (وَزَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ) وهي الكواكب المنيرة المشرقة على أهل الأرض (وَحِفْظاً) أي حرسا من الشياطين أن تستمع إلى الملأ الأعلى (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) أي العزيز الذي قد عز كل شيء فغلبه وقهره العليم بجميع حركات المخلوقات وسكناتهم قال ابن جرير حدثنا هناد بن السري حدثنا أبو بكر بن عياش عن أبي سعيد البقال عن عكرمة عن ابن عباس قال هناد : قرأت سائر الحديث أن اليهود أتت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسألته عن خلق السموات والأرض فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «خلق الله تعالى الأرض يوم الأحد ويوم الاثنين وخلق الجبال يوم الثلاثاء وما فيهن من منافع وخلق يوم الأربعاء الشجر والماء والمدائن والعمران والخراب فهذه أربعة (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ) لمن سأله قال وخلق يوم الخميس السماء وخلق يوم الجمعة النجوم والشمس والقمر والملائكة إلى ثلاث ساعات بقيت منه [فخلق في أول ساعة من هذه الثلاثة الآجال حين يموت من مات] وفي الثانية ألقى الآفة على كل شيء مما ينتفع به الناس وفي الثالثة آدم وأسكنه الجنة وأمر إبليس بالسجود له وأخرجه منها في آخر ساعة» ثم قالت اليهود ثم ماذا يا محمد قال «ثم استوى على العرش» قالوا قد أصبت لو أتممت ، قالوا ثم استراح ، فغضب النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم غضبا شديدا فنزل (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَما مَسَّنا مِنْ لُغُوبٍ فَاصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ) [ق : ٣٨] هذا الحديث فيه غرابة.

فأما حديث ابن جريج عن إسماعيل بن أمية عن أيوب بن خالد عن عبد الله بن رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه قال أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيدي فقال : «خلق الله التربة يوم السبت وخلق فيها الجبال يوم الأحد وخلق الشجر يوم الاثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وخلق آدم بعد العصر يوم الجمعة آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات يوم الجمعة فيما بين العصر إلى الليل» (١) فقد رواه مسلم والنسائي في كتابيهما من حديث ابن جريج به وهو من غرائب الصحيح وقد علله البخاري في التاريخ فقال رواه بعضهم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن كعب الأحبار وهو الأصح.

__________________

(١) أخرجه مسلم في المنافقين حديث ٢٧ ، وأحمد في المسند ٢ / ٣٢٧.

١٥٣

(فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ (١٣) إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ قالُوا لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ (١٤) فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (١٥) فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَخْزى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ(١٦) وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (١٧) وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكانُوا يَتَّقُونَ) (١٨)

يقول تعالى قل يا محمد لهؤلاء المشركين المكذبين بما جئتهم به من الحق إن أعرضتم عما جئتكم به من عند الله تعالى فإني أنذركم حلول نقمة الله بكم كما حلت بالأمم الماضين من المكذبين بالمرسلين (صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) أي ومن شاكلها ممن فعل كفعلهما (إِذْ جاءَتْهُمُ الرُّسُلُ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ) كقوله تعالى : (وَاذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ وَقَدْ خَلَتِ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) [الأحقاف : ٢١] أي في القرى المجاورة لبلادهم بعث الله إليهم الرسل يأمرون بعبادة الله وحده لا شريك له ومبشرين ومنذرين ، ورأوا ما أحل الله بأعدائه من النقم ، وما ألبس أولياءه من النعم ، ومع هذا ما آمنوا ولا صدقوا بل كذبوا وجحدوا وقالوا : (لَوْ شاءَ رَبُّنا لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً) أي لو أرسل الله رسلا لكانوا ملائكة من عنده (فَإِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ) أي أيها البشر (كافِرُونَ) أي لا نتبعكم وأنتم بشر مثلنا قال الله تعالى : (فَأَمَّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ) أي بغوا وعتوا وعصوا (وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) أي منوا بشدة تركيبهم وقواهم واعتقدوا أنهم يمتنعون بها من بأس الله (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً) أي أفما يتكفرون فيمن يبارزون بالعداوة فإنه العظيم الذي خلق الأشياء وركب فيها قواها الحاملة لها وأن بطشه شديد كما قال عزوجل : (وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) [الذاريات : ٤٧] فبارزوا الجبار بالعداوة وجحدوا بآياته وعصوا رسوله فلهذا قال : (فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً) قال بعضهم وهي الشديدة الهبوب ، وقيل الباردة. وقيل هي التي لها صوت والحق أنها متصفة بجميع ذلك فإنها كانت ريحا شديدة قوية لتكون عقوبتهم من جنس ما اغتروا به من قواهم وكانت باردة شديدة البرد جدا كقوله تعالى : (بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ) [الحاقة : ٦] أي باردة شديدة وكانت ذات صوت مزعج ، ومنه سمي النهر المشهور ببلاد المشرق صرصرا لقوة صوت جريه.

وقوله تعالى : (فِي أَيَّامٍ نَحِساتٍ) أي متتابعات (سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) [الحاقة : ٧] وكقوله : (فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ) [القمر : ٦٩] أي ابتدءوا العذاب في يوم نحس عليهم واستمر بهم هذا النحس (سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) حتى أبادهم عن آخرهم واتصل بهم خزي الدنيا بعذاب الآخرة ولهذا قال تعالى : (لِنُذِيقَهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ

١٥٤

الْآخِرَةِ أَخْزى) أي أشد خزيا لهم (وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ) أي في الآخرة كما لم ينصروا في الدنيا وما كان لهم من الله من واق يقيهم العذاب ويدرأ عنهم النكال ، وقوله عزوجل : (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ) قال ابن عباس رضي الله عنهما وأبو العالية وسعيد بن جبير وقتادة والسدي وابن زيد : بينا لهم ، وقال الثوري دعوناهم (فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى) أي بصرناهم وبينا لهم ووضحنا لهم الحق على لسان نبيهم صالح عليه الصلاة والسلام فخالفوه وكذبوه وعقروا ناقة الله تعالى التي جعلها آية وعلامة على صدق نبيهم (فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ) أي بعث الله عليهم صيحة ورجفة وذلا وهوانا وعذابا ونكالا (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) أي من التكذيب والجحود (وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا) أي من بين أظهرهم لم يمسهم سوء ولا نالهم من ذلك ضرر بل نجاهم الله تعالى مع نبيهم صالح عليه الصلاة والسلام بإيمانهم وتقواهم لله عزوجل.

(وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩) حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٠) وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٢١) وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ(٢٢) وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ (٢٣) فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) (٢٤)

يقول تعالى : (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) أي اذكر لهؤلاء المشركين يوم يحشرون إلى النار (يُوزَعُونَ) أي تجمع الزبانية أولهم على آخرهم كما قال تبارك وتعالى : (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً) [مريم : ٨٦] أي عطاشا. وقوله عزوجل : (حَتَّى إِذا ما جاؤُها) أي وقفوا عليها (شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ) أي بأعمالهم مما قدموه وأخروه لا يكتم منه حرف (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا) أي لاموا أعضاءهم وجلودهم حين شهدوا عليهم فعند ذلك أجابتهم الأعضاء (قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) أي فهو لا يخالف ولا يمانع وإليه ترجعون.

قال الحافظ أبو بكر البزار حدثنا محمد بن عبد الرحيم حدثنا علي بن قادم حدثنا شريك عن عبيد المكتب عن الشعبي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال ضحك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات يوم وابتسم فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألا تسألوني عن أي شيء ضحكت؟» قالوا يا رسول الله عن أي شيء ضحكت؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «عجبت من مجادلة العبد ربه يوم القيامة يقول أي ربي أليس وعدتني أن لا تظلمني ، قال بلى فيقول فإني لا أقبل علي شاهدا إلا من نفسي فيقول الله تبارك وتعالى أو ليس كفى بي شهيدا وبالملائكة الكرام الكاتبين ـ قال ـ فيردد هذا الكلام مرارا ـ قال ـ فيختم على فيه وتتكلم أركانه بما كان يعمل ، فيقول بعدا لكن وسحقا عنكن كنت أجادل» ثم رواه هو

١٥٥

وابن أبي حاتم من حديث أبي عامر الأسدي عن الثوري عن عبيد المكتب عن فضيل بن عمرو عن الشعبي ثم قال لا نعلم رواه عن أنس رضي الله عنه غير الشعبي وقد أخرجه مسلم والنسائي جميعا عن أبي بكر بن أبي النضر عن أبي النضر عن عبيد الله بن عبد الرحمن الأشجعي عن الثوري به.

ثم قال النسائي لا أعلم أحدا رواه عن الثوري غير الأشجعي وليس كما قال كما رأيت والله أعلم.

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا إسماعيل ابن علية عن يونس بن عبيد عن حميد بن هلال قال : قال أبو بردة : قال أبو موسى : ويدعى الكافر والمنافق للحساب فيعرض عليه ربه عزوجل عمله فيجحد ويقول أي رب وعزتك لقد كتب عليّ هذا الملك ما لم أعمل فيقول له الملك أما عملت كذا في يوم كذا في مكان كذا؟ فيقول لا وعزتك أي رب ما عملته قال فإذا فعل ذلك ختم على فيه ، قال الأشعري رضي الله عنه : فإني لأحسب أول ما ينطق منه فخذه اليمنى.

وقال الحافظ أبو يعلى حدثنا زهير حدثنا حسن عن ابن لهيعة قال دراج عن أبي الهيثم عن أبي سعيد الخدري عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إذا كان يوم القيامة عرف الكافر بعمله فجحد وخاصم فيقول هؤلاء جيرانك يشهدون عليك فيقول كذبوا فيقول أهلك وعشيرتك فيقول كذبوا فيقول احلفوا فيحلفون ثم يصمتهم الله تعالى وتشهد عليهم ألسنتهم ويدخلهم النار» وقال ابن أبي حاتم : وحدثنا أبي حدثنا أحمد بن إبراهيم حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث قال : سمعت أبي يقول حدثنا علي بن زيد عن مسلم بن صبيح أبي الضحى عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال لابن الأزرق إن يوم القيامة يأتي على الناس منه حين لا ينطقون ولا يعتذرون ولا يتكلمون حتى يؤذن لهم ثم يؤذن لهم فيختصمون فيجحد الجاحد بشركه بالله تعالى فيحلفون له كما يحلفون لكم فيبعث الله تعالى عليهم حين يجحدون شهداء من أنفسهم جلودهم وأبصارهم وأيديهم وأرجلهم ويختم على أفواههم ثم يفتح لهم الأفواه فتخاصم الجوارح فتقول : (أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) فتقر الألسنة بعد الجحود.

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا عبدة بن سليمان حدثنا ابن المبارك حدثنا صفوان بن عمرو عن عبد الرحمن بن جبير الحضرمي ، عن رافع أبي الحسن قال وصف رجلا جحد قال فيشير الله تعالى إلى لسانه فيربو في فمه حتى يملأه فلا يستطيع أن ينطق بكلمة ثم يقول لآرابه (١) كلها تكلمي واشهدي عليه فيشهد عليه سمعه وبصره وجلده وفرجه ويداه ورجلاه صنعنا عملنا فعلنا. وقد تقدم أحاديث كثيرة وآثار عند قوله تعالى في سورة يس (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ

__________________

(١) آرابه : أي أعضائه.

١٥٦

وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) [يس : ٦٥] بما أغنى عن إعادته هاهنا.

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي حدثنا سويد بن سعيد حدثنا يحيى بن سليم الطائفي عن ابن خثيم عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : لما رجعت إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم مهاجرة البحر قال «ألا تحدثون بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة؟» فقال فتية منهم : بلى يا رسول الله بينما نحن جلوس إذ مرت علينا عجوز من عجائز رهابينهم تحمل على رأسها قلة من ماء فمرت بفتى منهم فجعل إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت على ركبتيها فانكسرت قلتها فلما ارتفعت التفتت إليه فقالت سوف تعلم يا غدر إذا وضع الله الكرسي وجمع الأولين والآخرين وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون فسوف تعلم كيف أمري وأمرك عنده غدا؟ قال يقول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «صدقت صدقت كيف يقدس الله قوما لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم» (١) هذا حديث غريب من هذا الوجه ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الأهوال حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا يحيى بن سليم به.

وقوله تعالى : (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ) أي تقول لهم الأعضاء والجلود حين يلومونها على الشهادة عليهم ما كنتم تتكتّمون منا الذي كنتم تفعلونه بل كنتم تجاهرون الله بالكفر والمعاصي ولا تبالون منه في زعمكم لأنكم كنتم لا تعتقدون أنه يعلم جميع أفعالكم ولهذا قال تعالى : (وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ) أي هذا الظن الفاسد وهو اعتقادكم أن الله تعالى لا يعلم كثيرا مما تعملون هو الذي أتلفكم وأرداكم عند ربكم (فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) أي في مواقف القيامة خسرتم أنفسكم وأهليكم.

قال الإمام أحمد (٢) حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عمارة عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله رضي الله عنه قال : كنت مستترا بأستار الكعبة فجاء ثلاثة نفر قرشي وختناه ثقفيان ـ أو ثقفي وختناه قرشيان ـ كثير شحم بطونهم ، قليل فقه قلوبهم فتكلموا بكلام لم أسمعه ، فقال أحدهم : أترون أن الله يسمع كلامنا هذا ، فقال الآخر : إنا إذا رفعنا أصواتنا سمعه وإذا لم نرفعه لم يسمعه فقال الآخر : إن سمع منه شيئا سمعه كله ـ قال ـ فذكرت ذلك للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأنزل الله عزوجل (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ) ـ إلى قوله ـ (مِنَ الْخاسِرِينَ) وهكذا رواه الترمذي (٣) عن هناد عن أبي معاوية بإسناده نحوه ، وأخرجه أحمد(٤)

__________________

(١) أخرجه ابن ماجة في الفتن باب ٣٠.

(٢) المسند ١ / ٣٨١.

(٣) كتاب التفسير ، تفسير سورة ٤١ باب ١.

(٤) المسند ١ / ٤٠٨ ، ٤٢٦.

١٥٧

ومسلم (١) والترمذي (٢) أيضا من حديث سفيان الثوري عن الأعمش عن عمارة بن عمير عن وهب بن ربيعة عن عبد الله بن مسعود بنحوه ، ورواه البخاري (٣) ومسلم (٤) أيضا من حديث السفيانين كلاهما عن منصور عن مجاهد عن أبي معمر عبد الله بن سخبرة عن ابن مسعود رضي الله عنه به.

وقال عبد الرزاق : حدثنا معمر عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قوله تعالى : (أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ) قال : «إنكم تدعون يوم القيامة مفدما على أفواهكم بالفدام فأول شيء يبين عن أحدكم فخذه وكفه» (٥) قال معمر : وتلا الحسن (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ) ثم قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «قال الله تعالى أنا مع عبدي عند ظنه بي وأنا معه إذا دعاني» (٦) ثم افتر (٧) الحسن ينظر في هذا فقال : ألا إنما عمل الناس على قدر ظنونهم بربهم فأما المؤمن فأحسن الظن بربه فأحسن العمل ، وأما الكافر والمنافق فأساءا الظن بالله فأساءا العمل ثم قال : قال الله تبارك وتعالى : (وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ) ـ إلى قوله ـ (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) الآية.

وقال الإمام أحمد (٨) : حدثنا النضر بن إسماعيل القاص وهو أبو المغيرة حدثنا ابن أبي ليلى عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا يموتن أحد منكم إلا وهو يحسن بالله الظن فإن قوما قد أرداهم سوء ظنهم بالله فقال الله تعالى : (وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) وقوله تعالى : (فَإِنْ يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا فَما هُمْ مِنَ الْمُعْتَبِينَ) أي سواء عليهم صبروا أم لم يصبروا هم في النار لا محيد لهم عنها ولا خروج لهم منها ، وإن طلبوا ان يستعتبوا ويبدوا أعذارهم فما لهم أعذار ولا تقال لهم عثرات. قال ابن جرير (٩) : ومعنى قوله تعالى : (وَإِنْ يَسْتَعْتِبُوا) أي يسألوا الرجعة إلى الدنيا

__________________

(١) كتاب المنافقين حديث ٨.

(٢) كتاب التفسير ، تفسير سورة ٤١ باب ٢.

(٣) كتاب التفسير ، تفسير سورة ٤١ ، باب ٢.

(٤) كتاب المنافقين حديث ٨.

(٥) أخرجه أحمد في المسند ٥ / ٤ ، ٥.

(٦) روي الحديث بطرق وأسانيد متعددة ، أخرجه البخاري في التوحيد باب ١٥ ، ٣٥ ، ومسلم في التوبة حديث ١ ، والذكر حديث ٢ ، ٩ ، والترمذي في الزهد باب ٥١ ، والدعوات باب ١٣١ ، وابن ماجة في الأدب باب ٥٨ ، وأحمد في المسند ٢ / ٢٥١ ، ٣ / ٢١٠ ، ٤ / ١٠٦.

(٧) أفتر : أي تبسم حتى بدت أسنانه من غير قهقهة.

(٨) المسند ٣ / ٣٩٠ ، ٣٩١.

(٩) تفسير الطبري ١١ / ١٠٣.

١٥٨

فلا جواب لهم قال وهذا كقوله تعالى إخبارا عنهم : (قالُوا رَبَّنا غَلَبَتْ عَلَيْنا شِقْوَتُنا وَكُنَّا قَوْماً ضالِّينَ رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) [المؤمنون : ١٠٦ ـ ١٠٨].

(وَقَيَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ (٢٥) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ (٢٦) فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٢٧) ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ (٢٨) وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاَّنا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) (٢٩)

يذكر تعالى أنه هو الذي أضل المشركين وأن ذلك بمشيئته وكونه وقدرته وهو الحكيم في أفعاله بما قيض لهم من القرناء من شياطين الإنس والجن (فَزَيَّنُوا لَهُمْ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ) أي حسنوا لهم أعمالهم في الماضي وبالنسبة إلى المستقبل فلم يروا أنفسهم إلا محسنين كما قال تعالى : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) [الزخرف : ٣٦ ـ ٣٧].

وقوله تعالى : (وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ) أي كلمة العذاب كما حق على أمم قد خلت من قبلهم ممن فعل كفعلهم من الجن والإنس (إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ) أي استووا هم وإياهم في الخسار والدمار. وقوله تعالى : (وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهذَا الْقُرْآنِ) أي تواصوا فيما بينهم أن لا يطيعوا للقرآن ولا ينقادوا لأوامره (وَالْغَوْا فِيهِ) أي إذا تلي لا تستمعوا له كما قال مجاهد (وَالْغَوْا فِيهِ) يعني بالمكاء والصفير والتخليط في المنطق على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا قرأ القرآن قريش تفعله (١).

وقال الضحاك عن ابن عباس (وَالْغَوْا فِيهِ) عيبوه ، وقال قتادة : اجحدوا به وأنكروه وعادوه (لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) هذا حال هؤلاء الجهلة من الكفار ومن سلك مسلكهم عند سماع القرآن وقد أمر الله سبحانه وتعالى عباده المؤمنين بخلاف ذلك فقال تعالى : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأعراف : ٢٠٤].

ثم قال عزوجل منتصرا للقرآن ومنتقما ممن عاداه من أهل الكفران (فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً) أي في مقابلة ما اعتمدوه في القرآن وعند سماعهم (وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) ي بشر أعمالهم وسيئ أفعالهم (ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللهِ النَّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلَّانا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ نَجْعَلْهُما

__________________

(١) انظر تفسير الطبري ١١ / ١٠٤.

١٥٩

تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) قال سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل عن مالك بن الحصين الفزاري عن أبيه عن علي رضي الله عنه في قوله تعالى : (الَّذَيْنِ أَضَلَّانا) قال إبليس وابن آدم الذي قتل أخاه (١). وهكذا روى حبة العرني عن علي رضي الله عنه مثل ذلك.

وقال السدي عن علي رضي الله عنه فإبليس يدعو به كل صاحب شرك وابن آدم يدعو به كل صاحب كبيرة فإبليس لعنه الله هو الداعي إلى كل شر من شرك فما دونه وابن آدم الأول كما ثبت في الحديث «ما قتلت نفس ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه أول من سن القتل» (٢). وقولهم : (نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا) أي أسفل منا في العذاب ليكونا أشد عذابا منا ولهذا قالوا (لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ) أي في الدرك الأسفل من النار كما تقدم في الأعراف في سؤال الاتباع من الله تعالى أن يعذب قادتهم أضعاف عذابهم (قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف : ٣٨] أي أنه تعالى قد أعطى كلا منهم ما يستحقه من العذاب والنكال بحسب عمله وإفساده كما قال تعالى (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ) [النحل : ٨٨].

(إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (٣٠) نَحْنُ أَوْلِياؤُكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيها ما تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ) (٣٢)

يقول تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) أي أخلصوا العمل لله وعملوا بطاعة الله تعالى على ما شرع الله لهم قال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا الجراح حدثنا سلم بن قتيبة أبو قتيبة الشعيري حدثنا سهيل بن أبي حزم حدثنا ثابت عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قرأ علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هذه الآية : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا) قد قالها ناس ثم كفر أكثرهم فمن قالها حتى يموت فقد استقام عليها ، وكذا رواه النسائي في تفسيره والبزار وابن جرير عن عمرو بن علي الفلاس عن سلم بن قتيبة به. وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن الفلاس به.

ثم قال ابن جرير (٣) : حدثنا ابن بشار حدثنا عبد الرحمن حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن عامر بن سعد عن سعيد بن نمران (٤) قال : قرأت عند أبي بكر الصديق رضي الله عنه هذه الآية :

__________________

(١) انظر تفسير الطبري ١١ / ١٠٥.

(٢) أخرجه البخاري في الجنائز باب ٣٢ ، والاعتصام باب ١٥ ، والأنبياء باب ١ ، ومسلم في القسامة حديث ٢٧ ، والترمذي في العلم باب ١٤ ، وابن ماجة في الديات باب ١ ، وأحمد في المسند ١ / ٣٨٣ ، ٤٣٣.

(٣) تفسير الطبري ١١ / ١٠٦.

(٤) في تفسير الطبري : سعيد بن عمران.

١٦٠