تفسير القرآن العظيم - ج ٧

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي

تفسير القرآن العظيم - ج ٧

المؤلف:

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2221-5

الصفحات: ٤٨٠

أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) أي قدرتك عظيمة فإنك أحييتنا بعد ما كانا أمواتا ثم أمتنا ثم أحييتنا فأنت قادر على ما تشاء ، وقد اعترفنا بذنوبنا وإننا كنا ظالمين لأنفسنا في الدار الدنيا (فَهَلْ إِلى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ) أي فهل أنت مجيبنا إلى أن تعيدنا إلى الدار الدنيا فإنك قادر على ذلك لنعمل غير الذي كنا نعمل فإن عدنا إلى ما كنا فيه فإنا ظالمون ، فأجيبوا أن لا سبيل إلى عودكم ومرجعكم إلى الدار الدنيا ، ثم علل المنع من ذلك بأن سجاياكم لا تقبل الحق ولا تقتضيه بل تجحده وتنفيه ، ولهذا قال تعالى : (ذلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذا دُعِيَ اللهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا) أي أنتم هكذا تكونون وإن رددتم إلى الدار الدنيا كما قال عزوجل : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ) [الأنعام : ٢٨].

وقوله جل وعلا : (فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) أي هو الحاكم في خلقه العادل الذي لا يجور فيهدي من يشاء ويضل من يشاء ويرحم من يشاء ويعذب من يشاء لا إله إلا هو ، وقوله جل جلاله : (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آياتِهِ) أي يظهر قدرته لخلقه بما يشاهدونه في خلقه العلوي والسفلي من الآيات العظيمة الدالة على كمال خالقها ومبدعها ومنشئها (وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً) وهو المطر الذي يخرج به من الزروع والثمار ما هو مشاهد بالحس من اختلاف ألوانه وطعومه وروائحه وأشكاله وألوانه وهو ماء واحد فبالقدرة العظيمة فاوت بين هذه الأشياء (وَما يَتَذَكَّرُ) أي يعتبر ويتفكر في هذه الأشياء ويستدل بها على عظمة خالقها (إِلَّا مَنْ يُنِيبُ) أي من هو بصير منيب إلى الله تبارك وتعالى.

وقوله عزوجل : (فَادْعُوا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) أي فأخلصوا لله وحده العبادة والدعاء وخالفوا المشركين في مسلكهم ومذهبهم. قال الإمام أحمد (١) : حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا هشام يعني ابن عروة بن الزبير عن أبي الزبير محمد بن مسلم بن مدرس المكي قال : كان عبد الله بن الزبير يقول في دبر كل صلاة حين يسلم لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن ، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ، قال : وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة ، ورواه مسلم وأبو داود والنسائي من طرق عن هشام بن عروة وحجاج بن أبي عثمان وموسى بن عقبة ثلاثتهم عن أبي الزبير عن عبد الله بن الزبير قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول في دبر كل صلاة : «لا إله إلا الله وحده لا شريك له» (٢) وذكر تمامه. وقد ثبت في الصحيح عن ابن الزبير رضي الله عنهما أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يقول عقب الصلوات المكتوبات : «لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له

__________________

(١) المسند ٤ / ٤.

(٢) أخرجه مسلم في المساجد حديث ١٣٧ ، ١٣٨ ، وأبو داود في الوتر باب ٢٤ ، والنسائي في السهو باب ٨٣.

١٢١

الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله ، لا إله إلا الله ، ولا نعبد إلا إياه ، له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن ، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون»(١). وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الربيع حدثنا الخصيب بن ناصح حدثنا صالح يعني المري عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ادعوا الله تبارك وتعالى وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله تعالى لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه».

(رَفِيعُ الدَّرَجاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ (١٥) يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ(١٦) الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) (١٧)

يقول تعالى مخبرا عن عظمته وكبريائه وارتفاع عرشه العظيم العالي على جميع مخلوقاته كالسقف لها كما قال تعالى : (مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) [المعارج : ٣ ـ ٤] وسيأتي إن شاء الله تعالى بيان أن هذه مسافة ما بين العرش إلى الأرض السابعة في قول جماعة من السلف والخلف وهو الأرجح إن شاء الله وقد ذكر غير واحد أن العرش من ياقوتة حمراء اتساع ما بين قطريه مسيرة خمسين ألف سنة. وارتفاعه عن الأرض السابعة مسيرة خمسين ألف سنة وقد تقدم في حديث الأوعال ما يدل على ارتفاعه عن السموات السبع بشيء عظيم.

وقوله تعالى : (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) كقوله جلت عظمته : (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ) [النحل : ٢] وكقوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ) [الشعراء : ١٩٢ ـ ١٩٤] ولهذا قال عزوجل : (لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس يوم التلاق اسم من أسماء يوم القيامة حذر الله منه عباده (٢).

وقال ابن جريج قال ابن عباس رضي الله عنهما يلتقي فيه آدم وآخر ولده وقال ابن زيد يلتقي فيه العباد. وقال قتادة والسدي وبلال بن سعد وسفيان بن عيينة يلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض وقال قتادة أيضا : يلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض وقال قتادة أيضا : يلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض والخالق والخلق ، وقال ميمون بن مهران يلتقي الظالم والمظلوم ، وقد يقال إن يوم التلاق يشمل هذا كله ويشمل أن كل عامل سيلقى ما عملها من خير وشر كما قاله آخرون.

__________________

(١) أخرجه مسلم في المساجد حديث ١٣٩. وأحمد في المسند ٤ / ٤ ، ٥.

(٢) تفسير الطبري ١١ / ٤٧.

١٢٢

وقوله جل جلاله : (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) أي ظاهرون بادون كلهم لا شيء يكنهم ولا يظلهم ولا يسترهم ولهذا قال : (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ) أي الجميع في علمه على السواء. وقوله تبارك وتعالى : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) قد تقدم في حديث ابن عمر رضي الله عنهما أنه تعالى يطوي السموات والأرض بيده ثم يقول أنا الملك أنا الجبار أنا المتكبر ، أين ملوك الأرض؟ أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ وفي حديث الصور أنه عزوجل إذا قبض أرواح جميع خلقه فلم يبق سواه وحده لا شريك له حينئذ يقول لمن الملك اليوم؟ ثلاث مرات ثم يجيب نفسه قائلا (لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) أي الذي هو وحده قد قهر كل شيء وغلبه. وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن غالب الدقاق حدثنا عبيد بن عبيدة حدثنا معتمر عن أبيه حدثنا أبو نضرة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ينادي مناد بين يدي الساعة يا أيها الناس أتتكم الساعة فيسمعها الأحياء والأموات قال وينزل الله عزوجل إلى السماء الدنيا ويقول : (لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ).

وقوله جلت عظمته : (الْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) يخبر تعالى عن عدله في حكمه بين خلقه أنه لا يظلم مثقال ذرة من خير ولا من شر بل يجزي بالحسنة عشر أمثالها وبالسيئة واحدة ولهذا قال تبارك وتعالى : (لا ظُلْمَ الْيَوْمَ) كما ثبت في صحيح مسلم عن أبي ذر رضي الله عنه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما يحكي عن ربه عزوجل أنه قال : «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا ـ إلى أن قال ـ يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها عليكم ثم أوفيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله تبارك وتعالى ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه» (١) وقوله عزوجل : (إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ) أي يحاسب الخلائق كلهم كما يحاسب نفسا واحدة كما قال جل وعلا : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) [لقمان : ٢٨] وقال جل جلاله : (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ) [القمر : ٥٠].

(وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ (١٨) يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩) وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (٢٠)

يوم الآزفة اسم من أسماء يوم القيامة وسميت بذلك لاقترابها كما قال تعالى : (أَزِفَتِ الْآزِفَةُ لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ اللهِ كاشِفَةٌ) [النجم : ٥٧ ـ ٥٨] وقال عزوجل : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) [القمر : ١] وقال جل وعلا : (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسابُهُمْ) [الأنبياء : ١] وقال :

__________________

(١) أخرجه مسلم في البر حديث ٥٥ ، وأحمد في المسند ٥ / ١٦٠.

١٢٣

(أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ) [النحل : ١] وقال جل جلاله : (فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَقِيلَ هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَدَّعُونَ) [الملك : ٢٧] الآية. وقوله تبارك وتعالى: (إِذِ الْقُلُوبُ لَدَى الْحَناجِرِ كاظِمِينَ) قال قتادة وقفت القلوب في الحناجر من الخوف فلا تخرج ولا تعود إلى أماكنها ، وكذا قال عكرمة والسدي وغير واحد ، ومعنى كاظمين أي ساكتين لا يتكلم أحد إلا بإذنه (يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) [النبأ : ٣٨] وقال ابن جريج (كاظِمِينَ) أي باكين. وقوله سبحانه وتعالى : (ما لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطاعُ) أي ليس للذين ظلموا أنفسهم بالشرك بالله من قريب منهم ينفعهم ولا شفيع يشفع فيهم بل قد تقطعت بهم الأسباب من كل خير.

وقوله تعالى : (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) يخبر عزوجل عن علمه التام المحيط بجميع الأشياء جليلها وحقيرها ، صغيرها وكبيرها ، دقيقها ولطيفها ليحذر الناس علمه فيهم فيستحيوا من الله تعالى حق الحياء ويتقوه حق تقواه ، ويراقبوه مراقبة من يعلم أنه يراه فإنه عزوجل يعلم العين الخائنة وإن أبدت أمانة ويعلم ما تنطوي عليه خبايا الصدور من الضمائر والسرائر. قال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) هو الرجل يدخل على أهل البيت بيتهم وفيهم المرأة الحسناء أو تمر به وبهم المرأة الحسناء فإذا غفلوا لحظ إليها فإذا فطنوا غض بصره عنها فإذا غفلوا لحظ فإذا فطنوا غض ، وقد اطلع الله تعالى من قلبه أنه ود أن لو اطلع على فرجها. رواه ابن أبي حاتم ، وقال الضحاك (خائِنَةَ الْأَعْيُنِ) هو الغمز وقول الرجل رأيت ولم ير. أو لم أر وقد رأى. وقال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما يعلم الله تعالى من العين في نظرها هل تريد الخيانة أم لا؟ وكذا قال مجاهد وقتادة ، وقال ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى : (وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) يعلم إذا أنت قدرت عليها هل تزني بها أم لا؟ وقال السدي (وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) أي من الوسوسة.

وقوله عزوجل : (وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِ) أي يحكم بالعدل ، قال الأعمش عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله تعالى : (وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِ) قادر على أن يجزي بالحسنة الحسنة وبالسيئة السيئة (إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) وهذا الذي فسر به ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية كقوله تبارك وتعالى : (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى) [النجم : ٣١] وقوله جل وعلا : (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ) أي من الأصنام والأوثان والأنداد (لا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ) أي لا يملكون شيئا ولا يحكمون بشيء (إِنَّ اللهَ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) أي سميع لأقوال خلقه بصير بهم فيهدي من يشاء ويضل من يشاء وهو الحاكم العادل في جميع ذلك.

١٢٤

(أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثاراً فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ (٢١) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَكَفَرُوا فَأَخَذَهُمُ اللهُ إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ) (٢٢)

يقول تعالى : (أَوَلَمْ يَسِيرُوا) هؤلاء المكذبون برسالتك يا محمد (فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ كانُوا مِنْ قَبْلِهِمْ) أي من الأمم المكذبة بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام ما حل بهم من العذاب والنكال مع أنهم كانوا أشد من هؤلاء قوة (وَآثاراً فِي الْأَرْضِ) أي أثروا في الأرض من البنايات والمعالم والديارات ما لا يقدر هؤلاء عليه كما قال عزوجل : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ) [الأحقاف : ٢٦] وقال تعالى : (وَأَثارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها) [الروم : ٩] أي مع هذه القوة العظيمة والبأس الشديد أخذهم الله بذنوبهم وهي كفرهم برسلهم (وَما كانَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ) أي وما دفع عنهم عذاب الله أحد ولا رده عنهم راد ، ولا وقاهم واق ، ثم ذكر علقة أخذه إياهم وذنوبهم التي ارتكبوها واجترموها فقال تعالى: (ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانَتْ تَأْتِيهِمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي بالدلائل الواضحات والبراهين القاطعات (فَكَفَرُوا) أي مع هذا البيان والبرهان كفروا وجحدوا (فَأَخَذَهُمُ اللهُ) تعالى أي أهلكهم ودمر عليهم وللكافرين أمثالها (إِنَّهُ قَوِيٌّ شَدِيدُ الْعِقابِ) أي ذو قوة عظيمة وبطش شديد وهو شديد العقاب أي عقابه أليم شديد وجيع ، أعاذنا الله تبارك وتعالى منه.

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ (٢٣) إِلى فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَقارُونَ فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٢٤) فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (٢٥) وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ (٢٦) وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ) (٢٧)

يقول تعالى مسليا لنبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم في تكذيب من كذبه من قومه ومبشرا له بأن العاقبة والنصرة له في الدنيا والآخرة كما جرى لموسى بن عمران عليه‌السلام فإن الله تعالى أرسله بالآيات البينات. والدلائل الواضحات. ولهذا قال تعالى : (بِآياتِنا وَسُلْطانٍ مُبِينٍ) والسلطان هو الحجة والبرهان (إِلى فِرْعَوْنَ) وهو ملك القبط بالديار المصرية (وَهامانَ) وهو وزيره في مملكته (وَقارُونَ) وكان أكثر الناس في زمانه مالا وتجارة (فَقالُوا ساحِرٌ كَذَّابٌ) أي كذبوه وجعلوه ساحرا مجنونا ممحزقا مموها كذابا في أن الله أرسله وهذه كقوله تعالى : (كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) [الذاريات : ٥٢ ـ ٥٣].

١٢٥

(فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِنا) أي بالبرهان القاطع الدال على أن الله عزوجل أرسله إليهم (قالُوا اقْتُلُوا أَبْناءَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ وَاسْتَحْيُوا نِساءَهُمْ) وهذا أمر ثان من فرعون بقتل ذكور بني إسرائيل. أما الأول فكان لأجل الاحتراز من وجود موسى أو لإذلال هذا الشعب وتقليل عددهم أو لمجموع الأمرين ، وأما الأمر الثاني فللعلة الثانية لإهانة هذا الشعب ولكي يتشاءموا بموسى عليه‌السلام ولهذا قالوا : (أُوذِينا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنا وَمِنْ بَعْدِ ما جِئْتَنا قالَ عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) [الأعراف : ١٢٩] قال قتادة هذا أمر بعد أمر.

قال الله عزوجل : (وَما كَيْدُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) أي وما مكرهم وقصدهم الذي هو تقليل عدد بني إسرائيل لئلا ينصروا عليهم إلا ذاهب وهالك في ضلال (وَقالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) وهذا عزم من فرعون لعنه الله تعالى إلى قتل موسى عليه الصلاة والسلام أي قال لقومه دعوني حتى أقتل لكم هذا (وَلْيَدْعُ رَبَّهُ) أي لا أبالي به ، وهذا في غاية الجحد والتجهرم والعناد ، قوله قبحه الله : (إِنِّي أَخافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ) يعني موسى ، يخشى فرعون أن يضل موسى الناس ويغير رسومهم وعاداتهم ، وهذا كما يقال في المثل : صار فرعون مذكرا ، يعني واعظا يشفق على الناس من موسى عليه‌السلام. وقرأ الأكثرون أن يبدل دينكم وأن يظهر في الأرض الفساد وقرأ آخرون (أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ) وقرأ بعضهم (يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسادَ) بالضم (١) (وَقالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ) أي لما بلغه قول فرعون (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى) قال موسى عليه‌السلام استجرت بالله وعذت به من شره وشر أمثاله ولهذا قال : (إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ) أيها المخاطبون (مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ) أي عن الحق مجرم «لا يؤمن بيوم الحساب» ولهذا جاء في الحديث عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان إذا خاف قوما قال : «اللهم إنا نعوذ بك من شرورهم وندرأ بك في نحورهم» (٢).

(وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ (٢٨) يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جاءَنا قالَ فِرْعَوْنُ ما أُرِيكُمْ إِلاَّ ما أَرى وَما أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشادِ) (٢٩)

المشهور أن هذا الرجل المؤمن كان قبطيا من آل فرعون قال السدي : كان ابن عم فرعون

__________________

(١) انظر تفسير الطبري ١١ / ٥٣.

(٢) أخرجه أبو داود في الوتر باب ٣٠ ، وأحمد في المسند ٤ / ٤١٤ ، ٤١٥.

١٢٦

ويقال إنه الذي نجا مع موسى عليه الصلاة والسلام ، واختاره ابن جرير ورد قول من ذهب إلى أنه كان إسرائيليا لأن فرعون انفعل لكلامه واستمعه وكف عن قتل موسى عليه‌السلام ، ولو كان إسرائيليا لأوشك أن يعاجل بالعقوبة لأنه منهم وقال ابن جريج عن ابن عباس رضي الله عنهما لم يؤمن من آل فرعون سوى هذا الرجل وامرأة فرعون والذي قال : (يا مُوسى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ) رواه ابن أبي حاتم وقد كان هذا الرجل يكتم إيمانه عن قومه القبط فلم يظهر إلا هذا اليوم حين قال فرعون (ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسى) فأخذت الرجل غضبة لله عزوجل. وأفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر (١) كما ثبت بذلك الحديث.

ولا أعظم من هذه الكلمة عند فرعون وهي قوله : (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ) اللهم إلا ما رواه البخاري في صحيحه حيث قال حدثنا علي بن عبد الله حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا الأوزاعي حدثني يحيى بن أبي كثير حدثني محمد بن إبراهيم التيمي حدثني عروة بن الزبير رضي الله تعالى عنهما قال قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أخبرني بأشد شيء صنعه المشركون برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال بينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلي بفناء الكعبة إذ أقبل عقبة بن أبي معيط فأخذ بمنكب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ولوى ثوبه في عنقه فخنقه خنقا شديدا فأقبل أبو بكر رضي الله عنه فأخذ بمنكبه ودفعه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ثم قال : (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ) (٢) انفرد به البخاري من حديث الأوزاعي.

قال وتابعه محمد بن إسحاق عن يحيى بن عروة عن أبيه به. وقال ابن أبي حاتم حدثنا هارون بن إسحاق الهمداني حدثنا عبدة عن هشام يعني ابن عروة عن أبيه عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه سئل ما أشد ما رأيت قريشا بلغوا من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ قال مر صلى‌الله‌عليه‌وسلم بهم ذات يوم فقالوا له أنت تنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا؟ فقال : «أنا ذاك» فقاموا إليه فأخذوا بمجامع ثيابه فرأيت أبا بكر رضي الله عنه محتضنه من ورائه وهو يصيح بأعلى صوته وإن عينيه لتسيلان وهو يقول : يا قوم (أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللهُ وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ) حتى فرغ من الآية كلها وهكذا رواه النسائي من حديث عبدة فجعله من مسند عمرو بن العاص رضي الله عنه.

وقوله تعالى : (وَقَدْ جاءَكُمْ بِالْبَيِّناتِ مِنْ رَبِّكُمْ) أي كيف تقتلون رجلا لكونه يقول ربي الله وقد أقام لكم البرهان على صدق ما جاءكم به من الحق؟ ثم تنزل معهم في المخاطبة فقال: (وَإِنْ يَكُ كاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) يعني إذا لم يظهر لكم

__________________

(١) أخرجه أبو داود في الملاحم باب ١٧ ، والترمذي في الفتن باب ١٣ ، والنسائي في البيعة باب ٣٧ ، وابن ماجة في الفتن باب ٢٠ ، وأحمد في المسند ٣ / ١٩ ، ٦١ ، ٤ / ٣١٤ ، ٣١٥ ، ٥ / ٢٥١ ، ٢٥٦.

(٢) أخرجه البخاري في مناقب الأنصار باب ٣٩ ، وتفسير سورة ٤٠ باب ١ ، ومسلم في فضائل الصحابة حديث ١٤.

١٢٧

صحة ما جاءكم به فمن العقل والرأي التام والحزم أن تتركوه ونفسه فلا تؤذوه فإن يك كاذبا فإن الله سبحانه وتعالى سيجازيه على كذبه بالعقوبة في الدنيا والآخرة وإن يكن صادقا وقد آذيتموه يصبكم بعض الذي يعدكم فإنه يتوعدكم إن خالفتموه بعذاب في الدنيا والآخرة فمن الجائز عندكم أن يكون صادقا فينبغي على هذا أن لا تتعرضوا له بل اتركوه وقومه يدعوهم ويتبعونه. وهكذا أخبر الله عزوجل عن موسى عليه‌السلام أنه طلب من فرعون وقومه الموادعة في قوله : (وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ وَجاءَهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبادَ اللهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ وَأَنْ لا تَعْلُوا عَلَى اللهِ إِنِّي آتِيكُمْ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ وَإِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ. وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ) [الدخان : ١٧ ـ ٢١] وهكذا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لقريش أن يتركوه يدعو إلى الله تعالى عباد الله ولا يمسوه بسوء وأن يصلوا ما بينه وبينهم من القرابة في ترك أذيته.

قال الله عزوجل : (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى) [الشورى : ٣٢] أي إلا أن لا تؤذوني فيما بيني وبينكم من القرابة فلا تؤذوني وتتركوا بيني وبين الناس ، وعلى هذا وقعت الهدنة يوم الحديبية وكان فتحا مبينا ، وقوله جل وعلا : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ) أي لو كان هذا الذي يزعم أن الله تعالى أرسله إليكم كاذبا كما تزعمون لكان أمره بينا يظهر لكل أحد في أقواله وأفعاله فكانت تكون في غاية الاختلاف والاضطراب وهذا نرى أمره سديدا ومنهجه مستقيما ، ولو كان من المسرفين الكذابين لما هداه الله وأرشده إلى ما ترون من انتظام أمره وفعله ، ثم قال المؤمن محذرا قومه زوال نعمة الله عنهم وحلول نقمة الله بهم : (يا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ) أي قد أنعم الله عليكم بهذا الملك والظهور في الأرض بالكلمة النافذة والجاه العريض فراعوا هذه النعمة بشكر الله تعالى وتصديق رسولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم واحذروا نقمة الله إن كذبتم رسوله.

(فَمَنْ يَنْصُرُنا مِنْ بَأْسِ اللهِ إِنْ جاءَنا) أي لا تغني عنكم هذه الجنود وهذه العساكر ولا ترد عنا شيئا من بأس الله إن أرادنا بسوء قال فرعون لقومه رادا على ما أشار به هذا الرجل الصالح البار الراشد الذي كان أحق بالملك من فرعون (ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى) أي ما أقول لكم وأشير عليكم إلا ما أراه لنفسي وقد كذب فرعون فإنه كان يتحقق صدق موسى عليه‌السلام فيما جاء به من الرسالة (قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ) [الإسراء: ١٠٢] وقال الله تعالى : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا) [النمل: ١٤] فقوله : (ما أُرِيكُمْ إِلَّا ما أَرى) كذب فيه وافترى وخان الله تبارك وتعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ورعيته فغشهم وما نصحهم وكذا قوله : (وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ) أي وما أدعوكم إلا إلى طريق الحق والصدق والرشد وقد كذب أيضا في ذلك وإن كان قومه قد أطاعوه واتبعوه قال الله تبارك وتعالى : (فَاتَّبَعُوا أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) [هود : ٩٧] وقال جلت عظمته : (وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى) [طه : ٧٩] وفي الحديث «ما من إمام يموت يوم يموت وهو غاش

١٢٨

لرعيته إلا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة خمسمائة عام» (١) والله سبحانه وتعالى الموفق للصواب.

(وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ (٣٠) مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ (٣١) وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ (٣٢) يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ(٣٣) وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ (٣٤) الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) (٣٥)

هذا إخبار من الله عزوجل عن هذا الرجل الصالح مؤمن آل فرعون أنه حذر قومه بأس الله تعالى في الدنيا والآخرة فقال : (يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ) أي الذين كذبوا رسل الله في قديم الدهر كقوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم من الأمم المكذبة كيف حل بهم بأس الله وما رده عنهم راد ولا صده عنهم صاد (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ) أي إنما أهلكهم الله تعالى بذنوبهم وتكذيبهم رسله ومخالفتهم أمره فأنفذ فيهم قدره ثم قال : (وَيا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ التَّنادِ) يعني يوم القيامة وسمي بذلك ، قال بعضهم لما جاء في حديث الصور أن الأرض إذا زلزلت وانشقت من قطر إلى قطر وماجت وارتجت فنظر الناس إلى ذلك ذهبوا هاربين ينادي بعضهم بعضا وقال آخرون منهم الضحاك بل ذلك إذا جيء بجهنم ذهب الناس هرابا منهم فتتلقاهم الملائكة فتردهم إلى مقام المحشر وهو قوله تعالى : (وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها) [الحاقة : ١٧] وقوله : (يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطارِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطانٍ) [الرحمن : ٣٣].

وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه والحسن والضحاك أنهم قرءوا يوم التناد بتشديد الدال من ند البعير إذا شرد (٢) وذهب وقيل لأن الميزان عنده ملك وإذا وزن عمل العبد فرجح نادى بأعلى صوته ألا قد سعد فلان بن فلان سعادة لا يشقى بعدها أبدا ، وإن خف عمله نادى ألا قد شقي فلان بن فلان وقال قتادة : ينادي كل قوم بأعمالهم ، ينادي أهل الجنة أهل الجنة وأهل النار أهل النار (٣) ، وقيل سمي بذلك لمناداة أهل الجنة أهل النار (أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قالُوا نَعَمْ) [الأعراف : ٤٤] ومناداة أهل النار أهل

__________________

(١) أخرجه البخاري في الأحكام باب ٨ ، ومسلم في الإيمان حديث ٢٢٧ ، ٢٢٨ ، والإمارة حديث ٢١ ، والدارمي في الرقاق باب ٧٧ ، وأحمد في المسند ٥ / ٢٥.

(٢) انظر تفسير الطبري ١١ / ٥٧.

(٣) تفسير الطبري ١١ / ٥٦.

١٢٩

الجنة (أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ قالُوا إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ) [الأعراف : ٥٠] والمناداة أصحاب الأعراف أهل الجنة وأهل النار كما هو مذكور في سورة الأعراف ، واختار البغوي وغيره أنه سمي بذلك لمجموع ذلك وهو قول حسن جيد ، والله أعلم.

وقوله تعالى : (يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ) أي ذاهبين هاربين (كَلَّا لا وَزَرَ إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) [القيامة : ١١ ـ ١٢] ولهذا قال عزوجل : (ما لَكُمْ مِنَ اللهِ مِنْ عاصِمٍ) أي لا مانع يمنعكم من بأس الله وعذابه (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) [الرعد : ٣٣ ، الزمر : ٢٣] أي من أضله الله فلا هادي له غيره.

وقوله تبارك وتعالى : (وَلَقَدْ جاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّناتِ) يعني أهل مصر قد بعث الله فيهم رسولا من قبل موسى عليه الصلاة والسلام وهو يوسف عليه الصلاة والسلام كان عزيز أهل مصر وكان رسولا يدعو إلى الله تعالى أمته القبط فما أطاعوه تلك الطاعة إلا لمجرد الوزارة والجاه الدنيوي ولهذا قال تعالى : (فَما زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً) أي يئستم فقلتم طامعين : (لَنْ يَبْعَثَ اللهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولاً) وذلك لكفرهم وتكذيبهم (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ) أي كحالكم هذا يكون حال من يضله الله لإسرافه في أفعاله وارتياب قلبه.

ثم قال عزوجل : (الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ) أي الذين يدفعون الحق بالباطل ويجادلون بالحجج بغير دليل وحجة معهم من الله تعالى فإن الله عزوجل يمقت على ذلك أشد المقت ولهذا قال تعالى : (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا) أي والمؤمنون أيضا يبغضون من تكون هذه صفته فإن من كانت هذه صفته يطبع الله على قلبه فلا يعرف بعد ذلك معروفا ولا ينكر منكرا ولهذا قال تبارك وتعالى : (كَذلِكَ يَطْبَعُ اللهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ) أي على اتباع الحق (جَبَّارٍ) وروى ابن أبي حاتم عن عكرمة وحكي عن الشعبي أنهما قالا : لا يكون الإنسان جبارا حتى يقتل نفسين وقال أبو عمران الجوني وقتادة : آية الجبابرة القتل بغير حق ، والله تعالى أعلم.

(وَقالَ فِرْعَوْنُ يا هامانُ ابْنِ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ (٣٦) أَسْبابَ السَّماواتِ فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِي تَبابٍ) (٣٧)

يقول تعالى مخبرا عن فرعون وعتوه وتمرده وافترائه في تكذيبه موسى عليه الصلاة والسلام أنه أمر وزيره هامان أن يبني له صرحا وهو القصر العالي المنيف الشاهق وكان اتخاذه من الآجر المضروب من الطين المشوي كما قال تعالى : (فَأَوْقِدْ لِي يا هامانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي

١٣٠

صَرْحاً) [القصص : ٣٨] ولهذا قال إبراهيم النخعي كانوا يكرهون البناء بالآجر وأن يجعلوه في قبورهم رواه ابن أبي حاتم ، وقوله (لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبابَ أَسْبابَ السَّماواتِ) إلخ قال سعيد بن جبير وأبو صالح أبواب السموات وقيل طرق السموات (فَأَطَّلِعَ إِلى إِلهِ مُوسى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ كاذِباً) وهذا من كفره وتمرده أنه كذب موسى عليه الصلاة والسلام في أن الله عزوجل أرسله إليه قال الله تعالى : (وَكَذلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ) أي بصنيعه هذا الذي أراد أن يوهم به الرعية أنه يعمل شيئا يتوصل به إلى تكذيب موسى عليه الصلاة والسلام ولهذا قال تعالى : (وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبابٍ) قال ابن عباس ومجاهد يعني إلا في خسار.

(وَقالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ (٣٨) يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ (٣٩) مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاَّ مِثْلَها وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ) (٤٠)

يقول المؤمن لقومه ممن تمرد وطغى وآثر الحياة الدنيا ونسي الجبار الأعلى فقال لهم : (يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشادِ) لا كما كذب فرعون في قوله : (وَما أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشادِ) ثم زهدهم في الدنيا التي قد آثروها على الآخرة وصدتهم عن التصديق برسول الله موسى عليه الصلاة والسلام فقال : (يا قَوْمِ إِنَّما هذِهِ الْحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ) أي قليلة زائلة فانية عن قريب تذهب وتضمحل (وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دارُ الْقَرارِ) أي الدار التي لا زوال لها ولا انتقال منها ولا ظعن عنها إلى غيرها بل إما نعيم وإما جحيم ولهذا قال جلت عظمته : (مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) أي واحدة مثلها (وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ) أي لا يتقدر بجزاء بل يثيبه الله عزوجل ثوابا كثيرا لا انقضاء له ولا نفاد والله تعالى الموفق للصواب.

(وَيا قَوْمِ ما لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ (٤١) تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ (٤٢) لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللهِ وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ (٤٣) فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (٤٤) فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ (٤٥) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) (٤٦)

يقول لهم المؤمن ما بالي أدعوكم إلى النجاة وهي عبادة الله وحده لا شريك له وتصديق رسوله الله الذي بعثه (وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللهِ وَأُشْرِكَ بِهِ ما لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ) أي جهل بلا دليل (وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ) أي هو في عزته وكبريائه يغفر ذنب من تاب

١٣١

إليه (لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ) يقول حقا؟ قال السدي وابن جرير معنى قوله (لا جَرَمَ) حقا.

وقال الضحاك (لا جَرَمَ) لا كذب وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (لا جَرَمَ) يقول : بلى إن الذي تدعونني إليه من الأصنام والأنداد (لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَلا فِي الْآخِرَةِ) قال مجاهد : الوثن ليس له شيء ، وقال قتادة يعني الوثن لا ينفع ولا يضر ، وقال السدي : لا يجيب داعيه لا في الدنيا ولا في الآخرة ، وهذا كقوله تبارك وتعالى : (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ) [الأحقاف : ٥ ـ ٦] (إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ) [فاطر : ١٤] وقوله : (وَأَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللهِ) أي في الدار الآخرة فيجازي كلا بعمله ولهذا قال : (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النَّارِ) أي خالدين فيها بإسرافهم وهو شركهم بالله عزوجل : (فَسَتَذْكُرُونَ ما أَقُولُ لَكُمْ) أي سوف تعلمون صدق ما أمرتكم به ونهيتكم عنه ونصحتكم ووضحت لكم وتتذكرونه وتندمون حيث لا ينفع الندم (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللهِ) أي وأتوكل على الله وأستعينه وأقاطعكم وأباعدكم (إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ) أي هو بصير بهم تعالى وتقدس فيهدي من يستحق الهداية ويضل من يستحق الإضلال وله الحجة البالغة والحكمة التامة والقدر النافذ.

وقوله تبارك وتعالى : (فَوَقاهُ اللهُ سَيِّئاتِ ما مَكَرُوا) أي في الدنيا والآخرة ، وأما في الدنيا فنجاه الله تعالى مع موسى عليه الصلاة والسلام وأما في الآخرة فبالجنة (وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ) وهو الغرق في اليم ثم النقلة منه إلى الجحيم ، فإن أرواحهم تعرض على النار صباحا ومساء إلى قيام الساعة فإذا كان يوم القيامة اجتمعت أرواحهم وأجسادهم في النار ولهذا قال : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) أي أشده ألما وأعظمه نكالا ، وهذه الآية أصل كبير في استدلال أهل السنة على عذاب البرزخ في القبور وهي قوله تعالى : (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا).

ولكن هاهنا سؤال وهو أنه لا شك أن هذه الآية مكية وقد استدلوا بها على عذاب القبر في البرزخ وقد قال الإمام أحمد (١) حدثنا هاشم هو ابن القاسم أبو النضر حدثنا إسحاق بن سعيد هو ابن عمرو بن سعيد بن العاص حدثنا سعيد يعني أباه عن عائشة رضي الله عنها أن يهودية كانت تخدمها فلا تصنع عائشة رضي الله عنها إليها شيئا من المعروف إلا قالت لها اليهودية وقال الله عذاب القبر قالت رضي الله عنها : فدخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم علي فقلت : يا رسول الله هل للقبر عذاب قبل يوم القيامة؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «لا ، من زعم ذلك؟» قالت هذه اليهودية لا أصنع إليها

__________________

(١) المسند ١ / ٨١.

١٣٢

شيئا من المعروف إلا قالت وقاك الله عذاب القبر قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كذبت يهود وهم على الله أكذب لا عذاب دون يوم القيامة» ثم مكث بعد ذلك ما شاء الله أن يمكث فخرج ذات يوم نصف النهار مشتملا بثوبه محمرة عيناه وهو ينادي بأعلى صوته «القبر كقطع الليل المظلم ، أيها الناس لو تعلمون ما أعلم بكيتم كثيرا وضحكتم قليلا ، أيها الناس استعيذوا بالله من عذاب القبر فإن عذاب القبر حق» وهذا إسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم ولم يخرجاه.

وروى أحمد (١) حدثنا يزيد حدثنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت سألتها امرأة يهودية فأعطتها فقالت لها وقاك الله من عذاب القبر فأنكرت عائشة رضي لله عنها ذلك فلما رأت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالت له فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لا» قالت عائشة رضي الله عنها ثم قال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد ذلك «وإنه أوحي إلي أنكم تفتنون في قبوركم» وهذا أيضا على شرطهما. فيقال فما الجمع بين هذا وبين كون الآية مكية وفيها دلالة على عذاب البرزخ؟ والجواب أن الآية دلت على عرض الأرواح على النار غدوا وعشيا في البرزخ وليس فيها دلالة على اتصال تألمها بأجسادها في القبور إذ قد يكون ذلك مختصا بالروح فأما حصول ذلك للجسد في البرزخ وتألمه بسببه فلم يدل عليه إلا السنة في الأحاديث المرضية الآتي ذكرها. وقد يقال إن هذه الآية إنما دلت على عذاب الكفار في البرزخ ولا يلزم من ذلك أن يعذب المؤمن في قبره بذنب.

ومما يدل على ذلك ما رواه الإمام أحمد (٢) حدثنا عثمان بن عمر حدثنا يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم دخل عليها وعندها امرأة من اليهود وهي تقول أشعرت أنكم تفتنون في قبوركم ، فارتاع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وقال : «إنما يفتن يهود» قالت عائشة رضي الله عنها فلبثنا ليالي ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «ألا إنكم تفتنون في القبور» وقالت عائشة رضي الله عنها فكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد يستعيذ من عذاب القبر ، وهكذا رواه مسلم (٣) عن هارون بن سعيد وحرملة كلاهما عن ابن وهب عن يونس بن يزيد الأيلي عن الزهري به.

وقد يقال إن هذه الآية دلت على عذاب الأرواح في البرزخ ولا يلزم من ذلك أن يتصل بالأجساد في قبورها فلما أوحي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في ذلك بخصوصه استعاذ منه والله سبحانه وتعالى أعلم. وقد روى البخاري (٤) من حديث شعبة عن أشعث بن أبي الشعثاء عن أبيه عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها أن يهودية دخلت عليها فقالت نعوذ بالله من عذاب القبر فسألت عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن عذاب القبر فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نعم عذاب القبر حق» قالت عائشة رضي الله عنها : فما رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بعد صلى صلاة إلا تعوذ من عذاب القبر.

__________________

(١) المسند ٦ / ٢٣٨.

(٢) المسند ٦ / ٢٤٨.

(٣) كتاب المساجد حديث ١٢٣ ، ١٢٥.

(٤) كتاب الجنائز باب ٨٦.

١٣٣

فهذا يدل على أنه بادر صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى تصديق اليهودية في هذا الخبر وقرر عليه ، وفي الأخبار المتقدمة أنه أنكر ذلك حتى جاءه الوحي فلعلهما قضيتان والله سبحانه أعلم وأحاديث عذاب القبر كثيرة جدا وقال قتادة في قوله تعالى : (غُدُوًّا وَعَشِيًّا) صباحا ومساء ما بقيت الدنيا يقال لهم يا آل فرعون هذه منازلكم توبيخا ونقمة وصغارا لهم (١) ، وقال ابن زيد هم فيها اليوم يغدى بهم ويراح إلى أن تقوم الساعة.

وقال : ابن أبي حاتم حدثنا أبو سعيد حدثنا المحاربي حدثنا ليث عن عبد الرحمن بن ثروان عن هذيل عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : إن أرواح الشهداء في أجواف طيور خضر تسرح بهم في الجنة حيث شاؤوا ، وإن أرواح ولدان المؤمنين في أجواف عصافير تسرح في الجنة حيث شاءت فتأوي إلى قناديل معلقة في العرش ، وإن أرواح آل فرعون في أجواف طيور سود تغدو على جهنم وتروح عليها فذلك عرضها ، وقد رواه الثوري عن أبي قيس عن الهذيل بن شرحبيل من كلامه في أرواح آل فرعون (٢) وكذلك قال السدي.

وفي حديث الإسراء من رواية أبي هارون العبدي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال فيه «ثم انطلق بي إلى خلق كثير من خلق الله رجال كل رجل منهم بطنه مثل البيت الضخم مصفدون على سابلة آل فرعون وآل فرعون يعرضون على النار غدوا وعشيا (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) وآل فرعون كالإبل المسومة يخبطون الحجارة والشجر ولا يعقلون» وقال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسين حدثنا زيد بن أخرم حدثنا عامر بن مدرك الحارثي حدثنا عتبة ـ يعني ابن يقظان ـ عن قيس بن مسلم عن طارق عن شهاب عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما أحسن محسن من مسلم أو كافر إلا أثابه الله تعالى» قال قلنا يا رسول الله ما إثابة الله الكافر؟ فقال : «إن كان قد وصل رحما أو تصدق بصدقة أو عمل حسنة أثابه الله تبارك وتعالى المال والولد والصحة وأشباه ذلك» قلنا فما إثابته في الآخرة؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «عذابا دون العذاب» وقرأ (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) ورواه البزار في مسنده عن زيد بن أخرم ثم قال : لا نعلم له إسنادا غير هذا.

وقال ابن جرير (٣) حدثنا عبد الكريم بن أبي عمير حدثنا حماد بن محمد الفزاري البلخي قال سمعت الأوزاعي وسأله رجل فقال : رحمك الله رأينا طيورا تخرج من البحر تأخذ ناحية الغرب بيضا فوجا فوجا لا يعلم عددها إلا الله عزوجل فإذا كان العشي رجع مثلها سودا قال وفطنتم إلى ذلك؟ قال نعم ، قال إن ذلك الطير في حواصلها أرواح آل فرعون يعرضون على

__________________

(١) تفسير الطبري ١١ / ٦٦ ، ٦٧.

(٢) تفسير الطبري ١١ / ٦٦.

(٣) تفسير الطبري ١١ / ٦٧.

١٣٤

النار غدوا وعشيا فترجع إلى وكورها وقد احترقت أرياشها وصارت سودا فينبت عليها من الليل ريش أبيض ويتناثر الأسود ثم تغدو على النار غدوا وعشيا ثم ترجع إلى وكورها ، فذلك دأبهم في الدنيا فإذا كان يوم القيامة قال الله تعالى : (أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) قال وكانوا يقولون إنهم ستمائة ألف مقاتل.

وقال الإمام أحمد (١) حدثنا إسحاق حدثنا مالك عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار فيقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله عزوجل إليه يوم القيامة» أخرجاه في الصحيحين (٢) من حديث مالك به.

(وَإِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ (٤٧) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ (٤٨) وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ (٤٩) قالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ) (٥٠)

يخبر تعالى عن تحاج أهل النار في النار وتخاصمهم وفرعون وقومه من جملتهم فيقول الضعفاء وهم الأتباع للذين استكبروا وهم القادة والسادة والكبراء (إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً) أي أطعناكم فيما دعوتمونا إليه في الدنيا من الكفر والضلال (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِنَ النَّارِ) أي قسطا تتحملونه عنا (قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيها) أي لا نتحمل عنكم شيئا كفى بنا ما عندنا وما حملنا من العذاب والنكال (إِنَّ اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ) أي يقسم بيننا العذاب بقدر ما يستحقه كل منا كما قال تعالى : (قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ وَقالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ) [الأعراف : ٣٨ ـ ٣٩] لما علموا أن الله عزوجل لا يستجيب منهم ولا يستمع لدعائهم بل قد قال : (اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) [المؤمنون : ١٠٨] سألوا الخزنة وهم كالسجانين لأهل النار أن يدعوا لهم الله تعالى أن يخفف عن الكافرين ولو يوما واحدا من العذاب فقالت لهم الخزنة رادين عليهم (أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي أو ما قامت عليكم الحجج في الدنيا على ألسنة الرسل (قالُوا بَلى قالُوا فَادْعُوا) أي أنتم لأنفسكم فنحن لا ندعو لكم ولا نسمع منكم ولا نود خلاصكم ونحن منكم براء ثم نخبركم أنه سواء دعوتم أو لم تدعوا لا يستجاب لكم ولا يخفف عنكم ولهذا قالوا :

__________________

(١) المسند ٢ / ١١٣.

(٢) أخرجه البخاري في الجنائز باب ٩ ، ومسلم في الجنة حديث ٦٥ ، ٦٦.

١٣٥

(وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) أي إلا في ذهاب ولا يتقبل ولا يستجاب.

(إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ (٥١) يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ (٥٢) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ (٥٣) هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ (٥٤) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ (٥٥) إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (٥٦)

قد أورد أبو جعفر بن جرير (١) رحمه‌الله تعالى عند قوله تعالى : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) سؤالا فقال قد علم أن بعض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قتله قومه بالكلية كيحيى وزكريا وشعياء ومنهم من خرج من بين أظهرهم إما مهاجرا كإبراهيم ، وإما إلى السماء كعيسى فأين النصرة في الدنيا ثم أجاب عن ذلك بجوابين [أحدهما] أن يكون الخبر خرج عاما والمراد به البعض قال وهذا سائغ في اللغة [الثاني] أن يكون المراد بالنصر الانتصار لهم ممن آذاهم وسواء كان ذلك بحضرتهم أو في غيبتهم أو بعد موتهم كما فعل بقتلة يحيى وزكريا وشعياء سلط عليهم من أعدائهم من أهانهم وسفك دماءهم وقد ذكر أن النمرود أخذه الله تعالى أخذ عزيز مقتدر ، وأما الذين راموا صلب المسيح عليه‌السلام من اليهود فسلط الله تعالى عليهم الروم فأهانوهم وأذلوهم وأظهرهم الله تعالى عليهم ثم قبل يوم القيامة سينزل عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام إماما عادلا وحكما مقسطا فيقتل المسيح الدجال وجنوده من اليهود ويقتل الخنزير ويكسر الصليب ، ويضع الجزية فلا يقبل إلا الإسلام وهذه نصرة عظيمة وهذه سنة الله تعالى في خلقه في قديم الدهر وحديثه أنه ينصر عباده المؤمنين في الدنيا ويقر أعينهم ممن آذاهم.

ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال : «يقول الله تبارك وتعالى من عادى لي وليا فقد بارزني بالحرب» (٢) وفي الحديث الآخر : «إني لأثأر لأوليائي كما يثأر الليث بالحرب» ولهذا أهلك الله عزوجل قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الرس وقوم لوط وأهل مدين وأشباههم وأضرابهم ممن كذب الرسل وخالف الحق. وأنجى الله تعالى من بينهم المؤمنين فلم يهلك منهم أحدا وعذب الكافرين فلم يفلت منهم أحدا.

__________________

(١) تفسير الطبري ١١ / ٦٩.

(٢) أخرجه البخاري في الرقاق باب ٣٨ ، بلفظ : «من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب». وأخرجه ابن ماجة في الفتن باب ١٦ ، بلفظ : «من عادى لله وليا فقد بارز الله بالمحاربة».

١٣٦

قال السدي لم يبعث الله عزوجل رسولا قط إلى قوم فيقتلونه أو قوما من المؤمنين يدعون إلى الحق فيقتلون فيذهب ذلك القرن حتى يبعث الله تبارك وتعالى لهم من ينصرهم فيطلب بدمائهم ممن فعل ذلك بهم في الدنيا قال فكانت الأنبياء والمؤمنون يقتلون في الدنيا وهم منصورون فيها. وهكذا نصر الله نبيه محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه على من خالفه وناوأه وكذبه وعاداه فجعل كلمته هي العليا ودينه هو الظاهر على سائر الأديان ، وأمره بالهجرة من بين ظهراني قومه إلى المدينة النبوية وجعل له فيها أنصارا وأعوانا ، ثم منحه أكتاف المشركين يوم بدر فنصره عليهم وخذلهم له وقتل صناديدهم ، وأسر سراتهم فاستاقهم مقرنين في الأصفاد ، ثم منّ عليهم بأخذه الفداء منهم ثم بعد مدة قريبة فتح عليه مكة فقرت عينه ببلده وهو البلد المحرم الحرام المشرف المعظم فأنقذه الله تعالى به مما كان فيه من الكفر والشرك وفتح له اليمن ودانت له جزيرة العرب بكاملها ودخل الناس في دين الله أفواجا ، ثم قبضه الله تعالى إليه لما له عنده من الكرامة العظيمة فأقام الله تبارك وتعالى أصحابه خلفاء بعده فبلغوا عنه دين الله عزوجل ودعوا عباد الله تعالى إلى الله جل وعلا ، وفتحوا البلاد والرساتيق والأقاليم والمدائن والقرى والقلوب حتى انتشرت الدعوة المحمدية في مشارق الأرض ومغاربها. ثم لا يزال هذا الدين قائما منصورا ظاهرا إلى قيام الساعة ولهذا قال تعالى : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) أي يوم القيامة تكون النصرة أعظم وأكبر وأجل ، قال مجاهد : الأشهاد الملائكة.

وقوله تعالى : (يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ) بدل من قوله : (وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) وقرأ آخرون يوم بالرفع كأنه فسره به (وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ يَوْمَ لا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ) وهم المشركون (مَعْذِرَتُهُمْ) أي لا يقبل منهم عذر ولا فدية (وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ) أي الإبعاد والطرد من الرحمة (وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) وهي النار قاله السدي بئس المنزل والمقيل ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما (وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) أي سوء العاقبة وقوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْهُدى) وهو ما بعثه الله عزوجل به من الهدى والنور (وَأَوْرَثْنا بَنِي إِسْرائِيلَ الْكِتابَ) أي جعلنا لهم العاقبة وأورثناهم بلاد فرعون وأمواله وحواصله وأرضه بما صبروا على طاعة الله تبارك وتعالى واتباع رسوله موسى عليه الصلاة والسلام وفي الكتاب الذي أورثوه وهو التوراة (هُدىً وَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ) وهي العقول الصحيحة السليمة.

وقوله عزوجل : (فَاصْبِرْ) أي يا محمد (إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌ) أي وعدناك أنا سنعلي كلمتك ونجعل العاقبة لك ولمن اتبعك والله لا يخلف الميعاد وهذا الذي أخبرناك به حق لا مرية فيه ولا شك وقوله تبارك وتعالى : (وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ) هذا تهييج للأمة على الاستغفار (وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِ) أي في أواخر النهار وأوائل الليل (وَالْإِبْكارِ) وهي أوائل النهار وأواخر الليل.

١٣٧

وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ) أي يدفعون الحق بالباطل ويردون الحج الصحيحة بالشبه الفاسدة بلا برهان ولا حجة من الله (إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ) أي ما في صدورهم إلا كبر على اتباع الحق واحتقار لمن جاءهم به وليس ما يرومونه من إخماد الحق وإعلاء الباطل بحاصل لهم بل الحق هو المرفوع وقولهم وقصدهم هو الموضوع (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) أي من حال مثل هؤلاء (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) أو من شر مثل هؤلاء المجادلين في آيات الله بغير سلطان هذا تفسير ابن جرير (١).

وقال كعب وأبو العالية نزلت هذه الآية في اليهود (إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ) قال أبو العالية وذلك أنهم ادعوا أن الدجال منهم وأنهم يملكون به الأرض فقال الله تعالى لنبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم آمرا له أن يستعيذ من فتنة الدجال ولهذا قال عزوجل : (فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) وهذا قول غريب وفيه تعسف بعيد وإن كان قد رواه ابن أبي حاتم في كتابه ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

(لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (٥٧) وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلا الْمُسِيءُ قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ(٥٨) إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) (٥٩)

يقول تعالى منبها على أنه يعيد الخلائق يوم القيامة وأن ذلك سهل عليه يسير لديه بأنه خلق السموات والأرض وخلقهما أكبر من خلق الناس بدأة وإعادة فمن قدر على ذلك فهو قادر على ما دونه بطريق الأولى والأحرى كما قال تعالى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الأحقاف : ٣٣] وقال هاهنا : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) فلهذا لا يتدبرون هذه الحجة ولا يتأملونها كما كان كثير من العرب يعترفون بأن الله تعالى خلق السموات والأرض وينكرون المعاد استبعادا وكفرا وعنادا وقد اعترفوا بما هو أولى مما أنكروا ثم قال تعالى : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَلَا الْمُسِيءُ) أي كما لا يستوي الأعمى الذي لا يبصر شيئا والبصير الذي يرى ما انتهى إليه بصره، بل بينهما فرق عظيم كذلك لا يستوي المؤمنون الأبرار والكفرة الفجار (قَلِيلاً ما تَتَذَكَّرُونَ) أي ما أقل ما يتذكر كثير من الناس ثم قال تعالى : (إِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ) أي لكائنة وواقعة (لا رَيْبَ فِيها وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) أي لا يصدقون بها بل يكذبون بوجودها. قال ابن أبي حاتم حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم حدثنا أشهب حدثنا مالك عن شيخ قديم من أهل اليمن

__________________

(١) تفسير الطبري ١١ / ٧١.

١٣٨

قدم من ثم قال : سمعت أن الساعة إذا دنت اشتد البلاء على الناس واشتد حر الشمس ، والله أعلم.

(وَقالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) (٦٠)

هذا من فضله تبارك وتعالى وكرمه أنه ندب عباده إلى دعائه وتكفل لهم بالإجابة كما كان سفيان الثوري يقول : يا من أحب عباده إليه من سأله فأكثر سؤاله ، ويا من أبغض عباده إليه من لم يسأله وليس أحد كذلك غيرك يا رب. رواه ابن أبي حاتم وفي هذا المعنى يقول الشاعر : [الطويل]

الله يغضب إن تركت سؤاله

وبنيّ آدم حين يسأل يغضب

وقال قتادة : قال كعب الأحبار أعطيت هذه الأمة ثلاثا لم تعطهن أمة قبلها ولا نبي : كان إذا أرسل الله نبيا قال له أنت شاهد على أمتك وجعلتكم شهداء على الناس ، وكان يقال له ليس عليك في الدين من حرج وقال لهذه الأمة : (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج : ٧٨] وكان يقال له ادعني أستجب لك وقال لهذه الأمة (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) رواه ابن أبي حاتم. وقال الإمام الحافظ أبو يعلى أحمد بن علي بن المثنى الموصلي في مسنده : حدثنا أبو إبراهيم الترجماني حدثنا صالح المرّي قال : سمعت الحسن يحدث عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فيما يروي عن ربه عزوجل قال : «أربع خصال واحدة منهن لي وواحدة لك وواحدة بيني وبينك وواحدة فيما بينك وبين عبادي ، فأما التي لي فتعبدني لا تشرك بي شيئا وأما التي لك علي فما عملت من خير جزيتك به وأما التي بيني وبينك فمنك الدعاء وعلي الإجابة وأما التي بينك وبين عبادي فارض لهم ما ترضى لنفسك».

وقال الإمام أحمد (١) : حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن ذر عن يسيع الكندي عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الدعاء هو العبادة» (٢) ثم قرأ (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ) وهكذا رواه أصحاب السنن الترمذي والنسائي وابن ماجة وابن أبي حاتم وابن جرير كلهم من حديث الأعمش به. وقال الترمذي : حسن صحيح ورواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن جرير أيضا من حديث شعبة عن منصور عن ذرّ به وأخرجه الترمذي أيضا من حديث الثوري عن منصور والأعمش كلا هما عن ذر به ، وكذا رواه ابن يونس عن أسيد بن عاصم بن مهران حدثنا

__________________

(١) المسند ٤ / ٢٧١.

(٢) أخرجه أبو داود في الوتر باب ٢٣ ، والترمذي في تفسير سورة ٢ باب ١٦ ، وتفسير سورة ٤٠ باب ١ ، والدعوات باب ١ ، وابن ماجة في الدعاء باب ١.

١٣٩

النعمان بن عبد السلام حدثنا سفيان الثوري عن منصور عن ذر به ، ورواه ابن حبان والحاكم في صحيحيهما وقال الحاكم صحيح الإسناد.

وقال الإمام أحمد (١) : حدثنا وكيع أبو مليح المدني شيخ من أهل المدينة سمعه عن أبي صالح وقال مرة سمعت أبا صالح يحدث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من لم يدع الله عزوجل غضب عليه» تفرد به أحمد وهذا إسناد لا بأس به ، وقال الإمام أحمد (٢) أيضا : حدثنا مروان الفزاري حدثنا صبيح أبو المليح سمعت أبا صالح يحدث عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من لا يسأله يغضب عليه» قال ابن معين أبو المليح هذا اسمه صبيح كذا قيده بالضم عبد الغني بن سعيد وأما أبو صالح هذا فهو الخوزي سكن شعب الخوز ، قاله البزار في مسنده ، وكذا وقع في روايته أبو المليح الفارسي عن أبي صالح الخوزي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من لم يسأل الله يغضب عليه» وقال الحافظ أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي : حدثنا همام حدثنا إبراهيم عن الحسن حدثنا نائل بن نجيح حدثني عائذ بن حبيب عن محمد بن سعيد قال : لما مات محمد بن مسلمة الأنصاري وجدنا في ذؤابة سيفه كتابا بسم الله الرحمن الرحيم سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إن لربكم في بقية أيام دهركم نفحات فتعرضوا له لعل دعوة أن توافق رحمة فيسعد بها صاحبها سعادة لا يخسر بعدها أبدا».

وقوله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي) أي عن دعائي وتوحيدي سيد خلون جهنم داخرين أي صاغرين حقيرين كما قال الإمام أحمد (٣) : حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن عجلان حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر (٤) في صور الناس يعلوهم كل شيء من الصغار حتى يدخلوا سجنا في جهنم يقال له بولس تعلوهم نار الأنيار يسقون من طينة الخبال عصارة أهل النار».

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين حدثنا أبو بكر بن محمد بن يزيد بن خنيس قال : سمعت أبي يحدث عن وهيب بن الورد حدثني رجل قال : كنت أسير ذات يوم في أرض الروم فسمعت هاتفا من فوق رأس جبل وهو يقول : يا رب عجبت لمن عرفك كيف يرجو أحدا غيرك يا رب عجبت لمن عرفك كيف يطلب حوائجه إلى أحد غيرك. قال ثم ذهبت ثم جاءت الطامة الكبرى قال ثم عاد الثانية فقال يا رب عجبت لمن عرفك كيف يتعرض لشيء من سخطك يرضي غيرك قال وهيب وهذه الطامة الكبرى ، قال فناديته أجني أنت أم إنسي؟ قال بل

__________________

(١) المسند ٢ / ٤٧٧.

(٢) المسند ٢ / ٤٤٢.

(٣) المسند ٢ / ١٧٩.

(٤) الذر : النمل الصغير.

١٤٠