تفسير القرآن العظيم - ج ٦

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي

تفسير القرآن العظيم - ج ٦

المؤلف:

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2221-5

الصفحات: ٥٤٣

لأن فاطمة بنت حسين الصغرى لم تدرك فاطمة الكبرى فهذا الذي ذكرناه مع ما تركناه من الأحاديث الواردة في ذلك كله محاذرة الطول داخل في قوله تعالى (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ).

وقوله (وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) أي اسم الله كقوله (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) [الأعراف : ٣١] وقوله (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [الأعراف : ٢٩] وقوله (وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ) [الجن : ١٨] الآية. وقوله تعالى : (وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) قال ابن عباس يعني فيها يتلى كتابه ، وقوله تعالى : (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) أي في البكرات والعشيات. والآصال جمع أصيل وهو آخر النهار. وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : كل تسبيح في القرآن هو الصلاة. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : يعني بالغدوّ صلاة الغداة ويعني بالآصال صلاة العصر وهما أول ما افترض الله من الصلاة فأحب أن يذكرهما وأن يذكر بهما عباده (١). وكذا قال الحسن والضحاك (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) يعني الصلاة ، ومن قرأ من القراء (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) بفتح الباء من يسبح على أنه مبني لما لم يسم فاعله وقف على قوله (وَالْآصالِ) وقفا تاما وابتدأ بقوله (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) وكأنه مفسر للفاعل المحذوف كما قال الشاعر [الطويل] :

ليبك يزيد ضارع لخصومة

ومختبط مما تطيح الطوائح (٢)

كأنه قال : من يبكيه؟ قال هذا يبكيه ، وكأنه قيل من يسبح له فيها؟ قال رجال. وأما على قراءة من قرأ (يُسَبِّحُ) بكسر الباء فجعله فعلا وفاعله (رِجالٌ) فلا يحسن الوقف إلا على الفاعل لأنه تمام الكلام فقوله تعالى : (رِجالٌ) فيه إشعار بهممهم السامية ونياتهم وعزائمهم العالية التي بها صاروا عمارا للمساجد التي هي بيوت الله في أرضه ومواطن عبادته وشكره وتوحيده وتنزيهه كما قال تعالى : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ) [الأحزاب :

__________________

(١) انظر تفسير الطبري ٩ / ٣٣١.

(٢) البيت للحارث بن نهيك في خزانة الأدب ١ / ٣٠٣ ، وشرح شواهد الإيضاح ص ٩٤ ، وشرح المفصل ١ / ٨٠ ، والكتاب ١ / ٢٨٨ ، وللبيد بن ربيعة في ملحق ديوانه ص ٣٦٢ ، ولنهشل بن حري في خزانة الأدب ١ / ٣٠٣ ، ولضرار بن نهشل في الدرر ٢ / ٢٨٦ ، ومعاهد التنصيص ١ / ٢٠٢ ، وللحارث بن ضرار في شرح أبيات سيبويه ١ / ١١٠ ، ولنهشل ، أو للحارث ، أو لضرار ، أو لمزرد بن ضرار ، أو للمهلهل في المقاصد النحوية ٢ / ٤٥٤ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٣٤٥ ، ٧ / ٢٤ ، وأمالي ابن الحاجب ص ٤٤٧ ، ٧٨٩ ، وأوضح المسالك ٢ / ٩٣ ، وتخليص الشواهد ص ٤٧٨ ، وخزانة الأدب ٨ / ١٣٩ ، والخصائص ٢ / ٣٥٣ ، ٤٢٤ ، وشرح الأشموني ١ / ١٧١ ، وشرح المفصل ١ / ٨٠ ، والشعر والشعراء ص ١٠٥ ، ١٠٦ ، والكتاب ١ / ٣٦٦ ، ٣٩٨ ، ولسان العرب (طوح) ، والمحتسب ١ / ٢٣٠ ، ومغني اللبيب ص ٦٢٠ ، والمقتضب ٣ / ٢٨٢ ، وهمع الهوامع ١ / ١٦٠.

٦١

٢٣] الآية ، وأما النساء فصلاتهن في بيوتهن أفضل لهن لما رواه أبو داود عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها ، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها» (١).

وقال الإمام أحمد (٢) : حدثنا يحيى بن غيلان ، حدثنا رشدين ، حدثني عمرو عن أبي السمح عن السائب مولى أم سلمة عن أم سلمة رضي الله عنها عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «خير مساجد النساء قعر بيوتهن» وقال أحمد أيضا : حدثنا هارون ، أخبرني عبد الله بن وهب ، حدثنا داود بن قيس عن عبد الله بن سويد الأنصاري عن عمته أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي أنها جاءت النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقالت يا رسول الله إني أحب الصلاة معك. قال «قد علمت أنك تحبين الصلاة معي ، وصلاتك في بيتك خير من صلاتك في حجرتك ، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك ، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك ، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجدي» قال : فأمرت فبنى لها مسجد في أقصى بيت من بيوتها وأظلمه فكانت والله تصلي فيه حتى لقيت الله تعالى ، لم يخرجوه.

هذا ويجوز لها شهود جماعة الرجال بشرط أن لا تؤذي أحدا من الرجال بظهور زينة ولا ريح طيب ، كما ثبت في الصحيح عن عبد الله بن عمر أنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لا تمنعوا إماء الله مساجد الله» (٣) رواه البخاري ومسلم ، ولأحمد وأبي داود «وبيوتهن خير لهن» (٤). وفي رواية «وليخرجن وهن تفلات» (٥) أي لا ريح لهن. وقد ثبت في صحيح مسلم عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت : قال لنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمس طيبا» (٦). وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : كان نساء المؤمنين يشهدن الفجر مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ثم يرجعن متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس (٧) ، وفي الصحيحين عنها أيضا أنها قالت : لو أدرك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما أحدث النساء لمنعهن من المساجد كما منعت نساء بين إسرائيل (٨).

وقوله تعالى : (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) كقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ

__________________

(١) أخرجه أبو داود في الصلاة باب ٥٣.

(٢) المسند ٨ / ٣٧١.

(٣) أخرجه البخاري في الجمعة باب ١٣ ، ومسلم في الصلاة حديث ١٣٦.

(٤) أخرجه أبو داود في الصلاة باب ٥٢ ، وأحمد في المسند ٢ / ٧٦ ، ٧٧.

(٥) أخرجه أبو داود في الصلاة باب ٥٢ ، وأحمد في المسند ٢ / ٤٣٨ ، ٤٧٥ ، ٥٢٨.

(٦) أخرجه مسلم في الصلاة حديث ١٤٢.

(٧) أخرجه البخاري في المواقيت باب ٢٧ ، والأذان باب ١٦٥ ، ومسلم في المساجد حديث ٢٣٢.

(٨) أخرجه البخاري في الأذان باب ١٦٣ ، ومسلم في الصلاة حديث ١٤٤.

٦٢

آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) [المنافقون : ٩] الآية. وقوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) [الجمعة : ٩] الآية ، يقول تعالى لا تشغلهم الدنيا وزخرفها وزينتها وملاذ بيعها وربحها عن ذكر ربهم الذي هو خالقهم ورازقهم ، والذين يعلمون أن الذي عنده هو خير لهم وأنفع مما بأيديهم ، لأن ما عندهم ينفد وما عند الله باق ، ولهذا قال تعالى : (لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ) أي يقدمون طاعته ومراده ومحبته على مرادهم ومحبتهم.

قال هشيم عن شيبان قال : حدثت عن ابن مسعود أنه رأى قوما من أهل السوق حيث نودي للصلاة المكتوبة تركوا بياعاتهم ونهضوا إلى الصلاة ، فقال عبد الله بن مسعود : هؤلاء من الذين ذكر الله في كتابه (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) (١) الآية ، وهكذا روى عمرو بن دينار القهرماني عن سالم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه كان في السوق فأقيمت الصلاة ، فأغلقوا حوانيتهم ودخلوا المسجد فقال ابن عمر : فيهم نزلت (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) رواه ابن أبي حاتم وابن جرير.

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا محمد بن عبد الله بن بكير الصنعاني ، حدثنا أبو سعيد مولى بن هاشم ، حدثنا عبد الله بن بجير ، حدثنا أبو عبد رب قال : قال أبو الدرداء رضي الله عنه : إني قمت على هذا الدرج أبايع عليه ، أربح كل يوم ثلاثمائة دينار ، أشهد الصلاة في كل يوم في المسجد ، أما إني لا أقول إن ذلك ليس بحلال ، ولكني أحب أن أكون من الذين قال الله فيهم (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) وقال عمرو بن دينار الأعور : كنت مع سالم بن عبد الله ونحن نريد المسجد فمررنا بسوق المدينة وقد قاموا إلى الصلاة وخمروا متاعهم ، فنظر سالم إلى أمتعتهم ليس معها أحد ، فتلا سالم هذه الآية (رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) ثم قال ، هم هؤلاء ، وكذا قال سعيد بن أبي الحسن والضحاك : لا تلهيهم التجارة والبيع أن يأتوا الصلاة في وقتها. وقال مطر الورّاق : كانوا يبيعون ويشترون ، ولكن كان أحدهم إذا سمع النداء وميزانه في يده خفضه وأقبل إلى الصلاة.

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ) يقول عن الصلاة المكتوبة ، وكذا قال مقاتل بن حيان والربيع بن أنس. وقال السدي : عن الصلاة في جماعة. وقال مقاتل بن حيان : لا يلهيهم ذلك عن حضور الصلاة وأن يقيموها كما أمرهم الله ، وأن يحافظوا على مواقيتها وما استحفظهم الله فيها. وقوله تعالى : (يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ) أي يوم القيامة الذي تتقلب فيه القلوب والأبصار ، أي من شدّة الفزع وعظمة الأهوال ، كقوله (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ) [غافر : ١٨] الآية.

__________________

(١) انظر تفسير الطبري ٩ / ٣٣١ ، ٣٣٢.

٦٣

وقوله (إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ) [إبراهيم : ٤٢] وقال تعالى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً فَوَقاهُمُ اللهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً وَجَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً) [الإنسان : ٨ ـ ١٢]. وقوله تعالى هاهنا : (لِيَجْزِيَهُمُ اللهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا) أي هؤلاء من الذين يتقبل حسناتهم ويتجاوز عن سيئاتهم. وقوله (وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) أي يتقبل منهم الحسن ويضاعفه لهم ، كما قال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) [النساء : ٤٠] الآية ، وقال تعالى : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) [الأنعام : ١٦٠] الآية ، وقال (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً) [البقرة: ٢٤٥] الآية ، وقال (وَاللهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ) [البقرة : ٢٦١] وقال هاهنا (وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ). وعن ابن مسعود أنه جيء بلبن فعرضه على جلسائه واحدا واحدا ، فكلهم لم يشربه لأنه كان صائما ، فتناوله ابن مسعود فشربه لأنه كان مفطرا ، ثم تلا قوله (يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ) رواه النسائي وابن أبي حاتم من حديث الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عنه.

وقال أيضا : حدثنا أبي ، حدثنا سويد بن سعيد ، حدثنا علي بن مسهر عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن شهر بن حوشب عن أسماء بنت يزيد بن السكن قالت : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «إذا جمع الله الأوّلين والآخرين يوم القيامة جاء مناد فنادى بصوت يسمع الخلائق : سيعلم أهل الجمع من أولى بالكرم ، ليقم الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ، فيقومون وهم قليل ، ثم يحاسب سائر الخلائق» وروى الطبراني من حديث بقية عن إسماعيل بن عبد الله الكندي عن الأعمش عن أبي وائل ، عن ابن مسعود عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم في قوله (لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ) قال : أجورهم يدخلهم الجنة ويزيدهم من فضله الشفاعة لمن وجبت له الشفاعة لمن صنع لهم المعروف في الدنيا.

(وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (٣٩) أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ نُورٍ) (٤٠)

هذان مثلان ضربهما الله تعالى لنوعي الكفار كما ضرب للمنافقين في أول البقرة مثلين : ناريا ومائيا ، وكما ضرب لما يقر في القلوب من الهدى والعلم في سورة الرعد مثلين : مائيا وناريا (١) ، وقد تكلمنا على كل منهما في موضعه بما أغنى عن إعادته ، ولله الحمد والمنة. فأما الأول من هذين المثلين ، فهو للكفار الدعاة إلى كفرهم الذين يحسبون أنهم على شيء من

__________________

(١) انظر تفسير الآية ١٧ من سورة الرعد.

٦٤

الأعمال والاعتقادات ، وليسوا في نفس الأمر على شيء ، فمثلهم في ذلك كالسراب الذي يرى في القيعان من الأرض من بعد كأنه بحر طام.

والقيعة : جمع قاع كجار وجيرة ، والقاع أيضا واحد القيعان ، كما يقال جار وجيران ، وهي الأرض المستوية المتسعة المنبسطة وفيه يكون السراب ، وإنما يكون ذلك بعد نصف النهار ، وأما الآل فإنما يكون أول النهار يرى كأنه ماء بين السماء والأرض ، فإذا رأى السراب من هو محتاج إلى الماء يحسبه ماء قصده ليشرب منه ، فلما انتهى إليه (لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً) فكذلك الكافر يحسب أنه قد عمل عملا وأنه قد حصل شيئا ، فإذا وافى الله يوم القيامة وحاسبه عليها ونوقش على أفعاله ، لم يجد له شيئا بالكلية قد قبل إما لعدم الإخلاص أو لعدم سلوك الشرع ، كما قال تعالى : (وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً) [الفرقان : ٢٣] وقال هاهنا (وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسابِ) وهكذا روي عن أبي بن كعب وابن عباس ومجاهد وقتادة وغير واحد.

وفي الصحيحين أنه يقال يوم القيامة لليهود : ما كنتم تعبدون؟ فيقولون : كنا نعبد عزيز ابن الله. فيقال : كذبتم ما اتخذ الله من ولد ماذا تبغون؟ فيقولون : يا رب عطشنا فاسقنا ، فيقال : ألا ترون؟ فتمثل لهم النار كأنها سراب يحطم بعضها بعضا ، فينطلقون فيتهافتون فيها (١) ، وهذا المثال مثال لذوي الجهل المركب ، فأما أصحاب الجهل البسيط وهم الطماطم الأغشام المقلدون لأئمة الكفر الصم البكم الذين لا يعقلون فمثلهم كما قال تعالى : (أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍ) قال قتادة (لُجِّيٍ) هو العميق (يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها) أي لم يقارب رؤيتها من شدة الظلام ، فهذا مثل قلب الكافر الجاهل البسيط ، المقلد الذي لا يعرف حال من يقوده ، ولا يدري أين يذهب ، بل كما يقال في المثل للجاهل أين تذهب؟ قال معهم ، قيل : فإلى أين يذهبون؟ قال لا أدري.

وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما (يَغْشاهُ مَوْجٌ) الآية ، يعني بذلك الغشاوة التي على القلب والسمع والبصر ، وهي كقوله (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ) [البقرة : ٧] الآية ، وكقوله (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً) [الجاثية : ٢٣] الآية ، وقال أبيّ بن كعب في قوله تعالى : (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) فهو يتقلب في خمسة من الظلم فكلامه ظلمة ، وعمله ظلمة ، ومدخله ظلمة ومخرجه ظلمة ، ومصيره يوم القيامة إلى الظلمات إلى النار ، وقال السدي والربيع بن أنس نحو ذلك أيضا. وقوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُوراً فَما لَهُ مِنْ

__________________

(١) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٤ ، باب ٨ ، ومسلم في الإيمان حديث ٣٠٢.

٦٥

نُورٍ) أي من لم يهده الله فهو هالك جاهل ، حائل ، بائر ، كافر ، كقوله (مَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلا هادِيَ لَهُ) وهذا في مقابلة ما قال في مثل المؤمنين (يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) فنسأل الله العظيم أن يجعل في قلوبنا نورا ، وعن أيماننا نورا ، وعن شمائلنا نورا ، وأن يعظم لنا نورا.

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ (٤١) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) (٤٢)

يخبر تعالى أنه يسبح له من في السموات والأرض أي من الملائكة والأناسي والجان والحيوان حتى الجماد ، كما قال تعالى : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَ) [الإسراء : ٤٤] الآية ، وقوله تعالى : (وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ) أي في حال طيرانها تسبح ربها وتعبده بتسبيح ألهمها وأرشدها إليه ، وهو يعلم ما هي فاعلة ، ولهذا قال تعالى : (كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) أي كل قد أرشده إلى طريقته ومسلكه في عبادة الله عزوجل. ثم أخبر أنه عالم بجميع ذلك لا يخفى عليه من ذلك شيء ، ولهذا قال تعالى : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِما يَفْعَلُونَ) ثم أخبر تعالى أن له ملك السموات والأرض ، فهو الحاكم المتصرف الإله المعبود الذي لا تنبغي العبادة إلا له ولا معقب لحكمه (وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) أي يوم القيامة ، فيحكم فيه بما يشاء (لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا) [النجم : ٣١] الآية ، فهو الخالق المالك ، ألا له الحكم في الدنيا والأخرى ، وله الحمد في الأولى والآخرة.

(أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُزْجِي سَحاباً ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ (٤٣) يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) (٤٤)

يذكر تعالى أنه يسوق السحاب بقدرته أول ما ينشئها وهي ضعيفة ، وهو الإزجاء (ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ) أي يجمعه بعد تفرقه (ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكاماً) أي متراكما ، أي يركب بعضه بعضا (فَتَرَى الْوَدْقَ) أي المطر (يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) أي من خلله ، وكذا قرأها ابن عباس والضحاك. قال عبيد بن عمير الليثي : يبعث الله المثيرة فتقم الأرض قما (١) ، ثم يبعث الله الناشئة فتنشئ السحاب ، ثم يبعث الله المؤلفة فتؤلف بينه ، ثم يبعث الله اللواقح فتلقح السحاب. رواه ابن أبي حاتم وابن جرير رحمهما‌الله.

وقوله (وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّماءِ مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) قال بعض النحاة من الأولى لابتداء الغاية ، والثانية للتبعيض ، والثالثة لبيان الجنس ، وهذا إنما يجيء على قول من ذهب من المفسرين إلى أن قوله (مِنْ جِبالٍ فِيها مِنْ بَرَدٍ) معناه أن في السماء جبال برد ينزل الله منها

__________________

(١) تقم الأرض قما : أي تكنسها كنسا.

٦٦

البرد. وأما من جعل الجبال هاهنا كناية عن السحاب ، فإن من الثانية عند هذا لابتداء الغاية أيضا ، لكنها بدل من الأولى ، والله أعلم.

وقوله تعالى : (فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ) يحتمل أن يكون المراد بقوله (فَيُصِيبُ بِهِ) أي بما ينزل من السماء من نوعي المطر والبرد ، فيكون قوله (فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ) رحمة لهم (وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشاءُ) أي يؤخر عنهم الغيث ، ويحتمل أن يكون المراد بقوله (فَيُصِيبُ بِهِ) أي بالبرد نقمة على من يشاء لما فيه من نثر ثمارهم وإتلاف زروعهم وأشجارهم ، ويصرفه عمن يشاء رحمة بهم.

وقوله (يَكادُ سَنا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصارِ) أي يكاد ضوء برقه من شدته يخطف الأبصار إذا اتبعته وتراءته. وقوله تعالى : (يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) أي يتصرف فيهما فيأخذ من طول هذا في قصر هذا حتى يعتدلا ، ثم يأخذ من هذا في هذا فيطول الذي كان قصيرا ويقصر الذي كان طويلا ، والله هو المتصرف في ذلك بأمره وقهره وعزته وعلمه (إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) أي لدليلا على عظمته تعالى ، كما قال تعالى (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) [آل عمران : ١٩٠] وما بعدها من الآيات الكريمات.

(وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٤٥)

يذكر تعالى قدرته التامة وسلطانه العظيم في خلقه أنواع المخلوقات على اختلاف أشكالها وألوانها وحركاتها وسكناتها من ماء واحد ، (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ) كالحية وما شاكلها ، (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ) كالإنسان والطير (وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ) كالأنعام وسائر الحيوانات ، ولهذا قال (يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ) أي بقدرته لأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، ولهذا قال (إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

(لَقَدْ أَنْزَلْنا آياتٍ مُبَيِّناتٍ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٤٦)

يقرر تعالى أنه أنزل في هذا القرآن من الحكم والحكم والأمثال البينة المحكمة كثيرا جدا ، وأنه يرشد إلى تفهمها وتعقلها أولي الألباب والبصائر والنهى ، ولهذا قال (وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ).

(وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٧) وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (٤٨) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (٤٩) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتابُوا أَمْ يَخافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٥٠) إِنَّما كانَ قَوْلَ

٦٧

الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ(٥١) وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) (٥٢)

يخبر تعالى عن صفات المنافقين الذين يظهرون خلاف ما يبطنون ، يقولون قولا بألسنتهم (آمَنَّا بِاللهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) أي يخالفون أقوالهم بأعمالهم فيقولون ما لا يفعلون ، ولهذا قال تعالى : (وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ). وقوله تعالى : (وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ) الآية ، أي إذا طلبوا إلى اتباع الهدى فيما أنزل الله على رسوله أعرضوا عنه واستكبروا في أنفسهم عن اتباعه ، وهذه كقوله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ ـ إلى قوله ـ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً) [النساء : ٦٠ ـ ٦١]. وفي الطبراني من حديث روح بن عطاء عن أبي ميمونة عن أبيه عن الحسن عن سمرة مرفوعا «من دعي إلى سلطان فلم يجب ، فهو ظالم لا حق له».

وقوله تعالى : (وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ) أي وإذا كانت الحكومة لهم لا عليهم جاءوا سامعين مطيعين ، وهو معنى قوله (مُذْعِنِينَ) وإذا كانت الحكومة عليه أعرض ودعا إلى غير الحق ، وأحب أن يتحاكم إلى غير النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليروج باطله ثم فإذعانه أولا لم يكن عن اعتقاد منه أن ذلك هو الحق ، بل لأنه موافق لهواه ، ولهذا لما خالف الحق قصده عدل عنه إلى غيره ، ولهذا قال تعالى : (أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ) الآية ، يعني لا يخرج أمرهم عن أن يكون في القلوب مرض لازم لها أو قد عرض لها شك في الدين ، أو يخافون أن يجور الله ورسوله عليهم في الحكم ، وأيا ما كان فهو كفر محض ، والله عليم بكل منهم وما هو منطو عليه من هذه الصفات.

وقوله تعالى : (بَلْ أُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) أي بل هم الظالمون الفاجرون ، والله ورسوله مبرآن مما يظنون ويتوهمون من الحيف والجور تعالى الله ورسوله عن ذلك. قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا مبارك ، حدثنا الحسن قال : كان الرجل إذا كان بينه وبين الرجل منازعة فدعي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو محق ، أذعن وعلم أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم سيقضي له بالحق ، وإذا أراد أن يظلم فدعي إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم أعرض وقال : انطلق إلى فلان ، فأنزل الله هذه الآية فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «من كان بينه وبين أخيه شيء فدعي إلى حكم من حكام المسلمين فأبى أن يجيب ، فهو ظالم لا حق له» وهذا حديث غريب ، وهو مرسل.

ثم أخبر تعالى عن صفة المؤمنين المستجيبين لله ولرسوله الذين لا يبغون دينا سوى كتاب الله وسنة رسوله ، فقال (إِنَّما كانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا) أي سمعا وطاعة. ولهذا وصفهم تعالى بالفلاح ، وهو نيل المطلوب والسلامة من المرهوب ، فقال تعالى : (وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) وقال قتادة في هذه الآية (أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا) ذكر لنا أن عبادة بن الصامت ، وكان عقبيا بدريا أحد نقباء الأنصار ، أنه

٦٨

لما حضره الموت قال لابن أخيه جنادة بن أبي أمية : ألا أنبئك بما ذا عليك وماذا لك؟ قال : بلى. قال : فإن عليك السمع والطاعة في عسرك ويسرك ومنشطك ومكرهك وأثرة عليك ، وعليك أن تقيم لسانك بالعدل ، وأن لا تنازع الأمر أهله إلا أن يأمروك بمعصية الله بواحا ، فما أمرت به من شيء يخالف كتاب الله ، فاتبع كتاب الله.

وقال قتادة : ذكر لنا أن أبا الدرداء قال : لا إسلام إلا بطاعة الله ، ولا خير إلا في جماعة ، والنصيحة لله ولرسوله وللخليفة وللمؤمنين عامة ، قال : وقد ذكر لنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقول : عروة الإسلام شهادة أن لا إله إلا الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والطاعة لمن ولاه الله أمر المسلمين ، رواه ابن أبي حاتم ، والأحاديث والآثار في وجوب الطاعة لكتاب الله وسنة رسوله وللخلفاء الراشدين والأئمة إذا أمروا بطاعة الله كثير جدا أكثر من أن تحصر في هذا المكان.

وقوله (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) أي فيما أمراه به ، وترك ما نهياه عنه ، ويخش الله فيما مضى من ذنوبه ويتقه فيما يستقبل. وقوله (فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) يعني الذين فازوا بكل خير وأمنوا من كل شر في الدنيا والآخرة.

(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (٥٣) قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ) (٥٤)

يقول تعالى مخبرا عن أهل النفاق الذين كانوا يحلفون للرسول صلى‌الله‌عليه‌وسلم : لئن أمرتهم بالخروج في الغزو ليخرجن ، قال الله تعالى : (قُلْ لا تُقْسِمُوا) أي لا تحلفوا. وقوله (طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) قيل معناه طاعتكم طاعة معروفة ، أي قد علم طاعتكم إنما هي قول لا فعل معه ، وكلما حلفتم كذبتم ، كما قال تعالى : (يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ) [التوبة : ٩٦] الآية. وقال تعالى : (اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً) [المنافقون : ٢] الآية ، فهم من سجيتهم الكذب حتى فيما يختارونه ، كما قال تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) [الحشر : ١١ ـ ١٢].

وقيل المعنى في قوله (طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) أي ليكن أمركم طاعة معروفة ، أي بالمعروف من غير حلف ولا أقسام ، كما يطيع الله ورسوله المؤمنون بغير حلف ، فكونوا أنتم مثلهم (إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) أي هو خبير بكم وبمن يطيع ممن يعصي ، فالحلف وإظهار الطاعة والباطن بخلافه وإن راج على المخلوق ، فالخالق تعالى يعلم السر وأخفى ، لا يروج عليه شيء من

٦٩

التدليس ، بل هو خبير بضمائر عباده وإن أظهروا خلافها. ثم قال تعالى : (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) أي اتبعوا كتاب الله وسنة رسوله.

وقوله تعالى : (فَإِنْ تَوَلَّوْا) أي تتولوا عنه وتتركوا ما جاءكم به (فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ) أي إبلاغ الرسالة وأداء الأمانة (وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ) أي بقبول ذلك وتعظيمه والقيام بمقتضاه (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) وذلك لأنه يدعو إلى صراط مستقيم (صِراطِ اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) [الشورى : ٥٣] الآية. وقوله تعالى : (وَما عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ) كقوله تعالى : (فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ) [الرعد : ٤٠]. وقوله (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ) [الغاشية : ٢١ ـ ٢٢].

قال وهب بن منبه : أوحى الله إلى نبي من أنبياء بني إسرائيل يقال له شعياء أن قم في بني إسرائيل ، فإني سأطلق لسانك بوحي ، فقام فقال : يا سماء اسمعي ويا أرض أنصتي ، فإن الله يريد أن يقضي شأنا ويدبر أمرا هو منفذه ، إنه يريد أن يحول الريف إلى الفلاة ، والآجام (١) في الغيطان (٢) ، والأنهار في الصحارى ، والنعمة في الفقراء ، والملك في الرعاة ، ويريد أن يبعث أميا من الأميين ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ، لو يمر على السراج لم يطفئه من سكينته ، ولو يمشي على القصب اليابس لم يسمع من تحت قدميه ، أبعثه مبشرا ونذيرا ، لا يقول الخنا (٣) ، أفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا ، وأسدده لكل أمر جميل ، وأهب له كل خلق كريم ، وأجعل السكينة لباسه ، والبر شعاره ، والتقوى ضميره ، والحكمة منطقه ، والصدق والوفاء طبيعته ، والعفو والمعروف خلقه ، والحق شريعته ، والعدل سيرته ، والهدى إمامه ، والإسلام ملته ، وأحمد اسمه ، أهدي به بعد الضلالة ، وأعلم به من الجهالة ، وأرفع به بعد الخمالة ، وأعرف به بعد النكرة ، وأكثر به القلة ، وأغني به بعد العيلة ، وأجمع به بعد الفرقة ، وأؤلف به بين أمم متفرقة ، وقلوب مختلفة ، وأهواء مشتتة ، وأستنقذ به فئاما من الناس عظيما من الهلكة ، وأجعل أمته خير أمة أخرجت للناس ، يأمرون بالمعروف ، وينهون عن المنكر ، موحدين مؤمنين مخلصين مصدقين بما جاءت به رسلي ، رواه ابن أبي حاتم.

(وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) (٥٥)

هذا وعد من الله تعالى لرسوله صلوات الله وسلامه عليه بأنه سيجعل أمته خلفاء الأرض ،

__________________

(١) الآجام ، جمع أجمة : وهي الشجر الكثيف الملتف.

(٢) الغيطان : هي الأرض المنبتة.

(٣) الخنا : الفحش في القول.

٧٠

أي أئمة الناس والولاة عليهم ، وبهم تصلح البلاد ، وتخضع لهم العباد. وليبدلنهم من بعد خوفهم من الناس أمنا وحكما فيهم ، وقد فعله تبارك وتعالى ، وله الحمد والمنة ، فإنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم لم يمت حتى فتح الله عليه مكة وخيبر والبحرين وسائر جزيرة العرب وأرض اليمن بكمالها ، وأخذ الجزية من مجوس هجر ومن بعض أطراف الشام ، وهاداه هرقل ملك الروم وصاحب مصر وإسكندرية وهو المقوقس ، وملوك عمان والنجاشي ملك الحبشة الذي تملك بعد أصحمة رحمه‌الله وأكرمه.

ثم لما مات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم واختار الله له ما عنده من الكرامة ، قام بالأمر بعده خليفته أبو بكر الصديق ، فلمّ شعث ما وهي بعد موته صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وأطّد جزيرة العرب ومهدها ، وبعث الجيوش الإسلامية إلى بلاد فارس صحبة خالد بن الوليد رضي الله عنه ، ففتحوا طرفا منها ، وقتلوا خلقا من أهلها. وجيشا آخر صحبة أبي عبيدة رضي الله عنه ومن اتبعه من الأمراء إلى أرض الشام ، وثالثا صحبة عمرو بن العاص رضي الله عنه إلى بلاد مصر ، ففتح الله للجيش الشامي في أيامه بصرى ودمشق ومخاليفهما من بلاد حوران وما والاها وتوفاه الله عزوجل واختار له ما عنده من الكرامة.

ومنّ على أهل الإسلام بأن ألهم الصديق أن يستخلف عمر الفاروق ، فقام بالأمر بعده قياما تاما ، لم يدر الفلك بعد الأنبياء على مثله في قوة سيرته وكمال عدله. وتمّ في أيامه فتح البلاد الشامية بكمالها وديار مصر إلى آخرها وأكثر إقليم فارس. وكسر كسرى وأهانه غاية الهوان وتقهقر إلى أقصى مملكته ، وقصر قيصر ، وانتزع يده عن بلاد الشام ، وانحدر إلى القسطنطينية ، وأنفق أموالهما في سبيل الله ، كما أخبر بذلك ووعد به رسول الله ، عليه من ربه أتم سلام وأزكى صلاة.

ثم لما كانت الدولة العثمانية امتدت الممالك الإسلامية إلى أقصى مشارق الأرض ومغاربها ، ففتحت بلاد المغرب إلى أقصى ما هنالك الأندلس وقبرص ، وبلاد القيروان ، وبلاد سبتة مما يلي البحر المحيط ، ومن ناحية المشرق إلى أقصى بلاد الصين ، وقتل كسرى وباد ملكه بالكلية ، وفتحت مدائن العراق وخراسان والأهواز ، وقتل المسلمون من الترك مقتلة عظيمة جدا ، وخذل الله ملكهم الأعظم خاقان ، وجبى الخراج من المشارق والمغارب إلى حضرة أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه ، وذلك ببركة تلاوته ودراسته وجمعه الأمة على حفظ القرآن ، ولهذا ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها ، ويبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها» (١) فها نحن نتقلب فيما وعدنا الله ورسوله ، وصدق الله ورسوله فنسأل الله الإيمان به وبرسوله ، والقيام بشكره على الوجه الذي

__________________

(١) أخرجه مسلم في الفتن حديث ١٩ ، وأبو داود في الفتن باب ١ ، والترمذي في الفتن باب ١٤ ، وابن ماجة في الفتن باب ٩ ، وأحمد في المسند ٥ / ٢٧٨ ، ٢٨٤ ، ٤ / ١٢٣.

٧١

يرضيه عنا.

قال الإمام مسلم بن الحجاج في صحيحه : حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان عن عبد الملك بن عمير عن جابر بن سمرة قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول «لا يزال أمر الناس ماضيا ما وليهم اثنا عشر رجلا» ثم تكلم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بكلمة خفيت عني ، فسألت أبي : ماذا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : قال «كلهم من قريش» (١). ورواه البخاري من حديث شعبة عن عبد الملك بن عمير به ، وفي رواية لمسلم أنه قال ذلك عشية رجم ماعز بن مالك ، وذكر معه أحاديث أخر ، وفي هذا الحديث دلالة على أنه لا بد من وجود اثني عشر خليفة عادلا وليسوا هم بأئمة الشيعة الاثني عشر ، فإن كثيرا من أولئك لم يكن إليهم من الأمر شيء ، فأما هؤلاء فإنهم يكونون من قريش يلون فيعدلون ، وقد وقعت البشارة بهم في الكتب المتقدمة ، ثم لا يشترط أن يكونوا متتابعين ، بل يكون وجودهم في الأمة متتابعا ومتفرقا ، وقد وجد منهم أربعة على الولاء وهم أبو بكر ، ثم عمر ، ثم عثمان ، ثم علي رضي الله عنه ، ثم كانت بعدهم فترة ، ثم وجد منهم من شاء الله ، ثم قد يوجد منهم من بقي في الوقت الذي يعلمه الله تعالى. ومنهم المهدي الذي اسمه يطابق اسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وكنيته كنيته ، يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت جورا وظلما.

وقد روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث سعيد بن جهمان عن سفينة مولى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «الخلافة بعدي ثلاثون سنة ، ثم تكون ملكا عضوضا» (٢).

وقال الربيع بن أنس عن أبي العالية في قوله (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً) الآية ، قال : كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وأصحابه بمكة نحوا من عشر سنين يدعون إلى الله وحده وإلى عبادته وحده لا شريك له سرا ، وهم خائفون لا يؤمرون بالقتال حتى أمروا بعد بالهجرة إلى المدينة ، فقدموها فأمرهم الله بالقتال ، فكانوا بها خائفين يمسون في السلاح ويصبحون في السلاح ، فصبروا بذلك ما شاء الله ، ثم إن رجلا من الصحابة قال : يا رسول الله أبد الدهر نحن خائفون هكذا؟ أما يأتي علينا يوم نأمن فيه ونضع عنا السلاح؟ فقال : رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لن تصبروا إلا يسيرا حتى يجلس الرجل منكم في الملأ العظيم محتبيا ليست فيه حديدة» وأنزل الله هذه الآية ، فأظهر الله نبيه على جزيرة العرب ، فأمنوا ووضعوا السلاح. ثم إن الله تعالى قبض نبيه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فكانوا كذلك آمنين في إمارة أبي بكر وعمر وعثمان

__________________

(١) أخرجه مسلم في الإمارة حديث ٦ ، وأحمد في المسند ٥ / ٩٨ ، ١٠١.

(٢) أخرجه أحمد في المسند ٥ / ٢٢٠ ، ٢٢١ ، بلفظ : «الخلافة ثلاثون عاما ثم يكون بعد ذلك الملك» ، وأخرجه أبو داود في السنة والترمذي في الفتن باب ٤٨ ، بلفظ : «خلافة النبوة ثلاثون سنة».

٧٢

حتى وقعوا فيما وقعوا فيه ، فأدخل عليهم الخوف فاتخذوا الحجزة والشرط وغيروا فغير ما بهم (١) ، وقال بعض السلف : خلافة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حق في كتاب الله ، ثم تلا هذه الآية.

وقال البراء بن عازب : نزلت هذه الآية ونحن في خوف شديد ، وهذه الآية الكريمة كقوله تعالى : (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ ـ إلى قوله ـ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [الأنفال : ٢٦]. وقوله تعالى : (كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) كما قال تعالى عن موسى عليه‌السلام أنه قال لقومه : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ) [الأعراف : ١٢٩] الآية ، وقال تعالى : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ) [القصص : ٥ ـ ٦] الآيتين.

وقوله (وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضى لَهُمْ) الآية ، كما قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لعدي بن حاتم حين وفد عليه «أتعرف الحيرة؟» قال : لم أعرفها ، ولكن قد سمعت بها. قال «فو الذي نفسي بيده ليتمن الله هذا الأمر حتى تخرج الظعينة من الحيرة حتى تطوف بالبيت في غير جوار أحد ، ولتفتحن كنوز كسرى بن هرمز» قلت : كسرى بن هرمز ، قال «نعم كسرى بن هرمز ، وليبذلن المال حتى لا يقبله أحد». قال عدي بن حاتم : فهذه الظعينة تخرج من الحيرة فتطوف بالبيت في غير جوار أحد ، ولقد كنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز ، والذي نفسي بيده لتكونن الثالثة ، لأن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد قالها (٢).

وقال الإمام أحمد (٣) : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا سفيان عن أبي سلمة عن الربيع بن أنس عن أبي العالية ، عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والدين والنصر والتمكين في الأرض ، فمن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا لم يكن له في الآخرة نصيب».

وقوله تعالى : (يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً) قال الإمام أحمد (٤) : حدثنا عفان ، حدثنا همام حدثنا قتادة عن أنس أن معاذ بن جبل حدثه قال : بينا أنا رديف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على حمار ليس بيني وبينه إلا آخرة الرحل ، قال «يا معاذ». قلت : لبيك يا رسول الله وسعديك ، قال : ثم سار ساعة ، ثم قال «يا معاذ بن جبل». قلت : لبيك يا رسول الله وسعديك ، ثم سار ساعة ، ثم قال «يا معاذ بن جبل». قلت : لبيك يا رسول الله وسعديك. قال «هل تدري ما حق الله على

__________________

(١) انظر الدر المنثور ٥ / ١٠٠.

(٢) أخرجه البخاري في المناقب باب ٢٥ ، والترمذي في تفسير سورة ١ ، باب ٢ ، وأحمد في المسند أحمد في المسند ٤ / ٢٥٧.

(٣) المسند ٥ / ١٣٤.

(٤) المسند ٥ / ٢٤٢.

٧٣

العباد؟ قلت : الله ورسوله أعلم .. قال «فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا». قال : ثم سار ساعة ، ثم قال «يا معاذ بن جبل». قلت : لبيك يا رسول الله وسعديك. قال «فهل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك؟» قال : قلت الله ورسوله أعلم. قال «فإن حق العباد على الله أن لا يعذبهم» (١) ، أخرجاه في الصحيحين من حديث قتادة.

وقوله تعالى : (وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) أي فمن خرج عن طاعتي بعد ذلك فقد خرج عن أمر ربه ، وكفى بذلك ذنبا عظيما ، فالصحابة رضي الله عنهم لما كانوا أقوم الناس بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بأوامر الله عزوجل وأطوعهم لله ، كان نصرهم بحسبهم أظهروا كلمة الله في المشارق والمغارب ، وأيدهم تأييدا عظيما ، وحكموا في سائر العباد والبلاد ، ولما قصر الناس بعدهم في بعض الأوامر نقص ظهورهم بحسبهم ، ولكن قد ثبت في الصحيحين من غير وجه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال «لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى يوم القيامة ـ وفي رواية حتى يأتي أمر الله وهم كذلك ـ وفي رواية ـ حتى يقاتلوا الدجال ـ وفي رواية ـ حتى ينزل عيسى ابن مريم وهم ظاهرون» (٢) وكل هذه الروايات صحيحة ، ولا تعارض بينها.

(وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (٥٦) لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْواهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (٥٧)

يقول تعالى آمرا عباده المؤمنين بإقامة الصلاة ، وهي عبادة الله وحده لا شريك له ، وإيتاء الزكاة ، وهي الإحسان إلى المخلوقين ضعفائهم وفقرائهم ، وأن يكونوا في ذلك مطيعين لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أي سالكين وراءه فيما به أمرهم ، وتاركين ما عنه زجرهم ، لعل الله يرحمهم بذلك ، ولا شك أن من فعل هذا ، أن الله سيرحمه ، كما قال تعالى في الآية الأخرى : (أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللهُ) [التوبة : ٧١]. وقوله تعالى : (لا تَحْسَبَنَ) أي لا تظن يا محمد أن (الَّذِينَ كَفَرُوا) أي خالفوك وكذبوك (مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ) أي لا يعجزون الله ، بل الله قادر عليهم وسيعذبهم على ذلك أشد العذاب ، ولهذا قال تعالى : (وَمَأْواهُمُ) أي في الدار الآخرة (النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ) أي بئس المآل مآل الكافرين ، وبئس القرار وبئس المهاد.

__________________

(١) أخرجه البخاري في اللباس باب ١٠١ ، ومسلم في الإيمان حديث ٥٠.

(٢) روي الحديث بطرق وأسانيد متعددة ، أخرجه البخاري في الاعتصام باب ١٠ ، والتوحيد باب ٢٩ ، والمناقب باب ٢٨ ، والخمس باب ٧ ، ومسلم في الإيمان حديث ٢٤٧ ، والإمارة حديث ١٧٠ ، ١٧١ ، ١٧٣ ، ١٧٥ ، وأبو داود في الفتن باب ١ ، والجهاد باب ٤ ، والترمذي في الفتن باب ٥١ ، وابن ماجة في المقدمة باب ١ ، والدارمي في الجهاد باب ٣٨ ، وأحمد في المسند ٤ / ٩٣ ، ٩٩ ، ١٠٤ ، ٢٤٤ ، ٢٤٨ ، ٢٥٢ ، ٣١٩ ، ٤٢٠ ، ٤٣٤ ، ٤٣٧ ، ٥ / ٢٦٩ ، ٢٧٨ ، ٢٧٩.

٧٤

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٨) وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٩) وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٦٠)

هذه الآيات الكريمة اشتملت على استئذان الأقارب بعضهم على بعض ، وما تقدم في أول السورة فهو استئذان الأجانب بعضهم على بعض ، فأمر الله تعالى المؤمنين أن يستأذنهم خدمهم مما ملكت أيمانهم وأطفالهم الذين لم يبلغوا الحلم منهم في ثلاثة أحوال [الأول] من قبل صلاة الغداة ، لأن الناس إذ ذاك يكونون نياما في فرشهم (وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ) اي في وقت القيلولة ، لأن الإنسان قد يضع ثيابه في تلك الحال مع أهله.

(وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشاءِ) لأنه وقت النوم ، فيؤمر الخدم والأطفال أن لا يهجموا على أهل البيت في هذه الأحوال لما يخشى من أن يكون الرجل على أهله أو نحو ذلك من الأعمال ، ولهذا قال (ثَلاثُ عَوْراتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَ) أي إذا دخلوا في حال غير هذه الأحوال ، فلا جناح عليكم في تمكينكم من ذلك إياهم ولا عليهم إن رأوا شيئا في غير تلك الأحوال. لأنه قد أذن لهم في الهجوم ، ولأنهم طوافون عليكم أي في الخدمة وغير ذلك. ويغتفر في الطوافين ما لا يغتفر في غيرهم ، ولهذا روى الإمام مالك وأحمد بن حنبل وأهل السنن أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال في الهرة «إنها ليست بنجسة إنها من الطوافين عليكم أو والطوافات» (١). ولما كانت هذه الآية محكمة ولم تنسخ بشيء وكان عمل الناس بها قليلا جدا ، أنكر عبد الله بن عباس ذلك على الناس.

كما قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، حدثني عبد الله بن لهيعة ، حدثني عطاء بن دينار عن سعيد بن جبير قال : قال ابن عباس : ترك الناس ثلاث آيات فلم يعملوا بهن (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) إلى آخر الآية ، والآية التي في سورة النساء (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى) [النساء : ٨] الآية ، والآية في الحجرات (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) [الحجرات : ١٣] وروي أيضا من حديث

__________________

(١) أخرجه أبو داود في الطهارة باب ٣٨ ، والترمذي في الطهارة باب ٦٩ ، والنسائي في الطهارة باب ٥٣ ، والمياه باب ٨ ، وابن ماجة في الطهارة باب ٣٢ ، والدارمي في الوضوء باب ٥٨ ، ومالك في الطهارة حديث ١٣ ، وأحمد في المسند ٥ / ٢٩٦ ، ٣٠٣ ، ٣٠٩.

٧٥

إسماعيل بن مسلم وهو ضعيف ، عن عمرو بن دينار عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال : غلب الشيطان الناس على ثلاث آيات فلم يعملوا بهن (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) إلى آخر الآية.

وروى أبو داود : حدثنا ابن الصباح وابن سفيان وابن عبدة وهذا حديثه : أخبرنا سفيان عن عبيد الله بن أبي يزيد سمع ابن عباس يقول : لم يؤمن بها أكثر الناس آية الإذن ، وإني لآمر جاريتي هذه تستأذن علي. قال أبو داود (١) : وكذلك رواه عطاء عن ابن عباس يأمر به ، وقال الثوري عن موسى بن أبي عائشة : سألت الشعبي (لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ)؟ قال: لم تنسخ. قلت : فإن الناس لا يعملون بها. فقال : الله المستعان.

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الربيع بن سليمان ، حدثنا ابن وهب ، أخبرنا سليمان بن بلال عن عمرو بن أبي عمرو ، عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلين سألاه عن الاستئذان في الثلاث عورات التي أمر الله بها في القرآن ، فقال ابن عباس : إن الله ستير يحب الستر. كان الناس ليس لهم ستور على أبوابهم ، ولا حجال في بيوتهم ، فربما فاجأ الرجل خادمه أو ولده أو يتيمه في حجره وهو على أهله ، فأمرهم الله أن يستأذنوا في تلك العورات التي سمى الله. ثم جاء الله بعد بالستور ، فبسط الله عليهم الرزق ، فاتخذوا الستور واتخذوا الحجال ، فرأى الناس أن ذلك قد كفاهم من الاستئذان الذي أمروا به. وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس ، ورواه أبو داود (٢) عن القعنبي عن الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو به.

وقال السدي : كان أناس من الصحابة رضي الله عنهم يحبون أن يواقعوا نساءهم في هذه الساعات ليغتسلوا ثم يخرجوا إلى الصلاة ، فأمرهم الله أن يأمروا المملوكين والغلمان أن لا يدخلوا عليهم في تلك الساعات إلا بإذن ، وقال مقاتل بن حيان : بلغنا ـ والله أعلم ـ أن رجلا من الأنصار وامرأته أسماء بنت مرثد صنعا للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم طعاما فجعل الناس يدخلون بغير إذن ، فقالت أسماء : يا رسول الله ما أقبح هذا ، إنه ليدخل على المرأة وزوجها ـ وهما في ثوب واحد ـ غلامهما بغير إذن ، فأنزل الله في ذلك (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) إلى آخرها ، ومما يدل على أنها محكمة لم تنسخ قوله (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ثم قال تعالى : (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يعني إذا بلغ الأطفال الذين إنما كانوا يستأذنون في العورات الثلاث ، إذا بلغوا الحلم وجب عليهم أن يستأذنوا على كل حال ، يعني بالنسبة إلى أجانبهم وإلى الأحوال التي يكون الرجل على امرأته ، وإن لم يكن في الأحوال الثلاث.

__________________

(١) كتاب الأدب باب ١٣٠.

(٢) كتاب الحمام باب ١.

٧٦

قال الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير : إذا كان الغلام رباعيا ، فإنه يستأذن في العورات الثلاث على أبويه ، فإذا بلغ الحلم فليستأذن على كل حال. وهكذا قال سعيد بن جبير. وقال في قوله (كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) يعني كما استأذن الكبار من ولد الرجل وأقاربه. وقوله (وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ) قال سعيد بن جبير ومقاتل بن حيان والضحاك وقتادة : هن اللواتي انقطع عنهن الحيض ويئسن من الولد (اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً) أي لم يبق لهن تشوف إلى التزوج (فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ) أي ليس عليها من الحرج في التستر كما على غيرها من النساء.

قال أبو داود (١) : حدثنا أحمد بن محمد المروزي ، حدثني علي بن الحسين بن واقد عن أبيه عن يزيد النحوي ، عن عكرمة عن ابن عباس (وَقُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَ) الآية ، فنسخ واستثنى من ذلك (الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً) الآية ، قال ابن مسعود في قوله (فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَ) قال : الجلباب أو الرداء وكذلك روي عن ابن عباس وابن عمر ومجاهد وسعيد بن جبير وأبي الشعثاء وإبراهيم النخعي والحسن وقتادة والزهري والأوزاعي وغيرهم. وقال أبو صالح : تضع الجلباب وتقوم بين يدي الرجل في الدرع والخمار.

وقال سعيد بن جبير وغيره في قراءة عبد الله بن مسعود أن يضعن من ثيابهن وهو الجلباب من فوق الخمار ، فلا بأس أن يضعن عند غريب أو غيره بعد ان يكون عليها خمار صفيق ، وقال سعيد بن جبير في الآية (غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ) يقول : لا يتبرجن بوضع الجلباب ليرى ما عليهن من الزينة ، وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عبد الله ، حدثنا ابن المبارك حدثني سوار بن ميمون ، حدثنا طلحة بن عاصم عن أم الضياء أنها قالت : دخلت على عائشة رضي الله عنها ، فقلت : يا أم المؤمنين ما تقولين في الخضاب والنفاض والصباغ والقرطين والخلخال وخاتم الذهب وثياب الرقاق؟ فقالت : يا معشر النساء قصتكن كلها واحدة ، أحل الله لكن الزينة غير متبرجات ، أي لا يحل لكن ان يروا منكن محرما.

وقال السدي : كان شريك لي يقال له مسلم ، وكان مولى لامرأة حذيفة بن اليمان ، فجاء يوما إلى السوق وأثر الحناء في يده ، فسألته عن ذلك فأخبرني أنه خضب رأس مولاته وهي امرأة حذيفة ، فأنكرت ذلك ، فقال : إن شئت ادخلتك عليها؟ فقلت : نعم ، فأدخلني عليها فإذا هي امرأة جليلة ، فقلت لها : إن مسلما حدثني أنه خضب لك رأسك؟ فقالت : نعم يا بني إني من القواعد اللاتي لا يرجون نكاحا ، وقد قال الله تعالى في ذلك ما سمعت. وقوله (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَ) أي وترك وضعهن لثيابهن وإن كان جائزا خير وأفضل لهن (وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).

__________________

(١) كتاب اللباس باب ٣٤.

٧٧

(لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (٦١)

اختلف المفسرون رحمهم‌الله في المعنى الذي لأجله رفع الحرج عن الأعمى والأعرج والمريض هاهنا ، فقال عطاء الخراساني وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم إنها : نزلت في الجهاد ، وجعلوا هذه الآية هاهنا كالتي في سورة الفتح (١) ، وتلك في الجهاد لا محالة ، أي إنهم لا إثم عليهم في ترك الجهاد لضعفهم وعجزهم ، وكما قال تعالى في سورة براءة (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ ـ إلى قوله ـ أَلَّا يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ) [التوبة : ٩٢] وقيل : المراد هاهنا أنهم كانوا يتحرجون من الأكل مع الأعمى لأنه لا يرى الطعام وما فيه من الطيبات ، فربما سبقه غيره إلى ذلك ، ولا مع الأعرج لأنه لا يتمكن من الجلوس فيفتات عليه جليسه ، والمريض لا يستوفي من الطعام كغيره ، فكرهوا أن يؤاكلوهم لئلا يظلموهم ، فأنزل الله هذه الآية ، رخصة في ذلك ، وهذا قول سعيد بن جبير ومقسم.

وقال الضحاك : كانوا قبل البعثة يتحرجون من الأكل مع هؤلاء تقذرا وتعززا ، ولئلا يتفضلوا عليهم ، فأنزل الله هذه الآية. وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله تعالى : (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) الآية ، قال : كان الرجل يذهب بالأعمى أو بالأعرج أو بالمريض إلى بيت أبيه أو أخيه أو بيت أخته أو بيت عمته أو بيت خالته ، فكان الزمنى يتحرجون من ذلك يقولون : إنما يذهبون بنا إلى بيوت غيرهم ، فنزلت هذه الآية رخصة لهم(٢). وقال السدي : كان الرجل يدخل بيت أبيه أو أخيه أو ابنه ، فتتحفه المرأة بشيء من الطعام ، فلا يأكل من أجل أن رب البيت ليس ثم ، فقال الله تعالى (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ) الآية.

وقوله تعالى : (وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ) إنما ذكر هذا وهو معلوم ليعطف عليه غيره في اللفظ ، وليساويه ما بعده في الحكم ، وتضمن هذا بيوت الأبناء لأنه لم ينص عليهم ، ولهذا استدل بهذا من ذهب إلى أن مال الولد بمنزلة مال أبيه ، وقد جاء في المسند

__________________

(١) انظر الآية ١٧ من سورة الفتح.

(٢) انظر تفسير الطبري ٩ / ٣٥٢.

٧٨

والسنن من غير وجه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال «أنت ومالك لأبيك» (١).

وقوله (أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ ـ إلى قوله ـ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ) هذا ظاهر ، وقد يستدل به من يوجب نفقة الأقارب بعضهم على بعض ، كما هو مذهب أبي حنيفة والإمام أحمد بن حنبل في المشهور عنهما ، وأما قوله (أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ) فقال سعيد بن جبير والسدي : هو خادم الرجل من عبد وقهرمان ، فلا بأس أن يأكل مما استودعه من الطعام بالمعروف. وقال الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان المسلمون يذهبون في النفير مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيدفعون مفاتحهم إلى ضمنائهم ، ويقولون : قد أحللنا لكم أن تأكلوا ما احتجتم إليه ، فكانوا يقولون : إنه لا يحل لنا أن نأكل ، إنهم أذنوا لنا عن غير طيب أنفسهم ، وإنما نحن أمناء ، فأنزل الله (أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ).

وقوله (أَوْ صَدِيقِكُمْ) أي بيوت أصدقائكم وأصحابكم ، فلا جناح عليكم في الأكل منها إذا علمتم أن ذلك لا يشق عليهم ولا يكرهون ذلك. وقال قتادة : إذا دخلت بيت صديقك فلا بأس أن تأكل بغير إذنه. وقوله (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في هذه الآية : وذلك لما أنزل الله (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ) [النساء : ٢٩] قال المسلمون : إن الله قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل ، والطعام هو أفضل من الأموال ، فلا يحل لأحد منا أن يأكل عند أحد ، فكف الناس عن ذلك ، فأنزل الله (لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ ـ إلى قوله ـ أَوْ صَدِيقِكُمْ).

وكانوا أيضا يأنفون ويتحرجون أن يأكل الرجل الطعام وحده حتى يكون معه غيره ، فرخص الله لهم في ذلك ، فقال (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً) وقال قتادة : كان هذا الحي من بني كنانة يرى أحدهم أن مخزاة عليه أن يأكل وحده في الجاهلية ، حتى إن كان الرجل ليسوق الذود الحفل وهو جائع حتى يجد من يؤاكله ويشاربه فأنزل الله (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً) فهذه رخصة من الله تعالى في أن يأكل الرجل وحده ومع الجماعة وإن كان الأكل مع الجماعة أبرك وأفضل.

كما رواه الإمام أحمد (٢) : حدثنا يزيد بن عبد ربه ، حدثنا الوليد بن مسلم عن وحشي بن حرب عن أبيه عن جده أن رجلا قال للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم : إنا نأكل ولا نشبع. قال «لعلكم تأكلون متفرقين ، اجتمعوا على طعامكم واذكروا اسم الله يبارك لكم فيه» (٣) ورواه أبو داود وابن ماجة من حديث الوليد بن مسلم به ، وقد روى ابن ماجة أيضا من حديث عمرو بن دينار القهرماني

__________________

(١) أخرجه ابن ماجة في التجارات باب ٦٤ ، وأحمد في المسند ٢ / ١٧٩ ، ٢٠٤ ، ٢١٤.

(٢) المسند ٣ / ٥٠١.

(٣) أخرجه أبو داود في الأطعمة باب ١٤ ، وابن ماجة في الأطعمة باب ١٧.

٧٩

عن سالم عن أبيه عن عمرو عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه قال «كلوا جميعا ولا تفرقوا فإن البركة مع الجماعة» (١).

وقوله (فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ) قال سعيد بن جبير والحسن البصري وقتادة والزهري : يعني فليسلم بعضكم على بعض. وقال ابن جريج : أخبرني أبو الزبير ، سمعت جابر بن عبد الله يقول : إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم تحية من عند الله مباركة طيبة ، قال: ما رأيته إلا يوجبه. قال ابن جريج : وأخبرني زياد عن ابن طاوس أنه كان يقول : إذا دخل أحدكم بيته فليسلم ، قال ابن جريج : قلت لعطاء : أواجب إذا خرجت ثم دخلت أن أسلم عليهم؟ قال : لا ، ولا آثر وجوبه عن أحد ، ولكن هو أحب إلي وما أدعه إلا ناسيا.

وقال مجاهد : إذا دخلت المسجد فقل : السلام على رسول الله ، وإذا دخلت على أهلك فسلم عليهم ، وإذا دخلت بيتا ليس فيه أحد فقل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. وروى الثوري عن عبد الكريم الجزري عن مجاهد ، إذا دخلت بيتا ليس فيه أحد فقل : بسم الله والحمد لله ، السلام علينا من ربنا ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، وقال قتادة : إذا دخلت على أهلك فسلم عليهم ، وإذا دخلت بيتا ليس فيه أحد فقل : السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، فإنه كان يؤمر بذلك ، وحدثنا أن الملائكة ترد عليه.

وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا محمد بن المثنى ، حدثنا عويد بن أبي عمران الجوني عن أبيه عن أنس قال : أوصاني النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بخمس خصال قال «يا أنس أسبغ الوضوء يزد في عمرك ، وسلم على من لقيك من أمتي تكثر حسناتك ، وإذا دخلت ـ يعني بيتك ـ فسلم على أهلك يكثر خير بيتك ، وصل صلاة الضحى فإنها صلاة الأوابين قبلك. يا أنس ارحم الصغير ووقر الكبير تكن من رفقائي يوم القيامة».

وقوله (تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً) قال محمد بن إسحاق : حدثني داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقول : ما أخذت التشهد ، إلا من كتاب الله سمعت الله يقول (فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً) فالتشهد في الصلاة ، التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، ثم يدعو لنفسه ويسلم. وهكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث ابن إسحاق. والذي في صحيح مسلم عن ابن عباس عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخالف هذا ، والله أعلم. وقوله (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) لما ذكر تعالى ما في هذه السور الكريمة من الأحكام المحكمة والشرائع المتقنة المبرمة ، نبه تعالى عباده على أنه يبين لعباده الآيات بيانا شافيا ليتدبروها

__________________

(١) أخرجه ابن ماجة في الأطعمة باب ١٧.

٨٠