تفسير القرآن العظيم - ج ٦

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي

تفسير القرآن العظيم - ج ٦

المؤلف:

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2221-5

الصفحات: ٥٤٣

جوارحهم بما عملت.

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو شيبة إبراهيم بن عبد الله بن أبي شيبة ، حدثنا منجاب بن الحارث التميمي ، حدثنا أبو عامر الأزدي ، حدثنا سفيان عن عبيد المكتب عن الفضيل بن عمرو عن الشعبي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كنا عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فضحك حتى بدت نواجذه ، ثم قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «أتدرون ممّ أضحك؟» قلنا : الله ورسوله أعلم ، قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من مجادلة العبد ربه يوم القيامة ، يقول رب ألم تجرني من الظلم؟ فيقول : بلى ، فيقول : لا أجيز علي إلا شاهدا من نفسي ، فيقول : كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ، وبالكرم الكاتبين شهودا ، فيختم على فيه ، ويقال لأركانه : انطقي فتنطق بعمله ، ثم يخلى بينه وبين الكلام ، فيقول : بعدا لكن وسحقا ، فعنكن كنت أناضل» (١) وقد رواه مسلم والنسائي ، كلاهما عن أبي بكر عن أبي النضر عن أبي. النضر ، عن عبيد الله بن عبد الرحمن الأشجعي ، عن سفيان هو الثوري به. ثم قال النسائي : لا أعلم أحدا روى هذا الحديث عن سفيان غير الأشجعي ، وهو حديث غريب ، والله تعالى أعلم ، كذا قال. وقد تقدم من رواية أبي عامر عبد الملك بن عمرو الأسدي وهو العقدي عن سفيان.

وقال عبد الرزاق : أخبرنا معمر عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال: «إنكم تدعون مفدما على أفواهكم بالفدام ، فأول ما يسأل عن أحدكم فخذه وكتفه (٢) ، رواه النسائي عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق به ، وقال سفيان بن عيينة عن سهيل عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في حديث القيامة الطويل ، قال فيه : «ثم يلقى الثالث فيقول : ما أنت؟ فيقول : أنا عبدك آمنت بك وبنبيك وبكتابك ، وصمت وصليت وتصدقت ، ويثني بخير ما استطاع ـ قال ـ فيقال له : ألا نبعث عليك شاهدنا؟ ـ قال ـ فيفكر في نفسه من الذي يشهد عليه ، فيختم على فيه ويقال لفخذه انطقي ـ قال ـ فتنطق فخذه ولحمه وعظامه بما كان يعمل وذلك المنافق ، وذلك ليعذر من نفسه ، وذلك الذي سخط الله تعالى عليه» (٣) ورواه مسلم وأبو داود من حديث سفيان بن عيينة به بطوله.

ثم قال ابن أبي حاتم رحمه‌الله : حدثنا أبي ، حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا إسماعيل بن عياش، حدثنا ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه سمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إن أول عظم من الإنسان يتكلم يوم يختم على الأفواه ، فخذه من الرجل اليسرى» وروى ابن جرير عن محمد بن عوف عن عبد الله بن المبارك عن إسماعيل بن عياش به مثله. وقد جود إسناده الإمام أحمد (٤) رحمه‌الله ، فقال : حدثنا الحكم بن نافع ، حدثنا

__________________

(١) أخرجه مسلم في الزهد حديث ١٧.

(٢) أخرجه أحمد في المسند ٥ / ٤ ، ٥.

(٣) أخرجه مسلم في الزهد حديث ١٦.

(٤) المسند ٤ / ١٥١.

٥٢١

إسماعيل بن عياش عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد الحضرمي عمن حدثه ، عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله يقول : «إن أول عظم من الإنسان يتكلم يوم يختم على الأفواه فخذه من الرجل الشمال».

وقال ابن جرير (١) : حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، حدثنا ابن علية ، حدثنا يونس بن عبيد عن حميد بن هلال قال : قال أبو بردة : قال أبو موسى هو الأشعري رضي الله عنه : يدعى المؤمن للحساب يوم القيامة ، فيعرض عليه ربه عمله فيما بينه وبينه ، فيعترف فيقول : نعم أي رب عملت عملت عملت ، قال : فيغفر الله تعالى له ذنوبه ويستره منها ، قال : فما على الأرض خليقة ترى من تلك الذنوب شيئا وتبدو حسناته ، فود أن الناس كلهم يرونها ، ويدعى الكافر والمنافق للحساب ، فيعرض عليه ربه عمله فيجحد ويقول : أي رب وعزتك لقد كتب علي هذا الملك ما لم أعمل ، فيقول له الملك : أما علمت كذا يوم كذا في مكان كذا؟ فيقول : لا وعزتك أي رب ما عملته ، فإذا فعل ذلك ختم الله على فيه ، قال أبو موسى الأشعري رضي الله عنه : فإني أحسب أول ما ينطق منه الفخذ اليمنى ، ثم تلا (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ).

وقوله تبارك وتعالى : (وَلَوْ نَشاءُ لَطَمَسْنا عَلى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّراطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيرها : يقول ولو نشاء لأضللناهم عن الهدى ، فكيف يهتدون؟ وقال مرة : أعميناهم : وقال الحسن البصري : لو شاء الله لطمس على أعينهم فجعلهم عميا يترددون. وقال السدي : يقول ولو نشاء أعمينا أبصارهم. وقال مجاهد وأبو صالح وقتادة والسدي : فاستبقوا الصراط ، يعني الطريق. وقال ابن زيد : يعني بالصراط هاهنا الحق ، فأنى يبصرون وقد طمسنا على أعينهم. وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما : (فَأَنَّى يُبْصِرُونَ) لا يبصرون الحق (٢).

وقوله عزوجل : (وَلَوْ نَشاءُ لَمَسَخْناهُمْ عَلى مَكانَتِهِمْ) قال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما : أهلكناهم. وقال السدي : يعني لغيرنا خلقهم. وقال أبو صالح : لجعلناهم حجارة. وقال الحسن البصري وقتادة : لأقعدهم على أرجلهم ، ولهذا قال تبارك وتعالى : (فَمَا اسْتَطاعُوا مُضِيًّا) أي إلى أمام (وَلا يَرْجِعُونَ) إلى وراء بل يلزمون حالا واحدا لا يتقدمون ولا يتأخرون.

(وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ أَفَلا يَعْقِلُونَ (٦٨) وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩) لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ) (٧٠)

__________________

(١) تفسير الطبري ١٠ / ٤٥٨.

(٢) انظر هذا الأثر والآثار التي قبله في تفسير الطبري ١٠ / ٤٥٨ ، ٤٥٩.

٥٢٢

يخبر تعالى عن ابن آدم أنه كلما طال عمره ، رد إلى الضعف بعد القوة ، والعجز بعد النشاط ، كما قال تبارك وتعالى : (اللهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفاً وَشَيْبَةً يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ) [الروم : ٥٤] وقالعزوجل : (وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً) [النحل : ٧٠] والمراد من هذا ـ والله أعلم الإخبار عن هذه الدار بأنها دار زوال وانتقال ، لا دار دوام واستقرار ، ولهذا قال عزوجل : (أَفَلا يَعْقِلُونَ) أي يتفكرون بعقولهم في ابتداء خلقهم ، ثم صيرورتهم إلى سن الشيبة ، ثم إلى الشيخوخة ليعلموا أنهم خلقوا لدار أخرى لا زوال لها ولا انتقال منها ولا محيد عنها ، وهي الدار الآخرة.

وقوله تبارك وتعالى : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ) يقول عزوجل مخبرا عن نبيه محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنه ما علمه الشعر (وَما يَنْبَغِي لَهُ) أي ما هو في طبعه فلا يحسنه ولا يحبه ولا تقتضيه جبلته ، ولهذا ورد أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان لا يحفظ بيتا على وزن منتظم بل إن أنشده زحفه أو لم يتمه. وقال أبو زرعة الرازي : حدثنا إسماعيل بن مجالد عن أبيه عن الشعبي أنه قال : ما ولد عبد المطلب ذكرا ولا أنثى إلا يقول الشعر إلا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، ذكره ابن عساكر في ترجمة عتبة بن أبي لهب الذي أكله الأسد بالزرقاء.

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا أبو سلمة حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن الحسن هو البصري قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يتمثل بهذا البيت [الطويل] :

كفى بالإسلام والشيب للمرء ناهيا

فقال أبو بكر رضي الله عنه : يا رسول الله : [الطويل]

كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا (١)

قال أبو بكر أو عمر رضي الله عنهما : أشهد أنك رسول الله ، يقول تعالى : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما يَنْبَغِي لَهُ) وهكذا روى البيهقي في الدلائل أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم قال للعباس بن مرداس

__________________

(١) صدره :

عميرة ودّع إن تجهزت غاديا

والبيت لسحيم عبد بني الحسحاس في الإنصاف ١ / ١٦٨ ، وخزانة الأدب ١ / ٢٦٧ ، ٢ / ١٠٢ ، ١٠٣ ، وسر صناعة الإعراب ١ / ١٤١ ، وشرح التصريح ٢ / ٨٨ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٣٢٥ ، والكتاب ٢ / ٢٦ ، ٤ / ٢٢٥ ، ولسان العرب (كفى) ، ومغني اللبيب ١ / ١٠٦ ، والمقاصد النحوية ٣ / ٦٦٥ ، وبلا نسبة في أسرار العربية ص ١٤٤ ، وأوضح المسالك ٣ / ٢٥٣ ، وشرح الأشموني ٢ / ٣٦٤ ، وشرح عمدة الحافظ ص ٤٢٥ ، وشرح قطر الندى ص ٣٢٣ ، وشرح المفصل ٢ / ١١٥ ، ٧ / ٨٤ ، ٨ / ٢٤ ، ٩٣ ، ١٣٨ ، ولسان العرب (نهى)

٥٢٣

السلمي رضي الله عنه «أنت القائل [المتقارب] :

أتجعل نهبي ونهب العبيد

بين الأقرع وعيينة (١)

فقال : إنما هو عيينة والأقرع ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «الكل سواء» يعني في المعنى ، صلوات الله وسلامه عليه ، والله أعلم.

وقد ذكر السهيلي في الروض الأنف لهذا التقديم والتأخير الذي وقع في كلامهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في هذا البيت

مناسبة أغرب فيها ، حاصلها شرف الأقرع بن حابس على عيينة بن بدر الفزاري لأنه ارتد أيام الصديق رضي الله عنه بخلاف ذاك ، والله أعلم ، وهكذا روى الأموي في مغازيه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم جعل يمشي بين القتلى يوم بدر وهو يقول «نفلق هاما» فيقول الصديق رضي الله عنه متمما للبيت [الطويل] :

من رجال أعزة علينا

وهم كانوا أعق وأظلما (٢)

وهذا لبعض الشعراء العرب في قصيدة له وهي في الحماسة. وقال الإمام أحمد (٣) : حدثنا هشيم : حدثنا مغيرة عن الشعبي عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا استراث الخبر تمثل فيه ببيت طرفة [الطويل] :

ويأتيك بالأخبار من لم تزود (٤)

وهكذا رواه النسائي في اليوم والليلة من طريق إبراهيم بن مهاجر عن الشعبي عنها. ورواه الترمذي والنسائي أيضا من حديث المقدام بن شريح بن هانئ عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها كذلك ، ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا يوسف بن موسى ، حدثنا أسامة عن زائدة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتمثل من الأشعار :

__________________

(١) يروى البيت :

أتجعل نهبي ونهب العبيد

بين عيينة والأقرع

وهو للعباس بن مرداس في ديوانه ص ٨٤ ، ولسان العرب (نهب) ، (عبد) ، وتاج العروس (نهب) ، (عبد)

(٢) البيت للحصين بن الحمام المري في الشعر والشعراء ٢ / ٦٤٨.

(٣) المسند ٦ / ٣١ ، ١٤٦.

(٤) صدره : ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا

وهو لطرفة في ديوانه ص ٤١ ، ولسان العرب (تبت) ، (ريث) ، وتاج العروس (رجز) ، وبلا نسبة في شرح قطر الندى ص ١٠٨ ، ولسان العرب (ضمن)

٥٢٤

ويأتيك بالأخبار من لم تزود

ثم قال ، ورواه غير زائدة عن سماك عن عطية عن عائشة رضي الله عنها ، هذا في شعر طرفة بن العبد في معلقته المشهورة ، وهذا المذكور منها أوله [الطويل] :

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا

ويأتيك بالأخبار من لم تزوّد

ويأتيك بالأخبار من لم تبع له

بتاتا ولم تضرب له وقت موعد

وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة : قيل لعائشة رضي الله عنها : هل كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يتمثل بشيء من الشعر؟ قالت رضي الله عنها : كان أبغض الحديث إليه ، غير أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم كان يتمثل ببيت أخي بني قيس ، فيجعل أوله آخره ، وآخره أوله ، فقال أبو بكر رضي الله عنه : ليس هذا هكذا يا رسول الله ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إني والله ما أنا بشاعر وما ينبغي لي» رواه ابن أبي حاتم وابن جرير ، وهذا لفظه. وقال معمر عن قتادة : بلغني أن عائشة رضي الله عنها سئلت : هل كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يتمثل بشيء من الشعر؟ فقالت رضي الله عنها : لا. إلا بيت طرفة.

ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا

ويأتيك بالأخبار من لم تزود

فجعل صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «من لم تزود بالأخبار» فقال أبو بكر : ليس هذا هكذا ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وسلم: «إني لست بشاعر ولا ينبغي لي» وقال الحافظ أبو بكر البيهقي : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، حدثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن نعيم وكيل المتقي ببغداد ، حدثنا أبو محمد عبد الله بن هلال النحوي الضرير ، حدثنا علي بن عمرو الأنصاري ، حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما جمع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بيت شعر قط إلا بيتا واحدا.

تفاءل بما تهوى يكن فلقلما

يقال لشيء كان إلا تحققا

سألت شيخنا الحافظ أبا الحجاج المزي عن هذا الحديث فقال : هو منكر ، ولم يعرف شيخ الحاكم ولا الضرير ، وثبت في الصحيح أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم تمثل يوم حفر الخندق بأبيات عبد الله بن رواحة رضي الله عنه ، ولكن تبعا لقول أصحابه رضي الله عنهم ، فإنهم كانوا يرتجزون وهم يحفرون فيقولون [رجز] :

لا همّ لو لا أنت ما اهتدينا

ولا تصدقنا ولا صلينا (١)

فأنزلن سكينة علينا

وثبت الأقدام إن لاقينا

إن الألى قد بغوا علينا

إذا أرادوا فتنة أبينا

__________________

(١) الرجز لعبد الله بن رواحة في ديوانه ص ١٠٧ ، وشرح أبيات سيبويه ٢ / ٣٢٢ ، والكتاب ٣ / ٥١١ ، وله أو لعامر بن الأكوع في الدرر ٥ / ١٤٨ ، وشرح شواهد المغني ١ / ٢٨٦ ، ٢٨٧ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٢٣٤ ، وتخليص الشواهد ص ١٣٠ ، وخزانة الأدب ٧ / ١٣٩.

٥٢٥

ويرفع صلى‌الله‌عليه‌وسلم صوته بقوله أبينا ويمدها ، وقد روى هذا بزحاف في الصحيحين أيضا ، وكذا ثبت أنه صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال يوم حنين وهو راكب البغلة يقدم بها في نحور العدو [رجز] :

أنا النبي لا كذب

أنا ابن عبد المطلب (١)

لكن قالوا هذا وقع اتفاقا من غير قصد لوزن شعر ، بل جرى على اللسان من غير قصد إليه ، وكذلك ما ثبت في الصحيحين عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه ، قال : كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في غار ، فنكبت إصبعه ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم [رجز] :

هل أنت إلا إصبع دميت

وفي سبيل الله ما لقيت (٢)

وسيأتي عند قوله تعالى (إِلَّا اللَّمَمَ) [النجم : ٣٢] إنشاد [رجز] :

إن تغفر اللهم تغفر جما

وأي عبد لك ما ألمّا (٣)

وكل هذا لا ينافي كونه صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما علم شعرا وما ينبغي له ، فإن الله تعالى إنما علمه القرآن العظيم الذي (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) [فصلت : ٤٢] وليس هو بشعر كما زعمه طائفة من جهلة كفار قريش ، ولا كهانة ، ولا مفتعل ، ولا سحر يؤثر ، كما تنوعت فيه أقوال الضلال وآراء الجهال ، وقد كانت سجيته صلى‌الله‌عليه‌وسلم تأبى صناعة الشعر طبعا وشرعا ، كما رواه أبو داود قال : حدثنا عبيد الله بن عمر ، حدثنا عبد الله بن يزيد ، حدثنا سعيد بن أبي أيوب ، حدثنا شرحبيل بن يزيد المعافري عن عبد الرحمن بن رافع التنوخي قال: سمعت عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «ما أبالي ما أوتيت إن أنا شربت ترياقا ، أو تعلقت تميمة ، أو قلت الشعر من قبل نفسي» تفرد به أبو

__________________

(١) الرجز لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في كتاب العين ٦ / ٦٥ ، وتهذيب اللغة ١٠ / ٦١١ ، والحديث أخرجه البخاري في الجهاد باب ٥٢ ، ٦١ ، والمغازي باب ٥٤ ، ومسلم في الجهاد حديث ٧٨ ـ ٨٠ ، والترمذي في الجهاد باب ١٥ ، وأحمد في المسند ٤ / ٢٨٠ ، ٢٨١ ، ٢٨٩ ، ٣٠٤.

(٢) الرجز لرسول الله ص في كتاب العين ٦ / ٦٥ ، وتهذيب اللغة ٢ / ٥١ ، وتاج العروس (صبع) ، وجمهرة اللغة ص ٦٨٦ ، ولسان العرب (صبع) ، والحديث أخرجه البخاري في الجهاد باب ٩ ، والأدب باب ٩٠ ، وتفسير سورة ٩٣ ، ومسلم في الجهاد حديث ١١٢ ، وأحمد في المسند ٤ / ٣١٢ ، ٣١٣.

(٣) الرجز لأبي خراش الهذلي في الأزهية ص ١٥٨ ، وخزانة الأدب ٧ / ١٩٠ ، وشرح أشعار الهذليين ٣ / ١٣٤٦ ، وشرح شواهد المغني ص ٦٢٥ ، ولسان العرب (جمم) ، والمقاصد النحوية ٤ / ٢١٦ ، وتاج العروس (جمم) ، ولأمية بن أبي الصلت في الأغاني ٤ / ١٣١ ، ١٣٥ ، وخزانة الأدب ٤ / ٤ ، ولسان العرب (لمم) ، وتهذيب اللغة ١٥ / ٣٤٧ ، ٤٢٠ ، وكتاب العين ٨ / ٣٥٠ ، وتاج العروس (لمم) ، ولأمية أو لأبي خراش في خزانة الأدب ٢ / ٢٩٥ ، ولسان العرب (لمم) ، وبلا نسبة في الإنصاف ص ٧٦ ، وجمهرة اللغة ص ٩٢ ، والجنى الداني ص ٢٩٨ ، ولسان العرب (لا) ، ومغني اللبيب ١٠ / ٢٤٤ ، وكتاب العين ٨ / ٣٢١ ، وديوان الأدب ٣ / ١٦٦ ، وتاج العروس (لا)

٥٢٦

داود (١).

وقال الإمام أحمد (٢) رحمه‌الله : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن الأسود بن شيبان عن أبي نوفل قال : سألت عائشة رضي الله عنها : هل كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بسائغ عنده الشعر؟ فقالت: قد كان أبغض الحديث إليه. وقال عن عائشة رضي عنها : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يعجبه الجوامع من الدعاء ، ويدع ما بين ذلك : وقال أبو داود : حدثنا أبو الوليد الطيالسي : حدثنا شعبة عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا» (٣) انفرد به من هذا الوجه ، وإسناده على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه.

وقال الإمام أحمد (٤) : حدثنا يزيد ، حدثنا قزعة بن سويد الباهلي عن عاصم بن مخلد عن أبي الأشعث الصنعاني (ح) وحدثنا الأشيب ، فقال عن أبي عاصم عن أبي الأشعث عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «من قرض بيت شعر بعد العشاء الآخرة ، لم تقبل له صلاة تلك الليلة ،» وهذا حديث غريب من هذا الوجه ، ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب الستة ، والمراد بذلك نظمه لا إنشاده ، والله أعلم.

على أن الشعر ما هو مشروع ، وهو هجاء المشركين الذي كان يتعاطاه شعراء الإسلام ، كحسان بن ثابت رضي الله عنه ، وكعب بن مالك وعبد الله بن رواحة وأمثالهم وأضرابهم رضي الله عنهم أجمعين ، ومنه ما فيه حكم ومواعظ وآداب ، كما يوجد في شعر جماعة من الجاهلية ، ومنهم أمية بن أبي الصلت الذي قال فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «آمن شعره ، وكفر قلبه» وقد أنشد بعض الصحابة رضي الله عنهم للنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم مائة بيت يقول عقب كل بيت «هيه» يعني يستطعمه ، فيزيده من ذلك (٥) ، وقد روى أبو داود من حديث أبي بن كعب وبريده بن الحصيب وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن من البيان سحرا ، وإن من الشعر حكما» (٦) ولهذا قال تعالى : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ) يعني محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما علمه الله الشعر (وَما يَنْبَغِي لَهُ) أي وما يصلح له (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) أي ما هذا الذي علمناه (إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) أي بيّن واضح جلي لمن تأمله وتدبره ، ولهذا قال تعالى : (لِيُنْذِرَ مَنْ كانَ حَيًّا)

__________________

(١) كتاب الطب باب ١٠.

(٢) المسند ٦ / ١٤٨.

(٣) أخرجه أبو داود في الأدب باب ٨٧.

(٤) المسند ٤ / ١٢٥.

(٥) أخرجه مسلم في الشعر حديث ١ ، وابن ماجة في الأدب باب ٤١ ، وأحمد في المسند ٤ / ٣٨٨ ، ٣٨٩ ، ٣٩٠.

(٦) أخرجه أبو داود في الأدب باب ٨٧.

٥٢٧

أي لينذر هذا القرآن المبين كل حي على وجه الأرض ، كقوله : (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) [الأنعام : ١٩] وقال جل وعلا : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) [هود : ١٧] وإنما ينتفع بنذارته من هو حي القلب مستنير البصيرة ، كما قال قتادة : حي القلب حي البصر. وقال الضحاك يعني عاقلا (١) (وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكافِرِينَ) أي هو رحمة للمؤمنين وحجة على الكافرين.

(أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً فَهُمْ لَها مالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْناها لَهُمْ فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ (٧٢) وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ وَمَشارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ) (٧٣)

يذكر تعالى ما أنعم به على خلقه من هذه الأنعام التي سخرها لهم (فَهُمْ لَها مالِكُونَ) قال قتادة : مطيقون ، أي جعلهم يقهرونها وهي ذليلة لهم ، لا تمتنع منهم ، بل لو جاء صغير إلى بعير لأناخه ، ولو شاء لأقامه وساقه ، وذاك ذليل منقاد معه ، وكذا لو كان القطار مائة بعير أو أكثر لسار الجميع بسير الصغير. وقوله تعالى : (فَمِنْها رَكُوبُهُمْ وَمِنْها يَأْكُلُونَ) أي منها ما يركبون في الأسفار ويحملون عليه الأثقال إلى سائر الجهات والأقطار (وَمِنْها يَأْكُلُونَ) إذا شاؤوا ونحروا واجتزروا (وَلَهُمْ فِيها مَنافِعُ) أي من أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين (وَمَشارِبُ) أي من ألبانها وأبوالها لمن يتداوى ونحو ذلك ، (أَفَلا يَشْكُرُونَ) أي أفلا يوحدون خالق ذلك ومسخره ولا يشركون به غيره؟.

(وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ (٧٤) لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ (٧٥) فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) (٧٦)

يقول تعالى منكرا على المشركين في اتخاذهم الأنداد آلهة مع الله يبتغون بذلك أن تنصرهم تلك الآلهة وترزقهم وتقربهم إلى الله زلفى ، قال الله تعالى : (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ) أي لا تقدر الآلهة على نصر عابديها بل هي أضعف من ذلك وأقل وأحقر وأدحر ، بل لا تقدر على الاستنصار لأنفسها ، ولا الانتقام ممن أرادها بسوء ، لأنها جماد لا تسمع ولا تعقل.

وقوله تبارك وتعالى : (وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) قال مجاهد : يعني عند الحساب يريد أن هذه الأصنام محشورة مجموعة يوم القيامة محضرة عند حساب عابديها ، ليكون ذلك أبلغ في حزنهم وأدل عليهم في إقامة الحجة عليهم. وقال قتادة (لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ) يعني الآلهة (وَهُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ) والمشركون يغضبون للآلهة في الدنيا ، وهي لا تسوق إليهم خيرا ولا تدفع عنهم شرا ، إنما هي أصنام ، وهكذا قال الحسن البصري ، وهذا القول حسن ، وهو اختيار ابن جرير رحمه‌الله تعالى. وقوله تعالى : (فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ) أي تكذيبهم لك

__________________

(١) انظر تفسير الطبري ١٠ / ٤٦١.

٥٢٨

وكفرهم بالله (إِنَّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) أي نحن نعلم جميع ما هم فيه ، وسنجزيهم وصفهم ونعاملهم على ذلك يوم لا يفقدون من أعمالهم جليلا ولا حقيرا ولا صغيرا ولا كبيرا بل يعرض عليهم جميع ما كانوا يعملون قديما وحديثا.

(أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (٧٧) وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ (٧٨) قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ (٧٩) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) (٨٠)

قال مجاهد وعكرمة وعروة بن الزبير والسدي وقتادة : جاء أبي بن خلف لعنه الله إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وفي يده عظم رميم ، وهو يفته ويذروه في الهواء ، وهو يقول : يا محمد أتزعم أن الله يبعث هذا؟ قال صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نعم يميتك الله تعالى ، ثم يبعثك ، ثم يحشرك إلى النار» ونزلت هذه الآيات من آخر يس (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ) إلى آخرهن. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين بن الجنيد ، حدثنا محمد بن العلاء ، حدثنا عثمان بن سعيد الزيات عن هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : إن العاص بن وائل أخذ عظما من البطحاء ففته بيده ، ثم قال لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : أيحيي الله هذا ما بعد أرى؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «نعم يميتك الله ، ثم يحييك ، ثم يدخلك جهنم» قال : ونزلت الآيات من آخر يس ، ورواه ابن جرير عن يعقوب بن إبراهيم عن هشيم عن أبي بشر عن سعيد بن جبير فذكر هو ولم يذكر ابن عباس رضي الله عنهما.

وروي من طريق العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جاء عبد الله بن أبي بعظم ففته وذكر نحو ما تقدم ، وهذا منكر ، لأن السورة مكية وعبد الله بن أبي ابن سلول إنما كان بالمدينة ، وعلى كل تقدير سواء كانت هذه الآيات قد نزلت في أبي بن خلف أو العاص بن وائل أو فيهما ، فهي عامة في كل من أنكر البعث ، والألف واللام في قوله تعالى : (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسانُ) للجنس يعم كل منكر للبعث (أَنَّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ) أي أو لم يستدل من أنكر البعث بالبدء على الإعادة ، فإن الله ابتدأ خلق الإنسان من سلالة من ماء مهين ، فخلقه من شيء حقير ضعيف مهين ، كما قال عزوجل : (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ) [المرسلات : ٢٠ ـ ٢٢] وقال تعالى : (إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ) [الإنسان : ٢] أي من نطفة من أخلاط متفرقة ، فالذي خلقه من هذه النطفة الضعيفة أليس بقادر على إعادته بعد موته.

كما قال الإمام أحمد (١) في مسنده : حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا حريز ، حدثني عبد الرحمن بن ميسرة عن جبير بن نفير عن بشر بن جحاش قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : بصق

__________________

(١) المسند ٤ / ٢١٠.

٥٢٩

يوما في كفه ، فوضع عليها إصبعه ، ثم قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «قال الله تعالى : ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه ، حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين برديك وللأرض منك وئيد ، فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت أتصدق وأنى أوان الصدقة؟» ورواه ابن ماجة (١) عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يزيد بن هارون عن جرير بن عثمان به ، ولهذا قال تعالى : (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) أي استبعد إعادة الله تعالى ذي القدرة العظيمة التي خلقت السموات والأرض للأجسام والعظام الرميمة ، ونسي نفسه ، وأن الله تعالى خلقه من العدم إلى الوجود ، فعلم من نفسه ما هو أعظم مما استبعده وأنكره وجحده ، ولهذا قال عزوجل : (قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ) أي يعلم العظام في سائر أقطار الأرض وأرجائها ، أين ذهبت وأين تفرقت وتمزقت.

قال الإمام أحمد (٢) : حدثنا عفان ، حدثنا أبو عوانة عن عبد الملك بن عمير عن ربعي قال : قال عقبة بن عمرو لحذيفة رضي الله عنهما : ألا تحدثنا ما سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم؟ فقال : سمعته صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول : «إن رجلا حضره الموت فلما يئس من الحياة أوصى أهله إذا أنا مت فاجمعوا لي حطبا كثيرا جزلا ، ثم أوقدوا فيه نارا حتى إذ أكلت لحمي وخلصت إلى عظمي فامتحشت ، فخذوها فدقوها فذروها في اليم ، ففعلوا ، فجمعه الله تعالى إليه ثم قال له : لم فعلت ذلك؟ قال : من خشيتك ، فغفر الله عزوجل له» فقال عقبة بن عمرو : وأنا سمعتهصلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول ذلك وكان نباشا.

وقد أخرجاه في الصحيحين من حديث عبد الملك بن عمير بألفاظ كثيرة منها أنه أمر بنيه أن يحرقوه ثم يسحقوه ثم يذروا نصفه في البر ، ونصفه في البحر في يوم رائح ، أي كثير الهواء ، ففعلوا ذلك ، فأمر الله تعالى البحر ، فجمع ما فيه وأمر البر فجمع ما فيه ، ثم قال له : كن ، فإذا هو رجل قائم ، فقال له : ما حملك على ما صنعت؟ قال : مخافتك وأنت أعلم ، فما تلافاه أن غفر له (٣).

وقوله تعالى : (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) أي الذي بدأ. خلق هذا الشجر من ماء حتى صار خضرا نضرا ذا ثمر وينع ، ثم أعاده إلى أن صار حطبا يابسا توقد به النار ، كذلك هو فعال لما يشاء ، قادر على ما يريد لا يمنعه شيء. قال قتادة في قوله (الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً فَإِذا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ) يقول الذي أخرج هذه النار من هذا الشجر قادر على أن يبعثه ، وقيل : المراد بذلك شجر المرخ والعفار ينبت في أرض الحجاز ، فيأتي من أراد قدح نار وليس معه زناد ، فيأخذ منه عودين أخضرين ، ويقدح أحدهما

__________________

(١) كتاب الوصايا باب ٤.

(٢) المسند ٥ / ٣٩٥.

(٣) أخرجه البخاري في التوحيد باب ٣٥ ، والأنبياء باب ٥٤ ، والرقاق باب ٢٥.

٥٣٠

بالآخر ، فتتولد النار من بينهما ، كالزناد سواء ، وروي هذا عن ابن عباس رضي الله عنهما. وفي المثل : لكل شجر نار واستمجد المرخ والعفار. وقال الحكماء : في كل شجر نار إلا الغاب.

(أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلى وَهُوَ الْخَلاَّقُ الْعَلِيمُ (٨١) إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٨٢) فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٨٣)

يقول تعالى مخبرا منبها على قدرته العظيمة في خلق السموات السبع بما فيها من الكواكب السيارة والثوابت والأرضين السبع ، وما فيه من جبال ورمال وبحار وقفار ، وما بين ذلك ، ومرشدا إلى الاستدلال على إعادة الأجساد بخلق هذه الأشياء العظيمة ، كقوله تعالى : (لَخَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ) [غافر : ٥٧] وقال عزوجل هاهنا : (أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ) أي مثل البشر ، فيعيدهم كما بدأهم ، قاله ابن جرير.

وهذه الآية الكريمة كقوله عزوجل : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى بَلى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [الأحقاف : ٣٣] وقال تبارك وتعالى هاهنا (بَلى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) أي إنما يأمر بالشيء أمرا واحدا لا يحتاج إلى تكرار أو تأكيد :

إذا ما أراد الله أمرا فإنما

(يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)

وقال الإمام أحمد (١) : حدثنا محمد بن نمير ، حدثنا موسى بن المسيب عن شهر عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي ذر رضي الله عنه قال : إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «إن الله تعالى يقول : يا عبادي كلكم مذنب إلا من عافيت ، فاستغفروني أغفر لكم ، وكلكم فقير إلا من أغنيت ، إني جواد ماجد واجد أفعل ما أشاء ، عطائي كلام وعذابي كلام ، إذا أردت شيئا فإنما أقول له كن فيكون».

وقوله تعالى : (فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) أي تنزيه وتقديس وتبرئة من السوء للحي القيوم الذي بيده مقاليد السموات والأرض ، وإليه يرجع الأمر كله ، وله الخلق والأمر وإليه يرجع العباد يوم المعاد ، فيجازي كل عامل بعمله وهو العادل المنعم المتفضل. ومعنى قوله سبحانه وتعالى : (فَسُبْحانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) [المؤمنون : ٨٨] كقوله عزوجل (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ) وكقوله تعالى : (تَبارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) [الملك : ١] فالملك والملكوت واحد في المعنى كرحمة ورحموت ، ورهبة

__________________

(١) المسند ٥ / ١٧٧.

٥٣١

ورهبوت ، وجبر وجبروت ، ومن الناس من زعم أن الملك هو عالم الأجساد ، والملكوت هو عالم الأرواح ، والصحيح الأول ، وهو الذي عليه الجمهور من المفسرين وغيرهم.

قال الإمام أحمد (١) : حدثنا سريج بن النعمان ، حدثنا حماد عن عبد الملك بن عمير ، حدثني ابن عم لحذيفة عن حذيفة وهو ابن اليمان ـ رضي الله عنه ، قال : قمت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ذات ليلة ، فقرأ السبع الطوال في سبع ركعات ، وكان صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا رفع رأسه ، من الركوع قال: سمع الله لمن حمده ثم قال : «الحمد لله ذي الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة» وكان ركوعه مثل قيامه ، وسجوده مثل ركوعه ، فأنصرف وقد كادت تنكسر رجلاي.

وقد روى أبو داود والترمذي في الشمائل والنسائي من حديث شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي حمزة مولى الأنصار ، عن رجل من بني عبس عن حذيفة رضي الله عنه أنه رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يصلي من الليل ، وكان يقول : «الله أكبر ـ ثلاثا ـ ذي الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة» ثم استفتح فقرأ البقرة ، ثم ركع فكان ركوعه نحوا من قيامه ، وكان يقول في ركوعه «سبحانه ربي العظيم» ثم رفع رأسه من الركوع ، فكان قيامه نحوا من ركوعه وكان يقول في قيامه «لربي الحمد» ثم سجد فكان سجوده نحوا من قيامه ، وكان يقول في سجوده : «سبحان ربي الأعلى» ثم رفع رأسه من السجود وكان يقعد فيما بين السجدتين نحوا من سجوده ، وكان يقول «رب اغفر لي ، رب اغفر لي» فصلى أربع ركعات فقرأ فيهن البقرة ، وآل عمران ، والنساء والمائدة أو الأنعام ـ شك شعبة (٢) ـ هذا لفظ أبي داود وقال النسائي : أبو حمزة عندنا طلحة بن يزيد ، وهذا الرجل يشبه أن يكون صلة ، كذا قال ، والأشبه أن يكون ابن عم حذيفة ، كما تقدم في رواية الإمام أحمد ، والله أعلم. وأما رواية صلة بن زفر عن حذيفة رضي الله عنه ، فإنها في صحيح مسلم ، ولكن ليس فيها ذكر الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة.

وقال أبو داود (٣) : حدثنا أحمد بن صالح ، حدثنا ابن وهب ، حدثني معاوية بن صالح عن عمرو بن قيس عن عاصم بن حميد عن عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال : قمت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ليلة ، فقام فقرأ سورة البقرة لا يمر بآية رحمة إلا وقف وسأل ، ولا يمر بآية عذاب إلا وقف وتعوذ ، قال : ثم ركع بقدر قيامه يقول في ركوعه «سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة» ثم سجد بقدر قيامه ، ثم قال في سجوده مثل ذلك ، ثم قام فقرأ بآل عمران ، ثم قرأ سورة سورة ، ورواه الترمذي في الشمائل والنسائي من حديث معاوية بن صالح به. آخر تفسير سورة يس ولله الحمد والمنة.

(تم الجزء السادس ويليه الجزء السابع وأوله سورة الصافات)

__________________

(١) المسند ٥ / ٣٨٨ ، ٣٩٦ ، ٣٩٧ ، ٣٩٨ ، ٤٠٠ ، ٤٠١.

(٢) أخرجه أبو داود في الصلاة باب ١٤٧ ، والنسائي في الافتتاح باب ٧٨.

(٣) كتاب الصلاة باب ١٤٧.

٥٣٢

فهرست المحتويات

سورة النور

الآيتان : ١ و ٢................................................................. ٣

الآية : ٣....................................................................... ٧

الآيتان : ٤ و ٥............................................................... ١٠

الآيات : ٦ ـ ١٠.............................................................. ١١

الآية : ١١.................................................................... ١٦

الآيتان : ١٢ و ١٣............................................................ ٢٥

الآيتان : ١٤ و ١٥............................................................ ٢٦

الآيات : ١٦ ـ ١٩............................................................. ٢٧

الآيتان : ٢٠ و ٢١............................................................ ٢٨

الآيات : ٢٢ ـ ٢٥............................................................. ٢٩

الآية : ٢٦.................................................................... ٣٢

الآيات : ٢٧ ـ ٢٩............................................................. ٣٣

الآية : ٣٠.................................................................... ٣٨

الآية : ٣١.................................................................... ٤١

الآيات : ٣٢ ـ ٣٤............................................................. ٤٧

الآية : ٣٥.................................................................... ٥٢

الآيات : ٣٦ ـ ٣٨............................................................. ٥٦

الآيتان : ٣٩ و ٤٠............................................................ ٦٤

الآيات : ٤١ ـ ٤٤............................................................. ٦٦

الآيتان : ٤٥ و ٤٦............................................................ ٦٧

الآيات : ٤٧ ـ ٥٢............................................................. ٦٨

الآيتان : ٥٣ و ٥٤............................................................ ٦٩

٥٣٣

الآية : ٥٥.................................................................... ٧٠

الآيتان : ٥٦ و ٥٧............................................................ ٧٤

الآيات : ٥٨ ـ ٦٠............................................................. ٧٥

الآية : ٦١.................................................................... ٧٨

الآيتان : ٦٢ و ٦٣............................................................ ٨١

الآية : ٦٤.................................................................... ٨٣

سورة الفرقان

الآيتان : ١ و ٢............................................................... ٨٤

الآيات : ٣ ـ ٦................................................................ ٨٥

الآيات : ٧ ـ ١٤.............................................................. ٨٧

الآيتان : ١٥ و ١٦............................................................ ٨٩

الآيات : ١٧ ـ ١٩............................................................. ٩٠

الآية : ٢٠.................................................................... ٩١

الآيات : ٢١ ـ ٢٤............................................................. ٩٢

الآيات : ٢٥ ـ ٢٩............................................................. ٩٦

الآيتان : ٣٠ و ٣١............................................................ ٩٨

الآيات : ٣٢ ـ ٣٤............................................................. ٩٩

الآيات : ٣٥ ـ ٤٠........................................................... ١٠٠

الآيات : ٤١ ـ ٤٤........................................................... ١٠٢

الآيات : ٤٥ ـ ٤٧........................................................... ١٠٣

الآيات : ٤٨ ـ ٥٠........................................................... ١٠٤

الآيات : ٥١ ـ ٥٤........................................................... ١٠٥

الآيات : ٥٥ ـ ٦٠........................................................... ١٠٧

الآيتان : ٦١ و ٦٢.......................................................... ١٠٩

الآيات : ٦٣ ـ ٦٧........................................................... ١١٠

٥٣٤

الآيات : ٦٨ ـ ٧١........................................................... ١١٣

الآيات : ٧٢ ـ ٧٤........................................................... ١١٨

الآيات : ٧٥ ـ ٧٧........................................................... ١٢٠

سورة الشعراء

الآيات : ١ ـ ٩.............................................................. ١٢٢

الآيات : ١٠ ـ ٢٢........................................................... ١٢٣

الآيات : ٢٣ ـ ٢٨........................................................... ١٢٤

الآيات : ٢٩ ـ ٤٨........................................................... ١٢٦

الآيات : ٤٩ ـ ٥٩........................................................... ١٢٨

الآيات : ٦٠ ـ ٦٨........................................................... ١٢٩

الآيات : ٦٩ ـ ٧٧........................................................... ١٣١

الآيات : ٧٨ ـ ٨٢........................................................... ١٣٢

الآيات : ٨٣ ـ ٨٩........................................................... ١٣٣

الآيات : ٩٠ ـ ١٠٤......................................................... ١٣٥

الآيات : ١٠٥ ـ ١٢٢........................................................ ١٣٦

الآيات : ١٢٣ ـ ١٣٥........................................................ ١٣٧

الآيات : ١٣٦ ـ ١٤٠........................................................ ١٣٨

الآيات : ١٤١ ـ ١٤٥........................................................ ١٣٩

الآيات : ١٤٦ ـ ١٥٢........................................................ ١٤٠

الآيات : ١٥٣ ـ ١٥٩........................................................ ١٤١

الآيات : ١٦٠ ـ ١٧٥........................................................ ١٤٢

الآيات : ١٧٦ ـ ١٨٤........................................................ ١٤٣

الآيات : ١٨٥ ـ ١٩١........................................................ ١٤٤

الآيات : ١٩٢ ـ ١٩٩........................................................ ١٤٦

الآيات : ٢٠٠ ـ ٢٠٩........................................................ ١٤٧

٥٣٥

الآيات : ٢١٠ ـ ٢١٢........................................................ ١٤٨

الآيات : ٢١٣ ـ ٢٢٠........................................................ ١٤٩

الآيات : ٢٢١ ـ ٢٢٧........................................................ ١٥٥

سورة النمل

الآيات : ١ ـ ٦.............................................................. ١٦١

الآيات : ٧ ـ ١٤............................................................. ١٦٢

الآيات : ١٥ ـ ١٩........................................................... ١٦٤

الآيتان : ٢٠ و ٢١.......................................................... ١٦٦

الآيات : ٢٢ ـ ٢٦........................................................... ١٦٨

الآيات : ٢٧ ـ ٣١........................................................... ١٧٠

الآيات : ٣٢ ـ ٣٧........................................................... ١٧١

الآيات : ٣٨ ـ ٤٠........................................................... ١٧٢

الآيات : ٤١ ـ ٤٤........................................................... ١٧٤

الآيات : ٤٥ ـ ٤٧........................................................... ١٧٨

الآيات : ٤٨ ـ ٥٣........................................................... ١٧٩

الآيات : ٥٤ ـ ٥٨........................................................... ١٨٠

الآيتان : ٥٩ و ٦٠.......................................................... ١٨١

الآيتان : ٦١ و ٦٢.......................................................... ١٨٣

الآيتان : ٦٣ و ٦٤.......................................................... ١٨٦

الآيتان : ٦٥ و ٦٦.......................................................... ١٨٧

الآيات : ٦٧ ـ ٧٥........................................................... ١٨٨

الآيات : ٧٦ ـ ٨١........................................................... ١٨٩

الآية : ٨٢.................................................................. ١٩٠

الآيات : ٨٣ ـ ٨٦........................................................... ١٩٣

الآيات : ٨٧ ـ ٩٠........................................................... ١٩٤

٥٣٦

الآيات : ٩١ ـ ٩٣........................................................... ١٩٦

سورة القصص

الآيات : ١ ـ ٦.............................................................. ١٩٨

الآيات : ٧ ـ ٩.............................................................. ١٩٩

الآيات : ١٠ ـ ١٣........................................................... ٢٠١

الآيات : ١٤ ـ ١٧........................................................... ٢٠٢

الآيات : ١٨ ـ ٢٤........................................................... ٢٠٣

الآيات : ٢٥ ـ ٢٨........................................................... ٢٠٥

الآيات : ٢٩ ـ ٣٢........................................................... ٢١٠

الآيات : ٣٣ ـ ٣٥........................................................... ٢١٢

الآيات : ٣٦ ـ ٤٢........................................................... ٢١٣

الآيات : ٤٣ ـ ٤٧........................................................... ٢١٥

الآيات : ٤٨ ـ ٥١........................................................... ٢١٧

الآيات : ٥٢ ـ ٥٥........................................................... ٢١٩

الآيتان : ٥٦ و ٥٧.......................................................... ٢٢١

الآيتان : ٥٨ و ٥٩.......................................................... ٢٢٣

الآيات : ٦٠ ـ ٦٧........................................................... ٢٢٤

الآيات : ٦٨ ـ ٧٣........................................................... ٢٢٦

الآيات : ٧٤ ـ ٧٧........................................................... ٢٢٧

الآية : ٧٨.................................................................. ٢٢٨

الآيتان : ٧٩ و ٨٠.......................................................... ٢٢٩

الآيتان : ٨١ و ٨٢.......................................................... ٢٣٠

الآيتان : ٨٣ و ٨٤.......................................................... ٢٣٢

الآيات : ٨٥ ـ ٨٨........................................................... ٢٣٣

٥٣٧

سورة العنكبوت

الآيات : ١ ـ ٤.............................................................. ٢٣٧

الآيات : ٥ ـ ٩.............................................................. ٢٣٨

الآيتان : ١٠ و ١١.......................................................... ٢٣٩

الآيتان : ١٢ و ١٣.......................................................... ٢٤٠

الآيتان : ١٤ و ١٥.......................................................... ٢٤١

الآيات : ١٦ ـ ١٨........................................................... ٢٤٣

الآيات : ١٩ ـ ٢٣........................................................... ٢٤٤

الآيتان : ٢٤ و ٢٥.......................................................... ٢٤٥

الآيتان : ٢٦ و ٢٧.......................................................... ٢٤٦

الآيات : ٢٨ ـ ٣٠........................................................... ٢٤٩

الآيات : ٣١ ـ ٣٥........................................................... ٢٥٠

الآيات : ٣٦ ـ ٤٠........................................................... ٢٥١

الآيات : ٤١ ـ ٤٣........................................................... ٢٥٢

الآيتان : ٤٤ و ٤٥.......................................................... ٢٥٣

الآية : ٤٦.................................................................. ٢٥٦

الآيات : ٤٧ ـ ٤٩........................................................... ٢٥٧

الآيات : ٥٠ ـ ٥٢........................................................... ٢٥٩

الآيات : ٥٣ ـ ٥٥........................................................... ٢٦١

الآيات : ٥٦ ـ ٦٠........................................................... ٢٦٢

الآيات : ٦١ ـ ٦٦........................................................... ٢٦٤

الآيات : ٦٧ ـ ٦٩........................................................... ٢٦٥

سورة الروم

الآيات : ١ ـ ٧.............................................................. ٢٦٧

الآيات : ٨ ـ ١٠............................................................. ٢٧٥

الآيات : ١١ ـ ١٩........................................................... ٢٧٦

٥٣٨

الآيتان : ٢٠ و ٢١.......................................................... ٢٧٧

الآيتان : ٢٢ و ٢٣.......................................................... ٢٧٨

الآيتان : ٢٤ و ٢٥.......................................................... ٢٧٩

الآيتان : ٢٦ و ٢٧.......................................................... ٢٨٠

الآيتان : ٢٨ و ٢٩.......................................................... ٢٨١

الآيات : ٣٠ ـ ٣٢........................................................... ٢٨٢

الآيات : ٣٣ ـ ٣٧........................................................... ٢٨٥

الآيات : ٣٨ ـ ٤٠........................................................... ٢٨٦

الآيتان : ٤١ و ٤٢.......................................................... ٢٨٧

الآيات : ٤٣ ـ ٤٥........................................................... ٢٨٨

الآيات : ٤٦ ـ ٥١........................................................... ٢٨٩

الآيات : ٥٢ ـ ٥٤........................................................... ٢٩١

الآيات : ٥٥ ـ ٦٠........................................................... ٢٩٢

سورة لقمان

الآيات : ١ ـ ٧.............................................................. ٢٩٥

الآيات : ٨ ـ ١١............................................................. ٢٩٧

الآية : ١٢.................................................................. ٢٩٨

الآيات : ١٣ ـ ١٥........................................................... ٣٠٠

الآيات : ١٦ ـ ١٩........................................................... ٣٠١

الآيات : ٢٠ ـ ٢٤........................................................... ٣١٠

الآيات : ٢٥ ـ ٢٨........................................................... ٣١١

الآيات : ٢٩ ـ ٣٢........................................................... ٣١٣

الآية : ٣٣.................................................................. ٣١٤

الآية : ٣٤.................................................................. ٣١٥

سورة السجدة

الآيات : ١ ـ ٦.............................................................. ٣٢٠

٥٣٩

الآيات : ٧ ـ ٩.............................................................. ٣٢١

الآيتان : ١٠ و ١١.......................................................... ٣٢٢

الآيات : ١٢ ـ ١٤........................................................... ٣٢٣

الآيات : ١٥ ـ ١٧........................................................... ٣٢٤

الآيات : ١٨ ـ ٢٢........................................................... ٣٢٩

الآيات : ٢٣ ـ ٢٥........................................................... ٣٣١

الآيتان : ٢٦ و ٢٧.......................................................... ٣٣٢

الآيات : ٢٨ ـ ٣٠........................................................... ٣٣٣

سورة الأحزاب

الآيات : ١ ـ ٥.............................................................. ٣٣٥

الآية : ٦.................................................................... ٣٣٩

الآيتان : ٧ و ٨.............................................................. ٣٤٢

الآيتان : ٩ و ١٠............................................................ ٣٤٣

الآيات : ١١ ـ ١٣........................................................... ٣٤٨

الآيات : ١٤ ـ ١٩........................................................... ٣٤٩

الآيات : ٢٠ ـ ٢٢........................................................... ٣٥٠

الآيتان : ٢٣ و ٢٤.......................................................... ٣٥١

الآية : ٢٥.................................................................. ٣٥٤

الآيتان : ٢٦ و ٢٧.......................................................... ٣٥٥

الآيتان : ٢٨ و ٢٩.......................................................... ٣٥٩

الآيتان : ٣٠ و ٣١.......................................................... ٣٦٢

لآيات : ٣٢ ـ ٣٤............................................................ ٣٦٣

الآية : ٣٥.................................................................. ٣٧١

الآية : ٣٦.................................................................. ٣٧٥

الآية : ٣٧.................................................................. ٣٧٧

الآيات : ٣٨ ـ ٤٠........................................................... ٣٨٠

٥٤٠