فخرج فسلم على حجره وعلى نسائه ، فلما رأوه قد جاء ظنوا أنهم قد ثقلوا عليه ، ابتدروا الباب فخرجوا.
وجاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتى أرخى الستر ودخل البيت وأنا في الحجرة ، فمكث رسول اللهصلىاللهعليهوسلم في بيته يسيرا وأنزل الله عليه القرآن ، فخرج وهو يتلو هذا الآية (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِ) الآيات ، قال أنس : فقرأهن علي قبل الناس ، فأنا أحدث الناس بهن عهدا (١) ، وقد رواه مسلم والترمذي والنسائي جميعا عن قتيبة عن جعفر بن سليمان به ، وقال الترمذي : حسن صحيح ، وعلقه البخاري في كتاب النكاح ، فقال : وقال إبراهيم بن طهمان عن الجعد أبي عثمان عن أنس فذكر نحوه. ورواه مسلم أيضا عن محمد بن رافع عن عبد الرزاق عن معمر عن الجعد به ، وقد روى هذا الحديث عبد الله بن المبارك عن شريك عن بيان بن بشر عن أنس بنحوه ، ورواه البخاري والترمذي من طريقين آخرين عن بيان بن بشر الأحمسي الكوفي عن أنس بنحوه ، ورواه ابن أبي حاتم أيضا من حديث أبي نضرة العبدي عن أنس بن مالك بنحو ذلك ، ولم يخرجوه ، ورواه ابن جرير من حديث عمرو بن سعيد ومن حديث الزهري عن أنس بنحو ذلك.
وقال الإمام أحمد (٢) : حدثنا بهز وهاشم بن القاسم قالا : حدثنا سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس قال : لما انقضت عدة زينب قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لزيد : «اذهب فاذكرها علي» قال : فانطلق زيد حتى أتاها ـ قال ـ وهي تخمر عجينها ، فلما رأيتها عظمت في صدري ، وذكر تمام الحديث كما قدمناه عند قوله تعالى : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً) وزاد في آخره بعد قوله : ووعظ القوم بما وعظوا به. قال هاشم في حديثه (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ) الآية. وقد أخرجه مسلم والنسائي من حديث سليمان بن المغيرة.
وقال ابن جرير (٣) : حدثني أحمد بن عبد الرحمن ابن أخي ابن وهب ، حدثني عمي عبد الله بن وهب ، حدثني يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت : إن أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم كن يخرجن بالليل إذا تبرزن إلى المناصع ـ وهو صعيد أفيح (٤) ـ وكان عمر يقول لرسول اللهصلىاللهعليهوسلم : احجب نساءك ، فلم يكن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ليفعل ، فخرجت سودة بنت زمعة زوج رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وكانت امرأة طويلة ، فناداها عمر بصوته الأعلى : قد عرفناك يا سودة حرصا على أن ينزل الحجاب ، قالت : فأنزل الله الحجاب ، هكذا وقع في هذه الرواية ،
__________________
(١) أخرجه البخاري في النكاح باب ٦٤ ، ومسلم في النكاح حديث ٨٧ ، ٩٢ ، ٩٤ ، ٩٥ ، والترمذي في تفسير سورة ٣٣ ، باب ٢١ ، ٢٢.
(٢) المسند ٣ / ١٩٥ ، ١٩٦.
(٣) تفسير الطبري ١٠ / ٣٢٤.
(٤) أفيح : أي واسع.
والمشهور أن هذا كان بعد نزول الحجاب.
كما رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم من حديث هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت : خرجت سودة بعد ما ضرب الحجاب لحاجتها ، وكانت امرأة جسيمة ، لا تخفى على من يعرفها ، فرأها عمر بن الخطاب فقال : يا سودة أما والله ما تخفين علينا ، فانظري كيف تخرجين؟ قالت : فانكفأت راجعة ورسول الله صلىاللهعليهوسلم في بيتي وإنه ليتعشى وفي يده عرق ، فدخلت فقالت : يا رسول الله إني خرجت لبعض حاجتي ، فقال لي عمر : كذا وكذا ، قالت : فأوحى الله إليه ، ثم رفع عنه وإن العرق في يده ما وضعه ، فقال «إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن» (١) لفظ البخاري ، فقوله تعالى : (لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِ) حظر على المؤمنين أن يدخلوا منازل رسول الله صلىاللهعليهوسلم بغير إذن كما كانوا قبل ذلك يصنعون في بيوتهم في الجاهلية وابتداء الإسلام ، حتى غار الله لهذه الأمة فأمرهم بذلك ، وذلك من إكرامه تعالى هذه الأمة ولهذا قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إياكم والدخول على النساء» (٢) الحديث ، ثم استثنى من ذلك فقال تعالى : (إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ) قال مجاهد وقتادة وغيرهما : أي غير متحينين نضجه واستواءه ، أي لا ترقبوا الطعام إذا طبخ حتى إذا قارب الاستواء تعرضتم للدخول ، فإن هذا مما يكرهه الله ويذمه ، وهذا دليل على تحريم التطفيل وهو الذي تسميه العرب الضيفن ، وقد صنف الخطيب البغدادي في ذلك كتابا في ذم الطفيليين ، وذكر من أخبارهم أشياء يطول إيرادها.
ثم قال تعالى : (وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا) وفي صحيح مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «إذا دعا أحدكم أخاه فليجب عرسا كان أو غيره» (٣) وأصله في الصحيحين ، وفي الصحيح أيضا عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم «لو دعيت إلى ذراع لأجبت ولو أهدي إلي كراع لقبلت ، فإذا فرغتم من الذي دعيتم إليه فخففوا عن أهل المنزل وانتشروا في الأرض» (٤) ولهذا قال تعالى : (وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ) أي كما وقع لأولئك النفر الثلاثة الذين استرسل بهم الحديث ، ونسوا أنفسهم حتى شق ذلك على رسول اللهصلىاللهعليهوسلم ، كما قال تعالى : (إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ) وقيل المراد إن دخولكم منزله بغير إذنه كان يشق عليه ويتأذى به ، ولكن كان يكره أن ينهاهم عن ذلك من شدة حيائه عليهالسلام حتى أنزل الله عليه النهي عن ذلك ، ولهذا قال تعالى : (وَاللهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِ) أي ولهذا نهاكم
__________________
(١) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٣٣ ، باب ٨ ، وأحمد في المسند ٦ / ٥٦.
(٢) أخرجه الترمذي في الرضاع باب ١٦ ، وأحمد في المسند ٤ / ١٤٩ ، ١٥٣.
(٣) أخرجه مسلم في النكاح حديث ١٠٠ ، وأبو داود في الأطعمة باب ١ ، وأحمد في المسند ٢ / ١٤٦.
(٤) أخرجه البخاري في النكاح باب ٧٣ ، والهبة باب ٢ ، وأحمد في المسند ٢ / ٤٢٤ ، ٤٧٩ ، ٤٨١ ، ولفظهم : «لو أهدي إلي ذراع لقبلت».
عن ذلك وزجركم عنه.
ثم قال تعالى : (وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ) أي وكما نهيتكم عن الدخول عليهن كذلك لا تنظروا إليهن بالكلية ، ولو كان لأحدكم حاجة يريد تناولها منهن ، فلا ينظر إليهن ولا يسألهن حاجة إلا من وراء حجاب. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا ابن أبي عمر ، حدثنا سفيان عن مسعر عن موسى بن أبي كثير عن مجاهد عن عائشة قالت : كنت آكل مع النبي صلىاللهعليهوسلم حيسا في قعب ، فمر عمر فدعاه فأكل ، فأصابت إصبعه إصبعي ، فقال حسن أو أوه لو أطاع فيكن ما رأتكن عين ، فنزل الحجاب (ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَ) أي هذا الذي أمرتكم به وشرعته لكم من الحجاب أطهر وأطيب.
وقوله تعالى : (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً) قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا محمد بن أبي حماد ، حدثنا مهران عن سفيان عن داود بن أبي هند عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى: (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ) قال : نزلت في رجل هم أن يتزوج بعض نساء النبيصلىاللهعليهوسلم بعده ، قال رجل لسفيان : أهي عائشة؟ قال : قد ذكروا ذلك.
وكذا قال مقاتل بن حيان وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، وذكر بسنده عن السدي إن الذي عزم على ذلك طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه ، حتى نزل التنبيه على تحريم ذلك ، ولهذا اجتمع العلماء قاطبة على أن من توفي عنها رسول الله صلىاللهعليهوسلم من أزواجه أنه يحرم على غيره تزوجها من بعده ، لأنهن أزواجه في الدنيا والآخرة وأمهات المؤمنين كما تقدم ، واختلفوا فيمن دخل بها ثم طلقها في حياته : هل يحل لغيره أن يتزوجها؟ على قولين مأخذهما هل دخلت هذه في عموم قوله (مِنْ بَعْدِهِ) أم لا؟ فأما من تزوجها ثم طلقها قبل أن يدخل بها ، فما نعلم في حلها لغيره والحالة هذه نزاعا ، والله أعلم.
وقال ابن جرير (١) : حدثني محمد بن المثنى ، حدثنا عبد الوهاب ، حدثنا داود عن عامر أن نبي الله صلىاللهعليهوسلم مات وقد ملك قيلة ابنة الأشعث ـ يعني ابن قيس ـ فتزوجها عكرمة بن أبي جهل بعد ذلك ، فشق ذلك على أبي بكر مشقة شديدة ، فقال له عمر : يا خليفة رسول الله إنها ليست من نسائه ، إنها لم يخيرها رسول الله ولم يحجبها ، وقد برأها الله منه بالردة التي ارتدت مع قومها : قال : فاطمأن أبو بكر رضي الله عنه وسكن ، وقد عظم الله تبارك وتعالى ذلك ، وشدد فيه وتوعد عليه بقوله : (إِنَّ ذلِكُمْ كانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً) ثم قوله تعالى : (إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) أي مهما تكنه ضمائركم وتنطوي عليه سرائركم ، فإن الله يعلمه ، فإنه لا تخفى عليه خافية (يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ) [غافر : ١٩].
__________________
(١) تفسير الطبري ١٠ / ٣٢٧.
(لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) (٥٥)
لما أمر تبارك وتعالى النساء بالحجاب من الأجانب ، بين أن هؤلاء الأقارب لا يجب الاحتجاب منهم ، كما استثناهم في سورة النور عند قوله تعالى : (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ أَوْ آباءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنائِهِنَّ أَوْ أَبْناءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَواتِهِنَّ أَوْ نِسائِهِنَّ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ) [النور : ٣١] وفيها زيادات على هذه ، وقد تقدم تفسيرها والكلام عليها بما أغنى عن إعادته هاهنا.
وقد سأل بعض السلف فقال : لم لم يذكر العم والخال في هاتين الآيتين؟ فأجاب عكرمة والشعبي بأنهما لم يذكرا لأنهما قد يصفان ذلك لبنيهما. قال ابن جرير (١) : حدثني محمد بن المثنى ، حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا حماد ، حدثنا داود عن الشعبي وعكرمة في قوله تعالى : (لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَ) الآية ، قلت : ما شأن العم والخال لم يذكرا؟ قال لأنهما ينعتانهما لأبنائهما وكرها أن تضع خمارها عند خالها وعمها. وقوله تعالى : (وَلا نِسائِهِنَ) يعنى بذلك عدم الاحتجاب من النساء المؤمنات. وقوله تعالى : (وَلا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَ) يعني به أرقاءهن من الذكور والإناث كما تقدم التنبيه عليه وإيراد الحديث فيه ، قال سعيد بن المسيب : إنما يعني به الإماء فقط ، رواه ابن أبي حاتم. وقوله تعالى : (وَاتَّقِينَ اللهَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً) أي واخشينه في الخلوة والعلانية ، فإنه شهيد على كل شيء ، لا تخفى عليه خافية فراقبن الرقيب.
(إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (٥٦)
قال البخاري (٢) : قال أبو العالية : صلاة الله تعالى ثناؤه عليه عند الملائكة ، وصلاة الملائكة الدعاء. وقال ابن عباس : يصلون يبركون ، هكذا علقه البخاري عنهما ، وقد رواه أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية كذلك ، وروي مثله عن الربيع أيضا ، وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس كما قاله سواء ، رواهما ابن أبي حاتم.
وقال أبو عيسى الترمذي (٣) : وروي عن سفيان الثوري وغير واحد من أهل العلم ، قالوا : صلاة الرب الرحمة ، وصلاة الملائكة الاستغفار.
__________________
(١) تفسير الطبري ١٠ / ٣٢٨.
(٢) كتاب التفسير ، تفسير سورة ٣٣ ، باب ١٠.
(٣) كتاب الوتر باب ٢١.
ثم قال ابن أبي حاتم : حدثنا عمرو الأودي ، حدثنا وكيع عن الأعمش عن عمرو بن مرة ، قال الأعمش أراه عن عطاء بن أبي رباح (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) قال : صلاته تبارك وتعالى سبوح قدوس ، سبقت رحمتي غضبي والمقصود من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يثني عليه عند الملائكة المقربين ، وأن الملائكة تصلي عليه ، ثم أمر تعالى أهل العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين : العلوي والسفلي جميعا.
وقد قال ابن أبي حاتم : حدثنا علي بن الحسين ، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن ، حدثني أبي عن أبيه عن أشعث بن إسحاق عن جعفر يعني ابن المغيرة ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أن بني إسرائيل قالوا لموسى عليهالسلام : هل يصلي ربك؟ فناداه ربه عزوجل : يا موسى سألوك هل يصلي ربك ، فقل : نعم أنا أصلي وملائكتي على أنبيائي ورسلي ، فأنزل الله عزوجل على نبيه صلىاللهعليهوسلم (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً).
وقد أخبر سبحانه وتعالى بأنه يصلي على عباده المؤمنين في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْراً كَثِيراً وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ) [الأحزاب : ٤١ ـ ٤٣] الآية وقال تعالى : (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ الَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ) [البقرة : ١٥٥ ـ ١٥٧] الآية ، وفي الحديث «إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف» (١) ، وفي الحديث الآخر «اللهم صل على آل أبي أوفي» (٢) وقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم لامرأة جابر وقد سألته أن يصلي عليها وعلى زوجها «صلى الله عليك وعلى زوجك» (٣) ، وقد جاءت الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالأمر بالصلاة عليه ، وكيفية الصلاة عليه ، ونحن نذكر منها إن شاء الله ما تيسر والله المستعان.
قال البخاري (٤) عند تفسير هذه الآية : حدثنا سعيد بن يحيى بن سعيد ، أخبرنا أبي عن مسعر عن الحكم عن ابن أبي ليلى. عن كعب بن عجرة قال : قيل يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه ، فكيف الصلاة؟ قال : «قولوا اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد».
__________________
(١) أخرجه أبو داود في الصلاة باب ٩٥ ، وابن ماجة في الإقامة باب ٥٥.
(٢) أخرجه البخاري في الدعوات باب ٣٢ ، وأبو داود في الزكاة باب ٧ ، والنسائي في الزكاة باب ١٣ ، وابن ماجة في الزكاة باب ٨ ، وأحمد في المسند ٤ / ٣٥٣ ، ٣٥٥ ، ٣٨١ ، ٣٨٣.
(٣) أخرجه الدارمي في المقدمة باب ٧.
(٤) كتاب التفسير ، تفسير سورة ٣٣ ، باب ١٠.
وقال الإمام أحمد (١) : حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة عن الحكم قال : سمعت ابنأبي ليلى قال : لقيني كعب بن عجرة فقال : ألا أهدي لك هدية؟ خرج علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقلنا : يا رسول الله قد علمنا أو عرفنا كيف السلام عليك ، فكيف الصلاة؟ فقال : «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد» (٢) وهذا الحديث قد أخرجه الجماعة في كتبهم من طرق متعددة عن الحكم وهو ابن عتيبة ، زاد البخاري وعبد الله بن عيسى كلاهما عن عبد الرحمن بن أبي ليلى فذكره.
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا الحسن بن عرفه ، حدثنا هشيم بن بشير عن يزيد بن أبي زياد ، حدثنا عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة قال : لما نزلت (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) ، قال : قلنا يا رسول الله قد علمنا السلام عليك ، فكيف الصلاة عليك ، قال «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم. إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد» وكان عبد الرحمن بن أبي ليلى يقول وعلينا معهم. ورواه الترمذي (٣) بهذه الزيادة ، ومعنى قولهم أما السلام عليك فقد عرفناه هو الذي في التشهد ، الذي كان يعلمهم إياه كما كان يعلمهم السورة من القرآن ، وفيه السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
[حديث آخر] قال البخاري (٤) : حدثنا عبد الله بن يوسف ، حدثنا الليث عن ابن الهاد عن عبد الله بن خباب ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قلنا يا رسول الله هذا السلام ، فكيف نصلي عليك؟ قال «قولوا اللهم صل على محمد عبدك ورسولك ، كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم» قال أبو صالح عن الليث : على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم. حدثنا إبراهيم بن حمزة ، حدثنا ابن أبي حازم والداوردي عن يزيد يعني ابن الهاد قال : كما صليت على إبراهيم ، وبارك على محمد وآل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم. وأخرجه النسائي وابن ماجة من حديث ابن الهاد به.
__________________
(١) المسند ٤ / ٢٤١.
(٢) أخرجه البخاري في الأنبياء باب ١٠ ، وتفسير سورة ٣٣ ، باب ١٠ ، والدعوات باب ٣٢ ، ومسلم في الصلاة حديث ٦٥ ، ٦٦ ، وأبو داود في الصلاة باب ١٧٩ ، والترمذي في الوتر باب ٢٠ ، وتفسير سورة ٣٣ ، باب ٢٣ ، والنسائي في السهو باب ٥١ ، ٥٢ ، وابن ماجة في الإقامة باب ٢٥.
(٣) كتاب الوتر باب ٢٠.
(٤) كتاب التفسير ، تفسير سورة ٣٣ ، باب ١٠.
[حديث آخر] قال الإمام أحمد (١) : قرأت على عبد الرحمن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن أبيه عن عمرو بن سليم أنه قال : أخبرني أبو حميد الساعدي أنهم قالوا : يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ قال «قولوا اللهم صل على محمد وأزواجه وذريته ، كما صليت على إبراهيم ، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد» (٢) وقد أخرجه بقية الجماعة سوى الترمذي من حديث مالك به.
[حديث آخر] قال مسلم : حدثنا يحيى بن يحيى التميمي قال : قرأت على مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر أخبرني محمد بن عبد الله بن زيد الأنصاري قال : وعبد الله بن زيد هو الذي كان أري النداء بالصلاة ، أخبره عن أبي مسعود الأنصاري قال : أتانا رسول الله صلىاللهعليهوسلم ونحن في مجلس سعد بن عبادة ، فقال له بشير بن سعد : أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله ، فكيف نصلي عليك؟ قال : فسكت رسول الله حتى تمنينا أنه لم يسأله ، ثم قال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : «قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم في العالمين ، إنك حميد مجيد ، والسلام كما قد علمتم» (٣) وقد رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن جرير من حديث مالك به. وقال الترمذي: حسن صحيح.
وروى الإمام أحمد وأبو داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم في مستدركه من حديث محمد بن إسحاق ، عن محمد بن إبراهيم التيمي عن محمد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه ، عن أبي مسعود البدري أنهم قالوا : يا رسول الله أما السلام فقد عرفناه ، فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا في صلاتنا؟ فقال «قولوا : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد» وذكره ورواه الشافعي رحمهالله في مسنده عن أبي هريرة بمثله ، ومن هاهنا ذهب الشافعي رحمهالله إلى أنه يجب على المصلي أن يصلي على رسول الله صلىاللهعليهوسلم في التشهد الأخير ، فإن تركه لم تصح صلاته.
وقد شرع بعض المتأخرين من المالكية وغيرهم يشنع على الإمام الشافعي في اشتراطه ذلك في الصلاة ، ويزعم أنه قد تفرد بذلك ، وحكى الإجماع على خلافه أبو جعفر الطبري والطحاوي والخطابي وغيرهم فيما نقله القاضي عياض عنهم ، وقد تعسف هذا القائل في رده على الشافعي ، وتكلف في دعواه الإجماع في ذلك ، وقال ما لم يحط به علما ، فإنا قد روينا وجوب ذلك والأمر بالصلاة على رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الصلاة ، كما هو ظاهر الآية ، ومفسر بهذا
__________________
(١) المسند ٥ / ٤٢٤.
(٢) أخرجه البخاري في الأنبياء باب ١٠ ، ومسلم في الصلاة حديث ٦٦.
(٣) أخرجه أبو داود في الصلاة باب ١٧٩ ، ومسلم في الصلاة حديث ٦٩ ، والنسائي في السهو باب ٥١ ، وأحمد في المسند ٤ / ١١٩.
الحديث عن جماعة من الصحابة منهم ابن مسعود وأبو مسعود البدري وجابر بن عبد الله ، ومن التابعين : الشعبي وأبو جعفر الباقر ومقاتل بن حيان ، وإليه ذهب الشافعي لا خلاف عنه في ذلك ولا بين أصحابه أيضا ، وإليه ذهب الإمام أحمد أخيرا فيما حكاه عنه أبو زرعه الدمشقي به ، وبه قال إسحاق بن راهويه والفقيه الإمام محمد بن إبراهيم المعروف بابن المواز المالكي رحمهمالله ، حتى إن بعض أئمة الحنابلة أوجب أن يقال في الصلاة عليه صلىاللهعليهوسلم كما علمهم أن يقولوا لما سألوه ، وحتى إن بعض أصحابنا أوجب الصلاة على آله فيما حكاه البندنيجي وسليم الرازي وصاحبه نصر بن إبراهيم المقدسي ، ونقله إمام الحرمين وصاحبه الغزالي قولا عن الشافعي. والصحيح أنه وجه على أن الجمهور على خلافه ، وحكوا الإجماع على خلافه ، وللقول بوجوبه ظواهر الحديث والله أعلم.
والغرض أن الشافعي رحمهالله يقول بوجوب الصلاة على النبي صلىاللهعليهوسلم في الصلاة سلفا وخلفا كما تقدم ، ولله الحمد والمنة ، فلا إجماع على خلافه في هذه المسألة لا قديما ولا حديثا ، والله أعلم. ومما يؤيد ذلك الحديث الآخر الذي رواه الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وصححه ، والنسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما من رواية حيوة بن شريح المصري عن أبي هانئ حميد بن هانئ عن عمرو بن مالك أبي علي الجنبي عن فضالة بن عبيد رضي الله عنه قال : سمع رسول اللهصلىاللهعليهوسلم رجلا يدعو في صلاته لم يمجد الله ولم يصل على النبي ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «عجل هذا» ثم دعاه فقال له أو لغيره «إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد الله عزوجل والثناء عليه ، ثم ليصل على النبي ثم ليدع بعد بما شاء» (١) وكذا الحديث الذي رواه ابن ماجة من رواية عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد الساعدي عن أبيه عن جده عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال «لا صلاة لمن لا وضوء له ، ولا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه ، ولا صلاة لمن لم يصل على النبي ، ولا صلاة لمن لم يحب الأنصار» (٢) ولكن عبد المهيمن هذا متروك وقد رواه الطبراني من رواية أخيه أبي بن عباس ، ولكن في ذلك نظر ، وإنما يعرف من رواية عبد المهيمن ، والله أعلم.
[حديث آخر] قال الإمام أحمد (٣) : حدثنا يزيد بن هارون ، أخبرنا إسماعيل عن أبي داود الأعمى عن بريدة قال : قلنا يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك ، فكيف نصلي عليك؟ قال «قولوا : اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على محمد وعلى آل محمد ، كما جعلتها على إبراهيم وآل إبراهيم ، إنك حميد مجيد» أبو داود الأعمى اسمه نفيع بن الحارث ، متروك.
[حديث آخر] موقوف. رويناه من طريق سعيد بن منصور ويزيد بن هارون وزيد بن
__________________
(١) أخرجه أبو داود في الوتر باب ٢٣ ، وأحمد في المسند ٦ / ١٨.
(٢) أخرجه ابن ماجة في الطهارة باب «ما جاء في التسمية في الوضوء».
(٣) المسند ٥ / ٣٥٣.
الحباب ، ثلاثتهم عن نوح بن قيس : حدثنا سلامة الكندي أن عليا رضي الله عنه كان يعلم الناس هذا الدعاء : اللهم داحي المدحوات ، وبارئ المسموكات ، وجبار القلوب على فطرتها : شقيها وسعيدها ، اجعل شرائف صلواتك ، ونوامي بركاتك ، وفضائل آلائك ، على محمد عبدك ورسولك الفاتح لما أغلق ، والخاتم لما سبق ، والمعلن الحق بالحق ، والدامغ لجيشات الأباطيل ، كما حمل فاضطلع بأمرك لطاعتك ، مستوفزا في مرضاتك غير نكل في قدم ، ولا واهن في عزم ، واعيا لوحيك ، حافظا لعهدك ، ماضيا على نفاذ أمرك حتى أورى قبسا لقابس ، آلاء الله تصل بأهله أسبابه ، به هديت القلوب بعد خوضات الفتن والإثم ، وأبهج موضحات الأعلام ، ونائرات الأحكام ، ومنيرات الإسلام ، فهو أمينك المأمون ، وخازن علمك المخزون ، وشهيدك يوم الدين ، وبعيثك نعمة ، ورسولك بالحق رحمة ، اللهم افسح له في عدنك ، واجزه مضاعفات الخير من فضلك ، له مهنآت غير مكدرات ، من فوز ثوابك المحلول وجزيل عطائك المجمول ، اللهم أعل على بناء البانين بنيانه. وأكرم مثواه لديك ونزله ، وأتمم له نوره واجزه من ابتعاثك له مقبول الشهادة ، مرضي المقالة ذا منطق عدل ، وخطة فصل ، وحجة وبرهان عظيم (١) ، هذا مشهور من كلام علي رضي الله عنه ، وقد تكلم عليه ابن قتيبة في مشكل الحديث ، وكذا أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي في جزء جمعه في فضل الصلاة على النبي صلىاللهعليهوسلم إلا أن في إسناده نظرا. قال شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي : سلامة الكندي هذا ليس بمعروف ولم يدرك عليا ، كذا قال ، وقد روى الحافظ أبو القاسم الطبراني هذا الأثر عن محمد بن علي الصائغ عن سعيد بن منصور : حدثنا نوح بن قيس عن سلامة الكندي قال : كان علي رضي الله عنه يعلمنا الصلاة على النبيصلىاللهعليهوسلم فيقول : اللهم داحي المدحوات ، وذكره.
[حديث آخر] موقوف قال ابن ماجة (٢) : حدثنا الحسين بن بيان حدثنا زياد بن عبد الله ، حدثنا المسعودي عن عون بن عبد الله عن أبي فاختة ، عن الأسود بن يزيد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : إذا صليتم على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأحسنوا الصلاة عليه ، فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه ، قال : فقالوا له علمنا ، قال : قولوا : اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين ، وإمام المتقين ، وخاتم النبيين ، محمد عبدك ورسولك ، إمام الخير وقائد الخير ، ورسول الرحمة ، اللهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه به الأولون والآخرون ، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، وهذا موقوف ، وقد روى إسماعيل القاضي عن عبد الله بن
__________________
(١) انظر نهج البلاغة بشرح الشيخ محمد عبده الخطبة السبعون ، ص ١٢٠ ـ ١٢٣ ، وقد وقع هنا اختلاف في بعض الألفاظ مع ما في النهج.
(٢) كتاب الإقامة باب ٢٥.
عمرو أو عمر على الشك من الراوي قريبا من هذا.
[حديث آخر] قال ابن جرير (١) : حدثنا أبو كريب ، حدثنا مالك بن إسماعيل ، حدثنا أبو إسرائيل عن يونس بن خباب قال : خطبنا بفارس فقال (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) فقال : أنبأني من سمع ابن عباس يقول : هكذا أنزل ، فقلنا : أو قالوا يا رسول الله علمنا السلام عليك ، فكيف الصلاة عليك؟ قال «اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، وارحم محمدا وآل محمد ، كما رحمت آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على إبراهيم ، إنك حميد مجيد» فيستدل بهذا الحديث من ذهب إلى جواز الترحم على النبي صلىاللهعليهوسلم كما هو قول الجمهور ، ويعضده حديث الأعرابي الذي قال : اللهم ارحمني ومحمدا ، ولا ترحم معنا أحدا ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «لقد حجّرت واسعا» (٢) وحكى القاضي عياض عن جمهور المالكية منعه ، قال : وأجازه أبو محمد بن أبي زيد.
[حديث آخر] قال الإمام أحمد (٣) : حدثنا محمد بن جعفر ، أخبرنا شعبة عن عاصم بن عبيد الله قال : سمعت عبد الله بن عامر بن ربيعة يحدث عن أبيه قال : سمعت النبيصلىاللهعليهوسلم يقول : «من صلى علي صلاة ، لم تزل الملائكة تصلي عليه ما صلى علي ، فليقل عبد من ذلك أو ليكثر» ورواه ابن ماجة (٤) من حديث شعبة به.
[حديث آخر] قال أبو عيسى الترمذي (٥) : حدثنا بندار ، حدثنا محمد بن خالد بن عثمة ، حدثني موسى بن يعقوب الزمعي ، حدثني عبد الله بن كيسان أن عبد الله بن شداد أخبره عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم علي صلاة» تفرد بروايته الترمذي رحمهالله ، ثم قال : هذا حديث حسن غريب.
[حديث آخر] قال إسماعيل القاضي : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان عن يعقوب بن زيد بن طلحة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أتاني آت من ربي فقال لي : ما من عبد يصلي عليك صلاة إلا صلى الله عليه بها عشرا» فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله ألا أجعل نصف دعائي لك؟ قال «إن شئت». قال : ألا أجعل ثلثي دعائي لك؟ قال «إن شئت». قال : ألا أجعل دعائي لك كله. قال «إذن يكفيك الله هم الدنيا وهم الآخرة» فقال شيخ كان بمكة يقال له منيع لسفيان عمن أسنده : لا أدري.
__________________
(١) تفسير الطبري ١٠ / ٣٢٩ ، ٣٣٠.
(٢) أخرجه البخاري في الأدب باب ٢٧.
(٣) المسند ٣ / ٤٤٥.
(٤) كتاب الإقامة باب ٢٥.
(٥) كتاب الوتر باب ٢١.
[حديث آخر] قال إسماعيل القاضي : حدثنا سعيد بن سلام العطار ، حدثنا سفيان الثوري عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي بن كعب عن أبيه قال : كان رسول اللهصلىاللهعليهوسلم يخرج في جوف الليل فيقول «جاءت الراجفة تتبعها الرادفة ، جاء الموت بما فيه» فقال أبي : يا رسول الله إني أصلي من الليل ، أفأجعل لك ثلث صلاتي؟ قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «الشطر». قال : أفأجعل لك شطر صلاتي؟ قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «الثلثان». قال : أفأجعل لك صلاتي كلها؟ قال «إذن يغفر لك الله ذنبك كله».
وقد رواه الترمذي (١) بنحوه ، فقال : حدثنا هناد ، حدثنا قبيصة ، حدثنا سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي بن كعب ، عن أبيه قال : كان رسول اللهصلىاللهعليهوسلم إذا ذهب ثلثا الليل ، قام فقال : «يا أيها الناس اذكروا الله ، اذكروا الله ، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة ، جاء الموت بما فيه ، جاء الموت بما فيه» قال أبي : قلت يا رسول الله إني أكثر الصلاة عليك ، فكم أجعل لك من صلاتي؟ قال «ما شئت» قلت : الربع؟ قال «ما شئت ، فإن زدت فهو خير لك» قلت : فالنصف؟ قال «ما شئت ، فإن زدت فهو خير لك». قلت فالثلثين؟ قال : «ما شئت ، فإن زدت فهو خير لك» قلت : أجعل لك صلاتي كلها؟ قال «إذن تكفي همك ، ويغفر لك ذنبك» ثم قال : هذا حديث حسن.
وقال الإمام أحمد (٢) : حدثنا وكيع ، حدثنا سفيان عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن الطفيل بن أبي عن أبيه قال : قال رجل : يا رسول الله أرأيت إن جعلت صلاتي كلها عليك؟ قال «إذن يكفيك الله ما أهمك من دنياك وآخرتك».
[حديث آخر] قال الإمام أحمد (٣) : حدثنا أبو سلمة منصور بن سلمة الخزاعي ويونس هو ابن محمد ، قالا : حدثنا ليث عن يزيد بن الهاد عن عمرو بن أبي عمر عن أبي الحويرث ، عن محمد بن جبير بن مطعم عن عبد الرحمن بن عوف قال : خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فاتبعته حتى دخل نخلا ، فسجد فأطال السجود حتى خفت أو خشيت أن يكون قد توفاه الله أو قبضه ، قال فجئت أنظر فرفع رأسه فقال «ما لك يا عبد الرحمن؟» قال فذكرت ذلك له فقال «إن جبريلعليهالسلام قال لي : ألا أبشرك إن الله عزوجل يقول : من صلى عليك صليت عليه ، ومن سلم عليك سلمت عليه».
[طريق أخرى] قال الإمام أحمد (٤) : حدثنا أبو سعيد مولى بني هاشم ، حدثنا سليمان بن
__________________
(١) كتاب القيامة باب ٢٣.
(٢) المسند ٥ / ١٣٦.
(٣) المسند ١ / ١٩١.
(٤) المسند ١ / ١٩١.
بلال ، حدثنا عمرو بن أبي عمرو بن عبد الواحد بن محمد بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الرحمن بن عوف قال : قام رسول الله صلىاللهعليهوسلم فتوجه نحو صدقته ، فدخل فاستقبل القبلة ، فخر ساجدا فأطال السجود حتى ظننت أن الله قد قبض نفسه فيها ، فدنوت منه ثم جلست ، فرفع رأسه فقال : «من هذا؟» قلت : عبد الرحمن. قال «ما شأنك؟» قلت : يا رسول الله سجدت سجدة خشيت أن يكون الله قبض روحك فيها ، فقال : «إن جبريل أتاني فبشرني أن الله عزوجل يقول لك : من صلى عليك صليت عليه ، ومن سلم عليك سلمت عليه ، فسجدت للهعزوجل شكرا» ورواه إسماعيل بن إسحاق القاضي في كتابه عن يحيى بن عبد الحميد عن الدراوردي ، عن عمرو بن عبد الواحد عن أبيه ، عن عبد الرحمن بن عوف به ، ورواه من وجه آخر عن عبد الرحمن.
[حديث آخر] قال أبو القاسم الطبراني : حدثنا محمد بن عبد الرحيم بن بجير بن عبد الله بن معاوية بن بجير بن ريان ، حدثنا يحيى بن أيوب ، حدثني عبيد الله بن عمر عن الحكم بن عتيبة عن إبراهيم النخعي ، عن الأسود بن يزيد عن عمرو بن الخطاب رضي الله عنه قال : خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم لحاجة فلم يجد أحدا يتبعه ، ففزع عمر فأتاه بمطهرة من خلفه ، فوجد النبي صلىاللهعليهوسلم ساجدا في مشربة ، فتنحى عنه من خلفه حتى رفع النبي صلىاللهعليهوسلم رأسه ، فقال «أحسنت يا عمر حين وجدتني ساجدا فتنحيت عني ، إن جبريل أتاني فقال : من صلى عليك من أمتك واحدة صلى الله عليه عشر صلوات ورفعه عشر درجات» وقد اختار هذا الحديث الحافظ الضياء المقدسي في كتابه المستخرج على الصحيحين ، وقد رواه إسماعيل القاضي عن القعنبي عن سلمة بن وردان عن أنس عن عمر بنحوه ورواه أيضا عن يعقوب بن حميد عن أنس بن عياض عن سلمة بن وردان ، عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر بن الخطاب بنحوه.
[حديث آخر] قال الإمام أحمد (١) : حدثنا أبو كامل حدثنا حماد بن سلمة عن ثابت بن سليمان مولى الحسن بن علي ، عن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه أن رسول اللهصلىاللهعليهوسلم جاء ذات يوم والسرور يرى في وجهه ، فقالوا : يا رسول الله إنا لنرى السرور في وجهك ، فقال «إنه أتاني الملك فقال : يا محمد أما يرضيك أن ربك عزوجل يقول : إنه لا يصلي عليك أحد من أمتك إلا صليت عليه عشرا ، ولا يسلم عليك أحد من أمتك إلا سلمت عليه عشرا ، قلت : بلى» ورواه النسائي من حديث حماد بن سلمة به ، وقد رواه إسماعيل القاضي عن إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه عن سليمان بن بلال ، عن عبيد الله بن عمر عن ثابت عن أنس عن أبي طلحة بنحوه.
__________________
(١) المسند ٤ / ٣٠.
[طريق أخرى] قال الإمام أحمد (١) : حدثنا سريج ، حدثنا أبو معشر عن إسحاق بن كعب بن عجرة ، عن أبي طلحة الأنصاري قال : أصبح رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوما طيب النفس يرى في وجهه البشر ، قالوا : يا رسول الله أصبحت اليوم طيب النفس يرى في وجهك البشر ، قال «أجل أتاني آت من ربي عزوجل فقال : من صلى عليك من أمتك صلاة ، كتب الله له بها عشر حسنات ومحا عنه عشر سيئات ، ورفع له عشر درجات ، ورد عليه مثلها» وهذا أيضا إسناد جيد ، ولم يخرجوه.
[حديث آخر] روى مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم «من صلى علي واحدة صلى الله عليه بها عشرا» (٢) قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح ، وفي الباب عن عبد الرحمن بن عوف وعامر بن ربيعة وعمار وأبي طلحة وأنس وأبي بن كعب.
وقال الإمام أحمد (٣) : حدثنا حسين بن محمد ، حدثنا شريك عن ليث عن كعب عن أبي هريرة ، عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «صلوا علي ، فإنها زكاة لكم وسلوا الله لي الوسيلة فإنها درجة في أعلى الجنة ، ولا ينالها إلا رجل ، وأرجو أن أكون أنا هو» تفرد به أحمد. وقد رواه البزار من طريق مجاهد عن أبي هريرة بنحوه ، فقال : حدثنا محمد بن إسحاق البكالي ، حدثنا عثمان بن سعيد حدثنا داود ابن علية عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «صلوا علي فإنها زكاة لكم ، وسلوا الله لي الدرجة الوسيلة من الجنة» فسألناه أو أخبرنا فقال «هي درجة في أعلى الجنة ، وهي لرجل ، وأرجو أن أكون ذلك الرجل» في إسناده بعض من تكلم فيه.
[حديث آخر] قال الإمام أحمد (٤) : حدثنا يحيى بن إسحاق ، حدثنا ابن لهيعة عن عبد الرحمن بن جريج الخولاني ، سمعت أبا قيس مولى عمرو بن العاص ، سمعت عبد الله بن عمرو يقول : من صلى على رسول الله صلىاللهعليهوسلم صلاة صلى الله عليه وملائكته بها سبعين صلاة ، فليقل عبد من ذلك أو ليكثر ، وسمعت عبد الله بن عمرو يقول : خرج علينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوما كالمودع فقال «أنا محمد النبي الأمي ـ قاله ثلاث مرات ـ ولا نبي بعدي ، أوتيت فواتح الكلام وخواتمه وجوامعه ، وعلمت كم خزنة النار وحملة العرش وتجوز بي ، عوفيت وعوفيت أمتي ، فاسمعوا وأطيعوا ما دمت فيكم ، فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب الله ، أحلوا حلاله وحرموا حرامه».
__________________
(١) المسند ٤ / ٢٩.
(٢) أخرجه أبو داود في الوتر باب ٢٦ ، والنسائي في السهو باب ٥٥.
(٣) المسند ٢ / ٣٦٥.
(٤) المسند ٢ / ١٧٢.
[حديث آخر] قال أبو داود الطيالسي : حدثنا أبو سلمة الخراساني ، حدثنا أبو إسحاق عن أنس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «من ذكرت عنده فليصل علي ، ومن صلى علي مرة واحدة صلى الله عليه عشرا» ورواه النسائي في اليوم والليلة من حديث أبي داود الطيالسي عن أبي سلمة وهو المغيرة بن مسلم الخراساني ، عن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي عن أنس به.
[حديث آخر] قال الإمام أحمد (١) : حدثنا محمد بن فضيل ، حدثنا يونس بن عمرو يعني يونس بن أبي إسحاق عن بريد بن أبي مريم عن أنس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه عشر صلوات ، وحط عنه عشر خطيئات».
[حديث آخر] قال الإمام أحمد (٢) : حدثنا عبد الملك بن عمرو وأبو سعيد ، قالا حدثنا سليمان بن بلال عن عمارة بن غزية عن عبد الله بن علي بن الحسين ، عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «البخيل من ذكرت عنده ثم لم يصلي علي» وقال أبو سعيد «فلم يصل علي» ورواه الترمذي (٣) من حديث سليمان بن بلال ، ثم قال : هذا حديث حسن غريب صحيح ، ومن الرواة من جعله من مسند الحسين بن علي ، ومنهم من جعله من مسند علي نفسه.
[حديث آخر] قال إسماعيل القاضي : حدثنا حجاج بن منهال ، حدثنا حماد بن سلمة عن معبد بن بلال العنزي ، حدثنا رجل من أهل دمشق عن عوف بن مالك عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «إن أبخل الناس من ذكرت عنده فلم يصل علي».
[حديث آخر] مرسل. قال إسماعيل : وحدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا جرير بن حازم ، سمعت الحسن يقول قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «بحسب امرئ من البخل أن أذكر عنده فلا يصلي علي».
[حديث آخر] قال الترمذي (٤) : حدثنا أحمد بن إبراهيم الدورقي ، حدثنا ربعي بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن إسحاق ، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي ، ورغم أنف رجل دخل عليه شهر رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له ، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة» ثم قال : حسن غريب.
__________________
(١) المسند ٣ / ١٠٢.
(٢) المسند ١ / ٢٠١.
(٣) كتاب الدعوات باب ١٠٠.
(٤) كتاب الدعوات باب ١٠٠.
قلت : وقد رواه البخاري في الأدب عن محمد بن عبيد الله : حدثنا ابن أبي حازم عن كثير بن زيد ، عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة مرفوعا بنحوه ، ورويناه من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة به. قال الترمذي : وفي الباب عن جابر وأنس. قلت : وابن عباس وكعب بن عجرة ، وقد ذكرت طرق هذا الحديث في أول كتاب الصيام عند قوله : (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُما أَوْ كِلاهُما) وهذا الحديث والذي قبله دليل على وجوب الصلاة على النبيصلىاللهعليهوسلم كما ذكر ، وهو مذهب طائفة من العلماء منهم الطحاوي والحليمي ، ويتقوى بالحديث الآخر الذي رواه ابن ماجة (١) : حدثنا جبارة بن المغلس ، حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا عمرو بن دينار عن جابر بن زيد عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من نسي الصلاة علي أخطأ طريق الجنة» جبارة ضعيف ، ولكن رواه إسماعيل القاضي من غير وجه عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر قال : قال رسول الله «من نسي الصلاة علي أخطأ طريق الجنة» وهذا مرسل يتقوى بالذي قبله ، والله علم.
وذهب آخرون إلى أنه تجب الصلاة عليه في المجلس مرة واحدة ، ثم لا تجب في بقية ذلك المجلس ، بل تستحب ، نقله الترمذي عن بعضهم ، ويتأيد بالحديث الذي رواه الترمذي (٢) : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا عبد الرحمن ، حدثنا سفيان عن صالح مولى التوأمة عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «ما جلس قوم مجلسا لم يذكروا الله فيه ، ولم يصلوا على نبيهم إلا كان عليهم ترة يوم القيامة ، فإن شاء عذبهم وإن شاء غفر لهم» تفرد به الترمذي من هذا الوجه ، ورواه الإمام أحمد (٣) عن حجاج ويزيد بن هارون كلاهما عن ابن أبي ذئب عن صالح مولى التوأمة ، عن أبي هريرة مرفوعا مثله ، ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن.
وقد روي عن أبي هريرة عن النبي صلىاللهعليهوسلم من غير وجه. وقد رواه إسماعيل القاضي من حديث شعبة عن سليمان عن ذكوان عن أبي سعيد قال «ما من قوم يقعدون ثم يقومون ولا يصلون على النبي صلىاللهعليهوسلم إلا كان عليهم يوم القيامة حسرة وإن دخلوا الجنة لما يرون من الثواب». وحكي عن بعضهم أنه إنما تجب الصلاة عليه ـ عليه الصلاة والسلام ـ في العمر مرة واحدة امتثالا لأمر الآية. ثم هي مستحبة في كل حال ، وهذا هو الذي نصره القاضي عياض بعد ما حكى الإجماع على وجوب الصلاة عليه صلىاللهعليهوسلم في الجملة. قال وقد حكى الطبراني أن محمل الآية على الندب وادعى فيه الإجماع قال ولعله فيما زاد على المرة والواجب فيه مرة كالشهادة له بالنبوة ، وما زاد على ذلك فمندوب ومرغب فيه من سنن الإسلام وشعار أهله. [قلت] وهذا قول غريب ، فإنه قد ورد الأمر بالصلاة عليه في أوقات كثيرة ، فمنها واجب ومنها مستحب على ما نبينه.
__________________
(١) كتاب الدعوات باب الصلاة على النبي صلىاللهعليهوسلم.
(٢) كتاب الدعوات باب ١٠٠.
(٣) المسند ٢ / ٤٥٣.
فمنه بعد النداء للصلاة للحديث الذي رواه الإمام أحمد (١) : حدثنا أبو عبد الرحمن ، حدثنا حيوة ، حدثنا كعب بن علقمة أنه سمع عبد الرحمن بن جبير يقول : إنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص يقول : إنه سمع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول : «إذا سمعتم مؤذنا فقولوا مثلما يقول ، ثم صلوا علي فإنه من صلى عليّ صلى الله عليه بها عشرا ، ثم سلوا الله لي الوسيلة ، فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة» (٢) وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث كعب بن علقمة.
[طريق أخرى] قال إسماعيل القاضي : حدثنا محمد بن أبي بكر ، حدثنا عمرو بن علي بن أبي بكر الجشمي عن صفوان بن سليم عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول اللهصلىاللهعليهوسلم : «من سأل الله لي الوسيلة حقت عليه شفاعتي يوم القيامة».
[حديث آخر] قال إسماعيل القاضي ، حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا سعيد بن زيد عن ليث عن كعب الأحبار عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «صلوا علي فإن صلاتكم علي زكاة لكم ، وسلوا الله لي الوسيلة» قال : فإما حدثنا وإما سألناه ، قال «الوسيلة أعلى درجة في الجنة لا ينالها إلا رجل ، وأرجو أن أكون أنا ذلك الرجل» ثم رواه عن محمد بن أبي بكر عن معتمر عن ليث وهو ابن أبي سليم به ، وكذا الحديث الآخر.
قال الإمام أحمد (٣) : حدثنا حسن بن موسى ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا بكر بن سوادة عن زياد بن نعيم عن وفاء الحضرمي عن رويفع بن ثابت الأنصاري أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «من صلى على محمد وقال اللهم أنزله المقعد المقرب عندك يوم القيامة وجبت له شفاعتي» وهذا إسناد لا بأس به ولم يخرجوه.
[أثر آخر] ـ قال إسماعيل القاضي : حدثنا علي بن عبد الله ، حدثنا سفيان ، حدثني معمر عن ابن طاوس عن أبيه ، سمعت ابن عباس يقول : اللهم تقبل شفاعة محمد الكبرى وارفع درجته العليا ، وأعطه سؤله في الآخرة والأولى ، كما آتيت إبراهيم وموسى عليهماالسلام. إسناد جيد قوي صحيح.
ومن ذلك عند دخول المسجد والخروج منه للحديث الذي رواه الإمام أحمد (٤) : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا ليث بن أبي سليم عن عبد الله بن الحسن عن أمه فاطمة بنت
__________________
(١) المسند ٢ / ١٦٨.
(٢) أخرجه مسلم في الصلاة حديث ١١ ، وأبو داود في الصلاة باب ٣٦ ، والترمذي في المناقب باب ١ ، والنسائي في الأذان باب ٣٧.
(٣) المسند ٤ / ١٠٨.
(٤) المسند ٦ / ٢٨٢.
الحسين عن جدته فاطمة بنت رسول الله صلىاللهعليهوسلم قالت : كان رسول الله صلىاللهعليهوسلم إذا دخل المسجد صلى على محمد وسلم ، ثم قال : «اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك ، وإذا خرج صلى على محمد وسلم ، ثم قال «اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب فضلك».
وقال إسماعيل القاضي : حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، حدثنا سفيان بن عمر التميمي عن سليمان الضبي عن علي بن الحسين قال : قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : إذا مررتم بالمساجد فصلوا على النبي صلىاللهعليهوسلم. وأما الصلاة عليه صلىاللهعليهوسلم في الصلاة ، فقد قدمنا الكلام عليها في التشهد الأخير ومن ذهب إلى ذلك من العلماء ، منهم الشافعي رحمهالله وأكرمه ، وأحمد ، وأما التشهد الأول فلا يجب فيه قولا واحدا وهل تستحب؟ على قولين للشافعي ، ومن ذلك الصلاة عليه صلىاللهعليهوسلم في صلاة الجنازة ، فإن السنة أن يقرأ في التكبيرة الأولى فاتحة الكتاب ، وفي الثانية يصلي على النبي صلىاللهعليهوسلم ، وفي الثالثة يدعو للميت ، وفي الرابعة يقول اللهم لا تحرمنا أجره ، ولا تفتنا بعده.
قال الشافعي رحمهالله : حدثنا مطرف بن مازن عن معمر عن الزهري أخبرني أبو أمامة بن سهل بن حنيف أنه أخبره رجل من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم أن السنة في الصلاة على الجنازة أن يكبر الإمام ، ثم يقرأ بفاتحة الكتاب بعد التكبيرة الأولى سرا في نفسه ، ثم يصلي على النبي صلىاللهعليهوسلم ، ويخلص الدعاء للجنازة ، وفي التكبيرات لا يقرأ في شيء منها ، ثم يسلم سرا في نفسه. ورواه النسائي عن أبي أمامة نفسه أنه قال من السنة ، فذكره ، وهذا من الصحابي في حكم المرفوع على الصحيح. ورواه إسماعيل القاضي عن محمد بن المثنى عن عبد الأعلى عن معمر عن الزهري عن أبي أمامة بن سهل عن سعيد بن المسيب أنه قال : السنة في الصلاة على الجنازة ، فذكره.
وهكذا روي عن أبي هريرة وابن عمر والشعبي ، ومن ذلك في صلاة العيد قال إسماعيل القاضي : حدثنا مسلم بن إبراهيم ، حدثنا هشام الدستوائي ، حدثنا حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن علقمة أن ابن مسعود وأبا موسى وحذيفة ، خرج عليهم الوليد بن عقبة يوما قبل العبد فقال لهم : إن هذا العيد قد دنا فكيف التكبير فيه؟ قال عبد الله : تبدأ فتكبر تكبيرة تفتتح بها الصلاة وتحمد ربك ، وتصلي على النبي صلىاللهعليهوسلم ثم تدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك ، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك ، ثم تكبر وتفعل مثل ذلك ، ثم تقرأ ثم تكبر وتركع ، ثم تقوم فتقرأ وتحمد ربك وتصلي على النبي صلىاللهعليهوسلم ، ثم تدعو وتكبر وتفعل مثل ذلك ثم تركع ، فقال حذيفة وأبو موسى : صدق أبو عبد الرحمن ، إسناد صحيح.
ومن ذلك أنه يستحب ختم الدعاء بالصلاة عليه صلىاللهعليهوسلم قال الترمذي (١) : حدثنا أبو داود ،
__________________
(١) كتاب الوتر باب ٢١.
حدثنا النضر بن شميل عن أبي قرة الأسدي عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب قال : الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك. وكذا رواه أيوب بن موسى عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب. ورواه معاذ بن الحارث عن أبي قرة عن سعيد بن المسيب عن عمر مرفوعا ، وكذا رواه رزين بن معاوية في كتابه مرفوعا عن النبيصلىاللهعليهوسلم قال «الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد حتى يصلى علي ، فلا تجعلوني كغمر الراكب ، صلوا علي أول الدعاء وآخره وأوسطه».
وهذه الزيادة إنما تروى من رواية جابر بن عبد الله في مسند الإمام عبد بن حميد الكشي حيث قال : حدثنا جعفر بن عون ، أخبرنا موسى بن عبيدة عن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم عن أبيه قال : قال جابر : قال لنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا تجعلوني كقدح الراكب إذا علق تعاليقه أخذ قدحه فملأه من الماء ، فإذا كان له حاجة في الوضوء توضأ ، وإن كان له حاجة في الشرب شرب وإلا أهرق ما فيه ، اجعلوني في أول الدعاء وفي وسط الدعاء وفي آخر الدعاء» وهذا حديث غريب ، وموسى بن عبيدة ضعيف الحديث.
ومن آكد ذلك دعاء القنوت لما رواه أحمد وأهل السنن وابن خزيمة وابن حبان والحاكم من حديث أبي الجوزاء عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال : علمني رسول الله صلىاللهعليهوسلم كلمات أقولهن في الوتر : اللهم اهدني فيمن هديت ، وعافني فيمن عافيت ، وتولني فيمن توليت ، وبارك لي فيما أعطيت ، وقني شر ما قضيت ، فإنك تقضي ولا يقضى عليك ، وإنه لا يذل من واليت ، ولا يعز من عاديت ، تباركت ربنا وتعاليت ، (١) وزاد النسائي في سننه بعد هذا وصلى الله على محمد.
ومن ذلك أنه يستحب الإكثار من الصلاة عليه يوم الجمعة وليلة الجمعة. قال الإمام أحمد(٢) : حدثنا حسين بن علي الجعفي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن أبي الأشعث الصنعاني عن أوس الثقفي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «من أفضل أيامكم يوم الجمعة ، فيه خلق آدم وفيه قبض ، وفيه النفخة ، وفيه الصعقة ، فأكثروا علي من الصلاة فيه ، فإن صلاتكم معروضة علي» قالوا : يا رسول الله ، وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت؟ يعني وقد بليت ، قال : «إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» (٣) ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجة من حديث حسين بن علي الجعفي ، وقد صحح هذا الحديث ابن خزيمة
__________________
(١) أخرجه أبو داود في الوتر باب ٥ ، والترمذي في الوتر باب ١٠ ، والنسائي في قيام الليل باب ٥١ ، وابن ماجة في الإقامة باب ١١٧ ، وأحمد في المسند ١ / ١٩٩ ، ١٠٠.
(٢) المسند ٤ / ٨.
(٣) أخرجه أبو داود في الصلاة باب ٢٠١ ، والوتر باب ٢٦ ، والنسائي في الجمعة باب ٥ ، وابن ماجة في الإقامة باب ٧٩ ، والجنائز باب ٦٥.
وابن حبان والدار قطني والنووي في الأذكار.
[حديث آخر] قال أبو عبد الله بن ماجة (١) : حدثنا عمرو بن سواد المصري ، حدثنا عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال ، عن زيد بن أيمن عن عبادة بن نسي ، عن أبي الدرداء قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة ، فإنه مشهود تشهده الملائكة ، وإن أحدا لا يصلي علي فيه إلا عرضت علي صلاته حتى يفرغ منها» قال : قلت وبعد الموت؟ «قال إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء فنبي الله حي يرزق» هذا حديث غريب من هذا الوجه وفيه انقطاع بين عبادة بن نسي وأبي الدرداء فإنه لم يدركه ، والله أعلم.
وقد روى البيهقي من حديث أبي أمامة وابن مسعود عن النبي صلىاللهعليهوسلم في الأمر بالإكثار من الصلاة عليه ليلة الجمعة ويوم الجمعة ، ولكن في إسنادهما ضعف ، والله أعلم. وروي مرسلا عن الحسن البصري يقول : قال إسماعيل القاضي : حدثنا سليمان بن حرب ، حدثنا جرير بن حازم ، سمعت الحسن البصري فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا تأكل الأرض جسد من كلمه روح القدس» مرسل حسن ، وقال القاضي وقال الشافعي : أخبرنا إبراهيم بن محمد ، أخبرنا صفوان بن سليم أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال «إذا كان يوم الجمعة وليلة الجمعة ، فأكثروا الصلاة علي» هذا مرسل ، وهكذا يجب على الخطيب أن يصلي على النبي صلىاللهعليهوسلم يوم الجمعة على المنبر في الخطبتين ، ولا تصح الخطبتان إلا بذلك لأنها عبادة ، وذكر الله شرط فيها فوجب ذكر الرسول صلىاللهعليهوسلم فيها كالأذان والصلاة ، هذا مذهب الشافعي وأحمد رحمهماالله.
ومن ذلك أنه يستحب الصلاة والسلام عليه عند زيارة قبره صلىاللهعليهوسلم. قال أبو داود (٢) : حدثنا ابن عوف هو محمد حدثنا المقري ، حدثنا حيوة عن أبي صخر حميد بن زياد عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ما منكم من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليهالسلام» تفرد به أبو داود وصححه النووي في الأذكار : ثم قال أبو داود (٣) : حدثنا أحمد بن صالح قال : قرأت على عبد الله بن نافع ، أخبرني ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا تجعلوا بيوتكم قبورا ، ولا تجعلوا قبري عيدا ، وصلوا علي ، فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم» تفرد به أبو داود أيضا. وقد رواه الإمام أحمد (٤) عن سريج عن عبد الله بن نافع وهو الصائغ به ، وصححه النووي أيضا.
وقد روي من وجه آخر متصلا قال القاضي إسماعيل بن إسحاق في كتابه فضل الصلاة على
__________________
(١) كتاب الجنائز باب ٦٥.
(٢) كتاب المناسك باب ٩٦.
(٣) كتاب المناسك باب ٩٦.
(٤) المسند ٢ / ٣٦٧.
النبي صلىاللهعليهوسلم : حدثنا إسماعيل بن أبي أويس ، حدثنا جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب عمن أخبره من أهل بيته ، عن علي بن الحسين بن علي أن رجلا كان يأتي كل غداة فيزور قبر النبي صلىاللهعليهوسلم ويصلي عليه ويصنع من ذلك ما اشتهر عليه علي بن الحسين ، فقال له علي بن الحسين : ما يحملك على هذا؟ قال : أحب السلام على النبي صلىاللهعليهوسلم فقال له علي بن الحسين : هل لك أن أحدثك حديثا عن أبي؟ قال : نعم : قال له علي بن الحسين : أخبرني أبي عن جدي أنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا تجعلوا قبري عيدا ، ولا تجعلوا بيوتكم قبورا وصلوا علي وسلموا حيثما كنتم ، فتبلغني صلاتكم وسلامكم» في إسناده رجل مبهم لم يسم.
وقد روي من وجه آخر مرسلا قال عبد الرزاق في مصنفه عن الثوري عن ابن عجلان عن رجل يقال له سهيل ، عن الحسن بن الحسن بن علي قال : رأى قوما عند القبر فنهاهم وقال : إن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «لا تتخذوا قبري عيدا ، ولا تتخذوا بيوتكم قبورا ، وصلوا علي حيثما كنتم ، فإن صلاتكم تبلغني» فلعله رآهم يسيئون الأدب برفع أصواتهم فوق الحاجة فنهاهم. وقد روي أنه رأى رجلا ينتاب القبر فقال : يا هذا ما أنت ورجل بالأندلس منه إلا سواء ، أي الجميع يبلغه صلوات الله وسلامه عليه دائما إلى يوم الدين.
وقال الطبراني في معجمه الكبير : حدثنا أحمد بن رشدين المصري ، حدثنا سعيد بن أبي مريم ، حدثنا محمد بن جعفر ، أخبرني حميد بن أبي زينب عن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم عن أبيه أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «صلوا علي حيثما كنتم ، فإن صلاتكم تبلغني» ثم قال الطبراني : حدثنا العباس بن حمدان الأصبهاني ، حدثنا شعيب بن عبد الحميد الطحان ، أخبرنا يزيد بن هارون بن أبي شيبان عن الحكم بن عبد الله بن خطاب عن أم أنيس بنت الحسن بن علي عن أبيها قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم «أرأيت قول الله عزوجل (إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ) ـ فقال ـ «إن هذا من المكتوم ، ولو لا أنكم سألتموني عنه ما أخبرتكم ، إن الله عزوجل وكل بي ملكين لا أذكر عند عبد مسلم فيصلي علي إلا قال ذانك الملكان غفر الله لك ، وقال الله وملائكته جوابا لذينك الملكين : آمين ، ولا يصلي علي أحد إلا قال ذانك الملكان : غفر الله لك ، ويقول الله وملائكته جوابا لذينك الملكين : آمين» غريب جدا ، وإسناده به ضعف شديد.
وقد قال الإمام أحمد (١) : حدثنا وكيع عن سفيان عن عبد الله بن السائب ، عن زاذان عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال «إن لله ملائكة سياحين في الأرض يبلغوني عن أمتي السلام» وهكذا رواه النسائي (٢) من حديث سفيان الثوري وسليمان بن مهران الأعمش كلاهما
__________________
(١) المسند ١ / ٤٤١.
(٢) كتاب السهو باب ٤٦ ، وأخرجه الترمذي في الدعوات باب ١٢٩.