تفسير القرآن العظيم - ج ٦

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي

تفسير القرآن العظيم - ج ٦

المؤلف:

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2221-5

الصفحات: ٥٤٣

١
٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

سورة النور

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَفَرَضْناها وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (١) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (٢)

يقول تعالى : هذه (سُورَةٌ أَنْزَلْناها) فيه تنبيه على الاعتناء بها ولا ينفي ما عداها (وَفَرَضْناها). قال مجاهد وقتادة : أي بينا الحلال والحرام والأمر والنهي والحدود. وقال البخاري (١) : ومن قرأ فرضناها ، يقول فرضناها عليكم وعلى من بعدكم (وَأَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ) أي مفسرات واضحات (لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).

ثم قال تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) هذه الآية الكريمة فيها حكم الزاني في الحد ، وللعلماء فيه تفصيل ونزاع ، فإن الزاني لا يخلو إما أن يكون بكرا وهو الذي لم يتزوج ، أو محصنا وهو الذي قد وطئ في نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل ، فأما إذا كان بكرا لم يتزوج ، فإن حده مائة جلدة كما في الآية ، ويزاد على ذلك أن يغرب عاما عن بلده عند جمهور العلماء خلافا لأبي حنيفة رحمه‌الله ، فإن عنده أن التغريب إلى رأي الإمام : إن شاء غرب وإن شاء لم يغرب.

وحجة الجمهور في ذلك ما ثبت في الصحيحين من رواية الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني في الأعرابيين اللذين أتيا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : فقال أحدهما : يا رسول الله إن ابني هذا كان عسيفا ـ يعني أجيرا ـ على هذا ، فزنى بامرأته ، فافتديت ابني منه بمائة شاة ووليدة ، فسألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام ، وأن على امرأة هذا الرجم ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله تعالى ، الوليدة والغنم رد عليك ، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام ، واغد يا أنيس ـ لرجل من أسلم ـ إلى امرأة هذا ، فإن اعترفت فارجمها «فغدا عليها فاعترفت فرجمها»(٢).

__________________

(١) كتاب التفسير ، تفسير سورة النور ٢٤ ، باب ١.

(٢) أخرجه البخاري في الصلح باب ٥ ، ومسلم في الحدود حديث ٢٥.

٣

ففي هذا دلالة على تغريب الزاني مع جلد مائة إذا كان بكرا لم يتزوج ، فأما إذا كان محصنا وهو الذي قد وطئ في نكاح صحيح وهو حر بالغ عاقل فإنه يرجم. كما قال الإمام مالك : حدثني محمد بن شهاب ، أخبرنا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن ابن عباس أخبره أن. عمر قام فحمد الله وأثنى عليه. ثم قال : أما بعد ، أيها الناس فإن الله تعالى بعث محمداصلى‌الله‌عليه‌وسلم بالحق ، وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل عليه آية الرجم ، فقرأناها ووعيناها ، ورجم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورجمنا بعده ، فأخشى أن يطول بالناس زمان أن يقول قائل لا نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة قد أنزلها الله ، فالرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء ، إذا قامت البينة أو الحبل أو الاعتراف (١). أخرجاه في الصحيحين من حديث مالك مطولا ، وهذه قطعة منه فيها مقصودنا هاهنا.

وروى الإمام أحمد (٢) عن هشيم عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس: حدثني عبد الرحمن بن عوف أن عمر بن الخطاب خطب الناس فسمعته يقول : ألا وإن أناسا يقولون ما بال الرجم؟ في كتاب الله الجلد ، وقد رجم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ورجمنا بعده ، ولو لا أن يقول قائل أو يتكلم متكلم أن عمر زاد في كتاب الله ما ليس منه لأثبتها كما نزلت به وأخرجه النسائي من حديث عبيد الله بن عبد الله به.

وقد روى الإمام أحمد (٣) أيضا عن هشيم عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس قال : خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه فذكر الرجم ، فقال : لا تخدعن عنه فإنه حد من حدود الله تعالى ، ألا وإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد رجم ورجمنا بعده ، ولو لا أن يقول قائلون : زاد عمر في كتاب الله ما ليس فيه لكتبت في ناحية من المصحف وشهد عمر بن الخطاب وعبد الرحمن بن عوف وفلان وفلان أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قد رجم ورجمناه بعده ، ألا إنه سيكون من بعدكم قوم يكذبون بالرجم ، وبالدجال وبالشفاعة ، وبعذاب القبر ، وبقوم يخرجون من النار بعد ما امتحشوا.

وروى أحمد (٤) أيضا عن يحيى القطان عن يحيى الأنصاري عن سعيد بن المسيب عن عمر بن الخطاب «إياكم أن تهلكوا عن آية الرجم» الحديث رواه الترمذي (٥) من حديث سعيد عن عمر ، وقال صحيح. وقال الحافظ أبو يعلى الموصلي : حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري ، حدثنا يزيد بن زريع ، حدثنا ابن عون عن محمد هو ابن سيرين ، قال : نبئت عن كثير بن الصلت

__________________

(١) أخرجه البخاري في الحدود باب ٣٠ ، ومسلم في الحدود حديث ٢٥ ، ومالك في الحدود حديث ٦.

(٢) المسند ١ / ٢٩.

(٣) المسند ١ / ٢٣.

(٤) المسند ١ / ٢٦.

(٥) كتاب الحدود باب ١٠.

٤

قال : كنا عند مروان وفينا زيد ، فقال زيد بن ثابت : كنا نقرأ : «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة» ، قال مروان : ألا كتبتها في المصحف؟ قال : ذكرنا ذلك وفينا عمر بن الخطاب ، فقال : أنا أشفيكم من ذلك ، قال : قلنا فكيف؟ قال جاء رجل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : فذكر كذا وكذا وذكر الرجم ، فقال : يا رسول الله اكتب لي آية الرجم ، قال «لا أستطيع الآن» هذا أو نحو ذلك. وقد رواه النسائي من حديث محمد بن المثنى عن غندر عن شعبة عن قتادة عن يونس بن جبير عن كثير بن الصلت عن زيد بن ثابت به ، وهذه طرق كلها متعددة ودالة على أن آية الرجم كانت مكتوبة فنسخ تلاوتها وبقي حكمها معمولا به ، والله أعلم.

وقد أمر رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم برجم هذه المرأة وهي زوجة الرجل الذي استأجر الأجير لما زنت مع الأجير ، ورجم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ماعزا والغامدية ، وكل هؤلاء لم ينقل عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أنهم جلدهم قبل الرجم ، وإنما وردت الأحاديث الصحاح المتعددة الطرق والألفاظ بالاقتصار على رجمهم وليس فيها ذكر الجلد ، ولهذا كان هذا مذهب جمهور العلماء ، وإليه ذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي رحمهم‌الله ، وذهب الإمام أحمد رحمه‌الله إلى أنه يجب أن يجمع على الزاني المحصن بين الجلد للآية ، والرجم للسنة.

كما روي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه لما أتى بشراحة ، وكانت قد زنت وهي محصنة ، فجلدها يوم الخميس ، ورجمها يوم الجمعة ، فقال : جلدتها بكتاب الله ، ورجمتها بسنة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

وقد روى الإمام أحمد وأهل السنن الأربعة ومسلم من حديث قتادة عن الحسن عن حطّان بن عبد الله الرقاشي عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا ، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم»(١).

وقوله تعالى : (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) أي في حكم الله ، أي لا ترجموهما وترأفوا بهما في شرع الله ، وليس المنهي عنه الرأفة الطبيعية على إقامة الحد ، وإنما هي الرأفة التي تحمل الحاكم على ترك الحد فلا يجوز ذلك. قال مجاهد (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) قال : إقامة الحدود إذا رفعت إلى السلطان فتقام ولا تعطل ، وكذا روي عن سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح. وقد جاء في الحديث «تعافوا الحدود فيما بينكم ، فما بلغني من حد فقد وجب»(٢)، وفي الحديث الآخر «لحد يقام في الأرض خير لأهلها من أن يمطروا أربعين

__________________

(١) أخرجه مسلم في الحدود حديث ٢٥ ، وأبو داود في الحدود باب ٢٥ ، والترمذي في الحدود باب ٨ ، والنسائي في القضاة باب ٢٢ ، وابن ماجة في الحدود باب ٧ ، والدارمي في الحدود باب ١٢ ، ومالك في الحدود حديث ٦ ، وأحمد في المسند ٥ / ٣١٧.

(٢) أخرجه أبو داود في الحدود باب ٦ ، والنسائي في السارق باب ٥.

٥

صباحا» (١). وقيل المراد (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) فلا تقيموا الحد كما ينبغي من شدة الضرب الزاجر عن المأثم ، وليس المراد الضرب المبرح.

قال عامر الشعبي (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) قال : رحمة في شدة الضرب. وقال عطاء : ضرب ليس بالمبرح. وقال سعيد بن أبي عروبة عن حماد بن أبي سليمان : يجلد القاذف وعليه ثيابه والزاني تخلع ثيابه ، ثم تلا (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) فقلت هذا في الحكم؟ قال : هذا في الحكم ، والجلد يعني في إقامة الحد وفي شدة الضرب.

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا عمرو بن عبد الله الأودي ، حدثنا وكيع عن نافع عن ابن عمرو عن ابن أبي مليكة ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عمر أن جارية لابن عمر زنت فضرب رجليها ، قال نافع : أراه قال وظهرها ، قال قلت (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) قال : يا بني ورأيتني أخذتني بها رأفة إن الله لم يأمرني أن أقتلها ، ولا أن أجعل جلدها في رأسها ، وقد أوجعت حين ضربت (٢). وقوله تعالى : (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي فافعلوا ذلك وأقيموا الحدود على من زنى ، وشددوا عليه الضرب ولكن ليس مبرحا ليرتدع هو ومن يصنع مثله بذلك ، وقد جاء في المسند عن بعض الصحابة أنه قال : يا رسول الله إني لأذبح الشاة وأنا أرحمها : فقال «ولك في ذلك أجر» (٣).

وقوله تعالى : (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) هذا فيه تنكيل للزانيين إذا جلدا بحضرة الناس ، فإن ذلك يكون أبلغ في زجرهما وأنجع في ردعهما ، فإن في ذلك تقريعا وتوبيخا وفضيحة إذا كان الناس حضورا. قال الحسن البصري في قوله (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) يعني علانية : ثم قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) الطائفة الرجل فما فوقه. وقال مجاهد : الطائفة رجل إلى ألف ، وكذا قال عكرمة ، ولهذا قال أحمد : إن الطائفة تصدق على واحد ، وقال عطاء بن أبي رباح : اثنان ، وبه قال إسحاق بن راهويه ، وكذا قال سعيد بن جبير (طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) قال : يعني رجلين فصاعدا ، وقال الزهري : ثلاثة نفر فصاعدا.

وقال عبد الرزاق : حدثني ابن وهب عن الإمام مالك في قوله (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) قال : الطائفة أربعة نفر فصاعدا ، لأنه لا يكفي شهادة في الزنا دون أربعة شهداء فصاعدا ، وبه قال الشافعي. وقال ربيعة : خمسة. وقال الحسن البصري : عشرة وقال قتادة : أمر الله أن يشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ، أي نفر من المسلمين ليكون ذلك موعظة وعبرة

__________________

(١) أخرجه النسائي في السارق باب ٧ ، وابن ماجة في الحدود باب ٣ ، وأحمد في المسند ٢ / ٣٦٢ ، ٤٠٢.

(٢) انظر تفسير الطبري ٩ / ٢٥٦.

(٣) أخرجه أحمد في المسند ٣ / ٤٣٦ ، ٥ / ٣٤.

٦

ونكالا. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا يحيى بن عثمان ، حدثنا بقية قال : سمعت نصر بن علقمة يقول في قوله تعالى : (وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) قال : ليس ذلك للفضيحة ، إنما ذلك ليدعى الله تعالى لهما بالتوبة والرحمة.

(الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلاَّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاَّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (٣)

هذا خبر من الله تعالى بأن الزاني لا يطأ إلا زانية أو مشركة ، أي لا يطاوعه على مراده من الزنا إلا زانية عاصية ، أو مشركة لا ترى حرمة ذلك ، وكذلك (الزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ) أي عاص بزناه. (أَوْ مُشْرِكٌ) لا يعتقد تحريمه ، قال سفيان الثوري عن حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنه (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً) قال : ليس هذا بالنكاح ، إنما هو الجماع لا يزني بها إلا زان أو مشرك ، وهذا إسناد صحيح عنه ، وقد روي عنه من غير وجه أيضا. وقد روي عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير وعروة بن الزبير والضحاك ومكحول ومقاتل بن حيان وغير واحد نحو ذلك.

وقوله تعالى : (وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) أي تعاطيه والتزوج بالبغايا ، أو تزويج العفائف بالرجال الفجار ، وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا قيس عن أبي حصين عن سعيد بن جبير عن ابن عباس (وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) قال : حرم الله الزنا على المؤمنين. وقال قتادة ومقاتل بن حيان : حرم الله على المؤمنين نكاح البغايا ، وتقدم في ذلك فقال (وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) وهذه الآية كقوله تعالى : (مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَلا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ) [النساء : ٢٥]. وقوله (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ) [المائدة : ٥] الآية ، ومن هاهنا ذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه‌الله إلى أنه لا يصح العقد من الرجل العفيف على المرأة البغي ما دامت كذلك حتى تستتاب ، فإن تابت صح العقد عليها وإلا فلا ، وكذلك لا يصح تزويج المرأة الحرة العفيفة بالرجل الفاجر المسافح حتى يتوب توبة صحيحة لقوله تعالى : (وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ).

وقال الإمام أحمد (١) : حدثنا عارم حدثنا معتمر بن سليمان قال أبي حدثنا الحضرمي عن القاسم بن محمد عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رجلا من المؤمنين استأذن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم في امرأة يقال لها أم مهزول كانت تسافح وتشترط له أن تنفق عليه قال فاستأذن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم أو ذكر له أمرها قال : فقرأ عليه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ).

وقال النسائي : أخبرنا عمر بن عدي حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن الحضرمي عن القاسم بن محمد عن عبد الله بن عمرو قال : كانت امرأة يقال لها أم مهزول وكانت تسافح فأراد

__________________

(١) المسند ٢ / ١٥٩ ، ٢٢٥.

٧

رجل من أصحاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يتزوجها فأنزل الله عزوجل : (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ).

وقال الترمذي (١) : حدثنا عبد بن حميد ، حدثنا روح بن عبادة عن عبيد الله بن الأخنس ، أخبرني عمرو بن شعيب عن أبيه ، عن جده قال : كان رجل يقال له مرثد بن أبي مرثد ، وكان رجلا يحمل الأسارى من مكة حتى يأتي بهم المدينة ، قال وكانت امرأة بغي بمكة يقال لها عناق ، وكانت صديقة له ، وإنه واعد رجلا من أسارى مكة يحمله ، قال : فجئت حتى انتهيت إلى ظل حائط من حوائط مكة في ليلة مقمرة ، قال : فجاءت عناق ، فأبصرت سواد ظلي تحت الحائط ، فلما انتهت إلي عرفتني ، فقالت : مرثد؟ فقلت : مرثد ، فقالت : مرحبا وأهلا ، هلم فبت عندنا الليلة ، قال : فقلت : يا عناق حرم الله الزنا ، فقالت : يا أهل الخيام هذا الرجل يحمل أسراكم.

قال : فتبعني ثمانية ودخلت الخندمة فانتهيت إلى غار أو كهف ، فدخلت فيه فجاؤوا حتى قاموا على رأسي ، فبالوا : فظل بولهم على رأسي ، فأعمالهم الله عني ، قال : ثم رجعوا فرجعت إلى صاحبي فحملته ، وكان رجلا ثقيلا حتى انتهيت إلى الإذخر ، ففككت عنه أحبله ، فجعلت أحمله ويعينني حتى أتيت به المدينة ، فأتيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت : يا رسول الله أنكح عناقا أنكح عناقا ـ مرتين؟ ـ فأمسك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلم يرد علي شيئا حتى نزلت (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «يا مرثد : الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ، والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك فلا تنكحها» (٢). ثم قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب ، لا نعرفه إلا من هذا الوجه ، وقد رواه أبو داود والنسائي في كتاب النكاح من سننهما من حديث عبيد الله بن الأخنس به.

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا مسدد أبو الحسن حدثنا عبد الوارث عن حبيب المعلم ، حدثني عمرو بن شعيب عن سعيد المقبري ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لا ينكح الزاني المجلود إلا مثله» وهكذا أخرجه أبو داود (٣) في سننه عن مسدد وأبي معمر عن عبد الله بن عمرو كلاهما عن عبد الوارث به. وقال الإمام أحمد : (٤) حدثنا يعقوب ، حدثنا عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن أخيه عمر بن محمد ، عن عبد الله بن يسار مولى ابن عمر قال : أشهد لسمعت سالما يقول : قال عبد الله : قال

__________________

(١) كتاب التفسير ، تفسير سورة ٢٤ ، باب ١.

(٢) أخرجه أبو داود في النكاح باب ٤ ، والنسائي في النكاح باب ١٢.

(٣) كتاب النكاح باب ٤.

(٤) المسند ٢ / ١٣٤.

٨

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «ثلاثة لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة : العاق لوالديه ، والمرأة المترجلة المتشبهة بالرجال ، والديوث ، وثلاث لا ينظر الله إليهم يوم القيامة : العاق لوالديه ، ومدمن الخمر ، والمنان بما أعطى» ورواه النسائي (١) عن عمرو بن علي الفلاس ، عن يزيد بن زريع ، عن عمر بن محمد العمري ، عن عبد الله بن يسار به.

وقال الإمام أحمد (٢) أيضا : حدثنا يعقوب ، حدثنا الوليد بن كثير عن قطن بن وهب عن عويمر بن الأجدع ، عمن حدثه عن سالم بن عبد الله بن عمر ، قال : حدثني عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال «ثلاثة حرم الله عليهم الجنة : مدمن الخمر ، والعاق لوالديه ، والديوث الذي يقر في أهله الخبث». وقال أبو داود الطيالسي في مسنده : حدثني شعبة ، حدثني رجل من آل سهل بن حنيف عن محمد بن عمار ، عن عمار بن ياسر قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لا يدخل الجنة ديوث» يستشهد به لما قبله من الأحاديث.

وقال ابن ماجة (٣) : حدثنا هشام بن عمار ، حدثنا سلام بن سوار ، حدثنا كثير بن سليم عن الضحاك بن مزاحم ، سمعت أنس بن مالك يقول : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول «من أراد أن يلقى الله وهو طاهر متطهر ، فليتزوج الحرائر» في إسناده ضعف. وقال الإمام أبو النصر إسماعيل بن حماد الجوهري في كتابه الصحاح في اللغة : الديوث القنزع ، وهو الذي لا غيرة له ، فأما الحديث الذي رواه الإمام أبو عبد الرحمن النسائي في كتاب النكاح من سننه : أخبرنا محمد بن إسماعيل ابن علية عن يزيد بن هارون ، عن حماد بن سلمة وغيره ، عن هارون بن رئاب ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير وعبد الكريم عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن ابن عباس. عبد الكريم رفعه إلى ابن عباس وهارون لم يرفعه ، قالا : جاء رجل إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : إن عندي امرأة هي من أحب الناس إلي ، وهي لا تمنع يد لامس؟ قال «طلقها» قال : لا صبر لي عنها. قال «استمتع بها» (٤) ثم قال النسائي : هذا الحديث غير ثابت وعبد الكريم ليس بالقوي وهارون أثبت منه وقد أرسل الحديث وهو ثقة وحديثه أولى بالصواب من حديث عبد الكريم. قلت : وهو ابن أبي المخارق البصري المؤدب تابعي ضعيف الحديث ، وقد خالفه هارون بن رئاب وهو تابعي ثقة من رجال مسلم ، فحديثه المرسل أولى كما قال النسائي ، لكن قد رواه النسائي في كتاب الطلاق ، عن إسحاق بن راهويه ، عن النضر بن شميل ، عن حماد بن سلمة ، عن هارون بن رئاب عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن ابن عباس مسندا ، فذكره بهذا الإسناد ، فرجاله على شرط مسلم إلا أن النسائي بعد روايته له قال : هذا خطأ والصواب

__________________

(١) كتاب الزكاة باب ٦٩.

(٢) المسند ٢ / ٦٩.

(٣) كتاب النكاح باب ٨.

(٤) أخرجه النسائي في النكاح باب ١٢ ، والطلاق باب ٣٤.

٩

مرسل ، ورواه غير النضر على الصواب.

وقد رواه النسائي أيضا وأبو داود عن الحسين بن حريث ، أخبرنا الفضل بن موسى ، أخبرنا الحسين بن واقد عن عمارة بن أبي حفصة عن عكرمة ، عن ابن عباس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وسلم فذكره وهذا الإسناد جيد. وقد اختلف الناس في هذا الحديث ما بين مضعف له كما تقدم عن النسائي ، ومنكر كما قال الإمام أحمد : هو حديث منكر ، وقال ابن قتيبة : إنما أراد أنها سخية لا تمنع سائلا ، وحكاه النسائي في سننه عن بعضهم فقال وقيل : سخية تعطي ، ورد هذا بأن لو كان المراد لقال : لا تردّ يد ملتمس ، وقيل المراد أن سجيتها لا ترديد لامس لا أن المراد أن هذا واقع منها وأنها تفعل الفاحشة ، فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم لا يأذن في مصاحبة من هذه صفتها ، فإن زوجها والحالة هذه يكون ديوثا ، وقد تقدم الوعيد على ذلك ، ولكن لما كانت سجيتها هكذا ليس فيها ممانعة ولا مخالفة لمن أرادها لو خلا بها أحد ، أمره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بفراقها ، فلما ذكر أنه يحبها أباح له البقاء معها لأن محبته لها محققة ووقوع الفاحشة منها متوهم فلا يصار إلى الضرر العاجل لتوهم الآجل ، والله سبحانه وتعالى أعلم.

قالوا فأما إذا حصلت توبة فإنه يحل التزويج ، كما قال الإمام أبو محمد بن أبي حاتم رحمه‌الله : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد عن ابن أبي ذئب قال : سمعت شعبة مولى ابن عباس رضي الله عنه قال : سمعت ابن عباس وسأله رجل فقال : إني كنت ألم بامرأة آتي منها ما حرم الله عزوجل علي ، فرزقني الله عزوجل من ذلك توبة ، فأردت أن أتزوجها ، فقال أناس : إن الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة ، فقال ابن عباس : ليس هذا في هذا ، انكحها فما كان من إثم فعلي ، وقد ادعى طائفة آخرون من العلماء أن هذه الآية منسوخة ، قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو خالد عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب قال : ذكر عنده (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) قال : كان يقال نسختها التي بعدها (وَأَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ) قال : كان يقال الأيامى من المسلمين ، وهكذا رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الناسخ والمنسوخ له عن سعيد بن المسيب ، ونص على ذلك أيضا الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي.

(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤) إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥)

هذه الآية الكريمة فيها بيان حكم جلد القاذف للمحصنة ، وهي الحرة البالغة العفيفة ، فإذا كان المقذوف رجلا فكذلك يجلد قاذفه أيضا ، وليس في هذا نزاع بين العلماء ، فإن أقام القاذف بينة على صحة ما قاله درأ عنه الحد ، ولهذا قال تعالى : (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) فأوجب على القاذف ، إذا لم يقم

١٠

البينة على صحة ما قال ، ثلاثة أحكام : [أحدها] أن يجلد ثمانين جلدة. [الثاني] أنه ترد شهادته أبدا. [الثالث] أن يكون فاسقا ليس بعدل لا عند الله ولا عند الناس.

ثم قال تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) الآية. واختلف العلماء في هذا الاستثناء. هل يعود إلى الجملة الأخيرة فقط فترفع التوبة الفسق فقط ويبقى مردود الشهادة دائما وإن تاب ، أو يعود إلى الجملتين الثانية والثالثة؟ أما الجلد فقد ذهب وانقضى سواء تاب أو أصر ولا حكم له بعد ذلك بلا خلاف ، فذهب الإمام مالك وأحمد والشافعي إلى أنه إذا تاب قبلت شهادته ، وارتفع عنه حكم الفسق ، ونص عليه سعيد بن المسيب سيد التابعين ، وجماعة من السلف أيضا. وقال الإمام أبو حنيفة : إنما يعود الاستثناء إلى الجملة الأخيرة فقط ، فيرتفع الفسق بالتوبة ، ويبقى مردود الشهادة أبدا ، وممن ذهب إليه من السلف القاضي شريح وإبراهيم النخعي وسعيد بن جبير ومكحول وعبد الرحمن بن زيد بن جابر. وقال الشعبي والضحاك : لا تقبل شهادته وإن تاب إلا أن يعترف على نفسه أنه قد قال البهتان ، فحينئذ تقبل شهادته ، والله أعلم.

(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلاَّ أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (٦) وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ (٧) وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (٨) وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٩) وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ) (١٠)

هذه الآية الكريمة فيها فرج للأزواج وزيادة مخرج إذا قذف أحدهم زوجته ، وتعسر عليه إقامة البينة أن يلاعنها كما أمر الله عزوجل وهو أن يحضرها إلى الإمام فيدعي عليها بما رماها به ، فيحلفه الحاكم أربع شهادات بالله في مقابلة أربعة شهداء إنه لمن الصادقين أي فيما رماها به من الزنا (وَالْخامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ) فإذا قال ذلك ، بانت منه بنفس هذا اللعان عند الشافعي وطائفة كثيرة من العلماء ، وحرمت عليه أبدا ، ويعطيها مهرها ويتوجب عليها حد الزنا ، ولا يدرأ عنها العذاب إلا أن تلاعن فتشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ، أي فيما رماها به (وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) ولهذا قال (وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ) يعني الحد (أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهاداتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ وَالْخامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فخصها بالغضب ، كما أن الغالب أن الرجل لا يتجشم فضيحة أهله ورميها بالزنا إلا وهو صادق معذور ، وهي تعلم صدقه فيما رماها به ، ولهذا كانت الخامسة في حقها أن غضب الله عليها ، والمغضوب عليه هو الذي يعلم الحق ثم يحيد عنه.

ثم ذكر تعالى رأفته بخلقه ولطفه بهم فيما شرع لهم من الفرج والمخرج من شدة ما يكون بهم من الضيق ، فقال تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ) أي لحرجتم ولشق عليكم كثير

١١

من أموركم (وَأَنَّ اللهَ تَوَّابٌ) أي على عباده ، وإن كان ذلك بعد الحلف والأيمان المغلظة (حَكِيمٌ) فيما يشرعه ويأمر به وفيما ينهى عنه ، وقد وردت الأحاديث بمقتضى العمل بهذه الآية وذكر سبب نزولها وفيمن نزلت فيه من الصحابة.

فقال الإمام أحمد (١) : حدثنا يزيد ، أخبرنا عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً) قال سعد بن عبادة وهو سيد الأنصار رضي الله عنه : أهكذا أنزلت يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقول سيدكم؟» فقالوا : يا رسول الله لا تلمه فإنه رجل غيور ، والله ما تزوج امرأة قط إلا بكرا ، وما طلق امرأة له قط فاجترأ رجل منا أن يتزوجها من شدة غيرته. فقال سعد : والله يا رسول الله إني لأعلم أنها حق وأنها من الله ، ولكني قد تعجبت أني لو وجدت لكاعا قد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء ، فو الله لا آتي بهم حتى يقضي حاجته.

ـ قال : فما لبثوا إلا يسيرا ـ حتى جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم ، فجاء من أرضه عشاء ، فوجد عند أهله رجلا ، فرأى بعينيه وسمع بأذنيه فلم يهيجه حتى أصبح ، فغدا على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : يا رسول الله إني جئت على أهلي عشاء فوجدت عندها رجلا ، فرأيت بعيني وسمعت بأذني ، فكره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما جاء به واشتد عليه ، واجتمعت عليه الأنصار وقالوا : قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة الآن ، يضرب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم هلال بن أمية ويبطل شهادته في الناس ، فقال هلال : والله إني لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجا. وقال هلال يا رسول الله فإني قد أرى ما اشتد عليك مما جئت به ، والله يعلم إني لصادق. فو الله إن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يريد أن يأمر بضربه إذ أنزل الله على رسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم الوحي ، وكان إذا أنزل عليه الوحي عرفوا ذلك في تربد وجهه ، يعني فأمسكوا عنه حتى فرغ من الوحي.

فنزلت : (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ) الآية ، فسري عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال «أبشر يا هلال فقد جعل الله لك فرجا ومخرجا» فقال هلال : قد كنت أرجو ذلك من ربي عزوجل ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أرسلوا إليها» فأرسلوا إليها فجاءت ، فتلاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عليهما ، فذكرهما وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا ، فقال هلال : والله يا رسول الله لقد صدقت عليها ، فقالت : كذب.

فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لاعنوا بينهما» فقيل لهلال : اشهد ، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ، فلما كانت الخامسة قيل له : يا هلال اتق الله ، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب

__________________

(١) المسند ١ / ٢٣٨ ، ٢٣٩.

١٢

الآخرة ، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب ، فقال : والله لا يعذبني الله عليها كما لم يجلدني عليها ، فشهد في الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ، ثم قيل للمرأة : اشهدي أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ، وقيل لها عند الخامسة : اتقي الله ، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب فتلكأت ساعة وهمت بالاعتراف ، ثم قالت : والله لا أفضح قومي ، فشهدت في الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ، ففرق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بينهما ، وقضى أن لا يدعى ولدها لأب ، ولا يرمى ولدها ، ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد ، وقضى أن لا بيت لها عليه ولا قوت لها من أجل أن يفترقا من غير طلاق ولا متوفى عنها ، وقال «إن جاءت به أصيهب أريشح حمش الساقين ، فهو لهلال ، وإن جاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الأليتين ، فهو الذي رميت به فجاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الأليتين ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لو لا الايمان لكان لي ولها شأن» قال عكرمة : فكان بعد ذلك أميرا على مصر ، وكان يدعى لأمه ولا يدعى لأب. ورواه أبو داود (١) عن الحسن بن علي عن يزيد بن هارون به نحوه مختصرا.

ولهذا الحديث شواهد كثيرة في الصحاح وغيرها من وجوه كثيرة ، فمنها ما قال البخاري (٢) : حدثني محمد بن بشار ، حدثنا ابن أبي عدي عن هشام بن حسان ، حدثني عكرمة عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم بشريك ابن سحماء ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «البينة أو حد في ظهرك» فقال : يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة؟ فجعل النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول «البينة وإلا حد في ظهرك» فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد ، فنزل جبريل وأنزل عليه (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ ـ فقرأ حتى بلغ ـ إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فانصرف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فأرسل إليهما ، فجاء هلال فشهد والنبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول «إن الله يعلم أن أحدكما كاذب ، فهل منكما تائب؟» ثم قامت فشهدت ، فلما كان في الخامسة وقفوها وقالوا : إنها موجبة ، قال ابن عباس : فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أبصروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الآليتين خدلج الساقين ، فهو لشريك ابن سحماء» فجاءت به كذلك ، فقال النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لو لا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن» انفرد به البخاري من هذا الوجه ، وقد رواه من غير وجه عن ابن عباس وغيره.

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن منصور الزيادي ، حدثنا يونس بن محمد ، حدثا صالح وهو ابن عمر ، حدثنا عاصم يعني ابن كليب عن أبيه ، حدثني ابن عباس قال : جاء رجل الى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فرمى امرأته برجل ، فكره ذلك رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فلم يزل يردده حتى أنزل الله

__________________

(١) كتاب الطلاق باب ٢٧.

(٢) كتاب التفسير ، تفسير سورة ٢٤ ، باب ١ ، ٣.

١٣

تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ) فقرأ حتى فرغ من الآيتين ، فأرسل إليهما فدعاهما فقال : «إن الله تعالى قد أنزل فيكما» فدعا الرجل فقرأ عليه ، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ، ثم أمر به فأمسك على فيه فوعظه ، فقال له «كل شيء أهون عليه من لعنة الله» ثم أرسله فقال «لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين» ثم دعاها فقرأ عليها ، فشهدت أربع شهادات بالله إنه من الكاذبين ، ثم أمر فأمسك على فيها فوعظها وقال : «ويحك كل شيء أهون من غضب الله» ثم أرسلها فقالت : غضب الله عليها إن كان من الصادقين. فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أما والله لأقضين بينكما قضاء فصلا» قال : فولدت فما رأيت مولودا بالمدينة أكثر غاشية منه ، فقال «إن جاءت به لكذا وكذا فهو كذا ، وإن جاءت به لكذا وكذا فهو كذا» فجاءت به يشبه الذي قذفت به.

وقال الإمام أحمد (١) : حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان قال : سمعت سعيد بن جبير قال : سئلت عن المتلاعنين أيفرق بينهما في إمارة ابن الزبير ، فما دريت ما أقول ، فقمت من مكاني إلى منزل ابن عمر فقلت : يا أبا عبد الرحمن ، المتلاعنان أيفرق بينهما؟ فقال : سبحان الله إن أول من سأل عن ذلك فلان بن فلان ، فقال : يا رسول الله أرأيت الرجل يرى امرأته على فاحشة فإن تكلم تكلم بأمر عظيم وإن سكت سكت على مثل ذلك فسكت فلم يجبه ، فلما كان بعد ذلك أتاه فقال : الذي سألتك عنه قد ابتليت به ، فأنزل الله تعالى هذه الآيات في سورة النور (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ) حتى بلغ (أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْها إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ) فبدأ بالرجل فوعظه وذكره ، وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فقال : والذي بعثك بالحق ما كذبتك ، ثم ثنى بالمرأة فوعظها وذكرها ، وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة. فقالت المرأة : والذي بعثك بالحق إنه لكاذب ، قال : فبدأ بالرجل ، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ، ثم ثنى بالمرأة ، فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ، ثم فرق بينهما (٢) ، رواه النسائي في التفسير من حديث عبد الملك بن أبي سليمان به ، وأخرجاه في الصحيحين من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس.

وقال الإمام أحمد (٣) : حدثنا يحيى بن حماد ، حدثنا أبو عوانة عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال : كنا جلوسا عشية الجمعة في المسجد ، فقال رجل من الأنصار : أحدنا إذا رأى مع امرأته رجلا إن قتله قتلتموه ، وإن تكلم جلدتموه ، وإن سكت سكت على غيظ ،

__________________

(١) المسند ٢ / ١٩.

(٢) أخرجه البخاري في الطلاق باب ٢٥ ، ومسلم في الطلاق حديث ٤ ، ١٠.

(٣) المسند ١ / ٤٢١ ، ٤٢٢.

١٤

والله لئن أصبحت صالحا لأسألن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قال : فسأله ، فقال : يا رسول الله إن أحدنا إذا رأى مع امرأته رجلا فقتل قتلتموه ، وإن تكلم جلدتموه ، وإن سكت سكت على غيظ ، اللهم احكم ، قال : فأنزلت آية اللعان ، فكان ذلك الرجل أول من ابتلي به. انفرد بإخراجه مسلم (١) ، فرواه من طرق عن سليمان بن مهران الأعمش به.

وقال الإمام أحمد (٢) أيضا : حدثنا أبو كامل ، حدثنا إبراهيم بن سعد ، حدثنا ابن شهاب عن سهل بن سعد قال : جاء عويمر إلى عاصم بن عدي فقال له : سل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أرأيت رجلا وجد رجلا مع امرأته فقتله أيقتل به ، أم كيف يصنع؟ فسأل عاصم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فعاب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم المسائل ، قال : فلقيه عويمر فقال : ما صنعت؟ قال : ما صنعت إنك لم تأتني بخير ، سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فعاب المسائل ، فقال عويمر : والله لآتين رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فلأسألنه. فآتاه فوجده قد أنزل عليه فيهما قال : فدعا بهما فلاعن بينهما. قال عويمر : لئن انطلقت بها يا رسول الله لقد كذبت عليها. قال : ففارقها قبل أن يأمره رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم فصارت سنة المتلاعنين ، وقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أبصروها فإن جاءت به أسحم أدعج العينين ، عظيم الأليتين ، فلا أراه إلا قد صدق ، وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة ، فلا أراه إلا كاذبا» فجاءت به على النعت المكروه (٣). أخرجاه في الصحيحين وبقية الجماعة إلا الترمذي من طرق عن الزهري به.

وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا إسحاق بن الضيف ، حدثنا النضر بن شميل ، حدثنا يونس بن أبي إسحاق عن أبيه عن زيد بن يثيع عن حذيفة رضي الله عنه قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبي بكر «لو رأيت مع أم رومان رجلا ما كنت فاعلا به؟» قال : كنت والله فاعلا به شرا ، قال «فأنت يا عمر؟» قال : كنت والله فاعلا ، كنت أقول : لعن الله الأعجز فإنه خبيث. قال : فنزلت (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ) ثم قال : لا نعلم أحدا أسنده إلا النضر بن شميل عن يونس بن إسحاق ، ثم رواه من حديث الثوري عن ابن أبي إسحاق عن زيد بن يثيع مرسلا ، فالله أعلم.

وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا مسلم بن أبي مسلم الجرمي ، حدثنا مخلد بن الحسين عن هشام عن ابن سيرين عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : لأول لعان كان في الإسلام أن شريك ابن سحماء قذفه هلال بن أمية بامرأته ، فرفعه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «أربعة شهود ، وإلا فحد في ظهرك» فقال : يا رسول الله إن الله يعلم إني لصادق ، ولينزلن الله

__________________

(١) كتاب اللعان حديث ١٠.

(٢) المسند ٥ / ٣٣٤.

(٣) أخرجه البخاري في تفسير سورة ٢٤ ، باب ١ ، ومسلم في اللعان حديث ١٢ ، وأبو داود في الطلاق باب ٢٧ ، وابن ماجة في الطلاق باب ٢٧.

١٥

عليك ما يبرئ به ظهري من الجلد ، فأنزل الله آية اللعان (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ) إلى أخر الآية ، قال : فدعاه النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال «اشهد بالله إنك لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا» فشهد بذلك أربع شهادات.

ثم قال له في الخامسة «ولعنة الله عليك إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنا» ففعل ، ثم دعاها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال «قومي فاشهدي بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماك به من الزنا» فشهدت بذلك أربع شهادات ، ثم قال لها في الخامسة وغضب الله عليك إن كان من الصادقين فيما رماك به من الزنا» قال : فلما كانت الرابعة أو الخامسة ، سكتت سكتة حتى ظنوا أنها ستعترف ، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم ، فمضت على القول ، ففرق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بينهما ، وقال «انظروا فإن جاءت به جعدا حمش الساقين ، فهو لشريك ابن سحماء ، وإن جاءت به أبيض سبطا قضي العينين ، فهو لهلال بن أمية» فجاءت به جعدا حمش الساقين ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم «لو لا ما نزل فيهما من كتاب الله لكان لي ولها شأن».

(إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١١)

هذه العشر آيات كلها نزلت في شأن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها حين رماها أهل الإفك والبهتان من المنافقين بما قالوه من الكذب البحت والفرية التي غار الله عزوجل لها ولنبيه صلوات الله وسلامه عليه ، فأنزل الله تعالى براءتها صيانة لعرض رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) أي جماعة منكم يعني ما هو واحد ولا اثنان بل جماعة ، فكان المقدم في هذه اللعنة عبد الله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين ، فإنه كان يجمعه ويستوشيه ، حتى دخل ذلك في أذهان بعض المسلمين فتكلموا به ، وجوزه آخرون منهم ، وبقي الأمر كذلك قريبا من شهر حتى نزل القرآن ، وسياق ذلك في الأحاديث الصحيحة.

قال الإمام أحمد (١) : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر عن الزهري قال : أخبرني سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن حديث عائشة زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين قال لها أهل الإفك ما قالوا ، فبرأها الله تعالى ، وكلهم قد حدثني بطائفة من حديثها ، وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأثبت لها اقتصاصا ، وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة وبعض حديثهم يصدق بعضا ، ذكروا أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قالت : كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إذا أراد أن يخرج لسفر أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها ، خرج بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم معه ، قالت عائشة رضي الله عنها : فأقرع بيننا في غزوة غزاها ، فخرج فيها سهمي ، وخرجت مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وذلك بعد ما

__________________

(١) المسند ٦ / ١٩٤ ـ ١٩٧.

١٦

أنزل الحجاب ، فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه ، مسيرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من غزوة وقفل ودنونا من المدينة ، آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذن بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش ، فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فلمست صدري ، فإذا عقد لي من جزع ظفار (١) قد انقطع ، فرجعت فالتمست عقدي ، فحبسني ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلونني فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركبه ، وهم يحسبون أني فيه.

قالت : وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلن ولم يغشهن اللحم ، إنما يأكلن العلقة من الطعام ، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه ، وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل وساروا ووجدت عقدي بعد ما استمر الجيش ، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب ، فتيممت منزلي الذي كنت فيه ، وظننت أن القوم سيفقدونني فيرجعون إلي ، فبينا أنا جالسة في منزلي غلبتني عيناي فنمت ، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس من وراء الجيش ، فأدلج (٢) فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم ، فأتاني فعرفني حين رآني ، وقد كان يراني قبل الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه (٣) حين عرفني ، فخمرت وجهي بجلبابي ، والله ما كلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته ، فوطئ على يدها فركبتها ، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة (٤) ، فهلك من هلك في شأني.

وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي ابن سلول ، فقدمنا المدينة فاشتكيت حين قدمناها شهرا والناس يفيضون في قول أهل الإفك ، ولا أشعر بشيء من ذلك ، وهو يريبني في وجعي أني لا أرى من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم اللطف الذي أرى منه حين أشتكي ، إنما يدخل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيسلم ثم يقول «كيف تيكم؟» فذلك الذي يريبني ولا أشعر بالشر حتى خرجت بعد ما نقهت (٥) ، وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع وهو متبرزنا ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل ، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه (٦) في البرية وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها في بيوتنا.

فانطلقت أنا وأم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف ، وأمها ابنة صخر بن

__________________

(١) الجزع : الخرز ، وظفار : مدينة باليمن.

(٢) أدلج : سار في آخر الليل.

(٣) استرجع : أن يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون.

(٤) يقال : وغرت الهاجرة وغرا ، وأوغر الرجل : إذا دخل في الهاجرة ، والهاجرة : وقت توسط الشمس السماء.

(٥) نقهت : أي أفقت وبرأت.

(٦) التنزه : التباعد ، أي كانوا يقضون الحاجة في مكان بعيد.

١٧

عامر خالة أبي بكر الصديق ، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب ، فأقبلت أنا وابنة أبي رهم أم مسطح قبل بيتي حين فرغنا من شأننا ، فعثرت أم مسطح في مرطها (١) ، فقالت : تعس مسطح ، فقلت لها : بئسما قلت تسبين رجلا شهد بدرا؟ فقالت : أي هنتاه (٢) ألم تسمعي ما قال؟ قلت : وماذا قال؟ قالت فأخبرتني بقول أهل الإفك ، فازددت مرضا إلى مرضي ، فلما رجعت إلى بيتي دخل عليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسلم ، ثم قال «كيف تيكم؟» فقلت له : أتأذن لي أن آتي أبوي؟ قالت : وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما ، فأذن لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث الناس به؟ فقالت : أي بنية هوني عليك ، فو الله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها. قالت : فقلت سبحان الله أو قد تحدث الناس بها ، فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقا (٣) لي دمع ولا أكتحل بنوم ، ثم أصبحت أبكي ، قالت : فدعا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي (٤) ويستشيرهما في فراق أهله ، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم في نفسه لهم من الود ، فقال أسامة : يا رسول الله هم أهلك ولا نعلم إلا خيرا. وأما علي بن أبي طالب فقال : يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير ، وإن تسأل الجارية تصدقك الخبر. قالت : فدعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم بريرة فقال «أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟» فقالت له بريرة : والذي بعثك بالحق إن رأيت منها أمرا قط أغمصه عليها (٥) أكثر من جارية حديثة السن ، تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن (٦) فتأكله.

فقام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم من يومه ، فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول ، قالت : فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو على المنبر «يا معشر المسلمين من يعذرني (٧) من رجل قد بلغني أذاه في أهلي ، فو الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا ، وما كان يدخل على أهلي إلا معي».

فقام سعد بن معاذ الأنصاري رضي الله عنه فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله إن كان من الأوس ضربنا عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا بأمرك ، قالت : فقام سعد بن

__________________

(١) المرط : الكساء.

(٢) أي هنتاه : أي : يا هذه ، أو يا بلهاء.

(٣) لا يرقأ : لا ينقطع.

(٤) استلبث الوحي : أي أبطأ وتأخر.

(٥) أغمصه عليها : أي أعيبها ، وأطعن به عليها.

(٦) الداجن : الشاة التي يعلفها الناس في منازلهم.

(٧) من يعذرني : أي من يلومني إذا كافأته بسوء صنيعه.

١٨

عبادة وهو سيد الخزرج وكان رجلا صالحا ، ولكن احتملته الحمية فقال لسعد بن معاذ : لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله ، فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ فقال لسعد بن عبادة : كذبت (!) لعمر الله لنقتلنه ، فإنك منافق تجادل عن المنافقين ، فتثاور الحيان : الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قائم على المنبر ، فلم يزل رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قالت : وبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي.

قال : فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي استأذنت عليّ امرأة من الأنصار ، فأذنت لها فجلست تبكي معي ، فبينا نحن على ذلك إذ دخل علينا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فسلم ثم جلس ، قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل ، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني شيء ، قالت : فتشهد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم حين جلس ، ثم قال «أما بعد يا عائشة فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله ثم توبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب ، تاب الله عليه» قالت : فلما قضى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مقالته ، قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة.

فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، فقال والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقلت لأمي أجيبي عني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، قالت : فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أحفظ كثيرا من القرآن ، والله لقد عرفت ، أنكم قد سمعتم بهذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به ، ولئن قلت لكم إني بريئة والله يعلم أني بريئة لا تصدقونني بذلك ، ولئن اعترفت بأمر والله يعلم أني بريئة لتصدقني ، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ) [يوسف : ١٨] قالت : ثم تحولت فاضطجعت على فراشي ، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله تعالى مبرئى ببراءتي ، ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله فيّ بأمر يتلى ، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها. قالت : فو الله ما رام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم مجلسه ولا خرج من أهل البيت أحد حتى أنزل الله تعالى على نبيه ، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق وهو في اليوم الشاتي من ثقل القول الذي أنزل عليه ، قالت : فلما سرّي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم وهو يضحك ، فكان أول كلمة تكلم بها أن قال «أبشري يا عائشة أما الله عزوجل فقد برأك» قالت : فقالت لي أمي : قومي إليه ، فقلت : والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله عزوجل هو الذي أنزل براءتي ، وأنزل الله عزوجل (إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) العشر آيات كلها ، فأنزل الله هذه الآيات في براءتي قالت : فقال أبو بكر رضي الله عنه وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره : والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ، فأنزل الله

١٩

تعالى (وَلا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى ـ إلى قوله ـ أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [النور : ٢٢] فقال أبو بكر : والله إني لأحب أن يغفر الله لي ، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه ، وقال : والله لا أنزعها منه أبدا.

قالت عائشة : وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم سأل زينب بنت جحش زوج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم عن أمري ، فقال «يا زينب ماذا علمت أو رأيت؟» فقالت : يا رسول الله أحمي سمعي وبصري ، والله ما علمت إلا خيرا ، قالت عائشة : وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم فعصمها الله تعالى بالورع. وطفقت أختها حمنة بنت جحش تحارب لها ، فهلكت فيمن هلك (١).

قال ابن شهاب : فهذا ما انتهى إلينا من أمر هؤلاء الرهط ، أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث الزهري ، وهكذا رواه ابن إسحاق (٢) عن الزهري ، كذلك قال : وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها ، وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري عن عمرة ، عن عائشة بنحو ما تقدم ، والله أعلم.

ثم قال البخاري (٣) : وقال أبو أسامة عن هشام بن عروة قال : أخبرني أبي عن عائشة رضي الله عنها قالت : لما ذكر من شأني الذي ذكر وما علمت به ، قام رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فيّ خطيبا ، فتشهد فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله. ثم قال : أما بعد أشيروا علي في أناس أبنوا أهلي (٤) ، وايم الله ما علمت على أهلي إلا خيرا ، وما علمت على أهلي من سوء وأبنوهم بمن والله ما علمت عليه من سوء قط ولا يدخل بيتي قط إلا وأنا حاضر ، ولا غبت في سفر إلا غاب معي.

فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : يا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ائذن لنا أن نضرب أعناقهم ، فقام رجل من الخزرج وكانت أم حسان بن ثابت من رهط ذلك الرجل ، فقال : كذبت أما والله لو كانوا من الأوس ما أحببت أن تضرب أعناقهم ، حتى كاد أن يكون بين الأوس والخزرج شر في المسجد وما علمت ، فلما كان مساء ذلك اليوم خرجت لبعض حاجتي ومعي أم مسطح ، فعثرت فقالت : تعس مسطح ، فقلت لها : أي أم أتسبين ابنك؟. فسكتت ، ثم عثرت الثانية فقالت : تعس مسطح فقلت لها أي أم تسبين ابنك؟ ثم عثرت الثالثة فقالت : تعس مسطح فانتهرتها ، فقالت : والله ما أسبه إلا فيك ، فقلت : في أي شأني؟

__________________

(١) أخرجه البخاري في الشهادات باب ١٥ ، والمغازي باب ٣٤ ، وتفسير سورة ١٢ ، باب ٣ ، وسورة ٢٤ ، باب ٥ ، والأيمان والنذور باب ١٨ ، والتوحيد باب ٣٥ ، ٥٢ ، ومسلم في فضائل الصحابة حديث ١٥٥ ، والتوبة حديث ٥٦ ، وأبو داود في الصلاة باب ١٢٢.

(٢) سيرة ابن هشام ٢ / ٢٩٧ ، ٣٠٧.

(٣) كتاب التفسير ، تفسير سورة ٢٤ ، باب ٦.

(٤) أبنوا أهل : أي اتهموا أهلي.

٢٠