تفسير القرآن العظيم - ج ٤

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي

تفسير القرآن العظيم - ج ٤

المؤلف:

أبي الفداء اسماعيل بن عمر ابن كثير الدمشقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: دار الكتب العلميّة
الطبعة: ١
ISBN الدورة:
2-7451-2221-5

الصفحات: ٥٤١

لا شريك له وهو الذي يتوفاكم كما أحياكم ثم إليه مرجعكم فإن كانت آلهتكم التي تدعون من دون الله حقا فأنا لا أعبدها فادعوها فلتضرني فإنها لا تضر ولا تنفع وإنما الذي بيده الضر والنفع هو الله وحده لا شريك له وأمرت أن أكون من المؤمنين وقوله : (وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً) الآية أي أخلص العبادة لله وحده حنيفا أي منحرفا عن الشرك ولهذا قال : (وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) وهو معطوف على قوله : (وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ).

وقوله (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ) الآية فيه بيان لأن الخير والشر والنفع والضر إنما هو راجع إلى الله تعالى وحده لا يشاركه في ذلك أحد فهو الذي يستحق العبادة وحده لا شريك له ، روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة صفوان بن سليم من طريق عبد الله بن وهب أخبرني يحيى بن أيوب عن عيسى بن موسى عن صفوان بن سليم عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «اطلبوا الخير دهركم كله وتعرضوا لنفحات ربكم ، فإن لله نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده ، واسألوه أن يستر عوراتكم ويؤمن روعاتكم» ثم رواه من طريق الليث عن عيسى بن موسى عن صفوان عن رجل من أشجع عن أبي هريرة مرفوعا بمثله سواء. وقوله (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) أي لمن تاب إليه وتوكل عليه ولو من أي ذنب كان حتى من الشرك به فإنه يتوب عليه.

(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (١٠٨) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) (١٠٩)

يقول تعالى أمرا لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يخبر الناس أن الذي جاءهم به من عند الله هو الحق الذي لا مرية فيه ولا شك فيه فمن اهتدى به واتبعه فإنما يعود نفع ذلك الاتباع على نفسه ، ومن ضل عنه فإنما يرجع وبال ذلك عليه (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) أي وما أنا موكل بكم حتى تكونوا مؤمنين وإنما أنا نذير لكم ، والهداية على الله تعالى وقوله : (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ) أي تمسك بما أنزل الله عليك وأوحاه إليك واصبر على مخالفة من خالفك من الناس (حَتَّى يَحْكُمَ اللهُ) أي يفتح بينك وبينهم (وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) أي خير الفاتحين بعدله وحكمته.

٢٦١

سورة هود

وهي مكية

قال الحافظ أبو يعلى حدثنا خلف بن هشام البزار حدثنا أبو الأحوص عن أبي إسحاق عن عكرمة قال : قال أبو بكر : سألت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ما شيبك؟ قال «شيبتني هود والواقعة وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت» وقال أبو عيسى الترمذي : حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا معاوية بن هشام عن شيبان عن أبي إسحاق عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال أبو بكر: يا رسول الله قد شبت قال «شيبتني هود والواقعة والمرسلات وعم يتساءلون وإذا الشمس كورت» (١) وفي رواية «هود وأخواتها».

وقال الطبراني حدثنا عبدان بن أحمد حدثنا حجاج بن الحسن حدثنا سعيد بن سلام حدثنا عمر بن محمد عن أبي حازم عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «شيبتني هود. وأخواتها : الواقعة والحاقة وإذا الشمس كورت» وفي رواية «هود وأخواتها» وقد روي من حديث ابن مسعود نحوه فقال الحافظ أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني في معجمه الكبير : حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة حدثنا أحمد بن طارق الرائشي حدثنا عمرو بن ثابت عن أبي إسحاق عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن أبا بكر قال : يا رسول الله ما شيبك؟ قال : «هود والواقعة». عمرو بن ثابت متروك وأبو إسحاق لم يدرك ابن مسعود والله أعلم.

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ (١) أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ (٢) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ (٣) إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (٤)

قد تقدم الكلام على حروف الهجاء في أول سورة البقرة بما أغنى عن إعادته هنا وبالله التوفيق.

وأما قوله : (أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ) أي هي محكمة في لفظها مفصلة في معناها فهو. كامل صورة ومعنى ، هذا معنى ما روي عن مجاهد وقتادة واختاره ابن جرير ومعنى قوله (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) أي من عند الله الحكيم في أقواله وأحكامه خبير بعواقب الأمور (أَلَّا تَعْبُدُوا

__________________

(١) أخرجه الترمذي في تفسير سورة ٥٦ ، باب ٦.

٢٦٢

إِلَّا اللهَ) أي نزل هذا القرآن المحكم المفصل لعبادة الله وحده لا شريك له كقوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) [الأنبياء : ٢٥] وقال (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل : ٣٦].

وقوله (إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ) أي إني لكم نذير من العذاب إن خالفتموه ، وبشير بالثواب إن أطعتموه كما جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صعد الصفا فدعا بطون قريش الأقرب ثم الأقرب فاجتمعوا فقال : «يا معشر قريش أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلا تصبحكم ألستم مصدقي؟» فقالوا : ما جربنا عليك كذبا قال : فإني (نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ) (١) [سبأ : ٤٦].

وقوله : (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) أي وآمركم بالاستغفار من الذنوب السالفة والتوبة منها إلى الله عزوجل فيما تستقبلونه ، وأن تستمروا على ذلك (يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً) أي في الدنيا (إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) أي في الدار الآخرة قاله قتادة كقوله : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً) [النحل : ٩٧] الآية.

وقد جاء في الصحيح أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال لسعد «وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى ما تجعل في فيّ امرأتك» (٢) وقال ابن جرير : حدثني المسيب بن شريك عن أبي بكر عن سعيد بن جبير عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله : (وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) قال من عمل سيئة كتبت عليه سيئة ومن عمل حسنة كتبت له عشر حسنات فإن عوقب بالسيئة التي كان عملها في الدنيا بقيت له عشر حسنات وإن لم يعاقب بها في الدنيا أخذ من الحسنات العشر واحدة وبقيت له تسع حسنات ، ثم يقول هلك من غلب آحاده على أعشاره.

وقوله : (وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) هذا تهديد شديد لمن تولى عن أوامر الله تعالى وكذب رسله فإن العذاب يناله يوم القيامة لا محالة (إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ) أي معادكم يوم القيامة (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) أي هو القادر على ما يشاء من إحسانه إلى أوليائه وانتقامه من أعدائه ، وإعادة الخلائق يوم القيامة ، وهذا مقام الترهيب كما أن الأول مقام ترغيب.

(أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٥)

قال ابن عباس كانوا يكرهون أن يستقبلوا السماء بفروجهم وحال وقاعهم فأنزل الله هذه

__________________

(١) أخرجه البخاري في تفسير سورة ١١١ ، باب ١ ، وسورة ٢٦ ، باب ٢ ، ومسلم في الإيمان حديث ٣٥٥.

(٢) أخرجه البخاري في الإيمان باب ٤١ ، ومسلم في الوصية حديث ٥.

٢٦٣

الآية ، رواه البخاري (١) من طريق ابن جريج عن محمد بن عباد بن جعفر أن ابن عباس قرأ (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ) الآية فقلت : يا أبا العباس ما تثنوني صدورهم؟ قال : الرجل كان يجامع امرأته فيستحي أو يتخلى فيستحي فنزلت : (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ). وفي لفظ آخر له قال ابن عباس : أناس كانوا يستحيون أن يتخلوا فيفضوا إلى السماء وأن يجامعوا نساءهم فيفضوا إلى السماء فنزل ذلك فيهم ثم قال : حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمرو قال قرأ ابن عباس : (أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ).

قال البخاري (٢) وقال غيره عن ابن عباس (يَسْتَغْشُونَ) يغطون رؤوسهم ، وقال ابن عباس في رواية أخرى في تفسير هذه الآية : يعني به الشك في الله وعمل السيئات وكذا روي عن مجاهد والحسن وغيرهم أي أنهم كانوا يثنون صدورهم إذا قالوا شيئا أو عملوه فيظنون أنهم يستخفون من الله بذلك فأخبرهم الله تعالى أنهم حين يستغشون ثيابهم عند منامهم في ظلمة الليل (يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ) من القول (وَما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) أي يعلم ما تكن صدورهم من النيات والضمائر والسرائر ، وما أحسن ما قال زهير بن أبي سلمى في معلقته المشهورة : [البسيط]

فلا تكتمنّ الله ما في قلوبكم

ليخفى ومهما يكتم الله يعلم (٣)

يؤخّر فيوضع في كتاب فيدخر

ليوم حساب أو يعجّل فينقم

فقد اعترف هذا الشاعر الجاهلي بوجود الصانع وعلمه بالجزئيات وبالمعاد وبالجزاء وبكتابة الأعمال في الصحف ليوم القيامة ، وقال عبد الله بن شداد : كان أحدهم إذا مر برسول الله ثنى عنه صدره وغطى رأسه فأنزل الله ذلك ، وعود الضمير إلى الله أولى لقوله : (أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيابَهُمْ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَما يُعْلِنُونَ) وقرأ ابن عباس ألا إنهم تثنوني صدورهم برفع الصدور على الفاعلية وهو قريب المعنى.

(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللهِ رِزْقُها وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها وَمُسْتَوْدَعَها كُلٌّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ) (٦)

أخبر تعالى أنه متكفل بأرزاق المخلوقات من سائر دواب الأرض صغيرها وكبيرها بحريها وبريها وأنه يعلم مستقرها ومستودعها أي يعلم أين منتهى سيرها في الأرض وأين تأوي إليه من وكرها وهو مستودعها ، وقال علي بن أبي طلحة وغيره عن ابن عباس (وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّها) أي حيث تأوي (وَمُسْتَوْدَعَها) حيث تموت (٤) ، وعن مجاهد (مُسْتَقَرَّها) في الرحم

__________________

(١) كتاب التفسير ، تفسير سورة ١١ ، باب ١.

(٢) راجع الحاشية السابقة.

(٣) البيتان في ديوان زهير بن أبي سلمى ص ١٨ ، والبيت الأول في تاج العروس (كتم)

(٤) انظر تفسير الطبري ٧ / ٣ ، ٤.

٢٦٤

(وَمُسْتَوْدَعَها) في الصلب كالتي في الأنعام (١) ، وكذا روي عن ابن عباس والضحاك وجماعة.

وذكر ابن أبي حاتم أقوال المفسرين هاهنا كما ذكره عند تلك الآية فالله أعلم. وأن جميع ذلك مكتوب في كتاب عند الله مبين عن جميع ذلك كقوله : (وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) [الأنعام : ٣٨] وقوله : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ مُبِينٍ) [الأنعام : ٥٩].

(وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (٧) وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٨)

يخبر تعالى عن قدرته على كل شيء وأنه خلق السموات والأرض في ستة أيام وأن عرشه كان على الماء قبل ذلك كما قال الإمام أحمد (٢) : حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن جامع بن شداد عن صفوان بن محرز عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «اقبلوا البشرى يا بني تميم» قالوا : قد بشرتنا ، فأعطنا ، قال : «اقبلوا البشرى يا أهل اليمن قالوا : قد قبلنا. فأخبرنا عن أول هذا الأمر كيف كان؟ قال : «كان الله قبل كل شيء ، وكان عرشه على الماء ، وكتب في اللوح المحفوظ ذكر كل شيء» قال : فأتاني آت فقال : يا عمران انحلت ناقتك من عقالها ، قال : فخرجت في إثرها فلا أدري ما كان بعدي ، وهذا الحديث مخرج في صحيحي البخاري ومسلم بألفاظ كثيرة فمنها قالوا : جئناك نسألك عن أول هذا الأمر فقال : «كان الله ولم يكن شيء قبله وفي رواية ـ غيره ـ وفي رواية ـ معه ـ وكان عرشه على الماء وكتب في الذكر كل شيء ، ثم خلق السموات والأرض (٣).

وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم : «إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء» (٤) وقال البخاري في تفسير هذه الآية : حدثنا أبو اليمان أخبرنا شعيب أخبرنا أبو الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «قال الله عزوجل أنفق أنفق عليك» وقال : «يد الله ملأى لا يغيضها نفقة ، سحاء الليل والنهار» وقال : «أفرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات

__________________

(١) انظر تفسير الطبري ٧ / ٤.

(٢) المسند ٤ / ٤٣١ ، ٤٣٢.

(٣) أخرجه البخاري في بدء الخلق باب ١.

(٤) أخرجه مسلم في القدر حديث ١٦.

٢٦٥

والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه وكان عرشه على الماء ، وبيده الميزان يخفض ويرفع» (١).

وقال الإمام أحمد (٢) : حدثنا يزيد بن هارون أخبرنا حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن عدس عن عمه أبي رزين واسمه لقيط بن عامر بن المنتفق العقيلي قال : قلت : يا رسول الله أين كان ربنا قبل أن يخلق خلقه قال : «كان في عماء ما تحته هواء وما فوقه هواء ، ثم خلق العرش بعد ذلك» (٣) وقد رواه الترمذي في التفسير وابن ماجة في السنن من حديث يزيد بن هارون به وقال الترمذي : هذا حديث حسن.

وقال مجاهد (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) قبل أن يخلق شيئا ، وكذا قال وهب بن منبه وضمرة وقتادة وابن جرير وغير واحد ، وقال قتادة في قوله (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) ينبئكم كيف كان بدء خلقه قبل أن يخلق السموات والأرض ، وقال الربيع بن أنس (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) فلما خلق السموات والأرض قسم ذلك الماء قسمين فجعل نصفا تحت العرش وهو البحر المسجور.

وقال ابن عباس : إنما سمي العرش عرشا لارتفاعه ، وقال إسماعيل بن أبي خالد سمعت سعدا الطائي يقول : العرش ياقوتة حمراء ، وقال محمد بن إسحاق في قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) فكان كما وصف نفسه تعالى إذ ليس إلا الماء وعليه العرش وعلى العرش ذو الجلال والإكرام ، والعزة والسلطان ، والملك والقدرة ، والحلم والعلم ، والرحمة والنعمة الفعال لما يريد.

وقال الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير قال : سئل ابن عباس عن قول الله: (وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ) على أي شيء كان الماء؟ قال على متن الريح ، وقوله تعالى : (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) أي خلق السموات والأرض لنفع عباده الذين خلقهم ليعبدوه ولا يشركوا به شيئا ولم يخلق ذلك عبثا كقوله (وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ) [ص : ٢٧] وقال تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ) [المؤمنون : ١١٥ ـ ١١٦] وقال تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات : ٥٦] الآية وقوله (لِيَبْلُوَكُمْ) أي ليختبركم (أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) ولم يقل أكثر عملا ، بل أحسن عملا ولا يكون العمل حسنا حتى يكون خالصا لله عزوجل على شريعة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فمتى فقد العمل واحدا من هذين الشرطين حبط وبطل.

__________________

(١) أخرجه البخاري في تفسير سورة ١١ ، باب ٢.

(٢) المسند ٤ / ١١ ، ١٢.

(٣) أخرجه الترمذي في تفسير سورة ١١ ، باب ١ ، وابن ماجة في المقدمة باب ١٣.

٢٦٦

وقوله : (وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ) الآية يقول تعالى ولئن أخبرت يا محمد هؤلاء المشركين أن الله سيبعثهم بعد مماتهم كما بدأهم مع أنهم يعلمون أن الله تعالى هو الذي خلق السموات والأرض كما قال تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [الزخرف : ٨٧] (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللهُ) [العنكبوت : ٦١] وهم مع هذا ينكرون البعث والمعاد يوم القيامة الذي هو بالنسبة إلى القدرة أهون من البداءة كما قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) [الروم: ٢٧] وقال تعالى : (ما خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ واحِدَةٍ) [لقمان : ٢٨] وقولهم : (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ) أي يقولون كفرا وعنادا ما نصدقك على وقوع البعث ، وما يذكر ذلك إلا من سحرته فهو يتبعك على ما تقول.

وقوله : (وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ) الآية. يقول تعالى ولئن أخرنا العذاب والمؤاخذة عن هؤلاء المشركين إلى أجل معدود وأمد محصور وأوعدناهم إلى مدة مضروبة ليقولن تكذيبا واستعجالا ، ما يحبسه أي يؤخر هذا العذاب عنا فإن سجاياهم قد ألفت التكذيب والشك فلم يبق لهم محيص عنه ولا محيد والأمة تستعمل في القرآن والسنة في معان متعددة فيراد بها الأمد كقوله في هذه الآية (إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ).

وقوله في يوسف : (وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ) [يوسف : ٤٥] وتستعمل في الإمام المقتدى به كقوله : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [النحل : ١٢٠] وتستعمل في الملة والدين كقوله إخبارا عن المشركين إنهم قالوا : (إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) [الزخرف : ٢٣] وتستعمل في الجماعة كقوله : (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ) [القصص : ٢٣] وقوله : (وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) [النحل : ٣٦] وقال تعالى : (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) [يونس : ٤٧].

والمراد من الأمة هاهنا الذين يبعث فيهم الرسول مؤمنهم وكافرهم كما في صحيح مسلم «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار» (١) وأما أمة الأتباع فهم المصدقون للرسل كما قال تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) وفي الصحيح «فأقول أمتي أمتي» وتستعمل الأمة في الفرقة والطائفة كقوله تعالى : (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) [الأعراف : ١٥٩] وكقوله : (مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ) [آل عمران : ١١٣] الآية.

(وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ (٩) وَلَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ

__________________

(١) أخرجه مسلم في الإيمان حديث ٢٤٠.

٢٦٧

بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ (١٠) إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) (١١)

يخبر تعالى عن الإنسان وما فيه من الصفات الذميمة إلا من رحم الله من عباده المؤمنين أنه إذا أصابته شدة بعد نعمة حصل له يأس وقنوط من الخير بالنسبة إلى المستقبل وكفر وجحود لماضي الحال كأنه لم ير خيرا ولم يرج بعد ذلك فرجا. وهكذا إن أصابته نعمة بعد نقمة (لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي) أي يقول : ما ينالني بعد هذا ضيم ولا سوء (إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ) أي فرح بما في يده بطر فخور على غيره ، قال الله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) أي على الشدائد والمكاره (وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) أي في الرخاء والعافية (أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ) أي بما يصيبهم من الضراء (وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) بما أسلفوه في زمن الرخاء كما جاء في الحديث «والذي نفسي بيده لا يصيب المؤمن هم ولا غم ولا نصب ولا وصب ولا حزن حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله عنه بها من خطاياه» (١) وفي الصحيحين «والذي نفسي بيده لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له إن أصابته سراء فشكر كان خيرا له ، وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له ، وليس ذلك لأحد غير المؤمن» (٢) ولهذا قال الله تعالى : (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ) [العصر : ١ ـ ٣] وقال تعالى : (إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً) [المعارج : ١٩] الآيات.

(فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٢) أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (١٣) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللهِ وَأَنْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (١٤)

يقول تعالى مسليا لرسوله صلى‌الله‌عليه‌وسلم عما كان يتعنت به المشركون فيما كانوا يقولونه عن الرسول كما أخبر تعالى عنهم في قوله : (وَقالُوا ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْواقِ لَوْ لا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيراً أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَقالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً) [الفرقان : ٧ ـ ٨] فأمر الله تعالى رسوله صلوات الله وسلامه عليه وأرشده إلى أن لا يضيق بذلك منهم صدره ولا يصدنه ذلك ولا يثنينه عن دعائهم إلى الله عزوجل آناء الليل وأطراف النهار كما قال تعالى : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ) [الحجر : ٩٨] الآية ، وقال هاهنا (فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا) أي لقولهم ذلك فإنما أنت نذير ولك أسوة بإخوانك من الرسل قبلك فإنهم كذبوا

__________________

(١) أخرجه أحمد في المسند ٣ / ٤.

(٢) أخرجه مسلم في الزهد حديث ٦٤.

٢٦٨

وأوذوا فصبروا حتى أتاهم نصر الله عزوجل.

ثم بين تعالى إعجاز القرآن وأنه لا يستطيع أحد أن يأتي بمثله ولا بعشر سور مثله ولا بسورة من مثله لأن كلام الرب تعالى لا يشبه كلام المخلوقين كما أن صفاته لا تشبه صفات المحدثات. وذاته لا يشبهها شيء تعالى وتقدس وتنزه لا إله إلا هو ولا رب سواه ثم قال تعالى : (فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ) فإن لم يأتوا بمعارضة ما دعوتموهم إليه فاعلموا أنهم عاجزون عن ذلك وأن هذا الكلام منزل من عند الله متضمن علمه وأمره ونهيه (وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ).

(مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ(١٥) أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١٦)

قال العوفي عن ابن عباس في هذه الآية : إن أهل الرياء يعطون بحسناتهم في الدنيا وذلك أنهم لا يظلمون نقيرا يقول من عمل صالحا التماس الدنيا صوما أو صلاة أو تهجدا بالليل لا يعمله إلا التماس الدنيا يقول الله تعالى : أوفيه الذي التمس في الدنيا من المثابة وحبط عمله الذي كان يعمله لالتماس الدنيا وهو في الآخرة من الخاسرين : وهكذا روي عن مجاهد والضحاك وغير واحد ، وقال أنس بن مالك والحسن : نزلت في اليهود والنصارى ، وقال مجاهد وغيره : نزلت في أهل الرياء ، وقال قتادة : من كانت الدنيا همه ونيته وطلبته جازاه الله بحسناته في الدنيا ثم يفضي إلى الآخرة وليس له حسنة يعطى بها جزاء وأما المؤمن فيجازى بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة (١) ، وقد ورد في الحديث المرفوع نحو من هذا.

وقال تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً وَمَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَسَعى لَها سَعْيَها وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً كُلًّا نُمِدُّ هؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً) [الإسراء : ١٨ ـ ٢١] وقال تعالى : (مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) [الشورى : ٢٠].

(أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ

__________________

(١) انظر الحديث في تفسير الطبري ٧ / ١٤ ، ولفظه : «من كانت الدنيا همّه وسدمه وطلبته ونيته» ، والسّدم: الولوع بالشيء واللهج به ، والغم بطلبه والندم على فوته ، وقد أخرجه بلفظ الطبري الدارمي في المقدمة باب ٣٢.

٢٦٩

أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) (١٧)

يخبر تعالى عن حال المؤمنين الذين هم على فطرة الله تعالى التي فطر عليها عباده من الاعتراف له بأنه لا إله إلا هو كما قال تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها) [الروم : ٣٠] الآية وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وسلم : «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء؟» (١) الحديث. وفي صحيح مسلم عن عياض بن حماد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يقول الله تعالى إني خلقت عبادي حنفاء فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم ، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا» (٢) وفي المسند والسنن «كل مولود يولد على هذه الملة حتى يعرب عنه لسانه» (٣) الحديث ، فالمؤمن باق على هذه الفطرة.

وقوله : (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) أي وجاءه شاهد من الله وهو ما أوحاه إلى الأنبياء من الشرائع المطهرة المكملة المعظمة المختتمة بشريعة محمد صلوات الله وسلامه عليه وعليهم أجمعين. ولهذا قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وأبو العالية والضحاك وإبراهيم النخعي والسدي وغير واحد في قوله تعالى : (وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) : إنه جبريل عليه‌السلام.

وعن علي رضي الله عنه والحسن وقتادة هو محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم وكلاهما قريب في المعنى لأن كلا من جبريل ومحمد صلوات الله عليهما بلغ رسالة الله تعالى فجبريل إلى محمد ومحمد إلى الأمة ، وقيل هو عليّ وهو ضعيف لا يثبت له قائل والأول والثاني هو الحق ، وذلك أن المؤمن عنده من الفطرة ما يشهد للشريعة من حيث الجملة والتفاصيل تؤخذ من الشريعة والفطرة تصدقها وتؤمن بها ، ولهذا قال تعالى : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ) وهو القرآن بلغه جبريل إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وبلغه النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلى أمته.

ثم قال تعالى : (وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى) أي ومن قبل القرآن كتاب موسى وهو التوراة (إِماماً وَرَحْمَةً) أي أنزله الله تعالى إلى تلك الأمة إماما لهم وقدوة يقتدون بها ورحمة من الله بهم فمن آمن بها حق الإيمان قاده ذلك إلى الإيمان بالقرآن ، ولهذا قال تعالى : (أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ).

ثم قال تعالى متوعدا لمن كذب بالقرآن أو بشيء منه : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) أي ومن كفر بالقرآن من سائر أهل الأرض مشركهم وكافرهم وأهل الكتاب وغيرهم

__________________

(١) أخرجه البخاري في الجنائز باب ٧٩ ، ومسلم في القدر حديث ٢٢ ، ٢٤.

(٢) أخرجه مسلم في الجنة حديث ٦٣.

(٣) أخرجه أحمد في المسند ٣ / ٣٥٣ ، ٤٣٥ ، ٤ / ٢٤.

٢٧٠

من سائر طوائف بني آدم على اختلاف ألوانهم وأشكالهم وأجناسهم ممن بلغه القرآن كما قال تعالى: (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) [الأنعام : ١٩] وقال تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) [الأعراف : ١٥٨] وقال تعالى : (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) [هود : ١٧].

وفي صحيح مسلم من حديث شعبة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار» (١) وقال أيوب السختياني عن سعيد بن جبير قال : كنت لا أسمع بحديث عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم على وجهه إلا وجدت مصداقه أو قال تصديقه في القرآن فبلغني أن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني فلا يؤمن بي إلا دخل النار» فجعلت أقول أين مصداقه في كتاب الله؟ قال وقلما سمعت عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم إلا وجدت له تصديقا في القرآن حتى وجدت هذه الآية (وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ) قال من الملل كلها.

وقوله (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) الآية ، أي القرآن حق من الله لا مرية ولا شك فيه كما قال تعالى : (الم تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) [السجدة : ١ ـ ٢] وقال تعالى : (الم ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ) [البقرة : ١ ـ ٢] وقوله : (وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ) كقوله تعالى : (وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ) [يوسف : ١٠٣] وقال تعالى : (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) [الأنعام : ١١٦] وقال تعالى : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [سبأ : ٢٠].

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أُولئِكَ يُعْرَضُونَ عَلى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (١٨) الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ (١٩) أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَما كانُوا يُبْصِرُونَ (٢٠) أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ (٢١) لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) (٢٢)

يبين تعالى حال المفترين عليه وفضيحتهم في الدار الآخرة على رؤوس الخلائق من الملائكة والرسل والأنبياء وسائر البشر والجان كما قال الإمام أحمد (٢) حدثنا بهز وعفان أخبرنا همام حدثنا قتادة عن صفوان بن محرز قال : كنت آخذا بيد ابن عمر إذ عرض له رجل قال :

__________________

(١) أخرجه مسلم في الإيمان حديث ٢٤٠.

(٢) المسند ٢ / ٧٤ ، ١٠٥.

٢٧١

كيف سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم يقول في النجوى يوم القيامة؟ قال : سمعته يقول : «إن الله عزوجل يدني المؤمن فيضع عليه كنفه (١) ويستره من الناس ويقرره بذنوبه ويقول له : أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه قد هلك قال : فإني قد سترتها عليك في الدنيا وإني أغفرها لك اليوم» ثم يعطى كتاب حسناته ، وأما الكفار والمنافقون فيقول : (الْأَشْهادُ هؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلى رَبِّهِمْ أَلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (٢) الآية أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث قتادة به.

وقوله : (الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَيَبْغُونَها عِوَجاً) أي يردون الناس عن اتباع الحق وسلوك طريق الهدى الموصلة إلى الله عزوجل ويجنبونهم الجنة (وَيَبْغُونَها عِوَجاً) أي ويريدون أن يكون طريقهم عوجا غير معتدلة (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) أي جاحدون بها مكذبون بوقوعها وكونها (أُولئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَما كانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ أَوْلِياءَ) أي بل كانوا تحت قهره وغلبته وفي قبضته وسلطانه وهو قادر على الانتقام منهم في الدار الدنيا قبل الآخرة (إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ).

وفي الصحيحين «إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته» (٣) ولهذا قال تعالى : (يُضاعَفُ لَهُمُ الْعَذابُ) الآية أي يضاعف عليهم العذاب ، وذلك أن الله تعالى جعل لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم بل كانوا صما عن سماع الحق عميا عن اتباعه كما أخبر تعالى عنهم حين دخولهم النار كقوله : (وَقالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ ما كُنَّا فِي أَصْحابِ السَّعِيرِ) [الملك : ١٠].

وقال تعالى : (الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ) [النحل : ٨٨] الآية ، ولهذا يعذبون على كل أمر تركوه وعلى كل نهي ارتكبوه ولهذا كان أصح الأقوال أنهم مكلفون بفروع الشرائع أمرها ونهيها بالنسبة إلى الدار الآخرة وقوله : (أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) أي خسروا أنفسهم لأنهم أدخلوا نارا حامية فهم معذبون فيها لا يفتر عنهم من عذابها طرفة عين كما قال تعالى : (كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً) [الإسراء : ٩٧] (وَضَلَّ عَنْهُمْ) أي ذهب عنهم (ما كانُوا يَفْتَرُونَ) من دون الله من الأنداد والأصنام فلم تجد عنهم شيئا بل ضرتهم كل الضرر كما قال تعالى : (وَإِذا حُشِرَ النَّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَكانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ) [الأحقاف : ٦].

وقال تعالى : (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ

__________________

(١) يضع عليه كنفه : أي ستره وعفوه وصفحه.

(٢) أخرجه البخاري في تفسير سورة ١١ ، باب ٤ ، ومسلم في التوبة حديث ٥٢.

(٣) أخرجه البخاري في تفسير سورة ١١ ، باب ٥ ، ومسلم في البر حديث ٦٢.

٢٧٢

عَلَيْهِمْ ضِدًّا) [مريم : ٨١ ـ ٨٢] وقال الخليل لقومه (إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَوْثاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْواكُمُ النَّارُ وَما لَكُمْ مِنْ ناصِرِينَ) [العنكبوت : ٢٥] وقوله : (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ) [البقرة : ١٦٦] إلى غير ذلك من الآيات الدالة على خسرهم ودمارهم ولهذا قال : (لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) يخبر تعالى عن حالهم أنهم أخسر الناس صفقة في الدار الآخرة لأنهم استبدلوا الدركات عن الدرجات ، واعتاضوا عن نعيم الجنان بحميم آن وعن شرب الرحيق المختوم بسموم وحميم وظل من يحموم وعن الحور العين بطعام من غسلين وعن القصور العالية بالهاوية ، وعن قرب الرحمن ، ورؤيته بغضب الديان وعقوبته ، فلا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون.

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٢٣) مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (٢٤)

لما ذكر تعالى حال الأشقياء ثنى بذكر السعداء وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات فآمنت قلوبهم وعملت جوارحهم الأعمال الصالحة قولا وفعلا من الإتيان بالطاعات وترك المنكرات وبهذا ورثوا الجنات ، المشتملة على الغرف العاليات ، والسرر المصفوفات ، والقطوف الدانيات ، والفرش المرتفعات والحسان الخيرات ، والفواكه المتنوعات ، والمآكل المشتهيات والمشارب المستلذات ، والنظر إلى خالق الأرض والسموات ، وهم في ذلك خالدون لا يموتون ولا يهرمون ولا يمرضون ولا ينامون ولا يتغوطون ولا يبصقون ولا يتمخطون ، إن هو إلا رشح مسك يعرقون.

ثم ضرب تعالى مثل الكافرين والمؤمنين فقال : (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ) أي الذين وصفهم أولا بالشقاء والمؤمنين بالسعادة فأولئك كالأعمى والأصم وهؤلاء كالبصير والسميع ، فالكافر أعمى عن وجه الحق في الدنيا والآخرة لا يهتدي إلى خير ولا يعرفه ، أصم عن سماع الحجج فلا يسمع ما ينتفع به (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيْراً لَأَسْمَعَهُمْ) [الأنفال : ٢٣] الآية.

وأما المؤمن ففطن ذكي لبيب بصير بالحق يميز بينه وبين الباطل فيتبع الخير ويترك الشر سميع للحجة يفرق بينها وبين الشبهة فلا يروج عليه باطل ، فهل يستوي هذا وهذا؟ (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) أفلا تعتبرون فتفرقون بين هؤلاء وهؤلاء كما قال في الآية الأخرى : (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) [الحشر : ٢٠] وكقوله : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) [فاطر : ١٩ ـ ٢٤].

٢٧٣

(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) (٢٧)

يخبر تعالى عن نوح عليه‌السلام وكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض من المشركين عبدة الأصنام أنه قال لقومه (إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ) أي ظاهر النذارة لكم من عذاب الله إن أنتم عبدتم غير الله ، ولهذا قال : (أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ) وقوله : (إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ) أي إن استمررتم على ما أنتم عليه عذبكم الله عذابا أليما موجعا شاقا في الدار الآخرة.

(فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ) والملأ هم السادة والكبراء من الكافرين منهم (ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا) أي لست بملك ولكنك بشر فكيف أوحي إليك من دوننا ثم ما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا كالباعة والحاكة (١) وأشباههم ولم يتبعك الأشراف ولا الرؤساء منا ثم هؤلاء الذين اتبعوك لم يكن عن ترو منهم ولا فكر ولا نظر بل بمجرد ما دعوتهم أجابوك فاتبعوك ولهذا قالوا (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ) أي في أول بادئ الرأي (وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) يقولون ما رأينا لكم علينا فضيلة في خلق ولا خلق ولا رزق ولا حال لما دخلتم في دينكم هذا (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) أي فيما تدعونه لكم من البر والصلاح والعبادة والسعادة في الدار الآخرة إذا صرتم إليها.

هذا اعتراض الكافرين على نوح عليه‌السلام وأتباعه وهو دليل على جهلهم وقلة علمهم وعقلهم فإنه ليس بعار على الحق رذالة من اتبعه ، فإن الحق في نفسه صحيح سواء اتبعه الأشراف أو الأراذل بل الحق الذي لا شك فيه أن أتباع الحق هم الأشراف ولو كانوا فقراء والذين يأبونه هم الأراذل ولو كانوا أغنياء ثم الواقع غالبا أن ما يتبع الحق ضعفاء الناس ، والغالب على الأشراف والكبراء مخالفته كما قال تعالى : (وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) [الزخرف : ٢٣].

ولما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان صخر بن حرب عن صفات النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال له فيما قال : أشراف الناس اتبعوه أو ضعفاؤهم. فقال : هرقل هم أتباع الرسل ، وقولهم (بادِيَ الرَّأْيِ) ليس بمذمة ولا عيب لأن الحق إذا وضح لا يبقى للرأي ولا للفكر مجال بل لا بد من اتباع الحق والحالة هذه لكل ذي زكاء وذكاء بل لا يفكر هاهنا إلا غبي أو عيي ، والرسل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين إنما جاءوا بأمر جلي واضح. وقد جاء في الحديث أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت له كبوة غير أبي بكر فإنه

__________________

(١) الحاكة : الخياطون ، وحاك الثوب : خاطه.

٢٧٤

لم يتلعثم» أي ما تردد ولا تروى لأنه رأى أمرا جليا عظيما واضحا فبادر إليه وسارع.

وقوله : (وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) هم لا يرون ذلك لأنهم عمي عن الحق لا يسمعون ولا يبصرون بل هم في ريبهم يترددون في ظلمات الجهل يعمهون وهم الأفاكون الكاذبون الأقلون الأرذلون وهم في الآخرة هم الأخسرون.

(قالَ يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) (٢٨)

يقول تعالى مخبرا عما رد به نوح على قومه في ذلك : (أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي) أي على يقين وأمر جلي ونبوة صادقة وهي الرحمة العظيمة من الله به وبهم (فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ) أي خفيت عليكم فلم تهتدوا إليها ولا عرفتم قدرها بل بادرتم إلى تكذيبها وردها (أَنُلْزِمُكُمُوها) أي نغضبكم بقبولها وأنتم لها كارهون.

(وَيا قَوْمِ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مالاً إِنْ أَجرِيَ إِلاَّ عَلَى اللهِ وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَلكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ (٢٩) وَيا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللهِ إِنْ طَرَدْتُهُمْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) (٣٠)

يقول لقومه لا أسألكم على نصحي لكم مالا : أجرة آخذها منكم إنما أبتغي الأجر من الله عزوجل (وَما أَنَا بِطارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا) كأنهم طلبوا منه أن يطرد المؤمنين عنه احتشاما ونفاسة منهم أن يجلسوا معهم كما سأل أمثالهم خاتم الرسل صلى‌الله‌عليه‌وسلم أن يطرد عنهم جماعة من الضعفاء ويجلس معهم مجلسا خاصا فأنزل الله تعالى : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِ) [الأنعام : ٥٢] الآية وقال تعالى : (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) [الأنعام : ٥٣] الآيات.

(وَلا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللهُ خَيْراً اللهُ أَعْلَمُ بِما فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذاً لَمِنَ الظَّالِمِينَ) (٣١)

يخبرهم أنه رسول من الله يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له بإذن الله له في ذلك ولا يسألهم على ذلك أجرا بل هو يدعو من لقيه من شريف ووضيع فمن استجاب له فقد نجا ، ويخبرهم أنه لا قدرة له على التصرف في خزائن الله ولا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه وليس هو بملك من الملائكة بل هو بشر مرسل مؤيد بالمعجزات ولا أقول عن هؤلاء الذين تحقرونهم وتزدرونهم إنهم ليس لهم عند الله ثواب على أعمالهم الله أعلم بما في أنفسهم فإن كانوا مؤمنين باطنا كما هو الظاهر من حالهم فلهم جزاء الحسنى ولو قطع لهم أحد بشر بعد ما آمنوا لكان ظالما قائلا ما لا علم له به.

٢٧٥

(قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٣٢) قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٣٣) وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٣٤)

يقول تعالى مخبرا عن استعجال قوم نوح نقمة الله وعذابه وسخطه ، والبلاء موكل بالمنطق. (قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا) أي حاججتنا فأكثرت من ذلك ونحن لا نتبعك (فَأْتِنا بِما تَعِدُنا) أي من النقمة والعذاب ادع علينا بما شئت فليأتنا ما تدعو به (إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ قالَ إِنَّما يَأْتِيكُمْ بِهِ اللهُ إِنْ شاءَ وَما أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ) أي إنما الذي يعاقبكم ويعجلها لكم الله الذي لا يعجزه شيء (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) أي أي شيء يجدي عليكم إبلاغي لكم وإنذاري إياكم ونصحي (إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) أي إغواؤكم ودماركم (هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) أي هو مالك أزمة الأمور المتصرف الحاكم العادل الذي لا يجور ، له الخلق وله الأمر وهو المبدئ المعيد مالك الدنيا والآخرة.

(أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) (٣٥)

هذا كلام معترض في وسط هذه القصة مؤكد لها. مقرر لها يقول تعالى لمحمد : أم يقول هؤلاء الكافرون الجاحدون افترى هذا وافتعله من عنده (قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي) أي فإثم ذلك علي (وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) أي ليس ذلك مفتعلا ولا مفترى لأني أعلم ما عند الله من العقوبة لمن كذب عليه.

(وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلاَّ مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ(٣٦) وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (٣٧) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ (٣٨) فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ) (٣٩)

يخبر تعالى أنه أوحى إلى نوح لما استعجل قومه نقمة الله بهم وعذابه لهم فدعا عليهم نوح دعوته التي قال الله تعالى مخبرا عنه أنه قال : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) [نوح : ٢٦] (فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) [القمر : ١٠] فعند ذلك أوحى الله إليه (أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ) فلا تحزن عليهم ولا يهمنك أمرهم (وَاصْنَعِ الْفُلْكَ) يعني السفينة (بِأَعْيُنِنا) أي بمرأى منا (وَوَحْيِنا) أي تعليمنا لك ما تصنعه (وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ) فقال بعض السلف : أمره الله تعالى أن يغرز الخشب ويقطعه وييبسه فكان ذلك في مائة سنة ونجرها في مائة سنة أخرى وقيل في أربعين سنة والله أعلم. وذكر محمد بن

٢٧٦

إسحاق عن التوراة : أن الله أمره أن يصنعها من خشب الساج وأن يجعل طولها ثمانين ذراعا وعرضها خمسين ذراعا وأن يطلي باطنها وظاهرها بالقار وأن يجعل لها جؤجؤا أزورا (١) يشق الماء ، وقال قتادة كان طولها ثلاثمائة ذراع في عرض خمسين وعن الحسن طولها ستمائة ذارع وعرضها ثلاثمائة وعنه مع ابن عباس طولها ألف ومائتا ذراع في عرض ستمائة وقيل طولها ألفا ذارع وعرضها مائة ذراع فالله أعلم ، قالوا كلهم وكان ارتفاعها في السماء ثلاثين ذراعا ثلاث طبقات كل طبقة عشرة أذرع فالسفلى للدواب والوحوش والوسطى للإنس والعليا للطيور وكان بابها في عرضها ولها غطاء من فوقها مطبق عليها.

وقد ذكر الإمام أبو جعفر بن جرير (٢) أثرا غريبا من حديث علي بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران عن عبد الله بن عباس أنه قال : قال الحواريون لعيسى ابن مريم : لو بعثت لنا رجلا شهد السفينة فحدثنا عنها قال فانطلق بهم حتى انتهى إلى كثيب من تراب فأخذ كفا من ذلك التراب بكفه فقال أتدرون ما هذا؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : هذا كعب حام بن نوح. قال فضرب الكثيب بعصاه قال قم بإذن الله فإذا هو قائم ينفض التراب عن رأسه قد شاب قال له عيسى عليه‌السلام : أهكذا هلكت؟ قال : لا. ولكني مت وأنا شاب ولكني ظننت أنها الساعة فمن ثم شبت ، قال حدثنا عن سفينة نوح؟ قال : كان طولها ألف ذراع ومائتي ذراع وعرضها ستمائة ذراع وكانت ثلاث طبقات فطبقة فيها الدواب والوحوش وطبقة فيها الإنس وطبقة فيها الطير فلما كثر روث الدواب أوحى الله عزوجل إلى نوح عليه‌السلام أن اغمز ذنب الفيل فغمزه فوقع منه خنزير وخنزيرة فأقبلا على الروث فلما وقع الفأر بجوف السفينة يقرضها وحبالها أوحى الله إليه أن اضرب بين عيني الأسد فضرب فخرج من منخره سنور وسنوره فأقبلا على الفأر ، فقال له عيسى عليه‌السلام : كيف علم نوح أن البلاد قد غرقت؟ قال : بعث الغراب يأتيه بالخبر فوجد جيفة فوقع عليها فدعا عليه بالخوف فلذلك لا يألف البيوت.

قال : ثم بعث الحمامة فجاءت بورق زيتون بمنقارها وطين برجليها فعلم أن البلاد قد غرقت قال فطوقها الخضرة التي في عنقها ودعا لها أن تكون في أنس وأمان فمن ثم تألف البيوت قال فقلنا يا رسول الله : ألا ننطلق به إلى أهلينا فيجلس معنا ويحدثنا؟ قال : كيف يتبعكم من لا رزق له؟ قال فقال له : عد بإذن الله فعاد ترابا.

وقوله : (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ) أي يهزئون به ويكذبون بما يتوعدهم به من الغرق (قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ) الآية وعيد شديد وتهديد أكيد (مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ) أي يهينه في الدنيا (وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ) أي دائم مستمر أبدا.

__________________

(١) الجؤجؤ : الصدر ، وأزور : من الزور : وهو الميل. كهيئة صدر السفينة.

(٢) تفسير الطبري ٧ / ٣٦ ، ٣٧.

٢٧٧

(حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلاَّ مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَما آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ) (٤٠)

هذه موعدة من الله تعالى لنوح عليه‌السلام إذا جاء أمر الله من الأمطار المتتابعة والهتان (١) الذي لا يقلع ولا يفتر ، بل هو كما قال تعالى : (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ) [القمر : ١١ ـ ١٤] وأما قوله (وَفارَ التَّنُّورُ) فعن ابن عباس التنور وجه الأرض (٢) ، أي صارت الأرض عيونا تفور حتى فار الماء من التنانير التي هي مكان النار صارت تفور ماء وهذا قول جمهور السلف وعلماء الخلف ، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه التنور فلق الصبح وتنوير الفجر (٣) ، وهو ضياؤه وإشراقه والأول أظهر وقال مجاهد والشعبي : كان هذا التنور بالكوفة ، وعن ابن عباس عين بالهند ، وعن قتادة عين بالجزيرة يقال لها عين الوردة وهذه أقوال غريبة.

فحينئذ أمر الله نوحا عليه‌السلام أن يحمل معه في السفينة من كل زوجين اثنين من صنوف المخلوقات ذوات الأرواح ، قيل وغيرها من النباتات اثنين ذكرا وأنثى فقيل كان أول من أدخل من الطيور الدرة وآخر من أدخل من الحيوانات الحمار فتعلق إبليس بذنبه وجعل يريد أن ينهض فيثقله إبليس وهو متعلق بذنبه فجعل يقول له نوح عليه‌السلام : ما لك ويحك ادخل فينهض ولا يقدر فقال : ادخل وإن كان إبليس معك فدخلا في السفينة ، وذكر بعض السلف أنهم لم يستطيعوا أن يحملوا معهم الأسد حتى ألقيت عليه الحمى.

وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا عبد الله بن صالح كاتب الليث حدثني الليث حدثني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبيه أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «لما حمل نوح في السفينة من كل زوجين اثنين قال أصحابه : وكيف تطمئن المواشي ومعها الأسد؟ فسلط الله عليه الحمى فكانت أول حمى نزلت في الأرض ، ثم شكوا الفأر فقالوا : الفويسقة تفسد علينا طعامنا ومتاعنا فأوحى الله إلى الأسد فعطس ، فخرجت الهرة منه فتخبأت الفأرة منها».

وقوله (وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ) أي واحمل فيها أهلك وهم أهل بيته وقرابته إلا من سبق عليه القول منهم ممن لم يؤمن بالله فكان منهم ابنه يام الذي انعزل وحده وامرأة نوح

__________________

(١) هتنت السماء تهتن هتنا وهتونا وهتنانا وتهتانا وتهاتنت : انصبت ، أو هو فوق الهطل ، أو الضعيف الدائم ، أو مطر ساعة ثم يفتر ، ثم يعود ، وسحاب هاتن وهتون ، وكذا هتان ، كشداد ، وهتن الدمع هتونا : قطر.

(٢) انظر تفسير الطبري ٧ / ٣٨.

(٣) انظر تفسير الطبري ٧ / ٣٩.

٢٧٨

وكانت كافرة بالله ورسوله ، وقوله (وَمَنْ آمَنَ) أي من قومك (وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) أي نزر يسير مع طول المدة والمقام بين أظهر هم ألف سنة إلا خمسين عاما ، فعن ابن عباس كانوا ثمانين نفسا منهم نساؤهم ، وعن كعب الأحبار كانوا اثنين وسبعين نفسا. وقيل كانوا عشرة ، وقيل إنما كان نوح وبنوه الثلاثة سام وحام ويافث وكنائنه (١) الأربع نساء هؤلاء الثلاثة وامرأة يام ، وقيل بل امرأة نوح كانت معهم في السفينة وهذا فيه نظر ، بل الظاهر أنها هلكت لأنها كانت على دين قومها فأصابها ما أصابهم كما أصاب امرأة لوط ما أصاب قومها ، والله أعلم وأحكم.

(وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (٤١) وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ (٤٢) قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلاَّ مَنْ رَحِمَ وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ) (٤٣)

يقول تعالى إخبارا عن نوح عليه‌السلام أنه قال للذين أمر بحملهم معه في السفينة (ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها) أي بسم الله يكون جريها على وجه الماء ، وبسم الله يكون منتهى سيرها وهو رسوّها ، وقرأ أبو رجاء العطاردي «بسم الله مجريها ومرسيها» (٢) وقال الله تعالى : (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبارَكاً وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ) [المؤمنون : ٢٨ ـ ٢٩] ولهذا تستحب التسمية في ابتداء الأمور عند الركوب على السفينة وعلى الدابة كما قال تعالى : (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ) [الزخرف : ١٢ ـ ١٤] الآية ، وجاءت السنة بالحث على ذلك والندب إليه كما سيأتي في سورة الزخرف إن شاء الله وبه الثقة وقال أبو القاسم الطبراني حدثنا إبراهيم بن هاشم البغوي حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي وحدثنا زكريا بن يحيى الساجي حدثنا محمد بن موسى الحرشي قالا حدثنا عبد الحميد بن الحسن الهلالي عن نهشل بن سعيد عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «أمان أمتي من الغرق إذا ركبوا في السفن أن يقولوا بسم الله الملك (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) [الأنعام : ٩١] ـ الآية ـ (بِسْمِ اللهِ مَجْراها وَمُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).

وقوله (إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) مناسب عند ذكر الانتقام من الكافرين بإغراقهم أجمعين فذكر أنه غفور رحيم كقوله : (إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) [الأعراف : ١٦٧] وقال : (وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ) [الرعد : ٦] إلى غير ذلك من الآيات التي يقرن فيها بين رحمته وانتقامه وقوله : (وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ) أي السفينة سائرة بهم على وجه الماء الذي قد طبق جميع الأرض حتى طفت على

__________________

(١) الكنائن : جمع كنّة ، وهي امرأة الابن أو الأخ.

(٢) انظر تفسير الطبري ٧ / ٤٤.

٢٧٩

رؤوس الجبال وارتفع عليها بخمسة عشر ذراعا وقيل بثمانين ميلا ، وهذه السفينة جارية على وجه الماء سائرة بإذن الله وتحت كنفه وعنايته وحراسته وامتنانه كما قال تعالى : (إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) [الحاقة : ١١ ـ ١٢] وقال تعالى : (وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ وَلَقَدْ تَرَكْناها آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) [القمر : ١٣ ـ ١٥].

وقوله : (وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ) الآية ، هذا هو الابن الرابع واسمه يام وكان كافرا دعاه أبوه عند ركوب السفينة أن يؤمن ويركب معهم ولا يغرق مثل ما يغرق الكافرون (قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ) وقيل إنه اتخذ له مركبا من زجاج وهذا من الإسرائيليات والله أعلم بصحته ، والذي نص عليه القرآن أنه قال : (سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ) اعتقد بجهله أن الطوفان لا يبلغ إلى رؤوس الجبال ، وأنه لو تعلق في رأس جبل لنجاه ذلك من الغرق ، فقال له أبوه نوح عليه‌السلام : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ) أي ليس شيء يعصم اليوم من أمر الله ، وقيل إن عاصما بمعنى معصوم كما يقال طاعم وكاس بمعنى مطعوم ومكسو (وَحالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ).

(وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٤٤)

يخبر تعالى أنه لما أغرق أهل الأرض كلهم إلا أصحاب السفينة أمر الأرض أن تبلغ ماءها الذي نبع منها واجتمع عليها ، وأمر السماء أن تقلع عن المطر (وَغِيضَ الْماءُ) أي شرع في النقص (وَقُضِيَ الْأَمْرُ) أي فرغ من أهل الأرض قاطبة ممن كفر بالله لم يبق منهم ديار (وَاسْتَوَتْ) السفينة بمن فيها (عَلَى الْجُودِيِ) قال مجاهد : وهو جبل بالجزيرة تشامخت الجبال يومئذ من الغرق وتطاولت وتواضع هو لله عزوجل فلم يغرق وأرست عليه سفينة نوحعليه‌السلام (١) وقال قتادة : استوت عليه شهرا حتى نزلوا منها ، قال قتادة : قد أبقى الله سفينة نوح عليه‌السلام على الجودي من أرض الجزيرة عبرة وآية حتى رآها أوائل هذه الأمة وكم من سفينة قد كانت بعدها فهلكت وصارت رمادا (٢).

وقال الضحاك : الجودي جبل بالموصل (٣) وقال بعضهم : هو الطور ، وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا عمرو بن رافع حدثنا محمد بن عبيد عن توبة بن سالم قال : رأيت زر بن حبيش يصلي في الزاوية حين يدخل من أبواب كندة على يمينك فسألته إنك لكثير الصلاة هاهنا

__________________

(١) تفسير الطبري ٧ / ٤٨.

(٢) انظر تفسير الطبري ٧ / ٤٨.

(٣) انظر تفسير الطبري ٧ / ٤٨.

٢٨٠