أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٤

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]

أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٤

المؤلف:

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]


المحقق: د. أحمد محمد المهدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 977-18-0327-1
الصفحات: ٣٩٨

وعن السابعة والعشرين :

القائلة بإسناد العلم إلى ما شوهد من القرائن الحالية أن يقول : العلم الضرورى بذلك لو كان مستندا إلى القرائن المشاهدة بالرؤية لما حصل العلم بالتصديق لمن كان غائبا عن المجلس ، ونحن نعلم علما ضروريا بالتصديق إذا فرض لنا مثل الصورة المستشهد بها وإن لم تكن مشاهدة لنا.

وعن الثامنة والعشرين : ـ

القائلة بامتناع قياس الغائب على الشاهد أنا غير قائسين ، وإنما ذكرنا الصورة المفروضة للتمثيل لا غير.

وعن التاسعة والعشرين : ـ

القائلة بأن الدلالة إما عقلية ، أو سمعية تمنع الحصر بل تقدير المواضعة كما أسلفناه من الاستشهاد بالصورة المفروضة ، كيف وأن العلم بالتصديق على ما حققناه ضرورى الوقوع ؛ والتشكيك غير قادح فيما علم ضرورة.

وعن الثلاثين : ـ

القائلة بأن المعجز إما أن يكون مشروطا بالتحدى ، أو لا يكون مشروطا به أن نقول بدلالة المعجزة على صدقه مشروطة بالتحدى.

قولهم : فلزم أن لا تصح / / المعارضة دون التحدى من المعارض ليس كذلك ؛ إذ المقصود من المعارضة ليس إثبات صدق المعارض فى الرسالة حتى يكون التحدى شرطا فيه ؛ بل المقصود إنما هو إبطال دليل المدعى للرسالة بمعارضة الخارق بخارق أخر ، وذلك متحقق وان لم يكن المعارض متحديا ؛ وذلك لأن المتحدى إذا قال آية صدقى أننى آتى بما لا يقدر أحد على الإتيان بمثله ، فإذا أتى أحد بمثل ما أتى به ؛ فلم يتحقق دليل صدقه.

__________________

/ / أول ل ٧٨ / ب.

٦١

وعن الحادية والثلاثين : ـ

القائلة بانتفاء الغرض عن أفعال الله ـ تعالى ـ أن نقول : ما ذكروه إنما يلزم أن لو قلنا : إن خلق المعجزة على يد النبي معلل لغرض التصديق وليس كذلك ؛ بل خلق المعجزة على يده مع دعوى النبوة والتحدى ، والشروط المعتبرة من قبل دليلا على التصديق ؛ ولا يخفى الفرق بين البابين.

وعن الثانية والثلاثين : ـ

القائلة بغرض أخر أن نقول : قد بينا أن خلق المعجزة على يد المدعى للرسالة بالشروط المعتبرة يوجب العلم الضرورى بالتصديق.

قولهم : يحتمل أن يكون ذلك / الشخص كاذبا والرب ـ تعالى ـ مريدا لضلالنا بذلك ؛ فقد أجاب عنه المعتزلة : (١) بأن إظهار الخارق على أيدى الكذابين وايهام تصديقهم وخلط الصادق بالكاذب (١) وتعذر التمييز بينهما ، وإرادة ضلالنا بذلك مفسدة [للعباد (٢)] وصدهم عن طريق الإرشاد (٣) ؛ وهو قبيح من الله ـ تعالى ـ والقبيح لا يكون صادرا عنه ؛ ولكنه مبنى على فاسد أصولهم فى التحسين والتقبيح الذاتى ووجوب رعاية المصلحة فى فعل الله تعالى وذلك كله مما أبطلناه فى التعديل والتجوير (٤).

وأما أصحابنا فقد اختلفت طرقهم فى الجواب :

فالذى ذهب إليه الشيخ أبو الحسن الأشعرى وجماعة من أصحابه : القول باستحالة إظهار المعجزة على أيدى الكاذب ، وأنه غير معدود من جملة المقدورات لوجهين : ـ

الأول : أن المعجزة دالة على التصديق قطعا على ما أسلفناه ولا بد لها من جهة دلالة وان اختلف فى تعيينها ، فلو أمكن اظهار المعجزة على يد الكاذب : فإما أن تدل على صدقه ، أو لا تدل.

فإن دلت : فقد جعل الكاذب صادقا ؛ وهو محال.

__________________

(١) مكرر فى ب.

(٢) ساقط من (أ)

(٣) فى ب (الرسالة)

(٤) انظر ما مر فى الجزء الأول ل ١٧٤ / ب وما بعدها ص ١١٥ وما بعدها من الجزء الثانى.

٦٢

وإن لم تدل : فيفضى ذلك إلى انقلاب دلالة ما وجبت دلالته ، وخروجه عما وجب له ؛ وهو محال كما فى الأدلة العقلية.

والثانى : أن المعجزة وإن لم تتعلق بتصديق الرسول كتعلق الدلالات العقلية ، إلا أن دلالتها واجبة الاقتران بالتصديق ؛ [لما بيناه ؛ فلو ظهرت على يد الكاذب ؛ لما كانت مقترنة بالتصديق] (١) وما وجب له أن يكون مقارنا للتصديق استحال تقديره منفردا ؛ لما فيه من اخراج الواجب عن كونه واجبا ، ولهذا فإن مقارنة الحياة للعلم ومقارنة الآلام القائمة بالحى للعلم لما كانت واجبة ؛ استحال فرض وجود العلم منفردا عن الحياة ، والآلام القائمة بالحى منفردة عن العلم بها.

وذهب القاضى أبو بكر وجماعة من أصحابنا : إلى أن إظهار المعجزات على أيدى الكذابين من المقدورات. لكن اختلف هؤلاء :

فمنهم من قال إن انخراق العوائد وقلبها غير مستبعد فى مقدور الله ـ تعالى ـ كما سبق (٢) وملازمة العلم بتصديق من ظهرت المعجزة على وفق تحديه وإن كان معتادا جاريا مجرى سائر العاديات كملازمة العلم الضرورى من أخبار التواتر وخجل الخجل ، ووجل الوجل عند احمراره ، واصفراره فلا يمتنع خرق العادة فيه فى مقدور الله ـ تعالى ـ وذلك بأن توجد المعجزة مع التحدى غير مقترنة بالعلم بتصديق المتحدى.

وعلى هذا فلا يمتنع إظهار المعجزة على أيدى الكذابين ؛ ولكن بشرط قلب العادة فى ملازمة العلم الضرورى بالتصديق لإظهار المعجزة / على يده ، وأما مع عدم خرق هذه العادة ؛ فلا يتصور إظهار المعجزة على يده ؛ لما فيه من العلم الضرورى بصدق من ليس بصادق ؛ وهو محال. وكل ما يدعيه فى هذا الباب من المعجزات : كاحياء الميت وابراء الأكمة ، والأبرص ، وفلق البحر إلى غير ذلك. فملازمة العلم الضرورى له بتصديق / / من ظهر على يده من المتحدين معتاد غير منقلب عن العادة ؛ فلا يجوز إظهاره على أيدى الكذابين.

فان قيل : إذا جوزتم قلب العوائد وخرقها ؛ فما المانع أن يكون ما تذكرونه من المعجزات على نبوة من سلف من الأنبياء كانت معتادة فى زمنهم وأن لم تكن معتادة فى زمننا ، وعند هذا فلا تكون حجة على صدقهم.

__________________

(١) ساقط من (أ)

(٢) راجع ما مر ل ١٣١ / ب وما بعدها. القاعدة الخامسة : الأصل الثانى : الفصل الثانى.

/ / أول ل ٧٩ / أمن النسخة ب.

٦٣

فنقول : ما يدعيه من المعجزات الخارقة للعادة : كاحياء الميت ، ونحوه نعلم بالضرورة أنه لم يكن معتادا فيما سلف من الأزمنة كما نعلم أنه لم تكن العادة جارية بأن البحار تحوى ذهبا ، وأن بالجبال يواقيت وجواهر ، وأن الإنسان كان يموت ويحيا إلى غير ذلك. وهذا الوجه فى غاية الحسن والدقة.

ومنهم من قال : وإن كان اظهار المعجزة على يد الكاذب مقدورا ؛ فلا يلزم أن يكون وقوعه جائزا. وإن قدرنا جواز خرق العوائد ، كما لا يجوز وقوع خلاف معلوم الله ـ تعالى ـ وإن كان مقدورا.

لكن قد بينا فى الصفات أن النزاع فى كون الشيء مقدورا مع امتناع وقوعه راجع إلى نزاع لفظى والأوجه للمذهبين الأولين وما ذكروه من الوجهين الأخريين فى تقرير الشبهة ؛ فمندفع بما قررناه من أن العلم الضرورى بالتصديق حاصل عادة ، وأن تجويز غير ذلك من الاحتمالات لا يقدح فيما هو معلوم عادة.

وعن الثالثة والثلاثين : ـ

بما بيناه من إحالة الكذب على الله تعالى (١).

وعن الرابعة والثلاثين : ـ

القائلة : بامتناع وصول خبر التحدى إلى جميع الناس أن نقول إذا ادعى الرسالة ، وتحدى بما نعلم بالضرورة أنه من خوارق العادات فى كل عصر ، ومصر : كإحياء الميّت ، وغيره مما ذكرناه وعجز من فى قطره عن معارضته. فإنا نجد من أنفسنا العلم الضرورى بتصديقه كما فرضناه من الصورة المستشهد بها. فإنّا نعلم أن القائل للملك إن كنت رسولا عنك فقم ثلاث مرات ، وإن لم أكن فلا تقم ، فإنه بتقدير فعله لذلك نعلم كونه مصدقا له بتقدير عجز الحاضرين عن الاتيان بمثله ، وإن لم يكن قد بلغ الخبر بذلك إلى غير الحاضرين ، ويلزم من ذلك أن يكون رسولا بالنسبة إلى كل من بلغته دعوته ، وخرج على هذا ما استشهدوا به من الصنائع البديعة فإنه لا ينتهى إلى حد / المعجزات ، ولا القرية تنزل منزلة الإقليم والقطر.

__________________

(١) راجع ما سبق فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع الرابع ـ المسألة الحادية عشرة : فى استحالة الكذب فى كلام الله ـ تعالى. ل ١٦٥ / ب وما بعدها ص ٨٣ وما بعدها من الجزء الثانى.

٦٤

وعن الخامسة والثلاثين : ـ

القائلة بعدم توفر الدّواعى على المعارضة أنه خروج عما نعلمه اضطرارا من اطراد العوائد ، واستمرارها على المبادرة ، والمسارعة إلى معارضة من يدعى الانفراد ، والاستبداد بأمر يحل خطره ، ويعظم وقعه دون أقرانه وأبناء زمانه ممن يقدر منهم على معارضته ، وإفحامه فى دعوته بحيث لا ينتدب أحد منهم لذلك. والمعلوم بالضرورة العادية لا يقدح فيه احتمال نقيضه كما أسلفناه.

وعلى هذا فقد خرج الجواب عما ذكروه [(١) من احتمال الموافقة ترويجا لما يرومونه من التقدم ، وإعلاء الكلمة وبه أيضا يخرج الجواب عما ذكروه من الاحتمالات

فى الشبهة السادسة والسابعة والثامنة والثلاثين

كيف وأنه إذا ادعى النبوّة وقال آيتى أنّ أحدا لا يأتى بمثل ما أتيت به من الخارق فصدق دواعيهم عن الإتيان بمثل ما أتى به لما ذكروه] (١) من الاحتمالات وأن قدر كون ما أتى به مقدورا لهم يكون خارقا للعادة ، ودليلا على صدقه.

وعن التاسعة والثلاثين : ـ

القائلة باحتمال وقوع المعارضة ، أنه لو وقعت المعارضة ؛ لاستحال عدم نقلها عادة ؛ لأنّا بيّنا أن العادة عند تحدّى بعض الناس بهذه الأمور العظيمة ، والقضايا الجسيمة يحيل التواطؤ من الكل على عدم معارضته مع القدرة على المعارضة قصدا لإبطال دعوته ، وإفساد حجته ، ولا يتحقق هذا المقصود بمجرد المعارضة دون إظهارها ، واحتمال وجود المانع من الإظهار وإن كان قائما بالنّظر إلى بعض الناس ، وبعض الأوقات ، وبعض الأماكن فالعادة تحيل وجود المانع مطلقا بالنسبة إلى جميع الخلق ، وجميع الأوقات ، وجميع الأماكن ؛ فلو تحققت المعارضة ؛ لاستحال عادة أن لا تظهر مطلقا.

وعن الأربعين :

(٢) أن ما يظهر على يد مدّعى الربوبية لا يضيفه إلى الله ـ تعالى حتى ينزل ذلك من الله ـ تعالى ـ منزلة التّصديق له ؛ بل إنّما يضيفه إلى نفسه (٢). ودلالة المعجزة على

__________________

(١) من أول (من احتمال ..... الى لما ذكروه) ساقط من (أ)

(٢) ساقط من ب (أن ما يظهر ..... إلى نفسه)

٦٥

صدق المتحدّى إنّما كان من جهة نزولها منزلة التصديق له من (١) الله ـ تعالى ـ فإذا لم تكن نازلة منزلة التصديق من الله ـ تعالى ـ فلا دلالة لها.

كيف وأن دلالة المعجزة على صدق المدعى (١) مشروطة بعدم المعارض القاطع الدّال على كذبه ، والدلالات القطعية على حدوث الواحد منا عند ادعائه الربوبية ، وأنه مربوب وليس برب بادية / / ظاهرة لا يرتاب فيها أحد من العقلاء ؛ فلا يكون ما ظهر على يده موجبا لتصديقه.

فإن قيل : سلمنا جواز البعثة عقلا ؛ ولكن هل يقولون بجواز بعثة النساء أم لا؟

قلنا : أما أصحابنا فقد اتفقوا على جواز بعثة النساء عقلا ؛ فإنه لو فرض ؛ لم يلزم عنه المحال لذاته. وذهبت طائفة [من المعتزلة] (٢) إلى منع ذلك تمسكا منهم بقصور عقل المرأة عن عقل الرجل ؛ وهو بعيد ؛ فإن ذلك مما يختلف / ، فكم من امرأة أثمن عقلا من كثير من الرجال ، ولا سيما مريم عليها‌السلام ، وأمثالها.

__________________

(١) ساقط من ب (من الله تعالى ..... على صدق المدعى)

/ / أول ل ٧٩ / ب من النسخة ب.

(٢) ساقط من (أ)

٦٦

الأصل الرابع

فى إثبات رسالة محمّد صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١)

ومن ثبتت نبوّته ، واشتهرت رسالته بالمعجزات ، والآيات القاطعات كموسى ، وعيسى ، وغيرهما ممّا تواترت به الأخبار بما ظهر على أيديهم كفلق البحر (٢) ، وقلب العصا حيّة ، وإحياء الميّت ، وإبراء الأكمه ، والأبرص (٣) وغير ذلك كثير. غير أنا نقتصر من ذلك على إثبات رسالة سيد الأولين والآخرين محمد ـ صلي الله عليه وسلم ـ وعلى آله أجمعين ـ إذ الطوائف على إنكار بعثته متفقون ، وفى مآخذهم مختلفون ؛ فرب من أنكر رسالته لانكار جواز البعثة كما سبق (٤) ، ورب من أنكرها لمجرد القدح فى معجزاته والطعن فى آياته : كالنّصارى ، وغيرهم من المعترفين بجواز نسخ الشرائع وبعثة الرسل. ورب من أنكر رسالته لاعتقاده إحالة نسخ الشرائع : كبعض اليهود لكن منهم من أحال ذلك عقلا كالشمعنية (٥) : ومنهم من جوزه عقلا وأحاله شرعا : كالعنانية (٦). ولم يوافق

__________________

(١) لمزيد من البحث والدراسة سأذكر فيما يلى بعض كتب المتقدمين التى استفاد منها الآمدي وناقشها ، وبعض كتب المتأخرين التى تأثرت به واستفادت منه وناقشته.

التمهيد للباقلانى ص ١١٤ وما بعدها. والإنصاف له أيضا ص ٦٢ وما بعدها. والإرشاد للجوينى ص ٣٣٨ وما بعدها. وأصول الدين للبغدادى ص ١٦١ وما بعدها. وغاية المرام فى علم الكلام للآمدى ص ٣٤١ وما بعدها.

وشرح الأصول الخمسة للقاضى عبد الجبار ص ٥٧٦ وما بعدها. والمغنى فى أبواب التوحيد والعدل له أيضا. الجزء الخامس عشر : التنبؤات والمعجزات. وتثبيت دلائل النبوة له أيضا. ومن كتب المتأخرين عن الآمدي المتأثرين به : شرح المواقف للإيجي ـ الموقف السادس ـ ص ٩٤ وما بعدها.

وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ١٣٤ وما بعدها. وشرح مطالع الأنظار للأصفهانى ص ٢٠٤ وما بعدها.

(٢) من معجزات سيدنا موسى ـ عليه‌السلام ـ فلق البحر ، وقلب العصا حية.

(٣) من معجزات سيدنا عيسى ـ عليه‌السلام ـ إحياء الميت ، وإبراء الأكمه والأبرص.

(٤) هم : البراهمة ، والصابئية ، والتناسخية. انظر عنهم ما مر فى الأصل الثالث ل ١٣٣ / ب وما بعدها من الجزء الأول.

(٥) الشمعنية : أحالت الشمعنية نسخ الشرائع ، وتبدل الذرائع عقلا ، وهم الربانية وسماهم ابن حزم الأشعثية ، وهم القائلون بأقوال الأحبار ومذاهبهم ، وهم جمهور اليهود. يدعون أن الشريعة بدأت بموسى وانتهت به ولا يجوز نسخها ؛ لأن النسخ بداء ، ولا يجوز البداء على الله تعالى.

[الفصل فى الملل والأهواء والنحل لابن حزم ١ / ١٧٨ ، والملل والنحل للشهرستانى ١ / ٢١٠ وما بعدها].

(٦) العنانية : هم أصحاب عنان بن داود ، رأس الجالوت. يخالفون سائر اليهود فى السبت والأعياد ، وينهون عن أكل الطير والظباء والسمك والجراد ، ويذبحون الحيوان على القفا. أحالوا نسخ الشريعة شرعا. وهم كسائر اليهود.

يدعون أن الشريعة لا تكون إلا واحدة ، وهى ابتدأت بموسى ـ عليه‌السلام ـ وتمت به. فلم تكن قبله شريعة. إلا حدود عقلية ، وأحكام مصلحية. ولم يجيزوا النسخ أصلا ؛ لأن النسخ فى الأوامر بداء. ولا يجوز البداء على الله ـ تعالى.

[الفصل فى الملل والأهواء والنحل لابن حزم ١ / ١٧٨ ، والمل والنحل للشهرستانى ١ / ٢١٥ وما بعدها].

٦٧

أهل الاسلام على كونه رسولا غير العيسويّة (١) من اليهود ؛ فإنّهم اعترفوا برسالته ؛ لكن إلى العرب خاصّة لا إلى الأمم كافّة.

والّذي يدل على كونه رسولا من عند الله ـ تعالى ـ أن نقول : إنّ محمّدا كان موجودا ، وأنّه ادّعى الرّسالة عن الله ـ عزوجل ـ ، وأنه ظهرت المعجزات على يده ، وأنّه تحدّى بها ، ولم يوجد لها معارض فكان رسولا.

وفى تحقيق هذا الدّليل يفتقر إلى تقرير دعاوى أربعة :

الدّعوى الأول : أنّه كان موجودا مدّعيا للرّسالة.

والثانية : أنّه ظهرت المعجزات على يده.

والثالثة : أنّه تحدّى بها.

والرابعة : أنه لم يوجد لها معارض

أما الدّعوى الأولى :

فهى معلومة بالضّرورة المستفادة من التّواتر المفيد للقطع ، كيف وأن ذلك ممّا لم يصر أحد إلى انكاره ، ومناكرته. ومن أنكر ذلك ؛ فقد تاهت وسقطت مكالمته.

وأما الدّعوى الثّانية :

فبيانها بإثبات بعض ما ظهر على يده من المعجزات والآيات القطعيّات ، لتعذّر استقصاء كلّ ما ظهر على يده ؛ إذ هو خارج عن العدّ ، والحصر ، فمن جملتها القرآن المجيد الّذي (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (٢)

__________________

(١) العيسوية : هم أصحاب أبى عيسى الأصبهانى رجل من اليهود كان بأصبهان. خالفوا سائر اليهود وقالوا بنبوة عيسى عليه‌السلام ، وبرسالة محمد صلى‌الله‌عليه‌وسلم للعرب خاصة ويقولون : إن محمدا صلى‌الله‌عليه‌وسلم نبى أرسله الله ـ تعالى بشرائع القرآن إلى بنى إسماعيل عليه‌السلام ، وإلى سائر العرب خاصة كما كان (أيوب) نبيا فى (بنى عيص). وكما كان (بلعام) نبيا فى (بنى موآب) باقرار من جميع فرق اليهود.

[الفصل فى الملل والأهواء والنحل لابن حزم ١ / ١٧٩ ، والملل والنحل للشهرستانى ١ / ٢١٥ وما بعدها].

(٢) سورة فصلت ٤١ / ٤٢.

٦٨

وقد اختلف المسلمون فى وجه إعجازه :

فمنهم من قال : المعجز فيه ما اشتمل عليه من النّظم الغريب ، والوزن العجيب ، والأسلوب المخالف لما استنبطه البلغاء من العرب من الأوزان ، والأساليب فى مطالعه / وفواصله ، وهذا هو مذهب بعض المعتزلة.

ومنهم من قال : وجه الإعجاز فيه ما اشتمل عليه من البلاغة الّتي تتقاصر عنها سائر ضروب البلاغات. وتحقيق ذلك يتوقّف على تحقيق معنى البلاغة ، واشتمال القرآن على أبلّغها وهذا هو قول الجاحظ من المعتزلة أيضا.

أما البلاغة : ففى اللغّة مأخوذة من البلوغ ، ومنه يقال بلغ فهو بليغ ؛ لمن بلغ ظاهر لفظه الإنباء عن ما فى ضميره.

وأما حدّ البلاغة : فقد اختلفت فيه عبارات الأدباء ، وأسّدها وأوفاها بالغرض قول بعضهم : البلاغة هى التّعبير عن المعنى الصّحيح لما طابقه من اللّفظ الرّائق : من غير مزيد على المقصد ولا انتقاص عنه فى البيان.

وعلى هذا فكلّما ازداد الكلام من المطابقة للمعنى وشرف الألفاظ ورونق المعانى. والتجنّب عن الرّكيك المستغثّ منها كانت بلاغته أزيد.

وهل رتب البلاغة متناهية أم لا؟ : فالذى ذهب إليه بعض أصحابنا : أن مراتب البلاغة غير متناهية ، وأنّه ما من رتبة منها إلا وفوقها رتبة فى علم الله ـ تعالى ـ [(١) إلى ما لا يتناهى.

وقال القاضى أبو بكر : بتناهيها فى علم الله ـ تعالى ـ] (١) وان لم يحط بها علم المحدثين.

والحق أنه إن نظر إلى اللغات الواقعة المتناهية فمراتب البلاغة فيها لا بد وأن تكون متناهية ؛ لأن البلاغة على ما ذكرناه عائدة الى مطابقة الشّريف من الألفاظ للصّحيح من المعانى من غير زيادة فى القصد ، ولا نقصان عنه فى البيان.

__________________

(١) ساقط من (أ)

٦٩

ولا يخفى / / أن الألفاظ الشّريفة الواقعة بالاصطلاح المطابقة للمعانى متناهية ؛ فكانت مراتب البلاغة المترتّبة على الألفاظ الواقعة متناهية.

وأما إن نظر إلى ما يمكن وقوعه من اللّغات بعد اللغات الواقعة المفروضة :

فلا يبعد فى علم الله ـ تعالى ـ وجود ألفاظ هى أشرف من الألفاظ الواقعة. وتكون مطابقتها لمعانيها أعلى رتبة فى البلاغة من الألفاظ الواقعة وهلمّ جرا إلي ما لا يتناهى.

واذا عرف ذلك فاشتمال القرآن على أصل البلاغة ، وتميزه عن الرّكيك من الألفاظ ؛ أمر متّفق عليه ؛ وهو معلوم بالضرورة عند من له أدنى معرفة باللّغة.

وإنّما الحاجة داعية إلى بيان اشتماله على البلاغة المجاوزة لجملة البلاغات المعهودة لأرباب أهل اللغة نظما ، ونثرا ؛ إذ به يتحقّق الإعجاز من غير حاجة (١) إلى القول أنه لا بلاغة أبلغ من بلاغة القرآن (١) فى علم الله ـ تعالى ـ ومن كان عالما بأركان البلاغة وفنونها ، ومن جميع المعانى الكثيرة فى الألفاظ القليلة مع دقّتها ، وعذوبتها ، والبسيط مع مجانبة الحشو ، وضروب التّأكيد مع تعرى الكلام عما يسفل / ويخل ، ووصف الأحوال والتّشبيهات ، وضرب الأمثال والاستعارات ، وحسن مطالع الكلام ، وعذوبة ومفاصله ، والحذف ، والاضمار ، والتّقديم ، والتّأخير ، مع سلاسة الكلام ، وعذوبة ألفاظه ، ودقّتها ، وتعريها عن المستغث الشّاذ النّادر إلى غير ذلك من أنواع البلاغات ؛ علم أنّ القرآن عند تصفّحه ، والنّظر فى آياته ، ودلالة ألفاظه ؛ مشتمل على جملتها ومحتوى عليها ؛ لم يغادر منها شيئا ، وأنّ افصح فصحاء العرب ، وأبلغ بليغ من أهل الأدب من أرباب النّظم ، والنّثر ، والخطب غايته الاستئثار بنوع واحد من أنواع البلاغة على وجه لوازم غيره فى كلامه لما واتاه ، وكان فيه مقصّرا ، وأنّه لم يجتمع لأحد من البلغاء فى كلامه من أنواع البلاغة ، ما اجتمع فى القرآن الكريم.

فمما كثر معناه وقلّ لفظه مع جزالة الألفاظ ودقّتها وتعاليها عن الرّكيك المستغثّ قوله ـ تعالى ـ : ـ

(يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ) (٢)

__________________

/ / أول ٨٠ / أ.

(١) فى ب (إلى أنه لا بلاغة أبلغ من القرآن)

(٢) سورة الرعد ١٣ / ٤.

٧٠

حيث دلّ على وحدانيّته ، وعظم صمديّته ، وأنّ ذلك كلّه ليس إلا بمشيئته ، وإرادته ، وأنه مقدور بقدرته ، وأنّه لو كان ذلك بالماء والتّراب والفاعل له الطبيعة ؛ لما وقع الاختلاف.

ومما كثرت معانيه وقلّ لفظه قوله ـ تعالى ـ : ـ

(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ) (١)

فإنّه مع قلّة ألفاظه ؛ قد دلّ على العفو عن المذنبين ، وصلة القاطعين ، وإعطاء المانعين ، وتقوى الله ، وصلة الأرحام وحبس اللّسان ، وغض الطّرف.

ومن هذا القبيل قوله ـ تعالى ـ : ـ

(فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا) (٢)

فاشتمل مع عذوبة ألفاظه ، وقلّتها على ما آلت إليه قصص الأولين ، وسير الماضين.

ومع ذلك قوله ـ تعالى ـ : ـ

(وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ) إلى قوله ـ تعالى : ـ (وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٣)

فإنّه مع جزالة ألفاظه ، وبهجتها. وزيادة رونقها ؛ قد دلّ على هلاك العالم ومفتتح حلول العذاب ، ومختتمة. وما كان من المهلكين في حالهم.

وما كان من المنجين المؤمنين فى انجلاء الأمر عنهم إلى غير ذلك.

ومن ذلك قوله ـ تعالى ـ : ـ

(كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ ...) الآية (٤)

__________________

(١) سورة الأعراف ٧ / ١٩٩.

(٢) سورة العنكبوت ٢٩ / ٤٠.

(٣) سورة هود ١١ / ٤٢ ـ ٤٤.

(٤) سورة آل عمران ٣ / ١٨٥.

٧١

فإنّها أيضا مع قلّة ألفاظها وجزالتها ؛ مشتملة على ذكر الدّنيا والعقبى ، والتّحذير بالموت ، والتّرغيب بالثّواب ، والتّحذير بالعقاب ووصف الدّنيا بالغرور إلى غير ذلك.

/ ومن نظر في مجمله ، ومفصّله ، ومتشابهه ؛ فإنّه يجد فى كلّ ذلك العجب العجاب ، ويتحقّق بما أمكنه من إدراكه ؛ إعجازه لذوى العقول والألباب ، وعلم أنّ أبلغ ، وأحسن ما نطقت به بلغاء العرب من ذوى الآداب ، والرّتب إذا نسبه إلى الكلام الرّبانى ، وجد النّسبة بينهما على نحو ما بين اللّسان العربى ، والأعجمى ؛ فإنك لا ترى إلى فصيح قول العرب فى انزجار القاتل : «القتل أنفى للقتل». وإلى قوله ـ تعالى ـ : (وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ) (١) وما بينهما من الفرق فى الجزالة والبلاغة والتّفاوت فى الحروف الدّالة على المعنى ، ومن كان أشدّ تدربا ومعرفة بمذاهب العرب فى اللغات ، وأنواع البلاغات ؛ كان أشدّ معرفة ببلاغة القرآن وإعجازه ، كما أنّ من كانت معرفته بعلم الطبيعة فى زمن إبراهيم ، وعلم السحر فى زمن موسى ، والطّب فى زمن عيسى أشدّ ، كان أشدّ معرفة بإعجاز ما جاء به إبراهيم ، وموسى ، وعيسى / / ومنهم من قال : وجه الإعجاز فيه ؛ ما اشتمل عليه القرآن من الإخبار عمّا تحقّق بعد ما أخبر به من الأمور الغيبيّة :

كما فى قوله ـ تعالى ـ : ـ

(قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) (٢) وكان كما أخبر.

وكقوله ـ تعالى ـ : (لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) (٣) وكان كما أخبر.

وكقوله ـ تعالى ـ : (وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها) (٤) وكان كما أخبر.

وقوله ـ تعالى :

(الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ) (٥).

__________________

(١) سورة البقرة ٢ / ١٧٩.

/ / أول ل ٨٠ / ب.

(٢) سورة الإسراء ١٧ / ٨٨.

(٣) سورة الفتح ٤٨ / ٢٧.

(٤) سورة الفتح ٤٨ / ٢٠.

(٥) سورة الروم ٣٠ / ١ ـ ٤.

٧٢

أخبر عن أمر واقع ؛ وهو غلبة الفرس للروم في أدنى أرض العرب وهو منقطع الشّام ، وعن أمر متوقّع ؛ ووقع على وفق ما أخبر به [وهو غلبة الروم للفرس فى بضع سنين وهو ما بين الثّلاث إلى التسع إلى غير ذلك من الآيات الدّالة على ما أخبر بوقوعه ، ووقع على وفق ما أخبر به] (١).

ومنها الإخبار عن قصص الماضين ، وسير الأولين على [نحو] (٢) ما وردت به الكتب السّالفة ، والتّواريخ الماضية مع ما عرف من حال النّبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ من الأمّية وعدم الاشتغال بالعلوم والدّراسة ، وعدم معاشرة أهل الكتاب ، وأرباب العلم.

وذلك كلّه من المعجزات الخارقة للعادة على ما لا يخفى ، وليس المعجز هو نفس الإخبار عن الغيب ، ولا نفس وقوع المخبر عنه إذا كان من الأمور العاديّة كما ذكرناه من الأمثل ؛ بل المعجز من ذلك علمه بالغيب الّذي دلّ عليه وقوع المخبر عنه.

ومنهم من قال : وجه الإعجاز فى القرآن إنما هو عدم اختلافه وتناقضه مع طوله ، وامتداده : متمسّكين فى ذلك بقوله ـ تعالى ـ :

(وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (٣).

ومنهم / من قال : وجه الإعجاز فيه موافقته لقضيّة العقل فى دقيق المعانى.

ومنهم من قال : وجه الإعجاز فيه : إنّما هو قدمه

ومنهم من قال : وجه إعجازه : كونه دالّا على الكلام القديم.

ومنهم من قال : وجه الإعجاز ؛ إنّما هو مجموع الوصفين : وهما النّظم الغريب ، والبلاغة ؛ وهذا هو اختيار القاضى أبى بكر.

وذهب الأكثرون : كالأستاذ أبى اسحاق ، والنّظام ، وبعض الشيعة وغيرهم : إلى أن العرب كانت قادرة على مثل كلام القرآن قبل البعثة. وأنه لا إعجاز فى القرآن. وإنما المعجز هو صرف بلغاء العرب عن معارضته.

__________________

(١) ساقط من أ.

(٢) ناقص من (أ)

(٣) سورة النساء ٤ / ٨٢.

٧٣

إما بصرف دواعيهم : كما قاله النّظّام ، والأستاذ أبى اسحاق. وإما يسلبهم العلوم : التى لا بدّ منها فى المعارضة ، كما قاله الشّريف المرتضى من الشيعة (١) ، وأما ما هو المختار من ذلك فسننبه عليه فيما بعد.

ومن معجزاته ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : انشقاق القمر له على ما دل عليه قوله ـ تعالى : ـ (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) (٢) وقد رواه ابن مسعود وغيره من الصحابة (٣).

ومن ذلك كلام الجمادات والحيوانات العجماوات فى زمنه ، وحركات الجمادات إليه ، واكتفاء العدد الكثير بالطعام القليل ، ونبع الماء من بين أصابعه ، وإخباره بالغيب ووقوعه على وفق ما أخبر ، إلى غير ذلك من المعجزات.

__________________

(١) الشريف المرتضى (٣٥٥ ـ ٤٣٦ ه‍ / ٩٦٦ ـ ١٠٤٤ م) : هو الشريف على بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى الكاظم ابن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن على زين العابدين بن الحسين بن على بن أبى طالب

(الشريف المرتضى ، أبو القاسم ، علم الهدى).

ولد فى رجب سنة ٣٥٥ ه‍ وولى نقابة الطالبيين ، وتوفى ببغداد فى ٢٥ ربيع الأول سنة ٤٣٩ ه‍ له سبعة وثمانون مصنفا. منها : ايقاظ البشر فى القضاء والقدر ، غرر الفرائد ودرر القلائد فى المحاضرات ، الذخيرة فى الأصول ، الشافى فى الإمامة وله أيضا : ديوان شعر.

[انظر : تاريخ بغداد ١١ / ٢٠٢ وما بعدها ، وفيات الأعيان ١ / ٤٣٣ وما بعدها ، ولسان الميزان لابن حجر ٤ / ٢٢٣].

(٢) سورة القمر ٥٤ / ١.

(٣) أحاديث انشقاق القمر للرسول ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ صحيحة متفق على صحتها أخرجها البخارى ، ومسلم ، والترمذي ، وأبو داود ، والإمام أحمد وغيرهم وسأشير فيما يلى إلى ارقام الصفحات والأحاديث فى كتب هؤلاء الأئمة. على قدر الطاقة.

أولا : صحيح البخارى ـ كتاب المناقب ـ باب سؤال المشركين أن يريهم النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم آية فأراهم انشقاق القمر. عن عبد الله بن مسعود ـ رضى الله عنه ـ قال : «انشق القمر على عهد النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ شقتين ، فقال النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : اشهدوا» الحديث رقم ٣٦٣٦ ج ٦ ص ٧٣٠ [الأحاديث : ٣٦٣٧ ، ٣٦٣٨]. وكتاب مناقب الأنصار ٧ / ٢٢١ باب انشقاق القمر. الأحاديث [٣٨٦٨ ـ ٣٨٧١]. وكتاب تفسير القرآن سورة القمر ـ وانشق القمر ـ ٨ / ٤٨٢ [الأحاديث : ٤٨٦٢ ، ٤٨٦٨].

ثانيا : بقية الكتب وسأشير إليها بإيجاز بعد أن وضحت ما ورد فى صحيح البخارى بالتفصيل.

أ ـ صحيح مسلم ـ كتاب صفات المنافقين ـ باب انشقاق القمر ٤ / ٢١٥٨ ح ٢٨٠٠ وما بعده.

ب ـ سنن الترمذي ـ كتاب الفتن ـ باب ما جاء فى انشقاق القمر ٤ / ٤٧٧ ح ٢١٨٢.

ج ـ سنن أبى داود ـ باب ما جاء فى معجزاته ومنها انشقاق القمر ٢ / ١٢٣.

د ـ مسند الإمام أحمد ١ / ٣٧٧ مسند عبد الله بن مسعود ٣ / ٢٧٥ مسند انس بن مالك ٤ / ٨١ ، ٨٢ مسند جبير بن مطعم.

ولمزيد من البحث والدراسة : انظر : كتاب دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة ـ للإمام البيهقى ٢ / ٢٦٢ ـ ٢٦٨ (باب سؤال المشركين رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بمكة أن يريهم آية ؛ فأراهم انشقاق القمر).

وتثبيت دلائل النبوة للقاضى عبد الجبار ١ / ٥٥ ـ ٥٩.

٧٤

وأما كلام الجمادات : فمن ذلك ما روى عن أنس بن مالك (١) ـ رضى الله عنه ـ أنه قال : كنا عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فأخذ كفّا من حصى فسبّحن فى يده حتى سمعنا التسبيح. ثم صبّهن فى يد أبى بكر ، ثم فى يد عمر ، ثم فى يد عثمان ، ثم فى أيدينا واحدا بعد واحد ، فلم تسبح (٢).

ومن ذلك ما روى جعفر (٣) بن محمد عن أبيه قال : «مرض رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأتاه جبريل بطبق فيه رمان ، وعنب ؛ فأكل النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم منه فسبح العنب ، والرمان» (٤).

ومن ذلك ما روى عنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ «أنه قال للعباس (٥) يا أبا الفضل الزم منزلك غدا انت وبنوك إنّ لى فيكم حاجة ؛ فصحبهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقال تقاربوا فزحف بعضهم إلى بعض فاشتمل عليهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بملاءة وقال هذا عمىّ وصنو

__________________

(١) أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم النجارى الخزرجى الأنصارى أبو حمزة. صاحب رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وخادمه روى عنه رجال الحديث ٢٢٨٦ حديثا. ولد بيثرب (المدينة المنورة) قبل الهجرة بعشر سنين ، وأسلم صغيرا ، وخدم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلى أن قبض ، ثم رحل إلى دمشق ، ومنها إلى البصرة ؛ فمات فيها وعمره أكثر من مائة عام وهو آخر من مات بالبصرة من الصحابة سنة ٩٣ ه‍.

[طبقات ابن سعد : ٧ : ١٠ ، وصفة الصفوة لابن الجوزى ١ / ٢٧٠ ـ ٢٧٢ الأعلام للزركلى ٢ / ٢٤ ، ٢٥].

(٢) أورده النبهانى فى كتابه : حجة الله على العالمين فى معجزات سيد المرسلين ـ باب تسبيح الحصى والطعام ص ٤٤٧ عن أنس ـ رضى الله عنه ـ ثم ذكره وعزاه إلى ابن عساكر. وأخرجه البيهقى فى دلائل النبوة ـ باب ما جاء فى تسبيح الحصيات فى كف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم. ثم فى كف بعض أصحابه ٦ / ٦٤ عن أبى ذرّ ـ رضى الله عنه بلفظ قريب جدا من هذه الرواية. وأورد الهيثمى فى مجمع الزوائد كتاب علامات النبوة ٨ / ٢٩٨ ، ٢٩٩ عن أبى ذر وعزاه إلى الطبرانى فى الأوسط. والقاضى عياض فى كتابه : الشفاء ـ باب ومثل هذا فى سائر الجمادات ص ٢٠١ ، ٢٠٢. ولمزيد من البحث والدراسة (انظر دلائل النبوة للبيهقى ٦ / ٦٤ باب ما جاء فى تسبيح الحصيات فى كف النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم)

(٣) جعفر بن محمد الباقر بن على زين العابدين بن الحسين بن على ـ رضى الله عنهم ـ الملقب بالصادق. سادس الأئمة الاثنى عشر عند الإمامية. كان من علماء التابعين وله منزلة رفيعة في العلم. أخذ عنه جماعة : منهم الإمامان أبو حنيفة ومالك. ولقب بالصادق : لأنه لم يعرف عند الكذب قط. له أخبار مع الخلفاء من بنى العباس ، وكان جريئا عليهم صداعا بالحق لا يخشى فى الحق لومة لائم. ولد بالمدينة سنة ٨٠ ه‍ وتوفى بها سنة ١٤٨ ه‍ [وفيات الأعيان لابن خلكان ١ / ١٠٥ وصفة الصفوة لابن الجوزى ١ / ٣٧٥ ـ ٣٧٨ الأعلام للزركلى ٢ / ١٢٦].

(٤) أورده النبهانى فى كتابه : حجة الله على العالمين فى معجزات سيد المرسلين ـ باب تسبيح الحصى والطعام ص ٤٤٧ عن جعفر بن محمد عن أبيه. وعزاه إلى القاضى عياض فى كتابه الشفاء. وأخرجه القاضى عياض فى كتابه : الشفاء ـ باب ومثل هذا فى سائر الجمادات ص ٢٠٢ عن جعفر بن محمد عن أبيه. (طبعة سنة ١٣٦٩ ه‍ / سنة ١٩٥٠ م).

(٥) العباس بن عبد المطلب رضى الله عنه : من أكابر قريش فى الجاهلية والاسلام عم رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ، وجد الخلفاء العباسيين قال فيه رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ هذا بقية آبائى ـ كانت له سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام. هاجر إلى المدينة وشهد فتح مكة كما شهد وقعة (حنين) وثبت فيها حين انهزم الناس له فى كتب الحديث خمسة وثلاثون حديثا. ولد بمكة قبل الهجرة بإحدى وخمسين سنة وعمر طويلا وتوفى سنة ٣٢ ه‍ (صفة الصفوة لابن الجوزى ١ / ١٩٠ ـ ١٩٢ والأعلام للزركلى ٣ / ٢٦٢)

٧٥

أبى ، وهؤلاء من أهل بيتى ؛ فاسترهم من النّار كسترى إيّاهم ؛ فأمنت أسكفة الباب وحيطان البيت وقالت آمين آمين» (١).

ومن ذلك ما روى ابن عمر (٢) أنه قال : كنا مع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم / فى سفر ؛ فأقبل أعرابى فلما دنا منه قال له أين تريد قال إلى أهلى ، قال له هل لك فى خير ، قال الأعرابى وما هو ، قال تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله ، فقال الأعرابى هل من شاهد على ما تقول ، قال أجل هذه الشجرة (٣) فدعا بها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهى فى شاطئ الوادى فأقبلت تخدّ الأرض خدّا حتّى قامت بين يديه وشهدت له بالنبوة ثم رجعت إلى منبتها وآمن الأعرابى.

__________________

(١) أخرجه الطبرانى فى المعجم الكبير ١٩ / ٢٦٣ ح ٥٨٤ حدثنا على بن عبد العزيز حدثنا إبراهيم بن عبد الله الهروى حدثنا عبد الله بن عثمان عن اسحاق بن سعد بن أبى وقاص حدثنى جدى أبو أمى مالك بن حمزة بن أبى أسيد الساعدى عن أبيه عن جده أبى أسيد الساعدى قال : قال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ للعباس بن عبد المطلب يا أبا الفضل الزم منزلك غدا أنت وبنوك حتى آتيكم فانتظروه حتى جاء بعد ما أضحى ، فدخل عليهم ؛ فقال : السلام عليكم. قالوا : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. قال : كيف أصبحتم. قالوا بخير نحمد الله.

فقال : تقاربوا. تقاربوا يزحف بعضكم إلى بعض حتى إذا أمكنوه. اشتمل عليهم بملاءة ثم قال : يا رب هذا عمى وصنو أبى. وهؤلاء من أهل بيتى. فاسترهم من النار كسترى اياهم بملاءتي هذه ؛ فأمّنت أسكفّة الباب ، وحوائط البيت فقالت : آمين. آمين. ولمزيد من البحث والدراسة انظر دلائل النبوة للبيهقى ٦ / ٧١ ، ٧٢ (باب ما جاء فى تأمين أسكفّة الباب ، وحوائط البيت على دعاء نبينا محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لعمه العباس ولبنى عمه)

(٢) ابن عمر : عبد الله بن عمر بن الخطاب ـ رضى الله عنهما ـ صحابى جليل نشأ فى الإسلام. هاجر إلى المدينة مع أبيه وشهد فتح مكة. ولد بمكة قبل الهجرة بعشرة أعوام وتوفى بها سنة ٧٣ ه‍ وكان آخر من توفى بمكة من الصحابة أفتى الناس فى الإسلام ستين سنة وله فى كتب الحديث ٢٦٣٠ حديثا وفى الاصابة : قال أبو سلمة بن عبد الرحمن : مات ابن عمر وهو مثل عمر فى الفضل وكان عمر فى زمان له فيه نظراء ، وعاش بن عمر فى زمان ليس له فيه نظير. [صفة الصفوة لابن الجوزى ١ / ٢١١ ـ ٢١٩ ، والأعلام للزركلى ٤ / ١٠٨].

(٣) أخرجه الدارمى فى سننه ـ كتاب المقدمة ـ باب ما أكرم الله به نبيه من إيمان الشجر به والبهائم ١ / ٢٢ ح ١٦. اخبرنا محمد بن طريف حدثنا محمد بن فضل حدثنا أبو حيان عن عطاء عن ابن عمر قال : كنا مع رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى سفر. فأقبل أعرابى. فلما دنا منه. قال له رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : أين تريد؟ فقال : إلى أهلى. فقال له : هل لك فى خير. قال : وما هو. قال : تشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله. قال : ومن يشهد على ما تقول. قال هذه الشجرة. فدعاها رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وهو بشاطئ الوادى. فأقبلت تخد الأرض خدا حتى قامت بين يديه. فاستشهدها ثلاثا ؛ فشهدت ثلاثا أنه كما قال ثم رجعت إلى منبتها. ورجع الأعراب إلى قومه. وقال : إن تبعونى أتيتك بهم ، وإلا رجعت معك.

وأخرجه الطبرانى فى المعجم الكبير ١٢ / ٤٣١ ـ ح ١٣٥٨٢ حدثنا الفضل بن أبى رباح حدثنا عبد الله بن عمر بن أبان حدثنا محمد بن الفضل إلى آخر طريق الدارمى لفظه. وأورده الهيثمى فى مجمع الزوائد ٨ / ٢٩٢ وعزاه إلى الطبرانى ورجاله رجال الصحيح. ولمزيد من البحث والدراسة انظر دلائل النبوة للبيهقى ٦ / ١٣ وما بعدها.

٧٦

ومن ذلك ما اشتهر من كلام الذراع المسموم وغيره (١).

وأمّا كلام الحيوانات العجماوات :

فمن ذلك ما روى عن أبى سعيد (٢) الخدرى أنّه قال : كان يرعى راع غنما له بالحرّة ؛ فوثب ذئب إلى شاة ؛ فانتهزها ، واختطفها ؛ فحال الراعى بين الذئب والشّاة ، واسترجعها ؛ فأقعى الذئب على ذنبه ، وقال للراعى أما تتقى الله تحول بينى ، وبين رزق ساقه الله إلى ، فقال الراعى العجب من ذئب مقعىّ يكلمنى كلام الإنس ، فقال له الذئب ألا أحدّثك بأعجب من ذلك : هذا رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم يحدّث النّاس بانباء ما قد سبق ، فاخذ الرّاعى الشّاة ، وأتى بها إلى المدينة ، وأتى إلى النبي ـ

__________________

(١) أخرجه أبو داود فى سننه (كتاب الديات ـ باب فيمن سقى رجلا سما ، أو أطعمه فمات أيقاد منه ٦ / ٣٠٧ ح ٤٣٤٢. والأحاديث الأخرى (٤٣٤٣ ، ٤٣٤٤ ، ٤٣٤٥) عن أنس بن مالك ـ رضى الله عنه ـ «أن امرأة يهودية أتت رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بشاة مسمومة ، فأكل منها. فجئ بها إلى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ؛ فسألها عن ذلك؟ فقالت : أردت لأقتلك. فقال : ما كان الله ليسلطك على ذلك ، أو قال : عليّ. قال :

فقالوا : ألا تقتلها؟ قال : لا ، فما زلت أعرفها فى لهوات رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم». وأخرجه البخارى ومسلم أيضا (اللهوات : جمع لهاة ، وهى اللحمات التى فى أقصى الحلق. ويجمع أيضا على لهيات ، ولهى : بضم اللام).

وعن ابن شهاب (ح ٤٣٤٤) قال : كان جابر بن عبد الله ـ رضى الله عنهما ـ يحدث «أن يهودية من أهل خيبر سمّت شاة مصلية : ثم أهدتها لرسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأخذ رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الذراع ، فأكل منها ، وأكل رهط من أصحابه معه ثم قال لهم رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ : ارفعوا أيديكم. وأرسل رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إلى اليهودية ، فدعاها ، فقال لها : أسممت هذه الشاة؟ قالت اليهودية : من أخبرك؟ قال : أخبرتنى هذه فى يدى ـ للذراع ـ قالت : نعم. قال : فما أردت إلى ذلك؟. قالت : قلت : إن كان نبيا ؛ فلن تضره. وإن لم يكن نبيا ؛ استرحنا منه ؛ فعفا عنها رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ولم يعاقبها.

وتوفى بعض أصحابه الذين أكلوا من الشاة ، واحتجم رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على كاهله من أجل الّذي أكل من الشاة ، حجمه أبو هند بالقرن والشفرة». وهذا الحديث منقطع ؛ لأن الزهرى لم يسمع من جابر بن عبد الله.

ولمزيد من البحث والدراسة انظر ما جاء فى كتاب : (دلائل النبوة) للبيهقى ٤ / ٢٥٦ ـ ٢٦٤ باب ما جاء فى الشاة التى سمّت للنبى ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بخيبر وما ظهر فى ذلك من عصمة الله جل ثناؤه رسوله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عن ضرر ما أكل منه حتى بلغ فيه أمره ، وإخبار ذراعها إياه بذلك حتى أمسك عن البقية.

(٢) أبو سعيد الخدرى رضى الله عنه : سعد بن مالك بن سنان الخدرى الأنصارى الخزرجى ، أبو سعيد : صحابى جليل ولد فى السنة العاشرة قبل الهجرة. كان من ملازمى النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم وروى عنه ١١٧٠ حديثا. غزا اثنتى عشرة غزوة توفى بالمدينة سنة ٧٤ ه‍.

(صفة الصفوة لابن الجوزى ١ / ٢٧٢ وتهذيب ٣ / ٤٧٩ والأعلام للزركلى ٣ / ٨٧).

٧٧

صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وأخبره بالخبر ، فقال عليه‌السلام صدق ، إن من اقتراب الساعة كلام السباع (١).

ومن ذلك ما روى عبد الله بن عمر أنه قال : كنّا جلوسا عند رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إذ جاء أعرابى على ناقة حمراء فأناخ بباب المسجد ، ودخل وسلم على النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ وقعد ؛ فقالوا يا رسول الله : إن النّاقة التى تحت الأعرابى سرقة ، فقال : أثم بيّنة؟ فقالوا نعم ، فقال ـ عليه‌السلام ـ يا عليّ خذ حق الله من الأعرابى إن قامت عليه البيّنة وإن لم تقم فردّه إلى فاطرق الأعرابى ، فقال له النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يا أعرابى قم لأمر الله ، وإلّا فادل بحجّتك. فقالت النّاقة : من خلف الباب والّذي بعثك بالكرامة يا رسول الله إن هذا ما سرقنى ، ولا ملكنى أحد سواه ، فقال له عليه‌السلام : بالذى أنطقها بعذرك ما الّذي قلت ، فقال : قلت اللهم إنّك لست بربّ استحدثناك ، ولا معك إله أعانك على خلقنا ، وشاركك فى ربوبيّتك ، أنت ربّنا أسألك أن تصلى على محمد ، وأن تبرّئني ببراءتى (٢).

ومن ذلك ما روى عنه ـ عليه‌السلام ـ أنه لما فتح الله عليه خيبر أصابه من سهمه حمار أسود ، قال فكلم النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الحمار وقال له ما أسمك فأجابه

__________________

(١) الحديث أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة ـ باب فمنه كلام الذئب ص ٣١٨ كما ورد هنا ، وأورد الهيثمى في مجمع الزوائد ـ كتاب علامات النبوة ـ باب إخبار الذئب بنبوته ٨ / ٢٦١ وعزاه إلى أحمد ، ورجاله رجال الصحيح.

وأخرجه أحمد فى المسند ـ مسند أبى سعيد الخدرى ـ رضي الله عنه ـ ٣ / ٨٣ ، ٨٤. حدثنا يزيد أنا القاسم بن الفضل الحرانى عن أبى نضرة عن أبى سعيد الخدرى قال : عدا ذئب على شاة فأخذها ؛ فطلبه الراعى فانتزعها منه ؛ فأقعى الذئب على ذنبه وقال : ألا تتقى الله! تنزع منى رزقا ساقه الله إلى. فقال يا عجبى ذئب مقع على ذنبه يكلمنى كلام الإنس ؛ فقال الذئب : ألا أخبرك بأعجب من ذلك محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق. قال فأقبل الراعى يسوق غنمه حتى دخل المدينة ، فزواها إلى زاوية من زواياها. ثم أتى رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ؛ فأخبره فأمر رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فنودى الصلاة جامعة ثم خرج ، فقال للراعى : أخبرهم : فأخبرهم.

فقال رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والّذي نفسى بيده. لا تقوم الساعة حتى يكلم السباع الإنس ، ويكلم الرجل عزبة سوطه وشراك نعله ، ويخبره فخذه بما أحدث أهله بعده.

ولمزيد من البحث والدراسة انظر دلائل النبوة للبيهقى ٦ / ٤١ (باب ما فى كلام الذئب وشهادته لنبينا بالرسالة وما ظهر فى ذلك من دلالات النبوة).

(٢) هذا الحديث أخرجه الحاكم فى المستدرك ـ كتاب التاريخ ـ باب هداية الطريق ٢ / ٦١٩ ، ٦٢٠ ـ (كما ذكره الآمدي هنا) وبقى من الحديث. «فقال له رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ والّذي بعثنى بالكرامة يا أعرابى لقد رأيت الملائكة يبتدرون أفواه الأزقة يكتبون مقالتك ؛ فأكثر الصلاة عليّ».

وقال الحاكم رواة هذا الحديث عن آخرهم ثقاة ويحيى بن عبد الله المصرى هذا لست أعرفه بعدالة ولا جرح ، ووافقه الذهبى.

وقد ورد حادثة الناقة فى (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) للقاضى عياض ١ / ٣١٥.

٧٨

الحمار وقال يزيد ابن شهاب أخرج الله ـ تعال من نسل جدى ستين حمارا كلهم لم يركبهم إلا نبى ، ولم يبق من نسل جدى غيرى ، ولم يبق من / الأنبياء غيرك قد كنت أتوقعك ، وكان يركبنى قبلك يهودى ، وكنت أعثر به عمدا وكان يجبع بطنى ، ويضرب ظهرى ، وكان النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يركبه فاذا نزل عنه بعثه إلى باب دار الرجل ؛ فيأتى الباب ؛ فيقرعه برأسه فإذا خرج إليه صاحب الدار أومأ إليه أن أجب رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فلما قبض رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ جاء الحمار الحمار إلى بئر ؛ فتردى فيها ؛ فجزع عليه أصحاب رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم (١).

ومن ذلك ماروت أمّ (٢) سلمة أن النبىّ ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان يمشى فى الصحراء فناداه مناد : يا رسول الله مرّتين. فالتفت فإذا هو بظبية موثقة مع أعرابىّ نائم.

فقالت له : أدن منّى يا رسول الله.

فقال : ما حاجتك.

فقالت : إنّ هذا الأعرابىّ صادنى ولى خشفان فى الجبل ، فاطلقنى حتى أذهب ؛ فارضعهما وأرجع.

فقال : أتفعلين ذلك؟

فقالت : إن لم أفعل يعذّبنى الله عذاب العشّار.

فأطلقها : فذهبت فأرضعت خشفيها ، ثم رجعت ؛ فأوثقها رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم.

فانتبه الأعرابى من نومه ؛ فقال يا رسول الله : ألك حاجة؟

__________________

(١) أورده القاضى عياض فى كتابه (الشفا بتعريف حقوق المصطفى) فصل فى الآيات فى ضروب الحيوانات ١ / ٣١٤ ، ٣١٥ وفيه زيادة : فسماه النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ يعفورا.

(٢) أم سلمة رضى الله عنها : هند بنت سهيل المعروف بأبى أمية ابن المغيرة القرشية المخزومية أم سلمة : من زوجات النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ. تزوجها فى السنة الرابعة للهجرة ، وكانت من أكمل النساء عقلا وخلقا ، وهى من السابقات للإسلام ، بلغ ما روته من الحديث ٣٧٨ حديثا ، هاجرت إلى الحبشة مع زوجها الأول ، ثم هاجرت إلى المدينة ، كان مولدها بمكة قبل الهجرة بثمان وعشرين سنة وتوفيت بالمدينة سنة ٦٢ ه‍.

(صفة الصفوة لابن الجوزى ١ / ٣١٣ ، ٣١٤ والأعلام للزركلى ٨ / ٩٧ ، ٩٨).

٧٩

فقال : نعم. تطلق هذه ؛ فأطلقها ؛ فخرجت تعدو وهى تقول : أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمد رسول الله (١).

وأما حركات الجمادات إليه :

فمن ذلك : قصة شجرة الوادى على ما سبق (٢)

ومن ذلك ما روى عن ابن عباس (٣) ـ رضى الله عنهما ـ أنّه قال : جاء أعرابى إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فقال له لم أعرف أنك رسول الله ، فقال له أرأيت إن دعوت هذا العزق من هذه النخلة أتشهد أنى رسول الله ، قال نعم.

قال فدعا العزق ؛ فجعل العزق ينزل من النخلة حتى سقط فى الأرض حتى أتى إلى النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ثم قال له ارجع فرجع حتى عاد إلى مكانه ؛ فقال الأعرابى أشهد أنك رسول الله (٤)

ومن ذلك ما اشتهر من حنين الجذع اليابس إليه (٥).

__________________

(١) أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة ـ باب ذكر الظبى والضب ص ٣٢٠ عن زيد بن أرقم وفى ص ٣٢١ عن أنس بن مالك. كما أخرجه البيهقى فى دلائل النبوة ٦ / ٣٤ عن أبى سعيد ٦ / ٣٥ عن زيد بن أرقم. وقال البيهقى : قال زيد بن أرقم : فأنا والله رأيتها تسيح فى البرية وتقول : لا إله إلا الله محمد رسول الله. كما أخرجه الطبرانى فى المعجم الكبير ٢٣ / ٣٣١ ، ٣٣٢ حديث رقم ٧٦٣.

(٢) انظر ما مر ل ١٤٩ / أ.

(٣) ابن عباس رضي الله عنه : عبد الله بن عباس بن عبد المطلب رضى الله عنهما الصحابى الجليل ـ حبر الأمة ـ ولد بمكة قبل الهجرة بثلاثة أعوام ونشأ فى بدء عصر النبوة ؛ فلازم رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ، وروى عنه وشهد مع على رضى الله عنه ـ الجمل وصفين ثم سكن الطائف وتوفى بها سنة ٦٨ ه‍ له فى كتب الحديث ١٦٦٠ حديثا.

قال ابن مسعود : نعم ترجمان القرآن ابن عباس.

وقال عمرو بن دينار : ما رأيت مجلسا كان أجمع لكل خير من مجلس ابن عباس : الحلال والحرام والعربية والأنساب والشعر ، ولحسان بن ثابت شعر في وصفه وذكر فضائله (صفة الصفوة لابن الجوزى ١ / ١٨٥ ـ ٢٩١ والأعلام للزركلى ٤ / ٩٥).

(٤) أخرج فى دلائل النبوة ٦ / ١٣ وما بعدها باب مشى العذق الّذي دعاه محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إليه حتى وقف بين يديه ثم رجوعه إلى مكانه بإذنه وما فى ذلك من دلائل النبوة ، وقد أورده البيهقى بروايات متعددة ، عن عمر بن الخطاب ، وأنس بن مالك والحسن ، وابن عمر ، وابن عباس رضى الله عنهم.

(٥) انظر دلائل النبوة للبيهقى ٦ / ٦٦ ـ ٦٨ باب (ما جاء فى حنين الجذع الّذي كان يخطب عنده رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ حين جاوزه إلى المنبر. وقد مضى بعض طرقه عند ذكر اتخاذ المنبر وفى ذلك دلالة ظاهرة من دلالات النبوة.

وقد أورد البيهقى بطرق متعددة عن جابر ، وقد خرجه البخارى في صحيحه كتاب المناقب ـ باب علامات النبوة فى الإسلام الحديث رقم ٣٥٨٤. وعن ابن عمر : «أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ كان يخطب إلى جذع فلما وضع المنبر حنّ إليه حتى أتاه ؛ فمسحه فسكن».

وقد نقل عن الشافعى ـ رحمه‌الله ـ قوله ـ «ما أعطى الله ـ عزوجل ـ نبيا ما أعطى محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ الجذع الّذي كان يخطب إلي جنبه حتى هيئ له المنبر حنّ الجذع حتى سمع صوته ؛ فهذا أكبر من ذاك».

٨٠