أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٤

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]

أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٤

المؤلف:

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]


المحقق: د. أحمد محمد المهدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 977-18-0327-1
الصفحات: ٣٩٨

الثانى : أنهن فى حالة خروجه عليهن : إنما عرفن منه حسنه وجماله ؛ فإن ذلك يحصل بأول نظرة ، بخلاف حسن السيرة ، والعفاف ، وصفات الفضيلة ؛ فإنها لا تعرف إلا بعد خبرة وطول مدة ، والظاهر كذلك أنهم إنما قصدوا التشبيه فى الصورة ، لا فى السيرة.

الثالث : قول امرأة العزيز (فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ) (١) أى فى جماله ، وميلها إليه ؛ لما ظهر لهن عذروها ؛ لحسنه وجماله.

ولا يخفى أن ما كان فيه من حسن السيرة ، وصفات الفضيلة غير موجب لذلك.

قوله ـ تعالى ـ : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) (٢) .... الآية.

لا يدل على تفضيل الملك عليه ، وذلك لأن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لما خوف كفار قريش بالعذاب فى قوله ـ تعالى ـ قبل هذه الآية (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا) ـ يعنى كفار قريش ، وتكذيبهم بالقرآن ـ (يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) (٣). فسأله كفار قريش تعجيل العذاب ؛ استهزاء به ، وتكذيبا له ؛ فأنزل الله تعالى ـ : (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ) ـ : أى مفاتيح نزول العذاب بكم ـ (وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ) ـ : أى متى ينزل عليكم العذاب ـ (وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) (٤) : أى ممن يقدر على إحاطة العذاب بكم ، ونزوله عليكم من الملائكة كما فعل بالأمم السالفة من قبلكم ، على ما روى أن جبريل ـ عليه‌السلام ـ قلب بإحدى جناحيه بلاد لوط ، وذلك يدل على أن الملك أقدر ، ولا يدل على كونه أفضل.

وقوله ـ تعالى ـ : (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) (٥) الآية ، ليس فيه ما يدل على أن الملائكة أفضل من الأنبياء ، وذلك لأنه قد ذكر أهل التفسير أن آدم ، وحواء رأيا الملائكة على صور أحسن من صورتهما ، وخلق أعظم من خلقهما ؛ فقال لهما إبليس (ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ

__________________

(١) سورة يوسف ١٢ / ٣٢.

(٢) سورة الأنعام ٦ / ٥٠.

(٣) سورة الأنعام ٦ / ٤٩.

(٤) سورة الأنعام ٦ / ٥٠.

(٥) سورة الأعراف ٧ / ٢٠.

٢٤١

تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ) ومعناه ألا تكون على صورة الملائكة وأن لا تكونا من الخالدين ، وقاسمهما إنى لكما لمن الناصحين ؛ أى خلف لهما على ذلك ، وذلك يدل على أن صور الملائكة أحسن ، وأعظم من صور البشر ، لا على الفضيلة.

وقوله ـ تعالى ـ : (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) (١).

لا يدل على تفضيل الملائكة على المسيح ، وتأخير الملائكة فى الذكر لا نسلم دلالته على ذلك ، وما ذكروه من المثال فى قول القائل «إن فلانا لا يستنكف عن خدمته الوزير ، ولا السلطان» لم يعرف فيه زيادة شرف السلطان على الوزير من التقديم ، والتأخير ؛ بل كان ذلك معلوما لنا قبله. ولهذا لو قال القائل «ما فعل هذا الأمر زيد ، ولا عمرو» فإنه لا يدل على شرف عمرو ، على زيد ؛ بل ربما كان الأمر بالعكس فى نفس الأمر.

وإن سلمنا أن ذلك يدل على أفضلية هذا المتأخر فى الذكر ، ولكن غايته الدلالة على أن جملة الملائكة ، أفضل من المسيح وليس فيه ما يدل على أن آحاد الملائكة أفضل من المسيح. والنزاع إنما هو واقع فى أن آحاد الأنبياء ، أفضل من آحاد الملائكة. لا فى أن آحاد الأنبياء ؛ أفضل من جملة الملائكة.

وإن سلمنا دلالة ذلك على أن آحاد الملائكة أفضل من المسيح ، ولكن ليس فيه ما يدل على أنه أفضل منه فى الثواب ، ورفع الدرجة فى الدار الآخرة عند الله ـ تعالى ـ ؛ بل يحتمل أن التفاضل بينهما فى القوة / والقدرة ، أو من جهة كون المسيح مخلوقا من أنثى لا من ذكر ، وكون الملك مخلوقا من غير ذكر ، ولا أنثى ، وذلك لأن النصارى لما اعتقدوا إلاهية المسيح إما لقدرته على إحياء الميت ، وإما لكونه مخلوقا من غير ذكر ، قال ـ تعالى ـ محتجا عليهم بقوله (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ) ـ مع قدرته على إحياء الميت ومع كونه مخلوقا من غير ذكر ـ (أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) (٢) الذين هم أقوى ، وأقدر منه ، وكونهم مخلوقين من غير ذكر ، ولا أنثى ، والتفاوت بين المسيح ، والملائكة فى كل واحد من الأمرين المذكورين لا يدل على فضيلة الملك بالنسبة إلى المسيح فيما هو محل النزاع على ما قررناه.

__________________

(١) سورة النساء ٤ / ١٧٢.

(٢) سورة النساء ٤ / ١٧٢.

٢٤٢

وقوله / / تعالى ـ : (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ....) (١) الآية.

لا دلالة فيه على أن جبريل أفضل من محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فإن غايته ذكر صفات لجبريل موجبة لفضيلته ، ولا يلزم من ذلك الأفضلية إلا أن يكون كل ما وصف به محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ قد وصف به جبريل ، وزيادة ؛ وليس كذلك.

وما ذكروه فى تقريره فلا حجة فيه ؛ لأنه لم يذكر وصف جبريل بما ذكر به ، لقصد تفضيله على محمد ، أو لأنه أفضل منه ؛ بل إنما ذكر ذلك للرد على كفار مكة حيث أنهم كانوا يقولون إن محمدا مجنون ، وأن ما يذكره من القرآن : إنما هو كلام الشيطان يلقيه على لسانه. فقال ـ تعالى ـ : (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ* الْجَوارِ الْكُنَّسِ) ـ أى الكواكب ـ (وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ) ـ أى أظلم ـ (وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) ـ أى أضاء ـ (إِنَّهُ) ـ أى القرآن ـ (لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ* ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ* مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) ، مبالغة فى أنه ليس بقول شيطان رجيم ، (وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ) (٢) كما زعمتم ، وإنما وقعت المبالغة فى ذكر صفات جبريل دون صفات محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ لوجهين :

الأول : أنها لم تكن معلومة لهم بخلاف صفات محمد ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ إذ أنها كانت معلومة لهم ؛ لكونه ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ بين أظهرهم ، وهو بمرأى منهم.

الثانى : للمبالغة فى الميز بينه ، وبين من نسب إليه إلقاء القرآن على لسان الرسول عليه ـ الصلاة والسلام ـ من الشياطين ، لا لأجل أن جبريل عليه‌السلام أفضل.

وهذه المسألة : ظنية لا حظ للقطع فيها نفيا ، ولا إثباتا ، ومدارها على الأدلة السمعية ، دون الأدلة العقلية ، وقد أتينا فيها بمبلغ الجهد ، ونهاية الوسع ، مما لم يأت به غيرنا على وفق مذهب أصحابنا.

ولله الحمد والمنة

__________________

/ / أول ل ١٠٨ / ب.

(١) سورة التكوير ٨١ / ١٩.

(٢) سورة التكوير ٨١ / ١٥ ـ ٢٢.

٢٤٣
٢٤٤

القاعدة السادسة

فى المعاد ، والسمعيات ، وأحكام الثواب والعقاب

وتشتمل على ثلاثة أصول :

الأصل الأول : فى المعاد.

الأصل الثانى : فى السمعيات.

الأصل الثالث : فى أحكام الثواب والعقاب.

٢٤٥
٢٤٦

الأصل الأول : فى المعاد.

ويشتمل على ثلاثة فصول :

الفصل الأول : فى جواز إعادة ما عدم عقلا.

الفصل الثانى : فى وجوب وقوع المعاد / الجسمانى.

الفصل الثالث : فى المعاد النفسانى.

٢٤٧
٢٤٨

الفصل الأول

فى جواز إعادة ما عدم عقلا

وقد اختلف فيه :

فذهبت الفلاسفة (١) ، والتناسخية (٢) ، وأبو الحسين البصرى (٣) ، وبعض الكرامية (٤) إلى المنع من ذلك.

وذهب أكثر المتكلمين إلى جوازه (٥).

ثم اختلف القائلون بالجواز :

فذهبت الأشاعرة ومن تابعهم إلى جواز إعادة ما عدم ذاتا ، ووجودا (٦).

واختلفوا فى إعادة الأعراض :

فمنهم من منع منها. لأن المعاد عنده معاد لمعنى ، فلو عادت الأعراض ، لعادت لمعنى ، ويلزم منه قيام العرض بالعرض ؛ وهو محال (٧).

وذهب أكثرهم. وإليه ميل شيخنا إلى جواز إعادتها مطلقا (٨).

ثم أختلف أصحابنا القائلون بجواز إعادة الأعراض. فى أنه هل يجوز إعادتها فى غير محالها. أو أنها لا تعاد إلا فى محالها.

__________________

(١) انظر رأيهم بالتفصيل فى رسالة أضحوية فى أمر المعاد لابن سينا ص ٨٢ وما بعدها ت د. سليمان دنيا ط دار الفكر العربى ، والنجاة له أيضا ص ٤٧٧ ط : مطبعة السعادة سنة ١٣٣١ ه‍.

أما نقد رأيهم : فانظر : تهافت الفلاسفة للإمام الغزالى ص ٣٨٢ ت : د. سليمان دنيا ، دار المعارف.

(٢) انظر عنهم ما مر فى هامش ل ١٧٥ / أمن الجزء الأول.

(٣) انظر عنه ما مر فى هامش ل ٥٣ / أمن الجزء الأول.

(٤) انظر عنهم ما مر فى الجزء الأول هامش ل ٦٥ / أوما سيأتى فى الجزء الثانى ل ٢٥٦ / ب وما بعدها.

(٥) منهم على سبيل التمثيل لا الحصر : إمام الحرمين الجوينى فى الإرشاد ص ٣٧١.

والشهرستانى فى نهاية الأقدام ص ٤٦٧ وما بعدها ، والبغدادى فى أصول الدين ص ٢٢٧.

والإيجى فى شرح المواقف السادس ص ١١٧ وما بعدها ، والتفتازانى فى شرح المقاصد ٢ / ١٥٣.

ومن المعتزلة القاضى عبد الجبار فى المغنى ١١ / ٤٥١.

(٦) لتوضيح رأى الأشاعرة انظر ما مر فى المصدر السابق.

(٧) راجع ما مر فى الأصل الثانى : فى الأعراض وأحكامها ـ الفرع الثالث : فى استحالة قيام العرض بالعرض ل ٤٢ / ب وما بعدها.

(٨) انظر الإبانة للإمام الأشعرى ص ٨٩ وما بعدها.

٢٤٩

والّذي عليه المحققون منهم : إنما هو جواز إعادتها فى غير محالها مع اتفاقهم على أن ما كان مقدورا للعبد ؛ يجوز أن يعيده الله ـ تعالى ـ مقدورا.

إما بأن يعيد القدرة الأولى عليه ، أو بقدرة أخرى (١).

وأما المعتزلة القائلون بكون المعدوم الممكن ذاتا ، وأن وجوده زائد على ذاته ؛ فإنهم جوزوا إعادة ما عدم وجودا لا ذاتا ، ومنعوا من إعادة المعدوم ذاتا (٢).

وأما الأعراض (٣) : فقد اتفقوا على جواز إعادة ما كان منها على أصولهم باقيا غير متولد (٤) واختلفوا فى جواز إعادة المتولد منها ، واختلفوا أيضا فى جواز إعادة ما لا بقاء له :

كالحركات ، والأصوات ، والإرادات.

فذهب الأكثرون منهم إلى المنع من إعادتها (٥). وجوزه الأقلون كالبلخى (٦) ، وغيره ، واتفقوا على أن الفاعل المختار من المخلوقين وإن كان عندهم قادرا على إنشاء الفعل ، وأن قدرته باقية أنه لا يقدر على إعادة ما عدم من أفعال العبد. اختلفوا فيه ، واختلفوا أيضا فى أن ما كان من مقدورات الرب ـ تعالى ـ مجانسا لمقدور العبد. هل يصح من الله ـ تعالى ـ إعادته بعد عدمه؟.

فذهب الجبائى (٧) : إلى منعه ، وخالفه الباقون منهم فيما كان من أفعاله باقيا.

__________________

(١) لتوضيح الآراء فى إعادة الأعراض راجع ما مر فى الجزء الأول : القول فى خلق الأفعال ل ٢٥٧ / ب وما بعدها.

(٢) راجع رأيهم فى المغنى للقاضى عبد الجبار ١١ / ١٤٥ وما بعدها.

(٣) راجع رأيهم فى المغنى للقاضى عبد الجبار ١١ / ٤٥١ وما بعدها.

(٤) لمزيد من البحث والدراسة عن التولد راجع ما مر فى الجزء الأول ـ الفرع الثامن فى الرد على القائلين بالتولد من ل ٢٧٢ / ب ـ ٢٨١ / ب. ففيه معلومات مهمة ومفيدة.

(٥) لتوضيح رأى المعتزلة انظر المغنى للقاضى عبد الجبار ١١ / ٤٥١ وما بعدها. وقارن بما ورد فى الإرشاد للجوينى ص ٣٧١ ، ٣٧٢.

(٦) راجع ترجمته فى الجزء الأول فى هامش ل ٦٤ / ب من القاعدة الرابعة ـ وانظر ما سيأتى فى القاعدة السابعة ـ فى الجزء الثانى فى ل ٢٤٦ / ب وهامشها.

أما عن رأيه : فانظر المغنى ١١ / ٤٥١ ، ٤٥٢ وقارن بالفرق بين الفرق ص ١٨١.

(٧) راجع ترجمة الجبائى فى الجزء الأول فى هامش ل ١٢ / ب أما مذهبه فانظر عنه ما سيأتى فى القاعدة السابعة ل ٢٤٦ / ب.

٢٥٠

احتج أصحابنا على جواز إعادة ما عدم مطلقا (١) بحجتين :

الأولى : أنّا قد بيّنا أن كل موجود ممكن ، فهو جائز العدم / / على ما سبق فى مسألة الفناء.

وكل ما هو جائز العدم ؛ ففرض عدمه لا يلزم عنه المحال لذاته ، وإلا لما كان جائز العدم. وكل ما يمكن فرض عدمه بعد وجوده ؛ فوجوده بعد عدمه ممكن ، وهو المعنى بإعادة ما عدم.

وبيان أن وجوده بعد عدمه ممكن :

أنه لا يخلو : إما أن يكون ممكن الوجود لذاته ، أو ممتنع الوجود / لذاته ، أو واجب الوجود لذاته.

لا جائز أن يكون واجب الوجود لذاته ؛ وإلا لما عدم.

ولا جائز أن يكون ممتنع الوجود لذاته ؛ وإلا لما كان موجودا.

فلم يبقى إلا أن يكون ممكن الوجود لذاته ؛ وهو المطلوب.

الحجة الثانية : هو أن الإعادة إحداث (٢) ، واختراع (٣) كما أن النشأة الأولى إحداث ، واختراع ؛ فهما من هذا الوجه متماثلان ، والتفاوت بينهما : إنّما هو من جهة أن النشأة الأولى غير مسبوقة بوجود قبل عدم ، والإعادة مسبوقة بوجود قبل عدم. وهذه السبقية غير مؤثرة فى اختلاف ذات الحدوث ، والاختراع من حيث هو كذلك ؛ إذ الاختلاف بين الذوات : إنما يكون بالصفات النفسية الذاتية ، لا بالنسب والإضافات الخارجة.

__________________

(١) انظر استدلال الأشاعرة على جواز إعادة ما عدم مطلقا بالإضافة إلى ما ورد هاهنا فى المواقف ص ٣٧١ وشرحها ـ الموقف السادس ص ١٧٧ وما بعدها. وشرح المقاصد ٢ / ١٥٣.

/ / أول ل ١٠٩ / أمن النسخة ب.

(٢) الإحداث : إيجاد شيء مسبوق بالزمان. (التعريفات ص ٢٢). والحادث : ما يكون مسبوقا بالعدم ، ويسمى حدوثا زمانيا ، وقد يعبر عن الحدوث بالحاجة إلى الغير ، ويسمى حدوثا ذاتيا. (التعريفات ص ٩٣).

(٣) الاختراع : إحداث شيء على غير مثال سابق. وفى اصطلاح الحكماء إيجاد شيء غير مسبوق بالعدم. (شرح الطوسى على الإشارات ص ٢١٦ ، ٢٣٧).

٢٥١

والإجماع من العقلاء منعقد على أن الحدوث فى النشأة الأولى جائز ، وما يثبت لأحد المثلين ، أمكن إثباته للمثل الآخر.

فإن قيل : ما ذكرتموه استدلال على إبطال ما هو معلوم بالضرورة ، وذلك أنه إذا أعدم الشيء فما أبدع ثانيا ، فإنّا نعلم بالضرورى أنه غير الأول ، والمتغايران لا يكون أحدهما هو الأخر.

وإن سلمنا أنه غير ضرورى ولكن قولكم فى الحجة الأولى : أنّ ما عدم بعد وجوده : إما أن يكون واجب الوجود ، أو جائز الوجود ، أو ممتنع الوجود. مسلم ؛ ولكن لم قلتم إنه لا يكون ممتنع الوجود؟

قولكم : لو كان ممتنع الوجود ، لما وجد أولا.

قلنا : ما المانع أن يكون لذاته جائز الوجود فى النشأة الأولى لذاته ، وممتنع الوجود فى طرف الإعادة؟

ولا يلزم من امتناع أحدهما عليه لذاته ، امتناع الآخر ، وصار كما قلتم فى جواز وجود العرض لذاته ، وامتناع وجوده فى الزمن الثانى من حدوثه لذاته (١).

وقولكم فى الحجة الثانية : أن الإعادة مماثلة للنشأة الأولى. ممنوع ، ولا يلزم من التماثل فى الحدوث بينهما التماثل مطلقا ، وذلك لأنّ أخص صفة الإعادة أنّها إحداث بعد نشأة لعين ما أنشأ ، وأخص وصف النشأة أنها إحداث لما لم ينشأ أولا.

وعلى هذا : فلا يلزم من جواز أحدهما ، جواز الآخر.

ثم وإن سلمنا دلالة ما ذكرتموه على جواز الإعادة ، غير أنه معارض بما يدل على امتناعها ، وبيانه من أربعة أوجه : ـ

الأول : هو أن الحكم على ما عدم بكونه جائز الإعادة ؛ حكم بإثبات صفة للمعدوم.

وعند ذلك فلا يخلو : إما أن يكون المعدوم فى حال عدمه ثابتا ، أو لا يكون ثابتا.

__________________

(١) قارن بما ورد فى شرح المقاصد ٢ / ١٥٣.

٢٥٢

فإن كان الأول : لزمكم الحكم على المعدوم بكونه شيئا ، وذاتا ثابتة ، ولم تقولوا به (١).

وإن كان الثانى : فإثبات صفة إثباتية لما ليس / بثابت محال (٢).

الثانى : هو أن ما قضى بجواز إعادته : إما أن يكون هو عين ما عدم بعد النشأة ، أو غيره.

فإن كان الأول : فيلزم أن يكون متعينا فى نفسه حالة العدم ، وتعيين المعدوم المحض محال ؛ فإنّ ذلك يستدعى التمييز بين الإعدام ، ولا تمايز بينها. وإن كان غيره ؛ فلا إعادة له.

الثالث : أنه لو كانت إعادة ما عدم جائزة ؛ لكانت إعادة الوقت الّذي فيه النشأة جائزة. ولو جاز ذلك ؛ لجاز إعادة ما حدث فيه أولا ، ثانيا.

ويلزم من اتحاد الوقت ، والشيء الحادث فيه أن لا يكون معادا وقد قيل إنه معاد ، وهو تناقض (٣).

الرابع : أنه لو جاز إعادة ما عدم ؛ لجاز أن يخلق الله ـ تعالى ـ مثله ابتداء فى وقت إعادته.

وعند ذلك : فنسبتهما إلى ما أنشئ أولا نسبة واحدة لتماثلها.

وعند ذلك : فإما أن تكون عين الأول ، أو أحدهما دون الثانى أو أنه لا واحد منهما عين الأول.

الأول محال ؛ لما فيه من تعدد المتّحد.

والثانى محال ؛ لعدم الأولوية.

والثالث : هو المطلوب.

__________________

(١) قارن بما ورد فى نهاية الأقدام ص ١٥٠ ، ١٥١ القاعدة السابعة : فى المعدوم هل هو شيء أم لا؟

(٢) انظر : رسالة أضحوية فى أمر المعاد لابن سينا ٥٠ ، ٥١ ـ وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ١٥٣ وما بعدها.

(٣) راجع شرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ١٥٤ فقد استفاد من الآمدي ووضح هذه المسألة. ثم قارن بما أورده ابن سينا فى رسالة أضحوية فى أمر المعاد ص ٥٠ ، ٥١.

٢٥٣

وإن سلمنا سلامة ما ذكرتموه عن المعارض فى جواز إعادة الجواهر ؛ غير أنه معارض فى الأعراض بما يدل على امتناع إعادتها ؛ وذلك لأن العرض لو أعيد ؛ فلا بد وأن يكون له تخصيص بزمان إعادته فيه. وذلك يستدعى / / قيام معنى به يوجب تخصصه بزمان ؛ وإلا لما كان اختصاصه بزمان عوده أولى من غيره ، وذلك يجر إلى قيام المعنى بالمعنى ؛ وهو محال كما سبق (١).

وإن سلمنا جواز إعادة الباقى من الأعراض ، غير أنه يمتنع إعادة غير الباقى منها ؛ وذلك لأنه لو جاز وجود العرض الّذي لا بقاء له فى زمنين يفصلهما عدم ؛ لجاز وجوده فى زمنين ، لا يفصلهما عدم ؛ وذلك لأنّ الزمان الّذي يلى زمان الحدوث ، مماثل للزمان الّذي لا يلى زمان الحدوث ، وما ثبت لأحد المثلين ، جاز ثبوته للآخر ، واللازم ممتنع ؛ لما سبق (٢).

وأيضا فإن ما لا يبقى من الأعراض واجبة التخصيص فى علم الله ـ تعالى ـ بأوقات لا يجوز تقدّمها عليها ، ولا تأخّرها عنها على ما عرف من أصلنا ، فلو قيل بجواز إعادتها لبطل هذا التخصيص ، وهو ممتنع.

وإن سلمنا جواز إعادة الأعراض ، ولكن ما كان منها مخلوقا لله ـ تعالى ـ أو للعبد. الأول : مسلم. والثانى : ممنوع ، وذلك لأن ما كان مخلوقا للعبد ، لو أمكن إعادته لكانت بقدرة الرب ، أو بقدرة العبد. فإن كان ذلك بقدرة الرب ـ تعالى ـ فيلزم منه وجود مخلوق بين خالقين ؛ ضرورة اتحاد الموجود ، وأن النشأة الأولى بفعل العبد / والثانية بفعل الرب ـ تعالى ـ وهو محال كما تقدم (٣).

وإن كان ذلك بقدرة العبد ؛ فإما أن يكون ذلك بقدرة أخرى غير القدرة على النشأة الأولى ، أو بعينها.

__________________

/ / أول ل ١٠٩ / ب من النسخة ب.

(١) راجع المواقف للإيجي ص ٣٧٢ وشرحها : الموقف السادس ص ١٧٨ وما بعدها ثم راجع ما مر فى ل ٤٢ / ب وما بعدها من الجزء الثانى.

(٢) راجع ما مر فى الأصل الثانى فى الأعراض وأحكامها ـ الفرع الرابع ل ٤٤ / ب وما بعدها.

(٣) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع السادس ـ الأصل الثانى ـ الفرع الأول : فى امتناع مخلوق بين خالقين ل ٢١٧ / ب وما بعدها.

٢٥٤

فإن كان الأول : لزم تعلق مقدور واحد بقدرتين ، وكما يمتنع وجود مقدور بقادرين ، يمتنع وجود مقدور بقدرتين.

وإن كان الثانى : فهو ممتنع ؛ لأنّه لو صلحت القدرة الواحدة لإحداث العرض ، وإعادته ؛ لكانت صالحة لإنشاء مثله فى وقت إعادته فى محله وذلك ممتنع ؛ لأنه لو جاز أن يصدر عن القدرة الواحدة أمور متماثلة فى محل واحد ؛ لجاز على الذرة حمل الجبال الراسيات ، وذلك بأن يفعل فى كل جزء من الجبال بعدد أجزائها ، أجزاء من الاعتمادات العلوية الموجبة لرفع الجبل ؛ وذلك محال خارق للعوائد.

وعلى هذا : فيمتنع على الله ـ تعالى ـ إعادة ما كان من أفعاله مجانسا لفعل العبد كما قاله الجبائى (١) ؛ لأنه إذا امتنع عليه إعادة مثله ؛ امتنع عليه إعادته.

والجواب

أما ما ذكروه من دعوى الضرورة فى المغايرة ، فإن ادعوا العلم الضرورى بالمغايرة بين الإعادة ، والنشأة الأولى ؛ فهو مسلم ، وإن ادعوا المغايرة بين المعاد والمنشأ أولا فقد ادعوا الضرورة فى محل النزاع ، وليس ذلك أولى من دعوى ضرورة الاتحاد (٢).

قولهم : ما المانع أن يكون جائز الوجود لذاته فى النشأة الأولى ، ممتنع الوجود فى زمن الإعادة؟.

قلنا : لأن الإعادة لا معنى لها غير الإحداث ، والاختراع لما كان قد عدم بعد اختراعه ، والإحداث ، والاختراع الثانى غير مخالف للأول من حيث هو كذلك ، وما وقع به التفاوت بينهما فى التقدم والتأخر ، فغير موجب للاختلاف بين ذاتيهما ؛ إذ هو مجرد نسبة وإضافة ، والنسب والإضافات غير مانعة من التماثل. فلو كان الشيء لذاته مما يمتنع عليه الحدوث والاختراع فى حالة من الأحوال بعد عدمه ، لامتنع عليه ذلك مطلقا ؛ لأنّ حكم الذات لا يختلف. وخرج عن ما ذكرناه ، الأعراض ؛ فإن ما قضى بجوازه عليها [لذاتها إنما هو الحدوث والاختراع. وما قضى بامتناعه عليها] (٣). لذاتها إنما هو البقاء ، والبقاء مخالف للحدوث ، والاختراع.

__________________

(١) راجع مقالته فيما مر ل ١٩٥ / أ.

(٢) قارن هذا الرد بما ذكره فى غاية المرام فى علم الكلام ص ٢٨١ وما بعدها.

(٣) ساقط من (أ).

٢٥٥

فما لزم من جواز أحدهما ، جواز الآخر ، ولا من امتناع أحدهما ، امتناع الآخر ، وبما حققناه يبطل ما ذكروه على الحجة الثانية أيضا.

قولهم : الحكم بجواز الإعادة على ما عدم ، حكم بصفة إثباتية ؛ فهو مبنى على أن الجواز صفة إثباتية ؛ وهو باطل بما سبق.

قولهم : يلزم من الحكم بجواز إعادة عين ما عدم ، أن يكون المعدوم متعينا / ومتميزا فى حالة عدمه عن غيره.

عنه جوابان :

الأول : أنهم إن أرادوا بذلك أن يكون متميزا فى علم الله ـ تعالى ـ فهو مسلم ، وما المانع منه؟ ، وإن أرادوا بذلك أن يكون شيئا متخصصا ، وذاتا ثابتة متعينة فى حالة عدمها ؛ فهو ممنوع على ما تقدم.

الثانى : أنّ ما ذكروه لازم عليهم فى الحكم عليه بامتناع الإعادة.

والجواب : أن ذاك يكون متحدا.

فلئن قالوا : نحن / / لا نحكم عليه بجواز ، ولا امتناع.

قلنا : فتخصيصه بهذا الحكم دون غيره من المعدومات الجائزة الوجود يستدعى تعيينه ، تمييزه عنها ؛ وإلا لما اختلف الحكم.

قولهم : لو جاز إعادة المعدوم ؛ لجاز إعادة الوقت ؛ فهو مبنى على أن الوقت والزمان أمر وجودى ، وليس كذلك ؛ بل هو عبارة عن مقارنة موجود لموجود ؛ فيكون نسبة وإضافة ، والنسب والإضافات ليست وجوديات على ما سبق.

وإن سلمنا أن الوقت أمر وجودى ، وسلمنا إمكان إعادته ، وإعادة الحادث فيه أولا ، وثانيا ؛ فلا يمنع ذلك من كونه معادا ؛ إذ المعاد هو الحادث المسبوق بحدوث نفسه والمنشأ هو الحادث الّذي لم يسبق بحدوث نفسه.

قولهم : لو جاز إعادة ما عدم ؛ لجاز أن يخلق الله ـ تعالى ـ مثله فى وقت إعادته.

مسلم ، وما ذكروه من الأقسام ، فالمختار منها : إنّما هو القسم الثانى منها.

__________________

/ / أول ل ١١٠ / أمن النسخة ب.

٢٥٦

قولهم : لا أولوية.

قلنا : إنّما يصحّ ذلك ، أن لو لم يتمايزا من وجه. ولا يلزم من تماثلهما عدم تمايزهما ، وإلا لما وقع التعدد ، والتّغاير ؛ وهو محال.

ولهذا قضوا بامتناع المعاد ، دون المبتدأ ، والحدوث ، ولو لم يتمايزا ؛ لما كان كذلك.

قولهم : بأن إعادة الأعراض ، تفضى إلى قيام المعنى بالمعنى.

ممنوع. وما المانع أن يكون عود العرض ، واختصاصه بزمان عوده بفعل فاعل مختار كما سبق تحقيقه (١).

قولهم : لو جاز وجود العرض فى زمانين يفصلهما عدم ؛ [لجاز وجوده فى زمانين ، لا يفصلهما عدم] (٢).

دعوى مجردة ، وتمثيل من غير دليل.

قولهم : إنّ الزّمان الّذي يلى زمان الحدوث ، مماثل لزمان الإعادة بعد العدم مسلم ؛ غير أنه يلزم من استمرار الوجود فى الزمن الثانى من الحدوث ، بقاء العرض ، ولا كذلك فى زمن الإعادة ، وبقاء ما لا يبقى من الأعراض ممتنع ، ولا يلزم من جواز الوجود فى زمان لا يلزم منه المحال ، جوازه فى زمان يلزم منه المحال وما المانع أن يكون وجود العرض وحدوثه مشروطا بسبق العدم على زمان حدوثه ؛ وهو غير متحقق فى جانب البقاء ؛ بخلاف الإعادة.

والّذي يحقق ما قلناه أن الجوهر الحادث فى أول زمان حدوثه يمتنع / عليه الحركة سواء قدر ذلك فى النشأة الأولى ، أو النشأة الثانية ، ولا يمنع عليه الحركة فى الحالة الثانية من حدوثه ، ولو كان تقدير الوجود فى الإعادة بعد العدم كتقدير الوجود فى الحالة الثانية من حالة الحدوث ؛ لاشتركا فى جواز الحركة على الجوهر منهما ؛ وهو محال.

__________________

(١) راجع ما مر فى الجزء الأول ـ الأصل الثانى ل ٢١٨ / ب وما بعدها.

(٢) ساقط من (أ).

٢٥٧

قولهم : العرض الّذي لا يبقى ، واجب التخصيص بوقت لا يتقدم عليه ، ولا يتأخر عنه.

دعوى مجردة من غير دليل ، مع أنهم متنازعون فيها كمنازعتهم فى جواز الإعادة.

كيف وأن ما ذكروه باطل من ثلاثة أوجه : ـ

الأول : أنه لو كان اختصاص العرض بزمان حدوثه واجبا كما ذكروه ؛ لخرج عن كونه مقدورا على أصولهم ، حيث قضوا بأن التحيز للجوهر وقيام الأعراض به عند وجوده لما كان واجبا ، امتنع أن يكون مقدورا ؛ فكذلك هاهنا ، ولا فرق بين الأمرين.

الثانى : هو أن الأصوات عندهم غير باقية (١) ، وهى متماثلة ، ومع ذلك جوزوا وجود كل صوت منها ، فى زمان غير زمان الصوت الآخر ، ولو كان كل واحد منهما ، واجب التخصيص بزمانه الّذي وجد فيه ، ولا يجوز تقدمه عليه ، ولا تأخره عنه مع تماثل الأصوات ؛ لم يكن اختصاص بعض الأصوات ، لبعض الأزمنة ، أولى من غيره ؛ ضرورة التماثل ، وأن ما ثبت لأحد المثلين ، لا يمنع ثبوته للآخر.

الثالث : أنه وإن سلم اختصاص العرض ـ الّذي لا بقاء له ـ بزمان دون زمان فى وقت حدوثه ، فما المانع أن يكون حدوث العرض فى النشأة الأولى ، مختصا بزمان حدوثه فى النشأة الثانية مختصا بزمان آخر؟.

قولهم : سلمنا جواز إعادة الأعراض ، ولكن ما كان منها مخلوقا لله ـ تعالى ـ أو للعبد على ما ذكروه ؛ فهو مبنى على فاسد أصول المعتزلة فى أن القدرة الحادثة مخترعة ؛ ومؤثرة ، وهو باطل على ما سبق (٢).

وإن سلمنا كون القدرة الحادثة مؤثرة ، فما المانع أن تكون إعادة ما اخترعه العبد فى النشأة الأولى بقدرة الرب ـ تعالى ـ.

قولهم : يفضى ذلك إلى وقوع مخلوق بين خالقين.

__________________

(١) قارن بما ورد فى غاية المرام ص ٢٨٠. وانظر المغنى ١١ / ٤٥١ وما بعدها.

(٢) انظر ما سبق فى الجزء الأول ل ٢٦٣ / ب وما بعدها ثم قارن بما ورد فى الإرشاد لإمام الحرمين ص ١٩٦ وما بعدها.

٢٥٨

قلنا : المسلم ، إحالة / / ذلك فى وقت واحد.

وإما أن تكون كل واحدة من النشأتين الأولى والثانية ، مستندة إلى قدرة غير القدرة على الأخرى ؛ فهو غير مسلم.

وإن سلمنا أن ذلك بقدرة العبد ، فما المانع أن تكون الإعادة بقدرة غير القدرة على النشأة الأولى؟

قولهم : ذلك ممتنع.

قلنا : المسلم امتناعه إنما هو تعلق القدرتين بالتأثير بمقدور واحد / فى وقت واحد ، وأما فى وقتين ؛ فهو غير مسلم.

وإن سلمنا امتناع ذلك بقدرة غير القدرة على النشأة الأولى ، فما المانع منه بالقدرة الأولى؟

قولهم : لو كانت صالحة لذلك ؛ لكانت صالحة لإنشاء مثله فى وقت إعادته فى محله.

قلنا : معا ، أو على طريق البدل.

الأول : ممنوع ، والثانى مسلم ، وذلك لا يلزم منه اجتماع المثلين فى المحل الواحد.

وإن سلمنا صلاحيتهما لذلك معا ؛ لكن للمثلين ، أو ما زاد عليه.

الأول : مسلم. والثانى : ممنوع.

وعلى هذا : فلا يلزم ما ذكروه من المحال.

سلمنا صلاحية القدرة الواحدة للمتماثلات إلى غير النهاية ، غير أن ما ذكروه من لزوم المحال من حمل الذرة للجبل ؛ فمبنى على تأثير القدرة الواحدة فى الاعتمادات المولدة لحركة الجبل إلى جهة العلو ، وهو فرع القول بالتولد ، وقد أبطلناه (١).

__________________

/ / أول ل ١١٠ / ب من النسخة ب.

(١) انظر ما مر فى الجزء الأول ل ٢٧٣ / أوما بعدها.

٢٥٩

وعلى هذا : فمذهب الجبائى أظهر بطلانا مما تقدم.

[واعلم أن ما قررناه من تجويز إعادة ما عدم غير متصور على أصول المعتزلة ، فإن إعادة ما عدم ، فرع جواز عدمه ، وقد بينا فيما تقدم] (١) امتناع ذلك على أصولهم (٢) ، وبتقدير جواز العدم على أصولهم ، فما ذكرناه من الحجتين مما لا يمكنهم التمسك بها ؛ لانخرامها على أصولهم ؛ لجواز حدوث الأعراض التى لا بقاء لها على أصولهم ، وقضائهم بامتناع إعادتها (٣).

__________________

(١) ساقط من (أ).

(٢) راجع ما مر ل ١٩٥ / أوما بعدها.

(٣) لمزيد من البحث والدراسة راجع قضية إعادة ما عدم فى الإرشاد لإمام الحرمين الجوينى ص ٢٧٤ ، وغاية المرام ص ٢٧٩ وما بعدها وشرح المواقف ـ الموقف السادس ص ١٧٧ وما بعدها. ومن كتب المعتزلة : المغنى للقاضى عبد الجبار ١١ / ٤٣٢ ـ ٤٥٦.

٢٦٠