أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٤

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]

أبكار الأفكار في أصول الدّين - ج ٤

المؤلف:

أبي الحسن علي بن محمد بن سالم الثعلبي [ سيف الدين الآمدي ]


المحقق: د. أحمد محمد المهدي
الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: دار الكتب والوثائق القوميّة
المطبعة: مطبعة دار الكتب والوثائق القوميّة
الطبعة: ٢
ISBN: 977-18-0327-1
الصفحات: ٣٩٨

يعرف فيه خلافه بين الأصحاب. ولو خرّ عقب الاحياء ، والتّكذيب ميتا ، فقد قال القاضى : إنّه يدلّ على تكذيبه كتكذيب اليد.

والحقّ أنّه لا فرق بين تكذيبه مع استمرار الحياة وتكذيبه مع تعقب الموت له من حيث أن نطقه بعد احيائه ليس بمعجز وإنّما المعجز الإحياء ؛ بخلاف نطق اليد.

وأما أنّها لا تكون متقدّمة [على دعواه (١)]

وذلك كما لو قال آية صدقى ما كان [قد ظهر على يدى] (٢) من الخارق ؛ لأنّها إنّما تدل على صدقه من حيث أنّها نازلة منزلة التّصديق له والخارق المتقدّم لا يكون كذلك.

فإن قيل : فلو قال آية صدقى أنّ فى هذا الصّندوق المغلق كذا على كذا مع سبق علمنا قبل غلقه بخلوه عما أخبر به مع استمرار الصندوق بين أيدينا من حالة غلقه إلى حالة فتحه ؛ فإنّه يكون معجزا بتقدير ظهوره كما أخبر. وإن جاز أن يكون مخلوقا لله ـ تعالى ـ قبل التحدى على وفق دعواه.

قلنا : وإن جاز أن يكون مخلوقا قبل التّحدى ؛ فليس الإعجاز فى خلقه ، ووجوده ؛ إنّما هو فى اخباره بالغيب ؛ وهو واقع بعد التّحدى على وفق دعواه.

فإن قيل : فمن الجائز أن يكون الرّب ـ تعالى ـ قد خلق له العلم بذلك قبل التحدى.

فنقول : لو كان العلم به مخلوقا له قبل التحدي ؛ لما كان إخباره به ينزّل منزلة التّصديق ، ولا يكون آية على صدقه ؛ ويكون كاذبا فى دعواه أنّه دليل صدقه ، والكاذب عندنا لا يتصوّر ظهور الخارق على يده كما يأتى تحقيقه.

فإن قيل : ما ذكرتموه من امتناع تقدّم المعجزة على الدّعوى يفضى إلى إبطال كثير مما نقل من معجزات أنبيائكم ، وذلك ككلام عيسى فى المهد ، وتساقط الرّطب الجنى عليه من النخلة اليابسة قبل نبوّته ، وكذلك ما نقلتموه من معجزات نبيّكم قبل مبعثه : كتسليم الحجر عليه والشّجر ، والمدر ، وشقّ بطنه ، وغسل قلبه ، إلى غير ذلك.

فنقول : كل خارق ظهر على يد النّبيّ قبل (٣) بعثته ؛ فهو من باب الكرامات.

__________________

(١) ساقط من (أ)

(٢) فى أ(ظهر على صدقى)

(٣) (قبل) ساقط من ب

٢١

والأنبياء قبل البعثة لا يخرجون عن درجة الأولياء ، وظهور الكرامات على أيدى الأولياء جائز عندنا على ما سيأتى تحقيقه (١).

وقد قال القاضى أبو بكر : ما كان من معجزات عيسى ـ عليه‌السلام فى حالة صغره ؛ فليست قبل نبوّته ؛ فإنّه كان فى صغره نبيّا ، ويدلّ عليه قوله ـ تعالى إخبارا عنه (إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) (٢) وليس إكمال عقل الصّغير ، وجمع شرائط النّبوة فى حقه مستبعدا بالنسبة إلى / مقدورات الله ـ تعالى.

وأما المعتزلة : فانهم حيث أنكروا الكرامات ، وزعموا أنّ ما ظهر من الخوارق قبل مبعث عيسى ، ونبينا ـ عليهما‌السلام ـ وكان منقولا نقلا متواترا ؛ فلا يكون إلا معجزة نبىّ أخر فى ذلك العصر ، وما ذكرنا أوجه ؛ فإنّه قد يتصور وذلك فى زمن لا نبى فيه.

وأمّا إذا تأخّرت المعجزة / / عن الدّعوى بحيث لا يفصل بينهما زمان يعتدّ به فلا خلاف [عند (٣)] القائلين بالنّبوات فى دلالتها على صدق المدّعى ؛ لنزولها منزلة التّصديق. بخلاف ما إذا تقدّمت على الدعوى بزمان يسير حيث إنها لا تنزل منزلة التّصديق.

ولو تأخّرت بزمان يعتدّ به : كيوم ، أو شهر ، أو سنة. وما زاد ثم ظهرت المعجزة الخارقة على وفق ما ادّعاه ؛ فلا خلاف أيضا عندهم فى ثبوت النّبوّة عند ظهور المعجزة ، ولا تثبت لما قبله لمجرد الدّعوى ؛ لكن اختلفوا عند ظهور المدعوّ به.

فقال بعضهم : تبيّنا أن إخباره السّابق كان معجزا مع موافقته على أن أحدا لا يكلّف بتصديقه قبل ظهور المدعوّ به وعلى قول هذا القائل ، فالمعجز : لا يكون متأخرا عن الدّعوى ؛ بل المتأخر علمنا به.

وقال آخرون : إنّ اخباره إنّما يتّصف بكونه معجزا عند ظهور المدعو به. وعلى هذا القول : فالمعجز يكون متأخّرا عن الدّعوى ؛ والقول الأول فاسد ؛ فإنّا لا نشك فى تبيين ان اخباره كان معجزا ، فالمعجز يكون مقارنا للدّعوى فى نفس الأمر وإن لم يلزم التّكليف

__________________

(١) انظر ما سيأتى ل ١٤٤ / أو ما بعدها.

(٢) سورة مريم ١٩ / ٣٠.

/ / أول ل ٧١ / أ.

(٣) ساقط من (أ)

٢٢

بالتّصديق ؛ لفوات الشرط وهو العلم بكونه معجزا. ولو تأخر المدعو به إلى ما بعد موت المدّعى ووقع على وفق ما أخبر به ؛ فقد اتّفق القاضى مع المعتزلة على امتناعه. ومستند القاضى فيه إلى أن تجويز ذلك مما يفضى إلى رفع كرامات الأولياء ، فإنه ما من كرامة تظهر على يد ولىّ الا ومن المحتمل أن تكون معجزة لنبىّ سابق ؛ وهو باطل بما لو تأخر المدعو به أزمنة متطاولة غير أنه وقع قبل الموت.

وأما المعتزلة : فقد تمسّكوا فى ذلك بأن التّصديق والتّكذيب من صفات الموجود من الأحياء ، والميت ليس كذلك ؛ فلا يتصوّر التّصديق له ، والتّكذيب.

وأيضا فإنّ تجويز ذلك ممّا يفضى إلى منع المكلفين من التوصل إلى الرّتب العليّة باكرام من كان نبيّا ، واجلاله فى محلّه ؛ لعدم العلم بنبوّته فى حالة حياته وهذا ليس بعذر ؛ وهما فاسدان.

أما الأول :

فلأنه لا مانع من التّصديق له : بمعنى التبيين ؛ لكونه كان صادقا.

وأما الثانى :

فهو مبنى على رعاية المصلحة ؛ وقد أبطلناه (١).

كيف وأنه يلزم على ما ذكروه أن يبعث الله نبيّا فى وقتنا / هذا لتحصيل الرّتب العلية بالتزامه ؛ وهو خلاف الإجماع من المسلمين ، وكل ما يعتذرون به هاهنا أمكن أن يقال مثله فيما نحن فيه.

والحقّ فى ذلك : ما ذهب إليه المحقّقون من أصحابنا : من إلحاق هذه الصورة بتأخير الموعود به مع بقاء المدّعى حيا غير أنه لو شرع مع ذلك شريعة [لا يكون أحد مكلفا بها قبل ظهور الموعود] (٢) به ، ويكون مكلفا بها بعد ظهوره.

__________________

(١) راجع ما سبق فى الجزء الأول ـ القاعدة الرابعة ـ الباب الأول ـ القسم الأول ـ النوع السادس ـ الأصل الأول ـ المسألة الثالثة ل ١٨٦ / أو ما بعدها.

(٢) فى (أ) (لا يكون مكلفا بها قبل الموعود).

٢٣

الفصل الثالث (١)

فى وجه دلالة المعجزة على صدق الرسول (٢)

وقد اختلف فيه : فمنهم من قال : نصب الدّليل على العلم بصدق الرّسول من الممكنات وغير المعجزة من الأدلّة العقلية ، والسمعيّة لا مدخل له فى ذلك.

أما الدليل العقلى : فلا مدخل له فى صدق بعض المخبرين مع احتمال خبره للصّدق ، والكذب.

والسمع : متوقف على صدق الرّسول فلو لم تكن المعجزة دليلا على صدقه ؛ لكان فيه تعجيز الربّ ـ تعالى ـ عن نصب دليل على العلم بصدق الرسول ؛ وهو محال.

وهو غير سديد ؛ إذ للقائل أن يقول : إنما يلزم تعجيز الرب ـ تعالى ـ أن لو كان نصب الدليل على ذلك من الممكنات ؛ وهو غير مسلم.

__________________

(١) يوجد فى هامش النسخة (ب) بخط مخالف لخط الناسخ ما يلى : تنبيه : الأنبياء. قيل ١٠٠٠٠٠ وقيل ٢٠٠٠٠٠ وقيل ٣٠٠٠٠٠ والرسل منهم ٣١٣ وقيل : ويجب الإيمان ببعضهم إجمالا ، وببعضهم تفصيلا وهم ٢٥ جمعهم الشاعر فى قوله :

حتم على كل ذى التكليف معرفة

لأنبياء على التفصيل قد علموا

منهم ثمانية فى تلك حجتنا

من بعد عشر ويبقى سبعة وهم

إدريس هود شعيب صالح وكذا

ذو الكفل آدم بالمختار قد ختموا

وأولو العزم من الرسل خمسة ذكرهم الله بقوله (وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ) (سورة الأحزاب ٣٣ / ٧). وترتيبهم فى الأفضلية : محمد وإبراهيم وموسى وعيسى ونوح.

وليسوا على الفضيلة مرتبين فى الآية : فإن نوحا مقدم على إبراهيم مع أنه آخرهم فى الفضيلة.

وأقول : ذكرت هذا الهامش مع أنه غير دقيق ، لأن فيه بعض الأخطاء ؛ التزاما بالامانة العلمية للمحقق.

وصحة ما ورد هو أن عدد الأنبياء «مائة وأربعة وعشرون ألفا» وعدد الرسل «ثلاثمائة وخمسة عشر» كما ورد فى الأحاديث.

(٢) لمزيد من البحث والدراسة بالإضافة لما ورد هاهنا انظر : شرح المواقف للشريف الجرجانى ـ الموقف السادس ص ٦٩ البحث الثالث : فى كيفية دلالتها على صدق مدعى النبوة. تحقيق د. أحمد المهدى ط أولى سنة ١٩٩٦.

وانظر شرح المقاصد للتفتازانى ٣ / ٢٧٥ وما بعدها. قال التفتازانى : «وأما وجه دلالتها فهو أنها بمنزلة صريح التصديق ، كما إذا ادعى أحد أنه رسول هذا الملك فطولب بالحجة فقال : أن يخالف الملك عادته ، ويقوم عن

٢٤

والّذي ذهب إليه شيخنا (١) ، والقاضى (٢) ، والمحققون من أصحابه ؛ أن دلالة المعجزة على صدق الرسول ليست دلالة عقلية ، ولا سمعية (٣) :

وأما أنّها ليست دلالة عقلية : لأن ما دلّ عقلا فيدلّ لنفسه ويرتبط بمدلوله لذاته ، ولا يجوز تقديره غير دال ، وذلك كدلالة الفعل على الفاعل ، ودلالة الفعل المحكم على علم فاعله ، إلى غير ذلك من الأدلة العقلية. ودلالة المعجزة على صدق المدّعى للرّسالة ليست كذلك ، والا لما تصوّر وجودها الا وهى دالّة على صدق الرسول ؛ وليس كذلك. فإنه يجوز خرق العوائد عند تصرم الدنيا : كانفطار السموات ، وانتثار الكواكب ، وتدكدك الجبال ، وتبدّل الأرض غير الأرض. إلى غير ذلك مع عدم دلالتها على تصديق مدّعى النّبوة ؛ فإنّه لا إرسال ولا رسول فى ذلك الوقت ، وكذلك ظهور الكرامات على أيدى الأولياء على ما يأتى من غير دلالة.

وأمّا أنّها ليست سمعيّة : فلأن الدلالة السّمعية متوقّفة على صدق / / الرسول ، فلو توقّف صدق الرسول عليها ؛ لكان دورا ؛ بل دلالتها على صدقه غير خارج عن الدلالات الوضعية النازلة منزلة التصديق بالقول.

والدلالة الوضعيّة فى ذلك منقسمة : إلى ما يعلم بصريح المقال وإلى ما يعرف بقرائن الأحوال.

والأول كما لو قال القائل / للمخاطبين إذا رأيتمونى أفعل كذا على كذا عند ادّعاء زيد مثلا أنه رسول عنّى فاعلموا أنّنى أقصد بذلك تصديقه فى دعواه. فبتقدير تحقّق ذلك منه عند دعوى زيد أنه رسول عنه مع العلم بانتفاء الغفلة ، والذهول عنه فيما يفعله ، وانتفاء قرائن الهزل عنه ؛ فإن فعله مع المواضعة السابقة منه يتنزّل منزلة قوله صدق.

__________________

سريره ثلاث مرات ؛ ففعل ... الخ»

(١) هو الإمام الأشعرى راجع ترجمته فى هامش ل ٣ / أ. من الجزء الأول

(٢) هو القاضى أبو بكر الباقلانى راجع ترجمته فى هامش ل ٣ / أ. من الجزء الأول.

(٣) المقصود أنها دلالة عادية. وقد اختلف فى وجه دلالة المعجزة على صدق الرسول عليه‌السلام : فقال البعض بأنها عقلية. وقال البعض الآخر بأنها وضعية. وقد اختار أهل السنة كون الدلالة عادية : بمعنى أن ظهور المعجز يفيد علما بالصدق ، وأن كونه مفيدا له معلوم بالضرورة العادية.

/ / أول ل ٧١ / ب.

٢٥

والثانى : فكما لو عنّ أمر عظيم وخطب جسيم يتعلق بتشويش دولة بعض العظماء ، من الملوك ، وأكابر الجبابرة. وإفساد ولايته ؛ فأمر بجمع النّاس الخاصة منهم ، والعامّة وجلس على سرير مملكته. والناس محتفون بخدمته ؛ لقصد بذل الجهد ، واستفراغ الوسع فى دفع ذلك الخطب الملم ، وتضافرت قرائن الجد ، وانتفاء الهزل ، فلو قام واحد من عرض الناس وقال أيها الناس : إنى رسول هذا الملك إليكم فى كذا وكذا ، وهو بمرأى منه ، وآيتى فى صدقى أنى إذا قلت له قم ثلاث مرات ، واقعد. وخالف ما هو المألوف من عادتك. فعل ذلك ، ولو أراد ذلك أحدكم ؛ لما وجد إليه سبيلا. فبتقدير وقوع ذلك من الملك عقيب قوله ذلك يتنزل منزلة قوله صدق ، ويضطر كل أحد من الحاضرين إلى العلم بذلك ، وإن لم يسبق من الملك مواضعه فى ذلك. ولا يخفى أن اظهار المعجزة على يد مدّعى الرّسالة نازلة منزلة القسم الثانى من المواضعة. دون الأول ؛ فكانت نازلة من الله ـ تعالى ـ منزلة قوله : صدق. وتمام هذه الطريقة بايراد ما يتجه عليها من الشّبه والانفصال عنها. كما يأتى فى الأصل الّذي بعده.

٢٦

الأصل الثالث

فى جواز البعثة عقلا (١)

مذهب أهل الحقّ : أن بعثة الرّسول ممكنة أن تكون ، وأن لا تكون وسواء كان الرّسول مبتدئا بشريعة ، أو مقرّرا لشريعة غيره من غير زيادة ، ولا نقصان.

وذهبت الفلاسفة : إلى أنّها واجبة عقلا (٢).

وأما المعتزلة : فمنهم من قال بوجوب البعثة مطلقا (٣).

ومنهم من فصّل وقال : إذا علم الله أنّه لو بعث رسولا إلى أمّة من الأمم أمنوا به ، كان الإرسال واجبا عقلا ؛ لما فيه من الاستصلاح. وإن علم أنّهم لا يؤمنون به : فالإرسال إليهم يكون حسنا ولا يكون واجبا.

وذهب أبو هاشم : إلى امتناع البعثة الخلية عن تعريف الأمور الشّرعية التى لا يستقل العقل بها (٤).

وذهب الجبّائى : إلى جواز البعثة للتّذكير بالواجبات العقليّة لا غير ، ولتقرير شريعة من تقدّم من غير زيادة ، ولا نقصان. وسواء اندرست شريعة المتقدم ، أم لا (٥).

ومن المعتزلة من فصّل بين أن تكون شريعة المتقدّم مندرسة أو غير مندرسة ؛ / فجوّز فى الأوّل ، ومنع فى الثّاني.

__________________

(١) قارن بما ورد فى غاية المرام للآمدى ص ٣٤١ وما بعدها وأصول الدين للبغدادى ص ١٥٤ وما بعدها ، والتمهيد للباقلانى ص ١٠٧ وما بعدها ، ونهاية الأقدام للشهرستانى ص ٤١٧ وما بعدها ، والمغنى فى أبواب التوحيد والعدل للقاضى عبد الجبار ١٥ / ١٩ وما بعدها. وشرح الأصول الخمسة له أيضا ص ٥٦٨ وما بعدها. وشرح المواقف : الموقف السادس ص ٧٢ وما بعدها. وشرح المقاصد للتفتازانى ٢ / ١٢٨ وما بعدها.

(٢) قارن بما ورد فى شرح المواقف : الموقف السادس ص ٧٢ وما بعدها.

(٣) انظر المغنى فى أبواب التوحيد والعدل. الجزء الخامس عشر ص ٦٣ وما بعدها (فصل فى أن بعثة الرسول متى حسنت وجبت وما يتصل بذلك من بيان وجه الوجوب)

(٤) قارن بما ورد فى شرح المواقف : الموقف السادس ص ٧٢.

(٥) قارن بما ورد فى شرح المواقف : الموقف السادس ص ٧٢.

٢٧

وذهبت البراهمة (١) ، والصّابية (٢) ، والتناسخية (٣) : إلى امتناع البعثة عقلا الا أن من البراهمة من اعترف برسالة آدم دون غيره.

ومنهم من لم يعترف بغير ابراهيم.

ومن الصابئية من اعترف برسالة هرمس وعالمون وهما (٤) شيث وادريس (٥) دون غيرهما.

__________________

(١) البراهمة : فرقة تنسب إلى ابراهما الّذي ذكر فى (الفيدا) أحد كتبهم المقدسة والبراهمية : نظام دينى ، اجتماعى ، سياسى. وهم يعتبرون براهما الإله الأعلى ومن أصولهم : تقسيم الأمة إلى طبقات أربع. وقد نفى البراهمة النبوات ، وقالوا : باستحالتها فى العقول بحجج واهية من أشهرها : «إن الّذي يأتى به الرسول لم يخل من أحد أمرين : إما أن يكون معقولا ، وإما أن لا يكون معقولا.

فإن كان معقولا : فقد كفانا العقل التام بإدراكه والوصول إليه. فأى حاجة لنا إلى الرسول وإن لم يكن معقولا ؛ فلا يكون مقبولا. [انظر الملل والنحل ٣ / ٩٥ ـ ١٠٠ ، نشأة الفكر الفلسفى ١ / ٢٨٦ ـ ٢٩١].

(٢) الصابئية : الأشبه فى تسمية هذه الطائفة صابئة ؛ لميلهم وانحرافهم عن سنن الحق فى نبوة الأنبياء ولاتخاذهم آلهة غير الله أخذا من قول العرب صبأ الرجل. إذا مال وانحرف.

ومدار مذهبهم على التعصب للروحانيين : كما أن مدار مذهب الحنفاء هو التعصب للبشر الجسمانيين وهم أربع فرق :

الفرقة الأولى : أصحاب الروحانيات.

الفرقة الثانية : أصحاب الهياكل.

الفرقة الثالثة : أصحاب الأشخاص.

الفرقة الرابعة : الحلولية.

ولتوضيح آرائهم بالتفصيل والرد عليها وإبطالها انظر : ابكار الأفكار فى أصول الدين ل ٢٢١ / أو ما بعدها. الجزء الأول ، والملل والنحل ٢ / ٥ ـ ٥٧.

(٣) التناسخية : التناسخ كما يزعم التناسخية (تكرار المولد) وهو رجوع الروح ـ حسب زعمهم ـ بعد خروجها من جسم إلى العالم الأرضى فى جسم آخر. وهم يحيلون بعثة الأنبياء [الملل والنحل ٢ / ٥٥ وما بعدها].

(٤) شيث عليه‌السلام : هو ابن آدم ـ عليه‌السلام ـ ولد وعمر أبيه آدم مائة وثلاثون سنة ومعنى (شيث) هبة الله ، وسمياه بذلك ؛ لأنهما رزقاه بعد أن قتل هابيل.

قال أبو ذر فى حديثه عن رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ «إن الله أنزل مائة صحيفة وأربع صحف ، على شيث خمسين صحيفة» وقال محمد بن اسحاق : ولما حضرت آدم الوفاة عهد إلى ابنه شيث ساعات الليل والنهار ، وعلمه عبادات تلك الساعات ، وأعلمه بوقوع الطوفان بعد ذلك.

قال : ويقال إن أنساب بنى آدم اليوم كلها تنتهى إلى شيث عليه‌السلام ، وسائر أولاد آدم انقرضوا وبادوا. والله أعلم. ولما مات آدم عليه‌السلام قام بأعباء الأمر بعده ولده شيث عليه‌السلام وكان نبيا بنص الحديث الّذي رواه ابن حبان فى صحيحه عن أبى ذر مرفوعا : أنه أنزل عليه خمسون صحيفة.

فلما حانت وفاته أوصى إلى ابنه أنوش فقام بالأمر من بعده. [قصص الأنبياء للإمام اسماعيل بن كثير ـ ص ٥٥ ـ ٦٢ الناشر مكتبة الكليات الأزهرية بالقاهرة].

(٥) ادريس عليه‌السلام : هو أحد رسل الله الكرام ، قال ـ تعالى ـ (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كانَ صِدِّيقاً نَبِيًّا ٥٦ وَرَفَعْناهُ مَكاناً عَلِيًّا) [سورة مريم ١٩ / ٥٦ ، ٥٧]. ـ

٢٨

احتج أهل الحق على الجواز العقلىّ بأن قالوا : قد بيّنا أنه لا معنى للنّبوّة غير قول الله ـ تعالى ـ لمن اصطفاه أرسلتك فبلّغ عنى ولا يخفى جواز ذلك عقلا. ولهذا فإنا لو فرضنا وقوع ذلك ، أو عدمه لم يعرض عنه المحال لذاته. ولا معنى للجائز الا هذا.

واحتجّ القائلون بالوجوب (١) بأنه لمّا كان نوع الإنسان أشرف موجود فى عالم الكون والفساد ؛ لكونه مختصا بالنفس النّاطقة القريبة الشّبه من المبادئ الأول ؛ لم يكن فى العقل بدّ من شمول لطف المبدأ الأول به وإفاضة الجود منه عليه ؛ ليتمّ له المعيشة فى الدّنيا ، والسّعادة الأبديّة فى الأخرى.

ولا يخفى أن كل واحد من أشخاص نوع الانسان قلّ ما يستقلّ بنفسه فى تحصيل أغراضه الدّنيويّة ؛ ومقاصده الأخروية دون معين ومساعد له من نوعه.

وعند ذلك فلا بد / / لهم من معاملات فيما بينهم كبيوعات ، واجارات ومناكحات إلى غير ذلك مما تتعلّق به الحاجات ، وذلك لا يتم إلا بانقياد البعض للبعض ، وقل ما يحصل الانقياد من المرء لصاحبه بنفسه مع قطع النظر عن محرّمات ، ومرغبات دنيوية ، وأخروية ، وسنن يسنون بها ، وشرائع يقتدون بها ، وذلك كله إنّما يتمّ ببيان ومشرّع يخاطبهم من نوعهم وفاء بموجب عناية المبدأ الأوّل بهم.

ثم يجب أن يكون هذا الإنسان المشرّع مؤيّدا من عند الله ـ تعالى ـ بالمعجزات ، والأفعال الخارقة للعادات. التى تتقاصر عنها قوى غيره من نوعه بحيث يكون ذلك موجبا لقبول قوله ، والانقياد له فيما يسنّه ، ويشرعه ، ويدعوا به إلى الله ـ تعالى ، وإلى عبادته والانقياد لطاعته ، وما ينبه عليه من وجوب وجوده وما يجوز عليه وما لا يجوز وأحكام المعاد ، والمعاش ؛ ليتمّ لهم النّظام. وذلك كله فالعقل يوجبه ؛ لكونه حسنا ، ويحرّم انتفاءه ؛ لكونه قبيحا.

__________________

وهو إدريس بن يارد بن مهلائيل بن قينن بن أنوش بن شيث بن آدم عليه‌السلام. وهو أول من أعطى النبوة بعد آدم وشيث عليهما‌السلام وذكر ابن اسحاق أنه أول من خط بالقلم.

وقد اختلف العلماء فى مولده ونشأته فقال بعضهم إن ادريس ولد ببابل وقال آخرون إنه ولد بمصر. والأرجح أنه ولد ببابل. ولما أرسله الله إلى البابليين لم يتبعه إلا نفر قليل وخالفه الجم الخفير فنوى الرحلة إلى مصر ؛ ولكن ثقل على أتباعه ذلك وقالوا : وأين نجد إذا رحلنا مثل بابل. فقال : إذا هاجرنا لله رزقنا غيره. فخرجوا إلى أرض مصر فرأوا النيل فوقفوا عليه وسبحوا الله ، وأقام ادريس ومن معه يدعوا الناس إلى الله وإلى مكارم الأخلاق.

[قصص الأنبياء لابن كثير ص ٦٢ ـ ٦٤ ، والنبوة والأنبياء للشيخ محمد على الصابونى ص ٢٢٣ ، ٢٢٤. ط ٢ بمكة المكرمة سنة ١٩٨٠ م].

(١) القائلون بوجوب البعثة هم الفلاسفة ، وبعض المعتزلة كما مر.

/ / أول ل ٧٢ / أ.

٢٩

وأما القائلون بإحالة (١) البعثة فقد تشبثوا بأربعين شبهة :

الشبهة الأولى :

أنه لا معنى [للرّسالة (٢)] على ما قرّرتموه غير قوله ـ تعالى ـ لمن اصطفاه أرسلتك وبعثتك.

وعند ذلك فلا بدّ وأن يعلم الرّسول أنّه مرسل من عند الله ـ تعالى ـ وذلك لا يكون إلا بكلام منزّل عليه ، أو بكتاب يلقى إليه ؛ إذ المرسل له غير محسوس ،

وعند ذلك فإما / أن لا يقولوا بالجنّ ، أو يقولون بهم.

فإن لم يقولوا بالجنّ : فهو خلاف أصلكم وما دلّ عليه كتابكم ، وأخبار نبيّكم ، وإجماع الأمة.

أما الكتاب : فقوله ـ تعالى : (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) (٣) وقوله ـ تعالى : (وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ) (٤) وقوله تعالى : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ) (٥) وقوله ـ تعالى : (وَالشَّياطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ ٣٧ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ) (٦) وقوله ـ تعالى : (يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَتَماثِيلَ وَجِفانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ راسِياتٍ) (٧) وقوله تعالى : (قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ) (٨) وقوله ـ تعالى : (وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ) (٩) وقوله ـ تعالى : (فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ) (١٠) وقوله تعالى (وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ) إلى غير ذلك من الآيات.

__________________

(١) وأما القائلون بإحالة البعثة فهم البراهمة ، والصابئية ، والتناسخية كما مر.

(٢) ساقط من (أ)

(٣) سورة الأحقاف ٤٦ / ٢٩.

(٤) سورة الملك ٦٧ / ٥.

(٥) سورة البقرة ٢ / ١٠٢.

(٦) سورة ص ٣٨ / ٣٧ ، ٣٨.

(٧) سورة سبأ ٣٤ / ١٣.

(٨) سورة النمل ٢٧ / ٣٩.

(٩) سورة سبأ ٣٤ / ١٢.

(١٠) سورة سبأ ٣٤ / ١٤.

سورة الصافات ٣٧ / ٧.

٣٠

وأما الأخبار : فمنها ما رواه مالك عن النبي عليه ـ الصلاة والسلام أنه رأى عفريتا من الجنّ يطلبه كشعلة من نار.

ومنها ما اشتهر من قصة النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ليلة الجن (١) ،

إلى غير ذلك من الأخبار المرويّة الصحيحة

وأما الاجماع : فهو أن الأمّة سلفا ، وخلفا لم يزالوا متطابقين على ذلك وعلى التعوّذ من الشّياطين من عهد الصّحابة ، وإلى زمننا هذا من غير نكير ، ومن أحاط معرفة بعجائب المقدورات وما خلق الله ـ تعالى ـ من السماوات والأرض وما بينهما من العجائب والغرائب وعلم أنّ خلق الجنّ مما ليس بمحال لنفسه. ولا القدرة الأزلية قاصرة عنه ، ولا أنه مما يلزم عنه إبطال قاعدة من القواعد العقلية ، ولا هدم أصل من الأصول الدينية ، لم يستبعد وجود الجن ، والعمل بظواهر هذه الأدلة السمعية من غير تأويل.

وغاية ما فيه وجود أشخاص بيننا ونحن لا نراها وليس ذلك ممّا يمنع من وجودهم ؛ والّا لزم منه امتناع وجود الملائكة ، والحفظة الكاتبين ؛ وهو خلاف مذهب المسلمين ، وأرباب الشرائع.

وإن قلتم بالجنّ : فما الّذي يؤمنه أن يكون المخاطب له جنّى وما ألقى إليه ليس من عند الله. ومع هذا الاحتمال فلا وثوق برسالته.

[الشبهة] الثانية :

أن ما يكلمه وينزل إليه بالوحى : إما أن يكون جرمانيا ، أو روحانيا.

فإن كان الأول : وجب أن يكون مشاهدا مرئيا.

__________________

(١) قال الله ـ تعالى ـ (وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ) وقال ـ تعالى ـ (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِ) وعن علقمة قال : قلت لابن مسعود : (هل صحب رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ ليلة الجن منكم أحد؟ قال : ما صحبه منا أحد ولكنا فقدناه ذات ليلة بمكة فقلنا : اغتيل أو استطير ، ما فعل به؟ قال : فبتنا بشر ليلة بات بها قوم ، فلما كان فى وجه الصبح إذا نحن به يجئ من قبل حراء. فأخبرناه ، فقال : «إنه أتانى داعى الجن فأتيتهم فقرأت عليهم» فانطلق فأرانا آثارهم ، وآثار نيرانهم)

[انظر تهذيب الخصائص النبوية الكبرى للحافظ السيوطى تهذيب عبد الله التليدى حديث رقم ١٠٧ ص ١٠١].

٣١

وإن كان الثانى : فذلك منه مستحيل.

[الشبهة] الثالثة :

أنّ ما يأتى به إمّا أن يكون مدركا بالعقول / أو غير مدرك بالعقول.

فإن كان الأول : فلا حاجة إلى الرّسول ؛ بل البعثة تكون عبثا ، وسفها ؛ وهو قبيح ؛ والربّ ـ تعالى ـ لا يفعل القبيح.

وان كان الثانى : فما يأتى به لا يكون مقبولا ؛ لكونه غير معقول ؛ فالبعثة على كل تقدير لا تفيد.

[الشبهة] الرابعة :

أن النفوس الانسانية كلها من نوع واحد فوجب أن تستقل كل منها بإدراك ما أدركته الأخرى. وأن لا يتوقف على من يتحكم عليها فيما / / تهتدى إليه [وما لا تهتدى] (١) فإن ذلك مما يقبح من الحكيم عقلا.

[الشبهة] الخامسة :

أن العلم برسالة الرّسول ، ووقوع التّصديق بقوله يتوقّف على معرفة وجود المرسل ، وصفاته : وما يجوز عليه وما لا يجوز عليه. وليس العلم بذلك من البديهات ؛ بل من أغمض النظريات.

ولهذا فانّه لو خلّى الإنسان ودواعى نفسه من مبدأ نشوئه إلى آخر حياته من غير نظر واستدلال لما وجد من نفسه العلم بذلك أصلا.

فعند إرسال الرسول : إما أن يجوز للمبعوث إليه الإمهال للنظر فى ذلك والاعتبار ، أو لا يجوز له ذلك.

فإن كان الأول : فلا يخفى أن زمان النظر غير مقدر ، ولا محصور بزمان معين ؛ بل هو مختلف باختلاف الأشخاص ، وأحوالهم ، والاشتداد والضعف فى أفهامهم ، وذلك مما يفضى إلى تعطيل النبي عن التبليغ لرسالته ، وإفحامه فى دعوته ولا تبقى فائدة فى بعثته.

__________________

/ / أول ل ٧٢ / ب.

(١) ساقط من (أ)

٣٢

وإن كان الثانى : فهو تكليف بما لا يطاق وهو قبيح على ما تقدم (١) وصدور القبيح من الله ـ تعالى ـ محال.

[الشبهة] السادسة : أنه إما أن يكون الرب ـ تعالى ـ عالما بالجزئيات أو لا يكون عالما بها ،

فإن لم يكن عالما بالجزئيات : فقد بطل الإرسال مطلقا فإن من لم يعلم الرسول لا يكون مرسلا له وكذا من لا يعلم المرسل إليه لا يكون [المرسل (٢) إليه] مأمورا ولا منهيا من جهته

وإن كان عالما بالجزئيات : فإما أن يكون الرسول مبعوثا إلى من علم الله أنه لا بد أن يؤمن دون غيره ، أو إلى من علم أنه يكفر دون غيره ، أو إلى الكل.

فإن كان الأول : فهو خلاف مذهب القائلين بالنبوات ، ومع ذلك فلا فائدة فى الإرسال إلى من علم منه الإيمان وأنه لا بد وأن يكون منه. فإنه بتقدير عدم الإرسال يستحيل أن لا يؤمن وإلا صار علم البارى تعالى ـ جهلا ؛ وهو محال.

وإن كان الثانى : فهو أيضا خلاف مذهب القائل بالنبوات ، ومع ذلك فهو ممتنع من ثلاثة أوجه : ـ

الأول : أن البعثة إليه تكون عبثا ؛ ضرورة العلم بأنه لا يؤمن ؛ والبعث قبيح.

الثانى : أنه يلزم منه التّكليف بما هو / خلاف معلوم الله ـ تعالى ؛ فيكون تكليفا بما لا يطاق ؛ وهو ممتنع على ما سبق (٣).

الثالث : أنه خلاف الأصلح فى حقه لما يلزم من الإثم والعقاب بتقدير المخالفة المعلومة ، والرب ـ تعالى ـ لا يفعل ما لاصلاح فيه للعبد على ما سبق فى التعديل ، والتجوير (٤).

__________________

(١) انظر ما مر فى الجزء الأول ل ١٩٤ / ب وما بعدها ص ٣١٩ وما بعدها من الجزء الثانى المسألة الخامسة : فى تكليف ما لا يطاق.

(٢) ساقط من أ.

(٣) انظر ما مر فى الجزء الأول ل ١٩٤ / ب وما بعدها. المسألة الخامسة : فى تكليف ما لا يطاق.

(٤) انظر ما مر فى الجزء الأول ل ١٨٦ / ب وما بعدها. المسألة الثالثة : فى أنه لا يجب رعاية الغرض والمقصود فى أفعال الله ـ تعالى ـ وأنه لا يجب عليه شيء أصلا.

٣٣

وإن كان الثالث : فهو باطل بما علم فى القسمين الأولين.

[الشبهة] السابعة : أن البعثة إما أن تكون لفائدة ، أو لا لفائدة.

لا جائز أن تكون لا لفائدة : والا كانت عبثا ، والعبث على الله ـ تعالى ـ محال.

وان كانت لفائدة : فإما أن ترجع إلى الخالق ، أو المخلوق.

لا جائز أن يقال بالأول : إذ هو يتعالى ويتقدس عن الأغراض والضرر والانتفاع.

وإن كان الثانى : فالفائدة إما جلب نفع ، أو دفع ضر وأى الأمرين قدر ، فالرب ـ تعالى ـ قادر على تحصيله للعبد إن كان نفعا ، وعلى دفعه إن كان ضررا بدون واسطة البعثة ؛ فلا تكون البعثة مفيدة.

[الشبهة] الثامنة : أن البعثة إمّا أن تكون متضمنة للتكليف ، أو لا تكون متضمنة له :

لا جائز أن تكون غير متضمنة للتكليف ؛ إذ هو خلاف مذهب القائلين بالبعثة.

وإن كانت متضمنة للتكليف : فالتكليف ممتنع لوجوه سبعة : ـ

الأول : أنّ قدرة العبد عندكم غير مؤثرة فى إيجاد الفعل المكلف به ؛ بل الفعل مخلوق لله ـ تعالى ـ ؛ فالتكليف يكون بفعل الغير فيكون تكليفا بما لا يطاق ؛ وهو ممتنع ؛ لما سبق (١).

الثانى : أنّ التّكليف إمّا أن يكون ممّا علم الله أنه يقع أو مما علم أنه لا يقع.

فان كان الأول : فلا حاجة إلى التكليف به مع لزوم وقوعه.

وإن كان الثانى : فهو تكليف بما لا يطاق ؛ فيكون ممتنعا (٢).

الثالث : أنّ التكليف إضرار بالعبد. والإضرار قبيح ، والرّب تعالى ـ منزه عن فعل القبيح.

وبيان أن التكليف إضرار : أنّه لا يخلو : إما أن يفعل العبد ما كلف به ، أو لا يفعل.

__________________

(١) راجع ما مر فى الجزء الأول ل ١٩٤ / ب وما بعدها ص ٣١٩ وما بعدها. من الجزء الثانى المسألة الخامسة : فى تكليف ما لا يطاق.

(٢) انظر ما مر فى المصدر السابق.

٣٤

فإن فعل : فالإضرار لازم له بما يناله من التعب والمشقة وبما يلحقه من العجب والكبرياء على الغير ؛ لإتيانه بما كلّف به كما جرى لإبليس.

وإن لم يفعل فالإضرار لازم له بالإثم ، والعقاب.

// الرابع : أنّ أرباب الشّرائع والعقول متّفقون على أن السعيد سعيد فى بطن أمه ، والشّقى شقى فى بطن أمّه ، وأن المقضىّ به من الله ـ تعالى ـ مما كان وما هو كائن لا بد من وقوعه على حسب ما قضى به.

وعند ذلك فالتكليف لا يكون مفيدا فى الدنيا ، ولا فى الآخرة ، لأنه / لا يستلزم جلبا ، ولا دفعا.

الخامس : أن فى التكليف بالأفعال المشقة البدنية مما يشغل عن التفكير ، والنظر فى معرفة الله ـ تعالى ـ وما يجب له من الصفات وما يجوز عليه ، وما لا يجوز عليه.

ولا يخفى أن اللذة الحاصلة والمصلحة المتوقعة من هذا الفائت تزيد ، وتربو على ما يتوقع من التكليف بالأفعال البدنية ؛ فكان ممتنعا عقلا.

السادس : أن التكليف إما أن يكون لجلب نفع ، أو لدفع ضرر ، وكل واحد من الأمرين مما يقدر الرب ـ تعالى ـ على تحقيقه للعبد دون التكليف ؛ فلا حاجة إلى التكليف.

السابع : أن التكليف بإيقاع الفعل : إما أن يكون فى حال وجود الفعل ، أو بعد وجوده ، أو قبل وجوده.

الأول والثانى : محال ؛ لما فيه من التكليف بتحصيل الحاصل.

والثالث : يلزم منه التكليف بالوجود فى حالة العدم ؛ وهو محال.

وإذا كان كل واحد من الأقسام باطلا ؛ فالتكليف يكون باطلا.

[الشبهة] التاسعة (١) :

أنّا وجدنا كلّ مدّع للرّسالة قد أباح أمورا ، وأوجب أمورا تحظرها العقول ، وحرّم أمورا تحسّنها العقول. وكل من أخبر عن الله ـ تعالى ـ بما يخالف قضايا العقول ، أو مقتضى

__________________

/ / أول ل ٧٣ / أ. من النسخة ب.

(١) فى (أ) الثامنة.

٣٥

الحكمة كان قوله مردودا : وذلك كإباحة ذبح الحيوان ، وإيلامه ، وتسخيره والعطش ، والجوع ، فى أيام الصيام ، والمنع من الملاذّ التى فيها صلاح الأبدان ، والأفعال الشاقة :كقطع المهامة ، وأفعال الحج : كزيارة بقع مخصوصة ، [والطواف ببعضها ، والسعى في أماكن مخصوصة] (١) مع عدم الأولوية ومضاهاة الصبيان ، والمجانين فى التعرّى وكشف الرءوس فى الإحرام ، ورمى الحصى فى الجمار إلى غير مرمى وتقبيل حجر لا مزية له على باقى الأحجار.

[الشبهة العاشرة] (٢) : أنه إذا أرسل الله ـ تعالى ـ رسولا إلى قوم معينين وأمره بتبليغ الرّسالة إليهم فإما أن يعلمه أنه سيبقى إلى حالة التبليغ ، أو لا يعلمه بذلك.

فإن كان الأول : فهو خلاف (٣) مقتضى حكمة الصلاح ؛ لما فيه من اغراء العبد فى الحال بالذلل مع توطن النفس على التوبة ، والإنابة بعد ذلك ، وهذا مما اتفق على امتناعه القائلون برعاية الصلاح.

وان كان الثانى : فالرسول لا يعلم كونه رسولا.

[الشبهة] الحادية عشرة : لا يخلو إما أن يكون فى البعثة وشرع الشرائع لطف ، ومصلحة ، أو لا يكون ذلك.

فإن كان الأول : فاما أن يكون الرب ـ تعالى ـ قادرا على نصب دليل عقلى عليها ، أو لا يكون قادرا.

فإن كان قادرا : لزم أن ينصب عليها دليلا عقليا ؛ إذ هو أبلغ فى تحصيل المقصود كما فعل ذلك فى / الواجبات العقلية.

وإن لم يكن قادرا : فيكون ذلك [تعجيزا (٤)] للرب ـ تعالى ؛ وهو محال.

وإن كان الثانى : وهو أن لا يكون فيها لطف ولا مصلحة : فالبعثة تكون عبثا ، والعبث على الله ـ تعالى ـ محال.

__________________

(١) ساقط من أ.

(٢) فى (أ) (التاسعة)

(٣) ساقط من ب.

(٤) فى (أ) (معجزا)

٣٦

[الشبهة] الثانية عشرة : وهى ما أوردها القائلون بالتناسخ وهى أن قالوا الأفعال الإنسانية إن كانت على منهاج قويم ، وسنن مستقيم من فعل الخيرات والاعتقادات الصحيحة ارتفعت نفس فاعلها بعد مفارقة بدنها إلى رتبة أعلى من رتبتها بحيث تصير نبيا ، أو ملكا ، وإن كانت أفعاله على نهج أفعال الحيوانات العجماوات وهو منغمس فى الرذائل ، والشهوات انحطت نفسه إلى درجة الحيوانات ، أو أسفل منها وهكذا كلما انقضى عصر ، ودور. فلا يزال فى فعل لجزاء ، أو جزاء على فعل ، وهكذا أبدا ؛ وذلك كله مما عرف بالعقول على مرّ الدهور ؛ فلا حاجة للانسان إلى من هو مثله يحسن له فعلا ، ويقبح له فعلا ، ويأمره بما لا يريد ، وينهاه عما يريد.

[الشبهة] الثالثة عشرة : أنه لا طريق إلى معرفة صدقه. وما لم يعلم كونه صادقا فى الرسالة ؛ فلا تكون الرسالة مفيدة.

وبيان ذلك هو أن التصديق له بنفس دعواه مع أن الخبر مما يصح أن يكون صادقا ويصحّ أن يكون كاذبا ممتنع. وإن كان بأمر خارج : فإمّا أن تقع المشافهة من الله ـ تعالى ـ لنا بتصديقه ، وإمّا باقتران أمر ما يقوله يدل على صدقه.

لا سبيل إلى الأول : إذ المشافهة من الله ـ تعالى ـ بالخطاب / / متعذرة ، ولو لم تكن متعذرة لاستغنى عن الرسول.

وان كان الثانى : فما يقترن بقوله (١) إما أن يكون خارقا للعادة ، أو لا يكون خارقا لها.

لا جائز آن يكون خارقا للعادة : لأنّا لو جوزنا خرق العوائد ؛ فيلزم منه أن لا يقطع وجود ما شاهدناه من لحظة من الجبال الشامخة والبحار الزاخرة ، والسماوات بعد تغميض العين فيها باقيا إلى وقتنا هذا وأن نجوز انقلاب ماء البحر دما ، والجبال ذهبا ، وأن نجوز انفطار السماء ، وانتثار الكواكب ، وتدكدك الجبال.

وأن لا نقطع بأن من يخاطبنا بالكلمة الثانية أنه غير من خاطبنا بالكلمة الأولى ؛ لجواز عدمه ، وخلق مثله ، وأن لا نتيقّن أنّ ما نشاهده من أموالنا ، وأهلينا ، ومعارفنا أنه هو ؛ لجواز عدمه ، وخلق مثله إلى غير ذلك ، ولا يخفى ما فى ذلك من الخبط وتشويش / القواعد.

__________________

/ / أول ل ٧٣ / ب.

(١) ساقط من ب.

٣٧

وأقرب ما يلزم منه فيما نحن فيه أن لا يبقى الوثوق بمن دلّت المعجزة على صدقه ولو بعد لحظة أنه هو لجواز إعدامه ، وخلق مثله.

وإن لم يكن ما اقترن بقوله خارقا [للعادة] (١) ؛ فلا دلالة على صدقه ؛ فلا تمييز له عن غيره ؛ لتساوى الناس فيما ليس بخارق.

[الشبهة] الرابعة عشرة : سلّمنا جواز خرق العوائد ولكن إنّما يدله ذلك على صدقه أن لو لم يكن ذلك من فعله. وإلا فبتقدير أن يكون من فعله ، فلا دلالة له على صدقه. ولا يكون ذلك نازلا منزلة التصديق له من الله ـ تعالى ؛ لكونه غير مخلوق له ؛ فلا بدّ من بيان أنّه ليس من فعله ، وما المانع أن يكون ذلك الشّخص قادرا على ما لا يقدر عليه غيره باعتبار مخالفة نفسه لسائر النّفوس الإنسانيّة بالحقيقة ، والماهية.

[الشبهة] الخامسة عشرة : سلمنا امتناع مخالفة نفسه لباقى النفوس الإنسانية ، ولكن ما المانع أن يكون مزاج بدنه الخاص به مخالفا لأمزجة باقى الناس ، ويكون لذلك قادرا على ما لا يقدر عليه غيره.

[الشبهة] السادسة عشرة : سلمنا امتناع مخالفة مزاجه لمزاج غيره ، ولكن لا يخلو : إمّا أن تقولوا بجواز السّحر ، أو لا تقولون به.

فإن لم تقولوا بجواز السّحر ؛ فقد خالفتم كتابكم ، وسنة نبيّكم وإجماع الأمة من المسلمين.

أما الكتاب : فقوله ـ تعالى : ـ (وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ) الى قوله ـ تعالى : ـ (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) (٢) وهو صريح فى أن من السّحر ما يفرّق به بين المرء وزوجه ، وقوله ـ تعالى : ـ (فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجاؤُ بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) (٣).

__________________

(١) ساقط من أ.

(٢) سورة البقرة ٢ / ١٠٢.

(٣) سورة الأعراف ٧ / ١١٦.

٣٨

وأما السنة : فما روى أن لبيد بن الأعصم (١) سحر رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم وألقى السحر فى بئر دودان تحت مشط ومشاطة ودل [جبريل] (٢) النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فأمر النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ عليا باخراجه ، فلما أخرجه وحل عقده ، انسلّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ مما كان معه كما أنشط من عقاله ، ونزلت عقيب ذلك سورة الفلق.

وأما الإجماع : فهو أنه ما من عصر من الأعصار من عهد الصحابة إلى حين ظهور المخالفين إلا وقد كان الناس يتفاوضون فى أمر السحر وتأثيراته حتى اختلف الفقهاء والأئمة فى أحكام الساحر.

فحكم بعضهم بوجوب قتله ، وحكم آخرون بكفره ، وقال الشافعى (٣) : إذا اعترف الساحر أنه قتل رجلا بسحره ، وأنّ سحره مما يقتل غالبا فعليه القود من غير نكير ؛ فكان ذلك إجماعا. وقد اشتهرت / الروايات الصحيحة أن ساحرا حضر مجلس الوليد بن (٤) عقبه فكان يدخل فى جوف بقرة ويخرج منها ويفعل ذلك مرّة بعد مرة حتى ضرب

__________________

(١) لبيد بن الأعصم ـ منافق. كان حليفا لليهود. وهو من الخزرج. انظر عنه وما حدث منه فتح البارى ١٠ / ٢٣٦ شرح حديث ٥٧٦٣.

وانظر هامش شرح المواقف. الموقف السادس ص ٨٣ فقد علق على ما حدث بقوله : «روى أنه سحر النبي صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى إحدى عشرة عقدة وتر دسه فى بئر. فمرض عليه‌السلام ، ونزلت المعوذتان ، وأخبره جبريل عليه‌السلام بموضع السحر ، فأرسل عليا كرم الله وجهه ؛ فجاء به ؛ فقرأهما عليه ، وكان كلما قرأ آية انحلت عقدة ، ووجد بعض الخفة. فإن قلت : هل لا يلزم على هذا صدق الكفرة فى أنه مسحور. قلت : لا لأنهم أرادوا به أنه مجنون بواسطة السحر. وحاشاه عن ذلك»

(٢) فى أ ، ب (ميكائيل).

(٣) الإمام الشافعى : محمد بن ادريس بن العباس بن عثمان بن شافع القرشى. أحد الأئمة الأربعة عند أهل السنة ، وإليه نسبة الشافعية كافة. ولد فى غزة بفلسطين سنة ١٥٠ ه‍ وحمل إلى مكة وهو ابن سنتين وزار بغداد مرتين ، وقصد مصر سنة ١٩٩ ه‍ وتوفى بها وقبره معروف بالقاهرة. أفتى وهو ابن عشرين سنة كان من أذكياء العالم له تصانيف كثيرة مشهورة : أشهرها كتاب الأم فى الفقه ، والرسالة فى أصول الفقه وكتبت عنه كتب كثيرة منها :

كتاب [الإمام الشافعى] فى سيرته للشيخ مصطفى عبد الرازق وكتاب [الشافعى] للشيخ أبو زهرة. قال عنه الإمام أحمد بن حنبل : «ما أحد ممن بيده محبرة ، أو ورق ، إلا وللشافعى فى رقبته منّة». توفى ـ رضى الله عنه ـ بالقاهرة سنة ٢٠٤ ه‍.

[تذكرة الحفاظ للذهبى ٣٢٩ وصفة الصفوة لابن الجوزى تحقيق أبى على مسلم الحسينى مكتبة الإيمان بالمنصورة ١ / ٤١٣ ـ ٤١٩ وطبقات الشافعية للسبكى ١ / ١ ـ ١٨٥].

(٤) الوليد بن عقبة بن أبى معيط ، أسلم يوم فتح مكة ، وهو أخو عثمان بن عفان لأمه ـ بعثه رسول الله ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ على صدقات بنى المصطلق ثم ولاه عمر ـ رضى الله عنه ـ صدقات بنى تغلب. تولى إمارة الكوفة بعد سعد بن أبى وقاص سنة ٢٥ ه‍ فى عهد عثمان بن عفان رضى الله عنه واستمر بها حتى سنة ٢٩ ه‍ واتهم بشرب الخمر ، وشهد عليه جماعة فعزله الخليفة عثمان وأقام عليه الحد ، ولما قتل الامام عثمان تحول الوليد إلى الجزيرة الفراتية فسكنها ، واعتزل الفتنة بين على ومعاوية مات بالرقة سنة ٦١ ه‍ (الإعلام للزركلى ٨ / ١٢٢)

٣٩

جندب البقرة بسيفه ضربة بعد ولوج الساحر فيها فصادف منها الفقار فجزلها جزلتين ؛ فلم يظهر الساحر بعدها.

وكان قد قال ـ النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم ـ فى حقه «جندب رجل من أمتى يضرب ضربة يبعث بها أمة وحده (١). وإذ دل عليه السمع والعقل لا يحيله فلا سبيل إلى منعه ، وتأويل ما ورد فيه من السمعيات من غير دليل

وإن قلتم بالسّحر فما المانع أن يكون ما أتى به من أنواع السحر الغريبة وقد استأثر بعلمه وعمله دون غيره.

[الشبهة] السابعة عشرة : سلّمنا امتناع السحر فى نفسه غير أنّه لا سبيل إلى إنكار الطلاسم الغريبة المؤثرة التأثيرات العجيبة.

وعند ذلك : فلا مانع أن يكون قد استأثر ذلك الشخص بمعرفة نوع من أنواع الطّلسمات المؤثرة بعض التأثيرات الغريبة / / المعجزة بحيث يعجز عن مثله من هو فى عصره ، أو أن يكون ذلك الخارق تابعا لخاصية بعض أنواع المركبات إذ الخواص لها من التأثيرات غرائب وعجائب كتأثير خاصية المغناطيس فى جذب الحديد ، والكهرباء فى جذب التبن وغيره ؛ فيكون ذلك الشخص عالما بتركيب ذلك النوع دون غيره ، ومع هذا الاحتمال فلا يبقى الوثوق بصدقه فى كونه رسولا.

[الشبهة] الثامنة عشرة : سلمنا أنه ليس من فعله ، غير أن دلالته على صدقه متوقفة على فعله ، وذلك لأن ما أتى به لو تجرد عن التحدى بالنبوة ؛ لم يكن دليلا على صدقه ، وإن كان لا دلالة دون التحدى ، والتحدى من فعله ؛ فلا يكون دليلا على صدقه.

[الشبهة] التاسعة عشرة : سلمنا أنه لا أثر لفعله مطلقا ؛ ولكن ما المانع أن يكون ذلك من فعل بعض الملائكة ، أو الشياطين ، أو أنه مستند إلى الاتصالات الكونية

__________________

(١) جندب : جندب بن زهير الأزدى الغامدى [الاصابة فى تمييز الصحابة لابن حجر ١ / ٢٧٠ ـ باب ج ـ ن (رقم ١٣٤٦) الطبعة الأولى سنة ١٣٢٨ ه‍] وهو جندب الخير الأزدى قاتل الساحر. قال بن حبان : أبو عبد الله الأزدى الغامدى صحابى روى بن السكن من حديث بريدة أن النبي ـ صلى‌الله‌عليه‌وسلم قال : «يضرب ضربة واحدة فيكون أمة وحده». انظر فتح المجيد شرح كتاب التوحيد للشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ ـ ط دار الفكر بلبنان. ص ٢٩١ وما بعدها ففيه معلومات مفيدة عن هذه المسألة. وانظر أيضا : (تيسير العزيز الحميد فى شرح كتاب التوحيد) ـ للشيخ سليمان بن عبد الله ص ٣٤٠ وما بعدها. (وكتاب السحر بين الحقيقة والخيال) ـ تأليف ـ د. أحمد الناصر ط ١٤٠٨ ه‍ ص ١٦٥ وما بعدها.

/ / أول ل ٧٤ / أمن النسخة ب.

٤٠